امير الرافدين البصراوي
06-08-2006, 05:24 AM
بيانٌ لو نطَقَ بالتقريع لانقضّ على لسان العاصفة انقضاضا! ولو هدّد الفسادَ والمفسدين لتَفَجّرَ براكينَ لها أضواء وأصوات! ولو دَعَا إلى تأمُّلٍ لَرَافَقَ فيك مَنْشَأَ الحسّ وأَصْلَ التفكير فساقَك إلى ما يريده سوقاً وَوَصَلك بالكون وصلاً!
ويندمج الشكل بالمعنى اندماج الحرارة بالنار والضوء بالشمس والهواء بالهواء ، فما أنت إزاءَه إلاّ ما يكون المرءُ قبالةَ السيلِ إذ ينحدر والبحرِ إذ يتموّجُ والريحِ إذ تطوف!
أما إذا تحدّث إليك عن بهاء الوجود وجمال الخلق ، فإنما يكتب على قلبك بمداد من نجوم السماء!
ومن اللفظ ما له وميض البرق ، وابتسامة السماء في ليالي الشتاء؛!
هذا من حيث المادة . أما من حيث الأسلوب ، فعليّ بن أبي طالب ساحر الأداء . والأدب لا يكون إلاّ بأسلوب ، فالمبنى ملازمٌ فيه للمعنى ، والصورة لا تقلّ في شيء عن المادة . وأيّ فنّ كانت شروط الإخراج فيه أقل شأناً من شروط المادة!
وإن قسْط علي بن أبي طالب من الذوق الفني ، أو الحسّ الجمالي ، لمَمّا يندر وجوده . وذوقه هذا كان المقياس الطبيعي الضابط للطبع الأدبي عنده . أما طبعه هذا فهو طبع ذوي الموهبة والأصالة الذين يرون فيشعرون ويدركون فتنطلق ألسنتهم بما تجيش به قلوبهم وتنكشف عنه مداركهم انطلاقاً عفوياً . لذلك تميّز أدب عليّ بالصدق كما تميّزت به حياته .
وما الصدق إلاّ ميزة الفن الأولى ومقياس الأسلوب الذي لا يخادع .
وإن شروط البلاغة ، التي هي موافقة الكلام لمقتضى الحال ، لم تجتمع لأديب عربي كما اجتمعت لعلي بن أبي طالب . فإنشاؤه مثلٌ أعلى لهذه البلاغة ، بعد القرآن . فهو موجز على وضوح ، قويّ جيّاش ، تامّ الانسجام لِمَا بين ألفاظه ومعانيه وأغراضه من ائتلاف ، حلو الرنّة في الأذن موسيقيّ الوقع . وهو يرفق ويلين في المواقف التي لا تستدعي الشدة . ويشتدّ ويعنف في غيرها من المواقف ، ولاسيما ساعةَ يكون القول في المنافقين والمراوغين وطلاّب الدنيا على حساب الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة . فأسلوب عليّ صريح كقلبه وذهنه ، صادق كطويته ، فلا عجب أن يكون نهجاً للبلاغة .
وقد بلغ أسلوب عليّ من الصدق حدّاً تَرَفّع به حتى السجعُ عن الصنعة والتكلُّف . فإذا هو على كثرة ما فيه من الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة ، أبعد ما يكون عن الصنعة ، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر .
فانظر إلى هذا الكلام المسجّع وإلى مقدار ما فيه من سلامة الطبع : ( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينان في البحار الغامرات ، وتلاطُمَ الماء بالرياح العاصفات! ) .
أو إلى هذا القول من إحدى خطبه: ( وكذلك السماء والهواء ، والرياح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتَفَجُّر هذه البحار ، وكثرة الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرُّق هذه اللغات ، والألسن المختلفات الخ . . . ) .
وأوصيك خيراً بهذا السجع الجاري مع الطبع : ( ثم زَيّنها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب وأجرى فيها سراجاً مستطيراً وقمراً منيراً ، في فلك دائر ، وسقف سائر الخ ) .
ويندمج الشكل بالمعنى اندماج الحرارة بالنار والضوء بالشمس والهواء بالهواء ، فما أنت إزاءَه إلاّ ما يكون المرءُ قبالةَ السيلِ إذ ينحدر والبحرِ إذ يتموّجُ والريحِ إذ تطوف!
أما إذا تحدّث إليك عن بهاء الوجود وجمال الخلق ، فإنما يكتب على قلبك بمداد من نجوم السماء!
ومن اللفظ ما له وميض البرق ، وابتسامة السماء في ليالي الشتاء؛!
هذا من حيث المادة . أما من حيث الأسلوب ، فعليّ بن أبي طالب ساحر الأداء . والأدب لا يكون إلاّ بأسلوب ، فالمبنى ملازمٌ فيه للمعنى ، والصورة لا تقلّ في شيء عن المادة . وأيّ فنّ كانت شروط الإخراج فيه أقل شأناً من شروط المادة!
وإن قسْط علي بن أبي طالب من الذوق الفني ، أو الحسّ الجمالي ، لمَمّا يندر وجوده . وذوقه هذا كان المقياس الطبيعي الضابط للطبع الأدبي عنده . أما طبعه هذا فهو طبع ذوي الموهبة والأصالة الذين يرون فيشعرون ويدركون فتنطلق ألسنتهم بما تجيش به قلوبهم وتنكشف عنه مداركهم انطلاقاً عفوياً . لذلك تميّز أدب عليّ بالصدق كما تميّزت به حياته .
وما الصدق إلاّ ميزة الفن الأولى ومقياس الأسلوب الذي لا يخادع .
وإن شروط البلاغة ، التي هي موافقة الكلام لمقتضى الحال ، لم تجتمع لأديب عربي كما اجتمعت لعلي بن أبي طالب . فإنشاؤه مثلٌ أعلى لهذه البلاغة ، بعد القرآن . فهو موجز على وضوح ، قويّ جيّاش ، تامّ الانسجام لِمَا بين ألفاظه ومعانيه وأغراضه من ائتلاف ، حلو الرنّة في الأذن موسيقيّ الوقع . وهو يرفق ويلين في المواقف التي لا تستدعي الشدة . ويشتدّ ويعنف في غيرها من المواقف ، ولاسيما ساعةَ يكون القول في المنافقين والمراوغين وطلاّب الدنيا على حساب الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة . فأسلوب عليّ صريح كقلبه وذهنه ، صادق كطويته ، فلا عجب أن يكون نهجاً للبلاغة .
وقد بلغ أسلوب عليّ من الصدق حدّاً تَرَفّع به حتى السجعُ عن الصنعة والتكلُّف . فإذا هو على كثرة ما فيه من الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة ، أبعد ما يكون عن الصنعة ، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر .
فانظر إلى هذا الكلام المسجّع وإلى مقدار ما فيه من سلامة الطبع : ( يعلم عجيج الوحوش في الفلوات ، ومعاصي العباد في الخلوات ، واختلاف النينان في البحار الغامرات ، وتلاطُمَ الماء بالرياح العاصفات! ) .
أو إلى هذا القول من إحدى خطبه: ( وكذلك السماء والهواء ، والرياح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر ، والنبات والشجر ، والماء والحجر ، واختلاف هذا الليل والنهار ، وتَفَجُّر هذه البحار ، وكثرة الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرُّق هذه اللغات ، والألسن المختلفات الخ . . . ) .
وأوصيك خيراً بهذا السجع الجاري مع الطبع : ( ثم زَيّنها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب وأجرى فيها سراجاً مستطيراً وقمراً منيراً ، في فلك دائر ، وسقف سائر الخ ) .