عاشق الامام الكاظم
14-07-2009, 02:05 PM
الإنسان -شاء أم أبى- في سفرة إجبارية على طريقٍ إلى لقاء ربه: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}.
وما دام هنالك لقاء إجباري، لماذا لا يحول اللقاء الإجباري إلى لقاء اختياري، وهذا معنى: موتوا قبل أن تموتوا.
- إن منطق التمثيل منطق جيد لتقريب المعقولات، ومن هنا فإن علماء الأخلاق يشبهون المعقولات بالمحسوسات، كما في تشبيههم للحركة إلى الله -تعالى- بالسفر الآفاقي.. وهذا المنطق استعمله القرآن الكريم حتى في أدق المعاني التوحيدية، حيث يقول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}.. وفي آية أخرى نلاحظ بأنه شبه الحياة الدنيا بماء المطر: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}..
فالإنسان الذي يريد أن يسافر ماذا يعمل؟..
- أول خطوة يتخذها المسافر، هو تصور المتعة والأنس الذي يكمن في الجهة التي يريد الذهاب إليها، إما بنقل الآخرين لمعالم السفر، أو بسفراته السابقة.. ليحاول أن يوجد في نفسه دواعي الإثارة في هذا السفر.
والمسافر لابد له من الزاد، وقد كان المسافر في السفرات القديمة يحمل معه زاده الذي يكفيه، إن السفر إلى الله ليس بأقل من سفرة الحج، أو سفرة السياحة، أو ما شابه ذلك.. فما هو زادنا في هذا السفر؟..
إن الزاد الأول الذي لابد أن يتزود به المسافر إلى الله تعالى، هو الزاد العلمي.. من المعلوم أن في السيارات الحديثة جهاز مرتبط بالأقمار الصناعية، يمكن أن يوصل الإنسان إلى مقصده، بمجرد أن يضغط على زر تعيين الجهة التي يقصدها، ثم إن هذا الجهاز يسدده في مسيره، ولولا ذلك لتاه في الطريق.
ونحن رأينا كم هم الذين أمضوا شطراً من عمرهم، ثم اكتشفوا أنهم لم يكونوا على الطريق الصحيح، وإن ما كانوا عليه كان يقودهم إلى طريقٍ معاكس لطريق النجاة والسعادة.
فالذي يريد أن يصل إلى لقاء ربه، لابد أن تكون له خارطة ودليل، تبين له منعطفات الطريق وموانعه، والأعداء والأصدقاء.
- إن البعض قد يقول: هل معنى هذا أن يترك الناس وظائفهم وأعمالهم، ويهاجروا جميعاً إلى الحوزات العلمية، وتبقى المستشفيات بلا أطباء، والشركات بلا مدراء، والمشاريع الهندسية بلا مهندسين؟..
الجواب: هو أن الكمال كل الكمال، والفخر كل الفخر، أن يجمع الإنسان بين نشاطه الدنيوي -بأفضل ما يكون- وبين تكامله الروحي.. نحن لم نرَ بأن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كانوا من المتفرغين لطلب العلم، أي كانت لهم حوزة علمية في زوايا المدينة أو الكوفة من أجل طلب العلم، فقد كانوا من أصحاب المهن: كميثم التمار، الذي كان يبيع تمراته، ثم يجلس على مائدة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويتعلم ذلك العلم الذي قاده إلى محل الصلب، وقد كان يلهج بذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى لحظاته الأخيرة.. ومنهم الزيات، والصراف.. فكلهم من أصحاب المهن، ومع ذلك فقد وصلوا إلى درجات عليا من القرب الإلهي.
وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) من أكبر المزارعين!.. إذ كان صاحب آبار ارتوازية، يزرع ويكدح ويتعب، مع العلم أن لحظات من عمر علي (عليه السلام) تساوي عمر الخلق، ولكنه كان يصرف هذه اللحظات في عمارة الأرض، وما زالت أبيار علي (عليه السلام) -في ميقات مسجد الشجرة- تشهد على ذلك.. ومن المعلوم موقف الإمام الباقر (عليه السلام) من ذلك الرجل الذي تهكم عليه، عندما رأى الإمام (عليه السلام) وهو يعمل في المزرعة، وجسمه يتصبب بالعرق، وكأنه مشغول بالدنيا، إذ بيّن له الإمام (عليه السلام) بأنه في حال عبادة.. رأى محمد بن المكندر أبا جعفر الباقر -عليه السلام- خارجا إلى بعض نواحي المدينة في وقت حار وهو يتصبب عرقا، فقال له: إنك من أشياخ المدينة تخرج على مثل هذا الحال لطلب الدنيا، أرأيت لو جاءك أجلك وأنت على هذا الحال؟.. فقال -عليه السلام-: « إني لا أخاف أن يجيئني أجلي على هذا الحال وأنا في طاعة الله، أكف بها لنفسي وعيالي عنك وعن الناس.. وإنما كنت أخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله». فمع استغراق الإمام في المعاني الإلهية فإنه كان يباشر تلك الأمور.
فإذن، ليس المطلوب الاعتكاف في المسجد، أو الرهبانية، أو أن يكون الجميع من رجال الحوزة.. وإنما أن يحاول -وهو في حركته في الحياة- أن يكون قلبه مع رب العالمين.. لي صديق هو كبير المهندسين وصاحب مشاريع كبرى، وقد كان يسر لي بعض أسراره، ويقول بأنه وصل -بحمد الله- إلى درجة أنه من خلال عمله الهندسي وانشغاله بتخطيط الخرائط الدقيقة، إلى أن يجعل قلبه مع رب العالمين طوال ساعات الدوام.. ومن الطريف أنه كان -بعض الأوقات- أثناء تنقله بين المواقع، تنتابه حالة معنوية، فيوقف سيارته في قارعة الطريق، ويحول الجو إلى جو مناجاة مع رب العالمين، ويشفي غليله ثم يكمل المشوار.. إن غاية سعي المؤمن أن يصل إلى درجة من التكامل، بحيث يتحول الذكر بالنسبة له إلى هواء يستنشقه.. ولو أنه نسي ذكر لله –عز وجل- فإنه يعيش حالة الاختناق، والذي يجعله يبادر إلى ذكر الله عزوجل، ليعيد الحيوية إلى قلبه وفؤاده.. فمثل هذا الإنسان لا يخاف عليه من الغفلة؛ لأنه كلما أراد أن يغفل، فان هذا الاختناق الباطني يدعوه إلى الذكر، مصداقًا لقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}.
- والذين هم في سن مبكرة فليغتنموا الفرصة للحركة إلى الله كلٌ بحسبه.. وقد رأيت عيّنات من هذا القبيل، وممن هم دون البلوغ، ويعيشون في بيئ بعيدة عن الإسلام والمسلمين، وهم -مع ذلك- يحملون إصراراً بليغا ليكونوا من المتقربين إليه تعالى.. وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) أنه قال: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّه، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْه، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».<SPAN dir=ltr>
وما دام هنالك لقاء إجباري، لماذا لا يحول اللقاء الإجباري إلى لقاء اختياري، وهذا معنى: موتوا قبل أن تموتوا.
- إن منطق التمثيل منطق جيد لتقريب المعقولات، ومن هنا فإن علماء الأخلاق يشبهون المعقولات بالمحسوسات، كما في تشبيههم للحركة إلى الله -تعالى- بالسفر الآفاقي.. وهذا المنطق استعمله القرآن الكريم حتى في أدق المعاني التوحيدية، حيث يقول تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}.. وفي آية أخرى نلاحظ بأنه شبه الحياة الدنيا بماء المطر: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}..
فالإنسان الذي يريد أن يسافر ماذا يعمل؟..
- أول خطوة يتخذها المسافر، هو تصور المتعة والأنس الذي يكمن في الجهة التي يريد الذهاب إليها، إما بنقل الآخرين لمعالم السفر، أو بسفراته السابقة.. ليحاول أن يوجد في نفسه دواعي الإثارة في هذا السفر.
والمسافر لابد له من الزاد، وقد كان المسافر في السفرات القديمة يحمل معه زاده الذي يكفيه، إن السفر إلى الله ليس بأقل من سفرة الحج، أو سفرة السياحة، أو ما شابه ذلك.. فما هو زادنا في هذا السفر؟..
إن الزاد الأول الذي لابد أن يتزود به المسافر إلى الله تعالى، هو الزاد العلمي.. من المعلوم أن في السيارات الحديثة جهاز مرتبط بالأقمار الصناعية، يمكن أن يوصل الإنسان إلى مقصده، بمجرد أن يضغط على زر تعيين الجهة التي يقصدها، ثم إن هذا الجهاز يسدده في مسيره، ولولا ذلك لتاه في الطريق.
ونحن رأينا كم هم الذين أمضوا شطراً من عمرهم، ثم اكتشفوا أنهم لم يكونوا على الطريق الصحيح، وإن ما كانوا عليه كان يقودهم إلى طريقٍ معاكس لطريق النجاة والسعادة.
فالذي يريد أن يصل إلى لقاء ربه، لابد أن تكون له خارطة ودليل، تبين له منعطفات الطريق وموانعه، والأعداء والأصدقاء.
- إن البعض قد يقول: هل معنى هذا أن يترك الناس وظائفهم وأعمالهم، ويهاجروا جميعاً إلى الحوزات العلمية، وتبقى المستشفيات بلا أطباء، والشركات بلا مدراء، والمشاريع الهندسية بلا مهندسين؟..
الجواب: هو أن الكمال كل الكمال، والفخر كل الفخر، أن يجمع الإنسان بين نشاطه الدنيوي -بأفضل ما يكون- وبين تكامله الروحي.. نحن لم نرَ بأن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كانوا من المتفرغين لطلب العلم، أي كانت لهم حوزة علمية في زوايا المدينة أو الكوفة من أجل طلب العلم، فقد كانوا من أصحاب المهن: كميثم التمار، الذي كان يبيع تمراته، ثم يجلس على مائدة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويتعلم ذلك العلم الذي قاده إلى محل الصلب، وقد كان يلهج بذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى لحظاته الأخيرة.. ومنهم الزيات، والصراف.. فكلهم من أصحاب المهن، ومع ذلك فقد وصلوا إلى درجات عليا من القرب الإلهي.
وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) من أكبر المزارعين!.. إذ كان صاحب آبار ارتوازية، يزرع ويكدح ويتعب، مع العلم أن لحظات من عمر علي (عليه السلام) تساوي عمر الخلق، ولكنه كان يصرف هذه اللحظات في عمارة الأرض، وما زالت أبيار علي (عليه السلام) -في ميقات مسجد الشجرة- تشهد على ذلك.. ومن المعلوم موقف الإمام الباقر (عليه السلام) من ذلك الرجل الذي تهكم عليه، عندما رأى الإمام (عليه السلام) وهو يعمل في المزرعة، وجسمه يتصبب بالعرق، وكأنه مشغول بالدنيا، إذ بيّن له الإمام (عليه السلام) بأنه في حال عبادة.. رأى محمد بن المكندر أبا جعفر الباقر -عليه السلام- خارجا إلى بعض نواحي المدينة في وقت حار وهو يتصبب عرقا، فقال له: إنك من أشياخ المدينة تخرج على مثل هذا الحال لطلب الدنيا، أرأيت لو جاءك أجلك وأنت على هذا الحال؟.. فقال -عليه السلام-: « إني لا أخاف أن يجيئني أجلي على هذا الحال وأنا في طاعة الله، أكف بها لنفسي وعيالي عنك وعن الناس.. وإنما كنت أخاف لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله». فمع استغراق الإمام في المعاني الإلهية فإنه كان يباشر تلك الأمور.
فإذن، ليس المطلوب الاعتكاف في المسجد، أو الرهبانية، أو أن يكون الجميع من رجال الحوزة.. وإنما أن يحاول -وهو في حركته في الحياة- أن يكون قلبه مع رب العالمين.. لي صديق هو كبير المهندسين وصاحب مشاريع كبرى، وقد كان يسر لي بعض أسراره، ويقول بأنه وصل -بحمد الله- إلى درجة أنه من خلال عمله الهندسي وانشغاله بتخطيط الخرائط الدقيقة، إلى أن يجعل قلبه مع رب العالمين طوال ساعات الدوام.. ومن الطريف أنه كان -بعض الأوقات- أثناء تنقله بين المواقع، تنتابه حالة معنوية، فيوقف سيارته في قارعة الطريق، ويحول الجو إلى جو مناجاة مع رب العالمين، ويشفي غليله ثم يكمل المشوار.. إن غاية سعي المؤمن أن يصل إلى درجة من التكامل، بحيث يتحول الذكر بالنسبة له إلى هواء يستنشقه.. ولو أنه نسي ذكر لله –عز وجل- فإنه يعيش حالة الاختناق، والذي يجعله يبادر إلى ذكر الله عزوجل، ليعيد الحيوية إلى قلبه وفؤاده.. فمثل هذا الإنسان لا يخاف عليه من الغفلة؛ لأنه كلما أراد أن يغفل، فان هذا الاختناق الباطني يدعوه إلى الذكر، مصداقًا لقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ}.
- والذين هم في سن مبكرة فليغتنموا الفرصة للحركة إلى الله كلٌ بحسبه.. وقد رأيت عيّنات من هذا القبيل، وممن هم دون البلوغ، ويعيشون في بيئ بعيدة عن الإسلام والمسلمين، وهم -مع ذلك- يحملون إصراراً بليغا ليكونوا من المتقربين إليه تعالى.. وقد ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) أنه قال: « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّه، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْه، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ».<SPAN dir=ltr>