المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المواجهة غير المباشِرة تسنِد خيار الدبلوماسية الامريكية مع إيران


خادم شيخ الشريعة
21-07-2009, 04:02 AM
http://www.annabaa.org/nbanews/2009/07/Images/150.jpg
مع تصاعد وتيرة الخلافات بين واشنطن وطهران حول عديد من القضايا، لاسيما البرنامج النووي الإيراني، ودعم طهران لحزب الله وحماس، يتزايد الجدل بين الأوساط السياسية والبحثية الأمريكية حول النهج الأمثل الذي يجب أن تتبعه الولايات المتحدة مع طهران.
وفي هذا الإطار أصدرَ مركز سابان لدراسة الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز، دراسة بعنوان" أي الطرُق إلى فارس؟ خيارات للاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران. شارك في إعدادها ستة خبراء من المعهد، هم: كينيث بولاك، دانيال بايمان، مارتن إنديك، سوزان مالونى، مايكل أوهانلون، وبروس رايدل. بحسب موقع تقرير واشنطن.
تأتي الدراسة كمحاولة لتفسير كافة الخيارات المتاحة أمام واشنطن تجاه طهران. فتحلل أربعة خيارات رئيسة. هي: السبل الدبلوماسية، القوة العسكرية، تغير النظام، والاحتواء. وسوف يتم التركيز في هذا المقال على الأداتين الدبلوماسية والعسكرية فقط، بينما يركز مقالنا الثاني على الأداتين الباقيتين.
أمريكا ودبلوماسية الإقناع
برز دور الدبلوماسية في السياسة الخارجية الأمريكية بوصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما للبيت الأبيض في أوائل العام الجاري محضرًا معه رياح التغير في أسلوب العمل وأدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية. فقد أعلن منذ اللحظة الأولى أن الولايات المتحدة سوف تعتمد في عهده على المنهج الدبلوماسي القائم على التحاور والتفاهم حتى مع خصومها لاسيما النظام الإيراني وحركة طالبان سواء في أفغانستان أو باكستان. وفى هذا السياق أشارت الدراسة إلى الإقناع باعتباره أحد أهم وسائل تطبيق هذا المنهج الجديد للولايات المتحدة حيال طهران.
وفي إطار الحديث عن الإقناع كأحد المكونات الرئيسة للاستراتيجية الدبلوماسية، تشير الدراسة إلى الإقناع باعتباره عملية يقصد بها إقناع طهران بالتخلي عن سياستها العدائية تجاه الموضوعات التي تمس المصالح الأمريكية وليس تغير النظام الإيراني، وتتم تلك العملية من خلال أحد الأمرين؛ الأول: تقديم حوافز لطهران في حالة انصياعها للمطالب الأمريكية أي إن تقديم الحوافز مرهون بتقديم تنازلات. أما الأمر الثاني؛ فيتمثل في معاقبة طهران بفرض مزيد من العقوبات عليها في حالة تعنتها ومناهضتها للمطالب الغربية لاسيما الأمريكية.
كما تؤكد الدراسة على أن الولايات المتحدة تسعى عبر أداة الإقناع إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة. هي: (1) إقصاء طهران عن الاستمرار في برنامجها النووي وهو الأمر الذي يحتل المرتبة الأولى من حيث الأهمية في الأهداف الأمريكية باعتبار أن امتلاك طهران لبرنامج نووي عسكري يمثل تهديدًا جديًّا للأمن القومي ليس الأمريكي والإسرائيلي فحسب بل سوف يمتد أثره لكافة دول العالم. (2) التوقف عن دعم "الجماعات الإرهابية" حسب المسمى الأمريكي. (3) توقف الأنشطة الانقلابية الأخرى التي تعرقل عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية.
مقاومات نجاح الإقناع
ومن أجل ضمان نجاح عملية الإقناع في تحقيق الأهداف المرجوة منها لابد من الوصول إلى اتفاق حول شكل وماهية الحوافز التي من الممكن أن يقدمها المجتمع الدولي لطهران فور انصياعها لرغباته. وتأخذ تلك حوافز وفقًا للدراسة أربع صور رئيسة، هي كالتالي:
أولاً: تتمثل في إمكانية تقديم المجتمع الدولي دعم لإيران لإنشاء مفاعلات نووية تعمل بالماء الخفيفLight water reactor والتي تستخدم في توليد الطاقة النووية للأغراض السلمية والتي يصعب تحويلها للاستخدامات العسكرية. كما أنه يسهل مراقبتها من قبل الجهات المختصة لاسيما الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فضلاً عن إدماجها في برنامج عالمي لتطوير التكنولوجيا النووية، ذلك على اعتبار دعوات طهران المستمرة في حقها لتوليد الطاقة النووية السلمية وليس للأغراض العسكرية.
ثانيًا: تعبر المساعدات والحوافز الاقتصادية أحد أبرز وسائل الإقناع بخاصة مع هشاشة الاقتصاد الإيراني الذي عانى طويلاً من تداعيات العقوبات والضغوط الدولية، ويمكن أن تأخذ تلك المساعدات عدة صور لعل أبرزها؛ (1) تقديم دعم مالي لطهران من المؤسسات المالية الدولية لاسيما البنك الدولي، (2) رفع كافة أشكال العقوبات الاقتصادية سواء - أكانت عقوبات جماعية أو دولية أو حتى الفردية - وخاصة تلك العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة، (3) القيام بتسوية شاملة لكافة الموضوعات العالقة بين إيران والولايات المتحدة على سبيل المثال وليس الحصر مسألة تجميد الأصول الإيرانية في العالم، (4) رفع الديون عن النظام الإيراني، (5) زيادة مستوى التبادل التجاري والاستثمارات بين إيران والمجتمع الدولي، ويتزامن ذلك مع رفع مستوى الضمانات للأموال التي يتم استثمارها في إيران، (6) تقديم مساعدات لإيران في شتى المجالات لاسيما الزراعية، التعليمة، ودعم مشروعات البنية التحية والبيئية.
وفي السياق ذاته، تؤكد الدراسة على أن مسألة رفع العقوبات لاسيما الأمريكية عن طهران تمثل حجر الزاوية والأساس التي من الممكن أن تسهم بشكل كبير في صياغة عملية تسوية شاملة وذلك على اعتبار وجود رغبة حقيقة لدى النظام الإيراني في ذلك.
ثالثًا: بما أن الدول الغربية ترى أن البرنامج النووي الإيراني له أغراض عسكرية ويهدف لإنتاج أسلحة نووية فيمكن للمجتمع الدولي أن يقوم بتقديم ضمانات أمنية Security Guarantees لطهران ونظامها، مثل تعهد الولايات المتحدة بعدم توجيه ضربة ضد إيران في شكل قرار مثل قرار الرئيس جون كيندي بعدم توجيه ضربة عسكرية لكوبا إبان أزمة الصواريخ الكوبية.
رابعًا: على المجتمع الدولي استغلال الرغبة الإيرانية الجامحة نحو القيام بدور قيادي أكبر في منطقة الشرق الأوسط وإعطائها فرصة القيام بذلك في مقابل تخلي طهران عن برنامجها النووي العسكري والتوقف عن دعم الحركات الانقلابية في المنطقة، هذا ما أطلقت عليه الدراسة الحوافز السياسيةPolitical incentives.
الإقناع بين التأييد والمعارضة
أثار الحديث عن السبل الدبلوماسية كأحد الخيارات الأمريكية تجاه طهران خلافًا بين جمهور السياسيين والخبراء حيث انقسموا إلى فريقين أحدهما يؤيد السبل الدبلوماسية لاسيما الإقناع بشدة والآخر رافض للدبلوماسية رفضًا مطلقًا، يستند كل منهم إلى أسانيده وقناعته الخاصة.
فيسوق الفريق المؤيد لاستراتيجية الإقناع عدة أسانيد، لعل أبرزها ما يلي:
أولاً: إن استراتيجية استخدام الحوافز سواء - أكانت إيجابية أم سلبية - كان لها أثرها، ولعل أبرز تجليات ذلك أنه منذ عام 2003 وحتى عام 2007 قد أثير جدل داخل النخبة الإيرانية حول إمكانية التحاور بشأن البرنامج النووي الإيراني من أجل تجنب مزيدٍ من العقوبات من جانب المجتمع الدولي، وذلك في ظل الوهن الذي أصاب الاقتصاد الإيراني في الآونة الأخيرة.
ثانيًا: دعم حلفاء واشنطن لأسلوب الإقناع والحوافز تجاه طهران على اعتبار أنه يمثل السياق الذي من الممكن أن يحقق الأمن الدولي وقد بدا ذلك جليًّا في مفاوضات الدول الأوروبية لاسيما الترويكا الأوروبية مع طهران بشأن التخلي والتنازل عن البعد العسكري للبرنامج النووي الإيراني وفقًا لوجهة نظرهم.
ثالثًا: إنه على الرغم من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تُعاني منها غالبية دول العالم حتى أكثر الدول ثراءً مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية فإن تكلفة الحوافز الاقتصادية التي سوف تقدم لطهران سوف تكون أقل بكثير من تداعيات تفاقم الأوضاع بين طهران والمجتمع الدولي.
رابعًا: كما تعتبر أداة الإقناع هي الأمثل بالنسبة للدول التي تخشى حدوث مواجهة عسكرية بين طهران وواشنطن، على اعتبار أن طهران لا يمكن أن تلجأ للقوة العسكرية لمواجهة العقوبات المفروضة حاليًّا عليها أو التي سوف تفرض في المستقبل.
بينما يعول الرافضون على عدة أسباب، هي كالتالي:
اولاً: إن إنجاح عملية الإقناع سوف يتطلب التوصل إلى حلول وسط مع إيران مما يعني تقديم الولايات المتحدة لعدد من التنازلات من أجل ضمان تحقيق الأمن الدولي على حساب المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وهو ما قد وصفه المعارضون بأنه ما قد يمثل نوعًا من الخيانة للمبادئ والمصالح الأمريكية.
ثانيًا: إن الساسة الإيرانيين يعتمدون بالأساس على نظام المراوغة ولا يقدمون إجابات واضحة سواء بالقبول أو بالرفض للعروض التي تقدم إليهم، بل يسعون دائمًا للضغط للحصول على أكبر مكاسب ممكنة عن طريق المماطلة.
ثالثًا: في حالة فشل أسلوب الإقناع لفترة زمنية طويلة وكنتيجة لمهارة المسئولين الإيرانيين في إطالة فترة المفاوضات يمكن لإيران تقوية أنظمتها الدفاعية وهو ما قد يهدد فرص نجاح أسلوب استخدام القوة العسكرية أو أسلوب قلب النظام في حالة اضطرار الولايات المتحدة اللجوء إليهما.
القوة كخيار أمريكي
أما عن الاستراتيجية الثانية التي يمكن للولايات المتحدة انتهاجها إزاء إيران وما تمثله من خطر داهم على المصالح الأمريكية وفقًا للدراسة فهي استخدام القوة العسكرية، بحيث يستعبد أنصار هذا الاتجاه أي رغبة لدى إيران للتعاون مع المجتمع الدولي لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فيؤكدون على ضرورة انتهاج السبل العسكرية باعتبارها الأكثر ملائمة مع إيران. وفى هذا السياق تشير الدراسة إلى وجود ثلاث صور رئيسة لاستخدام القوة العسكرية، هي كالتالي:
الأولى: القيام بغزو شامل للأراضي الإيرانية مثل ما حدث مع أفغانستان والعراق، والحقيقة أن هذا الخيار لا يلقى قدرًا كبير من التأييد من جانب كثيرٍ من الأمريكيين على اعتبار أنه سوف يتطلب توفير عدد هائل من القوات المسلحة والحرس الوطني، فضلاً عن أن الغزو الشامل هو أمر محفوف بالمخاطر التي تفوق أهداف الولايات المتحدة منه.
أما عن أهداف الغزو فتؤكد الدراسة على أنها سوف تتمحور حول الإطاحة بالحكومة الإيرانية المناوئة للمصالح الأمريكية والقضاء على القوة العسكرية الإيرانية التي تساند النظام. وعلى الصعيد الزمني تشير الدراسة أن فكرة الغزو من الناحية النظرية تحتاج فترة زمنية قليلة لاتخاذ القرار بالغزو لكن من الناحية العملية فإنها تحتاج لشهور طويلة من الإعداد قبل الشروع فيها.
الثانية: القصف الجوى للمواقع الإيرانية لاسيما النووية منها لعل أبرزها ؛ مفاعل بوشهرBushehr البحثي، مفاعل الأراك Arak الذي يعمل بالماء الثقيل ومنشآت البلوتونيوم المرفقة به، موقع ناتانز Natanz لتخصيب اليورانيوم، مركز أصفهان Esfahanللتكنولوجيا النووية، موقع بارشينParchin لتطوير الأسلحة النووية، ومركزا كاراجKaraj وطهران Tehran للأبحاث النووية، ذلك بالإضافة إلى أي موقع يحتوي على أجهزة الطرد المركزية إذا استطاعت الولايات المتحدة اكتشافها.
ولعل أبرز النقاط الإيجابية في هذا النهج أن سلاح الطيران الأمريكي قادر على تحقيق نتائج على درجة كبيرة من الدقة لاسيما فيما يتعلق بموقعي بوشهر والأراك. علمًا بأن أبرز سلبياته أنه لن يقضي كلية على البرنامج النووي الإيراني إنما سوف يعرقله لفترة زمنية قصيرة وسوف تستطيع بعدها طهران إعادة بنائه.
الثالثة: تشجيع ودعم إسرائيل للقيام بضربة عسكرية ضد إيران ذلك على اعتبار أن إسرائيل وإيران يمثلان خصمًا قويًّا في المنطقة فضلاً عن التصريحات العدائية والمتبادلة بينهما لاسيما مع وصول الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى السلطة حيث صرح بأن إيران تستطيع محو إسرائيل من خارطة المنطقة، كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت على أن إسرائيل لن تسمح بأي حال من الأحوال بامتلاك دولة مثل إيران للسلاح النووي والتي أعلنت أكثر من مرة وبصورة واضحة عن رغبتها في تدمير إسرائيل. والحقيقة أن استشعار إسرائيل للخطر الإيراني ليس وليد اللحظة الراهنة بل يرجع إلى أوائل التسعينات من القرن المنصرم، حيث أشار إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابيين عام 1992 بعد انتخابه في أول زيارة له للولايات المتحدة الأمريكية.
وفى إطار تحديد الأهداف الرئيسة للضربة الإسرائيلية المحتملة لإيران والمدعومة أمريكيًّا، تؤكد الدراسة على أن تدمير المنشآت والمواقع النووية الإيرانية سوف تكون هي الهدف الرئيس لها وذلك بغية حرمانها من الحصول على الأسلحة النووية التي تسعى طهران للحصول عليها وتطويرها. كما تجدر الإشارة إلى أن توقيت الضربة في حالة تقديم دعم أمريكي لإسرائيل سوف يكون أسرع مما نتوقع وأسرع من أي عملية أمريكية سابقة.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن إسرائيل سوف تواجه عدة عقبات حال اتخاذها قرار استخدام القوة ضد إيران لعل أبرزها؛ أن إسرائيل لا تملك حاملة طائرات في المنطقة مما يعني أن سلاح الطيران الإسرائيلي لابد أن ينطلق من إسرائيل مباشرة تجاه طهران، كما أنها لا تملك قاذفات طويلة المدى من طرازB1 أو B2 ولا أساطيل ضخمة للتزويد بالوقود في المنطقة. وبالتالي فإن إسرائيل عليها العبور عبر المجال الجوى لمجموعة من الدول أبرزها تركيا، سوريا، الأردن، المملكة العربية السعودية، والعراق، مما يثير إشكاليتين أساسيتين؛ الأولى: أن الطائرات الإسرائيلية عليها بمفاجئة تلك الدول حتى لا تستطيع نظم دفاعاتها الجوية التعرض لها، الثانية: أن على إسرائيل توجيه موجة واحدة فقط من القاذفات ضد إيران على اعتبار أن الثانية بطبيعة الحال سوف يتم رصدها من قبل الدفاعات الجوية لتلك الدول سالفة البيان وهو ما يزيد من صعوبة العملية الإسرائيلية.
ولعل أهم ما يميز هذا الأسلوب بالنسبة للولايات المتحدة أن المجتمع الدولي لن يستطع تحميل واشنطن مسئولية ما تقوم به إسرائيل، وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفها وهو التخلص من البرنامج النووي الإيراني أو على الأقل تعطليه دون أن تقحم نفسها في معركة جديدة ليست في حاجة إليها ولا على استعداد لها الآن.
أما على الصعيد العملي فإن الضربة الجوية الإسرائيلية سوف تكون أضعف من مثيلتها الأمريكية مما قد لا يؤثر بشكل كبير على البرنامج النووي الإيراني ومما يخول إيران الفرصة لتطوير الأسلحة النووية التي تسعى للحصول عليها.
خيار إسقاط نظام طهران
ترصد الدراسة عدم اقتناع كثيرون داخل الولايات المتحدة بكل من السبل الدبلوماسية والأدوات العسكرية في التعامل مع طهران وذلك استنادًا على عدم ثقتهم في إمكانية إقناع طهران حتى لو قدمت الولايات المتحدة وحلفاؤها حوافز ضخمة لها أو حتى كثفت من عقوباتها، فضلاً عن اقتناعهم بعدم جدوى الضربة العسكرية في تحقيق أهدافها المرجوة المتمثلة في القضاء على البرنامج النووي الإيراني بل على العكس من ذلك سوف تزيد من قوة وشرعية النظام الإيراني في حالة قدرة على إجهاضها.
ولهذا فإن إسقاط النظام الإسلامي في طهران هو الحل الأمثل لحماية المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تملك الولايات المتحدة قناعة بأن النظام الإيراني في حد ذاته وليس سلوكه فقط هو الذي يمثل الخطر الحقيقي للأمن الأمريكي، كما يرى هذا الاتجاه أن النظام حتى وإن أبرم أي اتفاق مع الولايات المتحدة فإنه لن يلتزم به وسوف يستمر في تقويض المصالح الأمريكية في المنطقة على اعتبار أن حالة عدم التوافق بين الجانبين لا تزال قائمة .
وتأسيسًا على ذلك، تؤكد الدراسة على أن إسقاط النظام يمكن أن يتم عبر ثلاث وسائل أساسية يمكن أن نجملها في الآتي: دعم الانتفاضات والثورات الشعبية والمخملية، مساعدة الأقليات والجماعات المعارضة للنظام، والمساندة والتخطيط إلى انقلاب عسكري ضد النظام القائم حاليًّا.
دعم الثورات المخملية من منظور أمريكي
وعلى غرار الثورات المخملية والملونة التي اندلعت في دول أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم والتي أطاحت بعديدٍ من الحكومات في النظم الشيوعية آنذاك، تؤكد الدراسة على إمكانية دعم الولايات المتحدة للحركات الشعبية في إيران مستغلة في ذلك عدة عوامل تتعلق بسلوك النظام الإيراني الحالي وكيفية تعامله مع القضايا الداخلية المختلفة، بحيث يأتي في مقدمتها، انخفاض شعبية النظام نتيجة سوء إدارة الاقتصاد وعدم قدرة على مكافحة الكسب غير المشروع، وتضاؤل الشرعية الدينية للنظام الناتج عن رفض عدد من أقطاب النظام فكرة "ولاية الفقيه" التي تمثل الأساس الذي يستمد منه النظام شرعيته.
كما تؤكد الدراسة على أن الهدف الرئيس من وراء هذا الدعم يتمثل في الإطاحة بالنظام الحالي ذات المواقف المناوئة للولايات المتحدة المتمثلة في السعي لامتلاك أسلحة نووية ودعم الحركات الانقلابية التي تعرقل عملية السلام في إشارة إلى حركة حماس وحزب الله واستبداله بآخر يتفق إلى حد كبير مع المصالح الأمريكية دون اللجوء لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية. أما بالنسبة للنطاق الزمني للتخطيط الثوري فتشير الدراسة إلى أن إحداث ثورة في إيران من أصعب الأمور نتيجة قيام الحرس الثوري الإيراني بقمع أي انتفاضه شعبية، وبالتالي فإنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل التنبوء بمدى زمني لها.
لعل أحد الإشكاليات التي تواجه تلك السياسة هي إيجاد شركاء محليين على اعتبار أن تحدي نظام سلطوي مثل النظام الإيراني من قبل جماعات داخلية سوف يتبعه تداعيات وخيمة لا تتوقف فقط عن الاعتقال للثوار أنفسهم بل سوف تمتد آثاره إلى عائلاتهم، كما أن النظام الإيراني يعمل بصورة منظمة كوحدة واحدة مما يزيد من قوته في مواجهة معارضيه تتسم بقدر كبير من التفكك مما يسهم بشكل ملحوظ في إضعاف قوتها. إلا أن الأمل لا يزال قائمًا في عدة جماعات تأتى في مقدمتها التيار الإصلاحي الذي يعتبر قاطرة التغيير المنتظر حيث نادوا منذ بداية التسعينيات بضرورة إحلال النظام الإسلامي بنظام علماني يقوم على الديمقراطية. كما أكدت الدراسة على أن للمثقفين دورًا كبيرًا في إضعاف مصداقية وشرعية النظام. هذا بالإضافة إلى الطلاب والعمال ومنظمات المجتمع المدني والتي تمثل القوام الرئيس لأي ثورة شعبية.
مساندة الأقليات والمعارضة
تعتمد تلك الاستراتيجية على قيام الولايات المتحدة بدعم الأقليات العرقية التي خاضت حرب شرسة مع النظام الإيراني منذ اندلاع الثورة الإسلامية لاسيما الأكراد والعرب حيث إن تحالف تلك الجماعات مع مثلهم من الفرس غير الراضين عن النظام، أمثال المجلس القومي للمقاومة الإيرانية National Council Of Resistance of Iran وجناحها العسكري، وجماعة مجاهدي خلق، سوف يمثلون عنصرًا بالغ الخطورة على استقرار النظام السياسي الإيراني.
أما على صعيد أهداف مساندة الأقليات والمعارضة، تشير الدراسة إلى وجود هدفين رئيسين، يشترك الهدف الأول مع الهدف من استراتيجية دعم الثورات المخملية وهي إسقاط نظام طهران المعادى للولايات المتحدة، أما الثاني فيتمثل في أنه في حالة فشل تغيير النظام فإن التمرد والمعارضة قد يستطيعون وضع مزيدٍ من الضغوط على النظام القائم للقيام ببعض الأعمال كتوقف عن دعم حماس وحزب الله وحركة طالبان. وفى هذا السياق تؤكد الدراسة على أن الهدف الثاني يعتبر هو الهدف الأهم والأقرب إلى الواقع العملي الملموس من تغيير النظام.
وفي إطار الحديث عن النطاق الزمني لدعم التمرد، تشير الدراسة إلى أن مسألة تغذية التمردات الداخلية بصفة عامة تحتاج فترة زمنية ليست بالقصيرة وذلك لأسباب تتعلق بالتنظيم واختيار القادة واكتساب الخبرات اللازمة للتعامل مع المواقف المختلفة، إلا أن طول تلك الفترة في الحالة الإيرانية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالهدف المراد تحقيقه، حيث تؤكد الدراسة أنه إذا كان الهدف هو فرض ضغوط على النظام فقط دون تغييره فإن سرعة تحقيقه قد تكون عالية، أما إذا كان على العكس فإن الفترة الزمنية قد تطول نتيجة ارتباطه بالدعم العسكري الخارجي والذي يحتاج لفترة زمنية طويلة نسبيًّا حتى يتم تحديده ماهيته وتوقيته.
الولايات المتحدة واستراتيجية دعم الانقلابات العسكرية
مع تضاؤل فرص إمكانية تحريك الشعب تجاه النظام الإيراني وبطء نتائج دعم حركات التمرد، تؤكد الدراسة على ميل كثير من الأمريكيين إلى فكرة تشجيع ودعم الانقلاب العسكري ضد النظام القائم بهدف إحلاله بآخر يتفق ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، ذلك على اعتبار أن المؤسسة العسكرية تملك الأدوات الأصيلة لعزل الحكومة، والتي لا تملكها الجماعات المتمردة الأخرى. إلا أنه على الرغم من ذلك فإنه مسألة الانقلاب العسكري في إيران تواجه مصاعب جمة لعل أبرزها؛ ما يمكن أن نطلق عليه "عملية تسييس الجيش" وإعطائه دورًا أكبر على الساحة الإيرانية مما يقلل من فرص سعيه لإحداث انقلاب باعتباره أحد أكبر المستفيدين من بقاء الوضع كما هو، ذلك فضلاً عن وجود جهاز استخباراتي أمني صارم لمراقبة أفراد القوات المسلحة الإيرانية سواء أكان تابعًا للجيش أم للحرس الثوري على حد سواء.
فيما بتعلق بالسياق الزمني للانقلاب، تشير الدراسة إلى أن تحديد توقيت الانقلاب من قبل الولايات المتحدة هو أمر تواجهه صعوبات جمة وذلك لسببين رئيسين؛ الأول: أنه من المستحيل تحديد توقيت الاتصال مع منظمي الانقلاب بخاصة مع عدم تواجد بعثة دبلوماسية أمريكية في إيران، أما الثاني: فيتمثل في أن تحديد توقيت الانقلاب في أغلب الأحيان يتم من قبل منظمي الانقلاب أنفسهم وليس أطراف خارجية على اعتبار أنهم هم الأكثر دراية باللحظة المناسبة للقيام بانقلابهم.
استراتيجية إسقاط النظام بين المميزات والعيوب
كما أكدت الدراسة على أنه على الرغم من وجود عدة مميزات لفكرة إسقاط النظام الإيراني بأساليبها الثلاثة سالفة البيان، إلا أنها لا يزال يشوبها كثير من العيوب، وفى هذا السياق يمكن أن نجمل أهم مميزاتها في الآتي:
أولاً: إنها على الأقل ــ على المستوى النظري ــ تحقق أكبر قدر من المصلحة للولايات المتحدة بأقل تكاليف ممكنة وأنه في حالة نجاحها سوف تخلصها من ألد أعدائها وتستبدله بنظام آخر أكثر ديمقراطية يحمي المصالح الأمريكية في المنطقة أو على الأقل لا يهددها.
ثانيًا: إنها استراتيجية مكونة من ثلاثة عناصر ففي حال فشل دعم الثورات الشعبية أو المخملية يمكن الاعتماد على الأسلوب الثاني الذي يعتمد على دعم ومساندة الأقليات وفي حال فشلها يمكن اللجوء إلى تدعيم الانقلابات العسكرية.
ثالثًا: إنه حتى في أسوأ الأحوال في حالة فشلها في تغيير النظام فإنها سوف تخلق حركة تمردية والتي سوف تسهم في وضع مزيدٍ من الضغوط على النظام القائم مما يسهم بشكل أو بآخر في تحقيق الأهداف والمصالح الاستراتيجية الأمريكية.
رابعًا: إن الولايات المتحدة تملك خبرة طويلة في دعم حركات التمرد وبالتالي فإن فرص النجاح سوف تكون متزايدة إذا ما قورنت بالوسائل والاستراتيجيات الأخرى.
خامسًا: إن مدبري التمرد في حالة نجاح تمردهم سوف يشعرون بالامتنان للولايات المتحدة، مما يعطي مؤشرًا جيدًّا بتدشين مرحلة جديدة من التعاون بين النظام الناشئ وبين واشنطن.
أما عن عيوب استراتيجية إسقاط النظام فتجملها الدراسة فيما يلي:
أولاً: إنه على الرغم من أن النظام الإيراني يُعاني من كثير من أوجه القصور إلا أنه لا يزال قويًّا وراسخًا، وبالتالي فيشكك كثير من المحللين مثل سوزان مالونىSuzanne Maloney في جدوى الفكرة في حد ذاتها.
ثانيًا: إن نتائج الإطاحة بالنظام سوف تكون أقل مما تتوقع الولايات المتحدة، وفى هذا السياق استشهدت الدراسة بمقولة ريتشارد هاسRichard Hass وهى أنه على الرغم من الإطاحة بالنظام يعد من أصعب الأمور، إلا أن الأكثر صعوبة هو استبدال النظام القائم بحكومة أخرى موالية وتخدم مصالح الولايات المتحدة.
ثالثًا: إن النظام الإيراني لن يستسلم بسهولة بل على العكس من ذلك فسيدخل في معارك دامية مع مدبري التمرد الأمر الذي سوف يوقع كثيرًا من الخسائر في الأرواح والممتلكات، فضلاً عن إمكانية زيادة أعداد المعتقلين مما يسهم بشكل أو بآخر في خلق حالة من عدم الاستقرار.
رابعًا: صعوبة إيجاد أو بناء حركة تمردية موحدة تستطيع مواجهة النظام في ظل حالة التشرذم التي تعاني منها الجماعات المعارضة من جانب، وقوة ووحدة النظام الإيراني في مواجهة مختلف الأخطار الخارجية.

al-baghdady
21-07-2009, 11:13 PM
مصدر الموضوع مهم
وعليك الألتزام بقوانيين المنتدى
موضوعان في اليوم فقط
للغلق
البغدادي