المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشمول والاستيعاب في مختلف الميادين


امير الرافدين البصراوي
06-08-2006, 06:04 AM
الشمول والاستيعاب في مختلف الميادين
من المميزات السامية في كلمات الإمام (عليه السلام) المجموعة باسم (نهج البلاغة) والتي هي بين أيدينا اليوم: أنها لا تحدّد بصعيد واحد، فإنه (عليه السلام) لم يكن فارس الحلبة في ساحة واحدة، بل أنه صال وجال ببيانه في ميادين مختلفة لا يجتمع بعضها مع الآخر في الرجل الواحد. إن نهج البلاغة عبقرية ولكنها ليست عبقرية واحدة في موضوع واحد كالموعظة مثلاً أو الحماسة فقط، بل في أصعدة مختلفة سنشرحها فيما يأتي.

أن تكون كلمة من العبقريات في موضوع واحد ليست كثيراً ولكنها توجد على أي حال. أو أن تكون الكلمات في مختلف الموضوعات ولكنها عادية من دون عبقرية أيضاً كثيرة. ما أن تكون الكلمات من العبقريات ومع ذلك لا تكون محدودة بصعيد واحد فتلك من خصائص (نهج البلاغة) فقط.

طبعاً إذا تجاوزنا عن القرآن الكريم - الذي هو كتاب من نوع آخر - فأي كتاب آخر نستطيع أن نجده متنوعاً في العبقريات البلاغية على مدى ما في (نهج البلاغة)؟!

إن الكلمة مرآة الروح الإنسانية، ولذلك فإن كل كلمة تتعلق بنفس العالم الذي يرتبط به روح صاحبها، فالكلمات التي تتعلق بعوالم عديدة تكون علامة على ذلك الروح الذي لم ينحصر في عالم واحد. وحيث أن روح الإمام (عليه السلام) لا تتحدد بعالم خاص بل هو ذلك الإنسان الكامل الجامع لجميع مراتب الإنسانية والروحية والمعنوية، فلا تختص كلماته أيضاً بعالم واحد. إن من مميزات كلاما الإمام (عليه السلام) أنه ذا أبعادٍ متعددة وليس ذا بعد واحد.

وإن هذه الخصيصة: خصيصة الشمول والاستيعاب في كلام الإمام (عليه السلام) ليس ممّا اكتشف حديثاً، بل هو أمر كان يبعث على العجب منذ أكثر من ألف عام، فهذا السيد الشريف الرضي (رحمه الله) الذي هو من علماء الإمامية في المائة الرابعة أي قبل ألف سنة، يلتفت إلى هذه النقطة فيعجب بها ويقول:

(ومن عجائبه التي انفرد بها: إن كلامه الوارد في الزهد والمواعظ والتذكير والزواجر إذا تأمله المتأمل وفكر فيه المفكر، وخلع من قلبه: أنه كلام مثله ممن عظم قدره ونفذ أمره وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لا حظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت أو انقطع إلى سفح جبل، لا يسمع إلا حسّه ولا يرى إلا نفسه. ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب مصلتاً سيفه فيقطّ الرقاب ويجدل الأبطال ويعود به ينطف دماً ويقطر مهجاً، وهو مع تلك الحال زاهد الزهاد وبدل الأبدال! وهذه من فضائله العجيبة وخصائصه اللطيفة التي جمع بها بين الأضداد وألف بين الأشتات. وكثيراً ما أذاكر الإخوان بها واستخرج عجبهم منها. وهي موضع العبرة بها والفكر فيها) (1).

وقد أعجب الشيخ محمد عبده بهذا أيضاً، حيث أن القارئ في نهج البلاغة يسير به في عوالم عديدة وقد أبدى إعجابه بهذا في مقدمته فقال:

(فتصفحت بعض صفحاتهن وتأملت جملاً من عباراته، من مواضع مختلفات، ومواضع متفرقات، فكان يخيّل لي في كل مقام أن حروباً شبّت وغارات شنّت، وأن للبلاغة دولة وللفصاحة صولة.. وأن مدبّر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع أحس بتغير المشاهد وتحول المعاهد) (2).

وقال صفي الدين الحلي - المتوفى في القرن الثامن الهجري - بهذا الصدد:

جمــــعت فـــي صفاتك الأضداد
ولهـــــذا عـــــزت لك الأنــــداد

زاهد حاكم! حلــــيم شــــــجاع!
فاتـــك ناســـــك! فقـــير جواد!

شيم ما جمــعن فـــــي بشر قط
ولا حــــاز مثــــلــهن العـــــبادُ

خلق يخــــجلُ النسـيم من اللطــف
وبأس يــــذوب مـنه الجماد

جل معــــناك أن يحيط به الشعــر
ويحصـي صفاتك النقاد (3)


وبعد كل هذا نقطة أخرى وهي: أن الإمام (عليه السلام) مع أنه إنما تكلم حول المعاني الحقة والواقعية بلغ ببلاغته الرائعة أوج العظمة والكمال! إن الإمام (عليه السلام) لم يتكلم في الفخر أو الخمر أو الشعر وهي ساحات واسعة للخيال وللوصف الفصيح، ولم يقل ما قاله ليكون مقالاً جميلاً يضرب به الأمثال فيبدي بذلك مهارته الفنية في الكلام، كلا، إذ لم يكن الكلام هدفاً له بل وسيلة إلى أهدافه، إنه لم يرد أن يخلف لنا بمقاله أثراً فنياً أو يبدي عبقرية أدبية. وأكثر من هذا، إن كلامه عام غير محدود بحدود الزمان أو المكان أو الأشخاص بشكل خاص، بل هو يخاطب (الإنسان) ولذلك فكلامه لا يعرف حداً للزمان أو المكان.. وكل هذه الأمور ممّا يقيّد القائل ويضيّق موضوع مقاله.

إن العمدة في الإعجاز اللفظي للقرآن الكريم هي: أن الفصاحة والجمال فيه ممّا أعجز الإنسان العربي، مع أن موضوع مطالبه كان يغاير الكلام المتداول في عصره، متعلقاً بعالم آخر غير هذا العالم، ومع ذلك أصبح مفتتح عهد جديد للأدب في العرب بل العالم. وقد تأثر به (نهج البلاغة) في هذه الناحية أيضاً كسائر الخصائص والصفات، فهو في الحقيقة وليد القرآن الكريم ومن كلمات علي (عليه السلام) وليد البيت العظيم - الكعبة المعظمة .

الهوامش:

--------------------------------------------------------------------------------

1 - شرح النهج لابن أبي الحديد، ج1، ص49.

2 - مقدمة عبده، ص10.

3 - ديوان صفي الدين الحلي، حرف الدال.

غرامي انت ياعلي
06-08-2006, 06:31 AM
كل مايذكر عن امير المؤمنين جواهر ويواقيت
مشكوووور وتسلم

امير الرافدين البصراوي
07-08-2006, 04:23 AM
بخدمة حبيبي انت تدلل ومشكر على المرور

شيعية موالية
08-08-2006, 11:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليك ياامير المؤمنين

بارك الله فيك اخي الكريم

عاشق الأهات
09-08-2006, 04:31 AM
امير مشكور يا ورده على الموضوع
و جزاك لله كل خير

ماجدينهو
20-08-2006, 02:07 AM
تسلم ووووووووالله اميررررررر ومشكورين على الموضوع

ربيبة الزهـراء
02-09-2006, 03:48 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليك ياامير المؤمنين

يسموا على الموضوع

عشق فاطمي
02-09-2006, 05:41 AM
بارك الله فيكم وجزاك خير الجزاء وحشرك مع محمد وآل محمد

مشكور يا امير

تحيتي

عشق

امير الرافدين البصراوي
07-09-2006, 05:38 AM
مشكور شباب على المرور ماقصرتو

عاشقة النجف
06-10-2006, 08:40 AM
سلمت الايادي على الموضوع القيم
رائع وجميل
جعلها الله في ميزان حسناتكم
موفقين

خادمة الحسين
08-10-2006, 02:18 AM
كلمة الشكر لاتكفي بحد ذاتها

بما أنه ذكر اسم اعظام الرجال من بعد رسول الله

فلك جزيل الاجر والثواب وجعله الله في ميزان حسناتك

دمت بحفظ الباري

تحياتي
خادمة الحسين

ثوار المهدي
15-11-2006, 11:03 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليك ياامير المؤمنين

بارك الله فيك اخي الكريم