الراهب313
29-03-2009, 12:49 PM
قضية مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) على منبر الجمعة
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على
ــــــــــــــــــــــ
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على أن يذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، كان علي (عليه السلام) في مفهوم أهل تلك الديار (أول ظالم في الأرض)! وكان الحسين (عليه السلام) (خارجاً على طاعة إمام زمانه)! أما معاوية فهو (خال المؤمنين)! وأما يزيد فهو (أمير المؤمنين)!
هكذا كانت المعادلة آنذاك، لكنها اليوم، بعد قرون ودهور، انقلبت عندما شع نور آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، وتبينت روعة الحق والحقيقة!
هاهو - كمثال - أحد كبار علماء الشام، مفتي حلب وشيخ مشايخها، يرتقي منبره في يوم عاشوراء؛ في هذه السنة؛ في الشام نفسها التي كانت موطن الناصبة الأموية؛ ليصدع بالحق بأعلى أعلى صوته وينادي: (أيها الناس.. قُتِل والله الحسين مظلوما)!!
بهذه الكلمة المدوية؛ نطق الشيخ أحمد بدر الدين الحسون، ليكشف لبني جلدته من أهل السنة حقائق أخفاها الحكام ووعّاظهم، الذين وجدوا في ذكر آل بيت النبوة تهديداً لهم، ولعروشهم، ولنفوذهم، ولمذهبهم!
في تلك الخطبة البليغة؛ أراح هذا الشيخ الشجاع ضميره، عندما أبان أن الحق مع آل الرسول، وعرّى أعداءهم، وفضح مخالفيهم. إنه لم يتشيّع، لكنه أراد أن ينفض الغبار عن الحقيقة، ويصحح مفاهيم ترسبت في عقول السنة بمؤامرة دبّرها أعداء الدين وطلاب الدنيا، عندما صوّروا مثل يزيد أميراً للمؤمنينّ وعندما أنزلوا أهل بيت الوحي عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها!
ــــــــــ
كانت كلمة شجاعة، من عالم شجاع لا يهاب إلا الله، ولا يوالي إلا أولياء الله. غير أن هذه الكلمة كلّفته الكثير، لأنها كانت صعبة؛ شديدة الوقع على آذان وأسماع من وقعوا ضحية مؤامرة التجهيل.
خطبة جمعة؛ ألقى فيها الشيخ الحسون ما في جعبته من حقائق توصّل إليها، وأظهر فيها ما يجيش في صدره منذ زمن، حول ما نزل بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كرب وبلاء، وما قاسوه من عناء، وما تحملوه من رزايا، من أجل استقامة دين الله. إنه فرز بين معسكرين، معسكر الرحمن، ومعسكر الشيطان، وكان صعباً عليه أن يضع النقاط على الحروف، لكنه أبى إلا أن ينهض بمسؤوليته.
بيد أن هذه الكلمة الصادقة، الخارجة من القلب النابض بحب المصطفى وآله عليهم الصلاة والسلام؛ لم تَرُق لآخرين، فاشتعلت نار المجابهة، وثارت ثائرة مشايخ وخطباء، وتصدت منابر لتكفير هذا الشيخ الشجاع والطعن فيه بدعوى أنه سب الصحابة وشتم أمهات المؤمنين!! كل ذلك لا لأنه فعل ما اتهموه به، بل لأنه حكى بلغة غير معهودة عندهمّ فهي جريمة أن ينطق في خطبته باسم آل البيت! وهي مثلبه أن ينتصر لسيد الشهداء سبط الرسول ضد من قتله واستباح دمه وحرمه!!
حينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدر الدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السني عن أهل البيت عليهم السلام خوفاً من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!
ـــــــــــ
لقد أعاد جزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوّه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وهاهو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني.. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!
ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.
في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلنا به وحاورناه، فوجدناه لساناً عذباً يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،ووجدناه رجلاً صلباً لا يتزحزح عن كلمة الحق.
في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرنا من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمنا منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئاً من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الخليفة)!!
هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلاً عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه:
• لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟
- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت عليهم السلام فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تُقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قُرأت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين (عليه السلام) بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا علي (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.
لقد استطاع سيدنا علي (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكاً عقيماً، واتجه اتجاهاً آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فأنا لا أراهم سوى ملوكاً. وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حُسبوا عليه وسُموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.
• ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟
- بعد الصحوة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية، وبعد الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج، صار هنالك نوع من التخوف في الساحة السنية من أن يكون هنالك مدّ شيعي يجتاح العالم العربي، أو الإسلامي ككل، وبدأ اتخاذ مواقف الدفاع والهجوم وقد ظهرت عدة كتب طائفية ومذهبية تربط التشيع بالفارسية وأحياناً بالمجوسية. وكان هذا نوع من المواجهة الخطرة خوفاً من أن يأتي سيل لا يستطيعون إيقافه، وكان يقود هذه الحملة عدد من السياسيين المرتبطين بالدول الأجنبية وأنا لا أشك في ذلك! واستطاعوا أن يجيّروا بعض العلماء في سبيل ذلك، وقد قام هؤلاء العلماء بتأليف عدة كتب وُزّعت بشكل كامل في الدول العربية والإسلامية بغرض تشويه صورة الإنسان الجعفري في خيال الإنسان السني.
وقادت تلك الحملة التشويهية جماعة مرتبطة بالاستخبارات الأجنبية في عدد من البلدان العربية التخويفية، وهي الجماعة التي تسمي نفسها بالسلفية، وأفرادها في الحقيقة يغطون أنفسهم بهذا العنوان، لأن السلفي الحقيقي والسني الحقيقي والشيعي الحقيقي جميعهم يلتقون في محور واحد ألا وهو الإسلام، وليس الكذب على بعضهم بعضاً وتشويه صورة بعضهم بعضاً.
من خلال هذه الحملات التي بدأت تظهر في المجتمعات العربية والإسلامية رأيت أن هنالك خوفاً دائماً من الطرف الآخر وتأهباً للهجوم عليه دائماً، ولعل الذي يحدث في باكستان حالياً، في عدد من المساجد والحسينيات خير مثال على ذلك، إذ يقتحم واحد من هذا الطرف مكان اجتماع الطرف الآخر ليبيده! وفي اعتقادي أن نار الفتنة هذه ليست من الطرفين إنما من طرف ثالث يؤجج الفتنة في هذه الساحة، ومن هنا بدأت أقرأ كتبنا الإسلامية قراءة جديدة، شيعية كانت أم سنية لأفاجأ أن هناك 98% من نقاط الالتقاء و3 أو 4% من نقاط الاختلاف، كما رأيت أن هناك بين الأحناف والشافعية أكثر من 10% من نقاط الاختلاف، وأن بين المذهب الزيدي والشافعي 3% من نقاط الاختلاف، وهذا سببه كتاب الأم الذي ألفه الإمام الشافعي والذي قال فيه:
إن كان رفضاً حب آل محمد فلـيشهد الثقلان أني رافضي
هذا الذي دعاني لأن أدخل إلى الساحة بهدوء ودون أن أمس أي طرف من الأطراف، لأقول: لماذا هذا التقصير في ساحتنا في معرفة آل البيت؟ لماذا لا يعرف أبناؤنا من هم أهل البيت؟ أهناك خوف من أن يتشيع أبناؤنا إذا ما عرفوا آل البيت؟ هذا الذي يعاني لأن أدخل الساحة. إنني أرى أنه يحق للشيعي أن يلوم أخاه السني على تقصيره في معرفة أهل البيت عليهم السلام، ذلك لأنه إذا سأله عن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السني لن يعدّد له إلا الحسن والحسين عليهما السلام، ولن يعرف الباقي مع أن من واجبه معرفتهم شرعاً، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وآله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى). فكيف يودّ السني من يجهلهم؟!
لقد اكتشفت أن هناك من قصد تجهيل الناس وإبعادهم عن معرفة آل البيت عليهم السلام خوفاً من سريان التشيع، بل رأيت أن هناك من قصد تشويه صورتهم سلام الله عليهم في أذهان الناس! فقبل بضع سنوات وقعت عيناي على كتاب صدر في المدينة المنورة لعالم من علمائنا في سورية، وقد جاء فيه: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الإمام)!! وقد جرى توزيع هذا الكتاب السيئ في السعودية، فاجتمعت مع مؤلفه وبادرته قائلاً: (لحساب من تسيء إلى آل البيت؟! لحساب من تسيء إلى سيدنا الحسين وهو من أُعطي حقاً عظيماً يتمثل في أن من أحبه أسكنه الله الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم! يا هذا.. ما الذي تعني من قولك أنه قتل نفسه؟ هل تعني أنه انتحر مثلاً؟ وفي مقابل من؟! من هو الخليفة الذي خرج عليه؟!) فأجاب الرجل: (في مقابل يزيد)! فقلت له: (ومن قال أن يزيد خليفة)؟!
ثم بدأ النقاش مع مجموعة من الأخوة هناك، وقد وجدت جهلاً في القضية تاماً، فلذلك آليت على نفسي أن أدخل على هذا الخط بهدوء ودون تعصب لأي طرف من الأطراف، وغرضي إظهار الحقيقة حتى إذا جاء العدو ليعبث بها نكون قد هيأنا ما نتكاتف به وما نقوي به بعضنا بعضاً.
• ما الذي اكتشفتموه وأردتم قوله للناس أداء لمسؤوليتكم الشرعية أمام الله تعالى؟
- بعد عشر سنوات من البحث على مقعد الدراسة، وجدت أن هنالك خوفاً شديداً من الاعتراف بالحقيقة، وهذا الخوف سببه أن من يريد أن يتحدث عن آل البيت يخشى أن يقع في شتم الصحابة، وكان الجميع يظنون أنه لو بدأنا بالحديث عن موالاة أهل البيت ولاء ووفاء والبراءة من أعدائهم، فإن ذلك سيكون نوعاً من إعادة التفرقة بين المسلمين من خلال شتم الصحابة أو الطعن فيهم.
ومن هنا وجدت هجوماً شديداً صاعقاً عليّ بعد هذه الخطبة واعتُبرت خطيب فتنة وخطيب سوء لأني أنبش التاريخ بمعاول التفرقة بين الناس، وكأنهم سيجمعون الناس بإخفاء الحقائق التاريخية!
لذلك كان هناك إصرار على المبدأ، وإصرار على البقاء مستمراً في تسجيل الحقائق مهما كانت التضحيات، لا من أجل إيران ولا من أجل الشيعة ولا من أجل السنة، ولكن من أجل الله جل وعلا، وحتى نقف أمامه وقد أدينا الرسالة. ونحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون للموقف الحسيني، وأحوج ما نكون لمواقف أهل البيت في صد الطغيان، طغيان السياسة والاستيلاء الذي دمّر حقوق آل البيت، نحن أحوج ما نكون إلى صحوة إسلامية، تُبنى على أسس واضحة.
وفي الحقيقة فقد استطاع الأخوة في حزب الله في لبنان أن يبدأوا هذه الصحوة، وأسأل الله أن نكون جميعاً عوناً لهم في هذه الصحوة.
• كررتم مراراً قول: سامحوني! السؤال هو: على ماذا؟ ولماذا الاعتذار؟
- المعنى هو: سامحوني إن لمست مسلّماتكم التي عشتم عليها قروناً ولم يتجرأ أحد أن يكشف لكم بكل وضوح خطأ هذه المسلّمات.
فإن كنتم لا تستوعبون كلامي فسامحوني! فإنني أتكلم بكل وضوح.
• وهل تعتقدون بأن هناك من أخفى الحقائق من العلماء السابقين؟
- لا أشك أن السياسة منعت الحقائق من الظهور. فحينما أجد كتب صحاح الحديث الموجودة في الساحة السنية قد ذكرت فضائل أبي بكر وعمر وعثمان في عدة صفحات بينما تعطي لسيدنا علي (عليه السلام) صفحة واحدة أو صفحتين؛ ثم يأتي مسند الإمام أحمد بن حنبل فيعطي ستة وأربعين صفحة لسيدنا علي (عليه السلام) فإني أتساءل: لماذا لم تذكر تلك الكتب السابقة هذه الفضائل؟! وأعتقد أنك تدرك ما يحدث لي حينما أجد أن مسند أحمد قد طُبع في بلد إسلامي وحُذفت منه الستة والأربعون صفحة! هنا أعرف أن التاريخ كيف زُوِّر!!
• ما سبب هذا الخلاف في نظركم؟
- لأننا إذا ذكرنا فضائل سيدنا علي (عليه السلام) نظن أن الشيعة سينتصرون على السنّة، وأن الشيعة ستحكم العالم العربي والإسلامي وأن السلفية ستغيب، هنا مشكلة السياسة!
• وهل عليّ صلوات الله عليه وسلامة للشيعة فقط؟!
- إن علياً (عليه السلام) اليوم هو رمز للثورة الحقيقية، والذين يحكمون العالم الإسلامي اليوم لا يريدون علياً جديداًّ لذلك قال الشاعر مظفر النواب غفر الله له: أفديك علياً لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموّّك شيوعياً!
لماذا؟! لأن الجماهير المؤمنة تجد في فكر علي وقوله وعمله ما يحييها ويعيد عزتها، فهم حينما ينظرون إلى عظيم أعمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محاولين محاكاتها؛ يقولون: هذا رسول.
وعلي سلام الله عليه كان رجلاً مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستطاع أن ينقل الشريعة من شريعة صامتة إلى شريعة ناطقة، حيث قال: هذا كتاب الله الصامت؛ وأنا كتاب الله الناطق.
والذي يخافه الكثيرون اليوم أن تعود روح علي من جديد!
• هل تؤمنون بأن الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، لا يزالان مظلومين؟
- ما زال الظلم قائماً على آل البيت حتى اليوم وهذا الظلم لن يزول بسهولة، وستبقى هنالك فئة تحارب الآل لأن وجودهم يعني وجود العدل والأمن بالعالم وهنالك من يحارب هذا العدل وهذا الأمن!
• هناك إشكالية في يوم عاشوراء ربما تطرقتم إليها في خطبتكم الميمونة، ولكن السؤال هو: أيجوز الاحتفال في يوم عاشوراء؟ يعني ما الواجب علينا أن نفعل؟ أنفرح أم نحزن؟ هل الحديث عن صيام يوم عاشوراء حديث صحيح أم موضوع وضعه الأمويون نكاية بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- حتى نكون حياديين، فإنني أرى أن يوم عاشوراء هو يوم الانتصار على الفراعنة، قد انتصر موسى (عليه السلام) فيه على فرعون أمته، وقد انتصر فيه الحسين (عليه السلام) على فرعون هذه الأمة. وأقول أنه سلام الله عليه انتصر رغم هزيمته الظاهرية على أرض المعركة، لأنني إن سألت الناس اليوم عن قبر يزيد أو أبناء يزيد أو آثار يزيد أو صرخت وقلت: أروني أين يزيد؟! فإن أحداً لن يقدر على جوابي، أما إن سألت: أروني أين الحسين؟! فإن كل الناس سيشيرون إلى قلوبهم قائلين: إنه هاهنا!
لقد اتخذت هذه الرمزية الرائعة جداً، واعتبرت أن يوم عاشوراء هو يوم تجدّد الموقف بين الحق والباطل، انتصر الله فيه بالحق على الباطل، بموسى على فرعون، وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.
إن القضية ليست قضية أكل وشرب، ولا بكاء ونواح، إنما هي قضية مبدأ وعقيدة، قضية انتصار وشهادة، فلماذا لا نستثمر هذا اليوم ونحوله إلى يوم تتفق فيه الأمة على إسقاط فراعنتها؟!
إن الأصل الثابت في يوم عاشوراء أنه اليوم الذي نجّى فيه الله تعالى موسى وقومه من فرعون وقومه، ولكن أن يصبح هذا اليوم يوم طبخ الحلوى والتوسعة على العيال، فأعتقد أنها عملية لصيقة جاءت من النواصب لإبعاد هذا اليوم عن هدفه الذي أوجد لأجله.
• إن الوهابية لا تزال على موقفها بشأن عاشوراء، هي تحث الناس على صيامه، وتدافع فيه عن يزيد، وتكفر فيه المحيين قضية سيد الشهداء (عليه السلام) لأنهم يلعنون يزيد! بل إنهم هاجموا حتى مشايخ السنة الذين لهم موقف معاد ليزيد! ما الرأي عندكم؟ وما هو موقف أهل السنة الحقيقي من يزيد لعنه الله؟
- الذي أعرفه أن الوهابية لم تكفر الشيعة فقط، إنما كفرت السواد الأعظم من المسلمين حتى من السنة، فقد كفرت الصوفية وقد كفرت الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، وقد كفرت الكثير من أئمة المذاهب. وهم فئة تغطت باسم السلف أي السلفية.
أما قضية يزيد فاقرأ كتب السنة بأجمعها واقرأ خطب معاوية بن يزيد نفسه، هذا الرجل الصالح الذي تكلم عن أبيه وجده بما فيه الكفاية ومن خلال كتب السنة لا كتب الشيعة.
سترى عندها أن هنالك الكثير من علماء السنة الذين التزموا مذهب السنة الحقيقي ولم يكن أياً منهم راضياً عن يزيد بأي شكل من الأشكال، ولم يعتبروه خليفة للمسلمين يوماً، فهو الذي أدخل الساحة الإسلامية في ضياع الملك العظيم. وقد قلتها في خطبة الجمعة يوماً حينما قلت لمعاوية: (أنت صحابي لن أتكلم عنك، ولكن لك موقف أمام الله سيسألك عنه؛ لم وضعت هذا الولد، على هذه الأمة حتى فرّق كلمتها وقتل خير شبابها)؟! نعم... هذا ما قلته وهو كاف.
أما الذي يقول أن الحسين قتل نفسه؛ فأعتقد أن خصمه سيكون محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة!
• أنتم تتحدثون عمّن حرّف من مسار الإسلام الأصيل، فهل تنسحب إدانتكم إلى الخلفاء الأوائل أيضاً، أم أنكم تنطلقون فقط من يزيد لعنه الله؟
- أنا لا أعطي العصمة للصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فهم يخطئون ولكنهم لا يصرّون على خطأ. وقد كان موقف علي (عليه السلام) من عثمان موقف الشهم العظيم حينما أرسل الحسن والحسين إلى باب عثمان، وقال لا تتركا عثمان حتى ولو قُتَلتما دونه، لقد قام سيدنا علي (عليه السلام) بعمل يجب أن أقوم به أنا وأنت، لم؟! لأن سيدنا علي (عليه السلام) كان يجب أن يحفظ دماء المسلمين ما استطاع، كما كان يدخل إلى عثمان وينصحه فيقدر عثمان أن يقف موقفاً وجهه إليه سيدنا علي سلام الله عليه، وما أن يخرج حتى يدخل عليه مروان وجماعته ليحولوا هذا الرجل عن الفكر الذي بثه فيه سيدنا علي بصدقه وصفائه. وأنا الذي أعتقده أن سيدنا عثمان أخطأ ولكنه لم يصر على خطأ والدليل أنه كان حينما يجتمع بسيدنا علي (عليه السلام) يتراجع وحينما يبتعد عنه سيدنا علي (عليه السلام) يضيع. الحقيقة كان يجب أن تكون هناك مجموعة من تلك الأمة تأخذ على يد عثمان وتعطي الحق لسيدنا علي (عليه السلام) ليتابع المسيرة، ولكن أقف الآن وأقول: (وكان أمر الله قدراً مقدوراً). لكنني لا أغيّب الحق بأن سيدنا علي كان ذلك الناصح الصادق الصبور الذي أراد بالأمة ألا تتفرق ووضع دم الحسنين سلام الله عليهما على فوهة القتل، حتى لا يُقتل واحد من الصحابة، والعجب من هؤلاء القتلة الذين قتلوا سيدنا الحسين وقتلوا سيدنا علي عليهما السلام! ولكن لعن الله اليهود أينما كانوا ومن أخذ بآرائهم ومن سار على دربهم!
• هل نفهم من كلامكم هذا ومن خطبتكم الكريمة أنكم تدينون جمعاً من الصحابة وتجوّزون الخطأ عليهم؟ وهل نفهم أيضاً أنه ثمة ظلم وقع على أهل البيت عليهم السلام منذ يوم السقيفة؟!
- أولاً، لا أستطيع الآن أن أحاكم الصحابة، ولا أن أدين. ولكن أنا لا أعطيهم العصمة فهم يخطئون، انتبه إلى ذلك جيداً، إنهم يخطئون، ليسوا معصومين، ليس هناك صحابي معصوم. ولكن هل كان خطؤهم عن إصرار؟ أم عن وقوع في أمور واجتهادات أنا لم أكن في ميدانها آنذاك؟ صحيž 1; أنه كان هناك خطأ في حق سيدنا علي (عليه السلام) منذ يوم السقيفة، وهذا الخطأ لا يمكن أن يتجاهله أي مخلوق في الأرض، حينما يرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).
وأنا الذي أعتقده يقيناً، أن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، لم يعادوا يوماً سيدنا علي وهذا نهج البلاغة يحدثنا عن خطب سيدنا علي (عليه السلام) فيهم جميعاً. ولكن هل هناك خطأ ارتكبوه في حق سيدنا علي (عليه السلام)؟!
نعم هناك اجتهاد ارتُكب منهم في حق سيدنا علي ولكنه سلام الله عليه أعطانا رمزاً من رموز التسامح العظيم في هذا المبدأ. فلذا لا يمكن أن أقف هنا مع تشطير كلمة الأمة في حق الصحابة أو في حق سيدنا علي، إنما أقف فيمن أزاحوا سيدنا علي وأقول أنهم أخطأوا وقد اعترفوا بخطئهم، وكذلك الذين قاتلوه فقد قالت عائشة أم المؤمنين: (ليت لي عشرة من الولد ضُربت أعناقهم ولم أخرج عليك أبا الحسن).
وأنا في هذا النص أناقش الذين يقولون بأنهم لم يخطئوا، فأقول: لماذا كان الاعتذار من أم المؤمنين إذن؟
وحقيقة علينا أن نقرأ التاريخ قراءة صحيحة لا نعطي فيها العصمة والقداسة لأي أحد بعد الأنبياء صلوات الله عليهم ومن حفظهم ربي بحفظه الخاص، كما أن سيدنا علي (عليه السلام) قد سُئل: لم سكتّ على أبي بكر وعمر وعثمان وأعلنت حربك على معاوية؟ فقال (عليه السلام): (أنصحهم ويسمعون، ونصحت ولم يسمع لي فحقه عليّ أن أقف مقاتلاً في سبيل الله والله لو خرجوا كما خرج لقاتلت كما قاتلت).
فإذا سيدنا عليّ في سكوته الأول كان ناصحاً ولم يسكت، إن كان البعض يظن سيدنا علي (عليه السلام) انسحب في الأول.. لا.. كان ناصحاً وكانت تسمع نصيحته وهذا عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر) فكان سيدنا علي هو الناصح الصادق ولكنه حينما ابتُلي بالخلافة كان لا بد له من اتخاذ هذا الموقف ضد معاوية.
وفي الحقيقة لقد ضُيّع حق سيدنا علي فيمن عرفه من قربه ومن لم يعرفه من قربه، لأنهم حجبوا الخلافة السياسية عن الخلافة الشرعية، لقد صب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر مولانا عليّ علوماً لم يصبها في صدر أي من البشر، وقد ظلم سيدنا حتى في هذه الحقائق التي أودعت في صدره فما وجد لها صدراً يحملها وهذا ما قاله لسيدنا الحسن وسيدنا الحسين وسيدنا زين العابدين، فكان كل واحد منهم يضرب على صدره ويقول: (آه.. إن ها هنا علوماً جمًّا)!
هذه العلوم التي وُضعت في صدورهم لم تجد لها أوعية عند الناس فكُتمت في صدورهم إلا عند الخواص. وأعتقد أنه يجب أن تكون لنا وقفة ضد الظلم الذي لاقاه سيدنا علي (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسن (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسين (عليه السلام) حتى نستطيع مقاومة الظلم في كل مكان.
• إذاً فأنتم تعتقدون بأن علياً عليه الصلاة والسلام هو الأفضل وهو الأحق بالخلافة، ومع هذا فإن إمامة المفضول صحيحة؟
- نعم أنا أعتقد بولاية المفضول إذا وُجد الفاضل على ما قاله الإمام زيد (عليه السلام)، ما دام سيدنا عليّ بايع فهو أحكم بموقفه ما دام هو الأحق.
• وماذا عن نظرية عدالة الصحابة؟
- أنا أرى أن الصحابة ينقسمون إلى أقسام، قسم أشار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم فهم عدول وليس معنى عدول أنهم لا يخطئون. إذ ليس هناك معصوم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى آل البيت فإنني أقول عنهم أنهم محفوظون، لأن الله أثبت في القرآن أنه أذهب عنهم الرجس فقط، ولهذا أفرق بين العصمة والحفظ، العصمة للرسالات فقط، والحفظ لمن ورثوا الرسالات.
وأنا أستنبط من قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كما أستنبط هذا من قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبدا، فهذا محفوظ وهذا محفوظ.
• هل معنى كلامكم أن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم يمكن أن يخطئوا؟!
- بالنسبة لهم إذا أخطأوا لا يتركهم الله على خطأ، إنما يوضح لهم معالمه، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في أمور فقال له الله عز وجل (عفا الله عنك لما أذنت لهم، وتخفي في نفسك ما الله مبديه). فلا يترك الله آل البيت يخرجون من الدنيا إلا في نقاء كامل. نعم.. لا يبقى عليهم خطأ لأن الله يسدد لهم أمورهم.
• ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في الشريعة، هل لهم أثر تعبدي أو تشريعي طريقي؟
- أهل مكة أدرى بشعابها، وآل البيت أدرى بأسرار بيت النبوة، أما عندنا في طريقة التصوف فما من طريقة صوفية إلا وفي سندها علي بن أبي طالب، لأننا نسميه (مصدر الحقائق النبوية)، حتى سيدي الوالد يقول: يا ولدي إن سيدنا عليّ (عليه السلام) أبو الحقائق، ودائماً من حمل الحقيقة ابتلي كثيراً، فهو الذي عرف الحقيقة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسيدنا علي ابتلي لأنه عرف الحقائق على حقائقها، فلذلك ترى الطريقة القادرية والطريقة الرفاعية والطريقة النقشبندية كلها تمر بالسند المتصل إلى سيدنا جعفر الصادق ثم سيدنا زين العابدين ثم سيدنا الحسين إلى سيدنا عليّ عليهم السلام أجمعين. وأحياناً يدخل عبد الرحمن بن أبي بكر في بعض الطرق، ويحضرني الآن أن أذكر أن الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية رحمه الله قد ألف كتاباً قيّماً وكم أتمنى أن يقرأ الشيعة والسنة كتاب هذا الرجل العجيب وقد رأيته يدرَّس في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) في إيران ولم أجده يدرّس في أية جامعة إسلامية أخرى في العالم، بل مُنعت طباعته في عدد من البلدان الإسلامية! والشيخ الأكبر يُعتبر مالكياً ثم صار مجتهداً يتكلم عن مقام سيدنا علي (عليه السلام) بكلام لم أجد أروع منه في أي كتاب آخر.
• ما مقامه (عليه السلام) عنده؟
- الشيخ الأكبر يقدم لسيدنا علي - لمعرفته الحقائق الإلهية - على الجميع. وأنا مذهبي مذهب الشيخ الأكبر محيي الدين العربي، فعلي (عليه السلام) هو مصدر الحقائق وسيد الأولياء وهو مقدَّم على الكل.
• نعود من جديد لنسأل عن موقعية أهل البيت (عليه السلام) في الشريعة؟
- لكي نعرف موقعيتهم يكفي أن نقر بأنه لا تقبل صلاة مسلم ما دام لم يصلّ على محمد وآل محمد عليهم السلام، فقد قال الإمام الشافعي: (مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة له).
ولكن الحكام الذين تعاقبوا على بلاد الإسلام، حاولوا أن ينقصوا من قدر أهل البيت عليهم السلام، فوضعوهم في مرتبة واحدة مع الصحابة، مع أن القرآن وضعهم في منزلة أعلى من كل الصحابة، وهذا لا ينكره أحد. عموماً.. أصغر واحد من آل البيت؛ أعلى من أعلى صحابي وهذا شيء نعتقده ونقر به نحن أهل السنة.
• شيخنا الجليل.. أنتم تعلمون بأن قضية مظلومية الزهراء صلوات الله وسلامه عليها هي المحور الذي تدور حوله مظلومية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ونحن نجد أن الطرف المقابل لطرف المظلومية، هم أهل السقيفة، أبو بكر وعمر خصوصاً، وهناك علماء سنة يرون أنهما أخطئا خطأً فادحاً بحق الزهراء (عليها السلام)، فما رأيكم؟
- أرى أن أبا بكر اجتهد في مسألة منع الزهراء (عليها السلام) إرثهما، ولذا فهي لم تظلم في قضية الإرث، بل كان الأمر أكبر من ذلك في موقفها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانت ترى أن لعلي حقاً وأن لأبنائها حقاً وأن لآل البيت حقاً قد انتزعه القوم، وهذا صحيح، ولا يستطيع أحد أن يقول بنفي ذلك، ولكن قضية الميراث أتوقف بها عند سماع أبي بكر للنص.
وسيدنا علي (عليه السلام) لم يعترض على هذا النص، أما سيدتنا الزهراء (عليها السلام) فقد سمعت نصاً آخر وطالبت بهذا النص، فلا أرى في القضية ظلماً، ولا أريد أن أثير هذه القضية بالذات لأن الزهراء (عليها السلام) لم تكن طالبة دنيا، إنما كانت باحثة حق الميراث.
فقضية الميراث هذه ليست المحور ولكني أرى قضية الخلافة وقضية استشهاد سيدنا علي (عليه السلام) وسيدنا الحسين (عليه السلام) هي المحور الأهم والأكثر تأثيراً في حياتنا.
• تحدثتم في خطبتكم عن أن بعض أرباب التواريخ طمسوا بعضاً من الحقائق محاباة لهؤلاء الأمراء، وأن من جاء بعدهم من المؤلفين فعلوا فعلتهم مداهنة للجمهور ودرءاً لانتشار التشيع بالتأثر.. من هم هؤلاء؟ وما هي كتبهم؟ وهل لديكم أمثلة ومصادر على ما ذكرتم؟
- الذي أعتقده أن أكثر الكتب التي أُلّفت في تفسير الحديث - وهي الظاهرة التي بدأت في الدولة العباسية - حاولت ألا يظهر فضل آل البيت خوفاً من الحاكم، حيث كان الحكام - آنذاك - حريصون على إظهار فضل بني العباس وفضل الصحابة فقط. هذه مشت مع التاريخ وصارت من المسلمات، أرأيت أثر العمل السياسي في اعتقال الحق؟!
ونحن الآن كشيوخ دين في ساحة السنة أو الشيعة، أتساءل: هل نحن نقود الجماهير؟! أم الجماهير تقودنا؟! إذا أردنا الحقيقة، هناك الكثير منا يخاف الجمهور والدليل على ذلك أن هذه الخطبة التي تذكرني بها، على إثرها تلقيت العديد من الاتصالات التي سألني أصحابها: هل قمت حقاً بسبّ الصحابة؟! هل شتمت عائشة؟
مع أني لم أذكر عائشة (رضوان الله على عائشة)، إنما تصوّر الطرف الآخر المتعصب أو الذي لا يريد إظهار الحقائق أني أعادي الصحابة، ولكنني لا أعاديهم بيد أني أقول الحقيقة.
وكما أنكم ترجون من السنة أن يكونوا منصفين مع آل البيت عليهم السلام، فإنني أرجو منكم أن تلتزموا الأدب مع الصحابة ولا تشتمونهم، وهذا ما لمسته في عدد من الأخوة الشيعة مثل حسن نصر الله والنعماني، وكثير من القادة حيث بلغني أن الشيخ حسن نصر الله يقول: يجب أن نلتزم الأدب في ألسنتنا حينما نذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع وجود الخطأ يجب أن نعبر عنه دون أن يكون في كلامنا شطط عن أحد.
وهذا ما أرجوه من الطرفين، السنة في احترامهم لأهل البيت واعتقادهم بهم، والشيعة في الوقوف موقفاً ليس فيه تنقيص للصحابة أو شتماً لهم، أما يزيد وأمثال يزيد، هؤلاء أناس لا خلاف بيننا على وصفهم، هنالك بعض المتطرفين يقولون: رضي الله عن يزيد! يا أخي، إذا كنت حيادياً مسلماً تجد أن من استحل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قتل ريحانته هو فرعون هذه الأمة كما كان ذاك فرعون تلك الأمة!
• كأنكم ذكرتم أنكم تلقيتم صفعات بسبب الخطبة العاشورائية التي دافعتم فيها عن مظلومية أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).. ما هي تلك الصفعات؟
- عشرات المنابر بدأت تتهم مفتي حلب بعدائه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو رأوا في غير ذلك لتكلموا ولكن لن يستطيع أحد منهم إثبات شيء، لأن الله إذا ما أراد نشر أمر هيأ له.
عندما قالوا إني شتمت الصحابة أسرع الناس لشراء ذلك الشريط الذي شتمت به الصحابة، فإذا بهم يجدون أني لم أشتم الصحابة إنما أعدت جزءاً من حق الحسين (عليه السلام) والله لم أُعِد حتى جزءاً يسيراً منه، إنما بدأت بإعادة الحق فقامت الدنيا!
• هل هناك دافع روحي ووجداني جعلكم تقدمون على إلقاء تلك الكلمة المدوية، يعني هل أردتم منها إراحة الضمير، وإرواء حبكم الفطري لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟ وهل تعتقدون بأن سيد الشهداء سيكون له معكم موقفاً خاصاً من مواقف الشفاعة يوم لا ينفع مال ولا بنون؟!
- أنا أعتقد بموقف أتقرب به للزهراء صلوات الله عليها، فحينما أقف مع سيدنا الحسين (عليه السلام)، إنما أقف مع أمي الزهراء، وأنا بالنسبة لي أعتقد أني منسوب إلى غبار نعلها صلوات الله عليها. فيا سيدي الكريم، حينما أسمع بالحديث الصحيح، أن الزهراء يوم القيامة تقوم وينادي منادٍ: (يا أهل المحشر غضوا أبصاركم لتمر فاطمة وبنوها). فهنا أقول: يا أماه! أنا في ظلال نعلك، وأفتخر بذلك! (أجهش الشيخ بالبكاء).
وقد كنت بالأمس في درس مولاتنا زينب (عليها السلام) وقلت: أنا ضيف زينب بنت بنت محمد.. وعلى الكريم كرامة الضيفان. وهنالك كنت أفسر سورة التوبة وقد ورد بها حديث صحيح: (لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي).
فأسأل الله بحق آل البيت أن يجعلنا في ظلالهم.. ولي كل الأمل والرجاء.
• ما هي نصيحتكم للسنة، وما هي للشيعة، وما هي للمسلمين جميعاً بمختلف طوائفهم ومذاهبهم؟
- أما نصيحتي للسنّة فأقول لهم: أخوتي؛ كل سني يجب أن يكون شيعياً بالولاء لأهل البيت الأطهار عليهم السلام، فلا سنة دون ولاء، وأقول لكل شيعي: يجب أن تكون سنياً بالاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي القدوة. إذاً كل سني شيعي بالضرورة، وكل شيعي سني بالاقتداء، فكفانا تحزباً، دعونا نرتقي فوق الألقاب المذهبية، يقول تعالى: (هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
فلنعد إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسيرة آله الأطهار ومسيرة صحبه الأخيار، فنجد الدواء الشافي لكل معضلاتنا المعاصرة، بشرط أن نقرأ هذه السيرة بحيادية ودونما تعصب، وبذلك نستدل على سفينة النجاة، إن شاء الله تعالى
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على
ــــــــــــــــــــــ
في زمن ما، حالك السواد، كانت بقعة من الأرض معقلاً للنصب والنواصب، تضج منابرها بلعن أهل البيت! ويهتف مشايخها بحياة بني أمية! تلك هي الشام، مركز حكم معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله، الذي أمر الناس بالتبرؤ من أهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام، وجرفهم إلى الضلال، وأسس مذهباً يقوم على بغض الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا!
لم يكن أحد يومها - أي منذ تولى معاوية ثم يزيد ومن تعاقب بعدهما من السلاطين - يجرؤ على أن يذكر آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخير، كان علي (عليه السلام) في مفهوم أهل تلك الديار (أول ظالم في الأرض)! وكان الحسين (عليه السلام) (خارجاً على طاعة إمام زمانه)! أما معاوية فهو (خال المؤمنين)! وأما يزيد فهو (أمير المؤمنين)!
هكذا كانت المعادلة آنذاك، لكنها اليوم، بعد قرون ودهور، انقلبت عندما شع نور آل محمد صلى الله عليهم أجمعين، وتبينت روعة الحق والحقيقة!
هاهو - كمثال - أحد كبار علماء الشام، مفتي حلب وشيخ مشايخها، يرتقي منبره في يوم عاشوراء؛ في هذه السنة؛ في الشام نفسها التي كانت موطن الناصبة الأموية؛ ليصدع بالحق بأعلى أعلى صوته وينادي: (أيها الناس.. قُتِل والله الحسين مظلوما)!!
بهذه الكلمة المدوية؛ نطق الشيخ أحمد بدر الدين الحسون، ليكشف لبني جلدته من أهل السنة حقائق أخفاها الحكام ووعّاظهم، الذين وجدوا في ذكر آل بيت النبوة تهديداً لهم، ولعروشهم، ولنفوذهم، ولمذهبهم!
في تلك الخطبة البليغة؛ أراح هذا الشيخ الشجاع ضميره، عندما أبان أن الحق مع آل الرسول، وعرّى أعداءهم، وفضح مخالفيهم. إنه لم يتشيّع، لكنه أراد أن ينفض الغبار عن الحقيقة، ويصحح مفاهيم ترسبت في عقول السنة بمؤامرة دبّرها أعداء الدين وطلاب الدنيا، عندما صوّروا مثل يزيد أميراً للمؤمنينّ وعندما أنزلوا أهل بيت الوحي عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها!
ــــــــــ
كانت كلمة شجاعة، من عالم شجاع لا يهاب إلا الله، ولا يوالي إلا أولياء الله. غير أن هذه الكلمة كلّفته الكثير، لأنها كانت صعبة؛ شديدة الوقع على آذان وأسماع من وقعوا ضحية مؤامرة التجهيل.
خطبة جمعة؛ ألقى فيها الشيخ الحسون ما في جعبته من حقائق توصّل إليها، وأظهر فيها ما يجيش في صدره منذ زمن، حول ما نزل بأهل البيت عليهم الصلاة والسلام من كرب وبلاء، وما قاسوه من عناء، وما تحملوه من رزايا، من أجل استقامة دين الله. إنه فرز بين معسكرين، معسكر الرحمن، ومعسكر الشيطان، وكان صعباً عليه أن يضع النقاط على الحروف، لكنه أبى إلا أن ينهض بمسؤوليته.
بيد أن هذه الكلمة الصادقة، الخارجة من القلب النابض بحب المصطفى وآله عليهم الصلاة والسلام؛ لم تَرُق لآخرين، فاشتعلت نار المجابهة، وثارت ثائرة مشايخ وخطباء، وتصدت منابر لتكفير هذا الشيخ الشجاع والطعن فيه بدعوى أنه سب الصحابة وشتم أمهات المؤمنين!! كل ذلك لا لأنه فعل ما اتهموه به، بل لأنه حكى بلغة غير معهودة عندهمّ فهي جريمة أن ينطق في خطبته باسم آل البيت! وهي مثلبه أن ينتصر لسيد الشهداء سبط الرسول ضد من قتله واستباح دمه وحرمه!!
حينما وجد مفتي حلب الأكبر؛ وعضو مجلس الشعب السوري؛ الشيخ أحمد بدر الدين الحسون؛ أن من تلبّسوا برداء العلماء أبعدوا أهل مذهبه السني عن أهل البيت عليهم السلام خوفاً من انتشار التشيع، وجد أن عليه أن يتصدى ويتحرك لإعادة الحق إلى نصابه، كي لا يندرس ذكر الميامين الأطهار، وكي لا يقع الناس في لبس تجاه أعدائهم، فيترضّون على أمثال يزيد!
ـــــــــــ
لقد أعاد جزءاً يسيراً من حق الحسين عليه الصلاة والسلام، فقامت الدنيا وشتمته عشرات المنابر على الملأ. لكن كل هذا يهون عنده في سبيل الحق، وفي سبيل ساداته الذين يدين بحبهم وموالاتهم. إنه بكى لأكثر من مرة في خطبته، وكان يتأوّه من شدة الألم، لأنه كتم وكتم، وهاهو اليوم يعتذر للمئات الذين جلسوا يستمعون له قائلا: (سامحوني.. لأنني سأتحدث بما لم تعتادوا سماعه)!
ليس له هم إلا جمع الكلمة، والتحليق بالأمة عالياً بجناحيها؛ السنة والشيعة، غير أنه لا يرى وحدة تتحقق بالتنكر للحقائق وإخفائها، أو بترك سيرة أهل البيت ونبذها.
في خضم هذه العاصفة التي حركها المفسدون ضد الشيخ الجليل؛ والعالم الفاضل؛ اتصلنا به وحاورناه، فوجدناه لساناً عذباً يفيض بعشق محمد وآله الأبرار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين،ووجدناه رجلاً صلباً لا يتزحزح عن كلمة الحق.
في ذلك الحوار الذي دار لحوالي ساعتين من الوقت، استفسرنا من سماحة الشيخ عن أسباب كلمته ودواعيها ومبرراتها، واستعلمنا منه عن مفاهيم ورؤى، فبكى وأبكى، وأظهر عقيدة أهل السنة الحقيقية في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين هم عندهم أشرف الخلق وأولو الأمر والأئمة الواجب طاعتهم واتباعهم ومودتهم، متبرئاً من عقيدة أهل الغلظة والجفاء ممن اندسوا تحت راية أهل السنة، الذين وصلت فيهم جرأتهم إلى التطاول على أهل بيت الوحي والرسالة، عندما قالوا: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الخليفة)!!
هذه كلمات لم تخرج من فيه رجل عادي، إنما خرجت على لسان عالم كبير تتبعه الملايين، فهو سليل أسرة علمية، وعضو مجلس الإفتاء الأعلى، فضلاً عن كونه مفتي حلب وأستاذ علمائها. فلنستمع ولنع ولنعرف كيف أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه:
• لماذا جاءت تلك الخطبة وفي ذلك الوقت بالذات، وما هي دواعيها؟ هل وجدتم أنه من الواجب إزاحة الستار عن كثير مما أخفاه أهل الأهواء والعصبيات؟
- من خلال قراءتي السريعة للواقع الذي تعيشه أمتنا المسلمة، حاولت أن أعود لتاريخنا لأستنبط منه ما يعيد الصحوة لها، وحينما قرأت مسيرة الحسين (عليه السلام) والذي لم يكن يمثل نفسه أو يمثل آل البيت عليهم السلام فحسب، إنما كان يمثل خط الإسلام العام، وجدت أنه منذ يوم استشهاده وحتى يومنا هذا لم تُقرأ قضيته قراءة صحيحة، إنما قُرأت قراءة عاطفية، وهذه القراءة منعتنا من أن نستنتج ما يمكن استنتاجه بغيرها، فحالت دون استفادتنا لما نحتاج اليوم، في موقفنا المعاصر، وفي مشاكلنا الحالية، فقررت حينما قرأت هذه المسيرة أن أعيد قراءتها قراءة عامة نطبقها في حياتنا. وقد قررت أن أعيد قراءة مأساة الحسين (عليه السلام) بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي ككل بدءاً من رسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحتى آخر لحظة من حياة الخلفاء وكيف انفصلت الخلافة الروحية بعد سيدنا علي (عليه السلام) عن الخلافة السياسية.
لقد استطاع سيدنا علي (عليه السلام) ومن قبله من الخلفاء أن يجمعوا الخلافة التشريعية الروحية مع الخلافة السياسية، ولكن بعد استشهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صار الملك - أي ملك الخلافة - ملكاً عقيماً، واتجه اتجاهاً آخر، فكان الناس يطلقون على البعض ممن استحوذ على الخلافة (أمراء المؤمنين) وما كانوا أمراء مؤمنين، فأنا لا أراهم سوى ملوكاً. وهذا قد يفاجئ كثيراً من المعاصرين ولكنها الحقيقة التي يجب أن يعرفها أبناؤنا حتى لا نظلم الإسلام بأناس حُسبوا عليه وسُموا بأمراء مؤمنين وهم في الحقيقة أشخاص ليس لهم علاقة بالإيمان.
• ما هو الجديد في خطبتكم بالنسبة إلى الوسط السني؟ هل إن هذا الوسط لم يعتد على هذه اللغة؟! وهل تجدون أن هذه اللغة ضرورية؟ وما ردكم على من يقول إن هذه اللغة إنما تسهم في زعزعة وبلبلة وانقسامات؟
- بعد الصحوة الإسلامية في الجمهورية الإيرانية، وبعد الحرب الإيرانية العراقية وحرب الخليج، صار هنالك نوع من التخوف في الساحة السنية من أن يكون هنالك مدّ شيعي يجتاح العالم العربي، أو الإسلامي ككل، وبدأ اتخاذ مواقف الدفاع والهجوم وقد ظهرت عدة كتب طائفية ومذهبية تربط التشيع بالفارسية وأحياناً بالمجوسية. وكان هذا نوع من المواجهة الخطرة خوفاً من أن يأتي سيل لا يستطيعون إيقافه، وكان يقود هذه الحملة عدد من السياسيين المرتبطين بالدول الأجنبية وأنا لا أشك في ذلك! واستطاعوا أن يجيّروا بعض العلماء في سبيل ذلك، وقد قام هؤلاء العلماء بتأليف عدة كتب وُزّعت بشكل كامل في الدول العربية والإسلامية بغرض تشويه صورة الإنسان الجعفري في خيال الإنسان السني.
وقادت تلك الحملة التشويهية جماعة مرتبطة بالاستخبارات الأجنبية في عدد من البلدان العربية التخويفية، وهي الجماعة التي تسمي نفسها بالسلفية، وأفرادها في الحقيقة يغطون أنفسهم بهذا العنوان، لأن السلفي الحقيقي والسني الحقيقي والشيعي الحقيقي جميعهم يلتقون في محور واحد ألا وهو الإسلام، وليس الكذب على بعضهم بعضاً وتشويه صورة بعضهم بعضاً.
من خلال هذه الحملات التي بدأت تظهر في المجتمعات العربية والإسلامية رأيت أن هنالك خوفاً دائماً من الطرف الآخر وتأهباً للهجوم عليه دائماً، ولعل الذي يحدث في باكستان حالياً، في عدد من المساجد والحسينيات خير مثال على ذلك، إذ يقتحم واحد من هذا الطرف مكان اجتماع الطرف الآخر ليبيده! وفي اعتقادي أن نار الفتنة هذه ليست من الطرفين إنما من طرف ثالث يؤجج الفتنة في هذه الساحة، ومن هنا بدأت أقرأ كتبنا الإسلامية قراءة جديدة، شيعية كانت أم سنية لأفاجأ أن هناك 98% من نقاط الالتقاء و3 أو 4% من نقاط الاختلاف، كما رأيت أن هناك بين الأحناف والشافعية أكثر من 10% من نقاط الاختلاف، وأن بين المذهب الزيدي والشافعي 3% من نقاط الاختلاف، وهذا سببه كتاب الأم الذي ألفه الإمام الشافعي والذي قال فيه:
إن كان رفضاً حب آل محمد فلـيشهد الثقلان أني رافضي
هذا الذي دعاني لأن أدخل إلى الساحة بهدوء ودون أن أمس أي طرف من الأطراف، لأقول: لماذا هذا التقصير في ساحتنا في معرفة آل البيت؟ لماذا لا يعرف أبناؤنا من هم أهل البيت؟ أهناك خوف من أن يتشيع أبناؤنا إذا ما عرفوا آل البيت؟ هذا الذي يعاني لأن أدخل الساحة. إنني أرى أنه يحق للشيعي أن يلوم أخاه السني على تقصيره في معرفة أهل البيت عليهم السلام، ذلك لأنه إذا سأله عن ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن السني لن يعدّد له إلا الحسن والحسين عليهما السلام، ولن يعرف الباقي مع أن من واجبه معرفتهم شرعاً، لأن الله تعالى يقول على لسان نبيه صلى الله عليه وآله: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى). فكيف يودّ السني من يجهلهم؟!
لقد اكتشفت أن هناك من قصد تجهيل الناس وإبعادهم عن معرفة آل البيت عليهم السلام خوفاً من سريان التشيع، بل رأيت أن هناك من قصد تشويه صورتهم سلام الله عليهم في أذهان الناس! فقبل بضع سنوات وقعت عيناي على كتاب صدر في المدينة المنورة لعالم من علمائنا في سورية، وقد جاء فيه: (إن الحسين قتل نفسه بخروجه على الإمام)!! وقد جرى توزيع هذا الكتاب السيئ في السعودية، فاجتمعت مع مؤلفه وبادرته قائلاً: (لحساب من تسيء إلى آل البيت؟! لحساب من تسيء إلى سيدنا الحسين وهو من أُعطي حقاً عظيماً يتمثل في أن من أحبه أسكنه الله الجنة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم! يا هذا.. ما الذي تعني من قولك أنه قتل نفسه؟ هل تعني أنه انتحر مثلاً؟ وفي مقابل من؟! من هو الخليفة الذي خرج عليه؟!) فأجاب الرجل: (في مقابل يزيد)! فقلت له: (ومن قال أن يزيد خليفة)؟!
ثم بدأ النقاش مع مجموعة من الأخوة هناك، وقد وجدت جهلاً في القضية تاماً، فلذلك آليت على نفسي أن أدخل على هذا الخط بهدوء ودون تعصب لأي طرف من الأطراف، وغرضي إظهار الحقيقة حتى إذا جاء العدو ليعبث بها نكون قد هيأنا ما نتكاتف به وما نقوي به بعضنا بعضاً.
• ما الذي اكتشفتموه وأردتم قوله للناس أداء لمسؤوليتكم الشرعية أمام الله تعالى؟
- بعد عشر سنوات من البحث على مقعد الدراسة، وجدت أن هنالك خوفاً شديداً من الاعتراف بالحقيقة، وهذا الخوف سببه أن من يريد أن يتحدث عن آل البيت يخشى أن يقع في شتم الصحابة، وكان الجميع يظنون أنه لو بدأنا بالحديث عن موالاة أهل البيت ولاء ووفاء والبراءة من أعدائهم، فإن ذلك سيكون نوعاً من إعادة التفرقة بين المسلمين من خلال شتم الصحابة أو الطعن فيهم.
ومن هنا وجدت هجوماً شديداً صاعقاً عليّ بعد هذه الخطبة واعتُبرت خطيب فتنة وخطيب سوء لأني أنبش التاريخ بمعاول التفرقة بين الناس، وكأنهم سيجمعون الناس بإخفاء الحقائق التاريخية!
لذلك كان هناك إصرار على المبدأ، وإصرار على البقاء مستمراً في تسجيل الحقائق مهما كانت التضحيات، لا من أجل إيران ولا من أجل الشيعة ولا من أجل السنة، ولكن من أجل الله جل وعلا، وحتى نقف أمامه وقد أدينا الرسالة. ونحن في هذا الوقت بالذات أحوج ما نكون للموقف الحسيني، وأحوج ما نكون لمواقف أهل البيت في صد الطغيان، طغيان السياسة والاستيلاء الذي دمّر حقوق آل البيت، نحن أحوج ما نكون إلى صحوة إسلامية، تُبنى على أسس واضحة.
وفي الحقيقة فقد استطاع الأخوة في حزب الله في لبنان أن يبدأوا هذه الصحوة، وأسأل الله أن نكون جميعاً عوناً لهم في هذه الصحوة.
• كررتم مراراً قول: سامحوني! السؤال هو: على ماذا؟ ولماذا الاعتذار؟
- المعنى هو: سامحوني إن لمست مسلّماتكم التي عشتم عليها قروناً ولم يتجرأ أحد أن يكشف لكم بكل وضوح خطأ هذه المسلّمات.
فإن كنتم لا تستوعبون كلامي فسامحوني! فإنني أتكلم بكل وضوح.
• وهل تعتقدون بأن هناك من أخفى الحقائق من العلماء السابقين؟
- لا أشك أن السياسة منعت الحقائق من الظهور. فحينما أجد كتب صحاح الحديث الموجودة في الساحة السنية قد ذكرت فضائل أبي بكر وعمر وعثمان في عدة صفحات بينما تعطي لسيدنا علي (عليه السلام) صفحة واحدة أو صفحتين؛ ثم يأتي مسند الإمام أحمد بن حنبل فيعطي ستة وأربعين صفحة لسيدنا علي (عليه السلام) فإني أتساءل: لماذا لم تذكر تلك الكتب السابقة هذه الفضائل؟! وأعتقد أنك تدرك ما يحدث لي حينما أجد أن مسند أحمد قد طُبع في بلد إسلامي وحُذفت منه الستة والأربعون صفحة! هنا أعرف أن التاريخ كيف زُوِّر!!
• ما سبب هذا الخلاف في نظركم؟
- لأننا إذا ذكرنا فضائل سيدنا علي (عليه السلام) نظن أن الشيعة سينتصرون على السنّة، وأن الشيعة ستحكم العالم العربي والإسلامي وأن السلفية ستغيب، هنا مشكلة السياسة!
• وهل عليّ صلوات الله عليه وسلامة للشيعة فقط؟!
- إن علياً (عليه السلام) اليوم هو رمز للثورة الحقيقية، والذين يحكمون العالم الإسلامي اليوم لا يريدون علياً جديداًّ لذلك قال الشاعر مظفر النواب غفر الله له: أفديك علياً لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموّّك شيوعياً!
لماذا؟! لأن الجماهير المؤمنة تجد في فكر علي وقوله وعمله ما يحييها ويعيد عزتها، فهم حينما ينظرون إلى عظيم أعمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محاولين محاكاتها؛ يقولون: هذا رسول.
وعلي سلام الله عليه كان رجلاً مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واستطاع أن ينقل الشريعة من شريعة صامتة إلى شريعة ناطقة، حيث قال: هذا كتاب الله الصامت؛ وأنا كتاب الله الناطق.
والذي يخافه الكثيرون اليوم أن تعود روح علي من جديد!
• هل تؤمنون بأن الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام)، لا يزالان مظلومين؟
- ما زال الظلم قائماً على آل البيت حتى اليوم وهذا الظلم لن يزول بسهولة، وستبقى هنالك فئة تحارب الآل لأن وجودهم يعني وجود العدل والأمن بالعالم وهنالك من يحارب هذا العدل وهذا الأمن!
• هناك إشكالية في يوم عاشوراء ربما تطرقتم إليها في خطبتكم الميمونة، ولكن السؤال هو: أيجوز الاحتفال في يوم عاشوراء؟ يعني ما الواجب علينا أن نفعل؟ أنفرح أم نحزن؟ هل الحديث عن صيام يوم عاشوراء حديث صحيح أم موضوع وضعه الأمويون نكاية بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- حتى نكون حياديين، فإنني أرى أن يوم عاشوراء هو يوم الانتصار على الفراعنة، قد انتصر موسى (عليه السلام) فيه على فرعون أمته، وقد انتصر فيه الحسين (عليه السلام) على فرعون هذه الأمة. وأقول أنه سلام الله عليه انتصر رغم هزيمته الظاهرية على أرض المعركة، لأنني إن سألت الناس اليوم عن قبر يزيد أو أبناء يزيد أو آثار يزيد أو صرخت وقلت: أروني أين يزيد؟! فإن أحداً لن يقدر على جوابي، أما إن سألت: أروني أين الحسين؟! فإن كل الناس سيشيرون إلى قلوبهم قائلين: إنه هاهنا!
لقد اتخذت هذه الرمزية الرائعة جداً، واعتبرت أن يوم عاشوراء هو يوم تجدّد الموقف بين الحق والباطل، انتصر الله فيه بالحق على الباطل، بموسى على فرعون، وبالحسين على يزيد وهو فرعون هذه الأمة.
إن القضية ليست قضية أكل وشرب، ولا بكاء ونواح، إنما هي قضية مبدأ وعقيدة، قضية انتصار وشهادة، فلماذا لا نستثمر هذا اليوم ونحوله إلى يوم تتفق فيه الأمة على إسقاط فراعنتها؟!
إن الأصل الثابت في يوم عاشوراء أنه اليوم الذي نجّى فيه الله تعالى موسى وقومه من فرعون وقومه، ولكن أن يصبح هذا اليوم يوم طبخ الحلوى والتوسعة على العيال، فأعتقد أنها عملية لصيقة جاءت من النواصب لإبعاد هذا اليوم عن هدفه الذي أوجد لأجله.
• إن الوهابية لا تزال على موقفها بشأن عاشوراء، هي تحث الناس على صيامه، وتدافع فيه عن يزيد، وتكفر فيه المحيين قضية سيد الشهداء (عليه السلام) لأنهم يلعنون يزيد! بل إنهم هاجموا حتى مشايخ السنة الذين لهم موقف معاد ليزيد! ما الرأي عندكم؟ وما هو موقف أهل السنة الحقيقي من يزيد لعنه الله؟
- الذي أعرفه أن الوهابية لم تكفر الشيعة فقط، إنما كفرت السواد الأعظم من المسلمين حتى من السنة، فقد كفرت الصوفية وقد كفرت الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي، وقد كفرت الكثير من أئمة المذاهب. وهم فئة تغطت باسم السلف أي السلفية.
أما قضية يزيد فاقرأ كتب السنة بأجمعها واقرأ خطب معاوية بن يزيد نفسه، هذا الرجل الصالح الذي تكلم عن أبيه وجده بما فيه الكفاية ومن خلال كتب السنة لا كتب الشيعة.
سترى عندها أن هنالك الكثير من علماء السنة الذين التزموا مذهب السنة الحقيقي ولم يكن أياً منهم راضياً عن يزيد بأي شكل من الأشكال، ولم يعتبروه خليفة للمسلمين يوماً، فهو الذي أدخل الساحة الإسلامية في ضياع الملك العظيم. وقد قلتها في خطبة الجمعة يوماً حينما قلت لمعاوية: (أنت صحابي لن أتكلم عنك، ولكن لك موقف أمام الله سيسألك عنه؛ لم وضعت هذا الولد، على هذه الأمة حتى فرّق كلمتها وقتل خير شبابها)؟! نعم... هذا ما قلته وهو كاف.
أما الذي يقول أن الحسين قتل نفسه؛ فأعتقد أن خصمه سيكون محمداً صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة!
• أنتم تتحدثون عمّن حرّف من مسار الإسلام الأصيل، فهل تنسحب إدانتكم إلى الخلفاء الأوائل أيضاً، أم أنكم تنطلقون فقط من يزيد لعنه الله؟
- أنا لا أعطي العصمة للصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فهم يخطئون ولكنهم لا يصرّون على خطأ. وقد كان موقف علي (عليه السلام) من عثمان موقف الشهم العظيم حينما أرسل الحسن والحسين إلى باب عثمان، وقال لا تتركا عثمان حتى ولو قُتَلتما دونه، لقد قام سيدنا علي (عليه السلام) بعمل يجب أن أقوم به أنا وأنت، لم؟! لأن سيدنا علي (عليه السلام) كان يجب أن يحفظ دماء المسلمين ما استطاع، كما كان يدخل إلى عثمان وينصحه فيقدر عثمان أن يقف موقفاً وجهه إليه سيدنا علي سلام الله عليه، وما أن يخرج حتى يدخل عليه مروان وجماعته ليحولوا هذا الرجل عن الفكر الذي بثه فيه سيدنا علي بصدقه وصفائه. وأنا الذي أعتقده أن سيدنا عثمان أخطأ ولكنه لم يصر على خطأ والدليل أنه كان حينما يجتمع بسيدنا علي (عليه السلام) يتراجع وحينما يبتعد عنه سيدنا علي (عليه السلام) يضيع. الحقيقة كان يجب أن تكون هناك مجموعة من تلك الأمة تأخذ على يد عثمان وتعطي الحق لسيدنا علي (عليه السلام) ليتابع المسيرة، ولكن أقف الآن وأقول: (وكان أمر الله قدراً مقدوراً). لكنني لا أغيّب الحق بأن سيدنا علي كان ذلك الناصح الصادق الصبور الذي أراد بالأمة ألا تتفرق ووضع دم الحسنين سلام الله عليهما على فوهة القتل، حتى لا يُقتل واحد من الصحابة، والعجب من هؤلاء القتلة الذين قتلوا سيدنا الحسين وقتلوا سيدنا علي عليهما السلام! ولكن لعن الله اليهود أينما كانوا ومن أخذ بآرائهم ومن سار على دربهم!
• هل نفهم من كلامكم هذا ومن خطبتكم الكريمة أنكم تدينون جمعاً من الصحابة وتجوّزون الخطأ عليهم؟ وهل نفهم أيضاً أنه ثمة ظلم وقع على أهل البيت عليهم السلام منذ يوم السقيفة؟!
- أولاً، لا أستطيع الآن أن أحاكم الصحابة، ولا أن أدين. ولكن أنا لا أعطيهم العصمة فهم يخطئون، انتبه إلى ذلك جيداً، إنهم يخطئون، ليسوا معصومين، ليس هناك صحابي معصوم. ولكن هل كان خطؤهم عن إصرار؟ أم عن وقوع في أمور واجتهادات أنا لم أكن في ميدانها آنذاك؟ صحيž 1; أنه كان هناك خطأ في حق سيدنا علي (عليه السلام) منذ يوم السقيفة، وهذا الخطأ لا يمكن أن يتجاهله أي مخلوق في الأرض، حينما يرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله).
وأنا الذي أعتقده يقيناً، أن أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، لم يعادوا يوماً سيدنا علي وهذا نهج البلاغة يحدثنا عن خطب سيدنا علي (عليه السلام) فيهم جميعاً. ولكن هل هناك خطأ ارتكبوه في حق سيدنا علي (عليه السلام)؟!
نعم هناك اجتهاد ارتُكب منهم في حق سيدنا علي ولكنه سلام الله عليه أعطانا رمزاً من رموز التسامح العظيم في هذا المبدأ. فلذا لا يمكن أن أقف هنا مع تشطير كلمة الأمة في حق الصحابة أو في حق سيدنا علي، إنما أقف فيمن أزاحوا سيدنا علي وأقول أنهم أخطأوا وقد اعترفوا بخطئهم، وكذلك الذين قاتلوه فقد قالت عائشة أم المؤمنين: (ليت لي عشرة من الولد ضُربت أعناقهم ولم أخرج عليك أبا الحسن).
وأنا في هذا النص أناقش الذين يقولون بأنهم لم يخطئوا، فأقول: لماذا كان الاعتذار من أم المؤمنين إذن؟
وحقيقة علينا أن نقرأ التاريخ قراءة صحيحة لا نعطي فيها العصمة والقداسة لأي أحد بعد الأنبياء صلوات الله عليهم ومن حفظهم ربي بحفظه الخاص، كما أن سيدنا علي (عليه السلام) قد سُئل: لم سكتّ على أبي بكر وعمر وعثمان وأعلنت حربك على معاوية؟ فقال (عليه السلام): (أنصحهم ويسمعون، ونصحت ولم يسمع لي فحقه عليّ أن أقف مقاتلاً في سبيل الله والله لو خرجوا كما خرج لقاتلت كما قاتلت).
فإذا سيدنا عليّ في سكوته الأول كان ناصحاً ولم يسكت، إن كان البعض يظن سيدنا علي (عليه السلام) انسحب في الأول.. لا.. كان ناصحاً وكانت تسمع نصيحته وهذا عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر) فكان سيدنا علي هو الناصح الصادق ولكنه حينما ابتُلي بالخلافة كان لا بد له من اتخاذ هذا الموقف ضد معاوية.
وفي الحقيقة لقد ضُيّع حق سيدنا علي فيمن عرفه من قربه ومن لم يعرفه من قربه، لأنهم حجبوا الخلافة السياسية عن الخلافة الشرعية، لقد صب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر مولانا عليّ علوماً لم يصبها في صدر أي من البشر، وقد ظلم سيدنا حتى في هذه الحقائق التي أودعت في صدره فما وجد لها صدراً يحملها وهذا ما قاله لسيدنا الحسن وسيدنا الحسين وسيدنا زين العابدين، فكان كل واحد منهم يضرب على صدره ويقول: (آه.. إن ها هنا علوماً جمًّا)!
هذه العلوم التي وُضعت في صدورهم لم تجد لها أوعية عند الناس فكُتمت في صدورهم إلا عند الخواص. وأعتقد أنه يجب أن تكون لنا وقفة ضد الظلم الذي لاقاه سيدنا علي (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسن (عليه السلام) والظلم الذي لاقاه سيدنا الحسين (عليه السلام) حتى نستطيع مقاومة الظلم في كل مكان.
• إذاً فأنتم تعتقدون بأن علياً عليه الصلاة والسلام هو الأفضل وهو الأحق بالخلافة، ومع هذا فإن إمامة المفضول صحيحة؟
- نعم أنا أعتقد بولاية المفضول إذا وُجد الفاضل على ما قاله الإمام زيد (عليه السلام)، ما دام سيدنا عليّ بايع فهو أحكم بموقفه ما دام هو الأحق.
• وماذا عن نظرية عدالة الصحابة؟
- أنا أرى أن الصحابة ينقسمون إلى أقسام، قسم أشار إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم فهم عدول وليس معنى عدول أنهم لا يخطئون. إذ ليس هناك معصوم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى آل البيت فإنني أقول عنهم أنهم محفوظون، لأن الله أثبت في القرآن أنه أذهب عنهم الرجس فقط، ولهذا أفرق بين العصمة والحفظ، العصمة للرسالات فقط، والحفظ لمن ورثوا الرسالات.
وأنا أستنبط من قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) كما أستنبط هذا من قوله تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبدا، فهذا محفوظ وهذا محفوظ.
• هل معنى كلامكم أن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم يمكن أن يخطئوا؟!
- بالنسبة لهم إذا أخطأوا لا يتركهم الله على خطأ، إنما يوضح لهم معالمه، كما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجتهد في أمور فقال له الله عز وجل (عفا الله عنك لما أذنت لهم، وتخفي في نفسك ما الله مبديه). فلا يترك الله آل البيت يخرجون من الدنيا إلا في نقاء كامل. نعم.. لا يبقى عليهم خطأ لأن الله يسدد لهم أمورهم.
• ما هي موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في الشريعة، هل لهم أثر تعبدي أو تشريعي طريقي؟
- أهل مكة أدرى بشعابها، وآل البيت أدرى بأسرار بيت النبوة، أما عندنا في طريقة التصوف فما من طريقة صوفية إلا وفي سندها علي بن أبي طالب، لأننا نسميه (مصدر الحقائق النبوية)، حتى سيدي الوالد يقول: يا ولدي إن سيدنا عليّ (عليه السلام) أبو الحقائق، ودائماً من حمل الحقيقة ابتلي كثيراً، فهو الذي عرف الحقيقة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وسيدنا علي ابتلي لأنه عرف الحقائق على حقائقها، فلذلك ترى الطريقة القادرية والطريقة الرفاعية والطريقة النقشبندية كلها تمر بالسند المتصل إلى سيدنا جعفر الصادق ثم سيدنا زين العابدين ثم سيدنا الحسين إلى سيدنا عليّ عليهم السلام أجمعين. وأحياناً يدخل عبد الرحمن بن أبي بكر في بعض الطرق، ويحضرني الآن أن أذكر أن الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية رحمه الله قد ألف كتاباً قيّماً وكم أتمنى أن يقرأ الشيعة والسنة كتاب هذا الرجل العجيب وقد رأيته يدرَّس في جامعة الإمام الصادق (عليه السلام) في إيران ولم أجده يدرّس في أية جامعة إسلامية أخرى في العالم، بل مُنعت طباعته في عدد من البلدان الإسلامية! والشيخ الأكبر يُعتبر مالكياً ثم صار مجتهداً يتكلم عن مقام سيدنا علي (عليه السلام) بكلام لم أجد أروع منه في أي كتاب آخر.
• ما مقامه (عليه السلام) عنده؟
- الشيخ الأكبر يقدم لسيدنا علي - لمعرفته الحقائق الإلهية - على الجميع. وأنا مذهبي مذهب الشيخ الأكبر محيي الدين العربي، فعلي (عليه السلام) هو مصدر الحقائق وسيد الأولياء وهو مقدَّم على الكل.
• نعود من جديد لنسأل عن موقعية أهل البيت (عليه السلام) في الشريعة؟
- لكي نعرف موقعيتهم يكفي أن نقر بأنه لا تقبل صلاة مسلم ما دام لم يصلّ على محمد وآل محمد عليهم السلام، فقد قال الإمام الشافعي: (مَن لم يصلِّ عليكم لا صلاة له).
ولكن الحكام الذين تعاقبوا على بلاد الإسلام، حاولوا أن ينقصوا من قدر أهل البيت عليهم السلام، فوضعوهم في مرتبة واحدة مع الصحابة، مع أن القرآن وضعهم في منزلة أعلى من كل الصحابة، وهذا لا ينكره أحد. عموماً.. أصغر واحد من آل البيت؛ أعلى من أعلى صحابي وهذا شيء نعتقده ونقر به نحن أهل السنة.
• شيخنا الجليل.. أنتم تعلمون بأن قضية مظلومية الزهراء صلوات الله وسلامه عليها هي المحور الذي تدور حوله مظلومية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ونحن نجد أن الطرف المقابل لطرف المظلومية، هم أهل السقيفة، أبو بكر وعمر خصوصاً، وهناك علماء سنة يرون أنهما أخطئا خطأً فادحاً بحق الزهراء (عليها السلام)، فما رأيكم؟
- أرى أن أبا بكر اجتهد في مسألة منع الزهراء (عليها السلام) إرثهما، ولذا فهي لم تظلم في قضية الإرث، بل كان الأمر أكبر من ذلك في موقفها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كانت ترى أن لعلي حقاً وأن لأبنائها حقاً وأن لآل البيت حقاً قد انتزعه القوم، وهذا صحيح، ولا يستطيع أحد أن يقول بنفي ذلك، ولكن قضية الميراث أتوقف بها عند سماع أبي بكر للنص.
وسيدنا علي (عليه السلام) لم يعترض على هذا النص، أما سيدتنا الزهراء (عليها السلام) فقد سمعت نصاً آخر وطالبت بهذا النص، فلا أرى في القضية ظلماً، ولا أريد أن أثير هذه القضية بالذات لأن الزهراء (عليها السلام) لم تكن طالبة دنيا، إنما كانت باحثة حق الميراث.
فقضية الميراث هذه ليست المحور ولكني أرى قضية الخلافة وقضية استشهاد سيدنا علي (عليه السلام) وسيدنا الحسين (عليه السلام) هي المحور الأهم والأكثر تأثيراً في حياتنا.
• تحدثتم في خطبتكم عن أن بعض أرباب التواريخ طمسوا بعضاً من الحقائق محاباة لهؤلاء الأمراء، وأن من جاء بعدهم من المؤلفين فعلوا فعلتهم مداهنة للجمهور ودرءاً لانتشار التشيع بالتأثر.. من هم هؤلاء؟ وما هي كتبهم؟ وهل لديكم أمثلة ومصادر على ما ذكرتم؟
- الذي أعتقده أن أكثر الكتب التي أُلّفت في تفسير الحديث - وهي الظاهرة التي بدأت في الدولة العباسية - حاولت ألا يظهر فضل آل البيت خوفاً من الحاكم، حيث كان الحكام - آنذاك - حريصون على إظهار فضل بني العباس وفضل الصحابة فقط. هذه مشت مع التاريخ وصارت من المسلمات، أرأيت أثر العمل السياسي في اعتقال الحق؟!
ونحن الآن كشيوخ دين في ساحة السنة أو الشيعة، أتساءل: هل نحن نقود الجماهير؟! أم الجماهير تقودنا؟! إذا أردنا الحقيقة، هناك الكثير منا يخاف الجمهور والدليل على ذلك أن هذه الخطبة التي تذكرني بها، على إثرها تلقيت العديد من الاتصالات التي سألني أصحابها: هل قمت حقاً بسبّ الصحابة؟! هل شتمت عائشة؟
مع أني لم أذكر عائشة (رضوان الله على عائشة)، إنما تصوّر الطرف الآخر المتعصب أو الذي لا يريد إظهار الحقائق أني أعادي الصحابة، ولكنني لا أعاديهم بيد أني أقول الحقيقة.
وكما أنكم ترجون من السنة أن يكونوا منصفين مع آل البيت عليهم السلام، فإنني أرجو منكم أن تلتزموا الأدب مع الصحابة ولا تشتمونهم، وهذا ما لمسته في عدد من الأخوة الشيعة مثل حسن نصر الله والنعماني، وكثير من القادة حيث بلغني أن الشيخ حسن نصر الله يقول: يجب أن نلتزم الأدب في ألسنتنا حينما نذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع وجود الخطأ يجب أن نعبر عنه دون أن يكون في كلامنا شطط عن أحد.
وهذا ما أرجوه من الطرفين، السنة في احترامهم لأهل البيت واعتقادهم بهم، والشيعة في الوقوف موقفاً ليس فيه تنقيص للصحابة أو شتماً لهم، أما يزيد وأمثال يزيد، هؤلاء أناس لا خلاف بيننا على وصفهم، هنالك بعض المتطرفين يقولون: رضي الله عن يزيد! يا أخي، إذا كنت حيادياً مسلماً تجد أن من استحل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن قتل ريحانته هو فرعون هذه الأمة كما كان ذاك فرعون تلك الأمة!
• كأنكم ذكرتم أنكم تلقيتم صفعات بسبب الخطبة العاشورائية التي دافعتم فيها عن مظلومية أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).. ما هي تلك الصفعات؟
- عشرات المنابر بدأت تتهم مفتي حلب بعدائه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو رأوا في غير ذلك لتكلموا ولكن لن يستطيع أحد منهم إثبات شيء، لأن الله إذا ما أراد نشر أمر هيأ له.
عندما قالوا إني شتمت الصحابة أسرع الناس لشراء ذلك الشريط الذي شتمت به الصحابة، فإذا بهم يجدون أني لم أشتم الصحابة إنما أعدت جزءاً من حق الحسين (عليه السلام) والله لم أُعِد حتى جزءاً يسيراً منه، إنما بدأت بإعادة الحق فقامت الدنيا!
• هل هناك دافع روحي ووجداني جعلكم تقدمون على إلقاء تلك الكلمة المدوية، يعني هل أردتم منها إراحة الضمير، وإرواء حبكم الفطري لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام؟ وهل تعتقدون بأن سيد الشهداء سيكون له معكم موقفاً خاصاً من مواقف الشفاعة يوم لا ينفع مال ولا بنون؟!
- أنا أعتقد بموقف أتقرب به للزهراء صلوات الله عليها، فحينما أقف مع سيدنا الحسين (عليه السلام)، إنما أقف مع أمي الزهراء، وأنا بالنسبة لي أعتقد أني منسوب إلى غبار نعلها صلوات الله عليها. فيا سيدي الكريم، حينما أسمع بالحديث الصحيح، أن الزهراء يوم القيامة تقوم وينادي منادٍ: (يا أهل المحشر غضوا أبصاركم لتمر فاطمة وبنوها). فهنا أقول: يا أماه! أنا في ظلال نعلك، وأفتخر بذلك! (أجهش الشيخ بالبكاء).
وقد كنت بالأمس في درس مولاتنا زينب (عليها السلام) وقلت: أنا ضيف زينب بنت بنت محمد.. وعلى الكريم كرامة الضيفان. وهنالك كنت أفسر سورة التوبة وقد ورد بها حديث صحيح: (لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي).
فأسأل الله بحق آل البيت أن يجعلنا في ظلالهم.. ولي كل الأمل والرجاء.
• ما هي نصيحتكم للسنة، وما هي للشيعة، وما هي للمسلمين جميعاً بمختلف طوائفهم ومذاهبهم؟
- أما نصيحتي للسنّة فأقول لهم: أخوتي؛ كل سني يجب أن يكون شيعياً بالولاء لأهل البيت الأطهار عليهم السلام، فلا سنة دون ولاء، وأقول لكل شيعي: يجب أن تكون سنياً بالاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهي القدوة. إذاً كل سني شيعي بالضرورة، وكل شيعي سني بالاقتداء، فكفانا تحزباً، دعونا نرتقي فوق الألقاب المذهبية، يقول تعالى: (هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).
فلنعد إلى سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسيرة آله الأطهار ومسيرة صحبه الأخيار، فنجد الدواء الشافي لكل معضلاتنا المعاصرة، بشرط أن نقرأ هذه السيرة بحيادية ودونما تعصب، وبذلك نستدل على سفينة النجاة، إن شاء الله تعالى