نووورا انا
24-07-2009, 04:13 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
عقيدتنا في زيارة القبور
وممّا امتازت به الامامية العناية بزيارة القبور ـ قبور النبي والاَئمّة عليهم الصلاة والسلام ـ وتشييدها، وإقامة العمارات الضخمة عليها، ولاَجلها يضحُّون بكلّ غال ورخيص، عن إيمان وطيب نفس.
ومردّ كلّ ذلك إلى وصايا الاَئمّة، وحثِّهم شيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى(1) ؛ باعتبار أنّها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة، وباعتبار أنّ هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء والانقطاع إلى الله تعالى.
وجعلوها أيضاً من تمام الوفاء بعهود الائمّة؛ إذ «أنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد، وحسن الاَداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة»(2).
وفي زيارة القبور من الفوائد الدينية والاجتماعية ما تستحقّ العناية من أئمتنا؛ فإنّها في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الاَئمة وأوليائهم، وتجدّد في النفوس ذكر مآثرهم وأخلاقهم وجهادهم في سبيل
الحق، تجمع في مواسمها أشتات المسلمين المتفرِّقين على صعيد واحد؛ ليتعارفوا ويتآلفوا، ثمّ تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلى الله تعالى، والانقطاع إليه، وطاعة أوامره، وتلقِّنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسيّة الاسلام والرسالة المحمّدية، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين، والخضوع إلى مدِّبر الكائنات، وشكر آلائه ونعمه، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الاَدعية المأثورة التي تقدَّم الكلام عليها.
بل بعضها يشتمل على أبلغ الاَدعية وأسماها، كزيارة (أمين الله) وهي الزيارة المرويّة عن الامام زين العابدين عليه السلام حينما زار قبر جدّه أمير المؤمنين عليه السلام(1).
كما تفهم هذه الزيارات المأثورة مواقف الائمّة عليهم السلام وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق، واعلاء كلمة الدين، وتجرُّدهم لطاعة الله تعالى، وقد وردت بأسلوب عربي جزل، وفصاحة عالية، وعبارات سهلة يفهمها الخاصّة والعامّة، وهي محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه، والدعاء والابتهال اليه تعالى.
فهي بحق من أرقى الاَدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والاَدعية المأثورة عنهم؛ إذ أودعت فيها خلاصة معارف الاَئمّة عليهم السلام فيما يتعلَّق بهذه الشؤون الدينية والتهذيبية.
ثمّ إنّ في آداب الزيارة أيضاً من التعليم والارشاد ما يؤكِّد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية، من نحو رفع معنوية المسلم، وتنمية روح العطف على الفقير، وحمله على حسن العشرة والسلوك، والتحبّب إلى
مخالطة الناس؛ فإنّ من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في المرقد المطهَّر وزيارته.
ومنها ما ينبغي أن يصنع في اثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة، ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب؛ للتنبيه على مقاصدها التي قلناها:
من آدابها:
1 ـ أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهَّر(1) وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة، وهي ان ينظِّف الانسان بدنه من الاَوساخ؛ ليقيه من كثير من الاَمراض والاَدواء، ولئلاّ يتأفّف من روائِحه الناس(2) وأن يطهِّر نفسه من الرذائل.
وقد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل؛ لغرض تنبيهه على تلكم الاَهداف العالية فيقول: « اللّهُمَّ اجعلْ(3) لِي نوراً وطهوراً، وحِرْزاً كافياً(4) منْ كلِّ داءٍ وسقَمٍ، ومنْ كلِّ آفةٍ وعاهةٍ، وطهِّرْ بهِ قلبي وجوارِحِي، وعظامِي(5) ولحمِي ودمِي، وشعرِي وبشري ومخِّي وعظمِي(6) ، ومَا أقلَّتْ الاَرضُ منِّي، واجْعلْ (7) لِي شاهِداً يومَ حاجَتي(8) ، وفقْرِي
وفاقَتِي »(1).
2 ـ أن يلبس أحسن وأنظف ما عنده من الثياب(2) ؛ فإنّ في الاَناقة في الملبس في المواسم العامّة ما يحبّب الناس بعضهم إلى بعض، ويقرِّب بينهم، ويزيد في عزّة النفوس والشعور بأهميّة الموسم الذي يشترك فيه.
وممّا ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنّه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب على العموم، بل يلبس أحسن ما يتمكَّن عليه؛ إذ ليس كل أحد يستطيع ذلك، وفيه تضييق على الضعفاء لا تستدعيه الشفقة، فقد جمع هذا الاَدب بين ما ينبغي من الاَناقة، وبين رعاية الفقير وضعيف الحال.
3 ـ أن يتطيَّب ما وسعه الطيب، وفائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.
4 ـ أن يتصدَّق على الفقراء بما يعنَّ له أن يتصَّدق به، ومن المعلوم فائدة التصدُّق في مثل هذه المواسم، فإنّ فيه معاونة المعوزين، وتنمية روح العطف عليهم.
5 ـ أن يمشي على سكينة ووقار غاضّاً من بصره(3) ، وواضح ما في هذا من توقير للحرم والزيارة، وتعظيم للمزور، وتوجّه إلى الله تعالى، وانقطاع إليه، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس ومضايقتهم في المرور، وعدم إساءة بعضهم إلى بعض.
6 ـ أن يكبِّر بقول: «الله أكبر» ويكرّر ذلك ما شاء(4) ، وقد تُحدَّد في
بعض الزيارات إلى أن تبلغ المائة(1) . وفي ذلك فائدة اشعار النفس بعظمة الله، وأنّه لا شيء أكبر منه، وأنّ الزيارة ليست إلاّ لعبادة الله وتعظيمه وتقديسه في إحياء شعائر الله وتأييد دينه.
7 ـ وبعد الفراغ من الزيارة للنبي أو الامام يصلّي ركعتين على الاَقل، تطوّعاً وعبادة لله تعالى؛ ليشكره على توفيقه إياه، ويهدي ثواب الصلاة إلى المزور.
وفي الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر أنّ صلاته وعمله إنّما هو لله وحده، وإنه لا يعبد سواه، وليست الزيارة إلاّ نوع التقرّب إليه تعالى زلفى؛ إذ يقول:
« اللّهمَّ لكَ صلَّيْتُ، ولكَ ركعْتُ، ولَكَ سجدْتُ وحدَكَ لا شريكَ لكَ؛ لاَنّه لا تكون الصلاةُ والركُوعُ والسجودُ إلاّ لَكَ؛ لاَنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنْتَ. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمّدٍ، وتقبَّلْ منِّي زيارَتِي، وأعَطِني سؤلِي، بمحمَّدٍ وآلهِ الطاهرينَ »(2)
وفي هذا النوع من الاَدب ما يوضّح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الاَئمة وشيعتهم تبعاً لهم في زيارة القبور، وما يلقم المتجاهلين حجراً حينما يزعمون أنّها عندهم من نوع عبادة القبور، والتقرّب إليها، والشرك بالله.
وأغلب الظن أنّ غرض أمثال هؤلاء هو التزهيد فيما يجلب لجماعة الامامية من الفوائد الاجتماعية الدينية في مواسم الزيارات؛ إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمَّد، وإلاّ فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد
آل البيت فيها. حاشا أولئك الذين أخلصوا لله نيّاتهم، وتجرّدوا له في عباداتهم، وبذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعو الناس إلى الشرك في عبادة الله.
8 ـ ومن آداب الزيارة: أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه، وقلّة الكلام إلاّ بخير، وكثرة ذكر الله(1) والخشوع، وكثرة الصلاة، والصلاة على محمَّد وآل محمَّد، وأن يغضّ من بصره، وأن يعدو إلى أهل الحاجة من إخوانه إذا رأى منقطعاً، والمواساة لهم، والورع عمّا نُهي عنه، وعن الخصومة، وكثرة الاَيمان، والجدال الذي فيه الاَيمان(2)
ثمّ أنّه ليست حقيقة الزيارة إلاّ السلام على النبي أو الامام باعتبار أنّهم (أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(3) ؛ فهم يسمعون الكلام، ويردّون الجواب، ويكفي أن يقول فيها مثلاً: (السلام عليك يا رسول الله).
غير أنّ الاَولى أن يقرأ فيها المأثور الوارد من الزيارات عن آل البيت؛ لما فيها ـ كما ذكرنا ـ من المقاصد العالية، والفوائد الدينية، مع بلاغتها وفصاحتها، ومع ما فيها من الاَدعية العالية التي يتّجه بها الانسان إلى الله تعالى وحده.
الهوامش
1) وللمزيد من الاطّلاع راجع كتاب كامل الزيارات، فقد ورد فيه من الاَحاديث التي تصف ثواب زيارة الرسول صلّى الله عليه وآله والاَئمّة عليهم السلام الشيء الكثير.
(2) من قول الامام الرضا عليه السلام. راجع: كامل الزيارات لابن قولويه: 122 باب 44 ثواب من زار الحسين عليه السلام.
واُنظر ـ كذلك ـ : الكافي: 4|567 ح2، من لا يحضره الفقيه: 2|577 ح3160، تهذيب الاحكام: 6|78 ح3 و:93 ح2
(1) راجع: كامل الزيارات: 39 باب 11 ـ زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
(1) راجع: كامل الزيارات: 184 الباب 75: من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام، 198 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(2) قال أمير المؤمنين عليه السلام: «تنظّفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم؛ فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفّف من جلس إليه» تحف العقول: 24.
(3) في المصدر: «اجعله».
(4) في المصدر: «وكافياً».
(5) لم ترد (وعظامي) في المصدر.
(6) في المصدر: «وعظامي وعصبي».
(7) في المصدر: «فاجعله».
(8) في المصدر: «يوم القيامة ويوم حاجتي».
(1) كامل الزيارات: 186 الباب 75 من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام.
(2) لاحظ: كامل الزيارات: 130 باب 48 ح1، و198 الباب 79.
(3) لاحظ: كامل الزيارات: 130 باب 48 ح1.
(4) لاحظ: كامل الزيارات: 199 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(1) لاحظ: كامل الزيارات: 222 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(2) المصباح للكفعمي: 2|158.
(1) ليس المراد من كثرة ذكر الله تكرار التسبيح والتكبير ونحوهما فقط، بل المراد ما ذكره الصادق عليه السلام في بعض الحديث في تفسير ذكر الله كثيراً أنّه قال: «أما أني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية».
(2) راجع كامل الزيارات: 131 . ح1.
(3) إشارة إلى قوله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذيِنَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران 3: 169.
المصدر
عَـقـائد الإمامـيـَّة
مـحـمـد رضـا المـظـفـر
عقيدتنا في زيارة القبور
وممّا امتازت به الامامية العناية بزيارة القبور ـ قبور النبي والاَئمّة عليهم الصلاة والسلام ـ وتشييدها، وإقامة العمارات الضخمة عليها، ولاَجلها يضحُّون بكلّ غال ورخيص، عن إيمان وطيب نفس.
ومردّ كلّ ذلك إلى وصايا الاَئمّة، وحثِّهم شيعتهم على الزيارة، وترغيبهم فيما لها من الثواب الجزيل عند الله تعالى(1) ؛ باعتبار أنّها من أفضل الطاعات والقربات بعد العبادات الواجبة، وباعتبار أنّ هاتيك القبور من خير المواقع لاستجابة الدعاء والانقطاع إلى الله تعالى.
وجعلوها أيضاً من تمام الوفاء بعهود الائمّة؛ إذ «أنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد، وحسن الاَداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة»(2).
وفي زيارة القبور من الفوائد الدينية والاجتماعية ما تستحقّ العناية من أئمتنا؛ فإنّها في الوقت الذي تزيد من رابطة الولاء والمحبة بين الاَئمة وأوليائهم، وتجدّد في النفوس ذكر مآثرهم وأخلاقهم وجهادهم في سبيل
الحق، تجمع في مواسمها أشتات المسلمين المتفرِّقين على صعيد واحد؛ ليتعارفوا ويتآلفوا، ثمّ تطبع في قلوبهم روح الانقياد إلى الله تعالى، والانقطاع إليه، وطاعة أوامره، وتلقِّنهم في مضامين عبارات الزيارات البليغة الواردة عن آل البيت حقيقة التوحيد والاعتراف بقدسيّة الاسلام والرسالة المحمّدية، وما يجب على المسلم من الخلق العالي الرصين، والخضوع إلى مدِّبر الكائنات، وشكر آلائه ونعمه، فهي من هذه الجهة تقوم بنفس وظيفة الاَدعية المأثورة التي تقدَّم الكلام عليها.
بل بعضها يشتمل على أبلغ الاَدعية وأسماها، كزيارة (أمين الله) وهي الزيارة المرويّة عن الامام زين العابدين عليه السلام حينما زار قبر جدّه أمير المؤمنين عليه السلام(1).
كما تفهم هذه الزيارات المأثورة مواقف الائمّة عليهم السلام وتضحياتهم في سبيل نصرة الحق، واعلاء كلمة الدين، وتجرُّدهم لطاعة الله تعالى، وقد وردت بأسلوب عربي جزل، وفصاحة عالية، وعبارات سهلة يفهمها الخاصّة والعامّة، وهي محتوية على أسمى معاني التوحيد ودقائقه، والدعاء والابتهال اليه تعالى.
فهي بحق من أرقى الاَدب الديني بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة والاَدعية المأثورة عنهم؛ إذ أودعت فيها خلاصة معارف الاَئمّة عليهم السلام فيما يتعلَّق بهذه الشؤون الدينية والتهذيبية.
ثمّ إنّ في آداب الزيارة أيضاً من التعليم والارشاد ما يؤكِّد من تحقيق تلك المعاني الدينية السامية، من نحو رفع معنوية المسلم، وتنمية روح العطف على الفقير، وحمله على حسن العشرة والسلوك، والتحبّب إلى
مخالطة الناس؛ فإنّ من آدابها ما ينبغي أن يصنع قبل البدء بالدخول في المرقد المطهَّر وزيارته.
ومنها ما ينبغي أن يصنع في اثناء الزيارة وفيما بعد الزيارة، ونحن هنا نعرض بعض هذه الآداب؛ للتنبيه على مقاصدها التي قلناها:
من آدابها:
1 ـ أن يغتسل الزائر قبل الشروع بالزيارة ويتطهَّر(1) وفائدة ذلك فيما نفهمه واضحة، وهي ان ينظِّف الانسان بدنه من الاَوساخ؛ ليقيه من كثير من الاَمراض والاَدواء، ولئلاّ يتأفّف من روائِحه الناس(2) وأن يطهِّر نفسه من الرذائل.
وقد ورد في المأثور أن يدعو الزائر بعد الانتهاء من الغسل؛ لغرض تنبيهه على تلكم الاَهداف العالية فيقول: « اللّهُمَّ اجعلْ(3) لِي نوراً وطهوراً، وحِرْزاً كافياً(4) منْ كلِّ داءٍ وسقَمٍ، ومنْ كلِّ آفةٍ وعاهةٍ، وطهِّرْ بهِ قلبي وجوارِحِي، وعظامِي(5) ولحمِي ودمِي، وشعرِي وبشري ومخِّي وعظمِي(6) ، ومَا أقلَّتْ الاَرضُ منِّي، واجْعلْ (7) لِي شاهِداً يومَ حاجَتي(8) ، وفقْرِي
وفاقَتِي »(1).
2 ـ أن يلبس أحسن وأنظف ما عنده من الثياب(2) ؛ فإنّ في الاَناقة في الملبس في المواسم العامّة ما يحبّب الناس بعضهم إلى بعض، ويقرِّب بينهم، ويزيد في عزّة النفوس والشعور بأهميّة الموسم الذي يشترك فيه.
وممّا ينبغي أن نلفت النظر إليه في هذا التعليم أنّه لم يفرض فيه أن يلبس الزائر أحسن الثياب على العموم، بل يلبس أحسن ما يتمكَّن عليه؛ إذ ليس كل أحد يستطيع ذلك، وفيه تضييق على الضعفاء لا تستدعيه الشفقة، فقد جمع هذا الاَدب بين ما ينبغي من الاَناقة، وبين رعاية الفقير وضعيف الحال.
3 ـ أن يتطيَّب ما وسعه الطيب، وفائدته كفائدة أدب لبس أحسن الثياب.
4 ـ أن يتصدَّق على الفقراء بما يعنَّ له أن يتصَّدق به، ومن المعلوم فائدة التصدُّق في مثل هذه المواسم، فإنّ فيه معاونة المعوزين، وتنمية روح العطف عليهم.
5 ـ أن يمشي على سكينة ووقار غاضّاً من بصره(3) ، وواضح ما في هذا من توقير للحرم والزيارة، وتعظيم للمزور، وتوجّه إلى الله تعالى، وانقطاع إليه، مع ما في ذلك من اجتناب مزاحمة الناس ومضايقتهم في المرور، وعدم إساءة بعضهم إلى بعض.
6 ـ أن يكبِّر بقول: «الله أكبر» ويكرّر ذلك ما شاء(4) ، وقد تُحدَّد في
بعض الزيارات إلى أن تبلغ المائة(1) . وفي ذلك فائدة اشعار النفس بعظمة الله، وأنّه لا شيء أكبر منه، وأنّ الزيارة ليست إلاّ لعبادة الله وتعظيمه وتقديسه في إحياء شعائر الله وتأييد دينه.
7 ـ وبعد الفراغ من الزيارة للنبي أو الامام يصلّي ركعتين على الاَقل، تطوّعاً وعبادة لله تعالى؛ ليشكره على توفيقه إياه، ويهدي ثواب الصلاة إلى المزور.
وفي الدعاء المأثور الذي يدعو به الزائر بعد هذه الصلاة ما يفهم الزائر أنّ صلاته وعمله إنّما هو لله وحده، وإنه لا يعبد سواه، وليست الزيارة إلاّ نوع التقرّب إليه تعالى زلفى؛ إذ يقول:
« اللّهمَّ لكَ صلَّيْتُ، ولكَ ركعْتُ، ولَكَ سجدْتُ وحدَكَ لا شريكَ لكَ؛ لاَنّه لا تكون الصلاةُ والركُوعُ والسجودُ إلاّ لَكَ؛ لاَنَّكَ أنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاّ أنْتَ. اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمّدٍ، وتقبَّلْ منِّي زيارَتِي، وأعَطِني سؤلِي، بمحمَّدٍ وآلهِ الطاهرينَ »(2)
وفي هذا النوع من الاَدب ما يوضّح لمن يريد أن يفهم الحقيقة عن مقاصد الاَئمة وشيعتهم تبعاً لهم في زيارة القبور، وما يلقم المتجاهلين حجراً حينما يزعمون أنّها عندهم من نوع عبادة القبور، والتقرّب إليها، والشرك بالله.
وأغلب الظن أنّ غرض أمثال هؤلاء هو التزهيد فيما يجلب لجماعة الامامية من الفوائد الاجتماعية الدينية في مواسم الزيارات؛ إذ أصبحت شوكة في أعين أعداء آل بيت محمَّد، وإلاّ فما نظنهم يجهلون حقيقة مقاصد
آل البيت فيها. حاشا أولئك الذين أخلصوا لله نيّاتهم، وتجرّدوا له في عباداتهم، وبذلوا مهجهم في نصرة دينه أن يدعو الناس إلى الشرك في عبادة الله.
8 ـ ومن آداب الزيارة: أن يلزم للزائر حسن الصحبة لمن يصحبه، وقلّة الكلام إلاّ بخير، وكثرة ذكر الله(1) والخشوع، وكثرة الصلاة، والصلاة على محمَّد وآل محمَّد، وأن يغضّ من بصره، وأن يعدو إلى أهل الحاجة من إخوانه إذا رأى منقطعاً، والمواساة لهم، والورع عمّا نُهي عنه، وعن الخصومة، وكثرة الاَيمان، والجدال الذي فيه الاَيمان(2)
ثمّ أنّه ليست حقيقة الزيارة إلاّ السلام على النبي أو الامام باعتبار أنّهم (أحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(3) ؛ فهم يسمعون الكلام، ويردّون الجواب، ويكفي أن يقول فيها مثلاً: (السلام عليك يا رسول الله).
غير أنّ الاَولى أن يقرأ فيها المأثور الوارد من الزيارات عن آل البيت؛ لما فيها ـ كما ذكرنا ـ من المقاصد العالية، والفوائد الدينية، مع بلاغتها وفصاحتها، ومع ما فيها من الاَدعية العالية التي يتّجه بها الانسان إلى الله تعالى وحده.
الهوامش
1) وللمزيد من الاطّلاع راجع كتاب كامل الزيارات، فقد ورد فيه من الاَحاديث التي تصف ثواب زيارة الرسول صلّى الله عليه وآله والاَئمّة عليهم السلام الشيء الكثير.
(2) من قول الامام الرضا عليه السلام. راجع: كامل الزيارات لابن قولويه: 122 باب 44 ثواب من زار الحسين عليه السلام.
واُنظر ـ كذلك ـ : الكافي: 4|567 ح2، من لا يحضره الفقيه: 2|577 ح3160، تهذيب الاحكام: 6|78 ح3 و:93 ح2
(1) راجع: كامل الزيارات: 39 باب 11 ـ زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام.
(1) راجع: كامل الزيارات: 184 الباب 75: من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام، 198 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(2) قال أمير المؤمنين عليه السلام: «تنظّفوا بالماء من الريح المنتنة وتعهدوا أنفسكم؛ فان الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأفّف من جلس إليه» تحف العقول: 24.
(3) في المصدر: «اجعله».
(4) في المصدر: «وكافياً».
(5) لم ترد (وعظامي) في المصدر.
(6) في المصدر: «وعظامي وعصبي».
(7) في المصدر: «فاجعله».
(8) في المصدر: «يوم القيامة ويوم حاجتي».
(1) كامل الزيارات: 186 الباب 75 من اغتسل في الفرات وزار الحسين عليه السلام.
(2) لاحظ: كامل الزيارات: 130 باب 48 ح1، و198 الباب 79.
(3) لاحظ: كامل الزيارات: 130 باب 48 ح1.
(4) لاحظ: كامل الزيارات: 199 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(1) لاحظ: كامل الزيارات: 222 الباب 79 زيارات الحسين بن علي عليه السلام.
(2) المصباح للكفعمي: 2|158.
(1) ليس المراد من كثرة ذكر الله تكرار التسبيح والتكبير ونحوهما فقط، بل المراد ما ذكره الصادق عليه السلام في بعض الحديث في تفسير ذكر الله كثيراً أنّه قال: «أما أني لا أقول سبحان الله والحمد لله ولا اله إلاّ الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية».
(2) راجع كامل الزيارات: 131 . ح1.
(3) إشارة إلى قوله تعالى (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذيِنَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران 3: 169.
المصدر
عَـقـائد الإمامـيـَّة
مـحـمـد رضـا المـظـفـر