عاشق الامام الكاظم
05-07-2009, 12:16 AM
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
الإمام علي(عليه السلام) مدرسة الأجيال
علي(عليه السلام) ربيب رسول الله
لا تقل شيعةٌ هواةُ عليٍّ إنّ في كلِّ منصف شيعيّا
جلجلَ الحبُّ في المسيحيِّ حتى عُدّ مِنْ فرطِ حبِّه علويّا
يا سماءُ اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إنني ذكرتُ عليّا
في هذه الأيام، وفي الثالث عشر من هذا الشهر، كانت ولادة عليّ(عليه السلام) في الكعبة، وهو المولود الذي لم يولد قبله ولا بعده في بيت الله سواه؛ إكراماً من الله جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم. قال "الألوسي" ـ وهو من علماء السنّة: "وكون الأمير، كرّم الله وجهه، وُلد في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة"... ويقول عبد الباقي العمري:
أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا
ببطن مكَّةَ وسطَ البيتِ قد وُضعا
كان عليٌّ(عليه السلام) يعيش في بيتِ الله، والله تعالى ليس له بيتٌ كما للناس بيوت، ولكنّ بيت الله هو البيت الذي ترتفع فيه عبادة الإنسان ودعاؤه وابتهالاته ومعراج روحه إلى الله. وقد كان عليّ(عليه السلام) منذ انطلق في وعيه، الشخصَ الذي أحبَّ الله فأحبّه الله: "لأعطين الراية غداًـ قالها النبي(صلى الله عليه واله) في وقعة خيبر ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله". وكان عليّ(عليه السلام) يخاطب ربه في تواضعه لله وخشوعه بين يديه: "وكيف تعذّبني وحبّك في قلبي". ونقرأ في دعاء كميل: "فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". لو أدخلتني النار، فإنَّ ذلك يعني فراقي عنك، وأنا لا أطيق أن أفارقك، فقلبي معك وعقلي معك، وإحساسي معك، وحياتي معك، لأنني يا ربّ انطلقتُ من خلال معرفتي بأنّك أنت الله الذي لا إله غيره.
فضائل علي(عليه السلام)
وينقل التاريخ أنّ أحد أصحاب الإمام عليّ(عليه السلام)، وهو ضرار بن ضمرة، دخل على معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين، فقال معاوية: صف لي عليّاً. قال: اعفني. قال معاوثة: لتصفنّه. قال: "أمّا إذا كان لا بدَّ من وصفه، فإنَّه كان ـ والله ـ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ـ فكلمته هي الكلمة الفاصلة ـ ويحكم عدلاًـ كل حكمه هو العدل الذي يعطي كلَّ ذي حق حقه ـ يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ـ ليس معنياً بالدنيا، وليس منجذباً إليها، لأن آفاقه متعلّقة بالآخرة مع الله تعالى ـ ويأنس بالليل ووحشته ـ لأنَّ اللَّيل هو حال الهدوء التي يناجي فيها ربه، ويقف فيها في صلاته مع ربه ـ وكان غزير الدمعةـ كان يبكي، وكانت دموعه تنسكب على كل وجهه ـ طويل الفكرة ـ كان مشغولاً بالفكر، وكانت أفكاره منفتحةً على الكون كلِّه وعلى الحياة كلها وعلى المسؤولية كلها، لأنها كانت منفتحةً على المعرفة بالله ومسؤولية الإنسان أمامه ـ يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه ـ يتحدث دائماً مع نفسه، ليدرسها ويحاسبها في كل دقائقها وأوضاعها، لم يكن كالكثيرين من الناس مشغولاً عن نفسه بسبب شغله مع الناس ـ يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا ـ لم يكن يشعر بأنه هو الخليفة، وهم الرعية والأتباع ـ يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبّئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا، وقربه منا، لا نكاد نكلّمه هيبةً له ـ كانت هيبته تفرض نفسها عليهم من جهة عناصر شخصيته ـ فإنْ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله ـ لا يجامل الأقوياء بما يريدونه من الباطل ـ ولا ييأس الضعيف من عدله ـ إذا جاءه الضعيف، فإنه يعطيه حقه ـ وأَشهد لقد رأيته قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: "يا دنيا غرّي غيري، ألي تعرّضت أم إليّ تشوّفت، هيهات هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير. آهٍ آهٍ ـ إذا كان أمير المؤمنين يتأوَّه، فماذا نقول نحن؟ ـ آهٍ من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق". فبكى معاوية، ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: "حزن من ذُبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها"، ثم خرج.
وعن أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، قال: "لم يُروَ في فضائل أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما روي في فضائل عليّ بن أبي طالب". وقال بعضهم: "ما أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفاً، وأعداؤه حسداً، وظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين".
هذا هو عليّ(عليه السلام) الذي ارتفع بالله لأنه أعطى الله كله، ولم يُبقِ لنفسه شيئاً من نفسه، وهذا ما تعبّر عنه الآية الكريمة التي روي أنها نزلت في حقه ليلة الغار، عندما بات على فراش رسول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُرَءُوفٌ بِالعِبَادِ}(البقرة:207). لقد باع عليّ نفسه لله؛ باع عقله وقلبه ومشاعره وحياته لله، ولذلك كان عليّ(عليه السلام) مع الحق لأن الله هو الحق، وكان الحق مع عليّ يدور معه حيثما دار.
بيت الرسول حضن عليٍّ(عليه السلام)
ومن خصائص عليّ(عليه السلام) أنه تربّى في حجر رسول الله، لأنَّ أبا طالب كان صاحب عيال وقليل المال، فجاء أحد إخوانه وأخذ بعض أولاده، وجاء النبي(صلى الله عليه واله) وأخذ عليّاً، وفي بعض الروايات أنه كان في الثانية من عمره، فرُبي في حجر النبي(صلى الله عليه واله)، وتأدّب بآدابه، وتخلّق بأخلاقه، واهتدى بهداه، واقتدى بأقواله وأفعاله، ولازمه طول حياته، وتحدث هو(عليه السلام) عن ذلك فقال: "وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة، والمنـزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدرهـ كالأمُّ التي ينام ولدها في حضنها ـ ويكنفني فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قولـ عندما أتكلَّم فإني أتكلم بالصدق ـ ولا خطلةً في فعل، ولقد قرن الله به ـ بالنبي ـ من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره ـ فالله ربّى النبي(صلى الله عليه واله) وأدّبه ـ ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه ـ كما يتبع ولد الناقة أمه. وبذلك كان هذا الملك العظيم يعلّم النبي(صلى الله عليه واله) وكان عليّ(عليه السلام) يقتدي به ويمشي وراءه ـ يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي وأشمّ ريح النبوَّة".
كرامة الإعراض عن الوثن
ومن فضائله(عليه السلام) السبق إلى الإسلام، وعدم السجود لصنم قطّ، ولذلك فإن المسلمين من أهل السنّة عندما يذكرون عليّاًَ يقولون: "كرّم الله وجهه"، وهي من أعظم الكلمات، لأن الله كرّم وجهه عن السجود لصنم، وقد قال ابن أبي الحديد: "ما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكل من في الأرض يعبد الحجر ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلا السابق إلى كلِّ خير، محمد رسول الله(صلى الله عليه واله)".
المبيت في فراش النبي(صلى الله عليه واله)
ومن فضائله(عليه السلام)، مبيته على الفراش ليلة الهجرة، وفداؤه النبي بنفسه، مع أنه كان معرّضاً للخطر، وهو ما أخبره النبي(صلى الله عليه واله) به، ولكنَّ عليّاً(عليه السلام) كان يسأل: "أوتسلم يا رسول الله"؟ قال(صلى الله عليه واله): "بلى"، فقال: "اذهب راشداً مهدياً، فلا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليَّ". ومن فضائله، أنّ النبي(صلى الله عليه واله) أقامه مقامه يوم الهجرة ليؤدّي أماناته، ويردّ ودائعه، ويقضي ديونه، ويحمل الفواطم إليه في المدينة، ولم يأتمن على ذلك أحداً غيره، لما علم من كفاءته وشجاعته، وقد قام(عليه السلام) بما أمره به. ومن فضائله(عليه السلام)، المؤاخاة بينه وبين رسول الله(صلى الله عليه واله)، عندما آخى النبي(صلى الله عليه واله) بين المهاجرين والأنصار، وآخاه النبي، وقال له: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"، أنت الذي تمثل الأخوَّة كأصدق وأعمق ما يكون.
علي(عليه السلام) بطل الحرب والسّلم
وكان عليّ(عليه السلام) بطل الإسلام الذي خاض حروب المسلمين، وقد قتل في "بدر" نصف قتلى المشركين، وشارك المسلمين في النصف الآخر، وكان بطل "أحد" و"الأحزاب"، عندما انطلق المشركون في أحلافهم، وهجموا على المدينة ليسقطوها ويسقطوا الإسلام، وجاء عمرو بن عبد ودّ، وبدأ يتبختر على المسلمين، والنبي(صلى الله عليه واله) يقول: "من لِعَمْرو وقد ضمنت له على الله الجنة". ولم يقم إلاّ عليّ(عليه السلام) لثلاث مرات، عند ذلك أذِن له النبي(صلى الله عليه واله)، ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهمَّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين". ثم قال(صلى الله عليه واله): "برز الإسلام كلّه إلى الشرك كله"، فقد تجسّد الإسلام آنذاك في عليّ، لذا كان انتصاره على عمرو يعدّ انتصاراً للإسلام، وتجسّد الشّرك في عَمْرو، وانتصاره سيعدّ انتصاراً للشرك.
وقتل عليّ(عليه السلام) عَمْراً، وجاء الوسام من النبيّ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، ليقول: "ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين". وكان بطل وقعة خيبر الذي فتح الله على يديه بعد أن أرسل النبي(صلى الله عليه واله) مَن قبله وكان يرجع، فيجبّن أصحابه وأصحابه يجبّنونه. وانطلق عليّ إلى باب خيبر واقتلعه، وهو الذي قال: "والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدية، بل بقوة ربَّانية".
كان(عليه السلام) بطل الإسلام في كل حروب رسول الله(صلى الله عليه واله)، وكان معه في ليله ونهاره، وكان النبي يحدّثه بكل ما ينـزل عليه من الوحي، حتى كان يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني، فما من آية إلا وأعرف أنها نزلت في سهلٍ أو جبل، وفي ليل أو نهار".
وكان النبي(صلى الله عليه واله) يعرّف الناس بمقام عليّ(عليه السلام) في كلِّ شؤونه، وكان من كلامه(صلى الله عليه واله): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، "مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه". وعنه(صلى الله عليه واله): "عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". وقال(صلى الله عليه واله): "مَنْ أراد أن ينظر إلى آدمَ في علمه، ونوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، والى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب". وعندما زوّجه النبي(صلى الله عليه واله) السيدة الزهراء(عليها السلام)، قال له: "إن الله زوّجك فاطمة في السماء قبل أن أزوّجك إياها في الأرض، ولو لم يكن عليّ لما كان لفاطمة كفؤ".
جهاد علي(عليه السلام)
لقد عاش عليّ(عليه السلام) لله وفي سبيل الإسلام، ولذلك صبر وضحّى في سبيل الإسلام، ولم يكن أحد في الصحابة يوازيه، فضلاً عن أن يتقدّمه، وهو ما عبّر عنه الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سألوه: لماذا قدّمت عليّاً؟ قال: "احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل أنه إمام الكل". وكان يناجي ربه ويتحدث إليه عن سبب مطالبته بالخلافة. يقول(عليه السلام): "اللهمَّ إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم في دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك. اللهمَّ إني أول من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة".
وكان يخاطب المسلمين الذين تتحرك الفتن في مجتمعاتهم، فيوصيهم: "كنْ في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب". وكان(عليه السلام) يقول: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصة"، لأن قضيتي ليست شخصيةً وإنما هي إسلامية.
وقال في كلمة له(عليه السلام) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وما أعمال البرّ كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا كنفثة في بحر لجيّـ أي النفخة في الموج ـ وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أَجَل، ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلمة عدل عند إمام جائر". وقال(عليه السلام): "احذر أن يراك الله عند معصيته، ويفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين، فإذا قويت فاقوَ على طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله". وسئل(عليه السلام) عن الخير ما هو، فقال: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجلٍ أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجلٍ يسارع في الخيرات".
علي(عليه السلام) مدرسة الأجيال
لا يزال عليّ(عليه السلام) معنا، لا تزال دروسه وأفكاره وقربه من ربه معنا، ولذلك لا نملك إلا أن نحبّ علياً(عليه السلام)، وعليّ(عليه السلام) فوق الحب، ولا نملك إلا أن ننحني لعصمته، لأنه(عليه السلام) في أعلى درجات العصمة، وهو الذي عصم نفسه وعصم فكره وعصم كل حياته، وكانت حياته كلها لله: فكراً وجهاداً وطاعةً.
وإنني أتألم بكل حزن، أنّ كثيراً من الناس ـ من المشايخ وغير المشايخ ـ ينسبون إليّ بكل حقدهم، أنني أقول إن عليّاً ليس معصوماً، وهل هناك عاقل يحترم فكره ويفهم عليّاً يمكن أن يقول بعدم عصمة عليّ(عليه السلام)؟! لقد قلتها مراراً: لو كان فوق العصمة شيء، فعليٌّ فوق العصمة، ولكن ختم الله على قلوبهم، واستحلّوا الكذب، وحرّفوا الكلم عن مواضعه.
أسأل الله أن يهديهم سواء السبيل، وقد ابتُليت ـ كما ابتلي عليّ(عليه السلام) ـ بالذين يكذبون ويحرّفون الكلم عن مواضعه، ولكنني أقول كما قال النبي(صلى الله عليه واله): "إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي".
من خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دام ظله الجمعة 10/ رجب
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
الإمام علي(عليه السلام) مدرسة الأجيال
علي(عليه السلام) ربيب رسول الله
لا تقل شيعةٌ هواةُ عليٍّ إنّ في كلِّ منصف شيعيّا
جلجلَ الحبُّ في المسيحيِّ حتى عُدّ مِنْ فرطِ حبِّه علويّا
يا سماءُ اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إنني ذكرتُ عليّا
في هذه الأيام، وفي الثالث عشر من هذا الشهر، كانت ولادة عليّ(عليه السلام) في الكعبة، وهو المولود الذي لم يولد قبله ولا بعده في بيت الله سواه؛ إكراماً من الله جلّ اسمه له بذلك، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم. قال "الألوسي" ـ وهو من علماء السنّة: "وكون الأمير، كرّم الله وجهه، وُلد في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا، وذُكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة"... ويقول عبد الباقي العمري:
أنت العليّ الذي فوق العُلى رُفعا
ببطن مكَّةَ وسطَ البيتِ قد وُضعا
كان عليٌّ(عليه السلام) يعيش في بيتِ الله، والله تعالى ليس له بيتٌ كما للناس بيوت، ولكنّ بيت الله هو البيت الذي ترتفع فيه عبادة الإنسان ودعاؤه وابتهالاته ومعراج روحه إلى الله. وقد كان عليّ(عليه السلام) منذ انطلق في وعيه، الشخصَ الذي أحبَّ الله فأحبّه الله: "لأعطين الراية غداًـ قالها النبي(صلى الله عليه واله) في وقعة خيبر ـ رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله". وكان عليّ(عليه السلام) يخاطب ربه في تواضعه لله وخشوعه بين يديه: "وكيف تعذّبني وحبّك في قلبي". ونقرأ في دعاء كميل: "فهبني يا إلهي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". لو أدخلتني النار، فإنَّ ذلك يعني فراقي عنك، وأنا لا أطيق أن أفارقك، فقلبي معك وعقلي معك، وإحساسي معك، وحياتي معك، لأنني يا ربّ انطلقتُ من خلال معرفتي بأنّك أنت الله الذي لا إله غيره.
فضائل علي(عليه السلام)
وينقل التاريخ أنّ أحد أصحاب الإمام عليّ(عليه السلام)، وهو ضرار بن ضمرة، دخل على معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين، فقال معاوية: صف لي عليّاً. قال: اعفني. قال معاوثة: لتصفنّه. قال: "أمّا إذا كان لا بدَّ من وصفه، فإنَّه كان ـ والله ـ بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً ـ فكلمته هي الكلمة الفاصلة ـ ويحكم عدلاًـ كل حكمه هو العدل الذي يعطي كلَّ ذي حق حقه ـ يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها ـ ليس معنياً بالدنيا، وليس منجذباً إليها، لأن آفاقه متعلّقة بالآخرة مع الله تعالى ـ ويأنس بالليل ووحشته ـ لأنَّ اللَّيل هو حال الهدوء التي يناجي فيها ربه، ويقف فيها في صلاته مع ربه ـ وكان غزير الدمعةـ كان يبكي، وكانت دموعه تنسكب على كل وجهه ـ طويل الفكرة ـ كان مشغولاً بالفكر، وكانت أفكاره منفتحةً على الكون كلِّه وعلى الحياة كلها وعلى المسؤولية كلها، لأنها كانت منفتحةً على المعرفة بالله ومسؤولية الإنسان أمامه ـ يقلّب كفّه، ويخاطب نفسه ـ يتحدث دائماً مع نفسه، ليدرسها ويحاسبها في كل دقائقها وأوضاعها، لم يكن كالكثيرين من الناس مشغولاً عن نفسه بسبب شغله مع الناس ـ يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب، وكان فينا كأحدنا ـ لم يكن يشعر بأنه هو الخليفة، وهم الرعية والأتباع ـ يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، ويأتينا إذا دعوناه، وينبّئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيّانا، وقربه منا، لا نكاد نكلّمه هيبةً له ـ كانت هيبته تفرض نفسها عليهم من جهة عناصر شخصيته ـ فإنْ تبسّم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله ـ لا يجامل الأقوياء بما يريدونه من الباطل ـ ولا ييأس الضعيف من عدله ـ إذا جاءه الضعيف، فإنه يعطيه حقه ـ وأَشهد لقد رأيته قابضاً على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: "يا دنيا غرّي غيري، ألي تعرّضت أم إليّ تشوّفت، هيهات هيهات! قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كبير، وعيشك حقير. آهٍ آهٍ ـ إذا كان أمير المؤمنين يتأوَّه، فماذا نقول نحن؟ ـ آهٍ من قلّة الزاد وبُعد السفر ووحشة الطريق". فبكى معاوية، ووكفت دموعه على لحيته ما يملكها، وجعل ينشّفها بكمّه، وقد اختنق القوم بالبكاء، وقال: رحم الله أبا الحسن، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: "حزن من ذُبح ولدها في حجرها، فهي لا ترقأ عبرتها، ولا يسكن حزنها"، ثم خرج.
وعن أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، قال: "لم يُروَ في فضائل أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما روي في فضائل عليّ بن أبي طالب". وقال بعضهم: "ما أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفاً، وأعداؤه حسداً، وظهر من بين ذين ما ملأ الخافقين".
هذا هو عليّ(عليه السلام) الذي ارتفع بالله لأنه أعطى الله كله، ولم يُبقِ لنفسه شيئاً من نفسه، وهذا ما تعبّر عنه الآية الكريمة التي روي أنها نزلت في حقه ليلة الغار، عندما بات على فراش رسول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُرَءُوفٌ بِالعِبَادِ}(البقرة:207). لقد باع عليّ نفسه لله؛ باع عقله وقلبه ومشاعره وحياته لله، ولذلك كان عليّ(عليه السلام) مع الحق لأن الله هو الحق، وكان الحق مع عليّ يدور معه حيثما دار.
بيت الرسول حضن عليٍّ(عليه السلام)
ومن خصائص عليّ(عليه السلام) أنه تربّى في حجر رسول الله، لأنَّ أبا طالب كان صاحب عيال وقليل المال، فجاء أحد إخوانه وأخذ بعض أولاده، وجاء النبي(صلى الله عليه واله) وأخذ عليّاً، وفي بعض الروايات أنه كان في الثانية من عمره، فرُبي في حجر النبي(صلى الله عليه واله)، وتأدّب بآدابه، وتخلّق بأخلاقه، واهتدى بهداه، واقتدى بأقواله وأفعاله، ولازمه طول حياته، وتحدث هو(عليه السلام) عن ذلك فقال: "وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة، والمنـزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدرهـ كالأمُّ التي ينام ولدها في حضنها ـ ويكنفني فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قولـ عندما أتكلَّم فإني أتكلم بالصدق ـ ولا خطلةً في فعل، ولقد قرن الله به ـ بالنبي ـ من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره ـ فالله ربّى النبي(صلى الله عليه واله) وأدّبه ـ ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه ـ كما يتبع ولد الناقة أمه. وبذلك كان هذا الملك العظيم يعلّم النبي(صلى الله عليه واله) وكان عليّ(عليه السلام) يقتدي به ويمشي وراءه ـ يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي وأشمّ ريح النبوَّة".
كرامة الإعراض عن الوثن
ومن فضائله(عليه السلام) السبق إلى الإسلام، وعدم السجود لصنم قطّ، ولذلك فإن المسلمين من أهل السنّة عندما يذكرون عليّاًَ يقولون: "كرّم الله وجهه"، وهي من أعظم الكلمات، لأن الله كرّم وجهه عن السجود لصنم، وقد قال ابن أبي الحديد: "ما أقول في رجل سبق الناس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكل من في الأرض يعبد الحجر ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلا السابق إلى كلِّ خير، محمد رسول الله(صلى الله عليه واله)".
المبيت في فراش النبي(صلى الله عليه واله)
ومن فضائله(عليه السلام)، مبيته على الفراش ليلة الهجرة، وفداؤه النبي بنفسه، مع أنه كان معرّضاً للخطر، وهو ما أخبره النبي(صلى الله عليه واله) به، ولكنَّ عليّاً(عليه السلام) كان يسأل: "أوتسلم يا رسول الله"؟ قال(صلى الله عليه واله): "بلى"، فقال: "اذهب راشداً مهدياً، فلا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليَّ". ومن فضائله، أنّ النبي(صلى الله عليه واله) أقامه مقامه يوم الهجرة ليؤدّي أماناته، ويردّ ودائعه، ويقضي ديونه، ويحمل الفواطم إليه في المدينة، ولم يأتمن على ذلك أحداً غيره، لما علم من كفاءته وشجاعته، وقد قام(عليه السلام) بما أمره به. ومن فضائله(عليه السلام)، المؤاخاة بينه وبين رسول الله(صلى الله عليه واله)، عندما آخى النبي(صلى الله عليه واله) بين المهاجرين والأنصار، وآخاه النبي، وقال له: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"، أنت الذي تمثل الأخوَّة كأصدق وأعمق ما يكون.
علي(عليه السلام) بطل الحرب والسّلم
وكان عليّ(عليه السلام) بطل الإسلام الذي خاض حروب المسلمين، وقد قتل في "بدر" نصف قتلى المشركين، وشارك المسلمين في النصف الآخر، وكان بطل "أحد" و"الأحزاب"، عندما انطلق المشركون في أحلافهم، وهجموا على المدينة ليسقطوها ويسقطوا الإسلام، وجاء عمرو بن عبد ودّ، وبدأ يتبختر على المسلمين، والنبي(صلى الله عليه واله) يقول: "من لِعَمْرو وقد ضمنت له على الله الجنة". ولم يقم إلاّ عليّ(عليه السلام) لثلاث مرات، عند ذلك أذِن له النبي(صلى الله عليه واله)، ورفع يديه إلى السماء وقال: "اللهمَّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين". ثم قال(صلى الله عليه واله): "برز الإسلام كلّه إلى الشرك كله"، فقد تجسّد الإسلام آنذاك في عليّ، لذا كان انتصاره على عمرو يعدّ انتصاراً للإسلام، وتجسّد الشّرك في عَمْرو، وانتصاره سيعدّ انتصاراً للشرك.
وقتل عليّ(عليه السلام) عَمْراً، وجاء الوسام من النبيّ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، ليقول: "ضربة عليّ يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين". وكان بطل وقعة خيبر الذي فتح الله على يديه بعد أن أرسل النبي(صلى الله عليه واله) مَن قبله وكان يرجع، فيجبّن أصحابه وأصحابه يجبّنونه. وانطلق عليّ إلى باب خيبر واقتلعه، وهو الذي قال: "والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسدية، بل بقوة ربَّانية".
كان(عليه السلام) بطل الإسلام في كل حروب رسول الله(صلى الله عليه واله)، وكان معه في ليله ونهاره، وكان النبي يحدّثه بكل ما ينـزل عليه من الوحي، حتى كان يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني، فما من آية إلا وأعرف أنها نزلت في سهلٍ أو جبل، وفي ليل أو نهار".
وكان النبي(صلى الله عليه واله) يعرّف الناس بمقام عليّ(عليه السلام) في كلِّ شؤونه، وكان من كلامه(صلى الله عليه واله): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، "مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه". وعنه(صلى الله عليه واله): "عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض". وقال(صلى الله عليه واله): "مَنْ أراد أن ينظر إلى آدمَ في علمه، ونوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، والى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب". وعندما زوّجه النبي(صلى الله عليه واله) السيدة الزهراء(عليها السلام)، قال له: "إن الله زوّجك فاطمة في السماء قبل أن أزوّجك إياها في الأرض، ولو لم يكن عليّ لما كان لفاطمة كفؤ".
جهاد علي(عليه السلام)
لقد عاش عليّ(عليه السلام) لله وفي سبيل الإسلام، ولذلك صبر وضحّى في سبيل الإسلام، ولم يكن أحد في الصحابة يوازيه، فضلاً عن أن يتقدّمه، وهو ما عبّر عنه الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سألوه: لماذا قدّمت عليّاً؟ قال: "احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل، دليل أنه إمام الكل". وكان يناجي ربه ويتحدث إليه عن سبب مطالبته بالخلافة. يقول(عليه السلام): "اللهمَّ إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسةً في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم في دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك. اللهمَّ إني أول من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلا رسول الله بالصلاة".
وكان يخاطب المسلمين الذين تتحرك الفتن في مجتمعاتهم، فيوصيهم: "كنْ في الفتنة كابن اللبون، لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب". وكان(عليه السلام) يقول: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن بها جور إلا عليَّ خاصة"، لأن قضيتي ليست شخصيةً وإنما هي إسلامية.
وقال في كلمة له(عليه السلام) عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وما أعمال البرّ كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا كنفثة في بحر لجيّـ أي النفخة في الموج ـ وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرّبان من أَجَل، ولا ينقصان من رزق، وأفضل من ذلك كلمة عدل عند إمام جائر". وقال(عليه السلام): "احذر أن يراك الله عند معصيته، ويفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين، فإذا قويت فاقوَ على طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله". وسئل(عليه السلام) عن الخير ما هو، فقال: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك ويعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله، ولا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجلٍ أذنب ذنوباً فهو يتداركها بالتوبة، ورجلٍ يسارع في الخيرات".
علي(عليه السلام) مدرسة الأجيال
لا يزال عليّ(عليه السلام) معنا، لا تزال دروسه وأفكاره وقربه من ربه معنا، ولذلك لا نملك إلا أن نحبّ علياً(عليه السلام)، وعليّ(عليه السلام) فوق الحب، ولا نملك إلا أن ننحني لعصمته، لأنه(عليه السلام) في أعلى درجات العصمة، وهو الذي عصم نفسه وعصم فكره وعصم كل حياته، وكانت حياته كلها لله: فكراً وجهاداً وطاعةً.
وإنني أتألم بكل حزن، أنّ كثيراً من الناس ـ من المشايخ وغير المشايخ ـ ينسبون إليّ بكل حقدهم، أنني أقول إن عليّاً ليس معصوماً، وهل هناك عاقل يحترم فكره ويفهم عليّاً يمكن أن يقول بعدم عصمة عليّ(عليه السلام)؟! لقد قلتها مراراً: لو كان فوق العصمة شيء، فعليٌّ فوق العصمة، ولكن ختم الله على قلوبهم، واستحلّوا الكذب، وحرّفوا الكلم عن مواضعه.
أسأل الله أن يهديهم سواء السبيل، وقد ابتُليت ـ كما ابتلي عليّ(عليه السلام) ـ بالذين يكذبون ويحرّفون الكلم عن مواضعه، ولكنني أقول كما قال النبي(صلى الله عليه واله): "إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي".
من خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دام ظله الجمعة 10/ رجب