مشاهدة النسخة كاملة : رصيف الزعتر ...
نور المستوحشين
27-03-2009, 07:42 PM
بين يديكم "رصيف الزعتر" في فصول...وهذه قصة منقولة للأمانة
فليست من كتاباتي الخاصة ...
"شجار على رصيف الزعتر"
شمس شتاء كانون الأول تداعب الأبدان المرتعشة من خلال نافذة صغيرة سمحت بها الغيوم ، البحث عن أشعة الشمس يكوم الطالبات على رصيف الزعتر ، الأكياس البلاستيكية و بقايا الشطائر و علب العصير الكرتونية ترسم لوحة عبثية على أرض الساحة المقابلة للرصيف ، و بعض الطالبات تنشدن الدفء في الحركة النملية بين العلب و الأكياس ، بينما تقف سلال القمامة المبطنة بالأكياس السوداء خاوية البطن ، تستجدي كرم الطالبات فلا يجيبها إلا لمما غاضبة على الأرض ، هذه الزمرة الغاضبة ترفض أن تفلت بقاياها لتلتقفها الأرض ، ففي اعتقادهن أن رمي الفضلات على الأرض يعكس صورة سيئة عن أخلاقهن و يزيد من تعب عاملتي النظافة المسكينتين ، إذ لا تكاد آخر طالبة تدخل إلى الفناء الداخلي إلا و خرجتا يجمعان المخلفات و يحولان تلك الرسمة الطفولية إلى صفحة من البلاط الذي غيرت لونه الشمس...
كانت "هدى علي" ذات قوام رشيق و بشرة فاتحة و خدين مشربين بالحمرة ، يقسم صفحة وجهها الطولي أنفٌ طويل ، يبدأ من عينين حوراويتين واسعتين و ينتهي بفم لا بالقصير و لا بالطويل و يكمل لوحة وجهها قد رقيق ، كان وجهها ينم عن فتاة لم تخضع لخيط التنظيف قط ، يتكاثف الشعر فوق فمها ، و تتحدر من رأسها ظفيرة سوداء طويلة لتلامس ظهرها المستند إلى الحائط العجوزالذي يغالب نفسه ليقاوم جميع عوامل التعرية ، بين تفاوت حرارة الصيف و الشتاء و بين الأمطار الموسمية التي تسقط في شهرين فتكون كالمعاول التي تعمل على مدار العام و أقلام العابثات منذ افتتاح المدرسة و مع تعاقب الأجيال ، لم يتعرض هذا الحائط إلى أي إعادة بناء منذ إنشاء المدرسة عام 1391 هـ ، لكنه خضع لاجتهادات و عمليات تجميل كثيرة من إدارة المدرسة ، وكان العامل الوحيد الذي يكلف دائما بسد الثقوب في الجدارهو حارس المدرسة "أبو هلال" حيث يصنع خليطه الإسمنتي و يلطخ به الجدار و لا يمر شهر إلا و قد تشقق و تعرض مرة أخرى لعملية سد المسامات ، تراقب "هدى" التكوم البشري على الرصيف و هي تفرك يديها الواحدة بالأخرى ، تنقل بصرها من حلقة إلى أخرى ، تلاحظ المعاطف التي تميز الطالبات عن بعضهن البعض ، فواحدة ترتدي معطفا خفيفا من الجينز و تخفي كفيها في مخابئه الجانبية ، و أخرى تلبس سترة قطنية بيضاء ، و ثالثة تقاوم البرد بضم اليدين تارة و بث الحرارة من الفم إلى الكف تارة أخرى...
شرد فكر "هدى" و هي تراقب الغيم المتكتل بكثافة في السماء ، تسلل فكرها إلى المنزل ليراجع دوامة الصراخ و الجو المشحون الذي خلقه أخاها الأصغر "حسين"...
ضربتها "أمل جاسم" على كتفها فانتفضت كأنها تزيل الثلج عن جسدها ، هتفت مرتعبة:
- ما بكِ أخفتيني...ضحكت "أمل" و هي تقول:
- لو نظرتِ لنفسك في المرآة!... كأنك تناقشين شيئا ما... كان وجهك يتلون و تقطبين جبينك و ترخينه...
سكن روع "هدى" ، سألت:
- منذ متى و أنتِ هنا؟؟.. لم ألحظ وجودك...
- منذ أن أفلتِ من يدك علبة العصير...
تطلعت "هدى" ليدها وفغرت فاهها..
- متى سقط من يدي...
- تقريبا.. منذ خمس دقائق.. ألم أقل لك أنك كنت تناقشين أمرا ما... هيا أخبريني؟؟؟ ماذا يشغل فكرك؟؟
حركت "هدى" رأسها كمن يطرد فكرة ما و قالت:
- لا شيء... لاشيء على الإطلاق...
أصرت "أمل" على أن تبوح لها "هدى" بما ينغص عيشها ويكدر صفوها:
- من يشرد ذهنه هكذا... لابد أن به شيئا ما... هل نقصتِ درجة و لست مقتنعة؟؟؟
- لا...
- إذاً... تعرضتِ لموقف ما أحرجكِ؟؟
- لا...
- ثمة أمر في المنزل؟؟
- ها؟؟ لا... ليس أمرا مهما...
- أمكِ من جديد؟؟
- نعم.. أمي..
- لابد أنك نسيتِ غسل الصحون...
- لا.. الأمر لا يخصني...
- إذاً.. يخص من؟؟
- يخص "حسين"... المراهق..
- ماذا فعل؟؟
- يريد سيارة... تخيلي... "حسن" في الجامعة لا يملك سيارة... و "حسين" يريد سيارة... إنه يهددنا بترك الدراسة...
- ألم يكن عاقلا...
- كان فعل ماض...إنه يتصرف بأنانية ، لا يراعي ظروف أبي و عمله...
- و ماذا فعلت أمك؟؟
- قلبت المنزل إلى صفيح من نار ، لم نسلم من صراخها ، ولم تدع جانباً إلا و طرقته ، وعندما عاد أبي أخبرته فأخرج الخيزران و ضرب "حسين"...
- آها..
- تلوى جسمه تحت وطأة العصا ، لم يتوقف عن ضربه إلا وقد تمزق ظهره و تلون جسده...
- مسكين... في هذا الشتاء؟؟؟
- أخشى أن يفر من المنزل و لا يعود...
- لن يفر بإذن الله...
كان نظر "أمل" يتنقل في زوايا الساحة المدرسية ، إذ ثبتت نظرها على امتداد المساحة التي تفصلها عن ركن البيتزا و هتفت...
- انظري من القادم...
نظرت "هدى" إلى حيث تشير "أمل" ، وضعت يدها على قلبها ، قالت:
- ماذا تريد قليلة الحياء هذه؟؟
- سترك يا أرحم الراحمين...
- أرى حركاتها هذه الأيام في ازدياد...
كانت فتاة رشيقة بيضاء ، ذات وجه دائري و خدين تبرز فيهما غمازتان ، و عينين عسليتين متوسطتي الحجم ، بشرة صافية ، حاجبين مرسومين بدقة ، و شعر أسود مائلٍ للبني متموج يصل إلى أذنها، تشق طريقها نحو "هدى" و "أمل" ، تحمل في كفها عصير الفواكه الطبيعية المشكلة ، و يتبعها على بعد خطوات مجموعة من الفتيات ترتسم على وجوههن ابتسامات شامتة ، كانت "عبير سمير" الملقبة بين الطالبات بالزعيم ، وقد وصلت إلى "هدى" و انحنت لتضع العصير على الأرض ، ثم بحثت في مخابئ معطفها برهة و أخرجت علبة سجائر و قداحة ، وضعت سيجارة في فم "هدى" و هتفت و هي تقدح اللهب...
- هل تريد أن أشعلها لك يا حاج؟؟؟
حولت "هدى" السيجارة إلى حطام ثم ركلت علبة العصير الذي وضعته "عبير" و انقضت على شعر "عبير" كأنها أسد غاضب ، فالتحمت معها "عبير" في معركة ضارية ، و تجمهرت الفتيات حولهما بينما علا الصفير من صديقات "عبير" و ارتفع الصراخ و أصوات التشجيع من كل حدب و صوب إلى أن تدخلت "أمل" و أوقفت المعركة على وقع صافرة انتهاء الفسحة المدرسية ، فهتفت "عبير" و هي تحاول استعادة أنفاسها ممسكة شعرها بكلتا يديها...
- سترين... يا فلاحة (1) ...
أمسكت "أمل" كف "هدى" و انسلت بها من بين الجمع فتفرقت الفتيات على صوت المعلمة المناوبة أبلة "سعاد" ، و لم يبق في الساحة إلا "عبير" و صديقاتها فلفتن نظر المعلمة التي أمسكت بـ "عبير"...
- مالذي فعل بك هذا؟؟
- هه؟؟ .. كنت أمزح مع صديقتي و تبعثر شعري فقط...
- متأكدة؟؟؟
- إذا لم تصدقي... اسألي البنات..
- إذن... رتبي مظهرك و أسرعي إلى الفصل... الحصة الرابعة بدأت..
- إن شاء الله معلمة...
كانت "هدى" منذ طفولتها هادئة الطبع في المدرسة ، تتحاشى الصدام مع الأخريات ، تجلس في المقاعد الأولى في بحث دائم عن التفوق الدراسي ، وقد نمت في شبه عزلة عن الطالبات تقريبا ، فالطالبة المتفوقة الصامتة عادة ما تكون محط حسد أترابها و غيرتهن و حنقهن ، لاسيما أنها تستأثر بورقتها لنفسها و لا تلتفت لتوسل من تكون خلفها في الاختبارات ، فلم تستحوذ على إعجاب أي زميلة من زميلاتها ، و لم تلتحق بأي جماعة من الجماعات المختلفة ، كانت تثير منافساتها بإجاباتها النموذجية ، فكن يحدثنها و يلاطفنها و يتقربن منها ثم يكدن لها المكائد و يثرن حولها الشائعات من ورائها ، و قد انتشرت عنها في المرحلة المتوسطة أكذوبة التجسس ، و تأكدت الأكذوبة عندما شاهدنها بعض الطالبات تخرج من غرفة المدرسات بعد أن سلمت دفترها الرياضيات إلى المعلمة ، و قد صادف أن استدعت الإدارة سرب من المشاغبات إحداهن "عبير" ، و منذ ذلك اليوم أعلنت "عبير" عداوتها لـ "هدى"...
كانت "أمل" السمراء المكتنزة ذات الشعر الأسود الفحمي الناعم ، و الوجه الدائري و العينين الضيقتين و الأنف المعتدل و الفم الصغير هي الوحيدة التي تنظر لـ"هدى" بعين الشفقة ، تشعر أنها تتعرض لظلم لا تستحقه ، و قد راقبتها كثيرا و هي تتجرع المضايقات من الطالبات ، ثم تجرأت و أعلنت دفاعها عن "هدى" و استماتت في إقناع بعض الطالبات بخطأ اعتقادهن ، و تصدت لأخريات بلسان لاذع حتى تضاءلت المضايقات و اقتصرت على "عبير" و صديقاتها فقط بعد أن اكتشف الجميع الجاسوسة الحقيقية و هي تدخل الإدارة ليتم استدعاء الطالبات من جديد ، و تكونت صداقة "هدى" و "أمل" منذ اللحظة ذاتها التي دافعت فيها "أمل" عن "هدى" ، إذ أصبحت "هدى" تركض لتحتمي بـ "أمل" متى أحست بأن مضايقات ستعترض طريقها ، و لم تعد "أمل" مجرد محامية بل أصبحت الصديقة التي تختزن عندها أسرارها و تفتح لها قلبها و تبثها أحلامها و آلامها ، و مع مرور الأيام وجدت "هدى" نفسها تتحدث مع "أمل" في الهاتف ساعات مطولة ، وتقضي معها بعض ليالي الجمعة ، فتعمقت علاقتهما مع نموهما كما نمت مضايقة "عبير" لـ "هدى" التي تبدل سببها إلى تسلية فقط ، كان من سوء طالع "هدى" أنها التحقت بالثانوية نفسها التي التحقت بها "عبير" ، و الأسوأ أن حظها فرق بينها و بين "أمل" في المرحلتين الأولى و الثانية مما يضطرها لقضاء وقت من الفسحة في انتظار و ترقب إلى أن تلتقي بـ "أمل"...
_____________
1) نسبة لمن يعمل بالفلاحة ولم يكن تعبير دقيق من عبير
أتمنى أن تنال اعجابكم وللنقل بقية ...
تحيااتي نور...
نسايم
28-03-2009, 02:32 AM
تشكري اختي نور
ننتظر الاجزاء المتبقية
خاتم عقيق&
28-03-2009, 12:41 PM
شكرا نور
بانتظار الباقي
نور المستوحشين
28-03-2009, 03:17 PM
"المدرسة الثانوية الأولى بالقطيف"
ترتدي المدرسة الثانوية الأولى ثوبها الأصفر الباهت لتخبر من يمر شرقها على طريق الإمام علي عليه السلام متجها جنوبا و مخلفا وراءه قرية البحاري بأنها أقدم مدرسة ثانوية بنيت في القطيف ، تربض في تلك البقعة النخيلية الزائلة كأنها كلب حراسة بليد يغفو أمام البوابة الشمالية لبيوتات حي الوسادة ، و تجاورها التربة المثكولة على امتداد سورها الشمالي و الغربي ، و رغم أن سورها الغربي هو الوحيد الذي لم يسمح بفتح باب خلاله إلا أن الجهة الجنوبية فقط تشرع بوابتها لاستقبال الطالبات في الصباح و توديعهن عند الظهر ، يقع ركن البيتزا في الزاوية الشمالية الغربية حيث يتوارى ذلك الجزء عن الأنظار قليلا و لكي تنتقل الطالبة من ركن البيتزا إلى رصيف الزعتر عند الجدار الشرقي من سور المدرسة عليها أن تمشي بامتداد المبنى الدراسي عرضيا ثم تتجشم قطع ساحة الطابور الصباحي متخطية جميع الحصون البشرية المتفرقة على أرض تلك الساحة ، و هذا ما أعاق حركة "عبير" و أفشل خطتها المباغتة ، فوقفت بعد ردة فعل "هدى" و مقاومتها غير المسبوقة منصدمة من تجرؤ "هدى" و هجومها..
وقع الاشتباك على بعد خطوات من منزل حارس المدرسة في طرف رصيف الزعتر الجنوبي ، وعندما سحبت "أمل" "هدى" من ساحة المعركة ظلت "عبير" تتحسس آلامها وسط حلقة من المتجمهرات بينما توقفت "هدى" خارجها لتسترد أنفاسها و تصلح من هندامها ثم أمسكت "أمل" يدها و ضغطت عليها بحنان و سارتا مشية الهوينة إلى البوابة الكبيرة للمبنى المطلة على الشرق و بين اللحظة و اللحظة تتلفت "هدى" إلى الخلف ثم تواصل المسير و قد زال عنها الخوف بعد أن اجتازتا غرف الأعمال اليدوية و ارتقتا السلم المجاور لغرفة المديرة لتصلا للطابق الأول حيث فصول القسم العلمي من الصف الثاني الثانوي ، و أمام فصل ثاني ثاني وقفتا لتلقيا نظرة على الطالبات المندفعات إلى صحن المبنى مع انتهاء فترة الفسحة المدرسية ، ثم ودعت "هدى" "أمل" و دخلت الفصل...
كانت "هدى" أول من دخل الفصل المؤلف من اثنتين و أربعين طالبة توزعن على سبعة صفوف طولية إذ يلتصق صفان بالجدار الأيمن و صفان بالجدار الأيسر و تلتحم ثلاثة صفوف في وسط الفصل ، لتستقر في مقرها الواقع في أول الصف الثالث من الجهة اليمنى ، ولم تنته من التجهيز لدرس الحصة الرابعة و إخراج كتاب مادة الأحياء إلا و قد تدفقت الطالبات إلى الفصل و لم تمر بها طالبة إلا و ألقت عليها نظرة أسى أو كلمة مواساة ، كانت طبيعة "هدى" الصامتة تمنع زميلاتها من كسر الحواجز النفسية التي بنيت مع الأيام بينها و بينهن ، إذ لم تكن علاقتها معهن أكثر من زمالة عابرة يسودها في كثير من الأحيان صمت طويل يزداد كلما اتسع قطر الدائرة الذي يحيطها ، كانت تجلس إلى يسارها فتاة سمراء ذات ملامح جذابة و سجية هادئة اسمها "زهراء محمد" و قد مرّ عليهما قرابة شهر و هما متجاورتين و لم تتحدثا مع بعضهما إلا بالتحية المقتضبة ، أما في الجانب الآخر لـ "زهراء" فتجلس "زهراء محمد" أخرى لكنها فاتحة البشرة مكتنزة اللحم خفيفة الظل ، لم تر مقطبة قط ، بل أن شعارها الذي لا تفتأ ترديده "دع الأيام تفعل ما تشاء" ، فهي رغم ذكائها و حماسها في مادتي الرياضيات و الفيزياء إلا أنها نادرا ما أحضرت الواجب لبقية المواد ، أما على يمين "هدى" فتتجاور "زينب علي" و "سكينة حسن" و تربطهما علاقة نسب قريبة جدا مما جعلهما منغلقتين إلى حد ما على بعضهما و متشابهتين كثيرا بجسمهما النحيل المقارب للمرض و فكيهما البارز ، أما خلف "هدى" فتجلس عريفة الفصل "فاطمة حسين" و مساعدتها "عقيلة سعيد" و صديقتهما "مريم حسن" و هؤلاء الثلاث دائما ما يحكمن سيطرتهن على طالبات الفصل ، فإن رضين عن طالبة فهي في عيشة راضية و إن سخطن عليها فأمها هاوية ، و هن جزء من مجموعة طالبات مبعثرة في الفصول يلبسن ثوبا رصاصيا (1) موحد التصميم و أحذية موحدة الشكل و اللون و يتفقن على تسريحة شعر موحدة كل يوم ...
كانت السبورة الإيضاحية تحتل الجزء الأكبر من الحائط الأمامي ، أما الجدار الأيسر فيقسمه مكيفان إلى ثلاثة أقسام ، يغطي الجزء الخلفي لوحات لمواد مختلفة ، و تملأ أربع نوافذ مظللة الجزء الأوسط ، بينما يبقى الجزء الأمامي يغطيه غبار الأقلام الجيرية (2) ، و يقف الباب الحديدي الأصفر الذي تتوسطه زجاجة شفافة في مقدمة الحائط الأيمن ثم تمتد اللوحات لتغطيه بالكامل و في الجدار الخلفي ثبتت ساعة عقارب دائرية طالما ثار جدلٌ بين الطالبات و المعلمات لنقلها إلى الأمام فوق السبورة إلا أن المعلمات يرفضن بشدة خوفا من تشتت ذهن الطالبات...
كلما حاولت "هدى" طرد مخاوفها عادت لتتسلل إليها من جديد ، وقد جاهدت لتستمع لشرح معلمة الأحياء دون طائل ، و بينما هي في محاولاتها الفاشلة إذ لمحت "عبير" من خلال النافذة الزجاجية في الباب تمشي في الدهليز المؤدي إلى فصلها فاستعاذت بالله من شرها و ركزت نظرها على السبورة...
______________
1) المريول
2) الطباشير
للنقل تتمة
تحيااااتي نور...
نسايم
29-03-2009, 01:27 AM
يعطيك العافية اختي
:p
كملي الرواية بسرعة
وخلصيني نوروووووووو ههههههههههه عصبت ترى
خاتم عقيق&
29-03-2009, 02:57 AM
بسرعة اختي نور اكملي القصة
والله نور ضيقتي خلقي ذكرتني بأيام المدرسة
قاعدة توصفي مدرستنا بس احنا الثالثة بالقطيف
هههههههههههههههههههههههههههه
عاد المكيفان الى مايبردوا ابد
في عز الصيف
نسايم
29-03-2009, 03:05 AM
هههههههههههههههههههههههه
حتى انا ذكرتني بايام المدرسة
ههههههههه لكن احنا الخامسة بالقطيف
المكيفين الي عمره مايبرد حتى في الشتا
والمروحة الي اتضيق الخلق لانها اتطير شعرنا وسالفة الي يقول شغلوها والي اتقول طفوها ههههههههههه
سكتي ولما قريت ثاني ثاني هههههههههه هذي عاد رجعتني للماضي
المشاوطة من ثاني ثاني الي ثاني اول من تطلع المعلمة من الفصل
جد الله يذكر ايام المدرسة بالخير
نور المستوحشين
29-03-2009, 05:54 PM
بيت "هدى"
في بقعة على وجه الأرض تحتضن القطيف حيّا من أحيائها الحائرة بين الحداثة و القدم اسمه الوسادة ، و قد وهبته موقعا حنونا كما تهب الأم أصغر أبنائها ، فعلى الجانب الشرقي من هذا الحي يمتد شارع الإمام علي الذي يبدأ من سوق القطيف المركزية في مياس(1) ليمر بالمدارس و المدني و باب الشمال ليفصل بين البستان و الوسادة و يكمل مشواره ليجاور البحاري و القديح ثم يخترق العوامية و يقف عند الحدود الشمالية لصفوى ، وقد قدر لهذا الطريق أن يكون تجاريا زراعيا سكنيا في أغلب مسيرته و صناعيا في الجزء المحادي للبحاري و بعض القسم المخترق لصفوى ، و رغم أن هذا الطريق يخدم شريحة كبيرة من السكان إلا أنه يرفض التوسع إلا عندما تفتح له صفوى قلبها ، أما على الجانب الغربي لحي الوسادة فيختال طريق الملك "" المشجر الواسع الذي يبدأ مسيره من القديح و البحاري ليحد الوسادة ثم يفصل التوبي عن سوق الخميس و يكمل مسيره نحو الدمام مارّا بسيهات ، ولهذين الطريقين أثرهما في جعل حي الوسادة استراتيجيا ، إذ لا تفصل القاطنين لهذا الحي عن مياس أو سوق الخميس إلا مسافة قصيرة يستطيع من يمشي الهوينة أن يقطعها في بضع دقائق ، و تربض - كما أسلفنا – المدرسة الثانوية الأولى للبنات بالقطيف شمال الحي و تحرسه في الجنوب مدرسة القطيف الثانوية للبنين ، و لأن هذه البقعة من القطيف تحب العلم و التعليم فقد وهبت ثلاث قطع من جسدها لإقامة مدارس ، فبالإضافة لشمالها و جنوبها تحتل مساحة كبيرة في مركز الحي المدرسة الابتدائية الثانية للبنات بالقطيف ، و عندما تطل المدرسة الأولى للبنات على أرض خالية شمالا فإن شارعين يصلان شارع الإمام علي بطريق الملك "" أحدهما يحدها من الجنوب مارّا بمدرسة القطيف الثانوية و الآخر يشق الوسادة من المنتصف مارّا بالمدرسة الابتدائية و من هذا الطريق تتفرع أزقة صغيرة يقود الزقاق الثاني المتجه جنوبا منها إلى بيت يفترش الأرض النخيلية وحيدا لا يسند ظهره لأي منزل ، و لا تفصله عن مدرسة القطيف الثانوية سوى خطوات جنوبية ، و عن مدرسة البنات الابتدائية غير خطوات غربية ، كان هذا المنزل (2) يضم بين جنباته أسرة "أبي حسن" .
لم يحط بالمنزل منذ بنائه أي سور أو سياج بل كان ينفتح الباب الرئيس المفتوح على الشرق على دهليز ضيق يشق طريقه بين بركة صغيرة تحت السلم و جدار المجلس إلى صالة الجلوس و المطبخ ، إذ يطل باب الصالة على أول درجة للسلم إلى يمين الداخل في نهاية الدهليز ، أما المطبخ فيقع في نهاية الدهليز تماما ، بينما تقود الدرجة إلى غرفة نوم "أبي حسن" فقط .
و ينفتح من الصالة ثلاثة أبواب يتوسط الأول شمالها ليقود إلى غرفة "هدى" و ينزوي الثاني في ممر شمال شرق الصالة لينفتح على غرفة "حسن" و "حسين" أما الباب الثالث فكان على يسار الخارج من غرفة الصبيين شرق الصالة يؤدي إلى دورة المياه ، أما الجهة الغربية فتنفتح فيها نافذة صغيرة مسيجة بقضبان تحرزية ويبرز إلى يمين النافذة مكيف بغلاف بني ، يساند المكيف مروحة تنحدر من مركز السقف بثلاثة أطراف ، تقف مكتبة خشبية تحمل في بطنها تلفزيونا متوسط الحجم مخشب الإطار ، و جهاز فيديو أسود و تبرز من فتحاتها بعض التحف الفخارية...
**********
يتساقط المطر رذاذا يثير الغبار و يداعب هواجس الناس ، الرذاذ في القطيف لا يبشر بجذب أو رخاء ، هو فقط رذاذ أو قطرات مطر تسقط لتخيف الشيوخ و الأطفال ، الفقراء و المساكين و العاملين في الهواء الطلق ، تخيف الطلاب و الطالبات ، و تصنع الحوادث المرورية ، غول مخيف يداهم قلوب الكثيرين ، الغيوم وحدها تنذر بوابل و تخبر أن هذا الرذاذ ماهو إلا رسول ، بدأت الطالبات بالانتشار خارج سور المدرسة الثانوية ، من لاذت بركوب الباص تراقب الأخريات ، و الماشيات يجدن في السير ، و انهمر السيل السماوي ، قرع المطر يثير الرعب في نفوس مستقلات الباص ، و يشل تفكير من تبللت عباءاتهن و سد طريقهن ، أطلت "هدى" و"أمل" من بوابة المبنى الداخلية ، كان المطر يضرب أرض الساحة الخالية أمامهما و يرتد إلى الهواء ثم يسقط مرة أخرى ، انضمتا إلى من حبسهن المطر عن الخروج ، كان السرب الذي يشاهد المطر تحت حماية المبنى يأمل أن يقف المطر أو يخفف من وطأته ، كلما تسرب الوقت تسربت الطالبات يأسا من هدوء المطر ، هتفت "أمل":- أرى أن المطر لن يتوقف... أنا ذاهبة..
- لا.. لا أستطيع... سأنتظر حتى يهدأ
- مع السلامة
- مع السلامة
و تسرب اليأس إلى صدر "هدى" ، لم يبق في السرب أكثر من عشر طالبات ، هيأت نفسها لخوض مغامرة المشي تحت المطر و فوق الطين ، حملت حقيبتها على كتفها ، أخفت طرفا تحت الآخر و أمسكت بالطرف الخارج بقوة ، خطت خطوتها الأولى بحذر ، رفعت رجلها الأخرى بآلية بطيئة ، ثم ركضت على قمم أصابعها إلى باب السور الخارجي ، و اندفعت مسارعة خطواتها ، لتشق عباب الطين شقا...
الأزقة الوعرة تزداد وعورة عندما يهطل المطر ، الإسفلت المهترئ يستسلم لوطأة القطرات الغاضبة كما يستسلم الزجاج للجماهير الغاضبة ، سلكت "هدى" طرقا ملتوية قادتها إلى طرقا ملتوية ، و المطر يهاجمها أينما يممت وجهها ، وقفت أمام الباب في شلل تام ، البركة التي أحاطت بالباب تعيقها عن الولوج ، سارع المطر هطوله فأصبح "العدو من أمامكم و البحر من ورائكم" ، قفزت ثلاث خطوات متباعدة ، تطاير الماء فلطّخ عباءتها بينما هي مندفعة إلى المنزل ، كانت "أم حسن" تقف في المطبخ تراقب القدر الخاضع للنار ، فأطلت من الباب و هي تهتف:
- انزعي حذاءك قبل أن تدخلي بكل...
توقفت الكلمات في فيها ، كانت "هدى" قد وصلت باندفاعها إلى نهاية الدهليز ، جمدت أمام نظرات أمها الحادة كالبركان الذي سيثور ، تشهدت و قرأت السورة الفاتحة، صرخت "أم حسن" في وجهها...
- ما هذا؟؟ انظري إلى حالك!... أ هذا منظر فتاة عاقلة؟؟ كأنك طفلة لعبت في الوحل ، ثم ما هذا؟؟ لماذا وصلتِ إلى هنا؟؟ لماذا لم تنزعي وحلك هذا من أقدامكِ؟ وسختي أرض الدهليز...
- توجد بركة على الباب ، و المطر يهطل بغزارة...
- و إن هطل المطر بغزارة تقفزين إلى المنزل كالمجنونة؟؟ ما هذا؟؟ لابد أنك عدتِ إلى طفولتكِ... كلا... في طفولتكِ لم تفعليها... ربما هي طفولة متأخرة... انظري... انظري إلى عباءتكِ... أ هذه عباءة فتاة في الثانوية؟؟؟ لقد تزوجت أبيكِ و أنا أصغر منك بسنين ، عندما كنت في عمرك كنت أربيكِ أنت و أخاك "حسن"... لماذا أنت واقفة؟.. انزعي عباءتك و اغسلي الأرض قبل أن..
و رفعت "أم حسن" يدها بكف مضمومة...
- ... أدخل النار بسببك...
كانت "هدى" تستمع إلى صراخ أمها ، وذهنها يحسب حساباته المختلفة ، ها هي أعمال إضافية قد سجلت نفسها في جدولها لهذا اليوم ، عباءتها التي تشجرت بالوحل يستحيل الذهاب بها إلى المدرسة قبل إخضاعها إلى عمليتي الغسيل و النشر ، أرض الدهليز الملطخ بما حمل حذائها ، أعمالها الإصلية التي تستغرق أغلب عصرها ، نزعت عباءتها و ألقتها في الحمام و لم تدخل غرفتها حتى عادة تحمل مريولها و رمته إلى جانب العباءة بوجه محمل بكل تعابير الغضب و الاعتراض ، حملت طشتها و أدوات التنظيف و خرجت إلى الدهليز ، لم تبدأ الغسل حتى صرخت "أم حسن" في وجهها...
- متى ستتقنين أعمالكِ... ضعي شيئا من سائل الغسيل...
دخلت "هدى" المطبخ لتجلب علبة الغسيل فأوقفتها "أم حسن"...
- الغذاء جاهز... إذا قدم أخويك ضعيه لهما... أنا سأذهب إلى جارتنا "أم عباس" ، سيأتيها ضيوف و أريد أن أساعدها...
- إن شاء الله...
عادت "هدى" تسكب و تشطب المزيج الذي ألفته من الغسيل و الماء ، كانت تدعو أن يتوقف المطر إلى الأبد ، خرجت "أم حسن" بعباءتها ، توقفت عند "هدى"...
- أريد أن أرى البيت نظيفا عندما أعود ، رتبي غرفة أخويك و غرفتك ، و إذا أتيا ضعي لهما الغذاء ، و لا تنسي أن تغسلي الملابس و الصحون ، و إذا أتى "حسين" راجعي معه دروسه..
- لن يقبل ذلك...
- إذا لم يراجع معك فالعصا بانتظاره...
- إن شاء الله...
- و حافظي على نظافة المنزل..
- إن شاء الله..
فتحت "أم حسن" باب المنزل فتوقفت أمام البركة التي تكونت من المطر ، كان المطر قد خفف وطأته و شارف على الوقوف ، فعادت لتكمل تعليماتها..
- ضعي قطعت سجاد إضافية أمام الباب قبل أن يأتي أخواكِ أو أبوك و يصنعان مثلما صنعتِ..
- إن شاء الله..
- و لا تنسي أن تحافظي على المنزل نظيفا...
- إن شاء الله..
و خرجت "أم حسن" و لم تكد تفعل ذلك فوقفت "هدى" و تنفست الصعداء ثم هتفت:
- آه... أخيرا خرجت...
نور المستوحشين
30-03-2009, 02:25 AM
انتهت "هدى" من غسيل الأرضية المتسخة و دخلت تبحث عن قطعة السجاد التي أوصت بها أمها ، وقفت حائرة أي قطعة سجاد قصدت والدتها؟ ترفع السجادة الزرقاء الطويلة فينتابها شك بأنها لا تناسب عرض الدهليز فتطرحها ، تهم بحمل الخضراء فتسمع داخلها من يناديها بأن هذه عزيزة على قلب أمك و لا يمكن أن تضحي بها ، أجالت بصرها تحاول أن تتذكر قطعة تناسب المكان و الزمان ، تشعر أن قلبها يتخطف لعجزها عن التصرف في هذا الموقف ، أجالت كفها على شعرها ، كان صوت أخيها "حسن" يناديها من أمام المطبخ:
- "هدى"... لقد اتسخت أرضية الدهليز..
هرولت إلى الدهليز ، عاد كما كان قبل تنظيفه و أكثر ، أمسكت رأسها بكفها الأيمن ، ووضعت يدها الأخرى على خاصرتها ، أمارات القهر الممزوج بالضعف تعلو وجهها ، نقلت بصرها بين أخيها و بين أرض الدهليز ، كان يضع كفه على رأسه كمن يبرر شيئا ما ، تمتم:
- لم أنتبه لكل تلك الأوساخ التي في حذائي...
نظرت إلى رجليه ، كان لا يزال ينتعل الحذاء المليء بالطين و الوحل ، سألته بسخرية غاضبة:
- نعم... سمعي اليوم يخذلني... ماذا قلت؟؟ ربما لم تنتبه أنها تمطر...
- صدقيني... لم أنتبه...
- لماذا لا تخلع نعليك و تصوم عن الحديث برهة...
خلفته يخلع نعليه و دخلت تجلب أدوات الغسيل من جديد...
تسكب محلول الغسيل و فكرها يشتعل غضبا على كل شيء ، المطر الذي أضاف لها مهام إضافية ، و القدر الذي وهبها أخوين مهملين و لم يرزقها أخت أخرى تساعدها ، ينتابها الشعور بالظلم لأنها فتاة ، ولأنها وحيدة ، و لأنها تبذل جهدا لتصلح ما يفسده الآخرون ، انفتح الباب الخارجي ليطل وجه "حسين" المترقب ، هتفت قبل أن يضع رجله اليمنى على الأرض:
- أين؟ أين؟...
تسمر مكانه ، و ضع يده على قلبه و هو يقول :
- بسم الله الرحمن الرحيم.. ما بك؟ هل غيروا المنزل؟
- لا.. لكن لم يجلب أبوك خادمة لتغسل الأرض التي تتسخ بحذائك..
- آها... هل أمي في المنزل؟
- لن أخبرك قبل أن تخلع حذائك...
خلع نعليه و هو يهتف:
- ها قد خلعته... أين أمي؟
- أمك.. ليست في المنزل..
- هذا رائع...
و اندفع إلى الداخل مشيعا بنظرات "هدى" ، و لم تكد تعود إلى الغسيل حتى مرّ إلى جانبها طيف "حسين" ، رفعت رأسها و إذا به قد وصل إلى الباب ، و لا جدوى من العدو خلفه ، صرخت:
- توقف..
استدار ليقابلها:
- ماذا هناك؟ أتريدين أن ألبس حذائي؟
- لا... أريدك أن تبقى في المنزل... لكي تسترجع دروسك...
- و هل أصبحتِ صاحبة أمري؟؟
- لا..
- مع السلامة
و قفت تندب حظها ، من سينجدها من غضب أمها؟ لم تكن خطيئتها لكن من سيقنع أمها ، تمسك بعصى الشاطفة حائرة في أمرها ، مشدودة الأعصاب ، لا تقوى على التفكير ، إذ أطل عليها "حسن" برأس لا تنقصه الابتسامة وهو يهتف:
- ما زلتِ تشطفين؟ سأموت من الجوع...
- الغذاء في القدر...
- لكن من يخرج الغذاء يشطف الأرض..
- لن أضع لك شيء... استخدم أناملك الرقيقة..
انتهت من الشطف و دخلت دورة المياه تفرز الثياب ، فأطل عليها "حسن" بملامح تحدٍ ، أظهر من خلفه فردة حذاء متسخة ، هو يهتف:
- متى ستضعين الغذاء؟
وقفت تنظر إليه برهة ، تتمنى أن تنقلب إلى لبوة فتنشب أظافرها في حلقه ، ضربت برجلها الأرض ، و خرجت إلى المطبخ و هي تدعو عليه بشتى المصائب ، وضعت له الغذاء فهتف بسخرية:
- شكرا لكِ يا آنسة...
- الله يحرق قلبك و يضعك في مصيبة لا تعرف لها حل..
أكمل سخريته :
- في أي المجموعات الرياضية؟
كانت خطوات في الدهليز تنبئها بأن ما تعبت في سبيله قد أفسد ببضع خطوات ، اندفعت إلى الدهليز ، وضعت كفها على رأسها ، قسمات وجهها تخبر عن قرب انهيار ، وقف والدها منشدها ، برهة من الصمت مزقها سؤال أبيها:
- ما بكِ؟
- لا شيء؟
- ما بكِ يا بنية؟
- لم أكد أنتهي من غسيل الدهليز..
نظر إلى الطين العالق في حذاءه ، عاد بصره إلى خطواته ، هتف:
- سامحيني يا بنيتي... لم أنتبه فالخبر الذي جئت به يهز الجبال...
- ماذا الخطب؟
- أين "حسن"؟
- لابد أنه يسمعك.. فهو في الصالون يتغذى..
أطل "حسن" بقسمات مرتعبة ، سأل"
- ما هو هذا الخبر؟
- غير ملابسك و البس البياض..
- لماذا؟
- صديقك "مصطفى"...
- ...
- توفي في حادث قبل قليل..
- ...
جرت دموع "هدى" الأنثوية ، أسندت رأسها إلى الحائط ، هتف "أبو حسن":
- إنا لله و إنا إليه راجعون... غير ملابسك و هيا بنا إلى المسجد ننتظر قدوم الجسد..
بعد خروج "حسن" مع أبيه ، كان إحساس داخل "هدى" يشعرها بالذنب ، لم تقصد أن يفقد "حسن" أحد أصدقائه ، ربما كانت غاضبة لكنها لم تقصد أن تقتل فتى في ريعان الشباب ، دخلت غرفتها و أغلقت الباب غارقة في بحر من الدموع
نور المستوحشين
30-03-2009, 05:28 PM
الجغرافية كاذبة عندما نوقع عليها جامعة الملك فهد للبترول و المعادن ، على جبل صغير- في مدينة الظهران – تأوي مبانٍ صخرية اللون كمن تخشى شيئا ما في السماء ، بعض تلك المباني زاحفة لا تقوى على المشي فتراها متمددة بطولها على قمة الجبل ، و الأخرى واقفة تضحك على أخواتها ، هذه المباني اجتمعت ذات يوم و أطلقت على نفسها مسمى الجبل ، و لأنها تخشى الفتك .. لم تسمِ نفسها بأسماء تدل عليها ، بل أسقطت على نفسها أرقاما تعصمها من الاستهداف ، و عندما عجز شيخ المباني عن صعود الجبل نبذوه و استحقروه ، كانوا ينظرون إليه نظرة الدون و يطلقون عليه مسمى عربيا طويلا يختصره البعض إلى "الأوريا"..
القصص و الحكايا تتحدث عن أن هذا المبنى كان أول المباني وجودا ، و قد مرّ عليه أغلب الدارسين في الجامعة ، و لولا الاجتماع الغاشم لتلك المباني الرقمية لما أطلق عليه "مبنى السنة التحضيرية" ، فقد تُرك ذلك الشيخ الكبير لقمة سائغة لبني البشر ، و رضي أن يكون خادما لتلك المباني ، و كان يتمتم في بداية كل عام:
- سيد القوم خادمهم
و لا تكاد ينتهي العام الدراسي حتى يعلن أن هذا العام آخر أعوامه و أنه أوشك على الرحيل..
مبنى السنة التحضيرية يقع على بعد قرابة كيلو متر عن الجبل إلى الشرق ، و يحميه من شرقه شبك حديدي عن اختراقات الأعداء ، بينما إلى شماله تقبع بوابة الجامعة الرئيسة ، و جنوبه صحراء قاحلة طالما احتضنت أكثر السيارات الطلابية رفاهية ، و يفصل بينها وبين مطعم الجامعة شارع قصير فقط، و لم تكن تسميته بمبنى السنة التحضيرية عبثا ، فقد أخذ على عاتقه ترويض حركات الطلاب ونقلهم نقلة نوعية من محيط الدراسة الثانوية إلى الحياة الأكاديمية ، حتى إذا صعدوا الجبل تنكروا لجميله و ما عادوا إليه إلا مجبرين...
تحول "حسن" - كزملائه التحضيريين - على مدى شهر منذ توجهه مع "مصطفى" إلى الجامعة تحولا جذريا ، فقد كان في اليوم الأول يقف إلى جانب الشجرة الأزلية في الطريق الذي يشق الوسادة من المنتصف ، يرتدي ثوبا أبيضا و عيناه حمراوتان كأن لم يذق طعم النوم في الليلة البارحة ، عندما توقفت سيارة من نوع "تويوتا غراندي" بلون العنب و فتح "مصطفى" الباب و هو يهتف:
- هيا... بسرعة..
كان طابور السيارات خلف سيارة "مصطفى" يعلن التذمر عبر الأبواق ، لم يكد "حسن" يغلق الباب حتى أصدرت السيارة صوتا و خلفت أثر احتراق العجلات ، كان "حسن" يبحث في السيارة عن شيء غير مألوف ، "مصطفى" يلبس الجينز الأزرق و بلوزة بيضاء و قد سرح شعره تسريحة جديدة تناسب بشرته السمراء الداكنة ، كان يبتسم كلما التفت "حسن" باحثا في السيارة و هو يقول:
- أنا متأكد أن ثمة أمر مختلف في السيارة..
عندما وصل "مصطفى" شارع الملك عبد العزيز انعطف إلى اليسار ، باتجاه الدمام ثم لم يلبث أن انعطف يمينا عندما قرأ اللوحة المرشدة إلى الجش ، كان الطريق المؤذي إلى الجش طويلا جدا و لا يمكن لأكثر من سيارة المرور في آن واحد ، وبين الفينة و الأخرى يقف الطابور ، و يتذمر "مصطفى":
- يبدو أن علينا أن نخرج عند الخامسة لنتفادى هذا الزحام...
و بعد فترة من الصبر ، أصبح ينتظر خلو الطريق المقابل حتى ينزرق فيه بسرعة ثم يبحث عن فتحة بين السيارات المتراصة ليعود إلى مساره ، كانت مغامرة لا ينقصها الحظ وأصوات الأبواق بين الفينة و الأخرى ، عندما وصل إلى الطريق السريع و انعطف يسارا إلى الطريق القائدة للظهران أصبح يسابق السيارات ، و مرّ بمخرج سيهات ليهتف:
- هذا أول مخرج...
- مبروك على التظليل...
- أخيرا اكتشفت...
- الآن عرفت لماذا لم تفتح النافذة...
و ضحك "مصطفى" ، و لم يكد يتخطى أول مخرج للدمام حتى بدأت الفرام تعمل ، و جمد "حسن" في كرسيه ، فابتسم له "مصطفى"...
- لماذا أنتَ جامد؟
- لا... لستُ جامدا.. أفكر في الجامعة..
- لا عليك... مثلك لا يُخاف عليه...
و اشتد الزحام و بدأت السيارات تتراصص ، أصبحت السرعة القصوى تتراوح بين الثمانين و المائة كيلومتر في الساعة ، لم يتخطَ "مصطفى" مخرج الدمام الثاني حتى لحق بركب الطابور الذي يمشي على يسار الخط الأصفر ، و ازداد "حسن" جمودا ، ولم يكد "مصطفى" يتسارع ليصل لمائة و عشرين كيلومترا في الساعة حتى فرمل الذي أمامه و ضغط على المكابح بقوة ، بينما تشهد "حسن" بصوت عالي ، ثم توقفت السيارات توقفا شبه تام ، كان العرق يتصبب من "مصطفى" و أوصاله ترتعد ، هتف "حسن":
- لماذا العجلة؟ تكاد تخطف أرواحنا...
- لم يحدث شيء..
- أتنتظر حتى يحدث؟
- ...
- لن أركب معك إذا لم تغير طريقة قيادتك...-
هههه
بعد ربع ساعة من الدبيب مرّا بحادث شمل أربع سيارات و بينما "حسن" يهتف:
- يا دافع البلا يا الله..
كان مصطفى يتأسف لصاحب السيارة الغراندي المصدومة:
- مسكين... تبدو نظيفة... الله يعوض عليه... لا يستحق...
عندما وصلا إلى مخرج "ميناء الملك عبدالعزيز ، انعطفا معه ثم لم يلبثا أن دخلا في مخرج آخر يصحح مسارهما ، ليجد "مصطفى" فسحة من الطريق يمارس لعبة السرعة فيها و لم يكد صوت الجرس يدق منبها بالسرعة حتى صرخ "حسن":
- هذه آخر مرة أركب معك فيها...
هدأ "مصطفى" سرعة سيارته و اعتذر ، كانا قد وصلا مخرج البوابة الرئيسة و لم تمضِ دقيقة أخرى حتى وصلا إلى مبنى السنة التحضيرية ، و ترجل "حسن" و هو يتنفس الصعداء...
دخلا بوفيه السنة التحضيرية فوجدا ورقة معلقة بأرقام الطلاب و موقع استلام الجداول مع وقت الاستلام ، بحث "مصطفى" في الورقة ثم هتف:
- أنا جدولي في غرفة 103 بعد عشر دقائق..
بينما أخرج "حسن" بطاقته الجامعية ليقارن بين الأرقام فخطفها "مصطفى":
- أنت في غرفة 110 و كذلك بعد عشر دقائق...
- أين غرفة 110؟
رفعا رأسيهما ، لم يكن في البوفيه سوى بعض الطلاب الذين يبدو عليهم أنهم من خارج القطيف ، جميعهم يرتدون الثياب البيضاء و الشمغ الحمراء و بعضهم يرتدون العقال بينما البعض الآخر يمسك في يده سواك ، ذهب "مصطفى" للبائع في البوفيه يسأله:
- أين نستلم الجداول؟
- في الفصول الدراسية..
- أين الفصول الدراسية؟
- اخرج من هذا الباب ، ستجد مصعدا أمامك لكن لا تطلبه بل أخرج من الباب الذي على يمينك ، ستجد مبنى أمامك ، هناك ستجد الفصول الدراسية...
- رحم الله والديك..
- و والديك... من أين الأخ؟[/COLOR
]- من القطيف.. و أنت؟
[COLOR=navy]- من سيهات
- تشرفنا...
- أهلا و مرحبا..
خرج "مصطفى" يتبعه "حسن" إلى حيث أرشدهما البائع ، و هناك توقفا بين مبنيين ، رغم أن البائع قد وصف المبنى بوضوح إلا أنه لا يعلم أنه يوجد مبنى آخر لمادة الاستماع ، فوقفا حائرين ثم وجدا أكثر من طالب يدخل المبنى الكبير فدخلاه ، لم يبق أكثر من ثلاث دقائق على تسليم الجداول ، و بقي عليهما معرفة أين فصولهما ، وجد "حسن" فصله بسرعة إذ كان الفصل رقم 110 على يمين المدخل تماما ، ثم أصبح الرقم يتزايد فعاد "مصطفى" أدراجه يبحث عن فصله حتى وجده قريبا من الباب المؤذي للشارع المسمى بالحزام...
تتكون مباني السنة التحضيرية من مبنى الإدارة حيث البوفيه في الطابق الأول و مكاتب المدرسين في الطابق الثاني و الثالث و مكتب العميد في الطابق الثالث و قاعة المذاكرة و المصلى في الطابق الرابع ، و مبنى الفصول الدراسية كما وصفها البائع ، تقع إلى الشمال من مبنى الإدارة ، و يحدها من الجنوب مواقف المدرسين و من الشمال الصحراء التي يقف فيها الطلاب و إلى غربها الحزام ثم بقعة جرذاء و إلى شرقها مبنى الورش حيث تخصص ساعتين في الأسبوع لكل طالب كي يتعلم بدائيات حرفة ، و أمام المبنى الرئيس للفصول يربض كالكلب مبنى المختبرات السمعية أو مبنى مادة الاستماع ، أما إلى شرق مبنى الإدارة فتقع عدة مباني مؤقتة "بورتبلات" آخرها قبل السور مبنى الكمبيوترات أما إلى جنوب مبنى الإدارة فتقع مواقف مدرسين و موظفين بينما جنوب المباني المؤقتة يتقسم الطلاب تلك المواقف مع المدرسين و هناك أوقف "مصطفى" سيارته
نور المستوحشين
30-03-2009, 05:30 PM
بعد أن استلم "حسن" جدوله انضم إلى طابور طويل يقود إلى مكتب توزيع الكتب الدراسية عبر قاعة المحاضرات الكبيرة ، كان عليه أن يسلك درب الأفعى كي يصل بعد ربع ساعة إلى المرشدين الذين يقدمون التقويم الدراسي و مفكرة بها أرقام مهمة و بعض الإرشادات ، ثم وقف أمام موزع الكتب الذي يتأكد من عدد الكتب فيسلمها لـ "حسن" ويختم جدوله ، و انتهي "حسن" عند آخر المطاف بشخص آخر يتأكد من تطابق الكتب مع الجدول ، خرج "حسن" من الباب ليجد نفسه أمام البوفيه ، كان "مصطفى" يجلس أمام طاولة يقلب الكتب الإنجليزية باهتمام عندما وضع "حسن" رزمة الكتب على الطاولة و هو يهتف:
- هل سنحمل هذا الكتاب الأزرق الثقيل كل يوم؟
- ربما...
ثم أردف "مصطفى":
- لقد جعت... أتريد شيئا من البوفيه...
- سأذهب معك..
- و الكتب؟؟
- ماذا يبيعون؟
- سأجلب لك فطيرة جبن من مخابز العيد وعصير..
- O.K
أمسك "حسن" جدوله يحاول أن يفك طلاسمه ، و انضم له "مصطفى" بعد أن جلب الفطائر و العصير ، لكن محاولاتهما باءت بالفشل ، فرفع "مصطفى" رأسه بحثا عن شخص يساعده ، كان البوفيه يعكس حالة اللا تجانس بين المجتمع السعودي ، طاولة تحلق حولها مجموعة ترتدي الثياب البيضاء و تسدل الشمغ الحمراء بينما أغلبهم يطلقون اللحية ، طاولة أخرى يجلس عليها شباب يرتدون ثيابا غربية في أحسن هندام و بأيديهم جوالات مستعدة لإطلاق الموسيقى في أقرب لحظة ، و طاولة اختلط فيها الثوب الأبيض الحاسر و البنطلون الفضفاض مع القميص مع الجينز و "البلوزة" ، اللهجة القطيفية تشجع "مصطفى" على التحدث إليهم ، نهض من مكانه و لم يكد يصل حتى صافحهم جميعا و هو يهتف :
- من أي القرى أنتم؟
- أنا "صالح" من القديح... و أنا "سعيد" من القديح أيضا... و أنا "محمد" من العوامية و أنا "حيدر" من العوامية ... أنا من التوبي و اسمي "سيد هاشم"...
- تشرفنا... أنا "مصطفى" من الوسادة..[/COLOR
]- أهلا بك..
[COLOR=navy]- هل فككتم طلاسم الجدول ياشباب؟
سأل "حيدر" بابتسامة:
- أين جدولك؟
سلم "مصطفى" جدوله لـ "حيدر" الذي لم يلبث أن هتف:
- جدولك ممتاز... فترة صباحية و الرياضيات بين الحصص... لكن عندك الرياضة يومي السبت و الإثنين تنتهي عند الخامسة... الله يعينك... الورشة يوم الأحد بين الحصص كذلك... أنت أفضل جدول حتى الآن..
- لكن كيف عرفت ذلك؟
أمسك "حيدر" الجدول و بدأ يشرح لـ "مصطفى" كيف يقرأ الجدول و معنى الرموز و أرقام الفصول ، فشكره "مصطفى" وعاد ليطبق ما تعلمه على جدول "حسن"...
كان الاختلاف بين جدول "مصطفى" و "حسن" في وقت الورشة و الرياضة ، فرياضة حسن يومي الإثنين و الأربعاء بين حصص اللغة الإنجليزية ومادة الورشة يوم السبت بعد حصص اللغة ، أي أن عليه قضاء يوم الإثنين فقط منتظرا انتهاء "مصطفى" من حصة الرياضة...
كلما تقدمت الأيام في السنة التحضيرية كلما طرأ تغييرا في بعض الأمور ، فالمجتمع الذي أتى فرادى أو جماعات صغيرة أصبح تكتلات وفقا للمدينة ، و الشباب المرح الذي جاء بنشوة الثانوي بدأ يركد و يسأم من طول اليوم الدراسي ، الأشكال بدورها قد تصرفت جذريا مع أول مكافأة طلابية ، و هذا ما حدث لـ"حسن" ، لم يكن "حسن" يتحدث مع أحد سوى "مصطفى" أو يرد على التحايا دون التعمق ، يجلس متى استطاع وحيدا كأنه يخشى التعرف على الآخرين ، و يبقى صامتا عندما يضطر للجلوس مع مجموعة من الشباب ، أما ثيابه فقد تغيرت بعد أول مكافأة وكذلك قصة شعره التي أعطته مظهرا جذابا...
كان أول أسبوع يرتدي فيه ملابسه الجديدة حافلا بتعليقات "مصطفى" الاستفزازية ، وكان يجيبها بابتسامة أو صمت ، كان آخرها يوم الأربعاء في طريق العودة ، كان "مصطفى" يسأله:
- ماذا مكتوب في الصحيفة؟
- أي صحيفة؟
- الصحيفة التي تلبسها...
- ...
في منتصف الطريق سأل "حسن":
- أين كتابك الرياضيات؟
- أتوقع أنه في المقعد الخلفي... لا... لقد نسيته على الطاولة...
لم تمضِ دقيقة حتى خالف "مصطفى" معاهدته بعدم تجاوز السرعة ، و بدأ يسابق السيارات و ينتقل من مسار إلى مسار ، و "حسن" جامد في مقعده يقرأ الفاتحة و يهلل ويكبر ، و كلما ضغط "مصطفى" مكابحه صرخ "حسن":
- بسم الله الرحمن الرحيم...
فصرخ "مصطفى" في وجهه..
- اصمت... سوف تصل سالما...
وبقي "حسن" صامتا حتى وصل المنزل و هو لا يصدق....
يقف إلى جانب الشجرة الأزلية ، يلبس نفس الثوب الذي ارتداه أول يوم في الجامعة ، ينتظر "مصطفى" لكنه ينتظره هذه المرة و هو يستمع إلى التلاوة ، و صوت الناعي بين الفينة و الأخرى يهتف من مسجد الإمام المهدي "عج":
- من أراد الأجر و الثواب فاليحضر لتشييع المرحوم الشاب...
يغيب ذهنه عندما يسمع اسم "مصطفى" ، يمر طيفه أمام "حسن" ، الفتى الأسمر الذي لا يكاد يعرف سواه في الجامعة ، التويوتا التي نذر لها نصف مكافأته ، السرعة و الهدوء ، ماذا مكتوب في الصحيفة؟ أين كتابك الرياضيات؟
- تركته على الطاولة...
أبناء "الوسادة" يلبسون البياض و يستندون إلى الجدار ، يقف "حسن" إلى جانب الشجرة الأزلية ، ينتظر قدوم "مصطفى" في سيارة مظللة كما يحب "مصطفى" لكنها بيضاء هذه المرة ، و سيفتح الباب لكنه لن يهتف "بسرعة" هذه المرة ، سينزله رجلان يلبسان البياض و سيتدافع الشباب لحمله على الأعناق ، ينتظر "حسن" تحت الشجرة الأزلية ، و تمر سيارة الأسعاف ليقف خلفها طابور من السيارات التي لا تتذمر هذه المرة بل تتحرك شفاه أصحابها في تلاوة لسورة الفاتحة....
نور المستوحشين
31-03-2009, 02:29 AM
الجبل
لا يختلف توزيع الجداول في الجبل كثيرا ، أرقام معلقة حسب الدفعة على أبواب مبنى الكيمياء أو كما هو مسجل في السجل الأكاديمي "مبنى أربعة" تبين موقع و وقت استلام الجدول لكل طالب ، لكن نظام الجدول في الجبل يختلف اختلافا جذريا عن السنة التحضيرية ، فكل طالب ينظم جدوله كما يتوافق مع طريقته الخاصة إن كان ثمة متسع ، فلا تكاد الساعة الثانية عشر ظهرا من يوم الأربعاء تأتي حتى يقل عدد الطلاب في الجبل تسعين بالمائة...
كان "عبد الله" يدرس في المرحلة الثالثة من مراحل الجبل ، هذه المرحلة التي يصعب بعدها التحول عن التخصص إلى درجة المستحيل ، كان قد سلك طريقه في دراسة الهندسة الكهربائية التطبيقية و وضع جدوله على أن ينتهي عند الثانية ظهرا كل يوم عدا الثلاثاء حيث يقضي ثلاث ساعات في المعمل ، انتهى "عبد الله" من مادة التحكم ثم انطلق بحذر إلى القطيف ، لم تتجاوز سرعته الثمانين امتثالا لحكم المطر الذي أرهب حركة السير بين كر و فر ، قطع الطريق الذي يستغرق خمس و أربعون دقيقة في ساعة و نصف توقف خلالها عدة مرات...
عندما دخل "عبد الله" المنزل كان صوت الموسيقى يهز الأركان ، هتف بحنك:
- أماه...
ثم تتبع الصوت الذي أثار حفيظته ، كان الصوت ينبعث من غرفة أخته "عبير" ، وقف أمام الباب ليوسعه طرقا ، لم يتمالك أعصابه ففتح الباب و وقف مصالبا يديه...
الأغنية الصاخبة تصم أذن "عبير" وهي تمارس رياضة الرقص المفضلة لذيها ، تراقب حركاتها في المرآة المثبتة أمامها ، تبدو راقصة حقيقية ، تغرق في أحلامها ...
" آه... كم أنا رائعة ، أبدو كراقصة بارعة ، لولا قيود هذا المجتمع التافه لأصبحت المفضلة في الساحة الغنائية ، لن أرقص الرقص العربي ، الرقص العربي سيبقى متخلفا كالناطقين به ، أتمنى أن أرقص على أنغام تبعث في نفسي الحرية ، أن أشعر بأنوثتي ... آه لو يصبح اسمي آنا و أختفي من العالم العربي ، أن أصبح نجمة بوب مشهورة ، ليت حلمي يتحقق"
انتبهت على جسد أخيها "عبد الله" المتصلب أمامها ، نزعت سماعة الأذن عن رأسها ، تأملته بغيض ، كان الشرر يتطاير من عينيه ، لم ينبس ببنت شفه ، عاجلته بطريقة متعجرفة :
- خيراً... ألا توجد خصوصيات في المنزل؟... أم أن الجامعة الراقية لم تعلمك أساليب الأدب؟... لماذا لم تطرق الباب؟
- إن كان تضعين لنفسكِ احتراما فالأولى أن تصمتي... كاد الباب أن ينكسر من شديد الطرق لكن العبث الذي في أذنيكِ يصمهما... كأنكِ في مرقص...
- احترم حالك... يبدو أنك أصبحت رجلا... هذه الرجولة لا تحكمني... ستحكم بها تعيسة الحظ في المستقبل...
- أنت الكلام معكِ ضائع...
رفع يده ليضربها ، قاومته فخففت الضربة ، خرجت من الغرفة تستغيث بأمها ، تبعها للصالون ، احتمت خلف أمها و هي تبكي ، الاحترام يلزمه الصمت ، كان صدره يعلو و يهبط من الغضب ، صاحت به أمه :
- نعم؟ ماذا هناك؟
سبقته "عبير" بالشكوى:
- لم أره إلا و قد دخل الغرفة ثائرا... كاد أن يقتلع الباب...
- لقد طرقت الباب حتى تعبت... لكنها كانت مندمجة مع قمة الانحطاط...
- هذه حرية شخصية... إذا أصبحت والدي أو أمي عندها تكلم...
تدخلت الأم:
- دائما أخبرك بأنك لست مسؤولا إلا عن نفسك... أختك مسؤوليتي أنا فقط... هذه شخصيتها و هي حرة في ذلك... إذا لم يعجبك الرقص... فلا ترقص... لن تجبرك على الرقص...
- لكن...
- لكن ماذا؟... انتهى الأمر... ثم إذا طرقت الباب ولم يفتح لك فارجع... أم لم يعلمك الشيخ أن هذا من الأدب؟
- ...
بحث "عبد الله" في جيوبه بعصبية ثم فرّ من المنزل ، و ضاعت مناشدات أمه في الهواء ، كان الخوف يتسلل إلى قلب الأم بصمت ، بدد هواجسها صوت السيارة و هي تبتعد عن الفيلا...
نور المستوحشين
31-03-2009, 02:31 AM
الله" تتأسف على ابنها الشاب ، جلست على الأريكة و علامات الأسى تغتال الهدوء في وجهها ، كانت "عبير" قد سبقتها للجلوس ، ساهمة الفكر تمضغ العلكة ، يبدو أنهما يفكران في قضية ما ، كسرت "عبير" برهة من الصمت عندما قالت:
- ابنكِ هذا رجعي... هذه الحقيقة..
- لا تفتحي الجرح يا "عبير"... إن أمره يؤرقني كل ليلة... أفكاره كأنه ابن خمسين سنة... ما كأنه ابن العشرين..
صمتت "عبير" ثم أردفت بتردد:
- أقترح... أن ترسلوه للدراسة في الخارج... لن يتقدم مادام يعيش في هذه البيئة المنغلقة...
- أتمنى أن يوافق... كم حدثته في الأمر لكنه يرفض الفكرة من أساسها...
- لا عجب في ذلك... عقله المنغلق يمنعه من السفر للخارج... لا يقبل أن أمارس حريتي في المنزل.. ماذا تتوقعين منه؟ أظنه سيطالبك بتحجب الأمريكيات جميعهن كي يدرس هناك..
- كم أنا خائفة عليه...
- أشعر أنه مسكين... أشك أن أحدا ما قد عبث بفكره...
- ...
نهضت "عبير" تخفي سعادة الانتصار و هي تقول:
- أنا عائدة إلى غرفتي... أريد أن أستمع للموسيقى قبل أن يأتي المفتي... أتأمريني بشيء؟
- اجلبي الصحيفة في طريقك...
************
في سيارة تويوتا كامري بيضاء كان يجلس فتى فاتح البشرة ، حسن الوجه ، تزين وجهه لحية خفيفة منسقة ،يكاد أن يتفجر من الغيض ،و كانت تسير الهوينة جائبة طرق القطيف كأنها تستمتع ببقع الماء التي خلفها المطر ، كان ذلك الفتى "عبد الله" يتنقل بين القرى ، يمرّ على بيوت الكثير من أصحابه و معارفه ، لا يريد إقحام أحد في معاناته ، لم يكف عن الغرق في بحر التفكير :
" كيف يمكن لأمي و أختي أن يتحللا بهذه الدرجة ، لم يبق من فساد البنت شيء ، لم يبق إلا أن تدخل البيت بصحبة أصدقائه و تقيم حفلة طرب يحضرها الجنسان ، أعوذ بالله... لماذا أمي تقف إلى جانبها ؟؟ أحقا هما على حق؟؟ أي رياضة هذه ؟؟ لماذا المجون و الرقص يلحق بالرياضة؟؟ أستغفر الله... "
كان الغضب يتدرج في الهبوط ، بدأ يعود لهدوئه الطبيعي ، كان قد وصل حي "الوسادة" بعد مغيب الشمس، السيارات شبه متوقفة ، ثمة شيء في الطريق ، فتح النافذة و إذا صوت الناعي يهلل الله و يذكر الموت ، ركن سيارته إلى جانب الطريق ، كان الجمع غفيرا جدا ، الشباب يسيرون منكسو الرؤوس ، أسرع للمشاركة في التشييع ، صفّ في أقرب مكان لحمل الجنازة ، أصوات تعتلي بين الفينة و الأخرى تسأل قراءة الفاتحة ، لهج لسانه يتلاوة أم الكتاب ، كان يتصفح بعض الوجوه فيراها مألوفة ، قد لا يعرفها شخصيا لكنه يراها دائما ، لامست يده النعش ، تمتم بخشوع :
- سلم الميت إلى رحمة الله ... سلم الميت إلى عفو الله... رحمك الله يا عبد الله
سمع التلقين بوجدانه ، يشعر أن كل ذرة بجسمه تهتز ، كله آذان صاغية ، المشاعر تختلج داخله ، يشعر برغبة في البكاء ، يردد بين الفقرة و الأخرى " لطفك يا رب... رحمتك الواسعة" ، الموت الشبح المخيف يراه أمامه ، أهيل التراب و أصوات البكاء تفتت الصخر ، صُب الماء على القبر ، تحلق المشيعون حول القبر جماعة بعد جماعة يقرأون الفاتحة و يترحمون على الميت ، وضع يده على تراب القبر الندي ، تلا السورة و انقلب عائدا إلى سيارته ، قريبا من المقبرة كان رجلا يقص على آخر خبر الميت :
- عمره 18 عام... أصله من باب الشمال.. ساكن في الوسادة... يدرس في البترول... الله يرحمه... المطر السبب... الحوادث اليوم لا تحصى...
كان هذا سبب شكه في معرفة تلك الوجوه المشيعة ، إذاً... هو زميل دراسة لم يلتق به سابقا ، رحمه الله ...
خاتم عقيق&
31-03-2009, 09:33 AM
شكرااااااااا نوررررررر
اكملي باقي الرواية
اختج خاتم
خاتم عقيق&
01-04-2009, 12:17 PM
نور وين باقي الرواية
لا تتاخري ممكن
اختج خاتم
نسايم
01-04-2009, 02:25 PM
مشكورة خاتم على المتابعة
انشغلت نور اشوي وان شاء الله بتكملهاااا
نور المستوحشين
01-04-2009, 06:28 PM
منزل الضاد
على مقربة من سوق الدجاج في منطقة البحر تقع فيلا متحيرة بين الحداثة و القدم ، تطل بوابتها على الجنوب حيث حديقة خضراء تمركز في وسطها أرجوحة ، و رغم أن منطقة البحر تتمتع بالحميمية بين بيوتها ، أبت تلك الفيلا إلا أن تجاور التراب من كل جانب عدا بوابتها ، كانت تلك الفيلا من أول البيوت إدخالا للتصميم الأمريكي في المنطقة ، يتألف الطابق العلوي من غرفة جلوس تنفتح على المطبخ و قاعة الطعام ذات الطاولة و الكراسي الأربعة ، أما الطابق العلوي فقد تألف من ثلاث غرف ، غرفة رئيسة و أخرتان متساويتان في الحجم ، تقطن الغرفة الكبرى "أم عبد الله" بينما تشغل "عبير" غرفة و يسكن "عبد الله" أخرى...
الغريب في هذه الفيلا أنّ دخول العاملة الأجنبية إليها أمرا محرما منذ أن تناقشت "أم عبد الله" مع المرحوم "أبو عبد الله" في شأن البيت و اتفقا أن أهم المبادئ أن لا يشاركهما المنزل غريب...
لم تكن "أم عبد الله" إمرأة تنتمي لجيلها ، فقد كانت إحدى عشر فتيات تمردن على الطوق و الحصار القائل بأن إكمال التعليم للمرأة خارج عن حدود الأدب ، بل لا تزال تفتخر بأنها من أوائل النساء اللاتي نلن الشهادة الثانوية من الدمام ، و لم تتزوج إلا بعد حصولها على البكالريوس ، كانت تؤمن أن الزواج لا يأتي إلا بعد الحب ، لكنها عندما تعدت الثالثة و العشروين و لم تلتقِ بمن تحب في ظل القيود الاجتماعية ، قبلت بـ "أبي عبد الله" الذي يكبرها بخمس عشرة سنة ، كان يعتبر تاجرا طموحا يمتلك بعض العقار و المحلات مع عمله في أرامكو السعودية ، لكنه رحل عن الدنيا ملقيا على كاهلها مسؤولية تربية "عبد الله" و "عبير" عندما كان "عبد الله" في الصف الثاني الابتدائي...
نشأت "عبير" ضمن إطار واسع من الحرية و اللامسؤولية ، كانت الفتاة التي لاتعرف معنى لكلمة خطأ أو ممنوع ، رغباتها موفرة دائما و حركاتها مقبولة ، لكن الفتاة التي تملك كل شيء تريده تملك كذلك قلبا مرهفا شاعريا ، كان القلم صديقها منذ أن أحبت مدرسة اللغة العربية في المتوسطة ثم استمر معها تكتب الخواطر الأدبية و تنشرها في بعض المجلات ، و تعشق الموسيقى بشتى أنواعها...
أما "عبد الله" فقد وجد في المسجد ما افتقده في المنزل ، لا يدع فرصة يتمكن فيها من صلاة الجماعة حتى كان في أوائل الداخلين للمسجد ، بدأ التردد على المسجد عندما كان في الصف الأول المتوسط ، يدخل مسجد الإمام علي عليه السلام الرحب الهادئ ، تطمئن نفسه و يشعر أنه في روضة روحانية تجذبه بقوة مغناطيسية لا تقاوم ، ثم انطلق يستعذب كل مسجد و يقتطف من كل الثمار الزاكية ، و لم يصل إلى الصف الأول ثانوي حتى ألف مسجد الإمام الخوئي في منطقة البستان ، كان المسجد الذي استحوذ على فكره و روحه بأنشطته و عذوبة الصلاة فيه ، و لم تعترض "أم عبد الله" في بادئ الأمر لإيمانها بالديموقراطية و الحرية الشخصية ، لكن "عبد الله" بدأ التمرد و المعارضة لكثير من الأمور التي تمارسها "عبير" لتبدأ الأم بالقلق من مصير هذا الابن الذي يعارض كثيرا و يصمت عندما تتكلم و لا يناقش أبدا...
عندما خرج "عبد الله" من المنزل كانت حركة لا سابق لها ، يبدو أنه على وشك الانفجار ، و عندما أمسكت "أم عبد الله" بالصحيفة لم تكد تكمل قراءة سطرين حتى بدت ابتسامته تلوح لها من بين السطور ، كأن الصورة تؤنبها لأنها تركته يخرج غضبانا ، أغلقت الصحيفة و صعدت إلى غرفتها تارة تقرعها ذهابا و عودة ، و أخرى تقف إلى جانب النافذة ، وبين الفينة و الأخرى تقرأ الوقت من ساعتها اليدوية ، تهبط إلى الطابق الأرضي ثم تعود إلى غرفتها ، بدأت الموسيقى المنبعثة بصخب من غرفة "عبير" تزعجها ، لم تتمالك أعصابها ، طرقت باب غرفة "عبير" ثم فتحته فتوقفت "عبير" عن الرقص مندهشة ، لم تكن أمارات وجه "أم عبد الله" تبشر بخير ، حملقت "عبير" في وجه أمها بخوف ، هتفت الأم:
- أنتِ السبب... إذا حصل مكروه لـ "عبد الله" أنتِ السبب...
- لماذا أنا السبب؟.. لم أفتح له الباب و لم أحثه على الخروج... لقد خرج بنفسه...
- حمقاء... أنا من ناصرتكِ أغبى منكِ... أضعت ولدي... من يدري ماذا حدث له... أنا السبب... أنتِ...
أحست "عبير" أن أمها بحاجة لكلمات تهدئها ، اقتربت منها و حظنتها وهي تهمس:
- أماه... لا تعي اليأس يتسرب إليكِ... أخي سليم معافى... ربما ذهب إلى أحد أصحابه..
- أتمنى أن يكون كذلك... لكن قلبي يخبرني بأن شيئا ما حدث له...
قطع رنين الهاتف حديثهما ، انطلقت "أم عبد الله" لترفع السماعة ، كان قلبها يسبق صوتها و هي تهتف:
- ألو..
- أهلا "أم عبد الله"... كيف الأحوال؟
- أهلا "أم محمود"... هل تعلمين شيئا عن "عبد الله" ؟
- لا... لماذا... خيرا إن شاء الله؟
- غضب من كلامي و خرج...
- لا تقلقي يا "أم عبد الله"... ما به إلا خيرا إن شاء الله...
- أتمنى ذلك يا "أم محمود"...
- لحظة... من فضلك يا "أم عبد الله"...
كانت البرهة التي طلبتها "أم محمود" قد أعادة المخاوف لقلب " أم عبد الله" ، أخذت تلهج بذكر الله و الدعاء بالحفظ ، قطعت "أم محمود" شرودها:
- ألم تعلمي بالخبر يا "أم عبد الله"؟
- ماذا هناك؟
- يقول "محمود" أن شاب من جامعة البترول قد توفي في حادث على طريق الظهران...
- ...
- "أم عبد الله".... "أم عبد الله"... ما بكِ يا" أم عبد الله"...
ألقت "أم عبد الله" السماعة على الأرض و أطلقت صرخة أرعبت قلب "عبير" و بدأت على إثرها "أم عبد الله" المناحة على ابنها...
- مات يا "عبير"... مات... الشباب مات... لم أفرح بهِ يا "عبير"... في جذوة شبابه... قتله الحديد يا "عبير"... يالله...
- لا...
انقلبت الفيلا إلى مأتم ، الصراخ من الأم و ابنتها ، الهستيرية تسيطر على تصرفاتهما ، كل واحدة تلوم نفسها ، بعد ساعة من الصراخ دق جرس الباب لتنظم "أم محمود" إلى "أم عبد الله" و"عبير"... كلما هدأت إحداهن أثارتها الأخرى ، و بعد ساعة أخرى دخل "عبد الله" الفيلا متعجبا من هذا الصراخ العجيب ، عندما فتح باب الصالة اختفى الصراخ و فغرت " أم عبد الله" فاهها ثم انخرطت عبير في حالة ضحك هستيرية....
نور المستوحشين
01-04-2009, 06:30 PM
على طريق الملك عبد العزيز
الساعة السادسة صباحا ، المنبه يصرخ و يسكته "حسن" بلكمة لا إرادية ، يتقلب يمينا و شمالا ، التحف بغطائه ثم تكور و انقلب على بطنه كمن يحاول أن يمنع البرودة من التسلل إلى جسده ، قام "حسين" متثائبا و دخل الحمام و "حسن" يصارع لعله يحظى بغفوة مشبعة ، جاءت "أم حسن" تتثاءب لتقف على الباب وهي تعنفه :
- قم يا "حسن" ، يكاد البيت أن يهوي من صوت المنبه و أنت لا تزال نائم ، لم يبق سواك..
- أماه... دعيني أنام...
- قم لتبحث لك عن ابن الحلال الذي يوصلك الجامعة... قم يا "حسن"...
جملة "أم حسن" الأخيرة أيقضت داخله الهواجس و الحسابات التي أرقته أغلب ليلته تلك ، نهض كأنه قد رشح وجهه بالماء البارد فجأة ، ضم يديه إلى صدره ، مشى إلى الحمام ، وقف ينتظر عند الباب ، الدقائق تتسرب ، الصبر ينفذ بتصرم الوقت و بانتظار المجهول ، طرق الباب طرقا قويا متواصلا كادت له المثبَّتَات أن تجيب متهاوية ، لا صوت بشري يأتي من الداخل فيصبره ، و لا أحد يخرج من الباب فيريحه ، الصوت الوحيد الذي يخر في أذنه هو خرير الماء ينسكب على بدن أحدهم في الداخل ، أعاد الطرق فسكت الماء ، أراد أن يطرق مرة أخرى ففتح الباب و خرج "حسين" مئتزرا منشفة جسمه و البخار يخفي ملامح الحمام ، صرخ في وجه أخيه :
- أخرتنا... ألم تجد وقتا مناسبا للاستحمام سوى الصباح؟
حملق "حسين" في وجه أخيه برهة ثم مضى إلى الغرفة و أغلق بابها دون أن ينبس ببنت شفة ، فزجّ "حسن" نفسه في الحمام ثم لم يلبث أن خرج ليكرر الانتظار عند باب الغرفة ، عندما خرج "حسين" من الغرفة ودّ "حسن" لو يجمع كفه و يهوي على صفحة وجه أخيه ، لكنه دخل الغرفة و هو يشتم و يتوعد...
عند الساعة السابعة إلا ربع صباحا كان "حسن" يمشي باتجاه "طريق الملك عبد العزيز" لعله يجد من يقله إلى الجامعة ، السيارات تسير دون توقف ، يلحظ الوجوه الناعسة البائسة فيزداد يأسا ، يحدث نفسه بعدم التعرض لـ "هدى" مرة أخرى ، فدعوتها المستجابة هي السبب في وقوفه الآن يستعطف أحدهم ليحمله معه في طريقه ، أظهر كتبه الجامعية لتكون علامة على وجهته ، تذكر "مصطفى" زميل الدراسة منذ الطفولة ، لم يكن صديقه المفضل ، بل أن علاقته به كانت سطحية حتى دخلا الجامعة فدعته الحاجة للاتكال عليه في مواصلاته ، في جامعة الملك فهد للبترول و المعادن تفعل السنة التحضيرية فعلتها في تقريب البعيد و ربما إبعاد القريب ، و تحسين العلاقات ، تكشف اللثام عن التكافل الاجتماعي و التعاطف و الرحمة ، في السنة التحضيرية تحسب أن زملائك من القطيف هم أهلك للتلاحم الذي يجمعهم إلا ما نذر ، و في السنة التحضيرية تتبدد كل النظرات و تنعكس كل الإشاعات و البدع التي تشوه سمعة كل قرية ، و في السنة التحضيرية تكتشف أن جميع الطلاب ينتمون للقرية فيأخذون من القرية طيبتها و تواضعها و بساطتها و حبها للخير و البدل و العطاء ، فلا يمضي شهر إلا و التجمعات القطيفية التي تحمل مزيجا من القرى قد اجتمعت في أماكن معينة من المبنى العجوز ، هذا التلاحم قد يكون سببا في طرد عدد كبير من الطلاب لعدم تمكنهم من المذاكرة ، وقد يؤمن لآخرين الطريقة التي تجعلهم يرتقون كل المراقي و يتفوقون ، عندما تسأل أحد الذين درسوا في جامعة البترول عن أجمل مرحلة في مسيرته فإنه سيتنهد و يذكر السنة التحضيرية بخير ، "حسن" كان من الناذرين في الجامعة ، فقد غلف نفسه بعزلة و علاقات محددة ، فلم يتصل إلا بـ "مصطفى" اتصالا قويا ، و بآخرين معه في الفصول بعلاقة محدودة جدا لا تتعدى الفصل و لا تتجاوز المبنى الدراسي ، و قد قضى "مصطفى" نحبه ، بكى "حسن" أيام العزاء بحرقة ، ليس لأن "مصطفى" يقله دائما للجامعة ، بل أن هذا الموضوع كلما راوده طرده من فكره ، فقد كان بكاء "حسن" على "مصطفى" بكاء من اكتشف شخصا طيبا محبا كريما يحمل من المشاعر أعذبها و من الصفات أسماها ، أحب "حسن" "مصطفى" رغما عنه ، و عندما أحبه اختاره الله ليفجع به "حسن" ، و هاهو الآن يقف في الطريق يتذكر "مصطفى" و "هدى" و دعائها و يتأسف على ما بذر منه فجنى ثماره سريعا...
************
أوصل "عبد الله" أخته "عبير" إلى المدرسة في الوسادة و انعطف جنوبا ليلحق بمحاضرته ، اتساع الوقت تجعله لا يأبه بازدحام الشوارع و تراصص السيارات ، عندما مر على طالب يحمل بين يديه كتب جامعية و رآه يطلب منه بيده أن يقله معه بدت الصورة ضبابية بعض الشيء ، يعلم أنه من طلاب السنة التحضيرية لكنه رآه في مكان ما ، بل أنه صافحه بيده ، بعد أن تجاوزه بأمتار توقف جانبا ليحمله معه و فكره يبحث عن وجه ذلك الشاب المألوف في ذاكرة المواقف ، عندما ركب الشاب السيارة و ألقى السلام شعر أن صوت الشاب مبحوحا كمن قضى أياما في البكاء ، المشكلة في أنه لا يتذكر أين لقيه ، لكنه يعلم أنه رآه ، و مضت برهة من الصمت بينهما حتى قطعه سؤال "عبد الله" :
- أنا "عبد الله" من القلعة.. أسكن منطقة البحر
- أنا "حسن" من باب الشمال... أسكن حي الوسادة...
اتضحت الصورة في ذهن "عبد الله" ، تبدو الخيوط متصلة شيئا ما ، الوسادة و الصوت المبحوح و السنة التحضيرية ، بعد برهة من الصمت عاد "عبد الله" ليسأل بتردد:
- أ تسمح لي بسؤال...
- تفضل...
- هل كان عندكم مجلس عزاء؟
- نعم... توفي صديقي في حادث..
لجم لسان "عبد الله" ، إذاً هو ذلك الشاب الذي لم ينقطع عن البكاء و هو يسير خلف الجنازة ، ما أغرب الصدف ! لم يكن في حسبانه أن يشترك في التشييع لولا مشادة كلامية مع أمه ، و لم يكن في ذهنه أنه سيقف ليقل صديق المتوفى يوم السبت الذي يتلو الحادث ، الجلوس مع مثكول إحساس بالمصيبة ، كيف يسري عن ذلك الشاب الذي تبدو المشاهد أمام عينيه طرية ، بحث عن حديث بعيدا عن الصديق الراحل لرفيقه ، سأل:
- كيف الدراسة في السنة التحضيرية؟
- الحمد لله ، على ما يرام..
- أشعر أنكَ انطوائي بعض الشيء
أحس "حسن" أن الشاب الذي أقله يملك شيئا من اكتشاف الشخصيات ، سأله بحذر:
- و كيف عرفت ذلك؟
- الطالب في السنة التحضيرية عادة لا يقف في الطريق بحثا عمن يقله ، الطلاب يعرفون بعضهم البعض و هم متعاونون...
- لا أعرف أحدا يملك سيارة سوى المرحوم..
- أصبحت تعرفني الآن... و سوف أوصلك في طريق الذهاب...
- لا أريد أن أكلف عليك...
- ليس في ذلك تكليف... أنا أوصل أختي المدرسة الثانوية في الوسادة... و أنت في طريقي...
و ساد الصمت إلى أن وصلا مبنى السنة التحضيرية فكتب "عبد الله" رقم هاتفه و أعطاه لـ"حسن" فشكره و ودعه إذ لم يبق على الدرس الأول إلا بضع دقائق ...
نور المستوحشين
01-04-2009, 06:31 PM
كل شيء كئيب ، الفصل الدراسي و المدرس الأبله الذي جاء بشهادة أنه أجنبي ، المحاولات البهلوانية التي يفعلها لتضيع الحصة ، الضحكات المنطلقة بلا معنى هنا وهناك ، العيون التي تسترق النظر لوجه "حسن" و هو ساهم الفكر ، أصعب أمر هو أن تشعر بأن الآخرون يحملون لك الشفقة في نظراتهم ، يود لو يكسر ذلك الوضع و يود لو يبقى ، الموت الرهيب يخرس الألسن و يكتم الأنفاس ، أن تتصور ذلك الشاب الحيوي الذي يتنقل في أرجاء الأوريا و قد اختطفه من لا يرجعه ، ثم ترى من يلازمه في الذهاب و الإياب فيتولد عندك شعور بالحزن ، انتهت الفترة الثانية و حصة الرياضيات فبدأت ساعتان من الفراغ ، كان "حسن" عملي جدا ، من القلائل الذين يعدون الوقت من ذهب فلا يفوته أن يقسم ذلك الوقت إلى نصف ساعة فطور و تأمل و ساعة من الاستذكار و إكمال الواجبات و نصف ساعة للصلاة و التنقلات ، كانت الساعة الحادية عشر هذه المرة مختلفة ، كان قد اعتاد على أن لا يلتفت يمينا أو شمالا يخرج حاملا كتابين هزيلين جدا و يجدّ الخطى صوب البوفيه ، أما اليوم فقد رفع رأسه والتقت عيناه بأعين أبناء البلد ، كان يقرأ الحزن و الشفقة و يجرع الحزن و الغصة و المرارة ، لم يجرؤ أحد أن يحدثه أو يربت على كتفه معزيا ، المسافة بينه و بين الآخرين متسعة ، عندما دخل البوفيه كان الصخب عاليا جدا ، النكات و الضحك و الإستهزاء و ما أن أطل من بابها الغربي حتى حلّ الصمت كأن ملك الموت قد مرّ عليهم ، الهدوء و الحزن و الأسى و الأعين المتشفقة التي تشيعه إلى الركن الأعزل ، لم يضع الكتابين على الطاولة بل رجع أدراجه ليخرج من الباب الذي دخل منه و يضغط على زر استقطاب المصعد ، كان يفكر في حالة الهدوء الذي أصاب القوم ، لاحظ أنه لا يوجد في البوفيه سوى أهل القطيف فقط ، ربما لأنها و قاعة المذاكرة المأوى الوحيد لهم بعد أن تنكرت لهم غرف السكن و منعوا من السكن داخل الحرم الجامعي ، الروايات تدعي أن القصد من منعهم عن السكن هي مخطط للتقليل من كثافتهم فوق الجبل رغم أن السبب الظاهري هو عدم اتساع السكن لاحتواء الطلاب جميعهم ، طلاب السنة التحضيرية من خارج القطيف ينقسمون إلى قسمين رئيسين ، الأول هم من يدرسون دون الحاجة للدراسة أو من جذبتهم مظاهر المدينة الجذابة و هؤلاء يقضون تسكعهم في مجمع الراشد التجاري ليغذوا أنظارهم بالأجنبيات أو في القهوة ليغذوا أنفاسهم بأنواع التدخين ، القسم الآخر هم من يسمون بآلات دراسية بحتة ، يخرجون من الغرفة للدراسة و يخرجون من الدراسة للغرفة ، لا وقت للمظاهر أو العلاقات أو غيرها ، أما أهل القطيف فينقسمون إلى ثلاث مجموعات ، مجموعة تتسكع في البوفيه لتعرف الداخل و الخارج ، و مجموعة تتسكع في قاعة كبيرة في الطابق الرابع خصصت للمذاكرة حيث يتسنى لهم نسخ الواجبات المنزلية و العبث و المزح و التنذر على الآخرين ، المجموعة الثالثة فتجلس لتفطر في البوفيه ثم تصعد لتذاكر في القاعة وهؤلاء لا يتعدون عدد الأصابع أحدهم "حسن" الذي أخرس بدخوله القاعة كل من فيها و تكرر مشهد الشفقة في الوجوه فخرج حزينا لا يلوي على شيء ، كان يسمع الحوار و هو خارج :
- مسكين
- الله يربط على قلبه...
- كان ظله الذي يمشي معه...
- أتمنى أن أستطيع مواساته...
- انتبهوا... أشعر أنّه سمعكم... لقد خرج بسبب نظراتكم...
- لم نضربه على رجليه... خرج بنفسه...
كانت هذه آخر كلمة سمعها و المصعد يهبط به إلى الأسفل ، خرج من مبنى المكاتب ليتجه صوب الفصول الدراسية ، نقل بصره يمينا شمالا من بداية الجهة الشرقية الواقعة بالقرب من مبنى الورشة متجها إلى الغرب ، في منتصف ذلك المبنى وجد غرفة فاضية فدخل فيها و أغلق الباب و جلس على كرسي المدرس ثم فرش كتبه و بدأ يراجع كتاب المفردات ، كانت هذه عزلة على عزلة بدأها ذلك اليوم لكنه قرر أن ينفتح قليلا على المجتمع لوقت الحاجة...
مراهقة
منطقة البحر مزيج راقي من العلم و العبادة ، في قلبها تتجمع المدارس و تتناثر ، كما تجتمع الحسينيات و المساجد و تتزاحم ، في الجزء الشرقي من ذلك القلب تقع حسينية السنان و إلى شرقها مدرستي ذات الصواري الابتدائية و ابن كثير المتوسطة ، و على بعد أمتار يقع مجمع من مدارس البنات ، الغريب في الأمر أن المدارس قسمت إلى ابتدائية و متوسطة و ثانوية لأسباب عدة أحدها فصل الطفولة عن المراهقة لكن المراهقة و الطفولة يلتقيان كثيرا في مدرستي ذات الصواري و ابن كثير ، الأغرب هو فصل الجنسين عن بعضهما ثم تركهما يختلاطان كيفما يشاءان عند الانصراف...
عندما أصرّ "حسين" على التسجيل في مدرسة ابن كثير المتوسطة بعد تخرجه من الابتدائية رغم قرب النموذجية المتوسطة من منزله كان يبحث عن أصدقائه الذين اتفقوا على الذهاب لمدرسة ابن كثير ، كان ينتمي لمجموعة من الأصدقاء الذين يتنافسون على المراكز الأولى و كان يأمل أن يكمل مسيره في المتوسط و الثانوي كما كان في الابتدائية ، لكن الأحلام البريئة قد تبدل مع نهاية الصف الأول المتوسط عندما استلم النتيجة و لم تتجاوز التسعين نسبة مئوية إلا بفاصلة واحدة ، و عندما غاب عن أول يوم دراسي في الصف الثاني المتوسط شغرت كل المقاعد الأمامية فوجد نفسه يقبع في آخر مقعد إلى جوار طالب ألف هذا الفصل منذ أعوام ، كانت هذه نقطة التحول في حياة "حسين" و تبدلت أحلامه تماما ، لم يعد الطالب الذي يطمح في إحراز العلامة الكاملة بل أصبح همه المتعة و السعادة و السيارات ، و افترق عن الأصدقاء الذين سجل في المدرسة من أجلهم ، و في الوقت الذي ظل أصدقاؤه السابقون يتنافسون على المراكز الأولى ، نجح في الصف الثاني المتوسط بتقدير "جيد" ، أما في الصف الثالث فقد اختار لنفسه الركن الأيمن في مؤخرة الفصل إلى جانب "عصام" و "ممدوح" ، كان "عصام" قد قضى سبع سنوات متفرقة في المدرسة ، ففي الصف الأول أمضى عامين بسبب الإنجليزي و في الصف الثاني أخفق في جميع المواد ما عدا الرياضة حيث حقق علامة النجاح - 50 درجة – ثم أعاد الكرة و حقق تقدما في جميع المواد ما عدا المواد الإسلامية و الانجليزي و الرياضيات ثم نجح بمعدل 75 في المائة في السنة الثالثة ، عندما دخل الصف الثالث لم يعد يهتم بالنجاح ، فقد كان أحرص على التسلي بالعبث مع المدرسين ، أما "ممدوح" فهو في سن "حسين" تقريبا ، لم يخفق في مراحله الثمان السابقة ، لكنه لم يهتم بدراسته طيلة السنوات الثمان السابقة أيضا ، كان يعتمد المقولة التي يعشقها الشباب دائما "فلها و ربك يحلها" ، و الحق أنه نجا من عدة إخفاقات خلال الثمان سنوات السابقة ، و تكونت جماعة جديدة همها الأكبر المتعة ، و عندما كان "عصام" يملك سيارة "سيليكا" مصنوعة في بدايات الثمانينات الميلادية ، كان "ممدوح" و "حسين" يحلمان بسيارات تماثل سيارة "عصام" ، بل أن الحديث عن محاولات "ممدوح" لشراء سيارة ولّد في نفس "حسين" الرغبة الجامحة في شراء سيارة ، فتارة يتعلل ببعد المدرسة و أخرى يتحدث عن أسعار السيارات أمام أمه ، و لم تكن المرة الأخيرة عندما غضبت "أم حسن" إلا تصعيدا من "حسين" بعد تحريض رفيقيه...
نور المستوحشين
03-04-2009, 01:41 AM
لم يعد "حسين" إلى المنزل بعد خروجه يوم السبت ،بل اتجه إلى الساحة الترابية المطلة على شارع الحب و التي يقابلها سلسلة المطاعم ، كانت سيارة "عصام" السيليكا في سباتها تحت الغطاء القطني الناعم ، فأيقظهاالأصدقاء الثلاثة "عصام" و "ممدوح" و "حسين" برفع الغطاء الدافئ ، أدار "عصام" المحرك و أشعل سيجارته في انتظار دفئ السيارة ، و لم تنتهِ السيجارة حتى انتظمت السيليكا في شارع الحب متجهة نحو الجنوب ، انعطفت شرقا لتخترق الجموع المتجمهرة أمام مدرستي الشاطئ الابتدائية و المتوسطة النموذجية ،ثم تنقلوا بين القرى و في كل منعطف كانت العجلات تصدر صوتا يكاد يصم الآذان...
عند الساعة الرابعة عصرا ، كانت السيارة تدور حول نفسها في طريق من طرق الناصرة ، و قد تجمهر بعض الصبيان حولها هاتفين و مشجعين ، كانت النشوة تحث "عصام" على المواصلة لكن رجلا في الأربعين قد ترجل من سيارته و أتى بحجرة و ألقاها قرب السيارة فهرب "عصام" ، كان التحدي بين "عصام" و "ممدوح" أن يقطع "عصام" بسيارته طريق أحد الممتد من تاروت شرقا إلى القديح غربا دون توقف و بأقصى سرعة ، فاتجه "عصام" بسيارته إلى الدخل المحدود و عندما وصل إلى حيث يضيق الطريق عند مغسلة السيارات نهاية الدخل المحدود حتى طلب "ممدوح" من "عصام" أن يستدير و يبدأ من الإشارة الضوئية ، فابتدأ السباق بصوت عجلات و تخلله أصوات الأبواق عند كل إشارة حمراء يقطعها "عصام" و كاد "عصام أن ينجح لولا تجاهله الإشارة الحمراء مع تقاطع القدس و قد صادف مرور سيارة مرور في تلك اللحظة ، هتف "حسين":
- المرور..
و ابتدأت مطاردة بين سيارة المرور و "عصام" ، هتف "ممدوح":
- ادخل الناصرة...
لم يلبث "عصام" أن انعطف يمينا لتلحق به سيارة المرور و رجل الأمن يكرر نداءه بالتوقف ، انعطف يمينا و شمالا في أزقة الناصرة لكن محاولاته لم تكلل بالنجاح في تظليل رجل المرور ، وصل إلى طريق الري الذي يربط الناصرة بالقديح و العوامية ، و تبعته سيارة المرور ، اخترق الطريق الذي يربط صفوى بالقطيف أو ما يسمى بطريق العوامية و المرور يتبعه على بعد مائات من المترات ، وصل إلى المنعطف الذي يقود للمزارع ، هتف "حسين":
- انعطف إلى اليمين...
فأجاب "ممدوح" بل ادخل القديح... إنهم يخشون القرى...
و تعدى "عصام" ذلك المنعطف ،ليتفاجأ بسوق السبت قد سدّ الطريق و جعل الهروب مستحيلا ،و لم يعد خيارا سوى الاستسلام ، ترجل الشرطي من سيارة المرور ليطلب رخصة القيادة الخاصة بعصام و رخصة سير المركبة ، فناوله الإثباتات و هو يضحك كالواثق من نفسه ، كاد الشرطي أن يفقد أعصابه ، رفع يده و هو يصرخ:
- يبدو أنّك بحاجة إلى صفعة تصلح ضحكتك..
- التزم حدوك لو سمحت... أنت مجرد شرطي مرور...
أرخى الشرطي يده و هو يهتف بحدة:
- اركب سيارة المرور... تربيتك في الحجز..
- تربيتي أفضل منك... الحمد لله...
- لا تكثر من الكلام... اركب السيارة و فمك مغلق...
وسحبه من السيارة ، فصرخ "عصام":
- و السيارة؟ و أصدقائي؟
- ستحجز السيارة... أما أصحابك فليبحثوا عمن يقلهم... أو... اركبوا معه السيارة...
- أصحابي لا يركبون السيارة... أنا صاحب المشكلة... هم لا ذنب لهم...
- اصمت أنت... هيا... اذهبوا لسيارة المرور...
خرجوا من السيارة ، دخلها الشرطي الثاني ليستكشف ما بها ، بينما كان الشرطي الذي يحدثهم ممسكا بعصام ، اتجهوا صوب سيارة المرور ، ثم أطلقا رجليهما للريح و دخلا بين الباعة و المتبضعين حيث افترقا في الزحام ...
كان المغرب قد حلّ عندما دخل "حسين" المنزل ، فاستقبلته "أم حسن" بالشتائم و الصراخ:
- أين كنت حتى هذا الوقت يا حمار... لم نر طلعتك البهية منذ خروجك إلى المدرسة...
- كنت مع أصحابي ... أنتِ لا تعرفينهم.. أم حرام أن أقضي وقتي مع أصدقائي...
- لم يأتنا البلاء إلا من أصحابك الذين لا نعرفهم... انظر لمستواك الدراسي كيف اختلف...
- مالكِ و أصحابي... أصحابي لا يختبرون عني... هذا مستواي و أنا حرّ فيه... لا أعلم ماذا سأجني من المستوى..
- هيا... خذ لك عصا و اهوي بها علي... اضربني... أخوتك عندما أتحدث يصمتون.. أخوك "حسن" في الجامعة و لم أره يوما رفع صوته علي ، بل يضع عينيه في الأرض و أنا أتحدث ، أما أنت... أصبحت فرعون زمانك... هيا... اذهب و استحم قبل أن أريك حجمك الحقيقي...
أطرق "حسين" برأسه إلى الأرض ، عاد صغيرا جدا ، يخشى أن تناله صفعات أمه التي اعتادها ، تركها تكمل صراخها و تهديداتها و عتبها على الدهر ، ثم استغل صرفها له و أمره بالاستحمام ، فدخل غرفته بحذر و أخد ملابسه و منشفته ثم دخل الحمام
نور المستوحشين
03-04-2009, 01:42 AM
الحب من أول نظرة موجود في كل المجتمعات ، قد يكون المحب قد رأى المحبوب عدة مرات لكنه لم يره بالشكل الذي أحبه إلا تلك اللحظة ، كان "سعيد" يجلس في بوفيه السنة التحضيرية ، يتسقط أخبار الفتى الذي ذاب في حبه ، يتنقل من طاولة إلى أخرى يتبادل مع الآخرين قصة الحادث المؤلم الذي فجعت به الجامعة ، يبحث عن خيوط تقربه من المحبوب ، يحاول أن يخفي حبه لكنه يحول مجرى الحديث ليصل لمغزاه ، استطاع أن يعرف كل شيء عن محبوبه الذي لم يحدثه مرة واحدة ، لم يفطن أحد لما يدور بخلده إلا "صالح" صديقه و رفيق دربه ، كان "صالح" يحب "سعيد" لكنه لا يبوح بحبه ، يرى "سعيد" يتنقل من قصة حب فاشلة إلى قصة حب أكثر فشلا و هو يتعذب بصمت ، يعرف كل ما يدور بخلد "سعيد" بل أن سعيد لا يلبث أن يفضح نفسه ، عندما حاول "سعيد" انكار الحب واجهه "صالح" بأنه أكثر من عاشق هذه المرة ، رغم كل ما يشعر به من الغيرة و الألم تمكن من مساعدة "سعيد" على الاعتراف بوقوعه في الحب ، التضحية تحثه على أن يرشد "سعيد" للطريقة التي يستطيع بها أن يصل لقلب من يحب دون أن يخبره بأنه جاء بواقع الحب ، حذره من البوح بالمشاعر للمحبوب قبل أن يتأكد من المحبوب يبادله نفس المشاعر...
في الأيام الأولى من السنة التحضيرية يصعب التنبؤ بالعلاقات ، فكم من علاقة أصبحت متينة و تأصرت وقد كانت بعيدة جدا ، و كم من علاقة كانت متينة فماتت ، الانفتاح على مجتمع ضخم مختلف تماما عن المدرسة و تعدد العروق و الانتماءات و الصفات يصنع صنيعه ، الأيام الأولى متروكة للتعارف و التآلف بين الجموع و أبناء القرى ، لا يختلف الأمر كثيرا و لا يتباين إلا بعد مرور شهر إذ يتكيف الطلاب مع الوضع الجديد و يستلامون أول المكافآت، المكافآت تغير أشكال و تفكير و علاقات كذلك ، كان "حسن" يمتلك ملامح مليحة لكن لباسه خلال الشهر الأول جعله غير ملفت للانتباه ، لكنه مع استلام المكافأة قد غير كثيرا من مظهره و استطاع أن يظهر ما يجهله من جماله ، بدا كأنه قد التحق بالجامعة بعد الشهر الأول مباشرة ، و قد التقى "بسعيد" كثيرا لكنه لم يلفت انتباهه إلا بالمظهر الجديد ، العائق الذي يمنع "سعيد" من الدخول في حياة "حسن" هو العزلة التي غلف بها "حسن" نفسه و التزامه بمرافقة "مصطفى" يرحمه الله ، أحس "سعيد" منذ البداية بأن أكبر عقبة في طريق حبه الجديد هو "مصطفى" و كانت أحواله تتغير في حالتين ، عندما يكون في مبنى واحد مع "حسن" إذ يفعل الحب فعلته فيه و يتصرف دون شعور و تعتريه حمرة خفية لا يلحظها سوى "صالح" ، الحالة الثانية هي أن يلتقي وجها بوجه مع "مصطفى" ثم يغيب عنه ، الغيرة التي تولدت من علاقة "مصطفى" "بحسن" تجعله كئيبا مزاجيا لا يستطيع البوح بتلك الغيرة و لا تبرير تصرفاته ، خبر وفاة "مصطفى" أحزن الجامعة بأسرها بما فيهم "سعيد" ، كان حزينا لأن غريمه الذي يشعله غيرة قد رحل ، الساحر الذي كلما مر بجانبه أو التقى به قلب أحواله ، تفسير "سعيد" علاقة "مصطفى" بـ "حسن" علاقة حب و تسلط جعلته لا يفهم "مصطفى" ، الحزن لأنه لن يرى ذلك الشاب الذي طالما التقاه بصمت و تركه بصمت ، السعادة حاولت هي الأخرى أن تتسلل لقلب "سعيد" ، الشيطان يهمس في أذنه :
- ابتهج... مصائب قوم عند قوم فوائد...
كان "صالح" قد مر بالغرفة التي اختلى فيها "حسن" لاسترجاع الدروس ، أحسّ بالألم يقطع قلبه ، شعور ممتزج بين الحزن و الغيرة ، بدا له أن "حسن" ذكرى الشاب الراحل ، و تذكر أنه الفتى الذي سيسرق قريبا من أحب ، يؤمن أن الحب تضحيات ، و سيقدم لمحبوبه كل المساعدة لكي يحصل على مراده ، بحث عن "سعيد" في أرجاء السنة التحضيرية ، اختلى به عند عتبات قاعة المحاضرات القديمة ، هتف :
أهلا "سعيد"
- هلا بك..
- فرصتك... حبيب القلب يجلس وحيدا في أحد الفصول...
- و ماذا تطلب مني؟ أن أرقص؟
- اذهب له بدافع تأدية الواجب... تعرف عليه... فرصة لا تعوض... إنها تمر مر السحاب...
- مستحيل...
- لماذا؟ هل جننت؟
- أنت الذي جننت... لا أستطيع رؤيته..
- أ تخشى أن يكتشف أمرك؟ أن تتلعثم و يقرأ في جبينك عاشق؟
- عما تتحدث؟ أي أمر الذي يكشفه؟ ثم ما دخلي أنا؟ أنا لا أعشق أحدا... هل فهمت؟ لا أعشق أحدا..
- أحقا لا تعشق أحدا؟ أ تظن أني لا أعرفك؟ أتريد أن أخبرك كيف تفكر... أنت هذه المرة أكثر من عاشق... أنت مجنون حب...
- هذه أوهامك... تتخيلها أو تحلم بها... ثم لماذا أضيع وقتي معك... الوقت كالسيف.. سوف أختلي بنفسي لأذاكر....
- لا تنسَ أن تقطع الوقت قبل أن يقطعك... ذاكر في فصول الرياضيات... يقال أنها تنشط الذهن... قصدي... القلب...
كان "سعيد" قد اتجه صوب مبنى الفصول الدراسية بينما دخل "صالح" البوفيه ، تيقن "صالح" بأن "سعيد" لن يفتح كتاب ، و أضمر "سعيد" أنه لن يفكر في المذاكرة ، عندما فتح "سعيد" باب المبنى أحس بدقات قلبه تتسارع ، العرق يتصبب من كل أعضائه ، أخذ يحوم حول الفصل الذي فيه "حسن" كالطير الفاقدة فلذة كبدها ، شجع نفسه على الدخول ، صاح في أعماقه:
- لن تموت... توكل على الله و اكسر القيد الذي يكبلك
فتح باب الغرفة بهدوء و خوف ، القلب قد صعد ليستقر في أذنه ، رفع "حسن" رأسه ، قال "سعيد":
- السلام عليكم...
أجاب "حسن" وقد عاد يقرأ في كتابه :
- وعليكم السلام...
أحس "سعيد" بصعوبة الاستمرار ، تظاهر بأنه جاء لحجز مقعده في الصف الأول ، رمى كتبه على أحد الأدراج ، و خرج يجر رجليه ببطء و أذيال الخيبة...
نور المستوحشين
05-04-2009, 12:43 AM
خبر غياب المعلمة هنادي قد أشاع البهجة في صف ثاني ثانوي- أول, الهمسات والهتافات والفرح والبهجة جميعها ذات علاقة بغياب تلك المعلمة, خمس دقائق من الترقب مرت بانتظار معلمة الانتظار, التفتت الطالبات جهة الصف الأخير من الفصل ، "سهى" الأبظاي (1) تلصق الطاولة بالجدار, تتبعها وصيفتها "حنان", وتوالت أصوات الكراسي والطاولات, تحول الفصل الى قسمين: قسم في الخلف تكدست فيه الطاولات والكراسي لتكون كومة وطالبات مستندات إليها, أما القسم الأمامي فبدا كمسرح وقفت عليه "صفاء" بعد أن ربطت على خصرها خمار أسود وأخذت تتمايل على أنغام التصفيق المنظم والأغنية الجماعية , كان الصخب قد تعالى عندما انفتح الباب فجأة فانعدم الصوت ، أعين الطالبات تتطلع صوب الباب المفتوح على مصراعيه , لا يكاد يسمع من ذلك الصخب سوى دقات القلوب الوجلة , كانت "صفاء " جامدة مكانها إلا من رجفة خفية , هتفت مندهشة:
Wow….she look beautiful-
كانت "عبير" قد أخذت خطاها كالأميرة إلى داخل الفصل , عندما أطلت على الطالبات صحن في صوت واحد:
Ohh yea…she’s great.-
لم يكن الإنجليزي سوى عقدة عند أكثرهن ولم يزل كذلك , أما هاتين الجملتين فكانت من تلقين "عبير" نفسها التي طالما رددتهما , أذهلت "عبير" الفصل إلى درجة السحر, فمكياجها الكامل وتسريحتها الجديدة قد أسرتهن جميعاً, هتفت "سهى" وهي تصفق على موسيقى اسم "عبير":
- عبير ............ عبير...............عبير
مع هتافها تحول الفصل الى مظاهرة تطالب "عبير" بأخذ زمام المبادرة, نزعت "صفاء" البوشية عنها لتربطها على خصر "عبير", وبدأ الصخب يتعالى, كانت "عبير" أكثر الطالبات اتقاناً للرقص, تتمايل في خفة, تماماً كأنها تمثل فيديو كليب, انضمت لها "سهى", ثم لحقت بهما "حنان", لم تمض برهة إلا والفصل نصفه يرقص والنصف الآخر يصفق, والجميع يغني........
وانفتح الباب بهدوء لايكاد يشعر به هذه المرة, استغرق الأمر دقيقة كاملة ليتوقف الفصل عن التصفيق, لم يبق إلا "عبير" في تمايلها واندماجها, صرخت المعلمة "نوال":
-عبير!
توقفت عبير عن الرقص, حاولت أن تتملص, هتفت:
- معلمة... الطالبات طلبن أن أرقص..
قاطعتها المعلمة "نوال":
- انتهى... كفى...
- لكن يا معلمة..
- قلت لكِ كفى.....اصمتي..
-أني يامعلمة...
احتد صوت المعلمة:
- عبير...
القلوب ترتجف داخل الصدور, الدموع تترقرق في عيني "عبير", تنظر المعلمة باسترحام, أخيرا تحدثت المعلمة من جديد:
- ماذا أرى أمامي؟ هل أنتن طالبات الصف الثاني ثانوي؟ القسم العلمي؟ والله لو قيل لي أن هذا الرقص و الضجيج و السفيق صادر من الصف الأول الابتدائي لم أصدق. ماهذه الفوضى؟ ألا يوجد احترام للمكان الذي تدرسن فيه؟ أين اختفى حياؤكن؟ ماذا أستطيع أن أقول عنكن؟شعبة كاملة لا يوجد بهن طالبة عاقلة؟ لو كان الأمر بيدي لفصلتكن جميعا، الطالبات العاقلات يستفدن من أوقاتهن في الاستذكار, وحل الواجبات، أمور مفيدة، إذا لم يكن لذيكن واجبات ضعن رؤوسكن على الطاولات و نمن ، إن كنتن لا تردن أن تنامن ، تحدثن مع بعضكن بهدوء ،أما أن تقلبنهاإلى حفلة طرب، وأنتِ ......... أتحسبين دموعكِ هذه ستنفعك،أهذه مدرسة أم حفل زفاف؟ ما شاء الله! مكياج وتسريحة و رقص لم تتركي شيء! هيا.. أعدن تنظيم الصف و "عبير" و "صفاء" و "سهى" ينزلن الإدارة...
نور المستوحشين
05-04-2009, 12:44 AM
يقف مدرس الرياضيات بين طاولة "عصام" و "حسين" و الفصل يطلقون قهقهة عالية، كان "عصام" واضعا رأسه على الطاولة و عندما سمع القهقهة الجماعية رفع رأسه فوجد المدرس يقف أمامه ، فسأله بجرأة:
- خيرا؟ ماذا تريد؟
- لماذا أنت نائم؟
- إذا جلستُ منتبها قلتَ كفّ عن المشاكسة ، و إذا نمتُ أيقضتني ، و إذا هربتُ من الفصل جعلني المدير أوقع تعهدا ، حقيقة يا أستاذ... أنتم قوم لا يعجبكم العجب...
- أنت قليل أدب
- عن الخطأ
- قم.. قم... قف على رجليك
- لن أنهض ! ماذا تريد؟
- هيا هيا... إلى الإدارة...
- لا يهمك يا أستاذ ، سأذهب للإدارة ، ما هي الإدارة يعني؟ شرطة المرور لم تستطع إيذائي فهل تستطيع إدارة مدرسة؟
دفع "عصام" الطاولة و نهض غاضبا وعندما خرج من الفصل أغلق الباب خلفه بالقوة ، ساد الهدوء للحظات في الفصل ، همّ المدرس بالعودة إلى مقدمة الفصل ، فاستوقفه "ممدوح" :
- و أنا أستاذ...
- ماذا عنك؟
- ألا تريد أن أذهب إلى الإدارة...
- و لماذا؟
- لأنني لا أظمن نفسي ، أشعر أني سأنام بعد قليل....
- قم.. قم... هيا... هذه قلة أدب...
خرج "ممدوح" بسعادة يتفحص وجوه الطلاب و عندما أغلق الباب كان المدرس ينظر إلى "حسين" الذي بدا مبتسما و كأنه سيقول شيئا ما ، فعاجله المدرس:
- اتبعهما
- أأنا يا أستاذ؟.
- الجدار الذي خلفك...
نظر "حسين" للجدار و هو يقول:
- لكنه لا يستطيع المشي يا أستاذ
- هيا... تفضل اتبع صاحبيك
- لأجلك يا أستاذ ، لأني أحبك ، لو كان الآمر أستاذا آخر ما أطعته...
- شكرا... هيا... اخرج
نهض يتمشى في الفصل بهدوء و قبل خروجه من الباب ، استدار إلى الطلاب و هو رافع يده:
- إلى اللقاء يا أصدقاء...
لم ينبس المدرس ببنت شفة ، أغلق "حسين" الباب ، و التقى بصاحبيه في الدهليز ، هبطوا جميعا السلالم ، عندما وصلوا إلى غرفة المرشد الطلابي تجاوزوها إلى الباب المفضي إلى ساحة المدرسة ، وقفوا يشاهدون الفصل الذي يلعب كرة القدم ، ثم استداروا خلف المدرسة ، مدّ "عصام" يده إلى إحدى النوافذ ، و استخرج علبة سجائر و قداحة ، و بدأ الثلاثة التدخين ، همس "عصام":
- هؤلاء المدرسون لا يعجبهم العجب العجاب
أردف "ممدوح" :
- صدقت والله.. لكن أفضل يا رجل ، ماذا نريد من هذه الحصة المملة..
أكمل "حسين":
- والله صدقت... ماذا نستفيد حصته... وجع الرأس... أنا صراحة لم أفعل شيء... هو أعطاني إذن بالخروج
عادوا إلى الفصل بعد إعلان الصافرة انتهاء الحصة ، عندما جلسوا في مقاعدهم قال "حسين":
- هذي الحصة لا تفوت....
- أوه... حصة اللغة الإنجليزية..
- حصة "وت دي از ات تو دي؟"
تأهبوا لاستقبال المدرس ، نهض "حسين" من كرسيه ، ذهب إلى السبورة و عاد بعلبة الطباشير ، عندما دخل المدرس الفلسطيني الفصل لم يجد الطباشير ، فسأل بعصبية:
- من الذي أخذ الأقلام
لم يتكلم أحد ، فخرج و عاد بعلبة طباشير جديدة ، أغلق الباب فهتف "عصام" وقد غيّر صوته:
- عاشت فلسطين...
التفت المدرس بعصبية:
- و هل هي ماتت؟
ضحك الطلاب...
جلس المدرس على كرسيه يخطب لمدة خمس دقائق :
- من الذي لم يربه أهله؟ من ابن الـ ... من الوضيع ،أأنتم تأتون المدرسة للدراسة أم؟ أنت رعاع ، شوف لن أبدأالدرس حتى يعتذر السافل الحقير ، و الله العظيم لن أشرحَ شيء ، و لسوف آتي بأسئلة لا يستطيع حتى مدير المدرسة الإجابة عليها...
ثم نهض ليشرح ، فهتف "عصام" :
- يا شباب... حرام الذي يحدث هذا ، لا تعبثوا بأعصاب الأستاذ ، لا تقولوا عاشت فلسطين ، هو لا يقبل أن تتحدثوا عن فلسطين ، انتهوا..
- هل تسخر؟
- حاشاي يا أستاذ ، أنا فقط أعينك
- هل طلبتُ منك المساعدة؟
- أنا آسف ياأستاذ... أنت اهدأ الآن يا أستاذ
- خلاص.. اقعد.. "what day is it today"...
- ساترداي...
همّ المدرس بالكتابة فسقطت على كتفه قطعة طبشور ، فالتفت محمر الوجه منتفخ الأوداج ، يتطاير شررا ، صرخ ليسمع الفصول الأخرى:
- من السافل ابن الحرام الذي لم يحسن أهله تربيته، قسما بالله العظيم، إذا لم يخرج من الفصل خلال خمس دقائق لن أعود إلى الشرح ، و سآتيكم باختبار أصعب من بقية الفصول...
ساد الصمت في الفصل ، جلس المدرس على الكرسي ، مضت خمس دقائق ، هتف المدرس:
- إذا لا شرح بعد اليوم...
بعد دقيقتين نطق "حسين":
- يا شباب.. ما يحدث في الفصل حرام ،أنتم تدرسون عند مدرسين خصوصيين و لا يهمكم الدرس ، ليعترف الذي رمى الطبشور ، لعلنا نفلح ، ماذا تستفيدون من رسوبنا؟ صدقوني لو رأيت الذي رمى قطعة الطبشور لأخبرت به...
- لن أشرح ، وليحل لكم المدرسون الخصوصيون الاختبار..
و ساد الصمت إلى أن انتهت الحصة ، فخرج المدرس و ساد الصراخ في الفصل ثم في لحظة واحدة صمت الجميع ، كان المرشد الطلابي قد دخل برفقة مدرس اللغة الإنجليزية ، و بدأت خطبة المرشد لمدة خمس دقائق ثم قرر استجواب الطلاب كل شخص على حدة و خرج ، بعد خروجه بلحظات بدأت تهديدات الثلاثي للفصل ، و أي شخص يفتح فمه بكلمة سينال جزاءه ، ثم دخل مدرس مادة التربية الدينية و أمر أول طالب بالخروج إلى المرشد الطلابي...
نور المستوحشين
05-04-2009, 12:47 AM
كان المدرس البريطاني يتحدث في شعبة "سعيد" بينما "سعيد" غارق في كتاب القواعد الإنجليزي يرسم حروف كلمة "حسن" باللغة الإنجليزية ، كان شارد الذهن ، يحيا في عالم لا يمت للواقع بصلة ، يتفكر في محاولاته اليائسة للفت نظر حبيبه الذي لا يعلم عنه ، و فشله الذريع في التوصل لخيط يقربه من "حسن" ، كان "صالح" في كل يوم يأتيه بأنباء و أخبار تقرب له الفرج ، فيعلق آمالا هي غاية حياته في تلك الفترة ، كان آخرها في فترة الغذاء يوم الأربعاء عندما كان جالسا في القاعة الزرقاء من مطعم الجامعة و دخل "حسن" ليجلس في طاولة يستطيع أن يراها "سعيد" ليترك "سعيد" وجبته و يبقى مركزا بصره في محبوبه ، ابتسم "صالح" و قال:
- سوف تتعرف عليه عصر اليوم ، ستزوره في منزله...
- كيف يا "صالح"؟
- ستذهب برفقتي و لن تتحدث... سوف أرتب الأمر..
- شكرا يا صديقي الوفي..
أحس "صالح" بالوخز في قلبه ، كأنه قد سمع "يا كلبي الوفي" ، كان يقول في نفسه ، لو لم أعمل على تقريبك لصاحبك فسوف أكون عدوك اللذوذ ، نهض "صالح" وهو يهتف:
- لم يبق عن الحصة شيء...
************
رسالة و بيان لحشد الحشود يتم تداولها بين البنات في المدرسة الثانوية الأولى ، الإشاعات تنتشر بأن ثمة معركة ستتم بعد انتهاء الدوام ، وصلت الرسالة للفصل الثالث ثانوي علمي أول ، بدت كفسحة من تعب المواد العلمية ، تجمعت الفتيات عند قارئة الرسالة ، حاولن أن ينتزعنها منها ، كادت أن تتمزق بين جذبهم ، ارتفع صوتها :
- دعوها و سأتلوها لكم... قبل أن تدخل المعلمة..
عاد الهدوء للفصل ، انتظمت الطالبات في مقاعدهن ، الآذان صاغية ، بدأت حاملة الرسالة بقراءتها :
- من أراد أن يرى بهدلة الحقيرة هدى ، و يسلم من أذى الزعيم عبير ، فليتجمع في ساحة المدرسة أمام البوابة الكبيرة ، و ستستخدم كل الأسلحة المتاحة لتأديب من تعدت على زعامة أحلى البنات و أفضلهن على الدوام ، الزعيمة عبير تدعوكن للانظمام لحفل المشاهدات و التفرج على شجاعتها و بسالتها في القضاء على الجبانة "هدى" ، التوقيع : بنات أرض المرح و اللعب...
****************
كانت "هدى" تحيا يوما روتينيا في المدرسة لولا بعض الهمس و اللمز الذي تشاهده من بنات ركن البيتزا اللاتي تكاثرن على رصيف الزعتر ، كانت "أمل" الواقفة بجانبها في الفسحة تشعر بالارتياب من الأمر ، قالت بشك :
- الجراد يتواجد بكثرة هنا
- كنت أقول ذلك في نفسي... هؤلاء لا يبذر منهن إلا الشر...
- الله يستر... كثرتهن تبشر بسوء... لنرحل عن هذه البقعة ، لم تعد صالحة للوقوف ، و لنغير الطريق احتياطا...
- لكن لم أنتهِ من تناول شطيرتي
- لن تموتي جوعا، دعينا ننجو بأنفسنا
سلكا طريقا مغايرا ، كانت الأعين تتفحص وجهيهن كفريسة قرب الإنقضاض عليها ، بعض النظرات بها شماتة و الأخرى بها شفقة ، وصلتا لفصل "هدى" فودعتها "أمل" و اتجهت لفصلها فإذا بإحدى الفتيات تريها الرسالة ، تهتف بتحذير يشوبه سخرية :
- يبدو أن صديقتكِ لن تنجو اليوم..
- ماذا جنت صديقتي؟
- لا أعلم... أعلم أن الرسالة موقعة بتوقيع رفيقات "عبير"
عادة "أمل" بسرعة لفصل "هدى" ، وقفت تلتقط أنفاسها لكن أنفاسها تتصاعد أكثر فأكثر ، خرجت لها "هدى" ، انتحتا في ركن قصي ، سألتها "هدى" :
- يكاد قلبي يقف ، ماذا هناك؟
- قليلة الحياء...
- أي واحدة؟
- عبير..
- ماذا بها؟
- تضمر لكِ نية ، تعد لمعركة مع نهاية الدوام...
- هذا تفسير النظرات إذا..
- يقال أن بحوزتها أسلحة..
- و أنا عندي أسلحتي...
- ماذا تقصدين؟
- لا تشغلي بالكِ..
- أنا أقول أن تخبري الإدارة...
- سوف أأدبها بنفسي...
- هل هذا يعني؟
- نعم...
- الله يهديكِ ، لقد حذرتكِ
- شكرا لتحذيرك ، لا تقلقي...
تركت "أمل" "هدى" و عادت تتحسب و تدعو بالهداية "لهدى" ، فدخلت "هدى" فصلها و أخذت تجهز للمعركة ببري الأقلام و تجهيز الأقلام الحبر ...
************
كانت "عبير" قد أتت بسكينة و عدد من مفتاح البراغي و وزعتها على رفيقاتها و طلبت منهن أن يبقين في تأهب تام ، و جلست شارذة الذهن تتخيل نصرها على غريمتها ، و ما إن انتهت الحصة الأخيرة حتى تجمهرت الطالبات في الساحة و وقفت "عبير" و رفيقاتهاا تراقبن الباب بانتظار فريستهن المسكينة ، التشجيع و الحماسة تدب في "عبير" و صديقاتها ، خرجت "هدى" تحمل في يدها أسلحتها ، فهتفت "عبير" :
- ههه ، ماهذا؟ رجل في مدرستنا...
قهقهت صديقات "عبير" و انفجرت الجماهير بالضحك...
- هل تعرفين الآيس كريم؟
- لا... بل أعرف الرقص و الاستهتار..
انفجر الجمهور بالضحك مرة أخرى و استشاطت رفيقات "عبير" غضبا :
- تجرؤين على الزعيم..
- لم أطلب منكن أن تتدخلن..
- ما هذه الشجاعة التي تدعين ؟ عشر على واحدة؟
أحست "عبير" بأن الجمهور بدأ يتعاطف مع "هدى" و لابد لها من الاستغناء عن رفيقاتها في هذه اللحظة ، هتفت:
- ياصديقاتي المحترمات ، طلبت العدو طلب و أنا لكرمي ألبي أول طلب لكل عدو ، فلا يتدخل منكن أحد في هذه المعركة ...
- ما شاء الله...
- احترمي حالكِ
- أنا في قمة الاحترام لحالي..
تأهبت الأيدي ، كان في يد "هدى" قلم رصاص و فرجار و في يد "عبير" سكينة صغيرة و مفتاح البراغي ، انقضت "عبير" على "هدى" فرفعت "هدى" مريولها و ركلت " يد "عبير" فانفلت السكين و مفتاح البراغي من يدها ، و تركتها تطلب المدد من أقرب رفيقاتها ، و لم تعد لتهجم إلا و طابور من المعلمات تخرج من الباب و صوت المشرفة يهتف:
- لتقف كل طالبة مكانها
************
في غرفة المديرة مكتب مرتب و رمز سيفين و نخلة معلق على الجدار ، و خلف المكتب تجلس إمرأة ثلاثينية مقطبة الجبين ، يقدح الشرر من جبينها ، لكنها لم تكسر حاجز الصمت الذي التزمته منذ خمس دقائق ، أمام المكتب يتقابل كرسيان جلست "عبير" على أحدهما و هي تحاول أن تبدو لا مبالية متحاشية أن تقع عيناها على عيني المديرة أو غريمتها التي تقابلها على الكرسي الآخر و دموعها تكاد تنهمر من عيونها ، في الممر القريب من الباب المفتوح تتحرك "أمل" بخطوات قلقة فتبعث خطواتها المزيد من التوتر إلى "هدى" ، كأن المديرة تتلذذ بسماع دقات القلوب لا تريد أن تفقد تلك المتعة ، بعد مضي دقائق خرجت من المكتب و تركتهما تنتظران مصيريهما ، تنبأت "هدى" داخلها بعقوبات تتبعها عقوبات ، فالمدرسة لابد من أن تفصلها و تشتهر في قريتها ، و الأهل قد يقترب عقابهم من القتل لكن لا يصل ، و ألسن العجائز لن يرحمها لا محالة ، أما "عبير" فكانت على ثقة من أن نفوذ أمها و تسلط لسانها سيقف سندا و ينتصر لها من "هدى" ، كانت تخدر نفسها بكلمات تقيها من القلق ، جاءت المشرفة لتأخذهما إلى مكتبها ، و في طريقها طلبت من "أمل" أن ترحل إلى منزلها.
كان مكتب المشرفة أقل ترتيبا و أكثر تواضعا ، أذنت لهما بالجلوس ، و بدأت خطبة طويلة تتحدث عن الأخلاق و الطبقات و محاربتها و الإسلام ، و كانت الفتاتان تصغيان لأسلوبها المؤثر ، بعد نصف ساعة من الخطابة تنهدت و سألتهما :
- ما رأيكما الآن ؟
- ...
- أتريدان العقاب أم؟
- ...
- أمهلكما إلى يوم السبت ، لا تذهبا إلى الفصل يوم "السبت" ، أريدكما في مكتبي...
أقلتهما المشرفة معها إلى منزليهما فأنزلت "عبير" أولا ، وعندما خلت بـ "هدى" همست:
- الخطأ لا يقابل بخطأ يا "هدى"...
- إن شاء الله يا معلمة
- إذهبي الآن إلى منزلك فلابد أن أمك في قلق عليكِ ، يوم السبت سأحل المشكلة...
- شكرا يا معلمة..
نور المستوحشين
06-04-2009, 03:09 AM
الصراخ يعتلي في بيت "أبو حسن" ، أصوات أقداح تتناثر ، أم تتوعد و بنت تسترحم و تتعطف ، دخل "حسن" المنزل بخطوات حذرة ، كانت "أم حسن" تعتلي "هدى" ممسكة بيدها اليسرى شعرها و بكفها اليمنى قلم القدو ، و هي تصرخ:
- أين كنتِ حتى هذا الوقت؟؟ بنات المدارس قد عادوا إلى منازلهن و جلسن مع أهلهن، و أنتِ أين ذهبتِ؟؟
- قسما بالله لقد كنتُ في المدرسة ، لم أذهب أي مكانٍ آخر.
- أي مديرة تبقى في المدرسة إلى هذا الوقت ؟ اعترفي قبل أن أدخل النار بسببك... أخبريني أين كنتِ.
- أين سأكون! أقسمتُ لكِ بالله أنني كنتُ في المدرسة ، لقد احتجزتنا المديرة ، اسألي "أمل".
- هيا! اتصلي إلى أمل قبل أن أقضي عليكِ
- دعيني كي أتصل..
- اتصلي قبل أن أقبرك الساعة..
ساد الهدوء في المنزل ، الأم تترقب و "هدى" تطلق الآهات، و تجري الدموع و تمسك سماعة الهاتف ، "حسن" مشلول الحركة لا يدري ما يعمل ، نهبت "أم حسن" السماعة من يد "هدى":
- ألو..
- ...
- أهلا... كيف حالكِ يا"أمل"؟
- ...
- أين ذهبت "هدى" بعد الانتهاء من الدراسة؟
- ...
- إذا كلامها صحيح ، لماذا لم تأتِ لتخبريني ، كنتُ أضرب أخماسا بأسداس..
- ...
- لا... لقد وصلت للتو..
- ...
- شكرا يا "أمل" ، مع السلامة.
************
كان الوضع هادئا في منزل "عبير" ، تجلس أم "عبد الله" تتابع برنامجا ثقافيا في راحة بال تامة ، ترتمي "عبير" منفجرة في بكاء الفاقدين ، تفزع الأم تكيل للمعلمات الظنون ، تحتظن ابنتها:
- أي معلمة هذه المرة التي تعرضت لكِ؟ لابد أن أذهب للمديرة يوم السبت و أوقفهن جميعا عند حدودهن...
- لا.. يا أماه ، المعلمات لم يفعلن شيء.
- إذاً ، مالأمر؟
- ابنة الفلاحين.. "هدى"
- هؤلاء البنات تربية شوارع ، و لابد أن يتجبرن عليكن ، ينبغي فصلهن عنكن ، سوف أذهب يوم السبت و أعلمها الأدب.
- لا يا أمي ، أرجوكِ لا تذهبي.
- ماذا يخيفكِ ؟ إن لم أوقفها هذه المرة فسوف تتمادى..
- لا يا أمي ، أرجوكِ أن لا تذهبي ، رجاء...
- يبدو أنكِ المخطئة ، ألم أطلب منكِ تجنب المشاكل؟ كيف أواجه المديرة بعد أن وعدتها بالتزامك...
- لا يا أمي ، لقد تم حل المشكلة ، لكن الحل لم يعجبني...
- و ماهو الحل؟
- أن نسامح بعضنا البعض يوم السبت ، أو سوف تعاقبنا الإدارة بالفصل.
- و لمَ لم يعجبك الحل؟
- ماذا تقولين؟ أتطلبين مني أن أسامح هذه الفلاحة؟
- أ لستِ المخطئة؟
- لكني لا أتأسف.
دخل "عبد الله" المنزل ليرى أخته في حجر أمه في حالة شكوى ، استمع إلى المشكلة ، تأكد من اسم "هدى" ، سأل أخته:
-أمتأكدة أنها "هدى علي"
- كما أنا متأكدة من أنك "عبد الله"
- أين منزلها؟
- في حي الوسادة
تمتم:
- و "حسن" اسمه "حسن علي " من الوسادة...
- ماذا تقول؟
- أقول هلمي معي..
- أين؟
- أنا أعرف عائلة "هدى" ، وهم أناس محترمون و أستطيع أن أحل المشكلة.
- أ تعرفهم، أنت؟ أنت تعرف قرويين؟
- أنا أعرف أخاها ، إنه معي في الجامعة.
- لابد أن يكون قبيح و ثيابه مهملة.
- احترمي حالك
- إن شاء الله
- هيا ، سوف أحل المشكلة
********
تحول الصراخ في بيت "أم حسن" إلى درس من المواعظ و الحكم من قبل "أم حسن" التي تكرر خطبتها و تضيف فيها ، كانت "هدى" مشحونة بعواطف ملتهبة تكاد تكفيها لقضاء يوم كامل من البكاء ، أما "حسن" فقد وجد نفسه مجبورا على البقاء و الاستماع لحديث أمه ، و "حسين" الذي استغل ثورة أمه ، و دخل غرفته و تمدد ينصت للعاصفة ، تنهدت "أم حسن" :
- إنّ أباكم يطلب رزقه ، و لا يعلم عنكم شيئا ، و لو يحدث أمرا سيئا أصبح أنا المسؤولة ، و أنا امرأة ضعيفة ، لا أقدر على فعل شيء ، و الزمن مخيف ، هنا بنت مخطوفة ، و هناك أخرى هاربة مع عشيقها ، و أبناء الحرام يملؤن المكان ،ألم تسمعوا بقصة الذين أخذا طفلة يوم العيد الفائت ؟ ألم يعصفوا بأهل الطفلة المسكينة؟ ألم يقلبوا عيدهم إلى مأتم؟ الولد هذه الأيام يخشى عليه فكيف البنت ، و أنا مهما يكن أم ، و لابد أن أخاف ، ماذا تطلب الأم من الدنيا سوى سعادة أولادها و بناتها ، غذا إن شاء الله يأتيكِ ابن الحلال الذي يسعدكِ و تعرفي معنى التربية...
كان الباب قد طرق فانقطعت المواعظ ترقبا لمن يقف على الباب ، خرج "حسن" ليجد شاب يبدو له مألوفا بعض الشيء ، كان يتحرك أمام الباب ذهابا و إيابا في ارتباك واضح ، هتف "حسن":
-أهلا..
رفع الشاب رأسه ، كان يحاول أن يدفع الكلام من فمه:
-أهلا..
- خيرا ، من تريد؟؟
- أنا "صالح" زميلك في الجامعة و هذا "سعيد".
- شعرتُ أنكما مألوفين، خيرا إن شاء الله..
- بالصراحة..
-...
- نحن نعلم أنك صاحب المرحوم
- الله يرحمه..
- و كنا نحاول أن نعزيك في الجامعة لكن خشينا أن لا تتقبل...
- على العكس ، ولماذا لا أتقبل؟
- على كلٍ ، الله يرحمه و عظم الله أجرك..
- و إن أتت متأخرة، لكن أطال الله عمريكما و حرس شبابكما
- كنتَ تذهب إلى الجامعة و تعود منها بصحبته ،أليس كذلك؟
- بلى..
- ماذا بعد موته يرحمه الله؟
- أنا؟؟ أذهب مع صديق يدرس في السنة الثالثة تخصص
- طيب ، لماذا لا تذهب و تعود معنا عوضا عن تأخير الرجال و انتظاره.
- شكرا ، لكني لا أعرفك ، قصدي لم أعرفك إلا للتو..
كانت سيارة "عبدالله" قد مرَت أمامهما ثم توقفت إلى جانب الطريق ، عندما ترجل "عبد الله" من السيارة ، هتف "حسن" بحماسة:
- المؤمن عند ذكره..
- خيرا إن شاء الله..
- لقد كان "صالح" يسألني عمن أذهب معه إلى الجامعة ، فأخبرته أنني أذهب معك ، نسيتُ أن أعرفك ، "صالح" و "سعيد" معي في السنة التحضيرية ،و "عبد الله" سنة ثالثة تخصص هندسة كهربائية..
كان حياء أول لقاء يشل حركة "صالح"و "سعيد" الذي كان يقف صامتا طول الوقت ، أما "عبد الله" فقال:
- إذاً ، ستذهب معي إلى الجامعة و ستعود معهما ، إذ يقارب وقتك و قت انتهائهما...
- إذا كان هذا رأيك فلا مانع
تحرر "صالح" قليلا..
- رأي جيد.
ثم التفت "عبد الله" إلى "حسن" وقال:
- أريدك في أمر خاص
نظر "حسن" إلى "صالح" بحرج ، فتدارك "صالح" الأمر:
- أراك يوم السبت في البوفيه ، مع السلامة..
- مع السلامة ، وشكرا لمساعدتك
- هذا واجب...
عندما أصبح "حسن" مع "عبد الله" وحيدين ، بدت علائم الارتباك في محيا "عبدالله" ، فتساءل "حسن":
- خيرا إن شاء الله ، مالأمر؟؟
- خيرا إن شاء الله ، لكن بين أختي وأختك نشب خلاف
- إذا هي أختك التي...
- نعم ، و أمي وأختي في السيارة و هماآتيتان ليتفاهما، و إن شاء الله تنتهي المشكلة..
- أمك و أختك في السيارة و نحن نتحدث؟؟ لماذا لم تخبرني كي أدخلهما المنزل...
- ....
- تفضلوا ، و إن كان المنزل ليس في المقام ، عن إذنك أخبر أمي...
- إذنك معك..
نور المستوحشين
06-04-2009, 03:10 AM
كانت الصورة التي رسمتها "عبير" في خيالها لـ "حسن" مرسومة وفقا لصورة "هدى" في المدرسة، عندما وقفت السيارة بجانب الطريق ألقت نظرة فوجدت شابين واقفين يتجاذبان أطراف الحديث ، استبعدت أن يكون "حسن" أحدهما إذ لا يوجد من يتطابق مع الصورة الخيالية التي رسمتها في ذهنها ، و عندما هبط "عبد الله" من السيارة ليتجه نحو الشابين ساورها الشك لكنها جزمت بأنه إن كان "حسن" أحدهما فهو ذلك الفتى الأقل وسامة بينهما ، تحطمت جميع الصور أمام صخرة الواقع ، فقد انتحى "عبد الله" بالفتى الأوسم ، و أخذ يحادثه بينما انصرف الشاب الآخر ، لم يلبث أن دخل الشاب أحد البيوت ليعود "عبد الله" إلى السيارة و يطفئ المحرك طالبا من أمه و أخته أن يترجلا ، كانت الصدمة قد أدخلت "عبير" في دوامة تساؤلات و استغراب ، كيف يكون لـ "هدى" أخٌ جميلٌ كهذا؟؟ دخلت مع أمها الصالة لتستقبلهما "أم حسن" بتواضع مجبول ، بادلت "أم عبد الله" "أم حسن" كلمات الترحيب و المجاملات العربية الطويلة ، بينما شرد فكر "هدى" على ملامح "أم حسن" ، بدت لها فائقة الجمال رغم بساطة ما تلبس ، لم تر شعرها لأنها كانت تغطيه بمقدمة رداء يسمى مشمرا ، مضت ربع ساعة قدمت خلالها "أم حسن" ما يتوفر من كرم الضيافة عبارة عن صينية عصائر و مكسرات و بعض التمر ، ثم جلست دقائق لتسأل بعدها إن كانت "أم عبد الله" تدخن فأجابت "أم عبد الله":
- لا شكراً ، ولا أحب التدخين
- في الواقع ، أفضل لكِ ، مالكِ و التدخين
- لا يأتي منه سوى الأمراض الخبيثة...
- أعوذ بالله من شره..
- المهم يا"أم حسن"... هذه ابنتي "عبير" مع ابنتكِ "هدى" في المدرسة... و حدث بينهمااختلاف ، فرأيت أن نحل هذا الخلاف قبل أن يتضخم...
- لا ترهقي نفسكِ معهن يا "أم عبد الله" ، البنات يختلفن مرة و يتفقن أخرى..
- كلامكِ صحيح يا"أم حسن" لكن المشكلة بدأت منذ مدة ، و أرى أن التدخل أصبح واجبا...
- صدقتِ يا "أم عبد الله"...
- عن إذنكِ كي أنادي "هدى" لتأتي
- تفضلي...
ذهبت "أم حسن" إلى غرفة "هدى" ، فبقيت "أم عبد الله" مع ابنتها، فخاطبتها:
- رغم فقرهم ، لكن يبدو عليهم الأصالة و الطيبة
- يبدو أن أمها طيبة ، لكنهم لم يزالوا يحيون في الماضي...
- الاختلاف بين الناس سنة الله في الأرض ، و لذلك أمرنا الله بالتعارف يا بنيتي..
- لقد قبلتُ بما تحكمين يا أماه..
- اسمها "هدى" ، أليس كذلك؟
- نعم يا أماه
************
كانت "هدى" مصممة على أن لا تخرج لأحد ، لكن رجاء أمها أجبرها على النهوض ، مشت خلف أمها إلى الصالون ، رحبت بالضيوف ثم جلست إلى جانب أمها ، كانت تفكر فيما سيحدث في اللحظات القادمة ، بينما كانت "عبير" تحملق بوجهها بنظرات على غير العادة ، كانت "عبير" مشدوهة مما تراه ، بدت "هدى" في عينيها جميلة كذلك ، و كأنها تراها لأول مرة ، كانت خجولة بعض الشيء ، لا ترفع رأسها عن الأرض ، و قد تشرب خدها بحمرة الخوف و الحياء ، سألتها "أم عبد الله":
- ما هي المشكلة يا "هدى"؟
- لا أعلم!
- أخبرينا عن المشكلة كي نستطيع حلها قبل أن يصعب حلها
هتفت "عبير":
- أنا المخطئة يا أمي ، كنت أنظر بنظرة الدون إلى "هدى" ، و هذا كل المشكلة...
ردت "أم عبد الله":
- إذاً ، نحن آسفون يا "أم حسن" ، و عليكِ أن تقدمي اعتذاركِ يا "عبير" ، و ستصبحان صديقتين منذ اليوم..
- لاداعي لاعتذارها يا "أم عبد الله" ، الأصدقاء يخطئون في حق بعضهن و يرجعون..
- لابد من اعتذارها كي لا تعود لخطئها...
نطقت "هدى":
- لقد سامحتها على أن لا تعود لمضايقتي...
تشجعت "عبير":
- أنا آشفة يا "هدى" و أعدكِ أنني لن أتعرض لكِ مجددا بل أعرض عليكِ صداقتي..
- و أنا أتشرف بصداقتكِ يا "عبير"
نور المستوحشين
06-04-2009, 03:11 AM
باتت "عبير" ليلة وردية ، تضع السماعات في أذنيها ، تستمع و لأول مرة لموسيقى هادئة ، تصفحت أحداث اليوم ، لم تكن المعركة تسيطر على شيء من تفكيرها الآن ، فكل ما في قلبها و فكرها هو ذلك الشاب اليوسفي ، كانت ترسم له صورة مشعوذ أو شحاذ ، لم تكن تحسب أن أخا "هدى" يمتلك تلك الوسامة ، حاولت أن تطرد صورته من مخيلتها لكنه كلما طردته عاد يطرق الباب طالبا الدخول بإلحاح، أمعنت في أوصافه ، كان فاتح البشرة ، معتدل القوام ، تتدلى خصلات شعره على جانبي رأسه ، هادئا الملامح إلى درجة الوداعة ، كان هو يوسف الذي أجبرها على قطع أصابعها ، لم تكن رغبتها في الصلح نابعة عن الذات ، كان هو الذي يقول لها بصمت ، أصلحي ذات بينك مع أختي ، كانت تتصرف كأنها مسحورة ، و تحت تأثير ذلك السحر اكتشفت أن من عادتها جميلة كجمال أخيها ، و اكتشفت أنها كانت مدفوعة لعدائها بدافع التسلية فقط ليس إلا ، و تحت تأثير سحره أعلنت صداقتها لـ "هدى" ، و لم تكن تلك الصفقة خاسرة بالنسبة لها ، فهي إن لم تنفعها لن تضرها بقرارة نفسها ، أما أعظم اكتشاف اكتشفته "عبير" و هي على مخدعها هو أنها شغفت حبا بـ"حسن" صديق أخيها و أخو صديقتها في المستقبل ، فقد قررت أن تتقرب من "هدى" ، وأن تبدأ صفحة جديدة معها ، بل أخدت تضحك على نفسها من المواقف التي أحدثتها مع "هدى" ، حاولت أن تتذكر البداية التي جعلت من "هدى" عدوتها الكريهة فلم تجد ما يدعو لذلك ، و قضت ليلتها تتخيل محبوبها الفاتن الذي استحوذ على فؤادها منذ أن وقعت عليه عيناها...
أما "هدى" فقد خلفتها "عبير" في منزلها مستغربة ، فاغرة فمها ، غير مصدقة كأنها في حلم لا تريد أن تستيقض منه ، فأخيرا "عبير" التي طالما تأذت منها أتتها معتذرة و طلبت صداقتها ، تلك الفتاة التي طالما سخرت منها و من شكلها جاءت لتفتح معها صفحة جديدة ، لم تكن تلك الصدمة لتسمح لها بالهروب من شروذها بل ظلت جالسة في غرفتها تتفكر في الأمور الدراماتيكية التي حصلت هذا اليوم ...
عند التاسعة مساء ، أمسكت السماعة و عبثت بأزرار الهاتف ثم انتظرت لتستقبل مكالمتها "أمل":
- ألو...
- أهلا..
- أهلا "هدى"
- أخبار سعيدة جدا جدا
- ما هي؟ هيا أفرحيني معكِ ...
- لابد أنني أحلم يا "أمل" ، أنا أحلم...
- ماذا حصل ؟ هيا...
- لا أستطيع يا "أمل" ... صدقيني الخبر لا يحتمل التصديق...
- هيا! أدخلتي الشوق في قلبي لمعرفة أخباركِ السعيدة جدا...
- لقد جاءت "عبير" إلى المنزل مع أمها و اعتذرت...
- أ هذا هو الخبر السعيد؟ كنتُ أحسب أنكِ قد خُطِبتِ ، لاشك أنها تمثل عليكِ
- هذا مستحيل يا "أمل" ، كانت تتحدث بندم صادق..
- لو أراها بأم عيني لا أصدقها ، هذه المغرورة تأتي و تعتذر ، هذا هو المستحيل بعينه..
- إذاً لقد تحقق المستحيل أخيرا ، لقد أتت بصحبة أمها و اعتذرت...
- إذاً ، لقد أتت بطلب من أمها ، ربما لتجنيبها العقوبة...
- ربما...
- إن غذا ناظره لقريب...
- ماذا تقصدين؟
- إذا كانت صادقة فسترينها يوم السبت تأتي للسلام عليكِ
- لننتظر السبت و نرى ، على كلٍ ... لقد ارتحتُ من مشاكلها على الأقل...
- الحمد لله على هذه النعمة
- الحمد لله
- و كيف انتهى وعيد أمكِ؟
- لقد تحولت إلى خطبة يوم الجمعة بعد مكالمتك
- إذاً كان كذلك..
- نعم يا "أمل"..
- سوف أنام الآن ، تصبحين على خير
- و أنتِ من أهل الخير
- مع السلامة...
- مع السلامة...
نور المستوحشين
06-04-2009, 03:15 AM
الارتباك ظاهرا على حركات "هدى" و هي تستعد للمدرسة ، لم تزعج أخويها كي ينهضوا من النوم ، بل اكتفت بطرق الباب لمرة واحدة ، خرجت من المنزل على أنغام المنبه الذي يهدر في غرفة "حسن" و "حسين" ، كانت تمشي إلى المدرسة و الاحتمالات تتماثل أمامها لتسليها في الطريق ، ماذا لو كان حديث البارحة يمحيه الصباح ، كيف لو تقبلت "عبير" فعلا الصلح ، ربما تتقرب مني كما ادعت ، كيف سأتصرف حينها ، الاستفهامات تتوسع لترسم مستقبلا كاملا ثم يتكسر أمامها تحت وطأة استفهامات و توقعات معاكسة ، وصلت إلى المدرسة ، كانت الأنظار تتوجه إليها بشفقة ، تحاشت النظر في أعين الطالبات ، اتجهت إلى حيث تلتقي بـ "أمل" عند رصيف الزعتر ، لم تكن "أمل" موجودة ، كانت خمس دقائق قبل صفير الصافرة ، وقفت تراقب جهة الباب ، بين اللحظة و اللحظة تدخل الطالبات و تضيق الساحة ، دخلت "عبير" فاعتلت التحايا من بعض الطالبات
- أهلا "عبير"...
- أهلا "زعيم"...
- أهلا "عبير"..
على غير العادة ، لم تكن "عبير" تبادلهن التحايا بنفس الحماس ، كانت تتجه إلى صفها مباشرة ، وقفت أمام طالبة النظام ، أرادت أن تنطق لكن طالبة النظام عاجلتها:
- أهلا "عبير"... تفضلي...
دخلت الزقاق الموصل للفصل ، كانت "هدى" تراقبها من بعد و صدرها يرتفع و ينخفض كمن يخشى أمرا ما يكاد يحصل ، هدأت عندما شاهدت "عبير" تدخل الفصل ، عادت لتراقب الباب ، لم يبق إلا دقيقة عن الجرس ، لا أثر "لأمل" ، أحست باليأس ، لا يجب أن تغيب "أمل" في هذا اليوم بالذات ، الوحشة تعصف بها ، رن الجرس فتحركت ببطء صوب الطابور ، ظهرت "أمل" من جهة الباب أخيرا ، وقفت "هدى" مكانها تنتظر قدوم "أمل" إليها ، سألتها بلهفة:
- لماذا تأخرت؟... خشيتُ أن تتغيبي لتتركيني وحيدة أواجه "عبير"...
- ألم تقولي أنها اعتذرت؟
- بلى...
- إذاً ، اطمئني.. لن تؤذيك..
- لا تنسي أن تأتي إلي الفصل وقت الفسحة..
- إن شاء الله...
- إلى اللقاء
- إلى اللقاء
بعد خمس دقائق من بداية الحصة الأولى تم استدعاء "هدى" من قبل الإدارة ، نهضت "هدى" من مقعدها و هي وجلة تترقب المجهول ، هبطت تقدم رجل و تسحب أخرى ، كانت "عبير" تجلس على الكرسي ، و تنظر إلى الأرض و تحرك رجلها اليمنى بتوتر ، كانت المشرفة صامتة ، تقبع في كرسيها كمن يجهز لحدث ما ، طرقت "هدى" الباب المفتوح ، رفعت المشرفة و "عبير" رأسيهما ، أومأت المشرفة لـ"هدى" بالدخول ، وقفت "عبير" بارتباك ، مدت يدها إلى "هدى" ، صافحتها "هدى" ، قالت "عبير" بتردد:
- كيف الأحوال..
- أهلا وسهلا يا "عبير"...
و عاد الصمت ، لم تلبث المشرفة أن بددته:
- هل انتهت المشكلة يا "هدى"؟؟
- نعم يا معلمة...
- هل انتهت يا عبير؟؟
- بالتأكيد معلمة...
- لا أريد أن أركما هنا في المستقبل...
قالت "عبير":
- اطمئني يا معلمة... فقد أصبحنا صديقتين ، أليس كذلك يا "هدى"؟
- بلى...
أعطت المشرفة ورقة و قلم لكل من "عبير" و "هدى" و قالت :
- اكتبا...
"نتعهد نحن الطالبتان "عبير... " و "هدى... " بأن نصبح صديقتين ، و أن نترك الشجار بيننا ، و أن نلتزم بقوانين المدرسة ، و على ذلك نوقع"
وقعت كل من "عبير" و "هدى" على الورقتين و سلمتاهما للمشرفة ثم مدّت "عبير" يدها و أمسكت بيد "هدى" و خرجتا متشابكتي الأيدي ، أوصلت "عبير" "هدى" إلى فصلها و قبل أن تتركها طلبت منها أن تراها في الفسحة ، فقبلت "هدى" بعد تردد ، ثم تركتها و دخلت الصف...
عندما خرجت "عبير" بصحبة "هدى" و "أمل" في الفسحة ، كان الهمس بين الطالبات قد كثر ، لم تتجرأ سوى "سهى" على مواجهة "عبير" ، طلبت "سهى" من "عبير" أن تحدثها على انفراد و عندما أصبحتا منفردتين ، سألتها:
- أراكِ تمشين مع العدو...
- أي عدو؟
- "هدى" و صاحبتها...
- هما الآن صديقتان...
- أين عقلكِ..
- أنا عقلي في رأسي ، لكن يبدو أن بعض العقول مفقودة...
- ليكن في علمكِ أننا من صنعناكِ و جعلناكِ زعيما ، أما إذا قررتِ أن تصحبي هؤلاء فسنضعكِ معهن في القائمة السوداء...
- لقد خفت ، أنقذوني ، أنا على فكرة نسيت قصة الزعيم هذه ، و إذا أردتِ أن تصبحي الزعيم فهنيئا مريئا...
- سنرى يا "عبير"...
- و ماذا ستصنعين؟
- لا شيء...
وعادت "عبير" إلى "هدى" و "أمل" و أكملن تفسحهن و لأول مرة اشترت "عبير" شطيرة زعتر رغبة منها في محاباة صديقتها الجديدة "هدى"...
نور المستوحشين
06-04-2009, 03:16 AM
مفترق طرق
عند الساعة التاسعة صباحامن يوم السبت ، كان "حسين" يجلس مع "عصام" و "ممدوح" في بوفية شباب الترجي ، كان وجهي "عصام" و "ممدوح" تنم عن لا مبالاة ، يلقيان النكات حول المدرسين والمدرسة والطلاب ، يحلفان بأنهما يعلمان الواشي و سوف ينكلان به ، كان مدير المدرسة قد سلمهم أوراق استدعاء أولياء الأمور و أخبرهم بأن دخول المدرسة مرهون بمجيء ولي الأمر ، يقضم "حسين" شطيرة الكبدة و يتفكر في أمره ، كيف سيحل هذه المشكلة ، لأول مرة تصل الأمور لهذا السوء ، لا شك أن والده سيعمل سكين الأسماك في جسده ، كانت أجراس الخوف تعبث به ، ربت "ممدوح" على كتفه:
- لا تخف ، ماذا سيحدث في الحياة ؟ لن تموت..
- ماذا تقصد بماذا سيحدث؟
- أقصد أن المدرسة هي الخاسرة بفصلنا...
- هذا جزاء فعلنا و لا نحمل المدرسة أخطاءنا...
يتدخل "عصام"
- و ماذا سنجني من المدرسة سوى الهم و الغم ، سنتخرج من أي مرحلة ثم مصيرنا الجلوس عاطلين ، لنتركها من الآن أفضل..
عزز "ممدوح":
- كلامك صحيح ، ابن جارنا تخرج منذ أعوام ، و أخيرا توظف في شركة في الدمام بألف ريال...
رفض "حسين" هذه الطريقة من التفكير..
- أما أنا فلا أريد أن أخسر دراستي...
سخر "عصام" من كلامه:
-- "لا أريد أن أخسر دراستي"... من يسمعك على أبواب التخرج من كلية الطب ، دكتور "حسين".
- نعم دكتور "حسين" ماذا يزعجك في الأمر...
- أحذرك... أكمل دراستك و ستندم على ذلك...
- أنا أطلب الندم في الدراسة... دعني أندم..
هتف "ممدوح":
- دعه يا "عصام" ، لم يزل طفلا يخشى من أمه ، يبدو أن أمه تنتظره بالعصا...
- التزم حدودك...
- آسف...
- المهم.. أنا ذاهب إلى أبي...
- أوصلك...
- لا... شكرا..
رمى بقايا الشطائر و المشروب الغازي و دفع حسابه ثم خرج يمشي إلى سوق الأسماك...
كان "أبو حسن" منهمكا في تنظيف سمك لزبون عندما تقدم "حسين" مرتبكا فرآه و توقف عن العمل ، سأل مستغربا:
- أهلا "أبو علي" ، ماذا هناك؟
- لا شيء..
- أليس عندكم دراسة؟
- بلى ، لكن...
- لكن ماذا؟
يجذب "حسين" الكلمات من داخله ، يتوقع أسوأ الأحداث و ردة الفعل ، يحاول أن يوضح شيئا لا يستطيع إيضاحه ، تحدرت الدموع على خديه خده ، سأله "أبو حسن" بشفقة:
- ما الأمر؟
أحس أن أباه قد تعاطف معه ، قال:
- لقد أخطأت ، و لا أعرف كيف أصلح خطأي..
- ماذا فعلت؟
- لقد رافقت شخصين ، و تبدل حالي ، أصبحتُ مشاغبا في المدرسة ، و أنا الآن مهدد بالفصل إن لم تأتِ ، أرجوك أبي ساعدني....
- ألم ننصحك مرارا يا "حسين"؟
- أرجوك أبي..
-- دعني أنتهي من خدمة هذا الزبون و سآتي معك..
شرح المدير مسيرة "حسين" لأبيه ، أخبره عن سجله الحافل بشغبه و عناده للمدرسين و نصحه بإبعاده عن رفيقيه ، ثم وعد "أبو حسن" المدير بتغير سلوك "حسين" و طلب منه أن يخبر المدرسين بذلك ، قبل المدير بعد رجاء "أبي حسن" أن يعيد "حسين" للمدرسة بشرط أن يقدم "حسين" اعتذاره للمدرسين و أن يتعهد بأن لا يصدر منه أي فعل مسيء للمدرسين أو الطلاب و أن أي فعل يصدر منه سيعرضه للفصل النهائي...
خلا "أبو حسن" مع ابنه "حسين":
- هل سمعت كلام المدير يا ولدي؟
- نعم ، لقد سمعت...
- و ماذا قررت؟
- أن أعود إلى رشدي...
- و رفيقاك؟
- سأتركهما..
- كيف؟؟
- سوف أطلب منهما تركي و شأني
- بعد الانتهاء من المدرسة ، تعود مباشرة إلى المنزل و تسترجع دروسك ثم تأتي إلي السوق عند الرابعة ، و أن مرّ عليك أي منهما فسأغرس السكين في بطنه...
- إن شاء الله يا أبي...
دخل "حسين" الفصل مع المرشد الطلابي بينما غادر "أبو حسن" المدرسة إلى سوق السمك...
خاتم عقيق&
07-04-2009, 06:00 AM
اختى نور
رواية روعه
يعطيش العافية خيوه
اكملى باقي الرواية
شكراااااااااااا
سمو العاطفه
07-04-2009, 07:49 PM
يعني شلون نور يرضيش كذا نتمرمر على ماتكملي القصه :p
نور بعدين ويش رايش نسوي صفقه وي التفزيون طبعا انا مدير اعمالش يعني انتي تكتبي وانا اوزع الفلوس << بدينا بشغل النصب والاحتيال :p
هاشقلتي
خاتم عقيق&
07-04-2009, 09:28 PM
سمو لا تنسوني بشتغل وياكم
النصابه رقم 2
خاتم عقيق&
11-04-2009, 06:14 AM
نور غناتي والله متشوقة لتكملت باقي الرواية لاتتاخري غناتي
شكرااااااااااااا لمجهودك يالغالية
فاضل الحميدي
02-08-2009, 08:29 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم يا كريم
بداية أتقدم للأخت الفاضلة نور المستوحشين بالشكر الجزيل على إطلاع الأخوة في منتديات أنا شيعي العالمية على خربشاتنا في رصيف الزعتر ، و التي قضينا قرابة العام أو أكثر في كتابتها...
لكنني أعتب على الأخت أنها (رغم ذكرها أنها نقلتها) إلا أنها لم تنسب القصة أو الرواية لصاحبها أو حتى ذكرت مصدر النقل ، و هذا الأمر يُعتبر إهمال لصاحب القلم الذي كتبها أو كما لو اخترع أحدهم اختراع و استفاد من دخل الاختراع شخص آخر...
علما بأن الرواية قد تم كتابتها باللهجة الدارجة أولا ، ثم تم تفصيحها إلى المنتصف ، غير أن التنقيح لم يكتمل الكترونيا لأسباب حقوق الطبع و التوزيع و التفرغ...
أخيرا.. أشكر الأخ قوقل الذي كلما بحثتُ عن بناتي الأدبية في على الشبكة أتاني بهم...
و إذا شئتم أن أكمل الأجزاء من حيث انتهت الأخت نور فأنا في شرف خدمتكم..
و شكرا لاتساع صدوركم
نسايم
02-08-2009, 09:32 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم يا كريم
بداية أتقدم للأخت الفاضلة نور المستوحشين بالشكر الجزيل على إطلاع الأخوة في منتديات أنا شيعي العالمية على خربشاتنا في رصيف الزعتر ، و التي قضينا قرابة العام أو أكثر في كتابتها...
لكنني أعتب على الأخت أنها (رغم ذكرها أنها نقلتها) إلا أنها لم تنسب القصة أو الرواية لصاحبها أو حتى ذكرت مصدر النقل ، و هذا الأمر يُعتبر إهمال لصاحب القلم الذي كتبها أو كما لو اخترع أحدهم اختراع و استفاد من دخل الاختراع شخص آخر...
علما بأن الرواية قد تم كتابتها باللهجة الدارجة أولا ، ثم تم تفصيحها إلى المنتصف ، غير أن التنقيح لم يكتمل الكترونيا لأسباب حقوق الطبع و التوزيع و التفرغ...
أخيرا.. أشكر الأخ قوقل الذي كلما بحثتُ عن بناتي الأدبية في على الشبكة أتاني بهم...
و إذا شئتم أن أكمل الأجزاء من حيث انتهت الأخت نور فأنا في شرف خدمتكم..
و شكرا لاتساع صدوركم
اخي الكريم
الاخت نور المستوحشين ذكرت مسبقاً انها منقولة ولم تنسبها لها او لشخص اخر
ولم تكن تعرف من هو كاتب الرواية لكي تذكر اسمه
وشكرا لاهتمامكم
ولنور المستوحشين تعقيب على ملاحظاتكم ان شاء الله
*يمنع وضع اي رابط لموقع اخر
نور المستوحشين
02-08-2009, 09:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم يا كريم
بداية أتقدم للأخت الفاضلة نور المستوحشين بالشكر الجزيل على إطلاع الأخوة في منتديات أنا شيعي العالمية على خربشاتنا في رصيف الزعتر ، و التي قضينا قرابة العام أو أكثر في كتابتها...
لكنني أعتب على الأخت أنها (رغم ذكرها أنها نقلتها) إلا أنها لم تنسب القصة أو الرواية لصاحبها أو حتى ذكرت مصدر النقل ، و هذا الأمر يُعتبر إهمال لصاحب القلم الذي كتبها أو كما لو اخترع أحدهم اختراع و استفاد من دخل الاختراع شخص آخر...
علما بأن الرواية قد تم كتابتها باللهجة الدارجة أولا ، ثم تم تفصيحها إلى المنتصف ، غير أن التنقيح لم يكتمل الكترونيا لأسباب حقوق الطبع و التوزيع و التفرغ...
أخيرا.. أشكر الأخ قوقل الذي كلما بحثتُ عن بناتي الأدبية في على الشبكة أتاني بهم...
و إذا شئتم أن أكمل الأجزاء من حيث انتهت الأخت نور فأنا في شرف خدمتكم..
و شكرا لاتساع صدوركم
أشكر لك تواجدك أخوي
بصراحة القصة حلوة وكان لي الشرف بنقلها وانا ذكرت انها منقولة
واما عن المصدر فأنا نفسي ماعرف المصدر او الكاتب انا لقيتها بقوقل مثلما قلت وقرأتها وعجبتني وحفظتها في المفضلة وصرت انقل فيها ويمكن غلط مني مانقلت اسم المنتدى لأنه انا ماانتبهت حتى لأسم كاتب القصة للأمانة
واخوي اذا تكملها يكون لي الشرف
تحياااتي نور...
فاضل الحميدي
02-08-2009, 11:31 PM
الأخت نسايم
سلام على من اتبع الهدى و خشي الرحمن بالغيب
ربما كان واضحا من ردي في الأعلى أنني لم أقل بأن الأخت الكريمة نور المستوحشين قد نسبت النص لنفسها أو غيره...
كان اعتراضي هو أن يتم النقل دون ذكر المصدر (و هذا حق من حقوقي) ، و الرابط الذي يمنع وضعه هنا هو مصدر القصة ، كما أن من يسأل عن صاحب النص لابد أن يجده...
لذلك لو تم الاستئذان في نقل القصة لكان أسلم شرعا و قانونا...
على كلٍ...
شكرا لكِ سعة صدرك كما أهيب بكم أن تعيدوا ذكر المصدر ، فإن للمصدر حق على النص و إن رأيتم أن من الأمانة العلمية نقل الشيء دون إعطاء قيمة للمصدر فهذا رأيكم الخاص...
على مستوى البحث العلمي ، فإن من حق أي مصدر يتم استقاء المعلومة منه أن يتم ذكر المصدر و عنوان النص و اسم المؤلف المتاح و إذا كان إلكترونيا فيجب ذكر المصدر الإلكتروني....
شكرا لكِ من جديد
فاضل الحميدي
03-08-2009, 12:04 AM
نور المستوحشين
لا بأس عليكِ بحق محمد و آل محمد
كان عتبي فقط أنكِ لم تذكري المصدر ، و هو شيء مهم للأمانة العلمية في النقل ، لكن ما يزيد عتبي هو عندما أذكر بنفسي المصدر فيتم حذفه و كأن الحق أن لا يعطى المصدر أي درجة من التقدير...
عندما نقرأ شيئا أعلم أنه مثلا لأهل البيت عليهم السلام ثم نجد الكاتب يذكر أنه لأحد الصالحين أو لأحد العباد ، تثور ثائرتنا و لا نهدأ...
أشكر لكِ أمانتكِ العلمية في النقل ، علما بأنه لايوجد مصدر آخر للجزء المفصح من هذه الرواية ، أي أن المصدر ما دمتِ أخدته من قوقل لن يكون مجهول أبدا...
مازلتُ مستعدا لإكمال المسيرة من حيثُ انتهيتِ ، و لكم خالص التحايا
نور المستوحشين
03-08-2009, 12:39 AM
يا أخي من قوانين المنتدى عدم وضع اي رابط لأي موقع مهما كان لذا نحن دائما نصرح بمنقول فقط مع عدم وضع الروابط
ويااخي من حقك تعتب وانا قلت لك انا لقيته بموقع طلع من مجرد التصفح يعني رصيف الزعتر طلعت فجأة وعجبتني وحبيت انقلها لا اقل ولا اكثر وذكرنا انها منقولة ...
اما عن المصدر وان كان المنتدى المذكور هو المنفرد بها فلاعلم لي وانا ذكرت انه لا اعرف حتى اسم الكاتب هناك وومع احترامي لشخصكم لم يكن ذا اهمية لي معرفة الكاتب ...
وبامكانكم اكمال القصة لنا مع العلم انني اطلعت ع البقية المحفوظة بملف الوورد وللأمانة لم اشأ التحريف او اي صياغة باسلوبي الخاص توقفت عن الكتابة وشائت الظروف ان انسى رصيف الزعتر ولاعلم لي ان تم اكمالها هناك ام لا
تحياتي نور...
فاضل الحميدي
03-08-2009, 06:10 AM
نور المستوحشين
شكرا لأخلاقكم الكاظمية...
اللهم صل على محمد و آل محمد و عجل فرجهم و فرجنا بهم يا كريم ، الحمد لك يا رب على كل نعمة أنعمتها علي ، و هذه نعمتك التي أنعمتها على عبدك الفقير ، اللهم إنني لا أحب أن يُنقل من كتاباتي شيء دون علمي و إذني ، أو أن ينقل شيئا منها دون نسبتها إلي ، فإذا كان لي الحق في ذلك فقد عفوت عن من لقبها نور المستوحشين قربة لك فقد كانت لا تعلم ، اللهم انزع من قلوبنا الغل و البغضاء ، و اجمعنا تحت راية أمير المؤمنين عليه السلام بحق محمد و آله الكرام
نسايم
03-08-2009, 06:15 AM
اخي الكريم
بامكانكم اكمال الرواية من حيث توقفت الاخت نور
موفقين لكل خير
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024