jnoob99
25-05-2009, 12:20 AM
معلم في سوق الشيوخ يحول بيتة الى مدرسة لمحو الأمية
كاد المعلم أن يكون رسولا ، من هذه الكلمة انطلق إلى قداسة الرسالة التي يحملها المعلم ومن منا لا يتذكر اسم معلم الصف الأول الابتدائي ذلك الزمن
الجميل والعالم الرائع الذي ندخله ونحن نودع عالم المنزل ، رسالة المعلم جعلت منه أبا آخر بل أبا حنونا قريبا من همومنا ومشاكلنا ، لصيقا بما نستشعره ونحسه ونحن أولاده حتى بعد أن نكبر ونجاورهم في المدرسة نشعر إنهم مازالوا الآباء المخلصين .
وكون المدرسة هي إجبار إلزامي على الجميع أن يدخل من بوابتها الكبرى فان الفرصة في بعض المرات لن تكون متاحة للجميع نتيجة الظروف الخاصة لذلك فمن حرم من متعة القراءة والكتابة يرى نفسه بعيدا عن اقرانه ومتخلفا عن مجتمع يقرأ ويكتب ، وكانت مدارس محو الامية في الزمن السابق قد ساعدت كثيرا في التقليل من الامية في المجتمع غير انها توقفت ، وكانت الظروف التي مرت بها البلاد أسهمت هي الأخرى برفد الحياة بمزيد من الجيل الأمي والتقارير الجديدة تشير الى زيادة عدد الأميين في العراق بنسب كبيرة .
بحثت في ازقة قضاء سوق الشيوخ ( 30 كم جنوب الناصرية ) عن رجل يعلم الكبار حينما سمعت قصته من احد الاصدقاء الذي ارسل لي رسالة لأول مرة كتبها هو دون الاستعانة بالآخرين او بالرسائل الجاهزة وعزا صديقي هذا الفضل الى أستاذ في مدينته ، بحثت عنه فأرشدني احمد خميس احد رجال المدينة الطيبين الى منزل الاستاذ يوسف اسماعيل حسون ، وصلنا الى الدار ( المدرسة ) التي كانت عبارة عن جزء من منزل اقتطع جزءا منه ليحشر عائلته المكونة من زوجته وثلاث بنات وثلاث ذكور احدهم متخلف عقليا ( منغولي ) في غرفة ويستخدم الاخرى للدرس والتعليم ، طول الغرفة 3*3 متر فيها رحلة مدرسة واريكة واحدة وسبورة ، وهي لا تكفي سوى لثلاثة طلاب ، دخلت الى الغرفة وكان اثنان من الطلبة يتلقون تعليمهم احدهم مازال مستمرا في دراسة في الخامس الابتدائي والاخر امي ترك الدراسة لظروف قاهرة .
الاستاذ يوسف اسماعيل خريج معهد اعداد المعليمن في اربيل عام 1971 وعمل في مهنة التعليم منذ 23 سنة متنقلا بين سبع مدارس اولها مدرسة النسور واخرها مدرسة جبل الشيخ .
اجتهد على نفسه ان يؤدي رسالته الانسانية وان لا يبخل على من يريد التعلم اذ يجتهد يوميا منذ عام 2000 الى اليوم في تعليم من يرغب بتعلم القراءة والكتابة حيث وصل عدد الخريجين من مدرسته المصغرة الى اكثر من 150 طالبا على مستوى القضاء من الاميين ماعدا الطلبة المتخلفين في مدارسهم .
يقوم بتدريس قراءة الصف الاول في مدة لا تتعدى الشهر وهو جهد كبير حيث ان طالب الصف الاول الابتدائي يحتاج الى سنة حتى يتقن القراءة والكتابة بينما الدورة هنا مكثفة وتخضع لمدى استيعاب الطالب وقدرة الاستاذ على ايصال المعلومة ، تحدث الينا وهو يباشر بتعليم الطلبة حتى لا يضيع الوقت هدرا ، اذ ان وقت الدروس مخصص لكل طالب حسب وقت فراغه كون اغلب الطلبة هم من العمال والحرفيين والكسبة والفلاحين لذلك فان الوقت هنا ثمين اذ يحدد لكل متعلم ساعة للدوام والمحاضرات لأخذ الدروس اليويمة .
تبدا الدروس بعد الظهيرة حينما يعود من الدوام في المدرسة حتى يسارع الى فتح مدرسته الخاصة وهو جهد وتعب كبيرين ، غير انه يشعر بمتعة كبيرة حينما يرى الامي يخرج من عنده وقد تعلم القراءة والكتابة حتى ان البعض قام بوضع الحناء على باب الدرس تقديرا لهذا الرجل الذي بث فيه الحياة من جديد – والحناء على الجدار رمز وتقدير لقداسة صاحب المكان في الموروث الشعبي الجنوبي - .
طريقته في الدراسة هي الطريقة المقطعية وهو يفضلها على الطريقة الهجائية ، ويبدا بتعليم الحرف كما يلفظ وليس كما يكتب ثم يعطي الاملاء بعد الحفظ بقراءة الصف الاول الابتدائي مع كلمات خارجية والطالب الذي يحصل على درجة ستة من عشرة يعتبره راسبا ويعيد الدرس مرة اخرى وهو بهذه الطريقة يكتب الدرس اربع مرات فضلا عن المراجعة المنزلية .
اغلب طلبته ياتون اليه وهناك من يذهب الى منازلهم نتيجة اوضاعهم الخاصة كالبنات مثلا ، واغلب المتعلمين ياتون طوعا اما الصغار فان اهلهم يدفعونهم الى التعلم واغلب هؤلاء الاطفال ممن لم يكن اساسهم في الدرس متينا اذ غالبا ما تحكم العلاقات الاجتماعية مصير الطالب حتى يصل الى الصف الخامس او السادس وهو لا يتقن القراءة والكتابة.
احد الطلبة يدفع عربته اليومية وهو يتيم وزوجة ابيه تعامله بقسوة وحرمته من اكمال تعليمه لذلك سارع الاستاذ يوسف الى احتضانه وتعليمه ، كما ان احد اسباب ترك الطلبة للدراسة هي قسوة الاساتذة حتى ان بعضهم يحاول ان يغش في الامتحان او الاملاء بدافع الآنتقام من المعلم الذي عامله بقسوة وكان سببا في تركه المدرسة ، غير انه سرعان ما يتغير بعد ان يجد ان الوضع ليس كما كان يتصور ونموذج سيء واحد لا يعمم على بقية النماذج .
يقول باسم حامد ضهد احد الطلبة وهو عامل باجر يومي انه ترك المدرسة منذ الصف الاول الابتدائي حيث كان يسكن في الريف وبعد ان قتلت والدته في القصف الجوي بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 كره المدرسة ولم يعد اليها ثانية ولكن اليوم بعد ان وصلت التكنولوجيا الحديثة كل مكان شعر بالحرج نتيجة جهله قراءة مسجات الهاتف النقال فتقدم الى الدرس وهو يعشق القراءة والكتابة وعمره اليوم تجاوز الثلاثين وليست هناك مدرسة يمكن ان تقبله . فيما قال الطفل كريم حاتم انه تعثر في دراسته منذ الصف الاول وكانت علاقات والده كفيلة بان يصل الى الصف الخامس الابتدائي وكون مستواه متدنيا دفعه اهله الى تعلم القراءة والكتابة من جديد .
يقول الاستاذ يوسف انه لم يفتخر بعشيرة او نسب بل يفتخر بما قدم من ضوء لمن يجهلون الطريق الى الحرف واشد ما يجعله سعيدا ان طلبته يزورونه في الاعياد والمناسبات وهذا ما يمسح التعب والجهد اليومي عنه ، ويروي حكايات وقصصا عن طلابه وحرصهم حيث يذكر عن الطالب محمد الخباز الذي يعمل من الواحدة ظهرا حتى الثامنة مساء في الفرن ياتي الى الدرس ويداه ملطختان بالعجين لياخذ درسه ومن هذا الاصرار على التعلم ازداد اصرارا في تعليم اكبر عدد من الاميين ، واحد الطلبة تعلم سورة الاخلاص وكانت بمثابة باب من ابواب الجنة كونه كان يقرأها مبتورة منذ 15 سنة دون ان يذكر ( ولم يكن له كفوا احد ) .
امام هذا الرجل العملاق تنحني الكلمات وهي تبحث عما تصفه به، وامام هذا الجهد الكبير الذي لم يجد رعاية سوى من بيت الحكمة وشهادة تقديرية لهذا الجهد الاستثنائي كونه الاستاذ الوحيد في محافظة ذي قار وربما في العراق الذي يعمل في هذا المجال وعمله يوازي عمل وزارة كاملة ، وعلى الرغم من زيارة عدد من منظمات المجتمع المدني له من اجل توسيع الصف حتى يتسع الى عدد اكبر حيث ان الطلبات تنهال عليه ويدرجها ضمن جدول خاص لكن هذه الزيارات لم تثمر عن شيء ملموس سوى وعود خاوية وهو مازال مستمرا ومجتهدا ومؤثرا اكمال رسالته الانسانية على وقته وجهده وعائلته .
كاد المعلم أن يكون رسولا ، من هذه الكلمة انطلق إلى قداسة الرسالة التي يحملها المعلم ومن منا لا يتذكر اسم معلم الصف الأول الابتدائي ذلك الزمن
الجميل والعالم الرائع الذي ندخله ونحن نودع عالم المنزل ، رسالة المعلم جعلت منه أبا آخر بل أبا حنونا قريبا من همومنا ومشاكلنا ، لصيقا بما نستشعره ونحسه ونحن أولاده حتى بعد أن نكبر ونجاورهم في المدرسة نشعر إنهم مازالوا الآباء المخلصين .
وكون المدرسة هي إجبار إلزامي على الجميع أن يدخل من بوابتها الكبرى فان الفرصة في بعض المرات لن تكون متاحة للجميع نتيجة الظروف الخاصة لذلك فمن حرم من متعة القراءة والكتابة يرى نفسه بعيدا عن اقرانه ومتخلفا عن مجتمع يقرأ ويكتب ، وكانت مدارس محو الامية في الزمن السابق قد ساعدت كثيرا في التقليل من الامية في المجتمع غير انها توقفت ، وكانت الظروف التي مرت بها البلاد أسهمت هي الأخرى برفد الحياة بمزيد من الجيل الأمي والتقارير الجديدة تشير الى زيادة عدد الأميين في العراق بنسب كبيرة .
بحثت في ازقة قضاء سوق الشيوخ ( 30 كم جنوب الناصرية ) عن رجل يعلم الكبار حينما سمعت قصته من احد الاصدقاء الذي ارسل لي رسالة لأول مرة كتبها هو دون الاستعانة بالآخرين او بالرسائل الجاهزة وعزا صديقي هذا الفضل الى أستاذ في مدينته ، بحثت عنه فأرشدني احمد خميس احد رجال المدينة الطيبين الى منزل الاستاذ يوسف اسماعيل حسون ، وصلنا الى الدار ( المدرسة ) التي كانت عبارة عن جزء من منزل اقتطع جزءا منه ليحشر عائلته المكونة من زوجته وثلاث بنات وثلاث ذكور احدهم متخلف عقليا ( منغولي ) في غرفة ويستخدم الاخرى للدرس والتعليم ، طول الغرفة 3*3 متر فيها رحلة مدرسة واريكة واحدة وسبورة ، وهي لا تكفي سوى لثلاثة طلاب ، دخلت الى الغرفة وكان اثنان من الطلبة يتلقون تعليمهم احدهم مازال مستمرا في دراسة في الخامس الابتدائي والاخر امي ترك الدراسة لظروف قاهرة .
الاستاذ يوسف اسماعيل خريج معهد اعداد المعليمن في اربيل عام 1971 وعمل في مهنة التعليم منذ 23 سنة متنقلا بين سبع مدارس اولها مدرسة النسور واخرها مدرسة جبل الشيخ .
اجتهد على نفسه ان يؤدي رسالته الانسانية وان لا يبخل على من يريد التعلم اذ يجتهد يوميا منذ عام 2000 الى اليوم في تعليم من يرغب بتعلم القراءة والكتابة حيث وصل عدد الخريجين من مدرسته المصغرة الى اكثر من 150 طالبا على مستوى القضاء من الاميين ماعدا الطلبة المتخلفين في مدارسهم .
يقوم بتدريس قراءة الصف الاول في مدة لا تتعدى الشهر وهو جهد كبير حيث ان طالب الصف الاول الابتدائي يحتاج الى سنة حتى يتقن القراءة والكتابة بينما الدورة هنا مكثفة وتخضع لمدى استيعاب الطالب وقدرة الاستاذ على ايصال المعلومة ، تحدث الينا وهو يباشر بتعليم الطلبة حتى لا يضيع الوقت هدرا ، اذ ان وقت الدروس مخصص لكل طالب حسب وقت فراغه كون اغلب الطلبة هم من العمال والحرفيين والكسبة والفلاحين لذلك فان الوقت هنا ثمين اذ يحدد لكل متعلم ساعة للدوام والمحاضرات لأخذ الدروس اليويمة .
تبدا الدروس بعد الظهيرة حينما يعود من الدوام في المدرسة حتى يسارع الى فتح مدرسته الخاصة وهو جهد وتعب كبيرين ، غير انه يشعر بمتعة كبيرة حينما يرى الامي يخرج من عنده وقد تعلم القراءة والكتابة حتى ان البعض قام بوضع الحناء على باب الدرس تقديرا لهذا الرجل الذي بث فيه الحياة من جديد – والحناء على الجدار رمز وتقدير لقداسة صاحب المكان في الموروث الشعبي الجنوبي - .
طريقته في الدراسة هي الطريقة المقطعية وهو يفضلها على الطريقة الهجائية ، ويبدا بتعليم الحرف كما يلفظ وليس كما يكتب ثم يعطي الاملاء بعد الحفظ بقراءة الصف الاول الابتدائي مع كلمات خارجية والطالب الذي يحصل على درجة ستة من عشرة يعتبره راسبا ويعيد الدرس مرة اخرى وهو بهذه الطريقة يكتب الدرس اربع مرات فضلا عن المراجعة المنزلية .
اغلب طلبته ياتون اليه وهناك من يذهب الى منازلهم نتيجة اوضاعهم الخاصة كالبنات مثلا ، واغلب المتعلمين ياتون طوعا اما الصغار فان اهلهم يدفعونهم الى التعلم واغلب هؤلاء الاطفال ممن لم يكن اساسهم في الدرس متينا اذ غالبا ما تحكم العلاقات الاجتماعية مصير الطالب حتى يصل الى الصف الخامس او السادس وهو لا يتقن القراءة والكتابة.
احد الطلبة يدفع عربته اليومية وهو يتيم وزوجة ابيه تعامله بقسوة وحرمته من اكمال تعليمه لذلك سارع الاستاذ يوسف الى احتضانه وتعليمه ، كما ان احد اسباب ترك الطلبة للدراسة هي قسوة الاساتذة حتى ان بعضهم يحاول ان يغش في الامتحان او الاملاء بدافع الآنتقام من المعلم الذي عامله بقسوة وكان سببا في تركه المدرسة ، غير انه سرعان ما يتغير بعد ان يجد ان الوضع ليس كما كان يتصور ونموذج سيء واحد لا يعمم على بقية النماذج .
يقول باسم حامد ضهد احد الطلبة وهو عامل باجر يومي انه ترك المدرسة منذ الصف الاول الابتدائي حيث كان يسكن في الريف وبعد ان قتلت والدته في القصف الجوي بعد احداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 كره المدرسة ولم يعد اليها ثانية ولكن اليوم بعد ان وصلت التكنولوجيا الحديثة كل مكان شعر بالحرج نتيجة جهله قراءة مسجات الهاتف النقال فتقدم الى الدرس وهو يعشق القراءة والكتابة وعمره اليوم تجاوز الثلاثين وليست هناك مدرسة يمكن ان تقبله . فيما قال الطفل كريم حاتم انه تعثر في دراسته منذ الصف الاول وكانت علاقات والده كفيلة بان يصل الى الصف الخامس الابتدائي وكون مستواه متدنيا دفعه اهله الى تعلم القراءة والكتابة من جديد .
يقول الاستاذ يوسف انه لم يفتخر بعشيرة او نسب بل يفتخر بما قدم من ضوء لمن يجهلون الطريق الى الحرف واشد ما يجعله سعيدا ان طلبته يزورونه في الاعياد والمناسبات وهذا ما يمسح التعب والجهد اليومي عنه ، ويروي حكايات وقصصا عن طلابه وحرصهم حيث يذكر عن الطالب محمد الخباز الذي يعمل من الواحدة ظهرا حتى الثامنة مساء في الفرن ياتي الى الدرس ويداه ملطختان بالعجين لياخذ درسه ومن هذا الاصرار على التعلم ازداد اصرارا في تعليم اكبر عدد من الاميين ، واحد الطلبة تعلم سورة الاخلاص وكانت بمثابة باب من ابواب الجنة كونه كان يقرأها مبتورة منذ 15 سنة دون ان يذكر ( ولم يكن له كفوا احد ) .
امام هذا الرجل العملاق تنحني الكلمات وهي تبحث عما تصفه به، وامام هذا الجهد الكبير الذي لم يجد رعاية سوى من بيت الحكمة وشهادة تقديرية لهذا الجهد الاستثنائي كونه الاستاذ الوحيد في محافظة ذي قار وربما في العراق الذي يعمل في هذا المجال وعمله يوازي عمل وزارة كاملة ، وعلى الرغم من زيارة عدد من منظمات المجتمع المدني له من اجل توسيع الصف حتى يتسع الى عدد اكبر حيث ان الطلبات تنهال عليه ويدرجها ضمن جدول خاص لكن هذه الزيارات لم تثمر عن شيء ملموس سوى وعود خاوية وهو مازال مستمرا ومجتهدا ومؤثرا اكمال رسالته الانسانية على وقته وجهده وعائلته .