الوعي الثقافي
22-07-2009, 07:14 AM
قراءة في التشيع لهاينز هالم
عرض ونقد وتحليل علاء الخطيب/ هولندا
http://www.altwafoq.net/v2/uploader/pics/1203316236.jpg
في مطلع عقد الثمانينات من القرن المنصرم ما انفك الباحثون الغربيون ومراكز الدراسات الاستراتيجية ومعاهد البحث المختصة بالدراسات العربية والإسلامية من الاهتمام وتسليط الضوء على التشيع كظاهرة سياسية وعقائدية وثقافية ونشطوا لمعرفة أدق التفاصيل عن التاريخ الشيعي من حيث الجذور التاريخية ومرحلة التأصيل وربط كل ذلك بالتجربة الحاضرة للمسلمين الشيعة اليوم. لم يعد الشيعة اليوم تلك المجموعة المهمشة المعارضة على الدوام للظلم والأضطهاد بعد نجاح الثورة الاسلامية في إيران وانتصارات حزب الله على الاسرائيليين وسقوط النظام الدكتاتوري في العراق, بل أصبح لها كيانها ودولها وأصبحت مفرداتها الثقافية متداولة في الأعلام العالمي , فكان من الطبيعي أن يعكف الباحثون على دراسة هذا الثقل المهم من المجتمع الإسلامي . فصدرت الدراسات والكتب الكثيرة التي تحدث عن التشيع سواء من المسلمين أو من غيرهم .
ان البروفيسور هاينز هالم صاحب كتاب ( التشيع ) هو أحد الباحثين والمستشرقين الألمان في مجال الدراسات الإسلامية وعلى وجه الخصوص الدراسات الشيعية فله مؤلفات عديدة في هذا المضمارمثل ( الفاطميون وتقاليدهم في التعليم ) و( الاسماعيلية ) و(الغنصوية في الاسلام) وكتاب (التشيع ) الذي ألفه سنة 1987م باللغة الالمانية وترجمته الى اللغة الانكليزية السيدة جانيت واطسون وطبع في اسكتلندا في دار أدنبرة.
لا يخلو هذا الكتاب الصغير نسبيا ً من الشطحات والمفارقات في تحليلاته التاريخية للأحداث حيث يذهب بعيدا في بعض الاحيان في تحليله للوقائع التاريخية والسبب في ذلك يرجع الى المنهج في تحليل التاريخ لدى الغربيين , فنراه يعتمد المنهج التفكيكي والاستنتاجي المستند الى المزاج الغربي في الممارسة التي يقوم بها البشر المبني أصلا ً على المنظومة الاخلاقية والفكرية والسياسية التي يؤمنون بها والتي يمتزج فيها النظري بالعملي ويربط الفكر بالتاريخ. والكتاب من الناحية الاخرى يحتوي على معلومات قيمة وذات أهمية عن التشيع, واستعرض في الفصل الأول مصطلح التشيع والنظرية الساسية للشيعه وأهم ثوراتهم.
يقول هاينز: إن كلمة التشيع أطلقت على من وقف الى جانب الأمام على بن أبي طالب عليه السلام في المعارضة ضد عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث) و بذلك دلالة على ان المعلومات التي أستقاها لم تكن من المصادر الشيعية , فهو يخالف النظرة الشيعية لمصطلح التشيع, والحقيقة ان مصطلح التشيع يرتبط إرتباطا ً وثيقا ًبنص النبي على علي (ع) بالخلافة في واقعة الغدير قبيل وفاة النبي الأكرم محمد (ص) وقد عُرف جماعة من الصحابة الأجلاء في عهد النبي بموالاتهم الى علي بن أبي طالب كعمار بن ياسر و المقداد بن الأسود وخزيمة ذو الشهادتين وأبو سعيد الخدري وسلمان الفارسي غيرهم , وليس له دخل بمعارضة عثمان بن عفان. وقد أشتهر هذا المصطلح في عهد الأمويين بصورة واسعة بسبب المعارضة الساسية التي تبنوها أتباع أهل البيت عليهم السلام وخصوصا ً بعد إستشهاد الأمام الحسين في سنة 61هـ .
وحينما يشرح مصطلح التشيع يقول لم أجد في المسيحية مصطلح يقابله لذا ليس من السهل إيضاح المصطلح وتقريبه .
ويقول أن التشيع كمفهوم عقائدي وسياسي تعرض لتغيرات وتقلبات بسبب البعد الزماني لحركة التشيع لذا لا يمكن تحديد مفهوم معين له إلا إذا أخذنا السياق التاريخي في الاعتبار.
ويعتقد هاينز ان المسلمين إفترقوا الى سنة ً وشيعة بسبب الوضع السياسي والعقائدي وهنا يجانب الصواب الى حدٍ ما في رأيه ويتحدث عن النظرية السياسية للمسلمين الشيعة ويقول ان الشيعة واجهوا السلطة بمعارضة قوية لم تكن في يوم من الايام مترددة في إستلام السلطة حتى في أحلك الظروف التي مرَّوا بها . والسلطة لدى الشيعة ليست هي عملية ممارسة الحكم أو غاية بقدر ما هي إحقاق الحق ونصرة المظلوم لأن الشيعة يعتقدون أن التغيير لا يحصل إلا من خلال مفاهيم وقيم عليا لا يمكن تحقيقها إلا من خلال السلطة. وأن النظرية القائلة أن الأئمة بعد الامام الحسين عليه السلام لم يكن لهم دور سياسي ليس لها أساس من الصحة ولا تصمد إذا ما رجعنا الى القرائن التاريخية والى الدور المرسوم من قبل السماء للأنبياء والمصلحين على طول التاريخ ويؤكد ذلك قول النبي (ص) (( من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه......الخ)) وكذلك قول الأمام الحسين (ع) (( من رأى ساطانا ً جائرا ً مستحلاً لحرمات الله ناكثاً ......الى قوله كان على الله ان يدخله مدخله)) من خلال ذلك يتضح ان الشيعة ما فتفؤا ينشدون ذلك . وعند استعراضه للدور الذي قام به الشيعة في التاريخ الاسلامي ومعاناتهم التي بدأت من بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) وحتى يومنا هذا , وهنا يقع بالمفارقة الأخرى فمرة يقول ان التشيع بدأ في أيام الخليفة الثالث وتارة ً يقول أن معاناة الشيعة بدأت بعيد وفاة الرسول . وأستعرض بالتحليل مراحل التغيرات الساسية في الحكم من الخلافة الراشدة على حد قوله الى الملك العضوض للأمويين والثورات الشيعية بوجه الظلم والاستبداد من ثورةالامام الحسين(ع) التي هزت ضمائر المسلمين والتي دفعت الشيعة الى التضحية والفداء فكانت ثورة التوابيين التي قادها سليمان بن صرد الخزاعي ثم أستعرض ثورة زيد بن علي (الشهيد) وولده يحيى ومن بعد ذلك الثورات المتلاحقة للشيعة التي أصبحت مشاعل نور في تلك الحقبة من التاريخ الاسلامي.
أما في الفصل الثاني الذي يعتبر أوسع الفصول فيتحدث فيه عن النشأة والجذور التاريخية للشيعة الأمامية الاثنى عشرية ومراحل تطور مدرستهم الفكرية و السياسية والفقهية وكيفية إزدهارها في زمن الامام الصادق (ع) وإستغلال الامام الصادق للمرحلة الانتقالية من الدولة الأموية الى الدولة العباسية لنشر الفكر الشيعي وترسيخه لدى الشيعة في الكوفة التي كانت عاصمة الأمام علي وتحتضن كبار القادة والموالين الذين لا يؤمنون إلا بأحقية العلويين في الخلافة وهناك عرض على الامام الصادق (ع) التصدي لقيادة الدولة لكنه رفض , ولم يبحث المؤلف سبب الرفض ولا الاسباب التي أدت الى ذلك , وأكد على ان ابو سلمة الخلال هو الذي عرض الخلافة على الأمام .
في الحقيقة لم تعرض الخلافة على الامام الصادق من قبل أبو سلمة الخلال فقط بل عرضها أبو مسلم الخراساني قائد الثورة في بلاد فارس أيضاً, وأبو سلمة أخذ يلح على الامام وحاول إقناعه ولم يفلح بذلك, فعرضها على محمد ذو النفس الزكية والحسن الأفطس , وجاء رفض الامام الصادق مبنيا ً على معرفة الظروف وبعد النظرة للأوضاع آنذاك , فأن الامام كان يعلم أن أبا سلمة كان يريد غطاءا شرعيا ًً لحركته وهو يعلم (أي أبو مسلم) أن الجماهير إنما تتحرك بدافع الولاء لأهل البيت , ولم يكن صادقا ً في عرضه هذا والأحداث التي تلت تأسيس الدولة العباسية أثبتت ذلك . ويؤكد هاينز أن الصادق قد أحدث حركة علمية نشطة ومهمة في مسجد الكوفة تخرج على أثرها المئات من الفقهاء والعلماء الكبار .
العباسيون والعلويين:
يسجل الدكتور هاينز ملاحظاته على طبيعة العلاقة التي ربطت العلويين والعباسيين ويقول أنها أتسمت بالقسوة ضد أهل البيت وأتباعهم وأن الأئمة بعد الصادق (ع) قضوا نحبهم جراء الممارسات والقيود التي فرضها العباسيون على أولاد عمومتهم.
والحقيقة أن الامام الصادق نفسه قد قضى نحبه أثر السم الذي دسه المنصور للتخلص منه, ولم يكن الصادق بمعزل عن الفعل السياسي آنذاك, وكانت عيون السلطة تلاحقه في كل مكان وليس بخافي على العباسيين تلك الرسالة التي بعثها أبو سلمة الخلال يعرض على الصادق قيادة الثورة,والدكتور هاينز يذكر ذلك في الفصل الأول من كتابه وهذا يعني أن رجل بثقل الصادق لا يترك حرا ً في عالم السياسة لأنه يشكل خطراً على الدولة الغير شرعية أصلا ً ثم أن الخليفتان المنصور والسفاح كانا حاضريين عندما أجتمع بنو هاشم في دار محمد ذو النفس الزكية وعندها قال الصادق كما تذكر المصادر التاريخية قولته الشهيرة وهو يوجه الكلام الى عبد الله بن الحسن المثنى والد محمد ذو النفس الزكية ( والله لا ينالها إلا صاحب القباء الاصفر وأشار الى المنصور) فمن الطبيعي أن يكون القضاء على الامام هدفا ً للدولة فقد تركزت فكرة الفتك به في ذهن المنصور وهو يعلم أن مئات الآلاف يقولون بأمامته وتجبى له الأموال, ويذكر لنا التاريخ أن المنصور أراد أن يحصل على وثيقة على الصادق ليواخذه بها فبعث ابن المهاجر ( وهو أحد أعة أعوانه) الى الصادق وبقية أهل البيت في المدينة ومعه أموال وأوصاه أن يتظاهر بأنه من أهل خراسان وأن من الشيعة وقد جاء بهذه الاموال من الشيعة في خراسان وقال المنصور له إذا دفعت لهم الأموال قل لهم أنا رسول و أحب أن يكون معي وثيقة بخطكم للذين بعثوني وحصل أن رفض الصادق تزويده بالوثيقة وأخبره بنيته ففشلت تلك المحاولة إلا أن هاجس الخوف ظل يلازمه حتى قضى عليه وهذا ما حصل بالفعل.
الصادق ودوره في التصدي لتيارات الانحراف:
ويورد هاينز في كتابه دور الأمام الصادق في تصحيح مسيرة التيارات المنحرفة من المواليين لأهل البيت بمجيئه الى الكوفة فقد أتشرت فكرة الكيسانية القائلة بأمامة (محمد بن الحنفية ) وهو أحد لأبناء الأمام علي بن أبي طالب وأنه هو المهدي المنتظر ويطلق الدكتور تسمية على الكيسانيين غير واردة تاريحيا ً وهي ( الرباعيون) أي الذين يؤمنون بأربعة أئمة فقط وهم علي (ع) والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية.
والحق أن فترة الصادق كانت مليئة بالتيارات الفكرية المنحرفة وقد أخذ الامام على عاتقه مواجهة تلك الانحرافات وأهل الباطل بقوة فتصدى للدهريين والكلاميين الجدليين فنبههم عن غفلهم وأوضح لهم إنحرافاتهم وأخطاءهم, وكذلك كانت له وقفات مع الزنادقة والغلاة الذين يغالون بأهل البيت ويرفعونهم الى درجة الربوبية أحيانا ً ولمعرفة المزيد عن الموضوع يراجع ( الأمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر ج1 ص360-363).
الأثنى عشرية ومرحلة التأصيل والتجذُّر:
يحدد المؤلف القرن الرابع الهجري الفترة التي برز بها الفكر الأثنى عشري أي بعد الغيبة الصغرى للأمام المهدي (عجل الله فرجه) سنة260هـ وإنتهاء دور السفراء الأربعة إلا أن هذا القول ليس صحيحا ُ نسبيا ً لأن الشيعة يعتبرون أن الأنطلاقة الحقيقية كانت في الكوفة وأن مدرسة (الكوفة) كانت بداية الانطلاقة الفكرية الشيعية، بأعتبارها عاصمة الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فمثلت الكوفة بذلك «أول مركز للتشيع طوال عهد الدولة الأموية» وأن المفكرين الشيعة تمتعوا بمساحة من الحرية على الرغم من الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل السلطة العباسية . إلا ان المؤلف لم يذكر الجذر التاريخي لمصطلح ( الأثنى عشرية ) الذي يقول عنه الشيعة في أدبياتهم أنه يرجع الى عهد النبي (ص) حيث روي في صحيح البخاري ص729الحديث رقم 2034 كتاب الاحكام باب 1148 بسنده الى جابر بن سمرة: قال سمعت رسول الله يقول ( يكون إثنا عشر أميراً) ويعلق 0أي الراوي فقال كلمة لم أسمعها ,فقال أبي لإنه يقول كلهم من قريش.وكذلك في صحيح مسلم ج3 ص 1452,1453 الحديث رقم 1821 كتاب الأمارة الى نفس السند المتقدم يقول ( لا يزال هذا الين عزيزا ً منيعاً إلى إثني عشرر خليفة) وكذلك في بقية الصحاح والاسانيد وفي كتب الشيعة أيضا ً, فقد ذكر السيد شرف الدين في المراجعات نقلا ً عن الصدوق في إكمال الين الحديث الآتي ( الأئمة بعدي إثنا عشر أولهم علية وأخرهم القائم , هم خلفائي وأوصيائي) مما تقدم يتضح أن مصطلح الأثنى عشرية أوجده النبي وأن الفكر الأثنى عشري هو ذات الفكر الذي جاء به الرسول (ص) .أما على صعيد حركة التأليف والكتابة ففي القرن الرابع بدأت خصوصيات هذا الكيان العلمي ومعالم المدرسة الفقهية تتبلور بشكل أكثر وضوحاً من السابق، وأصبحت مدينتا (قم والري) في (إيران) المعهد الديني الذي ترعرعت فيه الحركة العلمية الجديدة التي اتسمت بطابع النمو والتطور عن المرحلة السابقة. فبرز في هذه الفترة علماء كبار أتحفوا العلم والفكر بآثارهم الفذة من أمثال محمد بن يعقوب الكليني (329 هجري) وأبي جعفر محمد بن علي القمي المعروف بالصدوق (381هجري)، فقد دون هذان العلمان موسوعتين حديثيتين كبيرتين هما: الكافي في الأصول والفروع للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، إذ احتوت هاتان الموسوعتان بين دفتيهما على جملة الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع)، وبوبتها بشكل منهجي متناسق، وقد انتظم هذان الكتابان في جملة (الكتب الأربعة) التي تمثل المنابع الأساسية لحديث أهل البيت (ع) عند الشيعة.ثم يستعرض المؤلف مصطلح ( الأمامية) ويقول أنه حل محل مصطلح (الرافضة ) الذي أطلق على أتباع مدرسة أهل البيت حتى نهاية القرن الرابع الهجري. والجدير ذكره أن هذا المصطلح هو مصطلح سياسي أستخدم لأغراض إقصائية وتنكيلية وهو يستخدم ليومنا هذا على أتباع مدرسة أهل البيت .
الدور الساسي لأئمة أهل البيت عليهم السلام:
لا يميل المؤلف وهويتحدث عن الخلافة الى الرأي القائل بأن أئمة أهل البيت وشيعتهم (الأماماية) لم يكن لهم دور سياسي بعد الحسين(ع) وقد تحولوا من موقف المواجهة بالقوة الى دور التوعية والتثقيف عكس ( الزيدية ) و الأسماعيلية الذين أستمروا بالكفاح للوصول الى السلطة فلهذا تصور البعض أن الأمامية أصبحوا مجموعة لا تكترث بالسياسة ويضيف بقوله أن موقف الدولة العباسية من الائمة يبطل هذا الاستنتاج فالعباسيون ضايقوا الأئمة وزجوهم في السجون ودسوا للعديد منهم السم وشددوا الرقابة على تحركاتهم وأصبح العمل السري هو الصفة الغالبة على تحركاتهم والتي لا يشعر بها إلا الخاصة من شيعتهم , لذا لم يظهر عمل سياسي من قبلهم ولكن يحدثنا التاريخ عن ثورات وتحركات لأتباعهم في مناطق كثيرة منها الكوفة على وجه الخصوص. وقد أصاب المؤلف في تشخيصه هذا , فبالأضافة الى العمل السري فأن الأئمة لهم رؤية خاصة في العمل الساسي فهم يرون أن القيادة الساسية هي حق مشروع وفق النصوص الإسلامية الثابتة والتي تحمل دلالات واضحة (حسب رؤية مدرسة أهل البيت ) على إعطاء الامام حق القيادة الفكرية والساسية والأجتماعية , ولكن يؤمن أئمة أهل البيت بضرورة توفر عدة شروط لنجاح الممارسة الساسية
مفهوم العصمة عند الشيعة:
يرى المؤلف أن مفهوم العصمة تطور عند الفقهاء الشيعة ويقول أن أبن بابويه القمي (الشيخ الصدوق ) المتوفي سنة281هـ -991م يعتقد أن الأمام منزه من الوقوع في الذنوب ولكنه يرتكب الخطأ, ولكن الشيخ المفيد المتوفي سنة413هـ - 1022م يطوَّر هذا المفهوم ويقول أن الأمام منزه من جميع الخطايا والذنوب الصغيرة والكبيرة. وهنا يقع المؤلف في مفارقة وهي أن الشيخ الصدوق هو الوحيد بين علماء الشيعة الذي يقول بهذا ولم يوافقه الذين قبله ولا بعده إذ أستند الى رواية ذي الشمالين , ويتفق جميع علماء الشيعة أن الرسول لم يسجد سجدتي الهو قط. ويتفقون مع الشيخ المفيد في تعرَّفه للعصمة بمعناها الأصطلاحي فقال في النكت الأعتقادية ص37 (لطفٌ يفعلُهُ اللهُ تعالى بالمكلّف ، بحيث تمنع منه وقوع المعصية ، وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ) وعلق العلماء على ذلك بقولهم (ليس معنى العصمة انّ الله يجبُرهُ على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافاً ، يترك معها المعصية ، باختياره ، مع قدرته عليها) وليست العصمة مانعةً من القدرة على القبيح ، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ، ولا مُلجئةً له إليه ؛ بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى إنّه اذا فَعَلهُ بعبدٍ من عبيده ، لم يُؤثِر معه معصيةً له .
عرض ونقد وتحليل علاء الخطيب/ هولندا
http://www.altwafoq.net/v2/uploader/pics/1203316236.jpg
في مطلع عقد الثمانينات من القرن المنصرم ما انفك الباحثون الغربيون ومراكز الدراسات الاستراتيجية ومعاهد البحث المختصة بالدراسات العربية والإسلامية من الاهتمام وتسليط الضوء على التشيع كظاهرة سياسية وعقائدية وثقافية ونشطوا لمعرفة أدق التفاصيل عن التاريخ الشيعي من حيث الجذور التاريخية ومرحلة التأصيل وربط كل ذلك بالتجربة الحاضرة للمسلمين الشيعة اليوم. لم يعد الشيعة اليوم تلك المجموعة المهمشة المعارضة على الدوام للظلم والأضطهاد بعد نجاح الثورة الاسلامية في إيران وانتصارات حزب الله على الاسرائيليين وسقوط النظام الدكتاتوري في العراق, بل أصبح لها كيانها ودولها وأصبحت مفرداتها الثقافية متداولة في الأعلام العالمي , فكان من الطبيعي أن يعكف الباحثون على دراسة هذا الثقل المهم من المجتمع الإسلامي . فصدرت الدراسات والكتب الكثيرة التي تحدث عن التشيع سواء من المسلمين أو من غيرهم .
ان البروفيسور هاينز هالم صاحب كتاب ( التشيع ) هو أحد الباحثين والمستشرقين الألمان في مجال الدراسات الإسلامية وعلى وجه الخصوص الدراسات الشيعية فله مؤلفات عديدة في هذا المضمارمثل ( الفاطميون وتقاليدهم في التعليم ) و( الاسماعيلية ) و(الغنصوية في الاسلام) وكتاب (التشيع ) الذي ألفه سنة 1987م باللغة الالمانية وترجمته الى اللغة الانكليزية السيدة جانيت واطسون وطبع في اسكتلندا في دار أدنبرة.
لا يخلو هذا الكتاب الصغير نسبيا ً من الشطحات والمفارقات في تحليلاته التاريخية للأحداث حيث يذهب بعيدا في بعض الاحيان في تحليله للوقائع التاريخية والسبب في ذلك يرجع الى المنهج في تحليل التاريخ لدى الغربيين , فنراه يعتمد المنهج التفكيكي والاستنتاجي المستند الى المزاج الغربي في الممارسة التي يقوم بها البشر المبني أصلا ً على المنظومة الاخلاقية والفكرية والسياسية التي يؤمنون بها والتي يمتزج فيها النظري بالعملي ويربط الفكر بالتاريخ. والكتاب من الناحية الاخرى يحتوي على معلومات قيمة وذات أهمية عن التشيع, واستعرض في الفصل الأول مصطلح التشيع والنظرية الساسية للشيعه وأهم ثوراتهم.
يقول هاينز: إن كلمة التشيع أطلقت على من وقف الى جانب الأمام على بن أبي طالب عليه السلام في المعارضة ضد عثمان بن عفان ( الخليفة الثالث) و بذلك دلالة على ان المعلومات التي أستقاها لم تكن من المصادر الشيعية , فهو يخالف النظرة الشيعية لمصطلح التشيع, والحقيقة ان مصطلح التشيع يرتبط إرتباطا ً وثيقا ًبنص النبي على علي (ع) بالخلافة في واقعة الغدير قبيل وفاة النبي الأكرم محمد (ص) وقد عُرف جماعة من الصحابة الأجلاء في عهد النبي بموالاتهم الى علي بن أبي طالب كعمار بن ياسر و المقداد بن الأسود وخزيمة ذو الشهادتين وأبو سعيد الخدري وسلمان الفارسي غيرهم , وليس له دخل بمعارضة عثمان بن عفان. وقد أشتهر هذا المصطلح في عهد الأمويين بصورة واسعة بسبب المعارضة الساسية التي تبنوها أتباع أهل البيت عليهم السلام وخصوصا ً بعد إستشهاد الأمام الحسين في سنة 61هـ .
وحينما يشرح مصطلح التشيع يقول لم أجد في المسيحية مصطلح يقابله لذا ليس من السهل إيضاح المصطلح وتقريبه .
ويقول أن التشيع كمفهوم عقائدي وسياسي تعرض لتغيرات وتقلبات بسبب البعد الزماني لحركة التشيع لذا لا يمكن تحديد مفهوم معين له إلا إذا أخذنا السياق التاريخي في الاعتبار.
ويعتقد هاينز ان المسلمين إفترقوا الى سنة ً وشيعة بسبب الوضع السياسي والعقائدي وهنا يجانب الصواب الى حدٍ ما في رأيه ويتحدث عن النظرية السياسية للمسلمين الشيعة ويقول ان الشيعة واجهوا السلطة بمعارضة قوية لم تكن في يوم من الايام مترددة في إستلام السلطة حتى في أحلك الظروف التي مرَّوا بها . والسلطة لدى الشيعة ليست هي عملية ممارسة الحكم أو غاية بقدر ما هي إحقاق الحق ونصرة المظلوم لأن الشيعة يعتقدون أن التغيير لا يحصل إلا من خلال مفاهيم وقيم عليا لا يمكن تحقيقها إلا من خلال السلطة. وأن النظرية القائلة أن الأئمة بعد الامام الحسين عليه السلام لم يكن لهم دور سياسي ليس لها أساس من الصحة ولا تصمد إذا ما رجعنا الى القرائن التاريخية والى الدور المرسوم من قبل السماء للأنبياء والمصلحين على طول التاريخ ويؤكد ذلك قول النبي (ص) (( من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه......الخ)) وكذلك قول الأمام الحسين (ع) (( من رأى ساطانا ً جائرا ً مستحلاً لحرمات الله ناكثاً ......الى قوله كان على الله ان يدخله مدخله)) من خلال ذلك يتضح ان الشيعة ما فتفؤا ينشدون ذلك . وعند استعراضه للدور الذي قام به الشيعة في التاريخ الاسلامي ومعاناتهم التي بدأت من بعد وفاة الرسول الاكرم (ص) وحتى يومنا هذا , وهنا يقع بالمفارقة الأخرى فمرة يقول ان التشيع بدأ في أيام الخليفة الثالث وتارة ً يقول أن معاناة الشيعة بدأت بعيد وفاة الرسول . وأستعرض بالتحليل مراحل التغيرات الساسية في الحكم من الخلافة الراشدة على حد قوله الى الملك العضوض للأمويين والثورات الشيعية بوجه الظلم والاستبداد من ثورةالامام الحسين(ع) التي هزت ضمائر المسلمين والتي دفعت الشيعة الى التضحية والفداء فكانت ثورة التوابيين التي قادها سليمان بن صرد الخزاعي ثم أستعرض ثورة زيد بن علي (الشهيد) وولده يحيى ومن بعد ذلك الثورات المتلاحقة للشيعة التي أصبحت مشاعل نور في تلك الحقبة من التاريخ الاسلامي.
أما في الفصل الثاني الذي يعتبر أوسع الفصول فيتحدث فيه عن النشأة والجذور التاريخية للشيعة الأمامية الاثنى عشرية ومراحل تطور مدرستهم الفكرية و السياسية والفقهية وكيفية إزدهارها في زمن الامام الصادق (ع) وإستغلال الامام الصادق للمرحلة الانتقالية من الدولة الأموية الى الدولة العباسية لنشر الفكر الشيعي وترسيخه لدى الشيعة في الكوفة التي كانت عاصمة الأمام علي وتحتضن كبار القادة والموالين الذين لا يؤمنون إلا بأحقية العلويين في الخلافة وهناك عرض على الامام الصادق (ع) التصدي لقيادة الدولة لكنه رفض , ولم يبحث المؤلف سبب الرفض ولا الاسباب التي أدت الى ذلك , وأكد على ان ابو سلمة الخلال هو الذي عرض الخلافة على الأمام .
في الحقيقة لم تعرض الخلافة على الامام الصادق من قبل أبو سلمة الخلال فقط بل عرضها أبو مسلم الخراساني قائد الثورة في بلاد فارس أيضاً, وأبو سلمة أخذ يلح على الامام وحاول إقناعه ولم يفلح بذلك, فعرضها على محمد ذو النفس الزكية والحسن الأفطس , وجاء رفض الامام الصادق مبنيا ً على معرفة الظروف وبعد النظرة للأوضاع آنذاك , فأن الامام كان يعلم أن أبا سلمة كان يريد غطاءا شرعيا ًً لحركته وهو يعلم (أي أبو مسلم) أن الجماهير إنما تتحرك بدافع الولاء لأهل البيت , ولم يكن صادقا ً في عرضه هذا والأحداث التي تلت تأسيس الدولة العباسية أثبتت ذلك . ويؤكد هاينز أن الصادق قد أحدث حركة علمية نشطة ومهمة في مسجد الكوفة تخرج على أثرها المئات من الفقهاء والعلماء الكبار .
العباسيون والعلويين:
يسجل الدكتور هاينز ملاحظاته على طبيعة العلاقة التي ربطت العلويين والعباسيين ويقول أنها أتسمت بالقسوة ضد أهل البيت وأتباعهم وأن الأئمة بعد الصادق (ع) قضوا نحبهم جراء الممارسات والقيود التي فرضها العباسيون على أولاد عمومتهم.
والحقيقة أن الامام الصادق نفسه قد قضى نحبه أثر السم الذي دسه المنصور للتخلص منه, ولم يكن الصادق بمعزل عن الفعل السياسي آنذاك, وكانت عيون السلطة تلاحقه في كل مكان وليس بخافي على العباسيين تلك الرسالة التي بعثها أبو سلمة الخلال يعرض على الصادق قيادة الثورة,والدكتور هاينز يذكر ذلك في الفصل الأول من كتابه وهذا يعني أن رجل بثقل الصادق لا يترك حرا ً في عالم السياسة لأنه يشكل خطراً على الدولة الغير شرعية أصلا ً ثم أن الخليفتان المنصور والسفاح كانا حاضريين عندما أجتمع بنو هاشم في دار محمد ذو النفس الزكية وعندها قال الصادق كما تذكر المصادر التاريخية قولته الشهيرة وهو يوجه الكلام الى عبد الله بن الحسن المثنى والد محمد ذو النفس الزكية ( والله لا ينالها إلا صاحب القباء الاصفر وأشار الى المنصور) فمن الطبيعي أن يكون القضاء على الامام هدفا ً للدولة فقد تركزت فكرة الفتك به في ذهن المنصور وهو يعلم أن مئات الآلاف يقولون بأمامته وتجبى له الأموال, ويذكر لنا التاريخ أن المنصور أراد أن يحصل على وثيقة على الصادق ليواخذه بها فبعث ابن المهاجر ( وهو أحد أعة أعوانه) الى الصادق وبقية أهل البيت في المدينة ومعه أموال وأوصاه أن يتظاهر بأنه من أهل خراسان وأن من الشيعة وقد جاء بهذه الاموال من الشيعة في خراسان وقال المنصور له إذا دفعت لهم الأموال قل لهم أنا رسول و أحب أن يكون معي وثيقة بخطكم للذين بعثوني وحصل أن رفض الصادق تزويده بالوثيقة وأخبره بنيته ففشلت تلك المحاولة إلا أن هاجس الخوف ظل يلازمه حتى قضى عليه وهذا ما حصل بالفعل.
الصادق ودوره في التصدي لتيارات الانحراف:
ويورد هاينز في كتابه دور الأمام الصادق في تصحيح مسيرة التيارات المنحرفة من المواليين لأهل البيت بمجيئه الى الكوفة فقد أتشرت فكرة الكيسانية القائلة بأمامة (محمد بن الحنفية ) وهو أحد لأبناء الأمام علي بن أبي طالب وأنه هو المهدي المنتظر ويطلق الدكتور تسمية على الكيسانيين غير واردة تاريحيا ً وهي ( الرباعيون) أي الذين يؤمنون بأربعة أئمة فقط وهم علي (ع) والحسن والحسين ومحمد بن الحنفية.
والحق أن فترة الصادق كانت مليئة بالتيارات الفكرية المنحرفة وقد أخذ الامام على عاتقه مواجهة تلك الانحرافات وأهل الباطل بقوة فتصدى للدهريين والكلاميين الجدليين فنبههم عن غفلهم وأوضح لهم إنحرافاتهم وأخطاءهم, وكذلك كانت له وقفات مع الزنادقة والغلاة الذين يغالون بأهل البيت ويرفعونهم الى درجة الربوبية أحيانا ً ولمعرفة المزيد عن الموضوع يراجع ( الأمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر ج1 ص360-363).
الأثنى عشرية ومرحلة التأصيل والتجذُّر:
يحدد المؤلف القرن الرابع الهجري الفترة التي برز بها الفكر الأثنى عشري أي بعد الغيبة الصغرى للأمام المهدي (عجل الله فرجه) سنة260هـ وإنتهاء دور السفراء الأربعة إلا أن هذا القول ليس صحيحا ُ نسبيا ً لأن الشيعة يعتبرون أن الأنطلاقة الحقيقية كانت في الكوفة وأن مدرسة (الكوفة) كانت بداية الانطلاقة الفكرية الشيعية، بأعتبارها عاصمة الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، فمثلت الكوفة بذلك «أول مركز للتشيع طوال عهد الدولة الأموية» وأن المفكرين الشيعة تمتعوا بمساحة من الحرية على الرغم من الاضطهاد الذي تعرضوا له من قبل السلطة العباسية . إلا ان المؤلف لم يذكر الجذر التاريخي لمصطلح ( الأثنى عشرية ) الذي يقول عنه الشيعة في أدبياتهم أنه يرجع الى عهد النبي (ص) حيث روي في صحيح البخاري ص729الحديث رقم 2034 كتاب الاحكام باب 1148 بسنده الى جابر بن سمرة: قال سمعت رسول الله يقول ( يكون إثنا عشر أميراً) ويعلق 0أي الراوي فقال كلمة لم أسمعها ,فقال أبي لإنه يقول كلهم من قريش.وكذلك في صحيح مسلم ج3 ص 1452,1453 الحديث رقم 1821 كتاب الأمارة الى نفس السند المتقدم يقول ( لا يزال هذا الين عزيزا ً منيعاً إلى إثني عشرر خليفة) وكذلك في بقية الصحاح والاسانيد وفي كتب الشيعة أيضا ً, فقد ذكر السيد شرف الدين في المراجعات نقلا ً عن الصدوق في إكمال الين الحديث الآتي ( الأئمة بعدي إثنا عشر أولهم علية وأخرهم القائم , هم خلفائي وأوصيائي) مما تقدم يتضح أن مصطلح الأثنى عشرية أوجده النبي وأن الفكر الأثنى عشري هو ذات الفكر الذي جاء به الرسول (ص) .أما على صعيد حركة التأليف والكتابة ففي القرن الرابع بدأت خصوصيات هذا الكيان العلمي ومعالم المدرسة الفقهية تتبلور بشكل أكثر وضوحاً من السابق، وأصبحت مدينتا (قم والري) في (إيران) المعهد الديني الذي ترعرعت فيه الحركة العلمية الجديدة التي اتسمت بطابع النمو والتطور عن المرحلة السابقة. فبرز في هذه الفترة علماء كبار أتحفوا العلم والفكر بآثارهم الفذة من أمثال محمد بن يعقوب الكليني (329 هجري) وأبي جعفر محمد بن علي القمي المعروف بالصدوق (381هجري)، فقد دون هذان العلمان موسوعتين حديثيتين كبيرتين هما: الكافي في الأصول والفروع للكليني، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق، إذ احتوت هاتان الموسوعتان بين دفتيهما على جملة الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع)، وبوبتها بشكل منهجي متناسق، وقد انتظم هذان الكتابان في جملة (الكتب الأربعة) التي تمثل المنابع الأساسية لحديث أهل البيت (ع) عند الشيعة.ثم يستعرض المؤلف مصطلح ( الأمامية) ويقول أنه حل محل مصطلح (الرافضة ) الذي أطلق على أتباع مدرسة أهل البيت حتى نهاية القرن الرابع الهجري. والجدير ذكره أن هذا المصطلح هو مصطلح سياسي أستخدم لأغراض إقصائية وتنكيلية وهو يستخدم ليومنا هذا على أتباع مدرسة أهل البيت .
الدور الساسي لأئمة أهل البيت عليهم السلام:
لا يميل المؤلف وهويتحدث عن الخلافة الى الرأي القائل بأن أئمة أهل البيت وشيعتهم (الأماماية) لم يكن لهم دور سياسي بعد الحسين(ع) وقد تحولوا من موقف المواجهة بالقوة الى دور التوعية والتثقيف عكس ( الزيدية ) و الأسماعيلية الذين أستمروا بالكفاح للوصول الى السلطة فلهذا تصور البعض أن الأمامية أصبحوا مجموعة لا تكترث بالسياسة ويضيف بقوله أن موقف الدولة العباسية من الائمة يبطل هذا الاستنتاج فالعباسيون ضايقوا الأئمة وزجوهم في السجون ودسوا للعديد منهم السم وشددوا الرقابة على تحركاتهم وأصبح العمل السري هو الصفة الغالبة على تحركاتهم والتي لا يشعر بها إلا الخاصة من شيعتهم , لذا لم يظهر عمل سياسي من قبلهم ولكن يحدثنا التاريخ عن ثورات وتحركات لأتباعهم في مناطق كثيرة منها الكوفة على وجه الخصوص. وقد أصاب المؤلف في تشخيصه هذا , فبالأضافة الى العمل السري فأن الأئمة لهم رؤية خاصة في العمل الساسي فهم يرون أن القيادة الساسية هي حق مشروع وفق النصوص الإسلامية الثابتة والتي تحمل دلالات واضحة (حسب رؤية مدرسة أهل البيت ) على إعطاء الامام حق القيادة الفكرية والساسية والأجتماعية , ولكن يؤمن أئمة أهل البيت بضرورة توفر عدة شروط لنجاح الممارسة الساسية
مفهوم العصمة عند الشيعة:
يرى المؤلف أن مفهوم العصمة تطور عند الفقهاء الشيعة ويقول أن أبن بابويه القمي (الشيخ الصدوق ) المتوفي سنة281هـ -991م يعتقد أن الأمام منزه من الوقوع في الذنوب ولكنه يرتكب الخطأ, ولكن الشيخ المفيد المتوفي سنة413هـ - 1022م يطوَّر هذا المفهوم ويقول أن الأمام منزه من جميع الخطايا والذنوب الصغيرة والكبيرة. وهنا يقع المؤلف في مفارقة وهي أن الشيخ الصدوق هو الوحيد بين علماء الشيعة الذي يقول بهذا ولم يوافقه الذين قبله ولا بعده إذ أستند الى رواية ذي الشمالين , ويتفق جميع علماء الشيعة أن الرسول لم يسجد سجدتي الهو قط. ويتفقون مع الشيخ المفيد في تعرَّفه للعصمة بمعناها الأصطلاحي فقال في النكت الأعتقادية ص37 (لطفٌ يفعلُهُ اللهُ تعالى بالمكلّف ، بحيث تمنع منه وقوع المعصية ، وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ) وعلق العلماء على ذلك بقولهم (ليس معنى العصمة انّ الله يجبُرهُ على ترك المعصية ، بل يفعل به ألطافاً ، يترك معها المعصية ، باختياره ، مع قدرته عليها) وليست العصمة مانعةً من القدرة على القبيح ، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ، ولا مُلجئةً له إليه ؛ بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى إنّه اذا فَعَلهُ بعبدٍ من عبيده ، لم يُؤثِر معه معصيةً له .