المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوّة،


السید الامینی
10-07-2009, 11:59 AM
السلام عليكم


تعتقد الإماميّة أنّ العصمة مطلقة في النبيّ والإمام، وتعني أنّه معصوم عن الذنب ومنزَّه عن الخطأ والنسيان والسهو، ولا يتلبّس بالجهل والغفلة، سواء كان ذلك قبل البعثة أو الإمامة أو بعدهما، فهو إنسان كامل لا يعتريه النقص البشريّ، ولا يغلب عليه الميل النفسيّ، من ولادته إلى مماته، فهو معصوم في معتقده، وفي أفعاله الدينيّة، وفي تكاليفه الشرعيّة، وفي تبليغه للأحكام الشرعية الإلهيّة، ومستقيم في طباعه.
وتأتي العصمة وضرورتها في الإمامة تبعاً لضرورة الإمامة بعد النبوّة، ولهذا استدلّ الإماميّة على وجوب الإمامة بقاعدة اللطف، أي أنّ الإمامة لطفٌ من الله عزّوجلّ كما هي النبوّة لطف منه تعالى.
واللطف فيض إلهيّ؛ لأنّ المولى حينما خلق الإنسان أراد له أن يصل إلى منتهى كماله الإنسانيّ، ولما كان الإنسان ملهماً بنوازع الخير والشر: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاها * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (1)
، فهو ميّال إلى الداني ويترك ما جُعل سبباً لكماله، فمِن لطفه سبحانه ورحمته الواسعة أن يهيّئ له سُبل الهداية؛ ولهذا فقد أرسل الأنبياءَ ليتكفّلوا بهداية الإنسانيّة.
وبنفس هذا التأسيس، تأتي الحاجة للإمام المعصوم بعد غياب النبيّ باستثناء الوحي، فاللّطف الذي هو فيض من المولى وأدى إلى مجيء النبوة، لا ينقطع هذا اللطف حين غياب النبيّ؛ لأن الداعي باقٍ والحاجة مستمرّة.
ومن ضرورات العصمة للإمام، أنّ وجود الإمام في وسط الأُمّة يمثّل خطّاً طبيعيّاً للرسالة وامتداداً لنبيّها، فعلى هذا الأساس يكون عاملاً لبناء الرسالة ومرجعاً لهداية الناس؛ ذلك لأنّ الهدف من حركة الإنسان ووجوده هو الوصول إلى أرقى المراتب في الكمال الإنسانيّ، وإذا كان هذا هو الهدف فهو إذاً بحاجة إلى إمام معصوم يربط بين عالَم الغيب المتعالي والنوع الإنسانيّ المحتاج.
ومن هذا المنطلق تأتي مسألة قبول الأُمّة لإرشاداته؛ لأنّه الممثّل للنبوّة، وتتأكّد الطاعة والقبول لشخصه فيما إذا كان معصوماً، أمّا إذا كان غيرَ معصوم فسوف يُبرَّر للأُمّة عدمُ طاعتها له، وعدمُ قبولها أوامرَه، وإذا لم تصدّقه الأُمّة فسيؤدي هذا الأمر بطبيعة الحال إلى ضلال الأُمّة وعدم تحقّق الغرض الإلهيّ.
ولا يوجد أيُّ مانعٍ مِن أن يكون الإمام معصوماً، ما دام المولى سبحانه قادراً على تحقيق ذلك، ولا يوجد محذور عقليّ في نفس القابل وهو الإمام، وقد ثبت ذلك في عصمة الأنبياء عليهم السّلام.
وتأتي مسألة أُخرى، وهي أنّ الشريعة التي جاء بها النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله هي شريعة خالدة وعامّة لكل البشر وعلى مختلف الأزمنة http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (2)،

إذاً، فهو مشروع لكلّ الأُمم. وإذا كان بهذه السعة وهذا الامتداد، فلابدّ من وجود عُمرٍ يمتدّ بامتدادها من أجل أن يساير النبيُّ مشروعَه حتّى اكتماله واقتطاف ثماره، ولمّا كان عمر النبيّ قصيراً ومحدوداً في مدّته؛ فلابدّ أن يَلحقَ عمرَ النبيّ عمرٌ آخَرُ أطول منه، يمتاز بنفس الطاقات والصفات والمؤهّلات حتّى تحقيق الغرض الإلهيّ.
وحيث لا يمكن أن يكون هذا القائد نبيّاً؛ لأنّه لا نبيَّ بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فيبقى الأمر محدوداً بالإمام المعصوم، وهذا الأمر تؤكّده كثير من الشواهد القرآنيّة والأحاديث النبويّة (3).
قال السيّد المرتضى:
فأمّا الطريق الذي يُعلَم به أنّ الأئمّة عليهم السّلام لا يجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة، فهو أنّ الإمام إنّما آحتِيج إليه لجهةٍ معلومة، وهي أن يكون المكلَّفون عند وجوده أبعدَ مِن فعل القبيح وأقربَ مِن فعل الواجب، فلو جازت عليه الكبائر لكانت علّةُ الحاجة إليه ثابتةً فيه، وموجِبةً وجودَ إمامٍ يكون إماماً له، والكلام في إمامته كالكلام فيه، وهذا يؤدّي إلى وجود ما لا نهاية له من الأئمّة، وهو باطل، أو الانتهاء إلى إمام معصوم، وهو المطلوب.
وممّا يدلّ أيضاً على أنّ الكبائر لا تجوز عليهم، أنّ قولهم قد ثبت أنّه حجة في الشرع كقول الأنبياء عليهم السّلام، بل يجوز أن ينتهي الحال إلى أنّ الحقّ لا يُعرَف إلاّ من جهتهم، ولا يكون الطريق إليه إلاّ من أقوالهم، وإذا ثبت هذا جملةً جرَوا مَجرى الأنبياء عليهم السّلام فيما يجوز عليهم وما لا يجوز، فإذا كنّا قد بيّنا أن الكبائر والصغائر لا يجوز على الأنبياء عليهم السّلام قبل النبوّة ولا بعدها، لِما في ذلك من التنفير عن قبول أقوالهم، ولما في تنزيههم عن ذلك من السكون إليهم، فكذلك يجب أن يكون الأئمّة عليهم السّلام منزَّهين عن الكبائر والصغائر قبل الإمامة وبعدها، لأنّ الحال واحدة (4).
وهناك مَن يذهب إلى أن البديل للإمام المعصوم هو الأُمة، فعقل الأُمة ووعيها ورُشدها الإسلاميّ ووجود المصلحين والأخيار فيها، يؤهّلها للقيام بدور الإمامة بدل الشخص المعصوم، والأُمة كنائبةٍ لتولّي رعاية الشريعة وحفظها لاتختار الباطلَ ولا تنحدر نحو الهاوية، بفعلِ وجودِ عواملَ شرعيّةٍ مرّة، وعُقلائيّة أُخرى.
ويعترض هذا التوجيه سؤالٌ هو: هل يجوز على الأُمة الخطأ والنسيان والتضليل والانحراف أم لا ؟
بالتأكيد سيكون الجواب إيجابياً، فلا يَتَصوّر أحدٌ عدمَ نسيان الأُمّة وعدم خطئها واختلافها، فلو نظرنا إلى الحقائق القرآنيّة التي تحدثت عن اختلاف الأُمم في الماضي ـ قال تعالى: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif وَمَا آخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُم http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (5)،
وقال أيضاً: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif وَلاَ تَكُونُوا كالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِمَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (6)،
لاَنتهَينا إلى عدم عصمة الأُمم وعدم عصمة الأُمة الإسلاميّة بشكل خاصّ؛ لوجود الاختلافات والانقسامات التي أصابتها بعد غياب صاحب الرسالة، فضلاً عن كونها أُمّةً لا تختلف في طبائعها وميولها عن باقي الأمم، وأنّ الاختلاف الذي يكون سبباً لتمزّقها لابدّ له من مرجع ورئيس يحسم بقرار المعصوم ذلك النزاعَ والاختلاف، وعدم صلاحيّة فئة من الأُمّة لرفع الظلم والفساد عن الأُخرى، لادّعاء الثاني بأنّها تريد رفعَه عن أُختها أيضاً.

--

1 ـ الشمس: 7 ـ 8.
2 ـ الأنبياء:107.
3 ـ مسند أحمد بن حنبل 79:1 ، 87 و 32:3 و 369:6.
4 ـ تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى 22.
5 ـ البقرة:213.
6 ـ آل عمران:105

السید الامینی
10-07-2009, 12:01 PM
يتبع ان شاء الله

السید الامینی
11-07-2009, 10:50 PM
أمّا الأدلّة النقليّة على عصمة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام القرآنيّة والروائيّة فكثيرة، نقتصر على ذِكْر نماذج منها:
1 ـ آية التطهير:
قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (7).
إن الآية تنصّ على حصر إرادة الله تعالى هنا في إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً كاملاً شاملاً، وهذا الحصر إنّما هو بالنسبة إلى ما يتعلّق بأهل البيت، وإلاّ فإنّ للهِ تعالى إراداتٍ تشريعيّةً وتكوينيّة غيرها بالضرورة، فالمعنى أنّ إرادة إذهاب الرجس والتطهير مختصّة بهم دون غيرهم، فتصير في قوّة أن يُقال: يا أهل البيت، أنتم الذين يُريد الله أن يُذهب عنكم الرجسَ ويُطهرّكم من الأدناس، فالإرادة هذه تكوينيّة لا محالة، فإنّ الإرادة التشريعيّة للتطهير لا تختصّ بقوم دون قوم وبيت دون بيت. والإرادة التكوينيّة منه تعالى لا تنفكّ عن المراد، فتطهير أهل البيت من الرجس أمرٌ واقع بإرادة الله تعالى، فهم المعصومون من الذنوب والآثام والأخطاء.
هذا هو الظاهر من نفس الجملة بصرف النظر عمّا قبلها.
وروايات نزولها في أهل البيت ـ أهل بيت الوحي المطهّرين، النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم ـ دون غيرهم كثيرة جدّاً تربو على سبعين حديثاً من طرق الفريقين، وإذا لم يكن مثل هذه الروايات معتمَداً عليها، فبأي حديث بعده يؤمنون ؟!
وهذه الروايات التي روتها الشيعة بطرقهم، عن أمير المؤمنين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وعليّ بن موسى الرضا عليهم السّلام، عن أُمّ سَلَمة وأبي ذرّ وأبي ليلى وأبي الأسود الدُّؤليّ وعمر بن ميمون الأوديّ وسعد بن أبي وقّاص، وروتها السنّة بأسانيدهم عن أُمّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخُدْريّ وسعد ووائلة بن الأصقع وأبي الحمراء وابن عبّاس وثوبان مولى النبيّ صلّى الله عليه وآله وعبدالله بن جعفر وعليّ بن أبي طالب والحسن بن عليّ عليهم السّلام، كلّها تدلّ على أنّ الآية نزلت في الخمسة الطيّبة: رسول الله وابن عمه عليّ وبنته فاطمة وسبطَيه الحسنَين عليهم السّلام، وهم المراد بأهل البيت دون غيرهم (8).
ونطالع بهذا الصدد ما جاء في مسند أحمد بن حنبل كأحد النماذج التي تؤكّد هذه الواقعة.
• روى عبدُالله بن أحمد بن حنبل في مسنده عن أبيه، عن شدّاد أبي عمار قال: دخلتُ على وائلة بن الأصقع وعنده قوم فذكروا عليّاً، فلما قاموا، قال: ألا أُخبرك بما رأيتُ من رسول الله صلّى الله عليه وآله ؟ قلت: بلى، قال: أتيتُ فاطمةَ عليها السّلام أسألها عن عليّ، قالت: توجّه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله. فجلست انتظره حتّى جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله ومعه عليّ وحسن وحسين عليهم السّلام آخذاً كلُّ [ واحد ] منهما بيده حتّى دخل، فأدنى عليّاً وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسناً وحسيناً كلُّ واحد منهما على فَخِذه، ثمّ لفّ عليهم ثوبه ـ أو قال: كساءاً ـ ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، وقال: اللّهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي، وأهلُ بيتي أحقّ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (9).
• وجاء أيضاً في الدرّ المنثور، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها زوج النبيّ صلّى الله عليه وآله: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان بينهما على مقامة له عليها كساء خيبريّ، فجاءت فاطمة عليها السّلام ببرمة فيها قريرة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: اِدعي زوجَك وابنَيك حسناً وحسيناً. فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُم تَطهيرا ، فأخذ النبيُّ صلّى الله عليه وآله بفضلة إزاره فغشاهم إيّاها، ثمّ أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، ثمّ قال: « اللّهمّ هؤلاءِ أهلُ بيتي وخاصّتي، فأذْهِبْ عنهمُ الرجسَ وطَهِّرْهم تَطهيراً » ـ قالها ثلاث مرّات (10).
2 ـ آية المباهلة:

قوله تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (11).
يتضمّن الأمر بدعوة الأبناء والنساء والأنفس ـ بصِيغ الجمع في الجميع ـ وامتثال هذا الأمر يقتضي إحضارَ ثلاثة أفراد من كلّ عنوان لا أقلّ منها، تحقيقاً لمعنى الجمع. لكنّ الذي أتى به النبيُّ صلّى الله عليه وآله في مقام امتثال هذا الأمر على ما يشهد به صحيح الحديث والتاريخ لم يكن كذلك، وليس لفعله صلّى الله عليه وآله وجه إلاّ انحصار المصداق في ما أتى به، فالآية بالنظر إلى كيفيّة امتثالها بما فعل النبيّ صلّى الله عليه وآله تدلّ على أنّ هؤلاء هم الذين كانوا صالِحين للاشتراك معه في المباهلة، وأنّهم أحبُّ الخَلق إليه، وأعزّهم عليه، وأخصّ خاصّته لديه، وكفى بذلك فخراً وفضلاً.
ويؤكّد دلالتَها على ذلك أنّه صلّى الله عليه وآله كان له عدّة نساء، ولم يأت بواحدة منهنّ سوى بنتٍ له، فهل يُحمَل ذلك إلاّ على شدّة اختصاصها به وحبّه لها، لأجل قربها إلى الله وكرامتها عليه ؟!
كما أنّ انطباق عنوان « النَّفْس » على عليّ عليه السّلام لا غير، يدلّ على أعظم فضيلة وأكرم مزيّة له عليه السّلام، حيث نزل منزلةَ نَفْسِ النبيّ صلّى الله عليه وآله (12).
ويؤيّده ما رواه الفريقانِ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، حيث قال لعليّ عليه السّلام: « أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي » (13)، وقوله « أنت منّي وأنا منك » (14).
وقد احتجّ أميرُ المؤمنين عليه السّلام بهذه الفضيلة يومَ الشورى واعترف بها القوم ولم ينكروا عليه. وقد بلغ الأمر من الوضوح مبلغاً لم يبقَ فيه مجالٌ للإنكار من مثل ابن تيميّة، فقد اعترف بصحّة الحديث القائل: بأنّ نَفْس رسول الله صلّى الله عليه وآله في الآية هو عليّ عليه السّلام، إلاّ أنّه جعل مِلاك التنزيل هو القرابة، ولمّا التفت إلى انتقاضه بعمّه العبّاس حيث إنّ العمّ أقرب من ابن العمّ قال: « إنّ العباس لم يكن من السابقين، ولا كان له اختصاصٍ بالرسول صلّى الله عليه وآله كعليّ » فاضطُرّ إلى الاعتراف بأنّ مناط تنزيل الإمام عليّ عليه السّلام منزلةَ نَفْس النبيّ صلّى الله عليه وآله (15) ليس هو القرابةَ فقط، بل سَبقه إلى الإسلام واختصاصه بالنبيّ صلّى الله عليه وآله. وهل يكون اختصاصه به صلّى الله عليه وآله إلاّ لأجل أفضليّته من غيره وأقربيّته إلى الله سبحانه ؟! (16)
ثمّ إنّ في قوله تعالى: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif نَدْعُ أَبْنَاءَنَا... http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif إشارةً إلى أنّ لغيره صلّى الله عليه وآله شأناً في الدعوة إلى المباهلة، حيث أضاف الأبناءَ والنساءَ إلى ضمير المتكلّم مع الغير، مع أنّ المحاجّة كانت معه صلّى الله عليه وآل خاصّة، كما يدلّ عليه قولُه تعالى http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif فَمَنْ حَاجَّكَ.. http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif، وهذا هو الذي يُستفاد من قوله تعالى: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (17)، وقوله تعالى: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif قُلْ هذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (18)، كما يؤيّده ما ورد فيها من الروايات، وهو مقتضى إطلاق التنزيل في قوله صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السّلام «أنت منّي بمنزلة هارونَ مِن موسى ».
ويؤيّد ذلك قولُه تعالى: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif (19)؛ فإنّ المراد بالكاذبين هنا ليس كلّ مَن هو كاذب في كلّ إخبار ودعوى، بل المراد هم الكاذبون المغرضون في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة، فلا محالة يكون المدّعي في كلا الجانبين أكثرَ من واحد. وإلاّ لكان حقّ الكلام أن يقال مثلاً: « فنجعل لعنة الله على مَن هو كاذب » حتّى يصحّ انطباقه على الفرد أيضاً، فالمشتركون مع النبيّ صلّى الله عليه وآله في المباهلة شركاءُ له في الدعوى.
وحيث إنّ المَحاجّة إنّما وقعت بين النبيّ صلّى الله عليه وآله وبين النصارى، لا لمجرّد الدعوى بل لأجل دعوتهم إلى الإسلام، وإنّ الحضور للمباهلة كان تبعاً لتلك الدعوى والدعوة، فحضور مَن حضر أمارة على كون الحاضرين مشاركين له في الدعوى والدعوة معاً.
والروايات التي صدرت من الصحابة في آية المباهلة كثيرة جدّاً، كرواية: جابر بن عبدالله، والبَراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعثمان بن عفّان، وعبدالرحمان بن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقّاص، وعبدالله بن عبّاس، وأبي رافع مولى النبيّ صلّى الله عليه وآله وغيرهم، ورواية جمعٍ من التابعين عنهم: كالسّدّيّ، والشعبيّ، والكلبيّ، وأبي صالح، وطبقات المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين على إيداعها في موسوعاتهم: كمسلم، والترمذيّ، والطبريّ، وأبي الفداء، والسيوطيّ، والزمخشريّ، والرازيّ باتّفاق الروايات وصحّتها (20).
قال جابر: فيهم نزلت http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءكُمْ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif، قال جابر: ( أنفسَنا ) رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ عليه السّلام، و ( أبناءَنا ) الحسن والحسين عليهما السّلام، و ( نساءَنا ) فاطمة عليها السّلام (21).
وإذا كان الإمام عليّ عليه السّلام نَفْسَ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأنّه بمنزلته إلاّ أنّه ليس بنبيّ، لزم منه أن تكون الصفات الأُخرى الثابتة للنبيّ، ومنها العصمة، ثابتةً للإمام عليه السّلام إلاّ أنه ليس بنبيّ.
))


7 ـ الأحزاب:33.
8 ـ يراجع الإمامة والولاية، لجمع من العلماء 150.
9 ـ مسند أحمد 107:4. أجمع المفسرون على نزول آية التطهير في فضل ( أصحاب الكساء ) في بيت أُمّ سلمة، ورُويَ متواتراً عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وكثيرٍ من الصحابة، وهذا أنموذج من مصادره: الحافظ الحنفيّ المعروف بالحاكم الحسكانيّ في شواهد التنزيل 10:2 بعدّة أسانيد، والحافظ جلال الدين السيوطيّ في الدرّ المنثور 198:5 بطرق، وكذا الطحاويّ في مُشكل الآثار 238:1 ـ 332 ، والحافظ الهيثميّ في مجمع الزوائد 121:9 و 146 و 169 و 172 ، وأحمد بن حنبل في مسنده 230:1 و 107:4 ، وابن حجر في الصواعق المحرقة 85، والطبري في تفسيره 5:22 و 6 و 7، وابن الأثير في أُسد الغابة 29:4 ، والنسائيّ في خصائصه 4.
10 ـ الدر المنثور للسيوطي 198:5 تفسير الآية: « إنَّما يُريدُ اللهُ... ».
11 ـ آل عمران:61.
12 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي 81:8 ، تفسير الآية 61 من سورة آل عمران / المسألة الخامسة.
13 ـ قد أنهى السيّد هاشم البحرانيّ الروايات الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله والمشتملة على هذه العبارة من طرق السنّة إلى مائة حديث، ومن طرق الشيعة إلى سبعين حديثاً، فراجع ( غاية المرام وحجّة الخصام 109:1 ـ 152 ).
14 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي 88.
15 ـ سنن الترمذيّ 596:5 / الحديث 3724.
16 ـ منهاج السنّة لابن تيميّة 33:4 / البرهان التاسع.
17 ـ هود:17.
18 ـ يوسف:108.
19 ـ آل عمران:61.
20 ـ الإمامة والولاية، لجمع من العلماء 138.
21 ـ غاية المرام 301 / الحديث 7.

السید الامینی
11-07-2009, 10:50 PM
يتبع ان شاء الله

النجف الاشرف
12-07-2009, 01:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أحسنتم سيدنا الاميني ......
فلو تطرق الشك بان الانبياء والائمة غير معصومين من الكبيرة والصغيره ومن السهو والنسيان فكيف يتم الوثوق والاطمئنان بما وصل لنا من تشريعات وعقائد وحتى القران الكريم كيف يثبت ان تطرق الشك ان النبي يسهو ويخطا ..........

ولهذا تجد ان من لا يعتقد بعصمة الانبياء والائمة سلام الله عليهم ترك الجاده الصواب وذهب وراء كل منافق

والسلام عليكم

النجف الاشرف
12-07-2009, 01:15 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أحسنتم سيدنا الاميني ......
فلو تطرق الشك بان الانبياء والائمة غير معصومين من الكبيرة والصغيره ومن السهو والنسيان فكيف يتم الوثوق والاطمئنان بما وصل لنا من تشريعات وعقائد وحتى القران الكريم كيف يثبت ان تطرق الشك ان النبي يسهو ويخطا ..........

ولهذا تجد ان من لا يعتقد بعصمة الانبياء والائمة سلام الله عليهم ترك الجاده الصواب وذهب وراء كل منافق

والسلام عليكم

السید الامینی
12-07-2009, 10:44 AM
احسن الله اليكم عزيزي النجف الأشرف و بارك الله بكم و شكرا

السید الامینی
12-07-2009, 10:45 AM
يتبع ان شاء الله

السید الامینی
18-07-2009, 10:00 AM
3 ـ حديث الثقلين:
جاء في مسند أحمد بن حنبل: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: « إنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي تاركٌ فيكمُ الثقلَين: كتابَ الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، وإن اللّطيفَ الخبير أخبرني أنّهما لن يفترقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض، فانظروا كيف تُخْلِفوني فيهما »(22).

ويعتبر هذا الحديث من الأدّلة الواضحة في إمامة وعصمة أهل البيت عليهم السّلام، كما أنّه لا شائبة في سنده ولا خدشة في اعتباره.
ويمكن بيان عصمة الأئمّة عليهم السّلام في هذا الحديث بما يلي:
الأوّل: أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله الأُمّةَ الإسلاميّة بعده أن تتمسّك بالقرآن الكريم وأهلِ البيت عليهم السّلام؛ فالتمسّك بهما يورث النجاة ويمنع من الضَّلالة عن الأُمّة، ويدفع البشريّة نحو الهداية.
فقد جاء في الصواعق المحرقة:
« فلا تَقْدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا »(23).
والأمر النبويّ منصبّ على التمسّك بهما، وكلّنا يعلم أن التمسّك بالقرآن الكريم يعني التمسّكَ بمنهج لا يُخطئ وبقولٍ لا يكذب، فهو منبع التعاليم الحقّة ومصدر السيرة الصالحة، فهو يهدي للتي هي أقوم.
http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلى النُّورِ بإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif(24)، فالقرآن http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif لا يأتيهِ الباطلُ مِن بَينِ يَدَيهِ ولا مِنْ خَلْفِه http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif، وهو عاصم لمَن تمسّك به، وقد قرن النبيُّ صلّى الله عليه وآله أهلَ البيت بالقرآن وجعلهما على حدٍ سواء في التمسّك.
والنجاة تقترن بهما ملازمةً لكليهما، فلا التمسّك بالقرآن وحده كافٍ، ولا بهم ـ أهل البيت ـ دون القرآن مغنٍ. وبما أن القرآن معصوم، كذلك أهل البيت معصومون، فلو كان في القرآن خطأ أو اشتباه لَما أمر النبيّ صلّى الله عليه وآله بالتمسّك به، كذلك أهل البيت عليهم السّلام معصومون بالمقارنة والملازمة، ويعني التمسّكُ بهما طاعتَهما، وطاعتُهما مطلقاً يعني كونَهما معصومَين، ووجوب الطاعة مطلقاً يعني كونَ صاحبها معصوماً من الزلل مطهَّراً من الذنوب، فالنبيّ صلّى الله عليه وآله أمرَ بطاعته مطلقاً، فلو أخطأ أو أذنب فهذا يعني أنّ النبيّ قد أمر باتّباع الخطأ والذَّنْب، وهذا مَحال على النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ لأنّه لا يتكلم عن نفسه ولا ينطق عن ذاته بل هو وحي يُوحى.
الثاني: حكَمَ النبيّ صلّى الله عليه وآله بأنّهما لن يفترقا يوماً من الأيّام، وهذا يعني دوامَ عصمتهما واستمراريتها، ومنه نكتشف أنّه لا يخلو زمانٌ من الأزمنة من معصوم، فهما لن يفترقا إلى يوم القيامة؛ فالأرض لا تخلو من حُجّة لأنّنا نعتقد أنّ القرآن الكريم خالد ومستمرّ إلى يوم القيامة.
ذكر الحموينيّ بسنده عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّي تاركٌ فيكم الثقلَين: كتابَ الله، وعترتي أهل بيتي، ألا وهما الخليفتانِ بعدي، ولن يفترقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض »(25).
حدّثنا عمر بن سعد أبو داود الحفريّ عن شريك عن الركين عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إنّي تارك فيكم خليفتَين من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّى يَرِدا علَيّ الحوض »(26).
فهاتان الروايتان تضيفان كونهما خليفتين، والخليفة هو الذي له الطاعة والولاية والاتّباع، لا مجرد الذِّكْر.
ومن الدلالات الأُخرى التي يمكن استفادتها من هذا الحديث على عظم منزلتهم وعصمتهم، أنّ القرآن الكريم فيه من العلوم الإلهيّة ما يجعلها تفوق علوم الأرض كلّها، حيث لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها ـ كما نطق به عزّوجلّ: http://www.imamreza.net/images/ghos-start.gif مَا لِهَذَا الكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أحْصَاهَا http://www.imamreza.net/images/ghos-end.gif(27)، وأهل البيت عليهم السّلام هم عِدْل القرآن، فهم في معارفهم الربّانيّة التي حصلوا عليها منه سبحانه تفوق مَن على وجه الأرض.
ومن هذه الرواية المباركة والتي ورد فيها لفظ: « كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي »، يُستفاد أنّ الكتاب مع الأئمّة هم حبل الله الممتدّ من الأرض إلى السماء؛ فهذا يعني أنّهم الطريق الوحيد المُوصِل إلى الله، وأنّ الطرق الأُخرى لا تُغني الأُمّة شيئاً، وقد جاء في بعض الروايات عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: « إنّي تركتُ فيكم ما لن تَضلوا بعدي إن اعتصمتم به: كتابَ الله، وعترتي أهلَ بيتي » وقد فسّر الشافعيّ ( حبل الله ) في أبياته التي يقول فيها:

ولمّـا رأيتُ النـاسَ قـد ذَهبَتْ بهم


مَذاهبُـهم في أبْحُـرِ الغـيِّ والجَهْلِرَكِبتُ على آسمِ اللهِ فـي سُفُن النَّجا

وهُم آلُ بيتِ المصطفى خاتَمِ الرُّسْلِوأمسَكتُ حَبـلَ اللهِ وهْـو وِلاؤهُـم
كما قد أُمِرْنـا بالتَّمسّكِ بالحَبْلِ(28)

فإذا كانوا هم حبلَ الله، فلا شكّ أنّ هذا الحبل مانع عن الضلالة، ومبعّد عن الغواية إلى يوم القيامة، وهل يمكن أن يفعل الدنسَ مَن يكون حبلاً، أو يقترف الجريمةَ من يكون وصلاً مع الله سبحانه وتعالى ؟!

°°°°°°°°°°°°°°°

23 ـ الصواعق المحرقة لابن حجر:148.
24 ـ إبراهيم:1.
25 ـ الحموينيّ في فرائد السمطين، عن الطريق القويم 86.
26 ـ المصنَّف لابن أبي شيبة 418:7 ـ كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله تعالى محمّداً وآله / ح 41. وكتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم 337 / ح 754 و 1555، وكنز العمّال للمتّقي الهندي 172:1 / ح 872.
27 ـ الكهف:49.
28 ـ شرح الأخبار للقاضي المغربيّ 125:2 ، خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق 20، الكنى والألقاب للشيخ عباس القميّ 349:2

السید الامینی
08-08-2009, 11:25 PM
فنَخْلص ممّا تقدم إلى:
1 ـ أنّ الله أمر في هذا الحديث باتّباع أهل البيت عليهم السّلام، وحاشا أن يأمر رسولُ الله باتّباع المذنبين والخاطئين والمخالفين لكتاب الله.
2 ـ اقترانهم عليهم السّلام بالقرآن الكريم يدلّ على كمالهم وعصمتهم.
3 ـ في قول النبيّ صلّى الله عليه وآله: « لن تَضِلّوا بعدي » دِلالةٌ على عصمتهم وكمالهم عليهم السّلام.
4 ـ عدم الافتراق والورود على النبيّ صلّى الله عليه وآله يوم القيامة معاً وعلى الحوض، دليلٌ على عصمتهم ودوامها واستمراريّتها إلى يوم القيامة.
5 ـ جاء في الحديث لفظ أنّ السَّبق على أهل البيت هلاك، كما هو الوارد في الصواعق المحرقة: « فلا تَقَدَّموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم »(29)، وهو يفيد خلافتَهم وولايتهم وعصمتهم.
6 ـ قد تبيّن من اقتران أهل البيت عليهم السّلام بالقرآن الكريم أنّهم لن يخالفوه ولن يعارضوه في يوم من الأيّام، وهذا أيضاً يدلّ على عصمتهم وكمالهم.
7 ـ أمرَ بالتمسّك بهما حتّى تحصل النجاة للأُمّة من الضلالة، والمذنب لا يُعتبَر مُنْجياً من الضلالة ولا مانعاً عنها.
وهناك روايات تبيّن منزلة أمير المؤمنين عليه السّلام من القرآن الكريم وكأنها تشير إلى حديث الثقلين:
« هذا عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يَرِدا علَيّ الحوض ».
ويمكن أن نقول: إنّ هذه الرواية خصّصت الأمر في أمير المؤمنين عليه السّلام بعد التعميم الذي ورد في حقّ أهل البيت عليهم السّلام.
ولا شك أنّ التمسك بهذا الحديث والابتعاد عن الضلالة ينبغي أن يكون مباشرة وبلا فاصلة بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله؛ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله صرّح في بعض ألفاظ هذا الحديث كما جاء عن الحموينيّ: « ألا وهما الخليفتان بعدي »، وخليفة النبيّ صلّى الله عليه وآله مَن اتّصل بعهده وسار بنهجه.
فالإمام ـ الذي أشارت إليه روايةُ الثقلَين وبيّنت خصوصيّاته ـ معصومٌ من الزلل، أعلم مَن في الأرض، حُجّة على عباده، ولا تخلو الأرض منه إلى يوم النشور، فكما أنّ الله عزّوجل تكفّل ببقاء القرآن إلى يوم القيامة، كذلك المعصوم فهو الحافظ للشريعة، المبيّن لأحكامها، المفسِّر للقرآن الكريم، والمطّلع على علومه وآثاره.
يقول الإمام الرضا عليه السّلام: « وإنّ العبد إذ اختاره الله عزّوجلّ لأمور عباده شرَحَ صدرَه لذلك، وأودع فيه ينابيعَ الحكمة، وألهمه العلمَ إلهاماً، فلم يَعْيَ بعدُ بجواب، ولا يَحير فيه عن الصواب، فهو معصوم مؤيَّد، موفَّق مسدَّد، قد أمِن من الخطايا والزَّلل والعَثار، يخصّه الله بذلك ليكون حجّتَه على عباده، وشاهَدَه على خلقه، وذلك فضلُ اللهِ يُؤتيه مَن يشاء والله ذو الفضلِ العظيم »(30).
فالإمام إذاً لا يصدر منه الخطأ والعصيان والذنب، سواءً كان عن عمدٍ أو سهوٍ؛ لأنّه في كلّ الأحوال سوف يفارق القرآنَ الكريم ولم يُقرَن به، والذي يجوّز على أهل البيت عليهم السّلام الذنبَ والخطأ وما شاكل فقد كذّب قولَ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وادّعى شَطَطاً، ومن خلال الاقتران الدائم والمستمرّ نكتشف أنّ خطّ أهل البيت عليهم السّلام مع القرآن، وأنّ القرآن معهم، والهدف لهما واحد.
وفي ذيل الرواية « فانظروا كيف تُخْلفوني فيهما » قال شهاب الخفاجي في شرحه: نستدلّ على وجوب اتّباع أهل البيت عليهم السّلام؛ فإنّي أنظر عملكم بكتاب الله واتّباعكم لأهل بيتي ورعايتهم وبِرّهم بعدي، فإنّ ما يَسرُّهم يَسرُّني، وما يَسوؤهم يَسوؤني(31).

نتيجة البحث
خلق اللهُ الإنسانَ في أحسن تقويم، فأراد له الكمالَ المنسجم مع إنسانيّته، فمنحه الإرادةَ كميّزة تفوّق بها على مَن سواه مِن الخلق، ليختار السلوك الإلهيّ المؤدّي لكماله، ولمّا كان العقل عاجزاً بمفرده أن يصل إلى المعارف الإلهيّة، مِن هنا جاء اللُّطف الإلهيّ متمثّلاً في النبوّة؛ لترشده إلى معالم طريق الهداية وتنذره سُبل الغواية والدمار وسوء العاقبة. ثمّ ضخامة دور الواسطة بين الغَيب والناس، يستلزم أن يكون صاحبُه معصوماً؛ لأنّ غيره لا يُنتج لنا إلاّ الدَّورَ الناقص؛ لاتّصافه بالنقص واحتمال الخطأ والمخالفة فيه، والمولى تعالى يريد الدَّورَ الكامل الذي لا يتمّ إلاّ بالشخص المعصوم؛ فعليه كان النبيُّ والإمام معصومَين.
واتّفق الإماميّة بأنّ حدّ العصمة وزمانها مطلق منذ الولادة حتّى الوفاة، بلا فرق بين زمن البعثة أو قبلها، والنبيّ والإمام معصومان عن ارتكاب المعاصي صغيرها وكبيرِها، وعن الخطأ والنسيان والسهو في الأحكام وغيرها.
وتأتي ضرورة العصمة في النبوّة والإمامة وفقَ المنظور الإماميّ تبعاً لضرور النبوّة والإمامة وأهدافهما.
والعصمة لا تعني سلبَ الاختيار عن المعصوم، وإنّما يأتي اختياره للحَسَن من الأعمال منطبقاً مع الارادة الإلهيّة، فالمعصوم يختار ما يريده الله، ويترك ما لا يريده الله.
وأمّا العصيان والاستغفار والتوبة والظلم في حياة الأنبياء عليهم السّلام، هذه المفردات التي وردت في القرآن الكريم، والذي ظنّ البعضُ بأنّها تشير إلى جواز ارتكاب المخالف، فهذا التصوّر ناشئ من تطبيق مفهوم النهي التحريميّ المستلزم للعقوبة بخصوص أفعال الأنبياء، أمّا لو حَمَلنا النهيَ على الإرشاديّ فلا يبقى دليلٌ عند من يذهب إلى جواز المعصية عند الأنبياء عليهم السّلام.
ثمّ ليس بصحيح أن تكون مناشئ الاستغفار مطلقاً عن ذَنب، وكذا الحال في التوبة والظلم، بل قد يكون لها مناشئ أُخرى غير الذنب.
وأخيراً، فإنّ كلّ الأدّلة التي تُثبت العصمةَ للنبيّ صلّى الله عليه وآله تنسحب على الأئمّة عليهم السّلام، بالإضافة للأدلّة الخاصّة للعصمة عندهم من آياتٍ وأحاديث نبويّة، مثل: آية التطهير، وحديث الثقلين، وغيرهما

29 ـ الصواعق المحرقة 230 ـ الباب 11، فضائل أهل البيت، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم / الآية الرابعة.
30 ـ أُصول الكافي 202:1 ـ ط آخوندي.
31 ـ نسيم الرياض 410:3.