m-mahdi.com
05-03-2007, 06:38 PM
الخمس في عصر الغيبة
سماحة السيد أحمد الاشكوري/ باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
مسألة الخمس مثار خلاف عند العلماء ومحل للجدل والبحث والمناقشة وسنوافيك ببعــض أجوائـها وتداعياتها, بيد أن المهم أن هذه مسألة فقهية اجتهادية فلا يصح جعــل
الخلاف مبرراً للتعدي من رأي المتخصص والعزوف الى الميولات الذاتية والاهواء الفردية فكم من مسألة هي محل للشجار لكن لا يسوغ تسويفها بعد ما كانت دائرة المحركية هو العقل العملي من حيث جانب ابراء الذمة والمعذرية لا من حيث إصابة الواقع, وقد تقدم الاشارة الى أن الجنبة العملية تخضع لقانون إفراغ الذمة ولا تخضع لضابط آخر ومن هنا ينبغي للعاقل أن يبحث عن مسوغات الأبراء وتفريغ الذمم وإن لم ينل الواقع, وهذا إنما يتحقق إما عن طريق الاحتياط في المسألة في مورد يمكن فيه الاحتياط, وإما التصدي بنفسه الى عملية الاستنباط ليبلغ مرتبة الاجتهاد, وإما بالاستعانة بفقيه من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قادر على قراءة النصوص الدينية وفق موازين محددة بعيداً عن الفوضى والانفلات والتسيب, وسوف نبين أن هذه الطريقة ممضية في العرف العقلاني والشرعي, فبقاء النظم وعدم الوقوع في فخ الهرج والمرج رهن هذا الاسلوب في السياقات العملية, ومن هنا السائر على غير درب الاحتياط والاجتهاد والتقليد يمشي في الظلام كلما أكثر وأسرع في الحركة ازداد بعداً, وقد ابتليت المذاهب الإسلامية الأخرى بتخبط في الحركة وفي صياغة القواعد الفكرية اعتماداً منهم على الاستحسانات الشخصية وإعمال الرأي, واليوم تسري هذه الأراجيف عندنا في بعض الاوساط البعيدة عن مذاق أهل البيت وأصالته, وكيفما كان أن التركيبة الاجتماعية في جميع العصور مؤلفة من علماء وجهال يرجع الجاهل فيما يحتاج إليه إلى العلماء ويتابعهم في اختصاصهم من دون السؤال عن الدليل لان فهم جميع الأدلة واستيعابها عملية صعبة قال تبارك وتعالى: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وما ورد في التفسير المنسوب للامام العسكري (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه) (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) كل هذا شاهد صدق على لزوم تحصيل المرخص والمصلح الشرعي, ولكننا مع هذا سنعقد الكلام في ضمن مقامات رفعاً للضبابية.
المقام الأول: إن مفاد الآية الكريمة (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) تقسم الخمس إلى ست حصص خلافاً للشافعي وأبي حنيفة حيث ذهبا إلى تقسيمه خمس حصص بحذف سهم الله سبحانه, وقد ورد في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام سُئل عن قول الله عز وجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للامام فقيل له أفرأيت إن كان صنف من الاصناف أكثر وصنف اقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام أرايت رسول الله صلى عليه وآله وسلم كيف يصنع؟ أليس انما كان يعطي
على ما يرى كذلك الإمام.(1)
وعلى هذا فهي في زماننا ترجع إلى إمامنا المنتظر أرواحنا له الفداء, نعم وقع الخلاف في كون هذه الملكية للامام هل هي ملكية شخصية لكن لا بمعنى بموته يتوارثه الورثة حالها حال سائر الملكيات, أم ملكية المنصب كما يظهر من التعبير في الصحيحة بالامام دون ابن رسول الله وان الخمس حق وحداني جعل لمنصب الامامة وتحت اختيار الإمام فهو حق للمذهب (فاذا ثبت هذا الحق للفقيه في زماننا فله أن يتصرف بهذا الحق كما كان للامام عليه السلام كما سيأتي في أدلة النيابة) ومجرد الشك في جواز التصرف بهذا الحق بدون اذنه عليه السلام كاف في استقلال العقل بلزوم الاستئذان منه للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرف في ملك الغير على المقدار المتيقن من اذنه ورضاه هو حالة الاستئذان فقط هذا كله بحسب الأسهم الثلاثة الأول الواردة في الآية الكريمة.
أما الثلاثة الاخيرة فهي مختصة ببني هاشم خلافاً للعامة كما هو شأنهم في مخالفة آل البيت عليهم السلام بل قد ادعى صاحب الجواهر الفقيه المعتق أن المسألة من الضروريات التي لا تحتاج إلى دليل بل الدليل من الروايات أيضاً تام.
إنما وقع الخلاف في أن سهم الثلاثة هل هي ملك للاصناف الثلاثة أم ان الاصناف الثلاثة هي مصرف له لا ملك, وقد ذهب غير واحد من علمائنا إلى الثاني ولو من حيث إن الجهة لا تملك وعليه يكون جميع الخمس ملك للامام (إما شخصي أو للمنصب) أو تحت اختياره لتدار به شؤون المنصب وإن للامام أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه ومصالح المسلمين ومنها إدارة معيشة الفقراء كما جعلت الزكاة وسائر الضرائب الاسلامية أيضاً تحت اختياره غاية الأمر انه يتعين عليه أن يموّن فقراء بني هاشم من تلك الضريبة المنسوبة إلى الامامة, نعم يبقى استفسار أن التمييز بين بني هاشم وبين غيرهم خلاف ما يقتضيه طبع الاسلام وروحه السامية من المساواة بين طبقات المسلمين ورفضه للتميز العنصري إلا أن هذا تام لو لم يكن لغير بني هاشم حق آخر والمفروض إن الزكاء لهم,هذا مضافاً إلى جعل هذا التكليف اختباراً وامتحاناً لمن لا يرضى أن يرى لأهل البيت عيناً وأثراً, بل الحفاظ على عنوان بني هاشم له من الأيجابيات في دفع الشبهات وتسجيل الحقائق وإكرام الرجل في عشيرته وعائلته أمر عقلائي عرفي يقبله روح الاجتماع.
داريت أهلك في هواك وهم عدى *** ولأجل عين ألف عين تكرم
المقام الثاني: الحق الشرعي في زمن الحضور.
الكلام فيه أن للمعصوم جهات أربعاً.
الجهة الأولى: في ولايتهم التكوينية التي هي عبارة عن تسخير الكون تحت اختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم بحول الله وقوته ولا شبهة في ولايتهم على المخلوقين بأجمعهم كما يظهر من الأخبار, وقد ذكر المحقق السيد الخوئي (رحمه الله) كونهم واسطة في الايجاد وبهم الوجود وهم السبب في الخلق, إذ لولاهم لما خلق الناس كلهم, وإنما خلقوا لأجلهم وبهم وجودهم وهم الواسطة في الافاضة وهم العلل الغائية أيضا ولهم الولاية التكوينية لما دون الخالق فهذه الولاية نحو ولاية الله تعالى على الخلق ولاية إيجادية وإن كانت هي ضعيفة بالنسبة الى ولاية الله تعالى على الخلق, وقد يستدل لها بآية (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً) بتقريب لا يمكن أن يكون الانسان خليفة من قبل الله إلا بعد إعطائه مجموعة من
سماحة السيد أحمد الاشكوري/ باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
مسألة الخمس مثار خلاف عند العلماء ومحل للجدل والبحث والمناقشة وسنوافيك ببعــض أجوائـها وتداعياتها, بيد أن المهم أن هذه مسألة فقهية اجتهادية فلا يصح جعــل
الخلاف مبرراً للتعدي من رأي المتخصص والعزوف الى الميولات الذاتية والاهواء الفردية فكم من مسألة هي محل للشجار لكن لا يسوغ تسويفها بعد ما كانت دائرة المحركية هو العقل العملي من حيث جانب ابراء الذمة والمعذرية لا من حيث إصابة الواقع, وقد تقدم الاشارة الى أن الجنبة العملية تخضع لقانون إفراغ الذمة ولا تخضع لضابط آخر ومن هنا ينبغي للعاقل أن يبحث عن مسوغات الأبراء وتفريغ الذمم وإن لم ينل الواقع, وهذا إنما يتحقق إما عن طريق الاحتياط في المسألة في مورد يمكن فيه الاحتياط, وإما التصدي بنفسه الى عملية الاستنباط ليبلغ مرتبة الاجتهاد, وإما بالاستعانة بفقيه من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قادر على قراءة النصوص الدينية وفق موازين محددة بعيداً عن الفوضى والانفلات والتسيب, وسوف نبين أن هذه الطريقة ممضية في العرف العقلاني والشرعي, فبقاء النظم وعدم الوقوع في فخ الهرج والمرج رهن هذا الاسلوب في السياقات العملية, ومن هنا السائر على غير درب الاحتياط والاجتهاد والتقليد يمشي في الظلام كلما أكثر وأسرع في الحركة ازداد بعداً, وقد ابتليت المذاهب الإسلامية الأخرى بتخبط في الحركة وفي صياغة القواعد الفكرية اعتماداً منهم على الاستحسانات الشخصية وإعمال الرأي, واليوم تسري هذه الأراجيف عندنا في بعض الاوساط البعيدة عن مذاق أهل البيت وأصالته, وكيفما كان أن التركيبة الاجتماعية في جميع العصور مؤلفة من علماء وجهال يرجع الجاهل فيما يحتاج إليه إلى العلماء ويتابعهم في اختصاصهم من دون السؤال عن الدليل لان فهم جميع الأدلة واستيعابها عملية صعبة قال تبارك وتعالى: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وما ورد في التفسير المنسوب للامام العسكري (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لامر مولاه فللعوام أن يقلدوه) (واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا) كل هذا شاهد صدق على لزوم تحصيل المرخص والمصلح الشرعي, ولكننا مع هذا سنعقد الكلام في ضمن مقامات رفعاً للضبابية.
المقام الأول: إن مفاد الآية الكريمة (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) تقسم الخمس إلى ست حصص خلافاً للشافعي وأبي حنيفة حيث ذهبا إلى تقسيمه خمس حصص بحذف سهم الله سبحانه, وقد ورد في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الإمام الرضا عليه السلام سُئل عن قول الله عز وجل (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) فقيل له فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للامام فقيل له أفرأيت إن كان صنف من الاصناف أكثر وصنف اقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الإمام أرايت رسول الله صلى عليه وآله وسلم كيف يصنع؟ أليس انما كان يعطي
على ما يرى كذلك الإمام.(1)
وعلى هذا فهي في زماننا ترجع إلى إمامنا المنتظر أرواحنا له الفداء, نعم وقع الخلاف في كون هذه الملكية للامام هل هي ملكية شخصية لكن لا بمعنى بموته يتوارثه الورثة حالها حال سائر الملكيات, أم ملكية المنصب كما يظهر من التعبير في الصحيحة بالامام دون ابن رسول الله وان الخمس حق وحداني جعل لمنصب الامامة وتحت اختيار الإمام فهو حق للمذهب (فاذا ثبت هذا الحق للفقيه في زماننا فله أن يتصرف بهذا الحق كما كان للامام عليه السلام كما سيأتي في أدلة النيابة) ومجرد الشك في جواز التصرف بهذا الحق بدون اذنه عليه السلام كاف في استقلال العقل بلزوم الاستئذان منه للزوم الاقتصار في الخروج عن حرمة التصرف في ملك الغير على المقدار المتيقن من اذنه ورضاه هو حالة الاستئذان فقط هذا كله بحسب الأسهم الثلاثة الأول الواردة في الآية الكريمة.
أما الثلاثة الاخيرة فهي مختصة ببني هاشم خلافاً للعامة كما هو شأنهم في مخالفة آل البيت عليهم السلام بل قد ادعى صاحب الجواهر الفقيه المعتق أن المسألة من الضروريات التي لا تحتاج إلى دليل بل الدليل من الروايات أيضاً تام.
إنما وقع الخلاف في أن سهم الثلاثة هل هي ملك للاصناف الثلاثة أم ان الاصناف الثلاثة هي مصرف له لا ملك, وقد ذهب غير واحد من علمائنا إلى الثاني ولو من حيث إن الجهة لا تملك وعليه يكون جميع الخمس ملك للامام (إما شخصي أو للمنصب) أو تحت اختياره لتدار به شؤون المنصب وإن للامام أن يصرفه في جميع ما يراه من مصالح نفسه ومصالح المسلمين ومنها إدارة معيشة الفقراء كما جعلت الزكاة وسائر الضرائب الاسلامية أيضاً تحت اختياره غاية الأمر انه يتعين عليه أن يموّن فقراء بني هاشم من تلك الضريبة المنسوبة إلى الامامة, نعم يبقى استفسار أن التمييز بين بني هاشم وبين غيرهم خلاف ما يقتضيه طبع الاسلام وروحه السامية من المساواة بين طبقات المسلمين ورفضه للتميز العنصري إلا أن هذا تام لو لم يكن لغير بني هاشم حق آخر والمفروض إن الزكاء لهم,هذا مضافاً إلى جعل هذا التكليف اختباراً وامتحاناً لمن لا يرضى أن يرى لأهل البيت عيناً وأثراً, بل الحفاظ على عنوان بني هاشم له من الأيجابيات في دفع الشبهات وتسجيل الحقائق وإكرام الرجل في عشيرته وعائلته أمر عقلائي عرفي يقبله روح الاجتماع.
داريت أهلك في هواك وهم عدى *** ولأجل عين ألف عين تكرم
المقام الثاني: الحق الشرعي في زمن الحضور.
الكلام فيه أن للمعصوم جهات أربعاً.
الجهة الأولى: في ولايتهم التكوينية التي هي عبارة عن تسخير الكون تحت اختيارهم وإرادتهم ومشيئتهم بحول الله وقوته ولا شبهة في ولايتهم على المخلوقين بأجمعهم كما يظهر من الأخبار, وقد ذكر المحقق السيد الخوئي (رحمه الله) كونهم واسطة في الايجاد وبهم الوجود وهم السبب في الخلق, إذ لولاهم لما خلق الناس كلهم, وإنما خلقوا لأجلهم وبهم وجودهم وهم الواسطة في الافاضة وهم العلل الغائية أيضا ولهم الولاية التكوينية لما دون الخالق فهذه الولاية نحو ولاية الله تعالى على الخلق ولاية إيجادية وإن كانت هي ضعيفة بالنسبة الى ولاية الله تعالى على الخلق, وقد يستدل لها بآية (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً) بتقريب لا يمكن أن يكون الانسان خليفة من قبل الله إلا بعد إعطائه مجموعة من