نسايم
31-03-2009, 01:31 AM
http://www.3deeel.com/vb/images/bsm.gif
من الولادة وحتى الاستقرار في قم
ولد روح الله الموسوي الخميني في بيت من بيوت العلم والهجرة والجهاد وفي عائلة تشرفت بالانتساب الى آل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله في مدينة خمين في ايران في العشرين من جمادى الاخرة عام 1320 هجري (24 سبتمبر 1902 ميلادي). وكان الامام الخميني خلفا لسلف بذلوا اقصى مساعيهم في هداية الناس وكسب المعارف الالهية فورثّوه هذه السجايا. وقد عاصر المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي - والد الامام الخميني - المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي رضوان الله عليه ودرس العلوم والمعارف الاسلامية في النجف الاشرف لعدة سنوات، وبعد ان بلغ مرتبة الاجتهاد عاد الى ايران ليقيم في خمين ويصبح ملجأ وملاذا وموجها للناس في امور دينهم. لم يتم " روح الله " خمسة اشهر من عمره حتى قام الطواغيت والباشوات المدعومون من قبل عملاء السلطة آنذاك بالرد على مساعي والده في احقاق الحق والوقوف بوجه الظالمين باطلاق النار عليه، فاستشهد على ايديهم الغادرة وهو في طريقه من (خمين) الى (اراك) وقد اصرت عائلة الشهيد على المطالبة بحقها في القصاص من قاتله واجراء العدالة، مما اضطر (دار الحكومة) آنذاك الى النزول عن اصرارهم - بعد مراجعتهم اياها في طهران - وانزال القصاص بحق قاتله. وبذا يكون الامام الخميني قد واجه ومنذ طفولته قسوة اليتم وتعرف على مفهوم الشهادة. وبعد وفاة والده امضى الامام الخميني طفولته في احضان والدته (السيدة هاجر) سليلة عوائل العلم والتقوى فهي من احفاد المرحوم آية الله الخونساري (صاحب زبدة التصانيف) ورعاية عمته الموقرة (صاحبة خانم ) المرأة الشجاعة التقية. لقد درس الامام واتم ومنذ نعومة اظفاره - مستفيدا مما حباه الله به من ذكاء متدفق - قسما من المعارف الشائعة في عصره وعلوم المقدمات والسطوح المعروفة في الحوزات الدينية مثل آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والاصول على ايدي معلمي وعلماء منطقته كالميرزا محمود افتخار العلماء، والمرحوم الميرزا رضا النجفي الخميني والمرحوم الشيخ علي محمد البروجردي والمرحوم الشيخ محمد الكلبايكاني والمرحوم عباس الاراكي واخيه الاكبر آية الله السيد مرتضى بسنديده - الذي امضى عنده اكثر وقته المدرسي وسافر بعد ذلك وفي عام 1919 الى اراك ليواصل دراسته في حوزتها.
عائلته وأبناؤه
لقد كان لسماحة الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه ثمانية أبناء:
1ـ الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني.
2ـ علي، وقد توفي وهو في سن الرابعة.
3ـ السيدة صديقة زوجة المرحوم آية الله الإشراقي.
4ـ السيدة فريدة زوجة السيد الأعرابي.
5ـ السيدة فهيمة (زهراء) زوجة الدكتور البروجردي.
6ـ سعيدة، وقد توفيت وهي في سن السبعة أشهر.
7ـ المرحوم سماحة السيد أحمد الخميني.
8ـ لطيفة، وقد توفيت في طفولتها.
كان الإمام الخميني سلام الله عليه طوال حياته السياسية والجهادية يعتمد على الله وحده، وبه يستعين، ويتحرك بالاعتماد على إيمانه، لكن الدور الفعال والمؤثر لابنه السيد مصطفى طوال النهضة الإسلامية وإلى جانب والده كان جليا للأصدقاء والأعداء، فمن تنظيم الطاقات الثورية، إلى جمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال الرسائل السرية لقائد الثورة إلى آيات الله العظمى والعلماء وقادة المجموعات السياسية، وإيجاد الارتباط مع العناصر الثورية. تلك الأعمال المهمة التي أدت إلى اعتقاله من قبل عملاء النظام الملكي، لما كانت المؤسسة الأمنية لدى البهلوية تشعر من خطره، فبعد سجنه قاموا بإبعاده إلى تركيا ثم إلى العراق، ثم إلى اغتياله عام 1977ميلادي للقضاء على دوره المؤثر في تنظيم النهضة الإسلامية وديمومتها. شاءت الإرادة الإلهية أن تضع المسؤولية التي كان يتحملها المرحوم السيد مصطفى في يد شاب مدبّر هو أخوه السيد أحمد. وقد كان السيد أحمد قبل هذه الحادثة المرة مشغول ظاهريا بدراسته الدينية، لكنه في الحقيقة كان يتحمل مسؤولية كبيرة في الحوزة العلمية في قم، وفي سائر نقاط البلاد. فعندما كان بيت سماحة الإمام الخميني سلام الله عليه في النجف الأشرف يشكل مقراً لقيادة الثورة كان المرحوم السيد أحمد الخميني يتولى أمر إدارة شؤون بيت الإمام في قم، وتنظيم اللقاءات، وإيجاد الارتباط الضروري للمجاهدين مع القائد في النجف، وإرسال التقارير عن توسيع النشاطات الثورية في إيران، وإبلاغ توجيهات الإمام إلى المجاهدين، وإدارة العلاقة مع الجماعات المجاهدة في الداخل وغير ذلك من المهام. وطوال الأيام الحساسة التي شهدت اتساع نهضة الشعب الإيراني المسلم، وطوال أيام هجرة زعيم الثورة الإسلامية إلى فرنسا، وعند عودته إلى الوطن الإسلامي، وطوال أحداث الثورة بعد انتصارها كان السيد أحمد مستشاراً، ومدبراً، وسياسياً، ومجاهداً لا يكلّ، وحارساً ذكياً، ومعيناً على الأسرار، وعاشقا مخلصا في خدمة والده ساعياً لكسب رضا الله. فأنّ الدور الذي أداه السيد أحمد الخميني إلى جانب المشعل الوضاء للإمام العزيز كان منشأ بركات يمكننا مشاهدة آثارها في كل صفحة من صفحات تاريخ الثورة الإسلامية. وبعد وفاة الإمام الخميني رضوان الله عليه كان لابنه السيد أحمد تواجد فعال في عدة مراكز سياسية وثقافية، فقد قدم التوجيهات، وعمل كأحد الوجوه البارزة للثورة كمستشار لدى سماحة القائد الخامنئي ومسؤولي النظام الإسلامي. وتولى بنفسه مسؤولية الإشراف على مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني رضوان الله عليه وذلك للحفاظ على التراث المكتوب والمسموع لقائد الثورة الإسلامية الكبير ونشر أفكاره وآرائه، إضافة إلى جهوده المضنية لتحويل مرقد الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى مصدر الهام لعشاق الثورة الإسلامية، لكنه ما أن بلغ بهذه المؤسسة والمرقد المنزلة اللائقة حتى ألمت به أزمة قلبية توفى على أثرها يوم 7/3/1995ميلادي فأوصى بأن يتولى إدارة المرقد المطهر والمؤسسة ابنه الأكبر السيد حسن الخميني ليبقى بذلك خط الإمام الخميني رضوان الله عليه نيراً، وذكره خالداً
رحيله
لقد بلّغ الامام الخميني قولا - ومارس عمليا - بجميع الاهداف والغايات وكل ما ينبغي عليه قوله او فعله، بل إنه على الصعيد العملي سخر كل وجوده من اجل تحقيق جميع ذلك .وعلى اعتاب منتصف خرداد عام 1368(اوائل حزيران 1989 ميلادي)، هيأ الإمام نفسه للقاء عزيز افنى جميع عمره من اجل كسب رضاه. ولم يحن قامته لغيره ولم يبك سوى له، وأنشد كل اناشيده العرفانية في الم فراقه وبيان عطشه للحظة وصاله. والآن فقد ازف الوقت وحانت ساعة اللقاء الرائع بالنسبة له و العصيب بالنسبة لأنصاره ومحبيه - فهو قد كتب في وصيته يقول : "والان فاني أستأذنكم ايها الاخوات والاخوة لأسافر نحو مقري الابدي بقلب هادئ،وفؤاد مطمئن وروح فرحة وضمير آمل بفضل الله، واسألكم بإلحاح الدعاء بالخير، كما اسأل الله الرحمن الرحيم أن يقبل عذري عن قصوري وتقصيري، وآمل من الشعب أن يقبل عذري لما قصرت أو كنت قاصرا فيه، وان ينطلق الى الامام بقدرة وإرادة وتصميم ".
وحينما تقف الجماهير المحبة للامام بجنب ضريحه، فانها تتمتم للرد على هذه العبارات المتواضعة التي قالها سماحته فتقول : "أيها الإمام ! عن أي قصور أو تقصير تتحدث ؟ فعلى حد علمنا وعلم آبائنا وطبقا لما رأيناه وسمعنا. فانت كنت صلاحا ونورا وطهرا خالصا " اشهد انك قد اقمت الصلاة وآتيت الزكاة وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده ". الغريب ان الامام الخميني قال في احدى قصائده التي نظمها قبل عدة سنوات من وفاته:
تمر السنون وتتوالى الحوادث
وانا انتظر الفرج في منتصف خرداد
وكانت الابيات التي سبقت هذا البيت من الشعر تتحدث عن الم الهجران والامل بتحقق لحظة الوصال. وهاهي لحظة وصال المحبوب قد حانت في النصف من خرداد.
منذ عدة ايام سابقة لوفاته كانت الجماهير على علم بمرض الامام وما اجري له من عملية جراحية، وحقاً فان الوضع الروحي للجماهير في تلك الايام كان مما يعجز الانسان عن وصفه، فمراسم الدعاء والتوسل تجري في كل حدب وصوب وفي المنازل وفي الحسينيات وفي التكايا والمساجد وفي مختلف انحاء البلاد، بل في كل مكان من العالم وجد فيه محب للامام. ولعلك في تلك الايام لاتكاد ترى احدا وقد تمكن من اخفاء اثار الحزن والغم عن محياه. فالعيون باكية ، والقلوب هافية لجماران والساعات تمر ببطء شديد، وايران كلها تلهج بالدعاء. ان الفريق الطبي المشرف على علاج الامام استنفذ كل ما في وسعه، غير ان امر الله يدفع المقادير باتجاه اخر
"يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية".
وفي تمام الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة قبيل منتصف الليل من الثالث عشر من خرداد 1368(حزيران 1989ميلادي) حانت لحظة الوصال. وتوقف القلب الذي اضاء الملايين من القلوب بنور الله والمعنوية.
وفي الايام التي لازم فيها سماحته فراش المستشفى، وضع محبو الامام جهاز تصوير مخفي تم من خلاله تصوير الامام في تلك الايام، اثناء العملية الجراحية، واثناء الساعات التي كان يلتقي فيها بالحق. و حينما بث التلفزيون الايراني في تلك الايام جانبا من حالات الامام المعنوية والاطمئنان الذي كان لديه، كادت القلوب ان تتفجر من الشوق والى الحد الذي لايمكن وصفه الا من خلال الرؤية والمباشرة.
فالشفاه في ذكر دائم لله، وفي آخر ليلة من عمره، وبينما كانت عدة حقن من المواد المغذية موصولة بذراعيه - قام ليلتها يؤدي نافلة الليل ويتلو القرآن. وبدت على محياه في الساعات الاخيرة طمأنينة وهدوء ملكوتيين، وكان يردد الشهادة بوحدانية الله ويقرّ بالاعتقاد برسالة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله حتى حلقت روحه العظيمة نحو الملكوت الأعلى. فكانت الرحلة التي خلفت في القلوب نارا لاتنطفئ. وحينما اذيع خبر ارتحال الامام، حدث ما يشبه وقوع زلزال عظيم فتفجرت الاحزان وانفجرت الدموع في وقت واحد من جميع العيون في ايران وفي كل مكان وجد فيه من عرف الامام وانتهل من فيض هدايته.
وراح المحبون يلطمون الرؤوس والوجوه... وتعجز الاقلام، بل يعجز اي بيان عن تصوير أبعاد ما حصل وما تدفق من أمواج من الاحساسات المتلاطمة.
وللشعب الايراني وللمسلمين الثوريين الحق في الضجيج بتلك الصورة - التي لم يسجل التاريخ نموذجا يضاهيها بالشدة والعظمة - فهم قد فقدوا عزيزا اعاد لهم عزتهم المهدورة، وكفّ ايدي الملوك الظالمين و الناهبين الامريكان والغربيين عن اراضيهم ، واحيا الإسلام وحقق للملسمين المجد و العزة، واقام الجمهورية الاسلامية،و وقف بوجه جميع القوى الشيطانية في الدنيا بثبات ليواجه مئات المؤامرات الهادفة لإسقاط النظام، والطروحات الهادفة لقلب نظام الحكم او اثارة الفتن في الداخل والخارج وعلى مدى عشرة اعوام، وقاد الدفاع المقدس لثمانية اعوام في جبهة واجه فيها عدواً كان يتمتع وبوضوح بدعم القوى الشرقية والغربية الكبرى.
لقد فقدت الجماهير قائدها المحبوب ومرجعها الديني والمنادي بالاسلام الاصيل ، لعلّ اولئك العاجزين عن درك واستيعاب هذه المفاهيم، يقفون حيارى حينما يشاهدون حالة الجماهير - التي عرضتها الافلام التلفزيونية - اثناء مراسم توديع وتشييع ودفن الجثمان الطاهر للامام الخميني، و لعلّهم يدهشون حينما يسمعون بوفاة العشرات الذين لم يتمكنوا من تحمل ثقل الصدمة، فتوقفت قلوبهم عن العمل، او بسقوط العشرات الاخرين مغشيا عليهم نتيجة شدة الحزن وانتقالهم من يد الى يد فوق امواج هائلة من البشر لينقلوا الى المستشفياتَ.. الى غير ذلك...
لكن اولئك الذين يعرفون معنى العشق والذين امتحنت قلوبهم لذته، يرون كل ذلك امرا طبيعيا، والحق أنّ الجماهير الإيرانية كانت عاشقة للإمام الخميني، وما اجمل الشعار الذي رفع في الذكرى السنوية لوفاته " عشق الخميني عشق لكل ما هو جميل".
في يوم وليلة الخامس من حزيران 1989 ميلادي تجمع الملايين من ابناء طهران والمعزون من ابناء المدن والقرى، في مصلى طهران الكبير ليلقوا النظرة الاخيرة على الجثمان الطاهر لرجل اعاد لقامة القيم والكرامة المهطعة في عصر الظلم الاسود استقامتها بقيامه وثورته، وفجر في الدنيا نهضة من التوجه لله والعودة نحو الفطرة الانسانية.
لم يكن هناك من إثر للمراسم الرسمية الخالية من التوجه، فكلّ شىء كان جماهيريا تعبويا وعشقيا. وكان جثمان الامام الموشّح باللون الاخضر موضوعا على دكة عالية يتحلق حولها الملايين من اصحاب العزاء ويضيء كدّرة نفيسة. وكان كل واحد من ذلك الجمع الغفير يتمتم بحزن مع امامه الفقيد ويذرف الدموع. وامتلأ المكان وحتى الطرق السريعة المؤدية الى المصلى بالجماهير الموشحة بالسواد. ورفعت اعلام العزاء على الابواب والجدران وانطلق صوت القرآن من جميع المساجد والمراكز والادارات والمنازل وما إن هبط الليل حتى اوقدت الاف الشموع تذكيرا بالمشعل الذي اوقده الامام، واضاءت منطقة المصلّى وما حولها. وتحلقت العوائل المفجوعة حول شموعها وقد تعلقت انظارها بذلك المرتفع النوراني الذي رقد فيه امامهم المحبوب. وكانت صرخات " ياحسين " التي تنطلق من التعبويين الذين شعروا باليتم قد احالت المكان الى عاشوراء جديدة. فقد قصمت الظهور، هل حقيقة ان هذا الصوت الرباني لن ينطلق مجددا من حسينية جماران ؟... وبقيت الجموع المفجوعة تندب فقيدها حتى الصباح.
وفي أول ساعات اليوم السادس من حزيران، أدت الملايين صلاة الميت على جثمانه الطاهر بامامة اية الله العظمى الكلبايكاني.
إن من المواقف التي اثبتها التاريخ، يوم 12 بهمن 1357(1شباط 1979 ميلادي) ويوم تشييع الامام اذ تكرر في اليومين اجتماع الملايين وانطلاق مختلف المشاعر الحماسية والمعنوية. لقد قدر مراسلو وكالات الانباء عدد المستقبلين للامام في عام 1979 بستة ملايين شخص كما صرحوا بان عدد المشيعين قد تجاوز التسعة ملايين شخص، والحال ان الدول الغربية والشرقية تحالفت خلال الاحد عشر عاما التي امضاها الامام الخميني في الحكم ومارست مختلف انواع المؤامرات وحمّلت ايران حربا ضروسا دامت ثمانية اعوام، والمئات من المخططات الخبيثة التي كان يهدف من خلالها صد جماهير الشعب عن الالتفاف حول قائدها، غير ان ذلك لم يتحقق رغم مئات المشاكل التي تحملها ابناء الشعب، ورغم ما قدّموه من الشهداء وذلك نتيجة للتربية العقائدية التي مارسها الامام الخميني، فالشعب المجيد كان يعتقد برسوخ بمقولة الامام الخميني " ان القدرة على تحمل المصائب والمصاعب والمحرومية والتضحية بالأنفس انما تتناسب مع حجم الهدف وعلو مرتبته".
بدأت مراسم التشييع، فانطلقت الجموع الغفيرة من المصلى الى مرقد الامام - بجوار مقبرة جنة الزهراء (مزار الشهداء) وضجت الجموع اطفالا ونساء ورجالا وكانت ارواحهم تخلع من ابدانهم. مرت ساعات دون ان يتمكن الجمع من التقدم نتيجة اضطراب الاحاسيس، وبالنتيجة تم حمل الجثمان الطاهر بطائرة عمودية لينقل الى المثوى الاخير.
ورغم انه قد تم وضع عوائق عالية للحيلولة دون ازدحام المعزّين في محل الدفن، الا انه ما ان حطت الطائرة على الارض، حتى اضطرب كل شىء، فقد تأججت نار الفراق في القلوب وأدّى الإحساس بالفراق الطويل إلى تصاعد الحزن والغضب والى الدرجة التي جعلت كل جهود المأمورين - لاتمام عملية الدفن - تذهب سدى.
ثم وبصعوبة بالغة تم استرداد الجثمان من ايدي الجماهير، واعيد الى الطائرة وحمل من جديد نحو حسينية جماران.
ان اولئك القابعين في مغرب الارض، أو في ظل الفكر الغربي، ممن يرون أن الحياة عبارة عن نافذة تطلّ على المال والهوس - وممن لا يتمكنون ونتيجة حياتهم الصاخبة المكتظة بالأصوات المدمرة للماكنة والآلة ، الغافلون عن الاصالات والعشق الحقيقي والقيم لايمكنهم أن يدركوا أبعاد ما يشاهدونه من الصور التي نقلتها الافلام عن يوم دفن جثمان الامام...
من الولادة وحتى الاستقرار في قم
ولد روح الله الموسوي الخميني في بيت من بيوت العلم والهجرة والجهاد وفي عائلة تشرفت بالانتساب الى آل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله في مدينة خمين في ايران في العشرين من جمادى الاخرة عام 1320 هجري (24 سبتمبر 1902 ميلادي). وكان الامام الخميني خلفا لسلف بذلوا اقصى مساعيهم في هداية الناس وكسب المعارف الالهية فورثّوه هذه السجايا. وقد عاصر المرحوم آية الله السيد مصطفى الموسوي - والد الامام الخميني - المرحوم آية الله العظمى الميرزا الشيرازي رضوان الله عليه ودرس العلوم والمعارف الاسلامية في النجف الاشرف لعدة سنوات، وبعد ان بلغ مرتبة الاجتهاد عاد الى ايران ليقيم في خمين ويصبح ملجأ وملاذا وموجها للناس في امور دينهم. لم يتم " روح الله " خمسة اشهر من عمره حتى قام الطواغيت والباشوات المدعومون من قبل عملاء السلطة آنذاك بالرد على مساعي والده في احقاق الحق والوقوف بوجه الظالمين باطلاق النار عليه، فاستشهد على ايديهم الغادرة وهو في طريقه من (خمين) الى (اراك) وقد اصرت عائلة الشهيد على المطالبة بحقها في القصاص من قاتله واجراء العدالة، مما اضطر (دار الحكومة) آنذاك الى النزول عن اصرارهم - بعد مراجعتهم اياها في طهران - وانزال القصاص بحق قاتله. وبذا يكون الامام الخميني قد واجه ومنذ طفولته قسوة اليتم وتعرف على مفهوم الشهادة. وبعد وفاة والده امضى الامام الخميني طفولته في احضان والدته (السيدة هاجر) سليلة عوائل العلم والتقوى فهي من احفاد المرحوم آية الله الخونساري (صاحب زبدة التصانيف) ورعاية عمته الموقرة (صاحبة خانم ) المرأة الشجاعة التقية. لقد درس الامام واتم ومنذ نعومة اظفاره - مستفيدا مما حباه الله به من ذكاء متدفق - قسما من المعارف الشائعة في عصره وعلوم المقدمات والسطوح المعروفة في الحوزات الدينية مثل آداب اللغة العربية والمنطق والفقه والاصول على ايدي معلمي وعلماء منطقته كالميرزا محمود افتخار العلماء، والمرحوم الميرزا رضا النجفي الخميني والمرحوم الشيخ علي محمد البروجردي والمرحوم الشيخ محمد الكلبايكاني والمرحوم عباس الاراكي واخيه الاكبر آية الله السيد مرتضى بسنديده - الذي امضى عنده اكثر وقته المدرسي وسافر بعد ذلك وفي عام 1919 الى اراك ليواصل دراسته في حوزتها.
عائلته وأبناؤه
لقد كان لسماحة الإمام الخميني الراحل رضوان الله عليه ثمانية أبناء:
1ـ الشهيد آية الله السيد مصطفى الخميني.
2ـ علي، وقد توفي وهو في سن الرابعة.
3ـ السيدة صديقة زوجة المرحوم آية الله الإشراقي.
4ـ السيدة فريدة زوجة السيد الأعرابي.
5ـ السيدة فهيمة (زهراء) زوجة الدكتور البروجردي.
6ـ سعيدة، وقد توفيت وهي في سن السبعة أشهر.
7ـ المرحوم سماحة السيد أحمد الخميني.
8ـ لطيفة، وقد توفيت في طفولتها.
كان الإمام الخميني سلام الله عليه طوال حياته السياسية والجهادية يعتمد على الله وحده، وبه يستعين، ويتحرك بالاعتماد على إيمانه، لكن الدور الفعال والمؤثر لابنه السيد مصطفى طوال النهضة الإسلامية وإلى جانب والده كان جليا للأصدقاء والأعداء، فمن تنظيم الطاقات الثورية، إلى جمع الأخبار والمعلومات اللازمة، وإيصال الرسائل السرية لقائد الثورة إلى آيات الله العظمى والعلماء وقادة المجموعات السياسية، وإيجاد الارتباط مع العناصر الثورية. تلك الأعمال المهمة التي أدت إلى اعتقاله من قبل عملاء النظام الملكي، لما كانت المؤسسة الأمنية لدى البهلوية تشعر من خطره، فبعد سجنه قاموا بإبعاده إلى تركيا ثم إلى العراق، ثم إلى اغتياله عام 1977ميلادي للقضاء على دوره المؤثر في تنظيم النهضة الإسلامية وديمومتها. شاءت الإرادة الإلهية أن تضع المسؤولية التي كان يتحملها المرحوم السيد مصطفى في يد شاب مدبّر هو أخوه السيد أحمد. وقد كان السيد أحمد قبل هذه الحادثة المرة مشغول ظاهريا بدراسته الدينية، لكنه في الحقيقة كان يتحمل مسؤولية كبيرة في الحوزة العلمية في قم، وفي سائر نقاط البلاد. فعندما كان بيت سماحة الإمام الخميني سلام الله عليه في النجف الأشرف يشكل مقراً لقيادة الثورة كان المرحوم السيد أحمد الخميني يتولى أمر إدارة شؤون بيت الإمام في قم، وتنظيم اللقاءات، وإيجاد الارتباط الضروري للمجاهدين مع القائد في النجف، وإرسال التقارير عن توسيع النشاطات الثورية في إيران، وإبلاغ توجيهات الإمام إلى المجاهدين، وإدارة العلاقة مع الجماعات المجاهدة في الداخل وغير ذلك من المهام. وطوال الأيام الحساسة التي شهدت اتساع نهضة الشعب الإيراني المسلم، وطوال أيام هجرة زعيم الثورة الإسلامية إلى فرنسا، وعند عودته إلى الوطن الإسلامي، وطوال أحداث الثورة بعد انتصارها كان السيد أحمد مستشاراً، ومدبراً، وسياسياً، ومجاهداً لا يكلّ، وحارساً ذكياً، ومعيناً على الأسرار، وعاشقا مخلصا في خدمة والده ساعياً لكسب رضا الله. فأنّ الدور الذي أداه السيد أحمد الخميني إلى جانب المشعل الوضاء للإمام العزيز كان منشأ بركات يمكننا مشاهدة آثارها في كل صفحة من صفحات تاريخ الثورة الإسلامية. وبعد وفاة الإمام الخميني رضوان الله عليه كان لابنه السيد أحمد تواجد فعال في عدة مراكز سياسية وثقافية، فقد قدم التوجيهات، وعمل كأحد الوجوه البارزة للثورة كمستشار لدى سماحة القائد الخامنئي ومسؤولي النظام الإسلامي. وتولى بنفسه مسؤولية الإشراف على مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني رضوان الله عليه وذلك للحفاظ على التراث المكتوب والمسموع لقائد الثورة الإسلامية الكبير ونشر أفكاره وآرائه، إضافة إلى جهوده المضنية لتحويل مرقد الإمام الخميني رضوان الله عليه إلى مصدر الهام لعشاق الثورة الإسلامية، لكنه ما أن بلغ بهذه المؤسسة والمرقد المنزلة اللائقة حتى ألمت به أزمة قلبية توفى على أثرها يوم 7/3/1995ميلادي فأوصى بأن يتولى إدارة المرقد المطهر والمؤسسة ابنه الأكبر السيد حسن الخميني ليبقى بذلك خط الإمام الخميني رضوان الله عليه نيراً، وذكره خالداً
رحيله
لقد بلّغ الامام الخميني قولا - ومارس عمليا - بجميع الاهداف والغايات وكل ما ينبغي عليه قوله او فعله، بل إنه على الصعيد العملي سخر كل وجوده من اجل تحقيق جميع ذلك .وعلى اعتاب منتصف خرداد عام 1368(اوائل حزيران 1989 ميلادي)، هيأ الإمام نفسه للقاء عزيز افنى جميع عمره من اجل كسب رضاه. ولم يحن قامته لغيره ولم يبك سوى له، وأنشد كل اناشيده العرفانية في الم فراقه وبيان عطشه للحظة وصاله. والآن فقد ازف الوقت وحانت ساعة اللقاء الرائع بالنسبة له و العصيب بالنسبة لأنصاره ومحبيه - فهو قد كتب في وصيته يقول : "والان فاني أستأذنكم ايها الاخوات والاخوة لأسافر نحو مقري الابدي بقلب هادئ،وفؤاد مطمئن وروح فرحة وضمير آمل بفضل الله، واسألكم بإلحاح الدعاء بالخير، كما اسأل الله الرحمن الرحيم أن يقبل عذري عن قصوري وتقصيري، وآمل من الشعب أن يقبل عذري لما قصرت أو كنت قاصرا فيه، وان ينطلق الى الامام بقدرة وإرادة وتصميم ".
وحينما تقف الجماهير المحبة للامام بجنب ضريحه، فانها تتمتم للرد على هذه العبارات المتواضعة التي قالها سماحته فتقول : "أيها الإمام ! عن أي قصور أو تقصير تتحدث ؟ فعلى حد علمنا وعلم آبائنا وطبقا لما رأيناه وسمعنا. فانت كنت صلاحا ونورا وطهرا خالصا " اشهد انك قد اقمت الصلاة وآتيت الزكاة وامرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وجاهدت في الله حق جهاده ". الغريب ان الامام الخميني قال في احدى قصائده التي نظمها قبل عدة سنوات من وفاته:
تمر السنون وتتوالى الحوادث
وانا انتظر الفرج في منتصف خرداد
وكانت الابيات التي سبقت هذا البيت من الشعر تتحدث عن الم الهجران والامل بتحقق لحظة الوصال. وهاهي لحظة وصال المحبوب قد حانت في النصف من خرداد.
منذ عدة ايام سابقة لوفاته كانت الجماهير على علم بمرض الامام وما اجري له من عملية جراحية، وحقاً فان الوضع الروحي للجماهير في تلك الايام كان مما يعجز الانسان عن وصفه، فمراسم الدعاء والتوسل تجري في كل حدب وصوب وفي المنازل وفي الحسينيات وفي التكايا والمساجد وفي مختلف انحاء البلاد، بل في كل مكان من العالم وجد فيه محب للامام. ولعلك في تلك الايام لاتكاد ترى احدا وقد تمكن من اخفاء اثار الحزن والغم عن محياه. فالعيون باكية ، والقلوب هافية لجماران والساعات تمر ببطء شديد، وايران كلها تلهج بالدعاء. ان الفريق الطبي المشرف على علاج الامام استنفذ كل ما في وسعه، غير ان امر الله يدفع المقادير باتجاه اخر
"يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية".
وفي تمام الساعة الحادية عشرة وعشرين دقيقة قبيل منتصف الليل من الثالث عشر من خرداد 1368(حزيران 1989ميلادي) حانت لحظة الوصال. وتوقف القلب الذي اضاء الملايين من القلوب بنور الله والمعنوية.
وفي الايام التي لازم فيها سماحته فراش المستشفى، وضع محبو الامام جهاز تصوير مخفي تم من خلاله تصوير الامام في تلك الايام، اثناء العملية الجراحية، واثناء الساعات التي كان يلتقي فيها بالحق. و حينما بث التلفزيون الايراني في تلك الايام جانبا من حالات الامام المعنوية والاطمئنان الذي كان لديه، كادت القلوب ان تتفجر من الشوق والى الحد الذي لايمكن وصفه الا من خلال الرؤية والمباشرة.
فالشفاه في ذكر دائم لله، وفي آخر ليلة من عمره، وبينما كانت عدة حقن من المواد المغذية موصولة بذراعيه - قام ليلتها يؤدي نافلة الليل ويتلو القرآن. وبدت على محياه في الساعات الاخيرة طمأنينة وهدوء ملكوتيين، وكان يردد الشهادة بوحدانية الله ويقرّ بالاعتقاد برسالة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله حتى حلقت روحه العظيمة نحو الملكوت الأعلى. فكانت الرحلة التي خلفت في القلوب نارا لاتنطفئ. وحينما اذيع خبر ارتحال الامام، حدث ما يشبه وقوع زلزال عظيم فتفجرت الاحزان وانفجرت الدموع في وقت واحد من جميع العيون في ايران وفي كل مكان وجد فيه من عرف الامام وانتهل من فيض هدايته.
وراح المحبون يلطمون الرؤوس والوجوه... وتعجز الاقلام، بل يعجز اي بيان عن تصوير أبعاد ما حصل وما تدفق من أمواج من الاحساسات المتلاطمة.
وللشعب الايراني وللمسلمين الثوريين الحق في الضجيج بتلك الصورة - التي لم يسجل التاريخ نموذجا يضاهيها بالشدة والعظمة - فهم قد فقدوا عزيزا اعاد لهم عزتهم المهدورة، وكفّ ايدي الملوك الظالمين و الناهبين الامريكان والغربيين عن اراضيهم ، واحيا الإسلام وحقق للملسمين المجد و العزة، واقام الجمهورية الاسلامية،و وقف بوجه جميع القوى الشيطانية في الدنيا بثبات ليواجه مئات المؤامرات الهادفة لإسقاط النظام، والطروحات الهادفة لقلب نظام الحكم او اثارة الفتن في الداخل والخارج وعلى مدى عشرة اعوام، وقاد الدفاع المقدس لثمانية اعوام في جبهة واجه فيها عدواً كان يتمتع وبوضوح بدعم القوى الشرقية والغربية الكبرى.
لقد فقدت الجماهير قائدها المحبوب ومرجعها الديني والمنادي بالاسلام الاصيل ، لعلّ اولئك العاجزين عن درك واستيعاب هذه المفاهيم، يقفون حيارى حينما يشاهدون حالة الجماهير - التي عرضتها الافلام التلفزيونية - اثناء مراسم توديع وتشييع ودفن الجثمان الطاهر للامام الخميني، و لعلّهم يدهشون حينما يسمعون بوفاة العشرات الذين لم يتمكنوا من تحمل ثقل الصدمة، فتوقفت قلوبهم عن العمل، او بسقوط العشرات الاخرين مغشيا عليهم نتيجة شدة الحزن وانتقالهم من يد الى يد فوق امواج هائلة من البشر لينقلوا الى المستشفياتَ.. الى غير ذلك...
لكن اولئك الذين يعرفون معنى العشق والذين امتحنت قلوبهم لذته، يرون كل ذلك امرا طبيعيا، والحق أنّ الجماهير الإيرانية كانت عاشقة للإمام الخميني، وما اجمل الشعار الذي رفع في الذكرى السنوية لوفاته " عشق الخميني عشق لكل ما هو جميل".
في يوم وليلة الخامس من حزيران 1989 ميلادي تجمع الملايين من ابناء طهران والمعزون من ابناء المدن والقرى، في مصلى طهران الكبير ليلقوا النظرة الاخيرة على الجثمان الطاهر لرجل اعاد لقامة القيم والكرامة المهطعة في عصر الظلم الاسود استقامتها بقيامه وثورته، وفجر في الدنيا نهضة من التوجه لله والعودة نحو الفطرة الانسانية.
لم يكن هناك من إثر للمراسم الرسمية الخالية من التوجه، فكلّ شىء كان جماهيريا تعبويا وعشقيا. وكان جثمان الامام الموشّح باللون الاخضر موضوعا على دكة عالية يتحلق حولها الملايين من اصحاب العزاء ويضيء كدّرة نفيسة. وكان كل واحد من ذلك الجمع الغفير يتمتم بحزن مع امامه الفقيد ويذرف الدموع. وامتلأ المكان وحتى الطرق السريعة المؤدية الى المصلى بالجماهير الموشحة بالسواد. ورفعت اعلام العزاء على الابواب والجدران وانطلق صوت القرآن من جميع المساجد والمراكز والادارات والمنازل وما إن هبط الليل حتى اوقدت الاف الشموع تذكيرا بالمشعل الذي اوقده الامام، واضاءت منطقة المصلّى وما حولها. وتحلقت العوائل المفجوعة حول شموعها وقد تعلقت انظارها بذلك المرتفع النوراني الذي رقد فيه امامهم المحبوب. وكانت صرخات " ياحسين " التي تنطلق من التعبويين الذين شعروا باليتم قد احالت المكان الى عاشوراء جديدة. فقد قصمت الظهور، هل حقيقة ان هذا الصوت الرباني لن ينطلق مجددا من حسينية جماران ؟... وبقيت الجموع المفجوعة تندب فقيدها حتى الصباح.
وفي أول ساعات اليوم السادس من حزيران، أدت الملايين صلاة الميت على جثمانه الطاهر بامامة اية الله العظمى الكلبايكاني.
إن من المواقف التي اثبتها التاريخ، يوم 12 بهمن 1357(1شباط 1979 ميلادي) ويوم تشييع الامام اذ تكرر في اليومين اجتماع الملايين وانطلاق مختلف المشاعر الحماسية والمعنوية. لقد قدر مراسلو وكالات الانباء عدد المستقبلين للامام في عام 1979 بستة ملايين شخص كما صرحوا بان عدد المشيعين قد تجاوز التسعة ملايين شخص، والحال ان الدول الغربية والشرقية تحالفت خلال الاحد عشر عاما التي امضاها الامام الخميني في الحكم ومارست مختلف انواع المؤامرات وحمّلت ايران حربا ضروسا دامت ثمانية اعوام، والمئات من المخططات الخبيثة التي كان يهدف من خلالها صد جماهير الشعب عن الالتفاف حول قائدها، غير ان ذلك لم يتحقق رغم مئات المشاكل التي تحملها ابناء الشعب، ورغم ما قدّموه من الشهداء وذلك نتيجة للتربية العقائدية التي مارسها الامام الخميني، فالشعب المجيد كان يعتقد برسوخ بمقولة الامام الخميني " ان القدرة على تحمل المصائب والمصاعب والمحرومية والتضحية بالأنفس انما تتناسب مع حجم الهدف وعلو مرتبته".
بدأت مراسم التشييع، فانطلقت الجموع الغفيرة من المصلى الى مرقد الامام - بجوار مقبرة جنة الزهراء (مزار الشهداء) وضجت الجموع اطفالا ونساء ورجالا وكانت ارواحهم تخلع من ابدانهم. مرت ساعات دون ان يتمكن الجمع من التقدم نتيجة اضطراب الاحاسيس، وبالنتيجة تم حمل الجثمان الطاهر بطائرة عمودية لينقل الى المثوى الاخير.
ورغم انه قد تم وضع عوائق عالية للحيلولة دون ازدحام المعزّين في محل الدفن، الا انه ما ان حطت الطائرة على الارض، حتى اضطرب كل شىء، فقد تأججت نار الفراق في القلوب وأدّى الإحساس بالفراق الطويل إلى تصاعد الحزن والغضب والى الدرجة التي جعلت كل جهود المأمورين - لاتمام عملية الدفن - تذهب سدى.
ثم وبصعوبة بالغة تم استرداد الجثمان من ايدي الجماهير، واعيد الى الطائرة وحمل من جديد نحو حسينية جماران.
ان اولئك القابعين في مغرب الارض، أو في ظل الفكر الغربي، ممن يرون أن الحياة عبارة عن نافذة تطلّ على المال والهوس - وممن لا يتمكنون ونتيجة حياتهم الصاخبة المكتظة بالأصوات المدمرة للماكنة والآلة ، الغافلون عن الاصالات والعشق الحقيقي والقيم لايمكنهم أن يدركوا أبعاد ما يشاهدونه من الصور التي نقلتها الافلام عن يوم دفن جثمان الامام...