بهاء زهير الصالح
29-03-2009, 07:00 PM
الفن الصامت (ح 1 )
في الافتتاح الاول لمهرجان بابل ومع الصخب الهائل الذي احدثته الة الاعلام البعثية , ارتفعت اسعار بطاقات الدخول الى عروض الفرق المختلفة , على الرغم من وجود وكلاء – معتمدين - لبيعها .
لعلها عملية مفتعلة من السلطة لحمل الناس على مطاردة هذه البطاقات في رغبة جامحة لمشاهدة صور ليست من المعركة ( 1) , وللفوز برؤية سحنات اخرى للبشر من غير العراقيين الغارقين في الزي العسكري ومن غير المصريين عبدما كان العراق يغص بهم . في ذالك الوقت اتصل بي احد الاصدقاء – هو الان استاذ في جامعة بابل – واخبرني ان احد معارفه قد عرض عليه تذاكر لعرض مسرحي وبسعر ثلاثة دنانير للواحدة .
علمنا فيما بعد ان هذا العرض لفرقة يابانية مغمورة وستقدم مسرحية ايمائية صامتة .
على اية حال لم يكن هذا النوع من العروض في حد ذاته يمثل مشكلة بالنسبة لنا عندما تتوفر فرصة حضور احد عروض المهرجان . ومع بدا العرض اقتنع الجمهور ذي الغالبية البغدادية بانه قد خدع بحضوره مثل هذا العرض السخيف , وانتابني انا شخصيا شعور مشابه , ومع –ادب- البقاء في القاعة الذي فرض على الجمهور لحين انتهاء العرض , تصاعدت حدة الضوضاء الناتجة عن الاحاديث – الودية – المتبادلة تسندها طقطقة بذور – الرقي والبطيخ - , وفيما انا مجبر على متابعة حركات الممثلين جلب انتباهي الزي العام لهم ,اذ لم يكن يابانيا صرفا بل كان فيه لمحات من الملابس العربية التقليدية , في هذه الاثناء ادى احدهم مجموعة من الحركات والاشارات المرمزة التي تظهر بانه حاكم , يقوم بتقييد ممثل اخر والعمل على ايذائه بحركات مرمزة اخرى.
وفيما يزداد انشغال الجمهور عنهم تصاعدت حدة حركات المؤدين الصامتة عندما اجبر الحاكم الممثل الاسير على الدخول في عراك مع ممثل اخر كان مشغولا من بداية العرض بحركاته ومنطقته الخاصة على المسرح, تطور العراك بين الممثلين الى رموز اكثر حدة وعنف , عندها يقل نشاط الحاكم وتظهر عليه علامات الارتياح والسرور . ينهض الحاكم فجاة ليطلب من عبده الذي يخوض صراعا مؤثرا اقول يطالبه بالرقص والضحك بقوة ؛ يمتثل العبد لامر الحاكم ويستمر في عراكه فهو يتالم ويرقص ويضحك .
وينطلق من الحاكم ضحك هستيري من تصرفات وربما من طاعة عبده المتالم ؛ الذي خلط الالم بالرقص والضحك غير المبرر .
بعدها تظهر فتاة في نحو الخامسة عشرة من عمرها وهي بلباس ياباني تقليدي كامل وبلون بشرة بيضاء ناصعة وهي كما وصف الشاعر
ووجه كان الشمس القت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
وكانها غريبة عن المكان وتتامل مايجري على خشبة المسرح من تصرفات الحاكم ومن فعل العبد ومن شدة الانغماس في العراك ؛ وتبتسم مرة وتضحك بقوة مرة اخرى وهي تخفي فمها بمروحة الهواء التقليدية على الرغم من محاولة الفرقة التظاهر بانها تؤدي ايمائات عن قصة فلكلورية يابانية الا ان الرموز العامة حول الحاكم وصلته بصدام ؛ العبد المقيد واشارته الى الشعب العراقي ؛ العراك بين الممثلين ودلالتها على الحرب مع ايران ؛ رقص العبد وضحكه وارتباطه بهرجان بابل ؛ الفتاة اليابانية الساخرة من المشاهد التي راتها والاحالة الى الفرقة اليابانية التي ادت العمل ؛ اقول كانت شديدة الوضوح بالنسبة لي على الاقل .
خلال ذالك العرض كنت اراقب الجمهور ايضا المستمر في تجاهل العرض والسخرية منه باصدار اصوات بين الحين والاخر تتبع حركات المؤدين ؛ وارجع لاراقب الفرقة التي تهزا بدورها بالجمهور والمهرجان ككل .
توقعت ان ينهض احد الحاضرين وقد فهم رموز العرض ليخبر مسؤول ما هناك ولكن لم يحصل ذالك ؛سالت صديقي هل فهم شيئا من العرض لم يجبني سوى بالفاظ السباب والشتائم لتلك الفرقة وقال ( احنه وين وهمه وين ) .
ربما كان رد صديقي ادق التوصيفات عن حالة الوعي لدى الجمهور المشاهد ولدى عموم الشعب العراقي ؛ انتظرت يومها خروج الفرقة من القاعة واظنها قاعة ننماخ ومشيت خلفهم وانا اتوقع ان تلقي احدى الجهات الامنية الكثيرة في المهرجان القبض عليهم او شيئ من هذا القبيل ولكنها خرجت من بابل بسلام .
لقد صفعت تلك الفرقة المتواضعة ثقافة النظام والة اعلامه العجيبة ؛ واستطاعت الالتفاف على مثقفيه الى درجة عدم فهم مغزى العرض وغايته ؛ وسخرت من خنوع شعب العراق وربما من محاولة اقامة مهرجان في اجواء كتلك .
( 1) صور من المعركة برنامج كان يعرض على التلفزيون العراقي يتم التركيز فيه على اضهار صور الجثث الممزقة المطروحة في العراء
في الافتتاح الاول لمهرجان بابل ومع الصخب الهائل الذي احدثته الة الاعلام البعثية , ارتفعت اسعار بطاقات الدخول الى عروض الفرق المختلفة , على الرغم من وجود وكلاء – معتمدين - لبيعها .
لعلها عملية مفتعلة من السلطة لحمل الناس على مطاردة هذه البطاقات في رغبة جامحة لمشاهدة صور ليست من المعركة ( 1) , وللفوز برؤية سحنات اخرى للبشر من غير العراقيين الغارقين في الزي العسكري ومن غير المصريين عبدما كان العراق يغص بهم . في ذالك الوقت اتصل بي احد الاصدقاء – هو الان استاذ في جامعة بابل – واخبرني ان احد معارفه قد عرض عليه تذاكر لعرض مسرحي وبسعر ثلاثة دنانير للواحدة .
علمنا فيما بعد ان هذا العرض لفرقة يابانية مغمورة وستقدم مسرحية ايمائية صامتة .
على اية حال لم يكن هذا النوع من العروض في حد ذاته يمثل مشكلة بالنسبة لنا عندما تتوفر فرصة حضور احد عروض المهرجان . ومع بدا العرض اقتنع الجمهور ذي الغالبية البغدادية بانه قد خدع بحضوره مثل هذا العرض السخيف , وانتابني انا شخصيا شعور مشابه , ومع –ادب- البقاء في القاعة الذي فرض على الجمهور لحين انتهاء العرض , تصاعدت حدة الضوضاء الناتجة عن الاحاديث – الودية – المتبادلة تسندها طقطقة بذور – الرقي والبطيخ - , وفيما انا مجبر على متابعة حركات الممثلين جلب انتباهي الزي العام لهم ,اذ لم يكن يابانيا صرفا بل كان فيه لمحات من الملابس العربية التقليدية , في هذه الاثناء ادى احدهم مجموعة من الحركات والاشارات المرمزة التي تظهر بانه حاكم , يقوم بتقييد ممثل اخر والعمل على ايذائه بحركات مرمزة اخرى.
وفيما يزداد انشغال الجمهور عنهم تصاعدت حدة حركات المؤدين الصامتة عندما اجبر الحاكم الممثل الاسير على الدخول في عراك مع ممثل اخر كان مشغولا من بداية العرض بحركاته ومنطقته الخاصة على المسرح, تطور العراك بين الممثلين الى رموز اكثر حدة وعنف , عندها يقل نشاط الحاكم وتظهر عليه علامات الارتياح والسرور . ينهض الحاكم فجاة ليطلب من عبده الذي يخوض صراعا مؤثرا اقول يطالبه بالرقص والضحك بقوة ؛ يمتثل العبد لامر الحاكم ويستمر في عراكه فهو يتالم ويرقص ويضحك .
وينطلق من الحاكم ضحك هستيري من تصرفات وربما من طاعة عبده المتالم ؛ الذي خلط الالم بالرقص والضحك غير المبرر .
بعدها تظهر فتاة في نحو الخامسة عشرة من عمرها وهي بلباس ياباني تقليدي كامل وبلون بشرة بيضاء ناصعة وهي كما وصف الشاعر
ووجه كان الشمس القت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
وكانها غريبة عن المكان وتتامل مايجري على خشبة المسرح من تصرفات الحاكم ومن فعل العبد ومن شدة الانغماس في العراك ؛ وتبتسم مرة وتضحك بقوة مرة اخرى وهي تخفي فمها بمروحة الهواء التقليدية على الرغم من محاولة الفرقة التظاهر بانها تؤدي ايمائات عن قصة فلكلورية يابانية الا ان الرموز العامة حول الحاكم وصلته بصدام ؛ العبد المقيد واشارته الى الشعب العراقي ؛ العراك بين الممثلين ودلالتها على الحرب مع ايران ؛ رقص العبد وضحكه وارتباطه بهرجان بابل ؛ الفتاة اليابانية الساخرة من المشاهد التي راتها والاحالة الى الفرقة اليابانية التي ادت العمل ؛ اقول كانت شديدة الوضوح بالنسبة لي على الاقل .
خلال ذالك العرض كنت اراقب الجمهور ايضا المستمر في تجاهل العرض والسخرية منه باصدار اصوات بين الحين والاخر تتبع حركات المؤدين ؛ وارجع لاراقب الفرقة التي تهزا بدورها بالجمهور والمهرجان ككل .
توقعت ان ينهض احد الحاضرين وقد فهم رموز العرض ليخبر مسؤول ما هناك ولكن لم يحصل ذالك ؛سالت صديقي هل فهم شيئا من العرض لم يجبني سوى بالفاظ السباب والشتائم لتلك الفرقة وقال ( احنه وين وهمه وين ) .
ربما كان رد صديقي ادق التوصيفات عن حالة الوعي لدى الجمهور المشاهد ولدى عموم الشعب العراقي ؛ انتظرت يومها خروج الفرقة من القاعة واظنها قاعة ننماخ ومشيت خلفهم وانا اتوقع ان تلقي احدى الجهات الامنية الكثيرة في المهرجان القبض عليهم او شيئ من هذا القبيل ولكنها خرجت من بابل بسلام .
لقد صفعت تلك الفرقة المتواضعة ثقافة النظام والة اعلامه العجيبة ؛ واستطاعت الالتفاف على مثقفيه الى درجة عدم فهم مغزى العرض وغايته ؛ وسخرت من خنوع شعب العراق وربما من محاولة اقامة مهرجان في اجواء كتلك .
( 1) صور من المعركة برنامج كان يعرض على التلفزيون العراقي يتم التركيز فيه على اضهار صور الجثث الممزقة المطروحة في العراء