تشرين ربيعة
28-06-2009, 01:37 AM
شاب ليتواني من الإلحاد إلى المسيحية إلى الإسلام إلى التشيّع!
مبارك (مينداوگاس) كوندريسكاس: القرآن هداني إلى الإسلام ومظلومية أهل البيت (ع) قادتني إلى التشيع!
http://www.14masom.com/menbar/09/images/pic/10/10a.jpg
أجرى الحوار: عصام الموسوي
ترجمه: رحمن عبد اللاييف
كم يصعب على مثله أن يتخذ قرارا مصيريا كهذا ينقله من إلحاد الشيوعية وشرك المسيحية إلى وحدانية الإسلام ثم إلى التزام مساره الصحيح المتمثل بمذهب آل البيت عليهم السلام؟! كم يصعب على من لا يتقن لغة الإسلام «العربية» ولا يستوعب ثقافته ومفرداته الفكرية أن يستثير همته للبحث عن الحقيقة؟! كم يصعب على مثله الذي تربى في بيئة شيوعية تنعدم فيها الأخلاق والضمائر أن يوقظ ضميره ويخلقه في نفسه أخلاقا ومثلا وقيما سامية!
«مينداوگاس كوندريسكاس» - الذي بات اسمه اليوم مبارك كوندريسكاس بعد انتقاله من المسيحية إلى الإسلام - التقت به «المنبر» وأجرت معه لقاءا مثيرا تحدث فيه عن تجربته الصعبة ورحلته الشاقة في البحث عن الحق والحقيقة فقط! ولعل ما يزيدها مشقة أنه شاب لم يتمكن من الحصول على مصادر معرفية كافية تخاطبه بلغته وتنسجم مع عقليته، ومع هذا ما كًلّ وما يئس إنما واصل مسيرته نحو الحق والحقيقة فثمة دافع داخلي يحركه، وقوة عجيبة تحدوه للسير في سبيل البحث المضني، وهو يشعر أن ذلك الدافع كان إمداداً غيبياً من الناحية المقدسة المتمثلة بإمام العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء!
ولكم كان لقاؤنا به شيقا ومثيرا، إلا أن فصلا منه كان مؤلماً! عندما سألناه «ما الذي قادك إلى اعتناق عقيدة أهل البيت عليهم السلام وأنت سني المذهب للتو؟» فأطرق رأسه وارتسمت عليه علائم الحزن وأجاب وقد دمعت عيناه: «إنه الظلم الذي وقع على أهل البيت عليهم السلام! ».
فلنلج معه إلى ذكريات رحلته، لنسبر أغوارها، ولنعلم ظروفها ومشقاتها، ولنقف على الدوافع التي زجّت بهذا الشاب في رحلته هذه، رحلة البحث عن الحقيقة!
ولد مبارك كوندريسكاس - مينداوگاس كوندريسكاس سابقا - في 5 يونيو عام 1978 في بلدة «شيشوولياي» الليتوانية ، وليتوانيا دولة مستقلة عن الاتحاد السوفياتي سابقا .
ينتمي إلى أسرة تتكون من خمسة أفراد، الأبوان وأخ يكبره بثمان سنوات وأخت تصغره، كانت والدته نصرانية مؤمنة بعكس والده الذي كان ملحدا، ويسخر منه حين يراه يقرأ الإنجيل. حدث وأن تم الطلاق بين الأبوين فتمتع «مبارك» بالحرية الكاملة للاطلاع على الكتب الدينية.
أنهى دراسته الثانوية بمعدل عال عام 1997م ثم سافر إلى «لندن» ومكث فيها مدة عام رغبة منه في التعرف على عادات الشعوب الأخرى. وهناك اطلع على بعض الكتب الإسلامية المترجمة للغة الإنجليزية ومن خلالها عرف كثيراً عن الإسلام فاهتم به، وبعد ثمانية أشهر أعلن إسلامه!
جاء إلى الكويت للدراسة الجامعية فيها وتعلم اللغة العربية، وتشيع فيها معتنقاً نهج أهل البيت صلوات الله عليهم، وذلك قبل أربعة أشهر فقط!
http://www.14masom.com/menbar/09/images/pic/10/10b.jpg
لنتعرف على أول ما أشعل في صدره جذوة البحث عن الحقيقة، فعن ذلك قال: «لقد كانت الحيرة تعبث بي وأنا أرى التناقض في أفكار الآخرين، فبعض يؤكد وجود الله، وآخر ينكر ذلك، وجدتني محتاراً ضائعاً بين هذه التناقضات إلى أن حصل لي شيء غريب. في إحدى الليالي استيقظت من نومي فوجدت رجلاً يتشح بالسواد يقف عند رأسي فاندهشت وهلعت، وازدادت حيرتي عندما تكرر الأمر في الليلة التالية. وعند استيقاظي من النوم في منتصف الليل، رأيت رجلاً يرفل بالبياض يجلس القرفصاء عند خزانتي!
في الحقيقة لا أدري لماذا جعلتني هذه الحادثة أفكر كثيراً بوجود الله، حتى أدركت أن وجوده حق، ولا سواه يكمن خلف هذه الحادثة، لقد ولدت لدي هذه الحادثة إحساساً عجيباً، واستحثتني للبحث عن الحقيقة، خصوصاً وأني أثناء وجودي في لتوانيا كانت لدي ترددات كثيرة في الديانة المسيحية، فقد كنت أعجب من ممارسات معتنقيها، وحتى سلوكيات الرهبان والقساوسة، خصوصاً وأن هذه السلوكيات كانت منبثقة من صميم عقيدتهم.
من أهم هذه السلوكيات غفر الرهبان لذنوب الناس! ففي الكنيسة حجرة ضيقة يجلس فيها «البابا» ويقصده المذنبون من بني البشر، يتوسلون إليه ليغفر ذنوبهم، ترى كيف يغفر الذنوب وهو مثلنا؟! والأشد عجباً أن رجال الدين في الكنائس بعد صلاتهم يشربون الخمر ويذكرون اسم الله رغم أن المذهب الكاثوليكي يحرم شرب الكحول، وهم حرموه على الناس وأباحوه لهم!
هذا غير أن الديانة المسيحية تحرم الزواج على رجال الدين ونتيجة لذلك تحصل الفواحش لأن الراهب باعتباره رجلاً فإنه لا يستطيع الاستغناء عن المرأة، وإضافة لكل ما سبق نجد أن الرهبان يدّعون وحدانية الله وفي الوقت ذاته يجعلون منه ثلاثة آلهة الأب، الابن، والروح القدس، كل هذه التناقضات كانت تسري في العقيدة المسيحية، وقد زادتني حيرة وتساؤلاً عن الدين الحق. كنت ضائعاً لا أعرف لي مستقراً، حتى بعد حصولي على كتاب «موسوعة الديانات» وجدتني عاجزاً عن معرفة الدين الصحيح الحقيقي.
واستمر الشاب مبارك يعيش في شتات الأفكار محاولاً الوصول للحقيقة، وفي تلك الفترة كانت لتوانيا تضم كثيراً من مبشري المذاهب النصرانية التي تنحدر من الأرثوذكس والكاثوليك وغيرهم، وكلهم يستندون على إنجيل واحد مرتكز على عقيدة التثليث، ولكن مبارك أحس أن هذا الإنجيل ليس كلام الله، وحين سافر إلى «لندن» تأثر كثيراً بكتاب الإسلام السماوي وهو القرآن الكريم، عن ذلك يتحدث بقوله:
«في الإنجيل الواحد تجد مقطعاً يتحدث عن وحدانية الله، ثم تجد في مقطع آخر عقيدة التثليث وتعود لتجد مقطعاً يتحدث عن الوحدانية مرة أخرى، لقد أكد لي هذا التناقض إحساسي بعدم صحة هذا الكتاب، وبعد سفري غلى لندن قرأت كتاب «حوار بين مسيحي ومسلم» واكتشفت أن يد الإنسان تدخلت في الإنجيل، وفي الكتاب ذاته وجدت أن المسلم أثبت انحراف الديانة المسيحية. ثم استدل الكتاب بآيات قرآنية تثبت وجود الله تعالى، لقد تأثرت بهذا الكتاب كثيراً فواظبت على قراءة الكتب الإسلامية المترجمة، حتى إني قرأت ترجمة القرآن الكريم بالإنجليزية فتعلقت به تعلقا جما، وأدركت أني وجدت ضالتي، وهي الحقيقة التي كنت أبحث عنها متمثلة في الدين الإسلامي».
لقد عرف مبارك أحقية الإسلام، وأحس بنور اليقين يبدد ظلام الشكوك والضياع، لذا قرر أن يعتنق هذا الدين العظيم مستعداً لمواجهة الصعوبات أياً كانت!
وتم ذلك في لندن عام 1997م حيث أعلن إسلامه في «المركز الإسلامي» أوضح متحدثاً عن النقاط الأساسية التي دفعته تجاه الإسلام:
«بعد قراءتي للقرآن وجدت فيه الكثير من السور التي يخاطب فيها الله بني البشر بقوله (ألا تشعرون، ألا تعقلون، ألا تفكرون) وهذه الآيات أجبرتني على التفكير، ولكما أمعنت النظر في ما خلقه الله من حولي ازددت انجذاباً نحو الإسلام عبر الآيات التي يصف الله فيها الأرض والسماء والجبال والآيات التي يذكر فيها عيسى بن مريم عليهما السلام على أنه بشر مثلنا وليس ابناً لله. وقد رسخت الآية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) إيماني بأن القرآن أتى من قبل الله وليس من قبل البشر ودون تدخل من الإنسان، وهناك آية أخرى يتحدى بها الله البشر على الإتيان بمثل هذا الكتاب (فاتوا بمثله إن كنتم صادقين) وقد فتحت لي هذه الآية آفاقاً عظيمة، وتغلغل في صدري اليقين بأنه معجزة عظمى».
وهكذا تشربت روح مبارك إحساساً بالسعادة بعد دخولها في روضة الإسلام، وصمم مبارك أن يكون حاملاً لرسالة هذا الدين العظيم، وأن يكون عالماً مثقفاً يخدم هذا الدين بعلمه فعزم على الدراسة الجامعية في الكويت إثر حصوله على منحة دراسية، وهنا فاجأته مسألة تعدد المذاهب، وعن هذه المفاجأة قال:
«إنني حين أسلمت كنت أجهل قضية المذاهب معتقداً أنها ديانة واحدة كاملة فقط وهي الإسلام، وحين عرفت عن قضية المذاهب واجهتني صعوبة بالغة في الاختيار. لقد عادت الحيرة إليّ، وعاودني الإحساس بالضياع فقد كنت طالب حقيقة مصرّ عليها، ومستعد لبذل كل شيء في سبيلها. من جديد أحسست بمسؤولية البحث، فكل طرف يمدح مذهبه ويصفه بالأحقية، بداية قرأت كتاباً لشخص وهابي وعرفت منه فرقا ومذاهباً عدّة وقد وجدت فيه أن الوهابية يدّعون أن الحق لهم وأن المذاهب الأخرى كلها باطلة، وبعض ذوي اللحى الطويلة كانوا يمنعوني من مجرد الكلام مع الشيعة لأنهم - حسب زعمهم - على باطلّ كانوا يسيئون الحديث عنهم دون أدلة وبراهين يقنعوني بها، وفي إحدى المرات كنت أجلس مع شاب شيعي ودار الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصليت عليه دون ذكر كلمة و«آله». فوجدت ذلك الشاب يدعوني ويرجوني ألا أصلي على النبي صلاة ناقصة، فسألته عن ذلك، فقال لي أن حديثاً جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما نزلت الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) أمر فيه النبي بالصلاة عليه وعلى آله، ونهى عن الصلاة عليه دون آله وهي التي سماها صلى الله عليه وآله «الصلاة البتراء».
في الحقيقة، لقد انحذبت لذلك الشاب لما يتمتع به من أخلاق عالية فلم يبد منه ما يمس الأخلاق، وقد كان يستند في جميع حواراته على أدلة من الطرفين بعكس السنة.
وفي إحدى المرات كنا نتكلم عن أهل البيت عليهم السلام فأتى على ذكر الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) وقد أثبت الشاب ومن خلال مصادر سنية أن المقصود بالقربى أربعة أشخاص «عليّ، فاطمة، الحسن، الحسين» عليهم السلام، كذلك أثبت أن الله تعالى فرض علينا مودتهم وحبهم واتباعهم، والصدمة الكبرى أن الأشخاص الذين يتبعهم أهل السنة هم من ظلموا هؤلاء القربى!! ولكم كانت هذه الصدمة موجعة بالنسبة لي! ولاحظت أيضاً أن الشباب الشيعة في السكن الطلابي يتخلفون عن صلاة الجماعة مع أهل السنة فسألتهم عن السبب، فأجابني أحدهم: إن المذهب الشيعي هو الإسلام، والإسلام لا يجوّز لنا الصلاة خلف أي كان فإمام الجماعة يجب أن يتمتع بصفات خاصة كالعدالة وهذه مسؤولية كبيرة.
مضت مدة على هذا الحوار حتى قرأت في صحيفة Arab Times خبراً أذهلني، فقد حدث وأن نُقل أن إماماً كا نيصلي بالناس الجماعة في أحد مساجد السنة في الكويت أُدخل المستشفى في حال خطرة، وكان السبب تعاطيه للمخدرات! فعرفت معنى ضرورة توافر شروط خاصة في إمام الجماعة كما يقوله الشيعة، وهو الأقرب إلى الصواب.
كل هذا كان مدعاة لي للتفكير أكثر في المذهب الشيعي خصوصاً وأنني سمعت من الشاب الشيعي أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في حديث ما مضمونه: أن اليهودية انقسمت إلى 71 فرقة والنصرانية إلى 72 فرقة وأن أمتي سوف تنقسم إلى 73 فرقة، وفرقة واحدة فقط هي الناجية. وأنا أريد اكتشاف هذه الفرقة، فأنا أريد النجاة! أريد الجنةّ! وبعد تفكير طويل وجدت أن أقرب الناس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم الأكثر معرفة بالإسلام. ومن هم سوى أهل بيته عليهم السلام؟!
بعد كل هذا بدأت بقراءة بعض الأحاديث التي مضمونها من قبيل: «يا علي أنا مدينة العلم وعليّ بابها - مثل أهي بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ومن ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق - يا علي أنت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة - يا علي إذا عبدٌ من عباد الله سجد لله ألف سنة وبعدها ألف سنة فأغضبك ومات يدخله الله النار» وبعد كل هذه الأحاديث وجدتني في الفئة التي ظلمت أهل البيت عليهم السلام!!
وقد اكتشفت أن الأول والثاني تمردا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أثناء مرضه وتخلفا عن جيش أسامة رغم أن الرسول قال في تلك الأثناء ما مضمونه: «اذهبوا إلى جيش الروم، لعن الله من رجع»، «أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة».
ولم يكفهم هذا، بل اغتصبوا فدكاً وهي هدية الرسول لابنته الزهراء سلام الله عليهما، وكلنا يعرف كيف حطموا باب دار الزهراء واقتحموها عنوة! أنسوا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يغضب الله لغضب فاطمة؟! وهذان أغضبا فاطمة، واغتصبا الخلافة التي هي من حق علي عليه السلام. أما الثالث «عثمان» فقد أعطى فدكاً لطريد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ألا يكفي كل هذا لأعرف أين الحق ومع من؟! بصراحة.. إن مظلومية أهل البيت عليهم السلام جعلتني أتشيع لهم! (صمت ودمعة)
أهل البيت هم المطلعون على مجريات الأمور وأحداثها، وهم من يعرف الأحكام الإسلامية كلها، إنهم ربيبوا النبوة.
كل هذه الأمور كانت تدفعني رغماً عني للاعتقاد بهم وبأحقيتهم ومظلوميتهم. ولا يمكن أن أنسى أبداً الأثر الذي أحدثته في نفسي «واقعة كربلاء» إنها قضية استشهاد سبط الرسول الذي طالما أوصى المسلمين بمحبته وبيّن أن محبته من محبة الله سبحانه، تُرى كيف استطاعت تلك الأمة أن تتغاضى عن كل ذلك؟!
لقد كفاني كل هذا لأصرح وأعلن أني شيعي، وأن المذهب الشيعي هو الدين الإسلامي الحق، فأردت معالجة شعائري التعبدية حتى تنسجم مع هذا المذهب، وأول خطوة اتخذتها هي صلاتي على التربة الحسينية لأجعل من صلاتي صلاة صحيحة مقبولة كما صلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التربة».
لقد أحدث الانتقال في روح مبارك تغيرات عديدة وأدرك هنا حلاوة الإيمان وشهده، لقد عاش إحساسين متناقضين، الفرحة لاكتشاف الحقيقة والوصول لبر الأمان، والحزن والأسى لما انتاب أهل البيت عليهم السلام من مصائب وويلات؟ والحزن الأعظم على ما طُمِس من معالم عقيدة أهل البيت وما دفن منها بأياد نكراء. يقول مبارك:
«لما سمعت عن ظلامات أهل البيت عليهم السلام وتيقنت منها ما كنت أستطيع التصديق أن كل ذلك حدث فعلاً، وقفت كثيراً مع نفسي وبكيت، واعتراني إحساس فظيع من الألم، لكن في الوقت ذاته أحسست بالفرحة والسعادة الحقيقية للوصول إلى طريق النجاة».
وفي ما إذا كانت هناك ثمة ردود فعل أو مناظرات إثر التحول بيّن مبارك:
«كنت قد تعرفت على أحد أصحاب اللحى الطويلة قبل فترة، ولما جاء لزيارتي بعد انقطاع لمدة ثلاثة شهور وشاهد صورة أحد علمائنا معلقة على جدار غرفتي، انهدش وسألني: «صورة من هذه؟» قلت: «إنه من علمائنا» فقال: «لقد أصبحت شيعياً؟» رددت: «نعم والحمد لله» فقفز في وجهي متهماً: «لا تقل الحمد لله، كنت مسلماً وصرت غير مسلم» وأول ما فعله لمهاجمتي أنه جلب لي بعض المنشورات ضد أهل البيت والشيعة وبعد تحققي من تلك التهم وجدتها كلها محض افتراء. أحدها بعنوان: «بعض العقائد الشركية والكفرية عند الشيعة» وصار يلقبني بالكافر والمشرك، وأحسسته يحتقرني بكلماته فاشتكيت للمخفر وكان بإمكاني رفع القضية للمحكمة غير أني توانيت عن هذا، رغم أن الحق معي، وحسب أخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رضيت بالتعهد، وأما عن المناظرات فعندي رغبة كبيرة بخوض هذا النوع من النقاشات لولا ضعف اللغة العربية عندي وإن شاء الله تعالى ما إن أتقن اللغة العربية حتى أحقق رغبتي هذه».
إن مبارك لا يزال يتذكر الومضة الأولى التي دفعته للسير في طريق البحث، وهو يعتقد أن رحمة من الله شملته وجعلته ينقّب عن الحقيقة، كما أن إحساساً يغمره بأن ذلك الرجل المتشح بالسواد الذي ظهر في داره إنما هو الإمام صاحب الزمان صلوات الله عليه فمن غيره أرحم بالبرايا سوى الله الذي جعله بقيته في الأرض؟ عن علاقته بصاحب الزمان عجل الله فرجه تحدث قائلاً:
«ككل شيعي أنا أعتقد بالحجة عجل الله فرجه وأدعو الله تعالى في كل صلواتي أن يعجل فرجه ويجعلني من أنصاره وأتباعه ومن المجاهدين تحت لوائه والمستشهدين بين يديه، فأنا أناجيه دائماً وأعتبر نجواي سراً بيني وبينه، فأنا أشعر به قريباً من شيعته، وأحس أنه هو السبب في وصولي إلى الحقيقة الوضاءة هذه، فما هي حياتي قبل هذا النور؟! وما قيمة ما كنت أحياه قبل دخولي في مذهب أهل العصمة؟! وأنا لا أملك إلا أن أتوجه إليه وأسأله أن يكون شفيعاً لنا ولكل شيعي موال لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو آخر المعصومين على هذه الأرض!
وبعد هذه الرحلة الطويلة، أحس مبارك أن من واجبه أن يوجه كلمة للمسلمين قاطبة فدعاهم إلى:
«الابتعاد عن التعصب المذهبي وألا يتمسك كل بمذهبه ومذهب أهله، بل أن يقرأ ويبحث عن الحق في أي من المذاهب. وإن وجد الحق عليه أن يتمسك به ويعمل على نشره».
لقد تولّدت لديه طموحات وخطط يريد بها أن يكون عنصراً مهماً في معادلة الإصلاح، فطموحاته في هذا المجال:
«قبل إسلامي أحببت دراسة العلوم السياسية وبعد إسلامي ظهرت عندي رغبة بأن أكون متديناً ومبلغاً وأفترض بي جمع الرغبتين معاً فواجهت مشكلة اتخاذ القرار الصحيح، حتى أني سألت أحد العلماء عما يجدر بي فعله لأني أعتقد أن المجتمع ليس بحاجة لعلماء الدين فقط إنما لعدة تخصصات، خصوصاً وأني أرغب بتعلم العلوم السياسية لأصبح سياسياً متديناً. ومن يدري قد يغير الله قدري وأدرس في الحوزة، أنا كشيعي لا أستطيع تبليغ المذهب الشيعي في بلدي لأن دستورنا يجوّز تبليغ المذهب السني فقط!! هناك طرق عديدة لتبليغ المذهب والدين وإن لم أصبح عالماً فسأبقى متديناً أترجم الكتب وأصدرها لنشر المذهب الحق».
لقد أيقن مبارك أن أهل البيت عليهم السلام هم سبيل النجاة، وهو يعتقد أن إنقاذ العالم سيكون على يد الحجة عجل الله تعالى فرجه، فختم حديثه إلينا قائلاً:
«إن إنقاذ المسلمين يتعلق بظهور الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه فهو وحده منقذنا ومنقذ العالم كله»
مبارك (مينداوگاس) كوندريسكاس: القرآن هداني إلى الإسلام ومظلومية أهل البيت (ع) قادتني إلى التشيع!
http://www.14masom.com/menbar/09/images/pic/10/10a.jpg
أجرى الحوار: عصام الموسوي
ترجمه: رحمن عبد اللاييف
كم يصعب على مثله أن يتخذ قرارا مصيريا كهذا ينقله من إلحاد الشيوعية وشرك المسيحية إلى وحدانية الإسلام ثم إلى التزام مساره الصحيح المتمثل بمذهب آل البيت عليهم السلام؟! كم يصعب على من لا يتقن لغة الإسلام «العربية» ولا يستوعب ثقافته ومفرداته الفكرية أن يستثير همته للبحث عن الحقيقة؟! كم يصعب على مثله الذي تربى في بيئة شيوعية تنعدم فيها الأخلاق والضمائر أن يوقظ ضميره ويخلقه في نفسه أخلاقا ومثلا وقيما سامية!
«مينداوگاس كوندريسكاس» - الذي بات اسمه اليوم مبارك كوندريسكاس بعد انتقاله من المسيحية إلى الإسلام - التقت به «المنبر» وأجرت معه لقاءا مثيرا تحدث فيه عن تجربته الصعبة ورحلته الشاقة في البحث عن الحق والحقيقة فقط! ولعل ما يزيدها مشقة أنه شاب لم يتمكن من الحصول على مصادر معرفية كافية تخاطبه بلغته وتنسجم مع عقليته، ومع هذا ما كًلّ وما يئس إنما واصل مسيرته نحو الحق والحقيقة فثمة دافع داخلي يحركه، وقوة عجيبة تحدوه للسير في سبيل البحث المضني، وهو يشعر أن ذلك الدافع كان إمداداً غيبياً من الناحية المقدسة المتمثلة بإمام العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء!
ولكم كان لقاؤنا به شيقا ومثيرا، إلا أن فصلا منه كان مؤلماً! عندما سألناه «ما الذي قادك إلى اعتناق عقيدة أهل البيت عليهم السلام وأنت سني المذهب للتو؟» فأطرق رأسه وارتسمت عليه علائم الحزن وأجاب وقد دمعت عيناه: «إنه الظلم الذي وقع على أهل البيت عليهم السلام! ».
فلنلج معه إلى ذكريات رحلته، لنسبر أغوارها، ولنعلم ظروفها ومشقاتها، ولنقف على الدوافع التي زجّت بهذا الشاب في رحلته هذه، رحلة البحث عن الحقيقة!
ولد مبارك كوندريسكاس - مينداوگاس كوندريسكاس سابقا - في 5 يونيو عام 1978 في بلدة «شيشوولياي» الليتوانية ، وليتوانيا دولة مستقلة عن الاتحاد السوفياتي سابقا .
ينتمي إلى أسرة تتكون من خمسة أفراد، الأبوان وأخ يكبره بثمان سنوات وأخت تصغره، كانت والدته نصرانية مؤمنة بعكس والده الذي كان ملحدا، ويسخر منه حين يراه يقرأ الإنجيل. حدث وأن تم الطلاق بين الأبوين فتمتع «مبارك» بالحرية الكاملة للاطلاع على الكتب الدينية.
أنهى دراسته الثانوية بمعدل عال عام 1997م ثم سافر إلى «لندن» ومكث فيها مدة عام رغبة منه في التعرف على عادات الشعوب الأخرى. وهناك اطلع على بعض الكتب الإسلامية المترجمة للغة الإنجليزية ومن خلالها عرف كثيراً عن الإسلام فاهتم به، وبعد ثمانية أشهر أعلن إسلامه!
جاء إلى الكويت للدراسة الجامعية فيها وتعلم اللغة العربية، وتشيع فيها معتنقاً نهج أهل البيت صلوات الله عليهم، وذلك قبل أربعة أشهر فقط!
http://www.14masom.com/menbar/09/images/pic/10/10b.jpg
لنتعرف على أول ما أشعل في صدره جذوة البحث عن الحقيقة، فعن ذلك قال: «لقد كانت الحيرة تعبث بي وأنا أرى التناقض في أفكار الآخرين، فبعض يؤكد وجود الله، وآخر ينكر ذلك، وجدتني محتاراً ضائعاً بين هذه التناقضات إلى أن حصل لي شيء غريب. في إحدى الليالي استيقظت من نومي فوجدت رجلاً يتشح بالسواد يقف عند رأسي فاندهشت وهلعت، وازدادت حيرتي عندما تكرر الأمر في الليلة التالية. وعند استيقاظي من النوم في منتصف الليل، رأيت رجلاً يرفل بالبياض يجلس القرفصاء عند خزانتي!
في الحقيقة لا أدري لماذا جعلتني هذه الحادثة أفكر كثيراً بوجود الله، حتى أدركت أن وجوده حق، ولا سواه يكمن خلف هذه الحادثة، لقد ولدت لدي هذه الحادثة إحساساً عجيباً، واستحثتني للبحث عن الحقيقة، خصوصاً وأني أثناء وجودي في لتوانيا كانت لدي ترددات كثيرة في الديانة المسيحية، فقد كنت أعجب من ممارسات معتنقيها، وحتى سلوكيات الرهبان والقساوسة، خصوصاً وأن هذه السلوكيات كانت منبثقة من صميم عقيدتهم.
من أهم هذه السلوكيات غفر الرهبان لذنوب الناس! ففي الكنيسة حجرة ضيقة يجلس فيها «البابا» ويقصده المذنبون من بني البشر، يتوسلون إليه ليغفر ذنوبهم، ترى كيف يغفر الذنوب وهو مثلنا؟! والأشد عجباً أن رجال الدين في الكنائس بعد صلاتهم يشربون الخمر ويذكرون اسم الله رغم أن المذهب الكاثوليكي يحرم شرب الكحول، وهم حرموه على الناس وأباحوه لهم!
هذا غير أن الديانة المسيحية تحرم الزواج على رجال الدين ونتيجة لذلك تحصل الفواحش لأن الراهب باعتباره رجلاً فإنه لا يستطيع الاستغناء عن المرأة، وإضافة لكل ما سبق نجد أن الرهبان يدّعون وحدانية الله وفي الوقت ذاته يجعلون منه ثلاثة آلهة الأب، الابن، والروح القدس، كل هذه التناقضات كانت تسري في العقيدة المسيحية، وقد زادتني حيرة وتساؤلاً عن الدين الحق. كنت ضائعاً لا أعرف لي مستقراً، حتى بعد حصولي على كتاب «موسوعة الديانات» وجدتني عاجزاً عن معرفة الدين الصحيح الحقيقي.
واستمر الشاب مبارك يعيش في شتات الأفكار محاولاً الوصول للحقيقة، وفي تلك الفترة كانت لتوانيا تضم كثيراً من مبشري المذاهب النصرانية التي تنحدر من الأرثوذكس والكاثوليك وغيرهم، وكلهم يستندون على إنجيل واحد مرتكز على عقيدة التثليث، ولكن مبارك أحس أن هذا الإنجيل ليس كلام الله، وحين سافر إلى «لندن» تأثر كثيراً بكتاب الإسلام السماوي وهو القرآن الكريم، عن ذلك يتحدث بقوله:
«في الإنجيل الواحد تجد مقطعاً يتحدث عن وحدانية الله، ثم تجد في مقطع آخر عقيدة التثليث وتعود لتجد مقطعاً يتحدث عن الوحدانية مرة أخرى، لقد أكد لي هذا التناقض إحساسي بعدم صحة هذا الكتاب، وبعد سفري غلى لندن قرأت كتاب «حوار بين مسيحي ومسلم» واكتشفت أن يد الإنسان تدخلت في الإنجيل، وفي الكتاب ذاته وجدت أن المسلم أثبت انحراف الديانة المسيحية. ثم استدل الكتاب بآيات قرآنية تثبت وجود الله تعالى، لقد تأثرت بهذا الكتاب كثيراً فواظبت على قراءة الكتب الإسلامية المترجمة، حتى إني قرأت ترجمة القرآن الكريم بالإنجليزية فتعلقت به تعلقا جما، وأدركت أني وجدت ضالتي، وهي الحقيقة التي كنت أبحث عنها متمثلة في الدين الإسلامي».
لقد عرف مبارك أحقية الإسلام، وأحس بنور اليقين يبدد ظلام الشكوك والضياع، لذا قرر أن يعتنق هذا الدين العظيم مستعداً لمواجهة الصعوبات أياً كانت!
وتم ذلك في لندن عام 1997م حيث أعلن إسلامه في «المركز الإسلامي» أوضح متحدثاً عن النقاط الأساسية التي دفعته تجاه الإسلام:
«بعد قراءتي للقرآن وجدت فيه الكثير من السور التي يخاطب فيها الله بني البشر بقوله (ألا تشعرون، ألا تعقلون، ألا تفكرون) وهذه الآيات أجبرتني على التفكير، ولكما أمعنت النظر في ما خلقه الله من حولي ازددت انجذاباً نحو الإسلام عبر الآيات التي يصف الله فيها الأرض والسماء والجبال والآيات التي يذكر فيها عيسى بن مريم عليهما السلام على أنه بشر مثلنا وليس ابناً لله. وقد رسخت الآية (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) إيماني بأن القرآن أتى من قبل الله وليس من قبل البشر ودون تدخل من الإنسان، وهناك آية أخرى يتحدى بها الله البشر على الإتيان بمثل هذا الكتاب (فاتوا بمثله إن كنتم صادقين) وقد فتحت لي هذه الآية آفاقاً عظيمة، وتغلغل في صدري اليقين بأنه معجزة عظمى».
وهكذا تشربت روح مبارك إحساساً بالسعادة بعد دخولها في روضة الإسلام، وصمم مبارك أن يكون حاملاً لرسالة هذا الدين العظيم، وأن يكون عالماً مثقفاً يخدم هذا الدين بعلمه فعزم على الدراسة الجامعية في الكويت إثر حصوله على منحة دراسية، وهنا فاجأته مسألة تعدد المذاهب، وعن هذه المفاجأة قال:
«إنني حين أسلمت كنت أجهل قضية المذاهب معتقداً أنها ديانة واحدة كاملة فقط وهي الإسلام، وحين عرفت عن قضية المذاهب واجهتني صعوبة بالغة في الاختيار. لقد عادت الحيرة إليّ، وعاودني الإحساس بالضياع فقد كنت طالب حقيقة مصرّ عليها، ومستعد لبذل كل شيء في سبيلها. من جديد أحسست بمسؤولية البحث، فكل طرف يمدح مذهبه ويصفه بالأحقية، بداية قرأت كتاباً لشخص وهابي وعرفت منه فرقا ومذاهباً عدّة وقد وجدت فيه أن الوهابية يدّعون أن الحق لهم وأن المذاهب الأخرى كلها باطلة، وبعض ذوي اللحى الطويلة كانوا يمنعوني من مجرد الكلام مع الشيعة لأنهم - حسب زعمهم - على باطلّ كانوا يسيئون الحديث عنهم دون أدلة وبراهين يقنعوني بها، وفي إحدى المرات كنت أجلس مع شاب شيعي ودار الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصليت عليه دون ذكر كلمة و«آله». فوجدت ذلك الشاب يدعوني ويرجوني ألا أصلي على النبي صلاة ناقصة، فسألته عن ذلك، فقال لي أن حديثاً جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما نزلت الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) أمر فيه النبي بالصلاة عليه وعلى آله، ونهى عن الصلاة عليه دون آله وهي التي سماها صلى الله عليه وآله «الصلاة البتراء».
في الحقيقة، لقد انحذبت لذلك الشاب لما يتمتع به من أخلاق عالية فلم يبد منه ما يمس الأخلاق، وقد كان يستند في جميع حواراته على أدلة من الطرفين بعكس السنة.
وفي إحدى المرات كنا نتكلم عن أهل البيت عليهم السلام فأتى على ذكر الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) وقد أثبت الشاب ومن خلال مصادر سنية أن المقصود بالقربى أربعة أشخاص «عليّ، فاطمة، الحسن، الحسين» عليهم السلام، كذلك أثبت أن الله تعالى فرض علينا مودتهم وحبهم واتباعهم، والصدمة الكبرى أن الأشخاص الذين يتبعهم أهل السنة هم من ظلموا هؤلاء القربى!! ولكم كانت هذه الصدمة موجعة بالنسبة لي! ولاحظت أيضاً أن الشباب الشيعة في السكن الطلابي يتخلفون عن صلاة الجماعة مع أهل السنة فسألتهم عن السبب، فأجابني أحدهم: إن المذهب الشيعي هو الإسلام، والإسلام لا يجوّز لنا الصلاة خلف أي كان فإمام الجماعة يجب أن يتمتع بصفات خاصة كالعدالة وهذه مسؤولية كبيرة.
مضت مدة على هذا الحوار حتى قرأت في صحيفة Arab Times خبراً أذهلني، فقد حدث وأن نُقل أن إماماً كا نيصلي بالناس الجماعة في أحد مساجد السنة في الكويت أُدخل المستشفى في حال خطرة، وكان السبب تعاطيه للمخدرات! فعرفت معنى ضرورة توافر شروط خاصة في إمام الجماعة كما يقوله الشيعة، وهو الأقرب إلى الصواب.
كل هذا كان مدعاة لي للتفكير أكثر في المذهب الشيعي خصوصاً وأنني سمعت من الشاب الشيعي أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد قال في حديث ما مضمونه: أن اليهودية انقسمت إلى 71 فرقة والنصرانية إلى 72 فرقة وأن أمتي سوف تنقسم إلى 73 فرقة، وفرقة واحدة فقط هي الناجية. وأنا أريد اكتشاف هذه الفرقة، فأنا أريد النجاة! أريد الجنةّ! وبعد تفكير طويل وجدت أن أقرب الناس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم الأكثر معرفة بالإسلام. ومن هم سوى أهل بيته عليهم السلام؟!
بعد كل هذا بدأت بقراءة بعض الأحاديث التي مضمونها من قبيل: «يا علي أنا مدينة العلم وعليّ بابها - مثل أهي بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ومن ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق - يا علي أنت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة - يا علي إذا عبدٌ من عباد الله سجد لله ألف سنة وبعدها ألف سنة فأغضبك ومات يدخله الله النار» وبعد كل هذه الأحاديث وجدتني في الفئة التي ظلمت أهل البيت عليهم السلام!!
وقد اكتشفت أن الأول والثاني تمردا على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أثناء مرضه وتخلفا عن جيش أسامة رغم أن الرسول قال في تلك الأثناء ما مضمونه: «اذهبوا إلى جيش الروم، لعن الله من رجع»، «أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة».
ولم يكفهم هذا، بل اغتصبوا فدكاً وهي هدية الرسول لابنته الزهراء سلام الله عليهما، وكلنا يعرف كيف حطموا باب دار الزهراء واقتحموها عنوة! أنسوا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يغضب الله لغضب فاطمة؟! وهذان أغضبا فاطمة، واغتصبا الخلافة التي هي من حق علي عليه السلام. أما الثالث «عثمان» فقد أعطى فدكاً لطريد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ألا يكفي كل هذا لأعرف أين الحق ومع من؟! بصراحة.. إن مظلومية أهل البيت عليهم السلام جعلتني أتشيع لهم! (صمت ودمعة)
أهل البيت هم المطلعون على مجريات الأمور وأحداثها، وهم من يعرف الأحكام الإسلامية كلها، إنهم ربيبوا النبوة.
كل هذه الأمور كانت تدفعني رغماً عني للاعتقاد بهم وبأحقيتهم ومظلوميتهم. ولا يمكن أن أنسى أبداً الأثر الذي أحدثته في نفسي «واقعة كربلاء» إنها قضية استشهاد سبط الرسول الذي طالما أوصى المسلمين بمحبته وبيّن أن محبته من محبة الله سبحانه، تُرى كيف استطاعت تلك الأمة أن تتغاضى عن كل ذلك؟!
لقد كفاني كل هذا لأصرح وأعلن أني شيعي، وأن المذهب الشيعي هو الدين الإسلامي الحق، فأردت معالجة شعائري التعبدية حتى تنسجم مع هذا المذهب، وأول خطوة اتخذتها هي صلاتي على التربة الحسينية لأجعل من صلاتي صلاة صحيحة مقبولة كما صلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على التربة».
لقد أحدث الانتقال في روح مبارك تغيرات عديدة وأدرك هنا حلاوة الإيمان وشهده، لقد عاش إحساسين متناقضين، الفرحة لاكتشاف الحقيقة والوصول لبر الأمان، والحزن والأسى لما انتاب أهل البيت عليهم السلام من مصائب وويلات؟ والحزن الأعظم على ما طُمِس من معالم عقيدة أهل البيت وما دفن منها بأياد نكراء. يقول مبارك:
«لما سمعت عن ظلامات أهل البيت عليهم السلام وتيقنت منها ما كنت أستطيع التصديق أن كل ذلك حدث فعلاً، وقفت كثيراً مع نفسي وبكيت، واعتراني إحساس فظيع من الألم، لكن في الوقت ذاته أحسست بالفرحة والسعادة الحقيقية للوصول إلى طريق النجاة».
وفي ما إذا كانت هناك ثمة ردود فعل أو مناظرات إثر التحول بيّن مبارك:
«كنت قد تعرفت على أحد أصحاب اللحى الطويلة قبل فترة، ولما جاء لزيارتي بعد انقطاع لمدة ثلاثة شهور وشاهد صورة أحد علمائنا معلقة على جدار غرفتي، انهدش وسألني: «صورة من هذه؟» قلت: «إنه من علمائنا» فقال: «لقد أصبحت شيعياً؟» رددت: «نعم والحمد لله» فقفز في وجهي متهماً: «لا تقل الحمد لله، كنت مسلماً وصرت غير مسلم» وأول ما فعله لمهاجمتي أنه جلب لي بعض المنشورات ضد أهل البيت والشيعة وبعد تحققي من تلك التهم وجدتها كلها محض افتراء. أحدها بعنوان: «بعض العقائد الشركية والكفرية عند الشيعة» وصار يلقبني بالكافر والمشرك، وأحسسته يحتقرني بكلماته فاشتكيت للمخفر وكان بإمكاني رفع القضية للمحكمة غير أني توانيت عن هذا، رغم أن الحق معي، وحسب أخلاق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رضيت بالتعهد، وأما عن المناظرات فعندي رغبة كبيرة بخوض هذا النوع من النقاشات لولا ضعف اللغة العربية عندي وإن شاء الله تعالى ما إن أتقن اللغة العربية حتى أحقق رغبتي هذه».
إن مبارك لا يزال يتذكر الومضة الأولى التي دفعته للسير في طريق البحث، وهو يعتقد أن رحمة من الله شملته وجعلته ينقّب عن الحقيقة، كما أن إحساساً يغمره بأن ذلك الرجل المتشح بالسواد الذي ظهر في داره إنما هو الإمام صاحب الزمان صلوات الله عليه فمن غيره أرحم بالبرايا سوى الله الذي جعله بقيته في الأرض؟ عن علاقته بصاحب الزمان عجل الله فرجه تحدث قائلاً:
«ككل شيعي أنا أعتقد بالحجة عجل الله فرجه وأدعو الله تعالى في كل صلواتي أن يعجل فرجه ويجعلني من أنصاره وأتباعه ومن المجاهدين تحت لوائه والمستشهدين بين يديه، فأنا أناجيه دائماً وأعتبر نجواي سراً بيني وبينه، فأنا أشعر به قريباً من شيعته، وأحس أنه هو السبب في وصولي إلى الحقيقة الوضاءة هذه، فما هي حياتي قبل هذا النور؟! وما قيمة ما كنت أحياه قبل دخولي في مذهب أهل العصمة؟! وأنا لا أملك إلا أن أتوجه إليه وأسأله أن يكون شفيعاً لنا ولكل شيعي موال لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو آخر المعصومين على هذه الأرض!
وبعد هذه الرحلة الطويلة، أحس مبارك أن من واجبه أن يوجه كلمة للمسلمين قاطبة فدعاهم إلى:
«الابتعاد عن التعصب المذهبي وألا يتمسك كل بمذهبه ومذهب أهله، بل أن يقرأ ويبحث عن الحق في أي من المذاهب. وإن وجد الحق عليه أن يتمسك به ويعمل على نشره».
لقد تولّدت لديه طموحات وخطط يريد بها أن يكون عنصراً مهماً في معادلة الإصلاح، فطموحاته في هذا المجال:
«قبل إسلامي أحببت دراسة العلوم السياسية وبعد إسلامي ظهرت عندي رغبة بأن أكون متديناً ومبلغاً وأفترض بي جمع الرغبتين معاً فواجهت مشكلة اتخاذ القرار الصحيح، حتى أني سألت أحد العلماء عما يجدر بي فعله لأني أعتقد أن المجتمع ليس بحاجة لعلماء الدين فقط إنما لعدة تخصصات، خصوصاً وأني أرغب بتعلم العلوم السياسية لأصبح سياسياً متديناً. ومن يدري قد يغير الله قدري وأدرس في الحوزة، أنا كشيعي لا أستطيع تبليغ المذهب الشيعي في بلدي لأن دستورنا يجوّز تبليغ المذهب السني فقط!! هناك طرق عديدة لتبليغ المذهب والدين وإن لم أصبح عالماً فسأبقى متديناً أترجم الكتب وأصدرها لنشر المذهب الحق».
لقد أيقن مبارك أن أهل البيت عليهم السلام هم سبيل النجاة، وهو يعتقد أن إنقاذ العالم سيكون على يد الحجة عجل الله تعالى فرجه، فختم حديثه إلينا قائلاً:
«إن إنقاذ المسلمين يتعلق بظهور الإمام صاحب الزمان عجل الله فرجه فهو وحده منقذنا ومنقذ العالم كله»