المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد بن أبي بكر ( رضي الله عنه )


عاشق الزهراء
02-05-2009, 09:42 AM
( 10 هـ ـ 38 هـ )


اسمه وكنيته ونسبه :


أبو القاسم ، وقيل : أبو عبد الرحمن ، محمّد بن أبي ‏بكر بن أبي‏ قُحافة .
أُمّه :


السيّدة أسماء بنت عُميس الخثعمية .
ولادته :


ولد عام 10 هـ بذي الحُلَيفة ، في وقت كان رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجَّة الوداع .
نشأته :


كانت أُمّه السيّدة أسماء قد تزوّجت جعفر بن أبي‏ طالب ( رضوان الله عليه ) ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، وبعد استشهاده في معركة مؤتة تزوَّجها أبو بكر ، وبعد موته تزوّجها الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فانتقلت إلى بيته مع أولادها ، وفيهم محمّد الذي كان يومئذ ابن ثلاث سنين .
فنشأ في حِجر الإمام علي ( عليه السلام ) إلى جانب الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وامتزجت روحه بهما ، وكان الإمام ( عليه السلام ) يعتبره مثل أبناءه حيث يقول فيه : ( محمّد ابني من صُلب أبي ‏بكر ) .
جانب من حياته :


كان محمّد أيّام حكومة عثمان بن عفّان في مصر ، وفيها بدأ انتقاده على حكومة عثمان ، واشترك في الثورة عليه ، وبعد تصدِّي الإمام علي ( عليه السلام ) للخلافة ، حمل كتابه إلى أهل الكوفة قبل نشوب حرب الجمل ، وكان على الرجَّالة فيها .
وبعد انتهاء المعركة بانتصار الإمام ( عليه السلام ) على أهل الجمل ، تولَّى متابعة الشؤون المتعلِّقة بعائشة ـ باعتبارها أخته ـ ، وأعادها إلى المدينة المنوّرة .
مقامه :


كان محمّد مُجِدّاً في الجهاد والعبادة ، ولِجِدِّه في عبادته سُمِّي عابد قريش ، وهو جدُّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) من الأُمَّهات‏ .
ولاَّه الإمام علي ( عليه السلام ) على مصر عام 36 هـ ، وكتب له عهداً بذلك ، بعدما عزل قيس بن سعد عنها ، وكان الإمام ( عليه السلام ) يُثني عليه ، ويذكره بخير في مناسبات مختلفة .
أقوال الأئمّة ( عليهم السلام ) فيه : نذكر منهم ما يلي :


1ـ قال الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : ( إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري محمّد بن عبد الله ، رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر ) .
( ثم ينادي : أين حواري علي بن أبي طالب ، وصي محمّد بن عبد الله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ، ومحمّد بن أبي بكر ، وميثم بن يحيى التمّار مولى بني أسد ، وأويس القرني ) (1) .
2ـ قال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( محمّد ابني من صلب أبي بكر ) (2) .
3ـ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( ما من أهل بيت إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم ، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء منهم : محمّد بن أبي بكر ) (3) .
أقوال العلماء فيه : نذكر منهم ما يلي :


1ـ قال العلاّمة الحلّي في خلاصة الأقوال : ( جليل القدر ، عظيم المنزلة ، من خواص علي ( عليه السلام )) .
2ـ قال الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم الرجال : ( هو من حواري أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ... ومن خواصّه ، من الأصفياء ، ومن السابقين المقرّبين ) .
كتاب الإمام علي ( عليه السلام ) إلى أهل مصر :


قال ( عليه السلام ) : ( أحسنوا أهل مصر مؤازرة محمّد أميركم ، واثبتوا على طاعته ، تردوا حوض نبيّكم ( صلى الله عليه وآله ) ، أعاننا الله وإيّاكم على ما يرضيه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) (4) .
شهادته :


استشهد محمّد ( رضي الله عنه ) في الرابع عشر من صفر 38 هـ في مصر ، على يد معاوية بن حُدَيج الكندي ، الذي أرسله معاوية مع جيش جرّار لاحتلال مصر ، ومن ثم إحراقه في جوف جلد حمار ميت .
حزن الإمام علي ( عليه السلام ) عليه :


لقد حزن الإمام علي ( عليه السلام ) على محمّد بن أبي بكر حتّى رؤي ذلك فيه ، وتبيّن في وجهه ، وقام في الناس خطيباً ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( فلقد كان إليَّ حبيباً ، وكان لي رَبيباً ، فعند الله نحتسبه ولداً ناصحاً ، وعاملاً كادحاً ، وسيفاً قاطعاً ، وركناً دافعاً ) . وقال المدائني : وقيل لعلي ( عليه السلام ) : لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ( وما يمنعني ! إنّه كان لي ربيباً ، وكان لبني أخاً ، وكنت له والداً ، أعدّه ولداً ) (5) .

ابوزينب العماري
04-05-2009, 09:34 PM
جزاك الله خير
اخي الكريم

ربيبة الزهـراء
05-05-2009, 03:24 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد

جزاكم الله خيراً
احسنتم

ابوياسر12
08-05-2009, 05:36 PM
احسنت وبارك الله في الجهود الخيره

مرتضى العاملي
09-05-2009, 01:19 AM
نشكر الاخ الفاضل عاشق الزهراء على تكرمة وذكر اربيبة الامامه العالم المجاهد محمد ابن ابي بكر واحب ان اكمل بعذ مما يكتب لهذا الامير وولي عهد امير المؤمنين الامام عليا عليه السلام في بعذ السطور

محمد بن أبي بكر
(10 هـ ـ 38 هـ )

((ربيب أمير المؤمنين علي عليه السّلام ))
وواليه على مصر

تميز التاريخ الإسلامي بنفر من القادة، تولّى بعضهم مصراً من الأمصار، أو قاد جيشاً، أو عُهد إليه بسفارة أو تمثيل لحاكم أعلى. هؤلاء الرجال بالرغم من أهمية المسؤولية الموكلة إليهم، كانوا فتيةً في ريعان الصبا وشرخ الشباب؛ لم يتجاوز سنهم العقد الثالث من العمر، بل دون ذلك أحياناً، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على دور الشباب في حركة الدين والإصلاح الاجتماعي، فهم الشعلة المتوقدة والطاقة المتوثبة.
لقد انتدب رسول الله صلّى الله عليه وآله مصعب بن عمير، الشاب المترف المدلل الذي صدف عن زخرف الدنيا وزينتها، ليمثله في المدينة للقاء الأنصار، عشية هجرته المباركة، وكان أسامة بن زيد قائداً في غزوة، وتحت إمرته كبار الصحابة، ومَنْ هم أقدم منه هجرة وإسلاماً، وهو ابن الثامنة عشرة.
وتولى محمد بن أبي بكر ولاية مصر، وما أدراك ما مصر! فهي أعظم ولاية في حواضر الإسلام، في امتداد الأرض وسعتها وكثرة سكانها، وأهمية موقعها، حيث تحتاج إلى قائدٍ محنّك ووالٍ ذي سياسة قوية، كل ذلك توفر في محمد بن أبي بكر حيث كان واعياً لمهمته التي كان بها جديراً.
هو ابن أبي بكر، عبدالله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي.
وُلِد في حجة الوداع، بذي الحليفة، وهي موضع بين مكة والمدينة، في شهر ذي القعدة سنة 10هـ
(1).
نشأ في المدينة المنورة، في حجر الإمام علي عليه السّلام، وشهد معه الجمل وصفين، وولاه مصر.
والدته أسماء بنت عُمَيس الخثعمية، وكانت أسماء زوجةَ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي تعد من النساء الأوائل في الإسلام، ومن شيعة علي عليه السّلام، وكانت تكثر من السؤال لرسول الله صلّى الله عليه وآله لتتعلم معالم دينها منه. هاجرت مع زوجها جعفر إلى الحبشة في أوائل مَنْ هاجر، فولدت له هناك عبدالله الجواد. ثم استشهد جعفر في يوم مؤتة

(2)،
فتزوجها أبو بكر، فولدت له محمداً، ثم توفي أبو بكر، فتزوجها الإمام علي أمير المؤمنين عليه السّلام، فأصبح محمد ربيبه وخريجه، وجارياً عنده مجرى أولاده، رضع الولاء والتشيع من زمن الصبا، واستقاه من أمه ومربيه، فلم يكن يعرف أباً له غير علي عليه السّلام، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتّى قال علي عليه السّلام: « محمد ابني من صلب أبي بكر »، وكان يكنّى أبا القاسم، وكان من عُبّاد المسلمين ونسّاكهم، وكان يثنى عليه لفضله وعبادته واجتهاده.
**


قرابته من آل علي عليه السّلام

لم يكن محمد بن أبي بكر ربيباً لعلي عليه السّلام فحسب، وإن كان حَسْبه شرفاً وفخراً أن يحظى بتلك الكفالة التي حظي بمثلها إمامه عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما حظي كافلو النبيّ صلّى الله عليه وآله والقائمون على تنشئته وإرضاعه مثل عبدالمطلب وأبي طالب وحليمة السعدية، لأن الفيوضات الروحية، والكمالات الإنسانية تسري من الأكثر كمالاً إلى مَنْ له القابلية لتلقي تلك الفيوضات الروحانية والمزايا السَّنية.
لقد كان محمد أخاً لعبدالله بن جعفر لأمه، وعاش ردحاً من الزمن في كنف الحسنين عليهم السّلام يقتبس من نوريهما ويتأثر بهما، ثم جاء فتح فارس في معركة القادسيّة، فأُسِر ليزدجرد أربع بنات، كانت إحداهن من نصيب الإمام الحسين عليه السّلام، فأنجبت له الإمام زين العابدين عليه السّلام، وهي شاهزنان، والثانية شهربانويه، تزوجها محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم، وتوفيت شاهزنان أم الإمام زين العابدين، فقامت بتربيته خالته شهربانويه زوجة محمد، فأنزلها الإمام زين العابدين عليه السّلام بمنزلة أمه. أمّا البنتان الأخريان فتزوج إحداهما الإمام الحسن عليه السّلام والثانية عبدالله بن عمر. فعلى هذا يكون القاسم بن محمد والإمام زين العابدين عليه السّلام أبناء خالة. وكان للقاسم ابنة اسمها « أم فروة » تزوجها إمامنا الباقر عليه السّلام، فولدت له الإمام الصادق عليه السّلام، فيكون محمد بن أبي بكر جد الإمام الصادق عليه السّلام لأمه، مع العلم أن أمّها هي ابنة عبدالرحمان بن أبي بكر شقيق محمد. ومن ألطاف الله على محمّد بن أبي بكر أن جعل ذريته موصولة الرحم بذرية الرسول صلّى الله عليه وآله.
يقول الأصمعي: « كان أكثر أهل المدينة لا يرغبون في الإماء، حتّى نشأ فيهم علي ابن الحسين عليه السّلام والقاسم بن محمد وسالم بن عبدالله بن عمر، ففاقوا أهل المدينة علماً وفقهاً وورعاً، فرغب الناس في الإماء
**
(3).



جهاده
اشترك محمد بن أبي بكر في معركة الصواري البحرية سنة 31هـ، في عهد عثمان بن عفان
(4)، وهي معركة بحرية جرت بين المسلمين والروم، وأُرْسِل محمد في سفارة إلى أبي موسى الأشعري بالكوفة في عهد أمير المؤمنين عليه السّلام
(5)، وفي معركة الجمل كان قائد الرجّالة
(6). وهو الذي حمل الهودج من بين القتلى، فأمر الإمام علي عليه السّلام أن يضرب عليه قبة، ثم قال لمحمد: « أنظر هل وصل إلى اختك عائشة شيء من جروح ». وعندما أقبل الليل أدخلها البصرة وأنزلها دار عبدالله بن خلف الخزاعي، ضيفة عند صفيةً بنت الحرث بن أبي طلحة، ثم أعادها الإمام علي السّلام إلى المدينة المنورة برفقة أخيها محمد مع أربعين امرأة متنكرات بزيّ ثياب الرجال حرساً لها

(7).



ولاية مصر وما جرى له فيها

وبعد أن عُزل قيس بن سعد عن ولاية مصر، عيّن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام محمد بن أبي بكر والياً عليها. ثمّ إن الإمام عهد إليه وأوصاه ناصحاً له بقوله:

« بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به عبدالله علي أمير المؤمنين إلى محمد بن أبي بكر، وأمره بالتقوى والطاعة في السر والعلانية، وخوف الله عزّوجلّ في الغيب والمشهد، واللِّين على المسلمين، والغلظة على الفاجر، وبالعدل على أهل الذمة، وبإنصاف المظلوم، والشدة على الظالم، والعفو عن الناس، والإحسان ما استطاع، والله يجزي المحسنين ويعذب المجرمين »

(8).
وعندما نزل محمد مصر تلا على الناس عهد أمير المؤمنين إليه، ثمّ عقب على كتاب الولاية فقال: « الحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختّلِف فيه من الحق، وبصرّنا وإياكم كثيراً مما كان عُمِيَ علمه. ألا إن أمير المؤمنين ولاني أمركم، وعهد إليّ ما سمعتم، وما توفيقي إلاّ بالله، عليه توكلت وإليه أنيب، فإن يكن ما ترون من إمارتي وأعمالي طاعةً لله، فأحمد الله على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي له، وإن رأيتم عاملاً لي عمل بغير الحق، فارفعوه إليّ وعاتبوني فيه، فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون، وفقنا الله وإياكم لصالح الأعمال برحمته »
(9).
ولبث شهراً كاملاً مدبّراً أمور الولاية، حتى بعث إلى قوم من أهالي « خرِبْتا » البلدة العثمانية المعارضة لخلافة الإمام علي عليه السّلام، فقال لهم محمد بن أبي بكر: « إما أن تدخلوا في طاعتنا، وإمّا أن تخرجوا من بلادنا، فأجابوه:إنا لا نفعل، فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمرنا، فلا تعجل لحربنا. فأبى عليهم، فامتنعوا منه، وأخذوا حذرهم. وكانت وقعة صفين وهم لمحمد هائبون، فلما رجع عليّ عليه السّلام عن معاوية، وصار الأمر إلى التحكيم، طمعوا به وأظهروا له المبارزة، فأرسل لهم محمدَ ابن الحرث بن جهمان الجعفي ليؤدبهم، فوصل إلى « خرِبْتا » وكان فيها يزيد بن الحرث مع بني كنانة ومن معه من قبائل أخرى مختلفة، فقاتلهم الحرث فقتلوه، فأرسل محمد إليهم ابنَ مضاهم الكلبي فقتلوه كذلك. وكان محمد قد أصاب منهم غليةً من قبل حين أرسل إليهم عمرو بن بديل بن الورقاء الخزاعي. ولكن الذي قلب الموازين هو إرسال معاوية عمرَو بن العاص في جيش كثيف إلى مصر بعد توجه الإمام عليّ عليه السّلام إلى العراق.
ولما بلغ الإمام عليّ عليه السّلام اضطراب الأمر في ولاية مصر، سارع إلى إرسال القائد مالك الأشتر، وذلك قبل أن تستشري الفتنة، ولكن معاوية استطاع بحيلة منه أن يدسّ السم للوالي الجديد وهو في طريقه إلى تسلم ولايته، مستعيناً بأحد رجال الخراج في مكان يقال له القلزم وهو السويس حالياً، فشرب الأشتر وهو لا يشك في مضيّفه، شربة ماء ممزوجة بالسم والعسل فاستُشهِد، وبذلك أضحى محمد بن أبي بكر وجهاً لوجه مع اثنين من الدهاة معاوية وعمرو بن العاص..
أقبل عمرو بن العاص قاصداً مصر باتجاه محمد بن أبي بكر، فقام محمدٌ خطيباً فقال: « أمّا بعد، يا معاشر المؤمنين، فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة، ويفشون الضلالة، ويستطيلون بالجبريّة، قد نصبوا لكم العداوة، وساروا إليكم بالجنود، فمَنْ أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله. انتدِبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر »، ثم ندب معه نحو ألفي رجل، وتخلّف محمد في ألفين، وبعد معارك بين الطرفين، واستشهاد خيرة أصحاب محمد بن أبي بكر، وتفرّق الآخرين عنه، استطاع معاوية بن حديج وهو من أصحاب عمرو بن العاص أن يظفر بمحمد ابن أبي بكر وهو يكاد يموت عطشاً، فوثب أخوه عبدالرحمان بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص، وكان في جنده، فقال: لا والله، يُقتل أخي صبراً! ابعث إلى معاوية بن حديج فَآنْهَه عن قتله، فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد، فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي، وأخلّي عن محمد، هيهات! (أكفّارُكم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ؟! ). فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء، فقال له معاوية بن حديج: لا أسقاني الله إن سقيتك قطرة أبداً، والله لأقتلنّك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن، ويسقيك الله من الحميم والغسلين، فقال له محمد: يا ابن اليهودية النسّاجة؛ ليس ذلك اليوم إليك، إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه، وهم أنت وقرناؤك ومَن تولاك وتولّيته، والله لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم. فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار، وكان في المغارة جيفة حمار ميت. قال: إن فعلتم ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وأيم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها برداً وسلاماً، كما جعلها الله على إبراهيم خليله، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، وإني لأرجو أن يحرقك الله وإمامك معاوية، وهذا ( وأشار إلى عمرو بن العاص ) بنار تَلَظّى، كلّما خَبَتْ زادها الله عليكم سعيراً. إلى آخر ما دار من حوار بينهما، ثم غضب معاوية بن حديج، فقدّمه وضرب عنقه، ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار
(10).
فلمّا بلغ ذلك الخبر عائشة أخته، جزعت عليه جزعاً شديداً، وصارت تقنت في كلّ صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج.
فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان بعد قتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر، « أما بعد، فإنا لقينا محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر في جموع من أهل مصر، فدعوناهم إلى الكتاب والسنّة، فعصوا الحق، فتهوّلوا في الضلال، فجاهدناهم، واستنصرنا الله جلّ وعز عليهم، فضرب الله وجوههم وأدبارهم، ومنحنا أكتافهم! فقُتل محمد بن أبي بكر وكنانة بن بشر، والحمد لله رب العالمين »!!
(11)
وهكذا يقتلون أولياء الله تعالى، ولا يتورعون عن الاستشهاد بالكتاب والسنّة لتزييف الحقائق وتضليل الناس!
وهكذا انتهت حياة قائد شاب، تمثلت في شخصيته أخلاق الإسلام بصورتها الرائعة، وكان آية في التفاني والتضحية، كما تجلّت ملامح تلك الشخصيّة الفذة في الحوار الذي جرى بين محمد وبين آسره، فلم يَهنْ ولم يحزن، بل ظلّ شامخاً أبياً.
وكانت وفاة محمد بن أبي بكر في مطلع سنة 38هـ، وكان له من العمر ثمان وعشرون سنة.
****
تحيااتي لكم