كربلائي حر
21-07-2009, 03:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة اتمنى منكم قرائتها .. ففيها عبرة وموعضة ..
نصف ساعة في القبر !!
أي شخص كان قد رآني متسلقاً سور المقبرة في هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. ولا سكران والحق أن لديَّ مصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن احد المؤمنين أنه كان لديه قبراً في منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه حاسب نفسه عن مافعله في يومه وعاتبها وحاسبها ثم ينادى: (رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
...
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم عند ذلك.
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرة الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل القبر حتى أؤدبها !
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟
إن أوقظته لعله يقول لي
تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
رفعت ثوبي وتلثمت واستعنت بالله وصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة.
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب.
هذا هو صمت القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها رائحة القبور، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط، رائحة بها طعم الموت الصافي.
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟
لعلهم سيقولون وصية امير المؤمنين عليه السلام وفت احتضاره :
( الله الله في الصلاة ).
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة،
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرت بالخوف حقا !نظرت إلى الناحية الغربيةوالتي بها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟
مشيت محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟ شقي بسبب ماذا؟ أضيّع الصلاة ؟ أم ماذا
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟ أم أنه كان يقول: ما زال في العمر بقية، سبحان من قهر الخلق بالموت .
أبصرت الممر، حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الغربية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك.
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، هل هم الجن خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، فتعوذت منه وصليت على النبي واهل بيته وناديت ياأبا الحسن ياامير المؤمنين
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها وحشة ، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
ولكن لا ....
لن أصل إلى هنا ثم أقف، يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي. ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟ سبحان الله العزيز .
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسة أخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، وتوكلت على الحي القيوم ثم أنزلت غترتي السوداء ووضعتها على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً، سبحان الله، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله تعالى ورسوله والائمة الاطهار منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين ازواجكم وأين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن هول المطلع وضغطة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، ومقامع الحديد وهل خير الزاد التقوى؟ اجيبوني
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت غترتي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة ووحشة، ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد.
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياً من هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه .تذكرت ما فعل المصطفى صلى الله عليه وآله عندما توفيت ام امير المؤمنين عليهم السلام
( تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخ أهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون : اذكر الله ياااغاافل لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله هذا ما وعد الله ورسوله والمؤمنون، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلتهم واضعين جنازتي على باب القبر ثم انزلوني الى لحدي
كشفوا الكفن عن وجهي واضعين تربة الحسين عليه السلام مقابلة لوجهي
ثم جذوع النخل سقفا لبيتي الجديد
تخيلت شيخنا يقرأ بعض الابيات والنعي ثم يطلب لي بقرائة الفاتحة على روحي .
تخيلت وهو يلقنني في قبري (( اسمع وافهم هل انت على العهد الذي فارقتنا عليه ....
ثم اهالوا لتراب
و يرشون الماء على قبري،
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً، تذكرت قول الله تعالى: ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم (
نعم صدق الله، تركت الاحباب فارقتالاصدقاء والاموال ، .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكال مخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟ فيقول الآخر: نعم. فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟ فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام .
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين: ما غرك بربك الكريم ؟ ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهي الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلى زوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار، والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخك مجيب.
كنت اردد شيء مما احفظ من دعاء ابي حمزة الثمالي
فمن يكون أسوا حالا مني إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبر لم امهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي ومالي لا ابكي ولا ادري إلى مايكون مصيري وارى نفسي تخادعني وايامي تخاتلني وقد خفقت عند راسي اجنحة الموت فما لي لا ابكي ابكي لخروج نفسي ابكي لظلمة قبري ابكي لضيق لحدي ابكي لسؤال منكر ونكير اياي ابكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري انظر مرة عن يميني واخرى عن شمالي اذ الخلائق في شان غير شاني لكل امرى منهم يومئذا شأن يغنيه
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأني بصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول : ( كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
بكيت ماشاء الله أن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين، مازال هناك وقت للتوبة، استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمت مكسوراً، وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت غترتي وأزلت عنها ما بقى من تراب القبر ، وعدت وأنا أردد : ( عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به )
(((فاتقوا الله عباد الله و بادروا اجالكم باعمالكم و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم و ترحلوا فقد جد بكم و استعدوا للموت فقد اظلكم و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا و علموا ان الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا و لم يترككم سدى و ما بين احدكم و بين الجنة او النار الا الموت ان ينزل به و ان غاية تنقصها اللحظة و تهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة و ان غائبا يحدوه الجديدان الليل و النهار لحري بسرعة الاوبة و ان قادما يقدم بالفوز او الشقوة لمستحق لافضل العدة فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به انفسكم غدا فاتقى عبد ربه نصح نفسه و قدم توبته و غلب شهوته فان اجله مستور عنه و امله خادع له و الشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها و يمنيه التوبة ليسوفها اذا هجمت منيته عليه اغفل ما يكون عنها فيا لها حسرة على كل ذي غفلة ان يكون عمره عليه حجة و ان تؤديه ايامه الى الشقوة نسال الله سبحانه ان يجعلنا و اياكم ممن لا تبطره نعمة و لا تقصر به عن طاعة ربه غاية و لا تحل به بعد الموت ندامة و لا كابة. )))
من خطبة لامير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
اثرت فيَّ كثيرا ..
فجئت بها للفائدة ~
رزقكم الله خير الدنيا والاخرة
ودفع عنكم شر الدنيا والاخرة
بمحمد واله الاطهار ..
نسألكم الدعاء ..
اللهم صل على محمد واله الطاهرين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قصة اتمنى منكم قرائتها .. ففيها عبرة وموعضة ..
نصف ساعة في القبر !!
أي شخص كان قد رآني متسلقاً سور المقبرة في هذه الساعة من الليل، كان سيقول: أكيد مجنون، أو أن لديه مصيبة. ولا سكران والحق أن لديَّ مصيبة، كانت البداية عندما قرأت عن احد المؤمنين أنه كان لديه قبراً في منـزله يرقد فيه وإذا ما رقد فيه حاسب نفسه عن مافعله في يومه وعاتبها وحاسبها ثم ينادى: (رب ارجعون .. رب ارجعون )
ثم يقوم منتفضاً ويقول : ها أنت قد رجعت فماذا أنت فاعل ؟
...
حدث أن فاتتني صلاة الفجر، وهي صلاة من كان يحافظ عليها، ثم فاتـته فسيحس بضيقة شديدة طوال اليوم عند ذلك.
تكرر معي نفس الأمر في اليوم الثاني، فقلت لابد وأن في الأمر شيء، ثم تكررت للمرة الثالثة على التوالي؛ هنا كان لابد من الوقوف مع النفس وقفة حازمة لتأديبها حتى لا تركن لمثل هذه الأمور فتروح بي إلى النار قررت أن أدخل القبر حتى أؤدبها !
ولابد أن ترتدع وأن تعلم أن هذا هو منـزلها ومسكنها إلى ما يشاء الله. وكل يوم أقول لنفسي دع هذا الأمر غداً وجلست أسوف في هذا الأمر حتى فاتـتني صلاة الفجر مرة أخرى.
حينها قلت: كفى . وأقسمت أن يكون الأمر هذه الليلة.
ذهبت بعد منتصف الليل، حتى لا يراني أحد، وتفكرت: هل أدخل من الباب ؟ حينها سأوقظ حارس المقبرة! أو لعله غير موجود! أم أتسور السور ؟
إن أوقظته لعله يقول لي
تعال في الغد، أو حتى يمنعني ، وحينها يضيع قسمي، فقررت أن أتسور السور ..
رفعت ثوبي وتلثمت واستعنت بالله وصعدت، برغم أنني دخلت هذه المقبرة كثيراً كمشيع، إلا أنني أحسست أنني أراها لأول مرة.
ورغم أنها كانت ليلة مقمرة، إلا أنني أكاد أقسم أنني ما رأيت أشد منها سواداً تلك الليلة، كانت ظلمة حالكة، سكون رهيب.
هذا هو صمت القبور بحق، تأملتها كثيراً من أعلى السور، واستـنشقت هوائها، نعم إنها رائحة القبور، أميزها عن ألف رائحة، رائحة الحنوط، رائحة بها طعم الموت الصافي.
وجلست أتفكر للحظات مرت كالسنين ..
إيه أيتها القبور، ما أشد صمتك وما أشد ما تخفينه، ضحك ونعيم، وصراخ وعذاب أليم، ماذا سيقول لي أهلك لو حدثتهم ؟
لعلهم سيقولون وصية امير المؤمنين عليه السلام وفت احتضاره :
( الله الله في الصلاة ).
قررت أن أهبط حتى لا يراني أحد في هذه الحالة، فلو رآني أحد فإما سيقول أنني مجنون وإما أن يقول لديه مصيبة،
هبطت داخل المقبرة، وأحسست حينها برجفة في القلب، والتصقت بالجدار ولا أدري لأحتمي من ماذا؟
عللت ذلك لنفسي بأنه خشية من المرور فوق القبور وانتهاكها، أنا لست جباناً، لكنني شعرت بالخوف حقا !نظرت إلى الناحية الغربيةوالتي بها القبور المفتوحة والتي تنتظر ساكنيها. إنها أشد بقع المقبرة سواداً ، وكأنها تناديني، مشتاقة إليَّ : متى ستكون فيَّ ؟
مشيت محاذراً بين القبور، وكلما تجاوزت قبراً تساءلت أشقي أم سعيد ؟ شقي بسبب ماذا؟ أضيّع الصلاة ؟ أم ماذا
لعل من تجاوزت قبره الآن كان يظن أنه أشد أهل الأرض قوة، وأن شبابه لن يفنى؟ وأنه لن يموت كمن مات قبله؟ أم أنه كان يقول: ما زال في العمر بقية، سبحان من قهر الخلق بالموت .
أبصرت الممر، حتى إذا وصلت إليه، ووضعت قدمي عليه، أسرعت نبضات قلبي فالقبور يميني ويساري، وأنا ارفع نظري إلى الناحية الغربية، ثم بدأت أولى خطواتي، بدت وكأنها دهر، أين سرعة قدمي؟ ما أثقلهما الآن، تمنيت أن تطول المسافة ولا تنتهي ابداً، لأنني أعلم ما ينتظرني هناك.
اعلم، فقد رأيت القبر كثيرا، ولكن هذه المرة مختلفة تماماً أفكار عجيبة، أكاد أسمع همهمة خلف أذني، نعم، أسمع همهمة جليّة، وكأن شخصاً يتنفس خلف أذني، خفت أن أنظر خلفي، خفت أن أرى أشخاصاً يلوحون إليّ من بعيد، هل هم الجن خيالات سوداء تعجب من القادم في هذا الوقت، بالتأكيد أنها وسوسة من الشيطان، فتعوذت منه وصليت على النبي واهل بيته وناديت ياأبا الحسن ياامير المؤمنين
أخيراً، أبصرت القبور المفتوحة، أقسم للمرة الثانية أنني ما رأيت أشد منها وحشة ، كيف أتتني الجرأة حتى أصل بخطواتي إلى هنا ؟ بل كيف سأنزل في هذا القبر ؟ وأي شئ ينتظرني في الأسفل ؟ فكرت بالإكتفاء بالوقوف و أن أصوم ثلاثة أيام تكفيراً لقسمي .
ولكن لا ....
لن أصل إلى هنا ثم أقف، يجب أن أكمل، ولكن لن أنزل إلى القبر مباشرة، بل سأجلس خارجه قليلاً حتى تأنس نفسي. ما أشد ظلمته، وما أشد ضيقه، كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تكون حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة؟ سبحان الله العزيز .
يبدو أن الجو قد إزداد برودة، أم هي قشعريرة في جسدي من هذا المنظر؟ هل هذا صوت الريح ؟ ليس ريحاً، لا أرى ذرة غبار في الهواء، هل هي وسوسة أخرى؟
استعذت بالله من الشيطان الرجيم، وتوكلت على الحي القيوم ثم أنزلت غترتي السوداء ووضعتها على الأرض ثم جلست وقد ضممت ركبتي أمام صدري أتأمل هذا المشهد العجيب، إنه المكان الذي لا مفر منه أبداً، سبحان الله، نسعى لكي نحصل على كل شيء، وهذه هي النهاية: لاشئ .
كم تنازعنا في الدنيا، اغتبنا، تركنا الصلاة، آثرنا الغناء على القرآن، والكارثة أننا نعلم أن هذا مصيرنا، وقد حذّرنا الله تعالى ورسوله والائمة الاطهار منه ورغم ذلك نتجاهل.
أشحت بوجهي ناحية القبور وناديتهم بصوت خافت، وكأني خفت أن يرد عليّ أحدهم: يا أهل القبور ، مالكم ؟ أين أصواتكم ؟ أين أبناؤكم عنكم اليوم ؟ أين أموالكم؟ أين ازواجكم وأين وأين؟ كيف هو الحساب ؟ أخبروني عن هول المطلع وضغطة القبر، أتكسر الأضلاع ؟ أخبروني عن منكر و نكير، ومقامع الحديد وهل خير الزاد التقوى؟ اجيبوني
قمت وتوكلت على الله، ونزلت برجلي اليمين، وافترشت غترتي، ووضعت رأسي وأنا أفكر، ماذا لو انهال عليَّ التراب فجأة ؟ ماذا لو ضُم القبر عليَّ مرة واحدة؟
نمت على ظهري وأغلقت عينيَّ حتى تهدأ ضربات قلبي، حتى تخف هذه الرجفة التي في الجسد، ما أشده من موقف وأنا حي . فكيف سيكون عند الموت ؟
فكرت أن أنظر إلى اللحد، هو بجانبي، والله لا أعلم شيئاً أشد منه ظلمة ووحشة، ياللعجب! رغم أنه مسدود من الداخل إلا أنني أشعر بتيار من الهواء البارد يأتي منه! فهل هو هواء بارد أم هي برودة الخوف ؟ خفت أن أنظر إليه فأرى عينان تلمعان في الظلام وتنظران إليَّ بقسوة. أو أن أرى وجهاً شاحباً لرجل تكسوه علامات الموت ناظراً إلى الأعلى متجاهلني تماماً، حينها قررت أن لا أنظر إلى اللحد.
ليس بي من الشجاعه أن أخاطر وأرى أياً من هذه المناظر رغم علمي أن اللحد خالياً، ولكن تكفي هذه المخاوف حتى أمتنع تماماً عن النظر إليه .تذكرت ما فعل المصطفى صلى الله عليه وآله عندما توفيت ام امير المؤمنين عليهم السلام
( تخيلت جسدي عند نزول الموت يرتجف بقوة وأنا أرفع يدي محاولاً إرجاع روحي. وتخيلت صراخ أهلي عالياً من حولي : أين الطبيب؟ أين الطبيب ؟
( فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين )
تخيلت الأصحاب يحملونني ويقولون : اذكر الله ياااغاافل لا اله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله هذا ما وعد الله ورسوله والمؤمنون، تخيلتهم يمشون بي سريعاً إلى القبر، وتخيلتهم واضعين جنازتي على باب القبر ثم انزلوني الى لحدي
كشفوا الكفن عن وجهي واضعين تربة الحسين عليه السلام مقابلة لوجهي
ثم جذوع النخل سقفا لبيتي الجديد
تخيلت شيخنا يقرأ بعض الابيات والنعي ثم يطلب لي بقرائة الفاتحة على روحي .
تخيلت وهو يلقنني في قبري (( اسمع وافهم هل انت على العهد الذي فارقتنا عليه ....
ثم اهالوا لتراب
و يرشون الماء على قبري،
ثم رحلوا، وتركوني فرداً وحيداً، تذكرت قول الله تعالى: ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة، وتركتم ما خوّلناكم وراء ظهوركم (
نعم صدق الله، تركت الاحباب فارقتالاصدقاء والاموال ، .تخيّلت كأن ملائكة العذاب حين رأوا النعش قادماً، ظهروا بأصوات مفزعة، وأشكال مخيفة، ينادي بعضهم بعضاً: أهو العبد العاصي؟ فيقول الآخر: نعم. فيقال: أمشيع متروك أم محمول ليس له مفر؟ فيجيبه الآخر: بل محمول إلينا ليس له مفر. فينادى : هلموا إليه حتى يعلم أن الله عزيز ذو انتقام .
رأيتهم يمسكون بكتفي ويهزونني بعنف قائلين: ما غرك بربك الكريم ؟ ما غرك بربك الكريم حتى تنام عن الفريضة .. ما الذي خدعك حتى عصيت الواحد القهار؟ أهي الدنيا؟ أما كنت تعلم أنها دار فناء؟ وقد فنيت! أهي الشهوات؟ أما تعلم أنها إلى زوال؟ وقد زالت! أم هو الشيطان؟ أما علمت أنه لك عدو مبين؟ أمثلك يعصى الجبار، والرعد يسبح بحمده والملائكة من خيفته، لا نجاة لك منَّا اليوم، اصرخ ليس لصراخك مجيب.
كنت اردد شيء مما احفظ من دعاء ابي حمزة الثمالي
فمن يكون أسوا حالا مني إن أنا نقلت على مثل حالي إلى قبر لم امهده لرقدتي ولم أفرشه بالعمل الصالح لضجعتي ومالي لا ابكي ولا ادري إلى مايكون مصيري وارى نفسي تخادعني وايامي تخاتلني وقد خفقت عند راسي اجنحة الموت فما لي لا ابكي ابكي لخروج نفسي ابكي لظلمة قبري ابكي لضيق لحدي ابكي لسؤال منكر ونكير اياي ابكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري انظر مرة عن يميني واخرى عن شمالي اذ الخلائق في شان غير شاني لكل امرى منهم يومئذا شأن يغنيه
فجلست اصرخ رب ارجعون، رب ارجعون. وكأني بصوت يهز القبر والفضاء، يملأني يئساً يقول : ( كلاّ إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )
بكيت ماشاء الله أن أبكي، ثم قلت: الحمدلله رب العالمين، مازال هناك وقت للتوبة، استغفر الله العظيم وأتوب إليه ثم قمت مكسوراً، وقد عرفت قدري، وبان لي ضعفي، أخذت غترتي وأزلت عنها ما بقى من تراب القبر ، وعدت وأنا أردد : ( عش ما شئت فإنك ميت ، و أحبب من شئت فإنك مفارقه، و اعمل ما شئت فإنك مجزي به )
(((فاتقوا الله عباد الله و بادروا اجالكم باعمالكم و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم و ترحلوا فقد جد بكم و استعدوا للموت فقد اظلكم و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا و علموا ان الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا فان الله سبحانه لم يخلقكم عبثا و لم يترككم سدى و ما بين احدكم و بين الجنة او النار الا الموت ان ينزل به و ان غاية تنقصها اللحظة و تهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة و ان غائبا يحدوه الجديدان الليل و النهار لحري بسرعة الاوبة و ان قادما يقدم بالفوز او الشقوة لمستحق لافضل العدة فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به انفسكم غدا فاتقى عبد ربه نصح نفسه و قدم توبته و غلب شهوته فان اجله مستور عنه و امله خادع له و الشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها و يمنيه التوبة ليسوفها اذا هجمت منيته عليه اغفل ما يكون عنها فيا لها حسرة على كل ذي غفلة ان يكون عمره عليه حجة و ان تؤديه ايامه الى الشقوة نسال الله سبحانه ان يجعلنا و اياكم ممن لا تبطره نعمة و لا تقصر به عن طاعة ربه غاية و لا تحل به بعد الموت ندامة و لا كابة. )))
من خطبة لامير المؤمنين عليه الصلاة والسلام
اثرت فيَّ كثيرا ..
فجئت بها للفائدة ~
رزقكم الله خير الدنيا والاخرة
ودفع عنكم شر الدنيا والاخرة
بمحمد واله الاطهار ..
نسألكم الدعاء ..