منير العقابي
25-04-2009, 05:12 PM
الحب في مجتمع محافظ
كان تقليداً جميلاً ابتدعه العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل والشكوى من لواعج الحب (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) ، هكذا بدأ كعب بن زهير قصيدته المشهورة التي ألقاها أمام المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في المسجد ، كان الحب هو الغرض المشترك الذي تتفق عليه العقول والقلوب ، فمعه تذوب الفروق وتقصر المسافات ، ومنه ينطلق الشاعر إلى الحديث عن الأغراض الأخرى التي يريد إيصالها للآخرين .
تلاشى دور الشاعر في ثقافتنا وحلت الصحافة بديلاً عنه في الأغراض التي يريد إيصالها للمتلقين ، أصبحت الصحافة بديلاً عنه فهي الوريث الشرعي له ، ولكنها نسيت الكثير من تقاليده الجميلة ، فالافتتاحية التي هي في الصحافة بمثابة المطلع في القصيدة ، تحتوي على كل شيء إلا الحب ، وعندما تكون الصحافة في مجتمع محافظ فلن تعوزها المبررات المطلوبة للتخلف من أعباء هي أصلاً لا تريدها .
أن تكتب عن الحب في مجتمع محافظ هو أشبه بقيادة شاحنة كبيرة في ممر ضيق يكتظ بالمارة ، وعلى رغم ذلك سأحاول قيادة هذه الشاحنة معتمداً على ذكاء المارة وليس على حسب قيادتي ... ولعل أجمل تعريف قرأته عن الحب هو أنه حاجة الإنسان للهروب من نفسه ، لذلك كلما كانت حاجتنا للهرب كبيرة زاد اندفاعنا وتهورنا في الحب ، الحب هو حال أشبه بالغيبوبة الاختيارية كما يقولون ، أولى تنهيدات الحب هي آخر تنهيدات العمل ، هي غيبوبة اختيارية للهروب من واقعنا أو للتحرر منه لبعض الوقت .
عندما نقع في الحب لا نفكر كثيراً بمصدر السعادة التي نشعر بها ، هل هي من هذا الذي نحبه أم أنها فقط مشاعر الابتهاج بالتحرر من ضيق النفس إلى فضاء أوسع ؟ وكما أن الحب أقصر طريق للشعور بالسعادة فهو كذلك الأكثر ضماناً للتعاسة الحقيقية ، فالحب كما يقولون لعبة غريبة ، فهناك دوماً رابحان أو خاسران وليس هناك احتمال ثالث ، التفاوت في الحاجة للحب وفي طريقة التعبير عنه يصيبه في حالات كثيرة بالشيخوخة الباكرة .
فمشاعر الحب لا تواصل النمو بدرجة متقاربة بين الطرفين ، وهو ما يجعل الحب في بعض أطواره لا يعدو كونه مجرد رغبة في تقييد حرية الطرف الآخر ، وأوضح مثال لهذا النوع غير المتكافئ من الحب هو ما يربط الأم بطفلها الوحيد ، فإسراف الأم في حب طفلها يبدو في بعض المناسبات وكأنه مزيد من القيود التي تكبل هذا الطفل ... يقول جورج صائد (كلما زاد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة لمن نحب) !
تختلف نظرة الرجل وحاجته للحب عن نظرة المرأة وحاجتها ، يقال إن المرأة تحيا لتسعد بالحب ويحب الرجل ليسعد بالحياة ، فالحب عند الرجل هو بعض وجوده وعند المرأة هو كل وجودها ويعرف بعض الخبثاء الحب بأنه الجهد الذي يبذله الرجل ليكتفي بامرأة واحدة ، أما المرأة فترى أن حب الرجل يجب أن يكون مثل فرشاة الأسنان غير قابل للمشاركة ، وعلى أية حال ، فالحب يخفف من رقة المرأة ويزيد من رقة الرجل ، وهناك تعريف قديم للحب بأنه النجوم التي تنظر إليها في الظلام ، والزواج هو الحفرة التي تقع فيها ، وعلى رغم قدم هذا التعريف إلا أنه مازال طريفا ... وأقترح لتطوير هذه الطرفة أن تضاف كلمة (الأولى) بعد كلمة (الحفرة) .
الحب الأول يبقى طويلاً في الذاكرة ، وسحره هو في الظن أن لا نهاية له ، وفي الغالب الحب الأول ليس سوى قليل من الحماقة وكثير من حب الاستطلاع ، وعلى رغم ذلك تبقى تفاصيله محفورة في الذاكرة طوال العمر .
هناك نوع من الحب يسمى الحب من أو نظرة وهو أن يقع الإنسان بالحب من اللحظة التي يرى فيها الضحية أو سعيد الحظ ، بحسب الظروف ، من دون أن يأخذ رأيه أو يستشيره في الموضوع ... وهذا النوع من الحب في حاجة إلى ثقة كبيرة بالنفس مع بعض الاستعداد لتلقي الصدمات ، وعلى رغم عدم اقتناعي بهذا النوع من الحب إلا أن أحدهم أكد لي أن الكثير منا فرصتهم الوحيدة في الحصول على الحب هي طريق الحب من أول نظرة ، لأننا لن نجتاز الفحص مرة أخرى ، وميزة هذا الحب أن علاجه سهل جداً ولا يتطلب سوى إلقاء نظرة أخرى أطول قليلاً .
وللأمانة فأنا أقترح ، على طريقة التحذير من مضار التدخين ، أن يرفق مع هذا النوع من الحب تحذير يقول : "الحب من أو نظرة يقود إلى الطلاق في أول فرصة" !
حاجتنا إلى الحب كبيرة ، لأن أشعة شمس الحب كما يقال ستقتل كل جراثيم الحسد والكراهية من حولنا ، وإذا كانت حاجتنا كبيرة للهروب من أنفسنا ومن زماننا وإحباطاتنا ، فالحب هو النافذة التي تقودنا للأشياء الجميلة من حلونا ...
قرأت قصة قصيرة وجميلة لكاتبة أمريكية تتحدث عن الحزن والاكتئاب الذين مرت بهما بعد وفاة زوجها ، إذ فقدت رغبتها في كل شيء تقريباً ، وآثرت العزلة والانطواء تقول : "في إحدى المرات وبعد أن انتهى عامل الصيانة من طلاء الباب الخارجي للشقة طلب مني أن ابقي الباب نصف مفتوح لبعض الوقت حتى يجف الطلاء ، وحذرني من إغلاق الباب نهائياً ، لأن ذلك سيفسد كل شيء" ، وتضيف : " وبعد أن مضى فكرت في ما قاله وتساءلت : هل كان يتحدث عن الباب أم عن حياتي ، وبعد قليل من التفكير اكتشفت أنه بالفعل كان يتحدث عن حياتي " .
الفكرة الجميلة في هذه القصة هي أن الحياة يجب أن تستمر ، وأن الأبواب يجب أن تبقى مفتوحة ... وإذا وجدنا صعوبة في الحصول على من يستحق الحب فمن اللطافة وحسن الخلق أن نحب الآخرين أكثر مما يستحقون .
وأخيراً ،،، لعلي اختتم هذه الخواطر والأفكار حول الحب بنصيحة جميلة لا أعرف قائلها ، تقدم الحب بصورة سامية وتجعله طريقاً يوصل للسعادة الحقيقية ، وليس محطة نهائية للسعادة ، وأن أفضل وأغلى هدية باستطاعة الأب تقديمها لأبنائه هي أن يحب أمهم .
كان تقليداً جميلاً ابتدعه العرب أن يبدأوا قصائدهم بالغزل والشكوى من لواعج الحب (بانت سعاد فقلبي اليوم متبول) ، هكذا بدأ كعب بن زهير قصيدته المشهورة التي ألقاها أمام المصطفى صلى الله عليه واله وسلم في المسجد ، كان الحب هو الغرض المشترك الذي تتفق عليه العقول والقلوب ، فمعه تذوب الفروق وتقصر المسافات ، ومنه ينطلق الشاعر إلى الحديث عن الأغراض الأخرى التي يريد إيصالها للآخرين .
تلاشى دور الشاعر في ثقافتنا وحلت الصحافة بديلاً عنه في الأغراض التي يريد إيصالها للمتلقين ، أصبحت الصحافة بديلاً عنه فهي الوريث الشرعي له ، ولكنها نسيت الكثير من تقاليده الجميلة ، فالافتتاحية التي هي في الصحافة بمثابة المطلع في القصيدة ، تحتوي على كل شيء إلا الحب ، وعندما تكون الصحافة في مجتمع محافظ فلن تعوزها المبررات المطلوبة للتخلف من أعباء هي أصلاً لا تريدها .
أن تكتب عن الحب في مجتمع محافظ هو أشبه بقيادة شاحنة كبيرة في ممر ضيق يكتظ بالمارة ، وعلى رغم ذلك سأحاول قيادة هذه الشاحنة معتمداً على ذكاء المارة وليس على حسب قيادتي ... ولعل أجمل تعريف قرأته عن الحب هو أنه حاجة الإنسان للهروب من نفسه ، لذلك كلما كانت حاجتنا للهرب كبيرة زاد اندفاعنا وتهورنا في الحب ، الحب هو حال أشبه بالغيبوبة الاختيارية كما يقولون ، أولى تنهيدات الحب هي آخر تنهيدات العمل ، هي غيبوبة اختيارية للهروب من واقعنا أو للتحرر منه لبعض الوقت .
عندما نقع في الحب لا نفكر كثيراً بمصدر السعادة التي نشعر بها ، هل هي من هذا الذي نحبه أم أنها فقط مشاعر الابتهاج بالتحرر من ضيق النفس إلى فضاء أوسع ؟ وكما أن الحب أقصر طريق للشعور بالسعادة فهو كذلك الأكثر ضماناً للتعاسة الحقيقية ، فالحب كما يقولون لعبة غريبة ، فهناك دوماً رابحان أو خاسران وليس هناك احتمال ثالث ، التفاوت في الحاجة للحب وفي طريقة التعبير عنه يصيبه في حالات كثيرة بالشيخوخة الباكرة .
فمشاعر الحب لا تواصل النمو بدرجة متقاربة بين الطرفين ، وهو ما يجعل الحب في بعض أطواره لا يعدو كونه مجرد رغبة في تقييد حرية الطرف الآخر ، وأوضح مثال لهذا النوع غير المتكافئ من الحب هو ما يربط الأم بطفلها الوحيد ، فإسراف الأم في حب طفلها يبدو في بعض المناسبات وكأنه مزيد من القيود التي تكبل هذا الطفل ... يقول جورج صائد (كلما زاد حبنا تضاعف خوفنا من الإساءة لمن نحب) !
تختلف نظرة الرجل وحاجته للحب عن نظرة المرأة وحاجتها ، يقال إن المرأة تحيا لتسعد بالحب ويحب الرجل ليسعد بالحياة ، فالحب عند الرجل هو بعض وجوده وعند المرأة هو كل وجودها ويعرف بعض الخبثاء الحب بأنه الجهد الذي يبذله الرجل ليكتفي بامرأة واحدة ، أما المرأة فترى أن حب الرجل يجب أن يكون مثل فرشاة الأسنان غير قابل للمشاركة ، وعلى أية حال ، فالحب يخفف من رقة المرأة ويزيد من رقة الرجل ، وهناك تعريف قديم للحب بأنه النجوم التي تنظر إليها في الظلام ، والزواج هو الحفرة التي تقع فيها ، وعلى رغم قدم هذا التعريف إلا أنه مازال طريفا ... وأقترح لتطوير هذه الطرفة أن تضاف كلمة (الأولى) بعد كلمة (الحفرة) .
الحب الأول يبقى طويلاً في الذاكرة ، وسحره هو في الظن أن لا نهاية له ، وفي الغالب الحب الأول ليس سوى قليل من الحماقة وكثير من حب الاستطلاع ، وعلى رغم ذلك تبقى تفاصيله محفورة في الذاكرة طوال العمر .
هناك نوع من الحب يسمى الحب من أو نظرة وهو أن يقع الإنسان بالحب من اللحظة التي يرى فيها الضحية أو سعيد الحظ ، بحسب الظروف ، من دون أن يأخذ رأيه أو يستشيره في الموضوع ... وهذا النوع من الحب في حاجة إلى ثقة كبيرة بالنفس مع بعض الاستعداد لتلقي الصدمات ، وعلى رغم عدم اقتناعي بهذا النوع من الحب إلا أن أحدهم أكد لي أن الكثير منا فرصتهم الوحيدة في الحصول على الحب هي طريق الحب من أول نظرة ، لأننا لن نجتاز الفحص مرة أخرى ، وميزة هذا الحب أن علاجه سهل جداً ولا يتطلب سوى إلقاء نظرة أخرى أطول قليلاً .
وللأمانة فأنا أقترح ، على طريقة التحذير من مضار التدخين ، أن يرفق مع هذا النوع من الحب تحذير يقول : "الحب من أو نظرة يقود إلى الطلاق في أول فرصة" !
حاجتنا إلى الحب كبيرة ، لأن أشعة شمس الحب كما يقال ستقتل كل جراثيم الحسد والكراهية من حولنا ، وإذا كانت حاجتنا كبيرة للهروب من أنفسنا ومن زماننا وإحباطاتنا ، فالحب هو النافذة التي تقودنا للأشياء الجميلة من حلونا ...
قرأت قصة قصيرة وجميلة لكاتبة أمريكية تتحدث عن الحزن والاكتئاب الذين مرت بهما بعد وفاة زوجها ، إذ فقدت رغبتها في كل شيء تقريباً ، وآثرت العزلة والانطواء تقول : "في إحدى المرات وبعد أن انتهى عامل الصيانة من طلاء الباب الخارجي للشقة طلب مني أن ابقي الباب نصف مفتوح لبعض الوقت حتى يجف الطلاء ، وحذرني من إغلاق الباب نهائياً ، لأن ذلك سيفسد كل شيء" ، وتضيف : " وبعد أن مضى فكرت في ما قاله وتساءلت : هل كان يتحدث عن الباب أم عن حياتي ، وبعد قليل من التفكير اكتشفت أنه بالفعل كان يتحدث عن حياتي " .
الفكرة الجميلة في هذه القصة هي أن الحياة يجب أن تستمر ، وأن الأبواب يجب أن تبقى مفتوحة ... وإذا وجدنا صعوبة في الحصول على من يستحق الحب فمن اللطافة وحسن الخلق أن نحب الآخرين أكثر مما يستحقون .
وأخيراً ،،، لعلي اختتم هذه الخواطر والأفكار حول الحب بنصيحة جميلة لا أعرف قائلها ، تقدم الحب بصورة سامية وتجعله طريقاً يوصل للسعادة الحقيقية ، وليس محطة نهائية للسعادة ، وأن أفضل وأغلى هدية باستطاعة الأب تقديمها لأبنائه هي أن يحب أمهم .