نووورا انا
23-06-2009, 12:00 PM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ثقة الاسلام الكليني
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين. وبعد: الحديث عن شخصية لامعة في سماء الفقه والحديث كشخصية الكليني (قدس سره الشريف) لا شك انه واسع الاطراف، متعدد الجوانب، خصب الميادين; اذ لم يكن الكليني رحمهالله فقيها ومحدثا فحسب، بل كان اول مجدد لمذهب اهل البيت (ع) على راس المائة الثالثة وقد شهد بذلك كبار العلماء من الطرفين كما سياتي في بيان ثناء العلماء عليه.
ثم ان استجلاء معالم شخصية الكليني الفذة النادرة، ورسم ابعادها العلمية في صحائف معدودة - مع ما لثقة الاسلام من مقام عال، ومنزلة رفيعة، وشان جليل، وتضلع في الفقه، وشهرة في الحديث، وتتبع عبقري في الرجال، وعطاء زاخر على مر الاجيال - لابد وان يكون على حساب ابعاد خصبة اخرى، وعندها فلن يعطى الكليني من الدراسة حقه.
ولكن ما لم يدرك كله، لا يترك جله; وان تعذر علينا امر الاحاطة بحياة وعطاء علم من ابرز اعلام هذه الامة، فلا اقل من التعرض ولو لبعض ملامح تلك الحياة وذلك العطاء الخالد، فنقول:
بيئته:
عاش ثقة الاسلام الكليني في حقبة حاسمة من تاريخ العصر العباسي الثاني امتدت من اوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وحتى الربع الاول من القرن الرابع الهجري، وذلك في بيئتين مختلفتين، هما الري، وبغداد، وقد امتازت تلك الحقبة الزمنية - الى جانب تدهور الاوضاع السياسية كثيرا - انتعاش الحركة الفكرية التي استمرت بعطائها قوية نشطة دون ان تؤثر عليها الاحداث الجسيمة كقتل الخلفاء، او عزلهم وسمل اعينهم! فقد برزت في الري - وحاضرتها مدينة قم المشرفة - طاقات عملاقة في الفقه والحديث وغيرهما من علوم الشريعة الاخرى، وفي بغداد - وحاضرتها الكوفة - كذلك.
لقد اصبحت هذه المراكز التي ارتادها الكليني من اهم مراكز الاشعاع الفكري في العالم الاسلامي وصارت - خصوصا الري وبغداد - ملتقى العلماء والمفكرين العظام من شتى المذاهب والفرق الاسلامية، فقد تنوعت الثقافة، وسادت آراء المذاهب، وتوسعت الدراسة في تلك المراكز كالفقه، والحديث، والتفسير، واللغة، والنحو ، والادب، والتاريخ، وغيرها من العلوم الاخرى كالطب، والفلك، والرياضيات، والجغرافيا ونحوها، وياتي في مقدمة تلك العلوم علوم الشريعة السمحاء التي استوعبها الشيخ الكليني استيعابا كاملا، يشهد بذلك كتابه الخالد «الكافي» الذي احتوى من الاخبار - التي اختار روايتها الكليني - ما يشتمل على مختلف العلوم، كالفقه، والحديث، والتفسير، والاصول، والفلسفة، والكلام، والعقائد، والاخلاق،بل وحتى اللغة ظهرت آثارها واضحة في ديباجة الكافي التي ضمنت فقرات من النثر الرائع الذي يعبر عن مدى قدرته اللغوية، وتمكنه من صياغة الكلام بلفظ موجز مع دقة في التعبير خالطها السجع المطبوع الذي كان يمثل ابرز خصائص النثر الفني في القرن الرابع الهجري.
اسمه:
هو الشيخ محمد بن يعقوب بن اسحاق، باتفاق جميع كتب الرجال، والتراجم، والتاريخ، وقد شذ ابن الاثير (ت/630ه ) في كتابه الكامل فقال: «محمد بن علي ابو جعفر الكليني، وهو من ائمة الامامية وعلمائهم». ولا يبعد ان تكون تسميته ب (محمد) - سيما والمسمي والده، وهو من الشيوخ الاجلاء المعروفين، ومن رجالات العلم والدين - جاءت تيمنا باسم نبينا الكريم(ص)، هذا وقد صادف ان يكون اسمه الثلاثي مطابقا لثلاثة من اسماء الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
كنيته:
وهي: (ابو جعفر) باتفاق مترجميه قاطبة، ولعل اختياره لهذه الكنية جاء اعتزازابكنية الامام محمد بن علي الباقر (ع) اذ ليس من باب المصادفة اكتناء المحمدين الثلاثة - (الكليني، والصدوق، والطوسي) اصحاب الكتب الاربعة (الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي) - بهذه الكنية بعد ان اتفقت اسماؤهم وهم من اخص الموالين للامام جعفر بن محمد الصادق (ع).
لقبه:
لقب الشيخ محمد بن يعقوب بالقاب كثيرة، ويمكن تقسيمها على طائفتين: الاولى: ما دل منها على الشيخ الكليني من حيث المكان. الثانية: ما دل منها عليه من حيث الصدق والوثاقة. اما الاولى: فهي على نحوين من الالقاب، وهما:
النحو الاول: ما دل من القابه على نشاته الاولى وموطنه الاساس، وقد انحصر ذلك في لقبي:
1 - الكليني: نسبة الى (كلين) - بضم الكاف وفتح اللام - قرية من قرى الري تقع على بعد ثمانية وثلاثين (كيلومترا) جنوبي غرب بلدة الري الحالية شرقي طريق مدينة قم، بينها وبين الطريق خمسة (كيلومترات). وقد اشتبه الفيروزآبادي (ت/1414ه ) ، فنسبه الى (كلين) بفتح الكاف وكسر اللام، وهي قرية من قرى الري ايضا ، وقد حرف لقبه في تاريخ الادب العربي الى (الكوليني) بدلا من (الكليني)، ولعله من المترجم.
2 - الرازي: نسبة الى الري، وهو من النسب الشاذة التي لا تنطبق مع حروف اصل النسبة (الري); اذ يقتضي ان يكون اللقب وفقا لذلك هو (الريي)، كما هو معروف في صحة اطلاق اللقب عند اقترانه بمكان معين.
النحو الثاني: ما دل منها على سكنه الاخير واقامته، وقد انحصر ذلك في لقبي: 1 - البغدادي: نسبة الى (بغداد) التي اتخذها مقرا ومقاما. 2 - السلسلي: نسبة الى درب السلسلة الواقع بباب الكوفة ببغداد، اذ اختار له سكنا بهذا الدرب، وبقي فيه حتى الايام الاخيرة من حياته.
واما الطائفة الثانية من القابه الدالة على الصدق والوثاقة، فان اشهرها على الاطلاق (ثقة الاسلام)، وهناك مجموعة اخرى من القابه يعرفها العلماء خاصة والمتضلعون بهذا الفن لانصرافها عند الاطلاق اليه راسا، وقد جهلها الكثيرون لطغيان (ثقة الاسلام) عليها. وقد يكون السبب الحقيقي وراء اطلاق هذا اللقب على الشيخ الكليني حتى عرف به واشتهر من بين سائر (ثقات الاسلام)، بل وصار له علما وغلب على اسمه هو اتفاق علماء الرجال من اهل السنة والشيعة على وثاقته، اذ لم اقف - بالرغم من التتبع في كتب الرجال - على من مس الكليني بسوء قط من علماء الرجال من اهل السنة.
اقول: لم يتعرض له احد منهم بجرح قط لا مفسرا، ولا غير مفسر، وهذا يدلعلى حصول الاجماع على وثاقته، كما يدل على ان استحقاقه للقب (ثقة الاسلام) انما كان عن جدارة، ويدل ايضا على ان لثقة الاسلام مكانة مرموقة بين سائر العلماء، لا يمسها احد بسوء الا وقد كذب، وافتضح امره بين اهل الاسلام. وكيف لا؟ وقد عده اهل السنة انفسهم - كما سيوافيك- من المجددين لمذهب اهل البيت(ع) على راس المائة الثالثة.
ولادته:
لم يؤرخ احد من العلماء ولادة الشيخ الكلينيقدسسره، ولكن يمكن القول بانه ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، فهو قد اخذ الحديث عن بعض المشايخ من اصحاب الائمة (الجواد، والهادي، والعسكري) (ع)، ولا يبعد ان تكون ولادته في اواخر زمن الامام العسكري(ع)، ويعلم من تاريخ وفاته انه من الطبقتين السادسة والسابعة وان ما بين وفاته ووفاة الامام العسكري(ع) (ت/260ه ) هو اقل من سبعين سنة، وعلى هذا يكون قد ادرك تمام الغيبة الصغرى، بل بعض ايام الامام العسكري (ع).
ومما يقرب ذلك انه طلب منه تاليف الكافي ليكون مرجعا للشيعة، ولا يطلب مثل هذا الطلب - غالبا - ممن لم يذرف سنه على الاربعين او الخمسين، هذا مع اتفاق الكل انه صنف الكافي في عشرين سنة زيادة على عدم العلم بتاريخ الانتهاء من تصنيف الكافي، وان كان الظاهر هو قبيل وفاته بمدة قصيرة.
اسرته:
تربى الكلينيرحمه الله في اسرة فاضلة، وارتشف منها - منذ نعومة اظفاره - حب الولاء لاهل البيت (ع)، وعاش في يتيكتنفه طيب الاصل كما وصفوه. اما الاب فهو الشيخ يعقوب بن اسحاق الكليني، كان خيرا فاضلا من رجالات العلم والدين في قرية كلين، ولا زال قبره رحمه الله معروفا بهذه القرية وغيرها، مشهورا يزار. واما الام، فقد كانت من اسرة علمية خرجت الكثير من رجالات الفقه والحديث في هذه القرية.
كجدها لابيها الشيخ ابراهيم بن ابان الرازي الكليني. وعمها الشيخ احمد بن ابراهيم بن ابان، قال عنه الشيخ الطوسي: «خير فاضل من اهل الري» وقد وثقه العلامة الحلي، وابن داود. وابيها الشيخ محمد بن ابراهيم بن ابان، قال عنه الشيخ الطوسي: «خير»، ووثقه العلامة، وابن داود.
واخيها الشيخ المعروف علي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الرازي الكليني، يكنى ابا الحسن، ثقة عين من عيون هذه الطائفة، له كتاب اخبار الامام القائم (ع)، وثقه جميع من ترجم له من الاعلام، وقتل في طريق مكة قاصدا اداء فريضة الحج، وهو من رجال العدة التي يروي الكليني بتوسطها عن سهل بن زياد كثيرا في الكافي، وهو خال الكليني واستاذه، ومن المحتمل ان تكون ام ثقة الاسلام - كما هو المعتاد في الاسر العلمية - قد اخذت من علم اخيها وعمها وابيها قسطا باعتبار عامل التربية المهم في تكوين شخصية الفرد. فالكليني اذن هكذا كانت اسرته، ومنها تعرف سلامة نشاته في هذا البيت الذي توافرت فيه الاسباب وتظافرت لان تكون للمولود الجديد تربية خاصة، ونشاة جيدة في اسرة جل اهلها من العلماء.
رحلاته العلمية:
وجد الكليني في اسرته من اسباب الرقي ما اهله في اوان شبابه الى ملاقاة العلماء في كلين واخذه العلم عنهم، حتى اذا ما اشتد ساعده وهضم ما في كلين من علوم الشريعة راح الى الري وهي من ارقى حواضر العلم ونواديه المعروفة في ذلك العصر، فقد خرجت الري المئات من الفقهاء والمحدثين والمفسرين، ولازال التراث الاسلامي الذي كتب باقلام الرازيين له الفضل في رفد حركة الفكر الاسلامي الى اليوم; ومن اجل تحصيل علوم مشايخ الري من قبل ثقة الاسلام، نراه قد التقى بالكثيرين منهم وحدث عنهم وحدثوا عنه، وتبادل معهم رواية الحديثسماعاواجازة.
ثم لم يلبث ان غادرها متابعا رحلته في طلب حديث اهل البيت(ع) ، مركزا على احاديثهم (ع)فيما يخص اصول الدين وفروعه حتى جاب بتلك الرحلة اهم المراكز العلمية في بلاد فارس متقلبا من مدينة الى اخرى، والتقى بخلق كثير من المشايخ وحدث عنهم وحدثوا عنه لا سيما في مدينة قم المعروفة يوم ذاك بتشددها وحرصها على حديث اهل البيت(ع)، وصيانته من عبث المغالين والوضاعين، ولهم في ذلك قصص ليس هنا محل الكلام عنها.
ويبدو ان الكليني رحمهالله كان عازما على رحلة اوسع ومتابعة السفر الطويل في تحصيل آثار اهل البيت(ع)بعد ان لمس فوائد رحلاته الاقليمية وعوائدها الطيبة، وهذا ما نجده واضحا في تحوله الى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ومركز الحضارة الاسلامية، ومستوطن سفراء الامام الحجة (عجلالله تعالى فرجه الشريف). هذا بعد ان زار مدن العراق وحدث بها واخذ عن اهلها لا سيما الكوفة، ذلك المركز الاسلامي العريق الذي شع منه حديث علي (ع) الى كل الآفاق.
ولعل بغداد كانت منطلقه الى الشام ثم العودة اليها، فقد ذكر ابن عساكر (ت/571ه ) في تاريخه عن الكليني انه قدم دمشق، وحدث ببعلبك وهذا يعني ان وصوله الى العراق اول مرة لا يمكن ان يكون بسنة (327ه ) كما ظنه البعض اعتمادا على اجازة الكليني رواية مصنفاته واحاديثه لتلميذه ابي الحسين عبدالكريم بن عبدالله بن نصر البزاز بباب الكوفة بدرب السلسلة ببغداد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، كما في مشيخة التهذيب، وفهرست الشيخ واي علاقة بين تاريخ منح الاجازة العلمية لشخص ببغداد وبين تحديد زمن دخول المانح الى العراق؟!
وكيف يجتمع اللقاء مع مشايخ الكوفة، وسوراء، وبغداد، ثم يرحل منها الى دمشق ويحدث ببعلبكويعود الى بغداد في سنة واحدة وهي سنة (327ه ) ؟ اذ كانت وفاته بسنة (328ه ) على قول سياتي. هذا مع انعدام واسطة السفر السريع في ذلك العصر البهي، وكون تقلبه في تلك المراكز لغاية علمية، مما يتطلب المكوث في كل مركز زمنا.
وعلى اية حال، فقد كان لوصوله بغداد الاثر المهم في تحقيق سائر ما سجله من آثار العترة الطاهرة (ع). والى هذا تشير عبارة السيد ابنطاووس (ت/664ه ) . قال: «فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب، ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا الى تحقيق منقولاته». وهو يعني بهذا الكلام: ان الكليني كان في بلد السفراء، وبوسعه التاكد منهم مباشرة فيما يشك بصحته من الاخبار. ولا يفهم من هذه العبارة غير هذا المعنى.قدسسره
مشايخه:
تتلمذ الشيخ الكلينيقدسسره على يد الكثير من المشايخ الثقات المعروفين والحفاظ المشهورين من حملة علوم اهل البيت (ع). ولا مجال لذكرهم جميعا فضلا عن ذكر ما قيل بحقهم من كلمات الثناء. منهم الشيخ علي بن ابراهيم القمي، وهو من اهم مشايخ ثقة الاسلام الكليني، اخرج عنه ما يزيد على ربع احاديث الكافي.
ومنهم الشيخ محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد الهمداني، والشيخ ابو الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي، ومحمد بن احمد الخفاف النيسابوري، والحسن بن الفضل بن يزيد اليماني، والحسين بن الحسن الهاشمي العلوي الرازي، وعلي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الكليني، ومحمد بن محمود بن ابي عبدالله القزويني، وحميد بن زياد نزيل سوراء، واحمد بن محمد بن احمد بن طلحة ابوعبدالله العاصمي نزيل بغداد، واحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي، وكثير غيرهم، على انا اقتصرنا على ذكر من اختلفت القابهم ومناطقهم، والا فمشايخه الاجلاء اضعاف هذا العدد فيما احصيناه.
تلاميذه:
من المتعذر حصر تلاميذ الكليني بعدد معين; لان الذي يحدث في مختلف الامصار الاسلامية، لاشك بتعدد مجالسه العلمية التي كانت تضم الكثير من الفضلاء وطلاب العلوم الشرعية، على ان عددا ليس باليسير منهم قد تلقوا كتاب الكافي من مصنفه واستنسخوه، ونشروه، والى نسخهم تنتهي نسخته، ونظرا لسمعته الطيبة، وشهرته وثقته وامانته فقد تتلمذ على يديه مجموعة من علماء اهل السنة، كالفقيه الشافعي محمد بن ابراهيم بن يوسف الكاتب الذي روى كتاب الكافي عن مؤلفه ببغداد، وابي سعد الكوفي شيخ الشريف المرتضى، وابي القاسم علي بن محمد بن عبدوس الكوفي، وعبدالله بن محمد بن ذكوان.
ومن تلامذته ايضا احمد بن احمد ابو الحسين الكوفي الكاتب، وابو عبدالله احمد بن ابراهيم الصيمري، وابو الحسن ابن داود، وابو الحسن العقراني، واحمد بن الحسين العطار، واحمد بن علي بن سعيد ابو الحسين الكوفي، واحمد بن محمد بن علي ابو الحسين الكوفي الكاتب، واحمد بن محمد ابن سليمان بن الحسن ابو غالب الزراري، وجعفر بن محمد بن موسى بن قولويه، وعبدالكريم بن عبدالله بن نصر ابو الحسين البزار التنيسي، وعلي بن محمد الرازي، وعلي بن احمد بن موسى الدقاق، وعلي بن عبدالله الوراق، ومحمد بن ابراهيم ابن جعفر ابو عبدالله الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، ومحمد بن احمد المعروف بالصفوانييكنى ابا عبدالله مولى بني اسد، ومحمد بن احمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري، ومحمد بن الحسين البزوفري، ومحمد بن عبدالله بن المطلب ابو المفضل الشيباني، ومحمد بن علي بن طالب ابو الرجاء البلدي، ومحمد بن علي ماجيلويه، ومحمد بن محمد ابن عصام الكليني ، وهارون بن موسى بن احمد بن سعيد التلعكبري، ومحمد بن موسى بن المتوكل، وغيرهم.
مؤلفاته:
للكليني رحمهالله مؤلفات غير الكافي - ذائع الصيت- والذي يحز في النفس الما انها تعداليوم كلها - سوى الكافي - من الكتب المفقودة، وهذا هو ما يؤسف عليه حقا، على ان بعضها قد تخطى القرون ووصل بسلامة الى القرن الحادي عشر الهجري - كما تتبعناه - ثم لم يعد له بعد هذا التاريخ عين ولا اثر.
وفيما ياتي اسماء مؤلفاته وهي: 1 - كتاب تعبير الرؤيا. 2 - كتاب الرد على القرامطة. 3 - كتاب الرسائل، او (رسائل الائمة (ع)) واما ذكره بعنوان (الوسائل) كما في كشف المحجة للسيد ابن طاووس، فهو مصحف من الناسخ ولعله من غلط المطبعة; لوروده في عدة مواضع من كشف المحجة بعنوان (الرسائل)، وقد اشتبه بعضهم، فعده ثلاثة كتب! وقد تتبعت النقل المباشر عن هذا الكتاب فوجدته قد وصل سالما الى القرن الحادي عشر، وبالضبط الى عصر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (ت/1050ه) ، اذ نقل عنه مباشرة في شرح اصول الكافي 2: 612 - 615 خطبة لامير المؤمنين (ع) مصرحا باخذه من هذا الكتاب ما هو مواضع الحاجة. 4 - كتاب ما قيل في الائمة (ع) من الشعر. 5 - كتاب الرجال. 6 - كتاب خصائص الغدير، او خصائص يوم الغدير. 7 - كتاب الكافي.
ويظهر من تعداد كتب الكليني انه كان مقلا في التاليف قياسا الى شيوخ الشيعة كالمفيد، والصدوق، والطوسي، واضرابهم،وعذره فيهذا هو انهرحمه اللهكانمنصرفا بكلهمته وعلمه الى معرفة حديث اهل البيت (ع) الذي لم يجمع في موسوعة كالكافي قبله، ولم ينقح بعضه، بل كان موزعا على مئات الكتب، منها - وهو الاعم الاغلب - ما هو معتبر ومعتمد في ذلك العصر، ومنها ما هو ليس كذلك، مع تفرق هذه الكتب ومشايخ الحديث في معظم امصار الاسلام، ولما كان الكليني هو اول من تصدى لجمع احاديث اهل البيت (ع) من عيونها ومصادرها وحفاظها الثقات; لذا نراه قد استرخص من عمره - لاجل هذه المهمة - عشرين سنة، ولولا الكافي لكانت تلك المدة الطويلة حافلة في التصنيف والتاليف.
والحق، انه لو لم يكن للكليني الا الكافي لكفاه فخرا وثوابا على مر العصور، اذ خلد حسنة جارية له الى يوم النشور، وعلى مثل هذا فليتنافس المتنافسون. والكافي كتاب موسوعي، ذكر فيه ما يحتاجه الفقيه والمحدث والمتكلم والمؤرخ وطالب العلم، هذا مع تناوله دقائق فريدة لا توجد في غيره تتعلق بشؤون العقيدة، وتهذيب السلوك، ومكارم الاخلاق. والكتاب - بحسب تصنيف مصنفه - يقع في ثلاثة اقسام وهي:
1 - اصول الكافي:
حظي هذا القسم بعناية خاصة من لدن العلماء، لم يحظ بها - عند الامامية - كتاب في بابه، وذلك لاشتماله على احاديث وابواب لم تذكر في غيره من كتب الحديث عندهم، اذ تعرضت احاديث الاصول من الكافي لمختلف مباحث العقيدة، كالتوحيد، والعدل، والنبوة، والامامة، والمعاد يوم القيامة، هذا مع كثرة الاحاديث الواردة في مجالات معرفية اخرى كالموت، وحياة البرزخ، والبعث، والنشور، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار، والسراط، والميزان، والقضاء، والقدر، والجبر، والتفويض، والقدم، والحدوث. مع بيان اهمية العقل، والعلم وفضائله، وقبح الجهل ورذائله، ودرجات الايمان والكفر، واهمية الدعاء في حياة المسلم، وما للقرآن الكريم من فضل عظيم، وآداب العقيدة، الى غيرها من الامور الاخرى التي اهتمت بدراستها كتب الكلام، والفلسفة، والعقائد.
وقد رتب الكليني رحمهالله احاديث الاصول من الكافي في ثمانية كتب، وهي: كتاب العقل والجهل، وكتاب فضل العلم، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة، وكتاب الايمان والكفر، وكتاب الدعاء، وكتاب فضل القرآن الكريم، وكتاب العشرة.
2 - فروع الكافي: صنف الكليني (رحمه الله تعالى) احاديث الفروع على اساس تعلقها بمعرفة الاحكام الفرعية الشرعية التي تبحث عادة بكتب الفقه الاسلامي، لذا نرى من الضرورة التعرض الى بيان هيكلها العام في فقه الشيعة الامامية، فنقول: تقسم الاحكام الفرعية عند فقهاء الشيعة الامامية على قسمين وهما: (العبادات والمعاملات).
اما العبادات فيدخل فيها: احكام المياه، والوضوء، وآداب التخلي، واحكام الغسل واقسامه، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، واحكام الاموات، والتيمم، والنجاسات، والمطهرات، والصلاة، والزكاة، والخمس، والصوم، والاعتكاف، والحج، والعمرة، واعمال المدينة المنورة، والجهاد، والوقف والصدقة، ودخول الوقف والصدقة في العبادات هو لاعتبار نية القربة الى اللهعز وجلويدخلانفي قسمالعقود منالمعاملاتباعتبارآخر. واما المعاملات، فتقسم عندهم على ثلاثة اقسام وهي:
1 - العقود: ويدخل فيها: التجارة وآدابها، والبيع واقسامه من النقد والنسيئة، والسلف ، والصرف، والربا، والبيع، والخيارات، والشفعة، والاجارة، والمزارعة، والمساقاة، والجعالة، والسبق، والرماية، والشركة، والمضاربة، والوديعة، والعارية، والضمان، والحوالة، والكفالة، والدين، والرهن، والصلح، والوكالة، والهبة، والصدقة، والوقف، والسكنى، والعمرى، والوصية، والنكاح وتوابعه كالرضاع، والقسم، والنشوز، واحكام الاولاد، والنفقات، والخلع، والمباراة، والمكاتبة.
2 - الايقاعات: ويدخل فيها: الاقرار، والطلاق وتوابعه كاحكام العدة والظهار والايلاء واللعان، والعتق، والتدبير، والايمان، والنذور، والعهود.
3 - الاحكام: ويدخل فيها: اللقطة، والغصب، واحياء الموات، والحجر، والكفارات، والصيد، والذباحة، والاطعمة، والاشربة، والميراث، والقضاء، والشهادات، والحدود، والتعزيرات، والقصاص، والديات. وبمراجعة احاديث الفروع من الكافي نجدها قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بسائر تلكم الامور، مع روعة التصنيف الذي وفر للفقيه سهولة مراجعتها، اذ وزعها الكلينيقدسسره على كتب الفروع الفقهية، وهي: كتاب الطهارة، وكتاب الحيض، وكتاب الجنائز، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، واما ما يتعلق بالخمس فقد ذكره في آخر كتاب الحجة من اصول الكافي ; لارتباطه بحق الامام(ع)، وكتاب الصيام، وكتاب الحج، وكتاب الجهاد، وكتاب المعيشة، وكتاب النكاح، وكتاب العقيقة، وكتاب الطلاق، وكتاب العتق والتدبير والكتابة، وكتاب الصيد، وكتاب الذبائح، وكتاب الاطعمة، وكتاب الاشربة، وكتاب الزي والتجمل والمروءة، وكتاب الدواجن، وكتاب الوصايا، وكتاب المواريث، وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الشهادات، وكتاب القضاء والاحكام، وكتاب الايمان والنذور والكفارات.
هذا وقد بوب الاحاديث في هذه الكتب تبويبا دقيقا، اضاف مسحة جمالية على الكتاب، يستطيع الباحث تلمسها باستخراج اي حديث شاء من الفروع بسهولة ويسر. فلا غرابة اذن في ان يشهد معلم الامة، ومن منحته بغداد كرسي كلامها فيقول عن الكافي: انه من «اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة».
3 - روضة الكافي: اختار الكليني قدسسره لهذا القسم من الكافي اسم (الروضة); لاشتماله على امور كثيرة يصعب تصنيفها في كتب وابواب. فقد تعرضفيهالىكثيرمنالاحاديثالمفسرةلكتاباللهعز وجل ، مع بيان زهد النبي(ص)، وسيرته العطرة، واقواله الكريمة، مع شيء من قصص بعض الانبياء(ع) ; لاخذ العبرة منها، زيادة على خطب الائمة (ع)، ورسائلهم، وحكمهم، ومواعظهم، مع نتف من الاحداث التاريخية المهمة، وسير بعض الصحابة، وكيفية اسلامهم، مع الكثير من اخبار الصالحين، وآداب المتادبين، ولم ينس فيه رواية ما يتعلق بحقوق المسلمين فيما بينهم، وما جبلت عليه القلوب، ومخالطة الناس، واصنافهم، وامراضهم وعلاجها، كما حشد في الروضة الكثير من احاديث الاخلاق، وآداب المسلم، مع روايته لما يتعلق بآيات الله تعالى الناطقة على وجوده; كالمطر، والشمس، والقمر، والنجوم، حتى يبدو للباحث ان هذا الجزء الحافل بمختلف الاخبار، ونفائس الاعلاق، من عقائد، وتفسير، واخلاق، وقصص، وتاريخ، وجغرافيا، وفلك وطب ونحوها قد جاء اسما على مسماه; فهو كالروضة الندية حقا فيها من كل الورود والرياحين «بيد انها لا تخلو من اشواك - قليلة - وعلى الخبير المنقب ان يتحاشاها».
على ان الكليني رحمهالله قد التزم في الكافي التزاما عجيبا في رواية النص المنقول عن اهل البيت (ع)، فهو لا يتصرف ابدا في لفظ الحديث، ولا ينقله بالمعنى بتاتا لفرط امانته في الرواية، هذا مع كونه فقيها مجددا قريب العصر من مصدر رواياته. وكتابه الكافي «رزق فضيلة الشهرة، والذكر الجميل، وانتشار الصيت، فلا يبرح اهل الفقه ممدودي الطرف اليه، شاخصي البصر نحوه، ولا يزال حملة الحديث عاكفين على استيضاح غرته، والاستصباح بانواره; وهو مدد آثار النبوة، ووعاة علم آل محمد (ص)، وحماة شريعة اهل البيت (ع)، ونقلة اخبار الشيعة، ما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا اليه وهو قمن ان يعتمد عليه في استخراج الاحكام، خليق ان يتوارث، حقيق ان يتوفر على تدارسه، جدير ان يعنى بما تضمن من محاسن الاخبار، وجواهر الكلام، وطرائف الحكم».
ومن دلائل شهرته: انه طبع اكثر من عشرين طبعة، ولا زالت المكتبة الاسلامية العلمية تحتفظ بجهود عمالقة التشيع بهذا الفن بخصوص ما بذلوه من جهد وعناء حول نص الكافي، من تحقيق، وشرح، وتعليق، وتهميش، وتحشية، وبيان كنوز احاديثه، ودراسة رجاله، وترتيب اسانيده، وتمييز مشتركاته، واختصاره، وترجمته، وفهرسة مطالبه بما يناهز واحدا وثمانين كتابا فيما احصيناه. وهم مع كل هذه الجهود، لم يقل احد منهم بوجوب الاعتقاد والعمل بما بين دفتيه، او الاقرار بصدور كل ما فيه عن الائمة (ع) جزما، ما خلا المحدث الاسترابادي فقط الذي رام ان يجعل كل احاديثه قطعية الصدور بقرائن لا تنهض على ذلك، باعتراف المحدث النوري وكلاهما من الاخباريين.
كما ان الكليني قدسسره لم يقل: ان كل ما اخرجته في هذا الكتاب صحيحا; ولم يصرح احد من اعلام الشيعة بان الكليني رحمهالله لم يخرج الحديث الا عن الثقة، عن مثله في سائر الطبقات، بل غاية ما يستفاد من كلامهم قدسسرهم، هو ان اخباره مستخرجة من الاصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها; اذ كانت مشهورة معلومة النسبة الى مؤلفيها الثقات.
واما عن اعراض الفقهاء عن بعض مرويات الكافي فلا يدل على عدم صحتها عندهم، ولا ينافي جلالة الكافي بين كتبهم، اذ رب صحيح لم يعمل به لمخالفته المشهور، كما ان اعراض الفقيه عن خبر لا يدل على ضعفه عنده، فضلا عن غيره، اذ قد يكون وجه الاعراض لدليل آخر، وعلة اخرى لا ربط لها بالضعف المظنون. هذا مع اختلاف مصطلح الصحيح بين قدماء الشيعة وبين متاخريهم على ما هو معروف ومشهور.
والكليني قدسسره لم يجر في الكافي الا على متعارف الاقدمين في اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، او اقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه، كوجوده في كتب الاصول الاربعمائة - وهي اربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف من اصحاب الائمة (ع) -، او لوجوده في كتب مشهورة متداولة نقلت عن الثقات الاثبات بالطرق المتصلة باهل البيت (ع)، او لتكرره في اصل او اصلين بطرق مختلفة واسانيد متعددة، او لوجوده في اصل معروف الانتساب الى من اجمعوا على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه والعلم، او كان في احد الكتب التي عرضت على الائمة(ع) فاثنوا على مؤلفيها، او كاخذه من احد الكتب التي شاع بين ثقات الطائفة اعتمادها سواء كانت من كتب الامامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله السجستاني، وغيره من الكتب المعتبرة، او من كتب غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي، والحسين بن عبدالله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.
ولا شك ان تصنيف الحديث ابتداء من عصر ابن طاووس (ت/664ه ) وتطويره على يد العلامة (ت/726ه ) ، كان على اثر فقدان معظم تلك القرائن، فصنفوه الى صحيح، وحسن ، وموثق، وضعيف، ثم حاول المتاخرون تطبيق هذا الاصطلاح على كتب الحديث ومن بينها الكافي، فظن من لا خبرة له ان هذا قادح بالكثير من احاديث الكافي، ولم يلتفت الى ان هذا التطبيقلم يلحظ فيه ما جرىعليه ثقة الاسلامرضي اللهعنه من اطلاق لفظ الصحيح على ما اقترن بالقرائن المتقدمة التيصار فقدان معظمها سببا للتصنيف الجديد.
ومن مميزات الكافي ما قاله في الوافي من ان الكليني «ملتزم في الكافي ان يذكر في كل حديث - الا نادرا - جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم (ع)، وقد يحذف صدر السند، ولعله لنقله عن اصل المروي عنه من غير واسطة، او لحوالته على ما ذكره قريبا، وهذا في حكم المذكور».
اقول: لا تنافي بين النقل المباشر عن اصل المروي، وبين الاحالة على ما ذكر قريبا، لحاجة النقل المباشر - ما لم تكن معاصرة مع صاحب الاصل - الى اتصال الرواية بالاصل، بل الاختصار السندي في تلك الحالات انما هو للاشعار بالنقل المباشر عن الاصل، مع وضوح الطريق اليه، لا لمجرد الاختصار كما اشتبه بذلك البعض، فظن ان القائلين بالنقل المباشر عن اصل المروي، انما هو قول بالارسال والانقطاع!! وفي المقام نكات لا يسع المقام لتفصيلها.
ومن مميزاته الاخرى كما نبه عليه بعض المحققين: وضع الاحاديث المخرجة الموضوعة على الابواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح، ولذلك احاديث اواخر الابواب لا تخلو من اجمال وخفاء. ولا يضر خروج بعض الاحاديث عن هذا الترتيب، اذ المراد هو الاعم الاغلب. ومنها ايضا: انه لا يورد الاخبار المتعارضة، بل يقتصر على ما يدل على الباب الذي عنونه، وربما دل ذلك ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر. ومنها: روايته عن مجموعة من مشايخه الثقات بلفظ (عدة من اصحابنا) وقد عرف اكثرهم وشخصت اسماؤهم. ونكتفي بهذا القدر عن الكافي، ونعود لشخص مؤلفه فنقول:
ثناء العلماء عليه:
ارتقى الشيخ الكليني رضي الله تعالى عنه، مكانا مرموقا ومنزلة عظيمة بين علماء الاسلام، فحمدت سيرته، وسار ذكره، وعظم صيته عندهم، وطارت شهرته اليهم، فكان فقيها مجددا، وعالما متضلعا، ومحدثا ثقة، ومتكلما بارعا، وعقائديا فذا، عبقري التتبع، بصيرا، ناقدا، واسع المعرفة، مفرط النباهة، حاد الذكاء، اجتمعت في شخصه - مع العلم الغزير - صفات المسلم المؤمن الحقة، من ورع، وزهد، وتقوى، وعبادة، كل هذا مع صفاء السريرة، ونفاذ البصيرة، يزينها الولاء التام لعترة خير الانام; ولهذا كان علما من اعلام اهل بيت النبوة ومعدن الوحي ومهبط الرسالة، فاق اقرانه في كثير من العلوم، اذ له القدم الراسخ في الفقه والحديث والكلام، حتى صار مفزعا للعلماء، وموردا عذبا للمحدثين والفقهاء الذين ما فتئوا يذكرونه بكل جميل.
ثقة الاسلام الكليني
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، وعلى آله الطيبين الطاهرين. وبعد: الحديث عن شخصية لامعة في سماء الفقه والحديث كشخصية الكليني (قدس سره الشريف) لا شك انه واسع الاطراف، متعدد الجوانب، خصب الميادين; اذ لم يكن الكليني رحمهالله فقيها ومحدثا فحسب، بل كان اول مجدد لمذهب اهل البيت (ع) على راس المائة الثالثة وقد شهد بذلك كبار العلماء من الطرفين كما سياتي في بيان ثناء العلماء عليه.
ثم ان استجلاء معالم شخصية الكليني الفذة النادرة، ورسم ابعادها العلمية في صحائف معدودة - مع ما لثقة الاسلام من مقام عال، ومنزلة رفيعة، وشان جليل، وتضلع في الفقه، وشهرة في الحديث، وتتبع عبقري في الرجال، وعطاء زاخر على مر الاجيال - لابد وان يكون على حساب ابعاد خصبة اخرى، وعندها فلن يعطى الكليني من الدراسة حقه.
ولكن ما لم يدرك كله، لا يترك جله; وان تعذر علينا امر الاحاطة بحياة وعطاء علم من ابرز اعلام هذه الامة، فلا اقل من التعرض ولو لبعض ملامح تلك الحياة وذلك العطاء الخالد، فنقول:
بيئته:
عاش ثقة الاسلام الكليني في حقبة حاسمة من تاريخ العصر العباسي الثاني امتدت من اوائل النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وحتى الربع الاول من القرن الرابع الهجري، وذلك في بيئتين مختلفتين، هما الري، وبغداد، وقد امتازت تلك الحقبة الزمنية - الى جانب تدهور الاوضاع السياسية كثيرا - انتعاش الحركة الفكرية التي استمرت بعطائها قوية نشطة دون ان تؤثر عليها الاحداث الجسيمة كقتل الخلفاء، او عزلهم وسمل اعينهم! فقد برزت في الري - وحاضرتها مدينة قم المشرفة - طاقات عملاقة في الفقه والحديث وغيرهما من علوم الشريعة الاخرى، وفي بغداد - وحاضرتها الكوفة - كذلك.
لقد اصبحت هذه المراكز التي ارتادها الكليني من اهم مراكز الاشعاع الفكري في العالم الاسلامي وصارت - خصوصا الري وبغداد - ملتقى العلماء والمفكرين العظام من شتى المذاهب والفرق الاسلامية، فقد تنوعت الثقافة، وسادت آراء المذاهب، وتوسعت الدراسة في تلك المراكز كالفقه، والحديث، والتفسير، واللغة، والنحو ، والادب، والتاريخ، وغيرها من العلوم الاخرى كالطب، والفلك، والرياضيات، والجغرافيا ونحوها، وياتي في مقدمة تلك العلوم علوم الشريعة السمحاء التي استوعبها الشيخ الكليني استيعابا كاملا، يشهد بذلك كتابه الخالد «الكافي» الذي احتوى من الاخبار - التي اختار روايتها الكليني - ما يشتمل على مختلف العلوم، كالفقه، والحديث، والتفسير، والاصول، والفلسفة، والكلام، والعقائد، والاخلاق،بل وحتى اللغة ظهرت آثارها واضحة في ديباجة الكافي التي ضمنت فقرات من النثر الرائع الذي يعبر عن مدى قدرته اللغوية، وتمكنه من صياغة الكلام بلفظ موجز مع دقة في التعبير خالطها السجع المطبوع الذي كان يمثل ابرز خصائص النثر الفني في القرن الرابع الهجري.
اسمه:
هو الشيخ محمد بن يعقوب بن اسحاق، باتفاق جميع كتب الرجال، والتراجم، والتاريخ، وقد شذ ابن الاثير (ت/630ه ) في كتابه الكامل فقال: «محمد بن علي ابو جعفر الكليني، وهو من ائمة الامامية وعلمائهم». ولا يبعد ان تكون تسميته ب (محمد) - سيما والمسمي والده، وهو من الشيوخ الاجلاء المعروفين، ومن رجالات العلم والدين - جاءت تيمنا باسم نبينا الكريم(ص)، هذا وقد صادف ان يكون اسمه الثلاثي مطابقا لثلاثة من اسماء الانبياء عليهم الصلاة والسلام.
كنيته:
وهي: (ابو جعفر) باتفاق مترجميه قاطبة، ولعل اختياره لهذه الكنية جاء اعتزازابكنية الامام محمد بن علي الباقر (ع) اذ ليس من باب المصادفة اكتناء المحمدين الثلاثة - (الكليني، والصدوق، والطوسي) اصحاب الكتب الاربعة (الكافي للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، والتهذيب والاستبصار للطوسي) - بهذه الكنية بعد ان اتفقت اسماؤهم وهم من اخص الموالين للامام جعفر بن محمد الصادق (ع).
لقبه:
لقب الشيخ محمد بن يعقوب بالقاب كثيرة، ويمكن تقسيمها على طائفتين: الاولى: ما دل منها على الشيخ الكليني من حيث المكان. الثانية: ما دل منها عليه من حيث الصدق والوثاقة. اما الاولى: فهي على نحوين من الالقاب، وهما:
النحو الاول: ما دل من القابه على نشاته الاولى وموطنه الاساس، وقد انحصر ذلك في لقبي:
1 - الكليني: نسبة الى (كلين) - بضم الكاف وفتح اللام - قرية من قرى الري تقع على بعد ثمانية وثلاثين (كيلومترا) جنوبي غرب بلدة الري الحالية شرقي طريق مدينة قم، بينها وبين الطريق خمسة (كيلومترات). وقد اشتبه الفيروزآبادي (ت/1414ه ) ، فنسبه الى (كلين) بفتح الكاف وكسر اللام، وهي قرية من قرى الري ايضا ، وقد حرف لقبه في تاريخ الادب العربي الى (الكوليني) بدلا من (الكليني)، ولعله من المترجم.
2 - الرازي: نسبة الى الري، وهو من النسب الشاذة التي لا تنطبق مع حروف اصل النسبة (الري); اذ يقتضي ان يكون اللقب وفقا لذلك هو (الريي)، كما هو معروف في صحة اطلاق اللقب عند اقترانه بمكان معين.
النحو الثاني: ما دل منها على سكنه الاخير واقامته، وقد انحصر ذلك في لقبي: 1 - البغدادي: نسبة الى (بغداد) التي اتخذها مقرا ومقاما. 2 - السلسلي: نسبة الى درب السلسلة الواقع بباب الكوفة ببغداد، اذ اختار له سكنا بهذا الدرب، وبقي فيه حتى الايام الاخيرة من حياته.
واما الطائفة الثانية من القابه الدالة على الصدق والوثاقة، فان اشهرها على الاطلاق (ثقة الاسلام)، وهناك مجموعة اخرى من القابه يعرفها العلماء خاصة والمتضلعون بهذا الفن لانصرافها عند الاطلاق اليه راسا، وقد جهلها الكثيرون لطغيان (ثقة الاسلام) عليها. وقد يكون السبب الحقيقي وراء اطلاق هذا اللقب على الشيخ الكليني حتى عرف به واشتهر من بين سائر (ثقات الاسلام)، بل وصار له علما وغلب على اسمه هو اتفاق علماء الرجال من اهل السنة والشيعة على وثاقته، اذ لم اقف - بالرغم من التتبع في كتب الرجال - على من مس الكليني بسوء قط من علماء الرجال من اهل السنة.
اقول: لم يتعرض له احد منهم بجرح قط لا مفسرا، ولا غير مفسر، وهذا يدلعلى حصول الاجماع على وثاقته، كما يدل على ان استحقاقه للقب (ثقة الاسلام) انما كان عن جدارة، ويدل ايضا على ان لثقة الاسلام مكانة مرموقة بين سائر العلماء، لا يمسها احد بسوء الا وقد كذب، وافتضح امره بين اهل الاسلام. وكيف لا؟ وقد عده اهل السنة انفسهم - كما سيوافيك- من المجددين لمذهب اهل البيت(ع) على راس المائة الثالثة.
ولادته:
لم يؤرخ احد من العلماء ولادة الشيخ الكلينيقدسسره، ولكن يمكن القول بانه ولد في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، فهو قد اخذ الحديث عن بعض المشايخ من اصحاب الائمة (الجواد، والهادي، والعسكري) (ع)، ولا يبعد ان تكون ولادته في اواخر زمن الامام العسكري(ع)، ويعلم من تاريخ وفاته انه من الطبقتين السادسة والسابعة وان ما بين وفاته ووفاة الامام العسكري(ع) (ت/260ه ) هو اقل من سبعين سنة، وعلى هذا يكون قد ادرك تمام الغيبة الصغرى، بل بعض ايام الامام العسكري (ع).
ومما يقرب ذلك انه طلب منه تاليف الكافي ليكون مرجعا للشيعة، ولا يطلب مثل هذا الطلب - غالبا - ممن لم يذرف سنه على الاربعين او الخمسين، هذا مع اتفاق الكل انه صنف الكافي في عشرين سنة زيادة على عدم العلم بتاريخ الانتهاء من تصنيف الكافي، وان كان الظاهر هو قبيل وفاته بمدة قصيرة.
اسرته:
تربى الكلينيرحمه الله في اسرة فاضلة، وارتشف منها - منذ نعومة اظفاره - حب الولاء لاهل البيت (ع)، وعاش في يتيكتنفه طيب الاصل كما وصفوه. اما الاب فهو الشيخ يعقوب بن اسحاق الكليني، كان خيرا فاضلا من رجالات العلم والدين في قرية كلين، ولا زال قبره رحمه الله معروفا بهذه القرية وغيرها، مشهورا يزار. واما الام، فقد كانت من اسرة علمية خرجت الكثير من رجالات الفقه والحديث في هذه القرية.
كجدها لابيها الشيخ ابراهيم بن ابان الرازي الكليني. وعمها الشيخ احمد بن ابراهيم بن ابان، قال عنه الشيخ الطوسي: «خير فاضل من اهل الري» وقد وثقه العلامة الحلي، وابن داود. وابيها الشيخ محمد بن ابراهيم بن ابان، قال عنه الشيخ الطوسي: «خير»، ووثقه العلامة، وابن داود.
واخيها الشيخ المعروف علي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الرازي الكليني، يكنى ابا الحسن، ثقة عين من عيون هذه الطائفة، له كتاب اخبار الامام القائم (ع)، وثقه جميع من ترجم له من الاعلام، وقتل في طريق مكة قاصدا اداء فريضة الحج، وهو من رجال العدة التي يروي الكليني بتوسطها عن سهل بن زياد كثيرا في الكافي، وهو خال الكليني واستاذه، ومن المحتمل ان تكون ام ثقة الاسلام - كما هو المعتاد في الاسر العلمية - قد اخذت من علم اخيها وعمها وابيها قسطا باعتبار عامل التربية المهم في تكوين شخصية الفرد. فالكليني اذن هكذا كانت اسرته، ومنها تعرف سلامة نشاته في هذا البيت الذي توافرت فيه الاسباب وتظافرت لان تكون للمولود الجديد تربية خاصة، ونشاة جيدة في اسرة جل اهلها من العلماء.
رحلاته العلمية:
وجد الكليني في اسرته من اسباب الرقي ما اهله في اوان شبابه الى ملاقاة العلماء في كلين واخذه العلم عنهم، حتى اذا ما اشتد ساعده وهضم ما في كلين من علوم الشريعة راح الى الري وهي من ارقى حواضر العلم ونواديه المعروفة في ذلك العصر، فقد خرجت الري المئات من الفقهاء والمحدثين والمفسرين، ولازال التراث الاسلامي الذي كتب باقلام الرازيين له الفضل في رفد حركة الفكر الاسلامي الى اليوم; ومن اجل تحصيل علوم مشايخ الري من قبل ثقة الاسلام، نراه قد التقى بالكثيرين منهم وحدث عنهم وحدثوا عنه، وتبادل معهم رواية الحديثسماعاواجازة.
ثم لم يلبث ان غادرها متابعا رحلته في طلب حديث اهل البيت(ع) ، مركزا على احاديثهم (ع)فيما يخص اصول الدين وفروعه حتى جاب بتلك الرحلة اهم المراكز العلمية في بلاد فارس متقلبا من مدينة الى اخرى، والتقى بخلق كثير من المشايخ وحدث عنهم وحدثوا عنه لا سيما في مدينة قم المعروفة يوم ذاك بتشددها وحرصها على حديث اهل البيت(ع)، وصيانته من عبث المغالين والوضاعين، ولهم في ذلك قصص ليس هنا محل الكلام عنها.
ويبدو ان الكليني رحمهالله كان عازما على رحلة اوسع ومتابعة السفر الطويل في تحصيل آثار اهل البيت(ع)بعد ان لمس فوائد رحلاته الاقليمية وعوائدها الطيبة، وهذا ما نجده واضحا في تحوله الى بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ومركز الحضارة الاسلامية، ومستوطن سفراء الامام الحجة (عجلالله تعالى فرجه الشريف). هذا بعد ان زار مدن العراق وحدث بها واخذ عن اهلها لا سيما الكوفة، ذلك المركز الاسلامي العريق الذي شع منه حديث علي (ع) الى كل الآفاق.
ولعل بغداد كانت منطلقه الى الشام ثم العودة اليها، فقد ذكر ابن عساكر (ت/571ه ) في تاريخه عن الكليني انه قدم دمشق، وحدث ببعلبك وهذا يعني ان وصوله الى العراق اول مرة لا يمكن ان يكون بسنة (327ه ) كما ظنه البعض اعتمادا على اجازة الكليني رواية مصنفاته واحاديثه لتلميذه ابي الحسين عبدالكريم بن عبدالله بن نصر البزاز بباب الكوفة بدرب السلسلة ببغداد سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، كما في مشيخة التهذيب، وفهرست الشيخ واي علاقة بين تاريخ منح الاجازة العلمية لشخص ببغداد وبين تحديد زمن دخول المانح الى العراق؟!
وكيف يجتمع اللقاء مع مشايخ الكوفة، وسوراء، وبغداد، ثم يرحل منها الى دمشق ويحدث ببعلبكويعود الى بغداد في سنة واحدة وهي سنة (327ه ) ؟ اذ كانت وفاته بسنة (328ه ) على قول سياتي. هذا مع انعدام واسطة السفر السريع في ذلك العصر البهي، وكون تقلبه في تلك المراكز لغاية علمية، مما يتطلب المكوث في كل مركز زمنا.
وعلى اية حال، فقد كان لوصوله بغداد الاثر المهم في تحقيق سائر ما سجله من آثار العترة الطاهرة (ع). والى هذا تشير عبارة السيد ابنطاووس (ت/664ه ) . قال: «فتصانيف هذا الشيخ محمد بن يعقوب، ورواياته في زمن الوكلاء المذكورين يجد طريقا الى تحقيق منقولاته». وهو يعني بهذا الكلام: ان الكليني كان في بلد السفراء، وبوسعه التاكد منهم مباشرة فيما يشك بصحته من الاخبار. ولا يفهم من هذه العبارة غير هذا المعنى.قدسسره
مشايخه:
تتلمذ الشيخ الكلينيقدسسره على يد الكثير من المشايخ الثقات المعروفين والحفاظ المشهورين من حملة علوم اهل البيت (ع). ولا مجال لذكرهم جميعا فضلا عن ذكر ما قيل بحقهم من كلمات الثناء. منهم الشيخ علي بن ابراهيم القمي، وهو من اهم مشايخ ثقة الاسلام الكليني، اخرج عنه ما يزيد على ربع احاديث الكافي.
ومنهم الشيخ محمد بن علي بن ابراهيم بن محمد الهمداني، والشيخ ابو الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي، ومحمد بن احمد الخفاف النيسابوري، والحسن بن الفضل بن يزيد اليماني، والحسين بن الحسن الهاشمي العلوي الرازي، وعلي بن محمد بن ابراهيم بن ابان الكليني، ومحمد بن محمود بن ابي عبدالله القزويني، وحميد بن زياد نزيل سوراء، واحمد بن محمد بن احمد بن طلحة ابوعبدالله العاصمي نزيل بغداد، واحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة الكوفي، وكثير غيرهم، على انا اقتصرنا على ذكر من اختلفت القابهم ومناطقهم، والا فمشايخه الاجلاء اضعاف هذا العدد فيما احصيناه.
تلاميذه:
من المتعذر حصر تلاميذ الكليني بعدد معين; لان الذي يحدث في مختلف الامصار الاسلامية، لاشك بتعدد مجالسه العلمية التي كانت تضم الكثير من الفضلاء وطلاب العلوم الشرعية، على ان عددا ليس باليسير منهم قد تلقوا كتاب الكافي من مصنفه واستنسخوه، ونشروه، والى نسخهم تنتهي نسخته، ونظرا لسمعته الطيبة، وشهرته وثقته وامانته فقد تتلمذ على يديه مجموعة من علماء اهل السنة، كالفقيه الشافعي محمد بن ابراهيم بن يوسف الكاتب الذي روى كتاب الكافي عن مؤلفه ببغداد، وابي سعد الكوفي شيخ الشريف المرتضى، وابي القاسم علي بن محمد بن عبدوس الكوفي، وعبدالله بن محمد بن ذكوان.
ومن تلامذته ايضا احمد بن احمد ابو الحسين الكوفي الكاتب، وابو عبدالله احمد بن ابراهيم الصيمري، وابو الحسن ابن داود، وابو الحسن العقراني، واحمد بن الحسين العطار، واحمد بن علي بن سعيد ابو الحسين الكوفي، واحمد بن محمد بن علي ابو الحسين الكوفي الكاتب، واحمد بن محمد ابن سليمان بن الحسن ابو غالب الزراري، وجعفر بن محمد بن موسى بن قولويه، وعبدالكريم بن عبدالله بن نصر ابو الحسين البزار التنيسي، وعلي بن محمد الرازي، وعلي بن احمد بن موسى الدقاق، وعلي بن عبدالله الوراق، ومحمد بن ابراهيم ابن جعفر ابو عبدالله الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، ومحمد بن احمد المعروف بالصفوانييكنى ابا عبدالله مولى بني اسد، ومحمد بن احمد بن محمد بن سنان الزاهري نزيل الري، ومحمد بن الحسين البزوفري، ومحمد بن عبدالله بن المطلب ابو المفضل الشيباني، ومحمد بن علي بن طالب ابو الرجاء البلدي، ومحمد بن علي ماجيلويه، ومحمد بن محمد ابن عصام الكليني ، وهارون بن موسى بن احمد بن سعيد التلعكبري، ومحمد بن موسى بن المتوكل، وغيرهم.
مؤلفاته:
للكليني رحمهالله مؤلفات غير الكافي - ذائع الصيت- والذي يحز في النفس الما انها تعداليوم كلها - سوى الكافي - من الكتب المفقودة، وهذا هو ما يؤسف عليه حقا، على ان بعضها قد تخطى القرون ووصل بسلامة الى القرن الحادي عشر الهجري - كما تتبعناه - ثم لم يعد له بعد هذا التاريخ عين ولا اثر.
وفيما ياتي اسماء مؤلفاته وهي: 1 - كتاب تعبير الرؤيا. 2 - كتاب الرد على القرامطة. 3 - كتاب الرسائل، او (رسائل الائمة (ع)) واما ذكره بعنوان (الوسائل) كما في كشف المحجة للسيد ابن طاووس، فهو مصحف من الناسخ ولعله من غلط المطبعة; لوروده في عدة مواضع من كشف المحجة بعنوان (الرسائل)، وقد اشتبه بعضهم، فعده ثلاثة كتب! وقد تتبعت النقل المباشر عن هذا الكتاب فوجدته قد وصل سالما الى القرن الحادي عشر، وبالضبط الى عصر الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (ت/1050ه) ، اذ نقل عنه مباشرة في شرح اصول الكافي 2: 612 - 615 خطبة لامير المؤمنين (ع) مصرحا باخذه من هذا الكتاب ما هو مواضع الحاجة. 4 - كتاب ما قيل في الائمة (ع) من الشعر. 5 - كتاب الرجال. 6 - كتاب خصائص الغدير، او خصائص يوم الغدير. 7 - كتاب الكافي.
ويظهر من تعداد كتب الكليني انه كان مقلا في التاليف قياسا الى شيوخ الشيعة كالمفيد، والصدوق، والطوسي، واضرابهم،وعذره فيهذا هو انهرحمه اللهكانمنصرفا بكلهمته وعلمه الى معرفة حديث اهل البيت (ع) الذي لم يجمع في موسوعة كالكافي قبله، ولم ينقح بعضه، بل كان موزعا على مئات الكتب، منها - وهو الاعم الاغلب - ما هو معتبر ومعتمد في ذلك العصر، ومنها ما هو ليس كذلك، مع تفرق هذه الكتب ومشايخ الحديث في معظم امصار الاسلام، ولما كان الكليني هو اول من تصدى لجمع احاديث اهل البيت (ع) من عيونها ومصادرها وحفاظها الثقات; لذا نراه قد استرخص من عمره - لاجل هذه المهمة - عشرين سنة، ولولا الكافي لكانت تلك المدة الطويلة حافلة في التصنيف والتاليف.
والحق، انه لو لم يكن للكليني الا الكافي لكفاه فخرا وثوابا على مر العصور، اذ خلد حسنة جارية له الى يوم النشور، وعلى مثل هذا فليتنافس المتنافسون. والكافي كتاب موسوعي، ذكر فيه ما يحتاجه الفقيه والمحدث والمتكلم والمؤرخ وطالب العلم، هذا مع تناوله دقائق فريدة لا توجد في غيره تتعلق بشؤون العقيدة، وتهذيب السلوك، ومكارم الاخلاق. والكتاب - بحسب تصنيف مصنفه - يقع في ثلاثة اقسام وهي:
1 - اصول الكافي:
حظي هذا القسم بعناية خاصة من لدن العلماء، لم يحظ بها - عند الامامية - كتاب في بابه، وذلك لاشتماله على احاديث وابواب لم تذكر في غيره من كتب الحديث عندهم، اذ تعرضت احاديث الاصول من الكافي لمختلف مباحث العقيدة، كالتوحيد، والعدل، والنبوة، والامامة، والمعاد يوم القيامة، هذا مع كثرة الاحاديث الواردة في مجالات معرفية اخرى كالموت، وحياة البرزخ، والبعث، والنشور، والثواب، والعقاب، والجنة، والنار، والسراط، والميزان، والقضاء، والقدر، والجبر، والتفويض، والقدم، والحدوث. مع بيان اهمية العقل، والعلم وفضائله، وقبح الجهل ورذائله، ودرجات الايمان والكفر، واهمية الدعاء في حياة المسلم، وما للقرآن الكريم من فضل عظيم، وآداب العقيدة، الى غيرها من الامور الاخرى التي اهتمت بدراستها كتب الكلام، والفلسفة، والعقائد.
وقد رتب الكليني رحمهالله احاديث الاصول من الكافي في ثمانية كتب، وهي: كتاب العقل والجهل، وكتاب فضل العلم، وكتاب التوحيد، وكتاب الحجة، وكتاب الايمان والكفر، وكتاب الدعاء، وكتاب فضل القرآن الكريم، وكتاب العشرة.
2 - فروع الكافي: صنف الكليني (رحمه الله تعالى) احاديث الفروع على اساس تعلقها بمعرفة الاحكام الفرعية الشرعية التي تبحث عادة بكتب الفقه الاسلامي، لذا نرى من الضرورة التعرض الى بيان هيكلها العام في فقه الشيعة الامامية، فنقول: تقسم الاحكام الفرعية عند فقهاء الشيعة الامامية على قسمين وهما: (العبادات والمعاملات).
اما العبادات فيدخل فيها: احكام المياه، والوضوء، وآداب التخلي، واحكام الغسل واقسامه، والحيض، والاستحاضة، والنفاس، واحكام الاموات، والتيمم، والنجاسات، والمطهرات، والصلاة، والزكاة، والخمس، والصوم، والاعتكاف، والحج، والعمرة، واعمال المدينة المنورة، والجهاد، والوقف والصدقة، ودخول الوقف والصدقة في العبادات هو لاعتبار نية القربة الى اللهعز وجلويدخلانفي قسمالعقود منالمعاملاتباعتبارآخر. واما المعاملات، فتقسم عندهم على ثلاثة اقسام وهي:
1 - العقود: ويدخل فيها: التجارة وآدابها، والبيع واقسامه من النقد والنسيئة، والسلف ، والصرف، والربا، والبيع، والخيارات، والشفعة، والاجارة، والمزارعة، والمساقاة، والجعالة، والسبق، والرماية، والشركة، والمضاربة، والوديعة، والعارية، والضمان، والحوالة، والكفالة، والدين، والرهن، والصلح، والوكالة، والهبة، والصدقة، والوقف، والسكنى، والعمرى، والوصية، والنكاح وتوابعه كالرضاع، والقسم، والنشوز، واحكام الاولاد، والنفقات، والخلع، والمباراة، والمكاتبة.
2 - الايقاعات: ويدخل فيها: الاقرار، والطلاق وتوابعه كاحكام العدة والظهار والايلاء واللعان، والعتق، والتدبير، والايمان، والنذور، والعهود.
3 - الاحكام: ويدخل فيها: اللقطة، والغصب، واحياء الموات، والحجر، والكفارات، والصيد، والذباحة، والاطعمة، والاشربة، والميراث، والقضاء، والشهادات، والحدود، والتعزيرات، والقصاص، والديات. وبمراجعة احاديث الفروع من الكافي نجدها قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بسائر تلكم الامور، مع روعة التصنيف الذي وفر للفقيه سهولة مراجعتها، اذ وزعها الكلينيقدسسره على كتب الفروع الفقهية، وهي: كتاب الطهارة، وكتاب الحيض، وكتاب الجنائز، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، واما ما يتعلق بالخمس فقد ذكره في آخر كتاب الحجة من اصول الكافي ; لارتباطه بحق الامام(ع)، وكتاب الصيام، وكتاب الحج، وكتاب الجهاد، وكتاب المعيشة، وكتاب النكاح، وكتاب العقيقة، وكتاب الطلاق، وكتاب العتق والتدبير والكتابة، وكتاب الصيد، وكتاب الذبائح، وكتاب الاطعمة، وكتاب الاشربة، وكتاب الزي والتجمل والمروءة، وكتاب الدواجن، وكتاب الوصايا، وكتاب المواريث، وكتاب الحدود، وكتاب الديات، وكتاب الشهادات، وكتاب القضاء والاحكام، وكتاب الايمان والنذور والكفارات.
هذا وقد بوب الاحاديث في هذه الكتب تبويبا دقيقا، اضاف مسحة جمالية على الكتاب، يستطيع الباحث تلمسها باستخراج اي حديث شاء من الفروع بسهولة ويسر. فلا غرابة اذن في ان يشهد معلم الامة، ومن منحته بغداد كرسي كلامها فيقول عن الكافي: انه من «اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة».
3 - روضة الكافي: اختار الكليني قدسسره لهذا القسم من الكافي اسم (الروضة); لاشتماله على امور كثيرة يصعب تصنيفها في كتب وابواب. فقد تعرضفيهالىكثيرمنالاحاديثالمفسرةلكتاباللهعز وجل ، مع بيان زهد النبي(ص)، وسيرته العطرة، واقواله الكريمة، مع شيء من قصص بعض الانبياء(ع) ; لاخذ العبرة منها، زيادة على خطب الائمة (ع)، ورسائلهم، وحكمهم، ومواعظهم، مع نتف من الاحداث التاريخية المهمة، وسير بعض الصحابة، وكيفية اسلامهم، مع الكثير من اخبار الصالحين، وآداب المتادبين، ولم ينس فيه رواية ما يتعلق بحقوق المسلمين فيما بينهم، وما جبلت عليه القلوب، ومخالطة الناس، واصنافهم، وامراضهم وعلاجها، كما حشد في الروضة الكثير من احاديث الاخلاق، وآداب المسلم، مع روايته لما يتعلق بآيات الله تعالى الناطقة على وجوده; كالمطر، والشمس، والقمر، والنجوم، حتى يبدو للباحث ان هذا الجزء الحافل بمختلف الاخبار، ونفائس الاعلاق، من عقائد، وتفسير، واخلاق، وقصص، وتاريخ، وجغرافيا، وفلك وطب ونحوها قد جاء اسما على مسماه; فهو كالروضة الندية حقا فيها من كل الورود والرياحين «بيد انها لا تخلو من اشواك - قليلة - وعلى الخبير المنقب ان يتحاشاها».
على ان الكليني رحمهالله قد التزم في الكافي التزاما عجيبا في رواية النص المنقول عن اهل البيت (ع)، فهو لا يتصرف ابدا في لفظ الحديث، ولا ينقله بالمعنى بتاتا لفرط امانته في الرواية، هذا مع كونه فقيها مجددا قريب العصر من مصدر رواياته. وكتابه الكافي «رزق فضيلة الشهرة، والذكر الجميل، وانتشار الصيت، فلا يبرح اهل الفقه ممدودي الطرف اليه، شاخصي البصر نحوه، ولا يزال حملة الحديث عاكفين على استيضاح غرته، والاستصباح بانواره; وهو مدد آثار النبوة، ووعاة علم آل محمد (ص)، وحماة شريعة اهل البيت (ع)، ونقلة اخبار الشيعة، ما انفكوا يستندون في استنباط الفتيا اليه وهو قمن ان يعتمد عليه في استخراج الاحكام، خليق ان يتوارث، حقيق ان يتوفر على تدارسه، جدير ان يعنى بما تضمن من محاسن الاخبار، وجواهر الكلام، وطرائف الحكم».
ومن دلائل شهرته: انه طبع اكثر من عشرين طبعة، ولا زالت المكتبة الاسلامية العلمية تحتفظ بجهود عمالقة التشيع بهذا الفن بخصوص ما بذلوه من جهد وعناء حول نص الكافي، من تحقيق، وشرح، وتعليق، وتهميش، وتحشية، وبيان كنوز احاديثه، ودراسة رجاله، وترتيب اسانيده، وتمييز مشتركاته، واختصاره، وترجمته، وفهرسة مطالبه بما يناهز واحدا وثمانين كتابا فيما احصيناه. وهم مع كل هذه الجهود، لم يقل احد منهم بوجوب الاعتقاد والعمل بما بين دفتيه، او الاقرار بصدور كل ما فيه عن الائمة (ع) جزما، ما خلا المحدث الاسترابادي فقط الذي رام ان يجعل كل احاديثه قطعية الصدور بقرائن لا تنهض على ذلك، باعتراف المحدث النوري وكلاهما من الاخباريين.
كما ان الكليني قدسسره لم يقل: ان كل ما اخرجته في هذا الكتاب صحيحا; ولم يصرح احد من اعلام الشيعة بان الكليني رحمهالله لم يخرج الحديث الا عن الثقة، عن مثله في سائر الطبقات، بل غاية ما يستفاد من كلامهم قدسسرهم، هو ان اخباره مستخرجة من الاصول المعتبرة التي شاع بين قدماء الشيعة الوثوق بها والاعتماد عليها; اذ كانت مشهورة معلومة النسبة الى مؤلفيها الثقات.
واما عن اعراض الفقهاء عن بعض مرويات الكافي فلا يدل على عدم صحتها عندهم، ولا ينافي جلالة الكافي بين كتبهم، اذ رب صحيح لم يعمل به لمخالفته المشهور، كما ان اعراض الفقيه عن خبر لا يدل على ضعفه عنده، فضلا عن غيره، اذ قد يكون وجه الاعراض لدليل آخر، وعلة اخرى لا ربط لها بالضعف المظنون. هذا مع اختلاف مصطلح الصحيح بين قدماء الشيعة وبين متاخريهم على ما هو معروف ومشهور.
والكليني قدسسره لم يجر في الكافي الا على متعارف الاقدمين في اطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه، او اقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه، كوجوده في كتب الاصول الاربعمائة - وهي اربعمائة مصنف لاربعمائة مصنف من اصحاب الائمة (ع) -، او لوجوده في كتب مشهورة متداولة نقلت عن الثقات الاثبات بالطرق المتصلة باهل البيت (ع)، او لتكرره في اصل او اصلين بطرق مختلفة واسانيد متعددة، او لوجوده في اصل معروف الانتساب الى من اجمعوا على تصديقهم والاقرار لهم بالفقه والعلم، او كان في احد الكتب التي عرضت على الائمة(ع) فاثنوا على مؤلفيها، او كاخذه من احد الكتب التي شاع بين ثقات الطائفة اعتمادها سواء كانت من كتب الامامية ككتاب الصلاة لحريز بن عبدالله السجستاني، وغيره من الكتب المعتبرة، او من كتب غير الامامية ككتاب حفص بن غياث القاضي، والحسين بن عبدالله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.
ولا شك ان تصنيف الحديث ابتداء من عصر ابن طاووس (ت/664ه ) وتطويره على يد العلامة (ت/726ه ) ، كان على اثر فقدان معظم تلك القرائن، فصنفوه الى صحيح، وحسن ، وموثق، وضعيف، ثم حاول المتاخرون تطبيق هذا الاصطلاح على كتب الحديث ومن بينها الكافي، فظن من لا خبرة له ان هذا قادح بالكثير من احاديث الكافي، ولم يلتفت الى ان هذا التطبيقلم يلحظ فيه ما جرىعليه ثقة الاسلامرضي اللهعنه من اطلاق لفظ الصحيح على ما اقترن بالقرائن المتقدمة التيصار فقدان معظمها سببا للتصنيف الجديد.
ومن مميزات الكافي ما قاله في الوافي من ان الكليني «ملتزم في الكافي ان يذكر في كل حديث - الا نادرا - جميع سلسلة السند بينه وبين المعصوم (ع)، وقد يحذف صدر السند، ولعله لنقله عن اصل المروي عنه من غير واسطة، او لحوالته على ما ذكره قريبا، وهذا في حكم المذكور».
اقول: لا تنافي بين النقل المباشر عن اصل المروي، وبين الاحالة على ما ذكر قريبا، لحاجة النقل المباشر - ما لم تكن معاصرة مع صاحب الاصل - الى اتصال الرواية بالاصل، بل الاختصار السندي في تلك الحالات انما هو للاشعار بالنقل المباشر عن الاصل، مع وضوح الطريق اليه، لا لمجرد الاختصار كما اشتبه بذلك البعض، فظن ان القائلين بالنقل المباشر عن اصل المروي، انما هو قول بالارسال والانقطاع!! وفي المقام نكات لا يسع المقام لتفصيلها.
ومن مميزاته الاخرى كما نبه عليه بعض المحققين: وضع الاحاديث المخرجة الموضوعة على الابواب على الترتيب بحسب الصحة والوضوح، ولذلك احاديث اواخر الابواب لا تخلو من اجمال وخفاء. ولا يضر خروج بعض الاحاديث عن هذا الترتيب، اذ المراد هو الاعم الاغلب. ومنها ايضا: انه لا يورد الاخبار المتعارضة، بل يقتصر على ما يدل على الباب الذي عنونه، وربما دل ذلك ترجيحه لما ذكر على ما لم يذكر. ومنها: روايته عن مجموعة من مشايخه الثقات بلفظ (عدة من اصحابنا) وقد عرف اكثرهم وشخصت اسماؤهم. ونكتفي بهذا القدر عن الكافي، ونعود لشخص مؤلفه فنقول:
ثناء العلماء عليه:
ارتقى الشيخ الكليني رضي الله تعالى عنه، مكانا مرموقا ومنزلة عظيمة بين علماء الاسلام، فحمدت سيرته، وسار ذكره، وعظم صيته عندهم، وطارت شهرته اليهم، فكان فقيها مجددا، وعالما متضلعا، ومحدثا ثقة، ومتكلما بارعا، وعقائديا فذا، عبقري التتبع، بصيرا، ناقدا، واسع المعرفة، مفرط النباهة، حاد الذكاء، اجتمعت في شخصه - مع العلم الغزير - صفات المسلم المؤمن الحقة، من ورع، وزهد، وتقوى، وعبادة، كل هذا مع صفاء السريرة، ونفاذ البصيرة، يزينها الولاء التام لعترة خير الانام; ولهذا كان علما من اعلام اهل بيت النبوة ومعدن الوحي ومهبط الرسالة، فاق اقرانه في كثير من العلوم، اذ له القدم الراسخ في الفقه والحديث والكلام، حتى صار مفزعا للعلماء، وموردا عذبا للمحدثين والفقهاء الذين ما فتئوا يذكرونه بكل جميل.