خادم الشيخ الكوراني
15-06-2009, 12:45 PM
العراق في عصر الظهور
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية
الأحاديث حول العراق كثيرة في علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام وحركة ظهوره ، ذلك أن الله عز وجل قدر وقضى أن يكون العراق عاصمة دولة العدل الإلهي العالمية التي يقيمها الإمام عليه السلام . ويصعب تقسيم الروايات المتعلقة بالعراق قبل الظهور ، فمنها ما يذكر الحكام فيه ، أو يمدح بعض بلدانه أو يذمها ، أو يتحدث عن نقص في الثمرات ، وخوف يشمل أهله لايقر لهم معه قرار..الخ.
وقد أورد المفيد رحمه الله مجموعة علامات لظهور الإمام المهدي عليه السلام وأحداثاً تكون في العراق وغيره ، قال في الإرشاد:2/368: (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قبل خراسان ، وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه ، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار ، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات ، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون . ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها ، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار .
وجملة من هذه الأحداث محتومة ومنها مشروطة، والله أعلم بما يكون ، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول ، وتضمنها الأثر المنقول). انتهى.
أقول: ما ذكره قدس سره تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة ، ولا يقصد به أنها متسلسلة حسب ما ذكرها ، فمنها علامات قريبة لايفصلها عن ظهوره الإمام عليه السلام أكثر من أسبوعين كقتل النفس الزكية بين الركن والمقام ، بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي عليه السلام . ومنها ما يفصله عن ظهوره عليه السلام قرون عديدة كاختلاف بني العباس فيما بينهم ، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين .
وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط منها: أن منها حتمي الوقوع على كل حال ، كما ورد في السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها . ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره ، ولله الأمر من قبل ومن بعد فيها وفي غيرها .
وقد تقدم بحث النفس الزكية في العراق والمدينة ومكة . ونورد فيما يلي أبرز هذه الأحاديث المتعلقة بالعراق تحت عناوين مناسبة:
ضعف رواية جفاف الفرات
عبد الرزاق:11/373 ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: شكي إلى ابن مسعود الفرات ، فقالوا: نخاف أن ينفتق علينا فلو أرسلت من يسكره ، فقال عبد الله: لا نسكره ، فوالله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه ، وليرجعن كل ماء إلى عنصره ، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام) . ونحوه ملاحم ابن المنادي/63، وفي الحاكم:4/504 ، عن عبد الله: يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستاً من ماء فلا تجدونه ، ينزوي كل ماء إلى عنصره ، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماءوقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ).
أقول: لا أصل لهذا الجفاف المزعوم في الفرات أو في مياه الأرض، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن سنة ظهور المهدي عليه السلام تكون سنة غيداقة كثيرة المطر حتى تفسد الثمار ويفيض الفرات في الكوفة . ففي الإرشاد/361 ، عن جعفر بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة) . ومثله في غيبة الطوسي/273 ، عن جعفر بن سعيد الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وإعلام الورى/429 ، والخرائج:3/1164، وإثبات الهداة:3/733 ، والبحار:52/217 .
وفي الإرشاد/361 ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكوا في ذلك). ونحوه في غيبة الطوسي/272 وإعلام الورى/428 ، والخرائج:3/1164 ، وإثبات الهداة:3/728 ، والبحار:52/214 .
ضعف روايات خراب بغداد
في ملاحم ابن المنادي/43 ، عن جرير بن عبد الله البجلي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة) . وتذكرة القرطبي:2/681 و697، آخره ، والكشف والبيان:8/302 ، وجامع السيوطي:4/772 ، وموضوعات ابن الجوزي:2/61 ، قال علي بن أبي طالب عليه السلام سمعت حبيبي محمداً عليهما السلام يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة يشد فيها الخشب والأجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجباربرة أمتي ، أما إن هلاكها على يدي السفياني كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها ).
أقول: من تتبعي لروايات خسف بغداد وزوالها ، ترجَّحَ عندي أن يكون أساسها من وضع أتباع بني أمية ، لأن بغداد سرعان ما حلت محل الشام . ولأن أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن خراب الشام بيد ولده المهدي عليهما السلام ! لذلك لايمكن الإعتماد عليها ، خاصة أنهم ذكرت أن دمار بغداد على يد السفياني ! ففي تاريخ بغداد:1/38 ، عن أبي أسود الدؤلي: قال علي بن أبي طالب: سمعت حبيبي محمداً صلى الله عليه وآله يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني ، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها ). انتهى. فالرواية تقول إن بني أمية سيعودون وينتقمون من بني عباس !
روايات الفريقين حول البصرة
أبو داود:4/113 ، عن صالح بن درهم قال: انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها الأبلة ؟ قلنا نعم ، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة ؟ سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وآله يقول: إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم . وقال أبو داود: هذا مسجد مما يلي النهر). والأبُلَّة: بفتح الهمزة وضم الباء وتشديد اللام ، محلة قديمة قرب البصرة ، وهي اليوم جزء منها. وملاحم ابن المنادي/40 ، ومصابيح البغوي:3/486 ، من حسانه ، وكلاهما كما في أبي داود، وجامع الأصول:10/219 ، وكنز العمال:12/285 ، كلاهما عن أبي داود.
أبو داود:4/113، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا أنس، إن الناس يمصرون أمصاراً ، وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة ، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير ) . سِباخها ، أي أرضها الملحية التي لاتكاد تنبت . كَلاها: أي مراعيها .
وملاحم ابن المنادي/38 ، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: قال النبي صلى الله عليه وآله : إن أناساً من أمتي ينزلون حائطاً يقال له البصرة وعنده نهر له يقال له دجلة ، وتكون من أمصار المهاجرين ، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا قوم عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلون بشاطئ النهر ، فيفترق أهلها على ثلث فرق ، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل والبرية فيهلكون . وقال: وفيه كلام انقطع عن عارم من الفضل . وقد روى هذا الحديث عبد الصمد عبد الوارث عن أئمة: وفرقة آخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم شهداء) .
المعجم الأوسط:7/561 ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله : إن المسلمين يمصرون بعدي أمصاراً ، مما يمصرون مصراً يقال لها البصيرة فإن أنت وردتها فإياك ومقصفها وسوقها وباب سلطانها فإنها سيكون بها خسف ومسخ وقذف . آية ذلك الزمان أن يموت العدل ويفشو فيها الجور ويكثر فيها الزنا ويفشو فيها شهادة الزور). ونحوه جمع الفوئد:3/317 ، وفيه: وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازيز ).انتهى.
أقول: لايمكن الإعتماد على هذه الروايات ، بعد أن شهد أهل البيت عليهم السلام بعدم وثاقة أنس ، وكذا أبي بكرة وهو أخ زياد بن أبيه ، كما أن البغوي حكم بوضع الحديث الأخير وكذا ابن الجوزي ، ودافع عنه ابن حجر .
قال في هامش مصابيح البغوي:3/486: وهذا الحديث مما استخرجه الإمام القزويني من كتاب المصابيح وقال إنه موضوع ، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عنه في أجوبته عن أحاديث المصابيح الحديث الخامس عشر فقال: قلت أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم من طريق موسى الحناط قال: لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا أنس إن الناس يمصرون... ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى الحناط لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ، ولا يلزم من شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعفاً ، فضلاً عن أن يكون كذاباً وتفرد به ، والواقع لم يتفرد به ، بل أخرج أبو داود أيضاً لأصله شاهداً بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ).انتهى. أقول: ومع ذلك لايمكننا الأخذ به ، لأن دواعي الوضع فيه قوية !
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ثورة الزنج بالبصرة
وقد أوردنا في الفصل الثاني الخطبة المنسوبة الى أمير المؤمنين عليه السلام ، التي رواها ابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة:1/289، خطبة 13، وهي مرسلةً وفيها ذم البصرة وإخبار عن أحداث ستقع فيها مثل قوله: (كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ . ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ ، قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لارهج له ولا حس !
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب ، يا ابن الجارود نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال ، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ). الى آخرها.. وبعضها في الإحتجاج:1/250، عن ابن عباس .
وقد قلنا إن هذه الخطبة مرسلة لاسند لها ، فلا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول الى قوله عليه السلام : (كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر) ، فهو مشهور رواه المحدثون والمؤرخون ، ويؤيده كلامه عليه السلام الذي يذكر فيه ثورة الزنج . وقد شهد الرواة والمؤرخون أن أمير المؤمنين عليه السلام وصفها قبل وقوعها بنحو ثلاث مئة سنة ، ومن ذلك خطبته في نهج البلاغة شرح الصالح/148 خطبة102، قال فيها: (فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة ، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم ، يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند المتكبرين ، في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم الله ، لا رهج له ولا حس ، وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر). وشرح عبدة/196 خطبة 98 ، وابن أبي الحديد:7/102 .
قال الشريف الرضي رحمه الله :يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ،ثم قال عليه السلام : ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة، التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم) . انتهى.
وكان قائد ثورة الزنج القرمطي الذي ادعى أنه علوي وانطبقت عليها الأوصاف التي وصفها بها أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت ثورتهم ردة فعل على الظلم والترف واضطهاد العبيد ، وعامة جيشه من الزنوج الحفاة الذين لاخيل لهم .
روايات غرق البصرة
أما غرق البصرة فقال عليه السلام في الخطبة رقم13: (كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم . أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . المقيم بينكم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه . كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها).
والأحداث التي ذكرت فيها تنطبق على غرق البصرة الذي مضى. قال في شرح النهج:1/253: ( فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها ، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها ، فتغرق ويبقى مسجدها . والصحيح أن المخبر به قد وقع . فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام ! جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها ، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم). انتهى.
روايات خراب البصرة
روايات خراب البصرة ثلاثة أنواع: خرابها بالغرق ، وخرابها بثورة الزنج ، وخرابها بالخسف والتدمير . وقد وقع الخرابان الأولان في زمن العباسيين .
أما خرابها الذي عدوه من علامات ظهور المهدي عليه السلام فعمدة رواياته اثنتان: الأولى: ما رواه المفيد رحمه الله في الإرشاد/361، عن الإمام الصادق عليه السلام : يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لايكون لهم معه قرار). ومثله إعلام الورى/429 ، بتفاوت يسير ، وعنهما إثبات الهداة:3/733 ، و/742 ، وفيه: وخسف بمنارة البصرة ، وهو يدل على أنه الخسف محدود بمكان فيها ، فهو غير ائتفاكها وانقلاب أسفلها أعلاها ). فإن صحت الرواية فهي تدل على أن الخسف الذي هو من علامات الظهور في مكان منها .
والثانية: أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي، وأنها ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة .
فقد روى البحار:60/224، وغيره أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبته في البصرة: (يا منذر، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء ، منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة... الى أن قال: يا أهل البصرة ، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولاكرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم . أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارؤكم أقرأ الناس، وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أكرم الناس خلقاً ، وأنتم أكثر الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لايعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة، ثمرتكم أكثر الثمار وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً غير أن حكم الله ماض وقضاءه نافذ لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب ، يقول الله: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً . إلى أن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً وليس معه غيري: إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها ، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها ، وما يكون إلى يوم القيامة ، ولم يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم ، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون . وإني رأيت على شاطئ البحر قرية تسمى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء ، وإنها لأسرع الأرض خراباً ، وأخشنها تراباً وأشدها عذاباً . ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً ، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه . وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه . ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها ، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له . ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه ، وما الله بظلام للعبيد).
وروى في الكافي:8/179، عن أبي بصير ، أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله عز وجل: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى؟ قال: هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت: وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم).
وفي تفسير القمي:2/383: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ: المؤتفكات البصرة ، والخاطئة فلانة).
وروت ائتفاك البصرة المصادر السنية ، ففي الأربعين البلدانية لابن عساكر:1/436 ، ومعجم البلدان:1/436: ( لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم ! أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة أقْوَمُ أرض الله قبلةً ، قارؤها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ، ومتصدقها أعظم الناس صدقة . منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ ، يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد ، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي . وهذا الخبر بالمدح أشبه . وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود ، يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة ، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم ، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق ، يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة ، أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خراباً وغرقاً. ألا إني سمعت رسول الله يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها ، ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً ، ليأتين عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجوجؤ السفينة في لجة البحر .
ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له ! فقيل يا أمير المؤمنين: ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب .
وفي رواية أن علياً رضي الله لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة ! يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة . يا جند المرأة.. ثم ذكر الذي قبله ثم قال: إنصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال:الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً وأسرعها خراباً).
وفي شرح مسلم للنووي:1/153: (قال صاحب المطالع: ويقال لها تدمر ويقال لها المؤتفكة ، لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر ).
وفي الفايق في غريب الحديث:3/260: ( أنس: البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها وإياك والملكة). مَلك الطريق ومَلَكتُه ومَلاكه ومَمْلكته: وسطه).
وفي الأربعين البلدانية:5/219: (المؤتفكة... وفي كلام أمير المؤمنين في ذم أهل البصرة أنه صعد منبر البصرة بعد وقعة الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة وعذاب أليم ، فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. فهذا يدل على أن الائتفاك الانقلاب وليس بعلم لموضع بعينه ، إلا أن يكون لما انقلبت المؤتفكة سمي كل منقلب مؤتفكاً، وصح من الإسم الصريح فعلاً).ونحوه في البدء والتاريخ/436 ، ونثر الدرر/142 .
تفسير القمي:2/339: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل البصرة وياأهل المؤتفكة ياجند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، ماؤكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق ولُعنتم على لسان سبعين نبياً ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طُويَت له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال ، المقيم فيها مذنب والخارج منها متدارك برحمة ، وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة).والإيقاظ/260 ، والبرهان:4/256 .
وبالتأمل في أمر هذه النصوص وغيرها ، يطمئن الإنسان بـأن مضمونها صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام وأن البصرة اتئفكت في الماضي مرتين أو أكثر وستأتفك مرة أخرى ، لكن لم يرد في أي نص منها أن ذلك من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام ولاحددت وقته ، إلا رواية تفسير القمي حددته بأنه في الرجعة ، والرجعة قد تكون بعد دولة الإمام المهدي عليه السلام بقرون طويلة .
ويؤيده ما قلناه أن بعض رواياتها ذكرت أنه الخسف هو الموعود بقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً . وهذا أمرٌ عام قد يكون في الرجعة قبل القيامة ولايختص بالبصرة .
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني
النعماني/302 ، عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن السفياني فقال: وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني ، يخرج من أرض كوفان ، ينبع كما ينبع الماء ، فيقتل وفدكم ، فتوقعوا بعد ذلك السفياني ، وخروج القائم عليه السلام ). وعنه البحار:52/250. والشيصباني: الشيطاني ، وهو تعبير يستعمله الأئمة عليهم السلام للطواغيت والأشرار . وأرض كوفان: العراق ، ويكون خروجه أي حكمه فجأة بنحو غير متوقع: ينبع كما ينبع الماء . ومعنى الحديث أنه يكون طاغية سفاكاً (يقتل وفدكم) أي وجهاء المؤمنين الذين يتقدمون الوفد عادة ، يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها ورهطها . ويكون قبل السفياني بقليل بدليل قوله عليه السلام : (فتوقعوا بعد ذلك السفياني) . وهذه الصفات تنطبق على صدام ، فإن ظهر بعده السفياني في الشام بدون فاصلة طويلة ، يكون هو شيصباني العراق الموعود .
يتبع
العراق عاصمة دولة العدل الإلهية
الأحاديث حول العراق كثيرة في علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام وحركة ظهوره ، ذلك أن الله عز وجل قدر وقضى أن يكون العراق عاصمة دولة العدل الإلهي العالمية التي يقيمها الإمام عليه السلام . ويصعب تقسيم الروايات المتعلقة بالعراق قبل الظهور ، فمنها ما يذكر الحكام فيه ، أو يمدح بعض بلدانه أو يذمها ، أو يتحدث عن نقص في الثمرات ، وخوف يشمل أهله لايقر لهم معه قرار..الخ.
وقد أورد المفيد رحمه الله مجموعة علامات لظهور الإمام المهدي عليه السلام وأحداثاً تكون في العراق وغيره ، قال في الإرشاد:2/368: (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني وقتل الحسني، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قبل خراسان ، وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه ، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة ، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار ، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات ، وقلة ريع لما يزرعه الناس، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون . ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها ، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار .
وجملة من هذه الأحداث محتومة ومنها مشروطة، والله أعلم بما يكون ، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول ، وتضمنها الأثر المنقول). انتهى.
أقول: ما ذكره قدس سره تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة ، ولا يقصد به أنها متسلسلة حسب ما ذكرها ، فمنها علامات قريبة لايفصلها عن ظهوره الإمام عليه السلام أكثر من أسبوعين كقتل النفس الزكية بين الركن والمقام ، بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي عليه السلام . ومنها ما يفصله عن ظهوره عليه السلام قرون عديدة كاختلاف بني العباس فيما بينهم ، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين .
وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط منها: أن منها حتمي الوقوع على كل حال ، كما ورد في السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها . ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره ، ولله الأمر من قبل ومن بعد فيها وفي غيرها .
وقد تقدم بحث النفس الزكية في العراق والمدينة ومكة . ونورد فيما يلي أبرز هذه الأحاديث المتعلقة بالعراق تحت عناوين مناسبة:
ضعف رواية جفاف الفرات
عبد الرزاق:11/373 ، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: شكي إلى ابن مسعود الفرات ، فقالوا: نخاف أن ينفتق علينا فلو أرسلت من يسكره ، فقال عبد الله: لا نسكره ، فوالله ليأتين على الناس زمان لو التمستم فيه ملء طست من ماء ما وجدتموه ، وليرجعن كل ماء إلى عنصره ، ويكون بقية الماء والمسلمين بالشام) . ونحوه ملاحم ابن المنادي/63، وفي الحاكم:4/504 ، عن عبد الله: يوشك أن تطلبوا في قراكم هذه طستاً من ماء فلا تجدونه ، ينزوي كل ماء إلى عنصره ، فيكون في الشام بقية المؤمنين والماءوقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ).
أقول: لا أصل لهذا الجفاف المزعوم في الفرات أو في مياه الأرض، وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن سنة ظهور المهدي عليه السلام تكون سنة غيداقة كثيرة المطر حتى تفسد الثمار ويفيض الفرات في الكوفة . ففي الإرشاد/361 ، عن جعفر بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقة الكوفة) . ومثله في غيبة الطوسي/273 ، عن جعفر بن سعيد الأسدي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وإعلام الورى/429 ، والخرائج:3/1164، وإثبات الهداة:3/733 ، والبحار:52/217 .
وفي الإرشاد/361 ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قدام القائم عليه السلام لسنة غيداقة يفسد فيها الثمار والتمر في النخل فلا تشكوا في ذلك). ونحوه في غيبة الطوسي/272 وإعلام الورى/428 ، والخرائج:3/1164 ، وإثبات الهداة:3/728 ، والبحار:52/214 .
ضعف روايات خراب بغداد
في ملاحم ابن المنادي/43 ، عن جرير بن عبد الله البجلي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل، تجبى إليها كنوز الأرض يخسف بها ، فلهي أسرع ذهاباً في الأرض من الحديدة المحماة في الأرض الخوارة) . وتذكرة القرطبي:2/681 و697، آخره ، والكشف والبيان:8/302 ، وجامع السيوطي:4/772 ، وموضوعات ابن الجوزي:2/61 ، قال علي بن أبي طالب عليه السلام سمعت حبيبي محمداً عليهما السلام يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة يشد فيها الخشب والأجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجباربرة أمتي ، أما إن هلاكها على يدي السفياني كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها ).
أقول: من تتبعي لروايات خسف بغداد وزوالها ، ترجَّحَ عندي أن يكون أساسها من وضع أتباع بني أمية ، لأن بغداد سرعان ما حلت محل الشام . ولأن أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن خراب الشام بيد ولده المهدي عليهما السلام ! لذلك لايمكن الإعتماد عليها ، خاصة أنهم ذكرت أن دمار بغداد على يد السفياني ! ففي تاريخ بغداد:1/38 ، عن أبي أسود الدؤلي: قال علي بن أبي طالب: سمعت حبيبي محمداً صلى الله عليه وآله يقول: سيكون لبني عمي مدينة من قبل المشرق بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة ، يشيد فيها بالخشب والآجر والجص والذهب ، يسكنها شرار خلق الله وجبابرة أمتي ، أما إن هلاكها على يد السفياني ، كأني بها والله قد صارت خاوية على عروشها ). انتهى. فالرواية تقول إن بني أمية سيعودون وينتقمون من بني عباس !
روايات الفريقين حول البصرة
أبو داود:4/113 ، عن صالح بن درهم قال: انطلقنا حاجين فإذا رجل فقال لنا: إلى جنبكم قرية يقال لها الأبلة ؟ قلنا نعم ، قال: من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشار ركعتين أو أربعاً ويقول هذه لأبي هريرة ؟ سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وآله يقول: إن الله يبعث من مسجد العشار يوم القيامة شهداء ، لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم . وقال أبو داود: هذا مسجد مما يلي النهر). والأبُلَّة: بفتح الهمزة وضم الباء وتشديد اللام ، محلة قديمة قرب البصرة ، وهي اليوم جزء منها. وملاحم ابن المنادي/40 ، ومصابيح البغوي:3/486 ، من حسانه ، وكلاهما كما في أبي داود، وجامع الأصول:10/219 ، وكنز العمال:12/285 ، كلاهما عن أبي داود.
أبو داود:4/113، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: يا أنس، إن الناس يمصرون أمصاراً ، وإن مصراً منها يقال له البصرة أو البصيرة ، فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاها وسوقها وباب أمرائها وعليك بضواحيها ، فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير ) . سِباخها ، أي أرضها الملحية التي لاتكاد تنبت . كَلاها: أي مراعيها .
وملاحم ابن المنادي/38 ، عن أبي بكرة أخ زياد بن أبيه: قال النبي صلى الله عليه وآله : إن أناساً من أمتي ينزلون حائطاً يقال له البصرة وعنده نهر له يقال له دجلة ، وتكون من أمصار المهاجرين ، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا قوم عراض الوجوه صغار الأعين حتى ينزلون بشاطئ النهر ، فيفترق أهلها على ثلث فرق ، فأما فرقة فيأخذون بأذناب الإبل والبرية فيهلكون . وقال: وفيه كلام انقطع عن عارم من الفضل . وقد روى هذا الحديث عبد الصمد عبد الوارث عن أئمة: وفرقة آخذون لأنفسهم وهلكوا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلون وهم شهداء) .
المعجم الأوسط:7/561 ، عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله : إن المسلمين يمصرون بعدي أمصاراً ، مما يمصرون مصراً يقال لها البصيرة فإن أنت وردتها فإياك ومقصفها وسوقها وباب سلطانها فإنها سيكون بها خسف ومسخ وقذف . آية ذلك الزمان أن يموت العدل ويفشو فيها الجور ويكثر فيها الزنا ويفشو فيها شهادة الزور). ونحوه جمع الفوئد:3/317 ، وفيه: وعليك بضواحيها فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف ، وقوم يبيتون فيصبحون قردة وخنازيز ).انتهى.
أقول: لايمكن الإعتماد على هذه الروايات ، بعد أن شهد أهل البيت عليهم السلام بعدم وثاقة أنس ، وكذا أبي بكرة وهو أخ زياد بن أبيه ، كما أن البغوي حكم بوضع الحديث الأخير وكذا ابن الجوزي ، ودافع عنه ابن حجر .
قال في هامش مصابيح البغوي:3/486: وهذا الحديث مما استخرجه الإمام القزويني من كتاب المصابيح وقال إنه موضوع ، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عنه في أجوبته عن أحاديث المصابيح الحديث الخامس عشر فقال: قلت أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم من طريق موسى الحناط قال: لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يا أنس إن الناس يمصرون... ورجاله ثقات ليس فيه إلا قول موسى الحناط لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس ، ولا يلزم من شكه في شيخه الذي حدثه به أن يكون شيخه فيه ضعفاً ، فضلاً عن أن يكون كذاباً وتفرد به ، والواقع لم يتفرد به ، بل أخرج أبو داود أيضاً لأصله شاهداً بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ).انتهى. أقول: ومع ذلك لايمكننا الأخذ به ، لأن دواعي الوضع فيه قوية !
إخبار أمير المؤمنين عليه السلام عن ثورة الزنج بالبصرة
وقد أوردنا في الفصل الثاني الخطبة المنسوبة الى أمير المؤمنين عليه السلام ، التي رواها ابن ميثم البحراني في شرح نهج البلاغة:1/289، خطبة 13، وهي مرسلةً وفيها ذم البصرة وإخبار عن أحداث ستقع فيها مثل قوله: (كأني أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شُرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر ! فقام إليه الأحنف بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟قال: يا أبا بحر إنك لن تدرك ذلك الزمان وإن بينك وبينه لقروناً ، ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحولت أخصاصها دوراً وآجامها قصوراً فالهرب الهرب فإنه لا بصيرة لكم يومئذ . ثم التفت عن يمينه فقال: كم بينكم وبين الأبلة ؟ فقال له المنذر بن الجارود: فداك أبي وأمي ، أربعة فراسخ ، قال له: صدقت فوالذي بعث محمداً وأكرمه بالنبوة وخصه بالرسالة وعجل بروحه إلى الجنة لقد سمعت منه كما تسمعون مني أن قال: يا علي هل علمت أن بين التي تسمى البصرة والتي تسمى الأبلة أربعة فراسخ ، وقد يكون في التي تسمى الأبلة موضع أصحاب العشور يقتل في ذلك الموضع من أمتي سبعون ألفاً شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر! فقال له المنذر: يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمي؟ قال: يقتلهم إخوان الجن وهم جيل كأنهم الشياطين ، سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم ، طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلة عند المتكبرين من أهل ذلك الزمان مجهولون في الأرض معروفون في السماء ، تبكي السماء عليهم وسكانها والأرض وسكانها ، ثم هملت عيناه بالبكاء ، ثم قال: ويحك يا بصرة من جيش لارهج له ولا حس !
قال له المنذر: يا أمير المؤمنين وما الذي يصيبهم من قبل الغرق مما ذكرت ، وما الويح ، وما الويل؟ فقال: هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب ، يا ابن الجارود نعم ، ثارات عظيمة منها عصبة يقتل بعضها بعضاً ، ومنها فتنة تكون بها خراب منازل وخراب ديار وانتهاك أموال ، وقتل رجال وسبي نساء يذبحن ذبحاً ، يا ويل أمرهن حديث عجب ). الى آخرها.. وبعضها في الإحتجاج:1/250، عن ابن عباس .
وقد قلنا إن هذه الخطبة مرسلة لاسند لها ، فلا يمكن الأخذ بها ، ما عدا القسم الأول الى قوله عليه السلام : (كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر) ، فهو مشهور رواه المحدثون والمؤرخون ، ويؤيده كلامه عليه السلام الذي يذكر فيه ثورة الزنج . وقد شهد الرواة والمؤرخون أن أمير المؤمنين عليه السلام وصفها قبل وقوعها بنحو ثلاث مئة سنة ، ومن ذلك خطبته في نهج البلاغة شرح الصالح/148 خطبة102، قال فيها: (فتن كقطع الليل المظلم ، لا تقوم لها قائمة ، ولا ترد لها راية ، تأتيكم مزمومة مرحولة ، يحفزها قائدها ويجهدها راكبها ، أهلها قوم شديد كلبهم قليل سلبهم ، يجاهدهم في سبيل الله قوم أذلة عند المتكبرين ، في الأرض مجهولون وفي السماء معروفون ، فويل لك يا بصرة عند ذلك ، من جيش من نقم الله ، لا رهج له ولا حس ، وسيبتلى أهلك بالموت الأحمر، والجوع الأغبر). وشرح عبدة/196 خطبة 98 ، وابن أبي الحديد:7/102 .
قال الشريف الرضي رحمه الله :يومئ بذلك إلى صاحب الزنج ،ثم قال عليه السلام : ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة، التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة ، من أولئك الذين لا يندب قتيلهم ولا يفقد غائبهم) . انتهى.
وكان قائد ثورة الزنج القرمطي الذي ادعى أنه علوي وانطبقت عليها الأوصاف التي وصفها بها أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت ثورتهم ردة فعل على الظلم والترف واضطهاد العبيد ، وعامة جيشه من الزنوج الحفاة الذين لاخيل لهم .
روايات غرق البصرة
أما غرق البصرة فقال عليه السلام في الخطبة رقم13: (كنتم جند المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم . أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . المقيم بينكم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه . كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة ، وقد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها ، وغرق من في ضمنها).
والأحداث التي ذكرت فيها تنطبق على غرق البصرة الذي مضى. قال في شرح النهج:1/253: ( فأما إخباره عليه السلام أن البصرة تغرق ما عدا المسجد الجامع بها ، فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها ، فتغرق ويبقى مسجدها . والصحيح أن المخبر به قد وقع . فإن البصرة غرقت مرتين، مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها ولم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين عليه السلام ! جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام ، وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها ، وهلك كثير من أهلها ، وأحد هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقله خلفهم عن سلفهم). انتهى.
روايات خراب البصرة
روايات خراب البصرة ثلاثة أنواع: خرابها بالغرق ، وخرابها بثورة الزنج ، وخرابها بالخسف والتدمير . وقد وقع الخرابان الأولان في زمن العباسيين .
أما خرابها الذي عدوه من علامات ظهور المهدي عليه السلام فعمدة رواياته اثنتان: الأولى: ما رواه المفيد رحمه الله في الإرشاد/361، عن الإمام الصادق عليه السلام : يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد ، وخسف ببلدة البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لايكون لهم معه قرار). ومثله إعلام الورى/429 ، بتفاوت يسير ، وعنهما إثبات الهداة:3/733 ، و/742 ، وفيه: وخسف بمنارة البصرة ، وهو يدل على أنه الخسف محدود بمكان فيها ، فهو غير ائتفاكها وانقلاب أسفلها أعلاها ). فإن صحت الرواية فهي تدل على أن الخسف الذي هو من علامات الظهور في مكان منها .
والثانية: أن البصرة من المؤتفكات المذكورة في القرآن أي المدن المنقلبات بأهلها بالخسف والعقاب الإلهي، وأنها ائتفكت ثلاث مرات وبقيت الرابعة .
فقد روى البحار:60/224، وغيره أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبته في البصرة: (يا منذر، إن للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في زبر الأول ، لا يعلمها إلا العلماء ، منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة... الى أن قال: يا أهل البصرة ، إن الله لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطة شرف ولاكرم إلا وقد جعل فيكم أفضل من ذلك ، وزادكم من فضله بمنه ما ليس لهم . أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكة ، وقارؤكم أقرأ الناس، وزاهدكم أزهد الناس وعابدكم أعبد الناس، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ومتصدقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيكم أشد الناس بذلاً وتواضعاً ، وشريفكم أكرم الناس خلقاً ، وأنتم أكثر الناس جواراً وأقلهم تكلفاً لما لايعنيه ، وأحرصهم على الصلاة في جماعة، ثمرتكم أكثر الثمار وأموالكم أكثر الأموال ، وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أمنع الناس وأحسنهن تبعلاً ، سخر لكم الماء يغدو عليكم ويروح صلاحاً لمعاشكم ، والبحر سبباً لكثرة أموالكم ، فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلاً وظلاً ظليلاً غير أن حكم الله ماض وقضاءه نافذ لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب ، يقول الله: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً . إلى أن قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لي يوماً وليس معه غيري: إن جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها ، وعلمني ما فيها وما قد كان على ظهرها ، وما يكون إلى يوم القيامة ، ولم يكبر ذلك على كما لم يكبر على أبي آدم ، علمه الأسماء كلها ولم تعلمها الملائكة المقربون . وإني رأيت على شاطئ البحر قرية تسمى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء ، وإنها لأسرع الأرض خراباً ، وأخشنها تراباً وأشدها عذاباً . ولقد خسف بها في القرون الخالية مراراً ، وليأتين عليها زمان وإن لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوماً عظيما بلاؤه . وإني لأعلم موضع منفجره من قريتكم هذه . ثم أمور قبل ذلك تدهمكم عظيمة أخفيت عنكم وعلمناها ، فمن خرج عنها عند دنو غرقها فبرحمة من الله سبقت له . ومن بقي فيها غير مرابط فبذنبه ، وما الله بظلام للعبيد).
وروى في الكافي:8/179، عن أبي بصير ، أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله عز وجل: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى؟ قال: هم أهل البصرة هي المؤتفكة قلت: وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ قال: أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم انقلبت عليهم).
وفي تفسير القمي:2/383: (وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ: المؤتفكات البصرة ، والخاطئة فلانة).
وروت ائتفاك البصرة المصادر السنية ، ففي الأربعين البلدانية لابن عساكر:1/436 ، ومعجم البلدان:1/436: ( لما قدم أمير المؤمنين البصرة بعد وقعة الجمل ارتقى منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل البصرة يا بقايا ثمود يا أتباع البهيمة يا جند المرأة رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم ! أما إني ما أقول ما أقول رغبة ولا رهبة منكم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: تفتح أرض يقال لها البصرة أقْوَمُ أرض الله قبلةً ، قارؤها أقرأ الناس وعابدها أعبد الناس وعالمها أعلم الناس ، ومتصدقها أعظم الناس صدقة . منها إلى قرية يقال لها الأبلة أربعة فراسخ ، يستشهد عند مسجد جامعها وموضع عشورها ثمانون ألف شهيد ، الشهيد يومئذ كالشهيد يوم بدر معي . وهذا الخبر بالمدح أشبه . وفي رواية أخرى أنه رقي المنبر فقال:
يا أهل البصرة ويا بقايا ثمود ، يا أتباع البهيمة ويا جند المرأة ، رغا فاتبعتم وعقر فانهزمتم ، دينكم نفاق وأحلامكم دقاق وماؤكم زعاق ، يا أهل البصرة والبصيرة والسبخة والخريبة ، أرضكم أبعد أرض الله من السماء وأقربها من الماء وأسرعها خراباً وغرقاً. ألا إني سمعت رسول الله يقول: أما علمت أن جبريل حمل جميع الأرض على منكبه الأيمن فأتاني بها ، ألا إني وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء وأقربها من الماء وأخبثها تراباً وأسرعها خراباً ، ليأتين عليها يوم لا يرى منها إلا شرفات جامعها كجوجؤ السفينة في لجة البحر .
ثم قال: ويحك يا بصرة ويلك من جيش لا غبار له ! فقيل يا أمير المؤمنين: ما الويح وما الويل؟ فقال: الويح والويل بابان فالويح رحمة والويل عذاب .
وفي رواية أن علياً رضي الله لما فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتى مسجدها الجامع فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة فما ظنكم يا أهل البصرة ! يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة . يا جند المرأة.. ثم ذكر الذي قبله ثم قال: إنصرفوا إلى منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم وخرج حتى صار إلى المربد والتفت وقال:الحمد لله الذي أخرجني من شر البقاع تراباً وأسرعها خراباً).
وفي شرح مسلم للنووي:1/153: (قال صاحب المطالع: ويقال لها تدمر ويقال لها المؤتفكة ، لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر ).
وفي الفايق في غريب الحديث:3/260: ( أنس: البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها وإياك والملكة). مَلك الطريق ومَلَكتُه ومَلاكه ومَمْلكته: وسطه).
وفي الأربعين البلدانية:5/219: (المؤتفكة... وفي كلام أمير المؤمنين في ذم أهل البصرة أنه صعد منبر البصرة بعد وقعة الجمل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الله ذو رحمة واسعة وعذاب أليم ، فما ظنكم يا أهل البصرة يا أهل السبخة يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلى الله الرابعة. فهذا يدل على أن الائتفاك الانقلاب وليس بعلم لموضع بعينه ، إلا أن يكون لما انقلبت المؤتفكة سمي كل منقلب مؤتفكاً، وصح من الإسم الصريح فعلاً).ونحوه في البدء والتاريخ/436 ، ونثر الدرر/142 .
تفسير القمي:2/339: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى، قال: المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : يا أهل البصرة وياأهل المؤتفكة ياجند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم ، ماؤكم زعاق وأحلامكم رقاق وفيكم ختم النفاق ولُعنتم على لسان سبعين نبياً ! إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أن جبرئيل أخبره أنه طُويَت له الأرض فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء وفيها تسعة أعشار الشر والداء العضال ، المقيم فيها مذنب والخارج منها متدارك برحمة ، وقد ائتفكت بأهلها مرتين وعلى الله تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة).والإيقاظ/260 ، والبرهان:4/256 .
وبالتأمل في أمر هذه النصوص وغيرها ، يطمئن الإنسان بـأن مضمونها صدر عن أمير المؤمنين عليه السلام وأن البصرة اتئفكت في الماضي مرتين أو أكثر وستأتفك مرة أخرى ، لكن لم يرد في أي نص منها أن ذلك من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام ولاحددت وقته ، إلا رواية تفسير القمي حددته بأنه في الرجعة ، والرجعة قد تكون بعد دولة الإمام المهدي عليه السلام بقرون طويلة .
ويؤيده ما قلناه أن بعض رواياتها ذكرت أنه الخسف هو الموعود بقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً . وهذا أمرٌ عام قد يكون في الرجعة قبل القيامة ولايختص بالبصرة .
الشيصباني طاغية العراق قبل السفياني
النعماني/302 ، عن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر الباقر عليه السلام عن السفياني فقال: وأنى لكم بالسفياني حتى يخرج قبله الشيصباني ، يخرج من أرض كوفان ، ينبع كما ينبع الماء ، فيقتل وفدكم ، فتوقعوا بعد ذلك السفياني ، وخروج القائم عليه السلام ). وعنه البحار:52/250. والشيصباني: الشيطاني ، وهو تعبير يستعمله الأئمة عليهم السلام للطواغيت والأشرار . وأرض كوفان: العراق ، ويكون خروجه أي حكمه فجأة بنحو غير متوقع: ينبع كما ينبع الماء . ومعنى الحديث أنه يكون طاغية سفاكاً (يقتل وفدكم) أي وجهاء المؤمنين الذين يتقدمون الوفد عادة ، يقال وفد القبيلة ووفد المدينة بمعنى وجهائها ورهطها . ويكون قبل السفياني بقليل بدليل قوله عليه السلام : (فتوقعوا بعد ذلك السفياني) . وهذه الصفات تنطبق على صدام ، فإن ظهر بعده السفياني في الشام بدون فاصلة طويلة ، يكون هو شيصباني العراق الموعود .
يتبع