melika
05-06-2009, 07:42 PM
بسم الله الرحمن الرحیم
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اتُّهِم التشيع بأنه فارسي ، لأسباب نجملها بما يأتي :
الأول :
نقول : لا تختص هذه التهمة بالفرس ، وإنما هي صورة من صور رمي التشيع بكل ما هو مكروه ، ولما كانت العلاقات بين الفُرْس والعرب قد ساءت ، بعد أن امتدَّ نفوذ الفُرْس في دولة الإسلام ، أراد أعداء الشيعة أن يرموهم بالفارسية ، ليضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة أخرى ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر لمَّا كان الشيعة منذ فترة تكوينهم من المعارضين للحكم ، لأنهم يرون أنَّ الخلافة بالنص وليست بالشورى .
ويرون أيضاً أنَّها للامام علی وولده علیهم السلام ، وإنما تنازل الإمام علي ( عليه السلام ) عنها وسكتَ حِرصاً على مصلحة المسلمين ، وتضحية بالمهم في سبيل الأهم ، وقد حفظ ذلك بيضة الإسلام ، وقد جرَّت عليهم هذه العقيدة كل أنواع الملاحقة ، وبالخصوص أيام معاوية وما تلاها ، إلى العصور المتأخرة .
وللإِمعان بالتنكيل بهم ، وإبعادهم عن الساحة ، حشدت لهم السلطات كل ما تملك من وسائل التحطيم ، حتى أصبح الشيعة مختبراً لممارسة البطولات من كل حامل سلاح ، وإن كان سيفه مثلوماً ، ويده ترتعش .
الثاني :
إن الفارسيَّة لم تكن حجة يوم كان الفُرْس سُنَّة ، وإنَّما عادت حجة يوم تشيَّع قسم من الفُرْس ، ودليل ذلك أنَّك ترى الطبقة الأولى والثانية من الذين تهجَّموا على الشيعة ، وكالوا لهم التُهَم ، لم يضعوا في قائمتهم تُهمة الفارسية ، وبوسعك الرجوع إلى ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) ، بالفصل الخاص بالشيعة ، وارتجل لهم المثالب والمطاعن فيه ، فإنك لا تجد هذه التُهمة ضمن التهم .
ولو راجعت ما كتبه الشهرستاني في كتابه المِلَل والنحل ، وما ذكره عن الشيعة ، فسوف لا تجد تهمة الفارسية من التهم التي ساقها ، نعم ، ذكر ابن حزم أنَّ هناك أفراداً من الفُرْس شيعة في بعض استطراداته ، حتى جاء المقريزي في القرن التاسع ، فرام أن يصوِّر أن التشيع فارسي .
فالمسألة جاءت متأخرة ، وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التهمة ، وإنما جاءت من بعد القرن التاسع ، وبدء القرن العاشر ، والغريب أن يكون بعض فرسان هذه الحملة من الفرس أنفسهم ، أرادوا أن يظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص على العروبة من العرب أنفسهم ، ولا نستبعد أن لهؤلاء أهدافاً خبيثةً من وراء ذلك .
الثالث :
قوة استدلال الشيعة بأن الخلافة بالنص وليست بالشورى ، وذلك لأن الشورى لا سَند لها من الكتاب والسنة ، وإنما هي مجرد اجتهاد من المسلمين ، الذين ظَنُّوا أن لا نَصَّ هناك ، ثم إن الشيعة يتساءلون أين هي الشورى ، وما هي أركانها ، وشروطها ، وكيفيتها .
وهل تحققت في أيام الخلفاء ، ونُصِّب الخلفاء بموجبها ، أم لا ؟ مع أننا نعلم أنَّ الذين بايعوا الخليفة الأول بالسقيفة اثنان ، هم الخليفة الثاني ، وأبو عبيدة ، وعلى رواية أخرى إنهم أربعة ، كما يروي ذلك الحلبي في سيرته ، والبخاري في باب فضل أبي بكر .
ولذلك ذهب أهل السنة إلى أن الإِمامة تنعقد ببيعة اثنين من أهل الحلِّ والعقد ، فإن هذه النظرية واضح منها أنها تصحيح للموقف يوم السقيفة ، ورفع للتناقض في منهج الشورى نظرياً ، وتطبيقاً .
فإنّه لا عاقل يمكن أن يتصور انتخاب خليفة من قبل اثنين فقط ، وهذان الاثنان يتم تمثيل المسلمين بهما ، وقد صورت البيعةَ خَير تصوير كلمةُ الخليفة الثاني : إن خلافة أبي بكر فَلْتة وقى الله شرَّها ، فإن تعبير الخليفة عنها أنها ( فَلْتة ) يؤكد أنها لم تكن عن منهاج سابق .
ثم يرد تساءل آخر ، هو : هل أن الخليفة الثاني جاء إلى الحكم عن طريق الشورى ، أم عن طريق تعيين الخليفة الأول له ، كما هو واقع الحال ؟
والتساؤل الثالث هو : هل أن الخليفة الثالث جاء الحكم عن طريق الشورى ، أم عن طريق خمسة عيَّنَهم الخليفة الثاني ، ولم يؤيده منهم إلا ثلاثة ؟
إذن ، كل باحث موضوعي لا يمكن أن يستند إلى صدور نظرية الشورى عن الشريعة الإسلامية ، لا نظرياً ، ولا تطبيقياً ، والهدف المرسوم هو دفع نظرية النص والوصاية عن كونها من الإسلام ، وجعلها من مورثات الفُرْس التي نقلوها معهم لما دخلوا إلى التشيُّع .
فإذا قلتَ لهؤلاء : إن الوصاية ثبتت بنصوص قبل دخول الفُرْس للإسلام ، قيل لك : إن هذه الروايات دَسَّها الشيعة في كتب السنة ، فإذا ذكرت لهم عدة طرق للرواية قيل لك إن الوصية التي تذهبون إليها إنما هي في أمور بسيطة بيتية ، وليس لها صِلة بموضوع الخلافة ، وهكذا .
هذه في نظرنا أهم المزاعم التي أدَّت إلى رَمْي التشيُّع بالفارسية ، وهي مزاعم أصبحت يفنِّد بعضها بعضاً ، لوجود الواقع الخارجي الذي يُعيِّن هوية التشيع بصورة مُجسَّدة .
ثم جاء المستشرقون بعد ذلك ، فضربوا على هذا الوتر ، لأهداف كثيرة ، منها : ضرب وحدة المسلمين ، وبعد ذلك تزييف ركائزهم الفكرية ، ولأجل ذلك تجد كتب المستشرقين تؤكد على هذه النقطة ، وترتب عليها آثاراً كثيرة ، وكأنَّ هذا الموضوع مُختصٌّ بالشيعة فقط ، أما السنة من الفرس فهم محروسون من أن يتدسَّسَ إليهم الفكر الفارسي ، حتى ولو كان ثمانون بالمئة من الفُرْس منهم .
ولسنا ننفي أن تكون هناك أسباب أخرى لرمي التشيُّع بالفارسية قد يكون منها أحياناً بعض الاستنتاجات الخاطئة ، أو سوء الفهم الذي يعتبر كل التقاء بين نظريتين هو تأثير وتأثر ، وقد يكون صدفة .
وإن مجرد التقاء نظرية للشيعة مع نظرية للفُرْس لا يشكل مبرراً بحال من الأحوال ، لاعتبار الفكر الفارسي مصدر العقائد الشيعية ، وذلك لوضوح أن الفكر الديني في العقائد والأحكام مصدره الكتاب والسنة ، في حين أن نظريات الفُرْس هي نظريات وضعية ، لا تستند إلى شريعة واحدة أو متعددة ، حتى يقال إن هؤلاء أخذوا من هؤلاء .
كيف صار الفُرس شيعة :
إذا حاولنا مسح الأبعاد التاريخية البيئية للفُرْس ، نجد أنَّ من تَشيَّع منهم يُقسَّمون أقساماً ، هي :
القسم الأول :
وهو القسم الذي تشيع بعملية انتقاء ، واختيار عن طريق الصحابة الذين رافقوا عمليات الفتح ، ونقلوا معهم عقائدهم ، وفكرهم الشيعي ، وقد ساعد على ذلك أن اعتناق التشيع آنذاك لا يسبب لهم ضرراً ، لأن العملية كانت شيئاً طبيعياً ، وبعدهم عن مواطن الاحتكاك .
ولأنّ الفكر كان ضِمن نطاق الأمور العقائدية ، ولا يتجسد في فعَّاليات سياسية ، ومن أبرز مواطن التشيع في هذا القسم ( خراسان ) ، ثم ( قم ) بعد ذلك .
القسم الثاني :
هُمُ الذين تشيَّعوا تعاطُفاً مع الشيعة ، الذين نالهم الاضطهاد بعد ذلك ، وهذا القسم جمعه الاضطهاد معهم ، لأنه كان مضطهداً ، ومن هؤلاء الموالي في قسم كبير منهم ممَّن كان داخل بلدان الخلافة ، أو الذين لحقهم الاضطهاد داخل ( إيران ) .
وقد بدأت تصل إليهم أفواج من المهجَّرين المضطهدين لأجل تشيعهم ، والذين دفع منهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلى ( خراسان ) حتى يخلِّص الكوفة من العناصر الشيعية الصلبة .
وكان بعد ذلك أن تمازجت أفكارهم بعد التقاء مشاعرهم ، وصار الفكر متبادلاً بينهم ، وساعد على ذلك استمرار الاضطهاد فترات امتدَّت طويلاً ، والعقائد كثيراً ما يرسخها الاضطهاد .
القسم الثالث :
الذين تَشيَّعوا عن طريق اللقاء الثقافي المُعمَّق ، لأن الشيعة اضطرُّوا إلى تعميق ثقافتهم ، وَوُلوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم ، والذودِ عن عقائدهم ، بالنظر إلى تعرضهم إلى وضعيَّات شرسة ، خصوصاً وأن الحكم ووسائل القوة ليست بأيديهم .
وكان أن استهوت ثقافتهم قطاعاً كبيراً من الفرس ، نظراً لخلفيَّتهم الحضارية ، ونهوض الحُجَّة في نظرهم ، لكثير من معتقدات الشيعة التي لم يدعمها سيف ، ولا بريق مال ، ولا طمع في حكم ، بل لمجرد الاقتناع بصحة أدلتهم .
القسم الرابع :
هُمُ الذين دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحُكَّام ، وأعلنوا ضرورة العدول إلى مذهب الشيعة ، وهؤلاء قِلَّة يُعتدُّ بها ، وقد تظاهرت بذلك لأنه لا يمكن للعقائد أن تفرض فرضاً ، وذلك حينما أعلن السلطان خُدَا بَنْدَه ، ثم بعد ذلك الصفويُّون ، في بداية القرن العاشر رسميَّةَ المذهب الشيعي ، وذلك مثلما حدث لـ ( ديار بكرٍ ) و( ديار ربيعة ) ، التي كانت شيعية أيام الحمدانيِّين ، ثم حوَّلهم الحُكَّام إلى سُنَّة .
وكما حدث لـ ( مصر ) بعد حكم الفاطميِّين ، إذ حُوِّلت إلى سُنِّية أيام الأيُّوبيِّين ، وكما حدث ذلك لكثير من البلدان ، ولسنا نزعم أنه لا يوجد من قد يكون دخل التشيُّع وله أهداف غير سليمة ، وليس ذلك بذنبٍ للتشيع ، فكثير من اليهود دخلوا الإسلام وتظاهروا بذلك ، وفي نفوسهم أهداف خبيثة ، ولا نعتبر الإسلام مسؤولاً عن ذلك .
كما أن هذه الفصيلة التي تدخل الإسلام أو التشيع ولها أهداف مسمومة لا تعدو أصابع اليد ، ولا تشكل خطراً ، بدليل أن جوهر الإسلام محفوظ ، رغم وجود أمثال هؤلاء ، وليس من المنطق في شيءٍ أن ننتزع حكماً عاماً على مذهب من المذاهب ، لأن بعض الأفراد المندسِّين فيه عُرِفوا بنظريَّات هَدَّامة ، لا سِيَّما إذا كانت أسُسُ المذهب واضحة ، ولا تلتقي مع المندسين بشكل من الأشكال .
م........
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اللهم صل علی محمد وآل محمد
اتُّهِم التشيع بأنه فارسي ، لأسباب نجملها بما يأتي :
الأول :
نقول : لا تختص هذه التهمة بالفرس ، وإنما هي صورة من صور رمي التشيع بكل ما هو مكروه ، ولما كانت العلاقات بين الفُرْس والعرب قد ساءت ، بعد أن امتدَّ نفوذ الفُرْس في دولة الإسلام ، أراد أعداء الشيعة أن يرموهم بالفارسية ، ليضيفوا إلى قوائم التهريج قائمة أخرى ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر لمَّا كان الشيعة منذ فترة تكوينهم من المعارضين للحكم ، لأنهم يرون أنَّ الخلافة بالنص وليست بالشورى .
ويرون أيضاً أنَّها للامام علی وولده علیهم السلام ، وإنما تنازل الإمام علي ( عليه السلام ) عنها وسكتَ حِرصاً على مصلحة المسلمين ، وتضحية بالمهم في سبيل الأهم ، وقد حفظ ذلك بيضة الإسلام ، وقد جرَّت عليهم هذه العقيدة كل أنواع الملاحقة ، وبالخصوص أيام معاوية وما تلاها ، إلى العصور المتأخرة .
وللإِمعان بالتنكيل بهم ، وإبعادهم عن الساحة ، حشدت لهم السلطات كل ما تملك من وسائل التحطيم ، حتى أصبح الشيعة مختبراً لممارسة البطولات من كل حامل سلاح ، وإن كان سيفه مثلوماً ، ويده ترتعش .
الثاني :
إن الفارسيَّة لم تكن حجة يوم كان الفُرْس سُنَّة ، وإنَّما عادت حجة يوم تشيَّع قسم من الفُرْس ، ودليل ذلك أنَّك ترى الطبقة الأولى والثانية من الذين تهجَّموا على الشيعة ، وكالوا لهم التُهَم ، لم يضعوا في قائمتهم تُهمة الفارسية ، وبوسعك الرجوع إلى ما كتبه ابن عبد ربه الأندلسي في ( العقد الفريد ) ، بالفصل الخاص بالشيعة ، وارتجل لهم المثالب والمطاعن فيه ، فإنك لا تجد هذه التُهمة ضمن التهم .
ولو راجعت ما كتبه الشهرستاني في كتابه المِلَل والنحل ، وما ذكره عن الشيعة ، فسوف لا تجد تهمة الفارسية من التهم التي ساقها ، نعم ، ذكر ابن حزم أنَّ هناك أفراداً من الفُرْس شيعة في بعض استطراداته ، حتى جاء المقريزي في القرن التاسع ، فرام أن يصوِّر أن التشيع فارسي .
فالمسألة جاءت متأخرة ، وهكذا المتأخرون عن هذه الطبقة لم ترد في قوائمهم هذه التهمة ، وإنما جاءت من بعد القرن التاسع ، وبدء القرن العاشر ، والغريب أن يكون بعض فرسان هذه الحملة من الفرس أنفسهم ، أرادوا أن يظهروا أنفسهم بأنّهم أحرص على العروبة من العرب أنفسهم ، ولا نستبعد أن لهؤلاء أهدافاً خبيثةً من وراء ذلك .
الثالث :
قوة استدلال الشيعة بأن الخلافة بالنص وليست بالشورى ، وذلك لأن الشورى لا سَند لها من الكتاب والسنة ، وإنما هي مجرد اجتهاد من المسلمين ، الذين ظَنُّوا أن لا نَصَّ هناك ، ثم إن الشيعة يتساءلون أين هي الشورى ، وما هي أركانها ، وشروطها ، وكيفيتها .
وهل تحققت في أيام الخلفاء ، ونُصِّب الخلفاء بموجبها ، أم لا ؟ مع أننا نعلم أنَّ الذين بايعوا الخليفة الأول بالسقيفة اثنان ، هم الخليفة الثاني ، وأبو عبيدة ، وعلى رواية أخرى إنهم أربعة ، كما يروي ذلك الحلبي في سيرته ، والبخاري في باب فضل أبي بكر .
ولذلك ذهب أهل السنة إلى أن الإِمامة تنعقد ببيعة اثنين من أهل الحلِّ والعقد ، فإن هذه النظرية واضح منها أنها تصحيح للموقف يوم السقيفة ، ورفع للتناقض في منهج الشورى نظرياً ، وتطبيقاً .
فإنّه لا عاقل يمكن أن يتصور انتخاب خليفة من قبل اثنين فقط ، وهذان الاثنان يتم تمثيل المسلمين بهما ، وقد صورت البيعةَ خَير تصوير كلمةُ الخليفة الثاني : إن خلافة أبي بكر فَلْتة وقى الله شرَّها ، فإن تعبير الخليفة عنها أنها ( فَلْتة ) يؤكد أنها لم تكن عن منهاج سابق .
ثم يرد تساءل آخر ، هو : هل أن الخليفة الثاني جاء إلى الحكم عن طريق الشورى ، أم عن طريق تعيين الخليفة الأول له ، كما هو واقع الحال ؟
والتساؤل الثالث هو : هل أن الخليفة الثالث جاء الحكم عن طريق الشورى ، أم عن طريق خمسة عيَّنَهم الخليفة الثاني ، ولم يؤيده منهم إلا ثلاثة ؟
إذن ، كل باحث موضوعي لا يمكن أن يستند إلى صدور نظرية الشورى عن الشريعة الإسلامية ، لا نظرياً ، ولا تطبيقياً ، والهدف المرسوم هو دفع نظرية النص والوصاية عن كونها من الإسلام ، وجعلها من مورثات الفُرْس التي نقلوها معهم لما دخلوا إلى التشيُّع .
فإذا قلتَ لهؤلاء : إن الوصاية ثبتت بنصوص قبل دخول الفُرْس للإسلام ، قيل لك : إن هذه الروايات دَسَّها الشيعة في كتب السنة ، فإذا ذكرت لهم عدة طرق للرواية قيل لك إن الوصية التي تذهبون إليها إنما هي في أمور بسيطة بيتية ، وليس لها صِلة بموضوع الخلافة ، وهكذا .
هذه في نظرنا أهم المزاعم التي أدَّت إلى رَمْي التشيُّع بالفارسية ، وهي مزاعم أصبحت يفنِّد بعضها بعضاً ، لوجود الواقع الخارجي الذي يُعيِّن هوية التشيع بصورة مُجسَّدة .
ثم جاء المستشرقون بعد ذلك ، فضربوا على هذا الوتر ، لأهداف كثيرة ، منها : ضرب وحدة المسلمين ، وبعد ذلك تزييف ركائزهم الفكرية ، ولأجل ذلك تجد كتب المستشرقين تؤكد على هذه النقطة ، وترتب عليها آثاراً كثيرة ، وكأنَّ هذا الموضوع مُختصٌّ بالشيعة فقط ، أما السنة من الفرس فهم محروسون من أن يتدسَّسَ إليهم الفكر الفارسي ، حتى ولو كان ثمانون بالمئة من الفُرْس منهم .
ولسنا ننفي أن تكون هناك أسباب أخرى لرمي التشيُّع بالفارسية قد يكون منها أحياناً بعض الاستنتاجات الخاطئة ، أو سوء الفهم الذي يعتبر كل التقاء بين نظريتين هو تأثير وتأثر ، وقد يكون صدفة .
وإن مجرد التقاء نظرية للشيعة مع نظرية للفُرْس لا يشكل مبرراً بحال من الأحوال ، لاعتبار الفكر الفارسي مصدر العقائد الشيعية ، وذلك لوضوح أن الفكر الديني في العقائد والأحكام مصدره الكتاب والسنة ، في حين أن نظريات الفُرْس هي نظريات وضعية ، لا تستند إلى شريعة واحدة أو متعددة ، حتى يقال إن هؤلاء أخذوا من هؤلاء .
كيف صار الفُرس شيعة :
إذا حاولنا مسح الأبعاد التاريخية البيئية للفُرْس ، نجد أنَّ من تَشيَّع منهم يُقسَّمون أقساماً ، هي :
القسم الأول :
وهو القسم الذي تشيع بعملية انتقاء ، واختيار عن طريق الصحابة الذين رافقوا عمليات الفتح ، ونقلوا معهم عقائدهم ، وفكرهم الشيعي ، وقد ساعد على ذلك أن اعتناق التشيع آنذاك لا يسبب لهم ضرراً ، لأن العملية كانت شيئاً طبيعياً ، وبعدهم عن مواطن الاحتكاك .
ولأنّ الفكر كان ضِمن نطاق الأمور العقائدية ، ولا يتجسد في فعَّاليات سياسية ، ومن أبرز مواطن التشيع في هذا القسم ( خراسان ) ، ثم ( قم ) بعد ذلك .
القسم الثاني :
هُمُ الذين تشيَّعوا تعاطُفاً مع الشيعة ، الذين نالهم الاضطهاد بعد ذلك ، وهذا القسم جمعه الاضطهاد معهم ، لأنه كان مضطهداً ، ومن هؤلاء الموالي في قسم كبير منهم ممَّن كان داخل بلدان الخلافة ، أو الذين لحقهم الاضطهاد داخل ( إيران ) .
وقد بدأت تصل إليهم أفواج من المهجَّرين المضطهدين لأجل تشيعهم ، والذين دفع منهم زياد بن أبيه خمسين ألفاً إلى ( خراسان ) حتى يخلِّص الكوفة من العناصر الشيعية الصلبة .
وكان بعد ذلك أن تمازجت أفكارهم بعد التقاء مشاعرهم ، وصار الفكر متبادلاً بينهم ، وساعد على ذلك استمرار الاضطهاد فترات امتدَّت طويلاً ، والعقائد كثيراً ما يرسخها الاضطهاد .
القسم الثالث :
الذين تَشيَّعوا عن طريق اللقاء الثقافي المُعمَّق ، لأن الشيعة اضطرُّوا إلى تعميق ثقافتهم ، وَوُلوج مختلف ميادين المعرفة للدفاع عن وجودهم ، والذودِ عن عقائدهم ، بالنظر إلى تعرضهم إلى وضعيَّات شرسة ، خصوصاً وأن الحكم ووسائل القوة ليست بأيديهم .
وكان أن استهوت ثقافتهم قطاعاً كبيراً من الفرس ، نظراً لخلفيَّتهم الحضارية ، ونهوض الحُجَّة في نظرهم ، لكثير من معتقدات الشيعة التي لم يدعمها سيف ، ولا بريق مال ، ولا طمع في حكم ، بل لمجرد الاقتناع بصحة أدلتهم .
القسم الرابع :
هُمُ الذين دخلوا التشيع مع التيار الذي صنعه الحُكَّام ، وأعلنوا ضرورة العدول إلى مذهب الشيعة ، وهؤلاء قِلَّة يُعتدُّ بها ، وقد تظاهرت بذلك لأنه لا يمكن للعقائد أن تفرض فرضاً ، وذلك حينما أعلن السلطان خُدَا بَنْدَه ، ثم بعد ذلك الصفويُّون ، في بداية القرن العاشر رسميَّةَ المذهب الشيعي ، وذلك مثلما حدث لـ ( ديار بكرٍ ) و( ديار ربيعة ) ، التي كانت شيعية أيام الحمدانيِّين ، ثم حوَّلهم الحُكَّام إلى سُنَّة .
وكما حدث لـ ( مصر ) بعد حكم الفاطميِّين ، إذ حُوِّلت إلى سُنِّية أيام الأيُّوبيِّين ، وكما حدث ذلك لكثير من البلدان ، ولسنا نزعم أنه لا يوجد من قد يكون دخل التشيُّع وله أهداف غير سليمة ، وليس ذلك بذنبٍ للتشيع ، فكثير من اليهود دخلوا الإسلام وتظاهروا بذلك ، وفي نفوسهم أهداف خبيثة ، ولا نعتبر الإسلام مسؤولاً عن ذلك .
كما أن هذه الفصيلة التي تدخل الإسلام أو التشيع ولها أهداف مسمومة لا تعدو أصابع اليد ، ولا تشكل خطراً ، بدليل أن جوهر الإسلام محفوظ ، رغم وجود أمثال هؤلاء ، وليس من المنطق في شيءٍ أن ننتزع حكماً عاماً على مذهب من المذاهب ، لأن بعض الأفراد المندسِّين فيه عُرِفوا بنظريَّات هَدَّامة ، لا سِيَّما إذا كانت أسُسُ المذهب واضحة ، ولا تلتقي مع المندسين بشكل من الأشكال .
م........