محمد المياحي
08-08-2009, 02:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال بيت محمد وسلم تسليما كثيراااا
دراسه حول عدالة الصحابه .................................!!!!!!!
إن مسألة الصحابة ودرجة عدالتهم هي من أكبر المسائل المختلف عليها بين أهل السنة والشيعة ، ومن أكثرها حساسية ، فأهل السنة يرون أن الصحابة جميعهم عدولا لا يطرق إليهم الجرح ، ولا يجوز نقدهم أو الشك فيما يروونه من حديث رسول الله صلى الله عليه ، وهم بذلك يلتزمون بكل ما رواه الصحابي .
والصحابي عند أهل السنة - كما ذكر النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم ج 1 ص 28 ط دار الشعب
- هو : " كل مسلم رأى رسول الله ( ص ) ولو لحظة ، وهذا هو الصحيح في حده ، وهو مذهب ابن حنبل والبخاري في صحيحه والمحدثين كافة "
وأما الشيعة فإنهم يرون أن الصحابة لم يكونوا على درجة واحدة من العدالة ، وهم معرضون للجرح والنقد مستندين في ذلك إلى أدلة دامغة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة وأما ما يفترى به على الشيعة بأنهم يكفرون جميع الصحابة بالإضافة إلى
سبهم ولعنهم ما هو إلا كذب صارخ ، فنقد الصحابي لا يعني تكفيرا له كما يشيع بعض السخفاء ، وإذا كان ذلك النقد مبني على الأدلة المقنعة ، فلماذا الغضب وكل هذه الضجة ؟
ففي الصحابة مؤمنين أثنى الله عليهم في القرآن الكريم بقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة . . . ) الفتح : 18 .
فكما ذكر العلامة لطف الله الصافي بشأن هذه الآية : ( إن الله تعالى قد خص الثناء بالمؤمنين فقط ممن حضروا بيعة الشجرة ، ولم تشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبد الله بن أبي وأوس بن خولى ، فلا دلالة للآية على كل من بايع ،
ولا تدل على حسن خاتمة أمر جميع المبايعين المؤمنين ، فالآية لا تدل على أكثر أن الله تعالى رضي عنهم بيعتهم هذه - أي قبلها منهم - ويثيبهم عليها ، فرضى الله عن أهل هذه البيعة ليس مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد ،
والدليل على ذلك قوله تعالى بشأنهم : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله * يد الله فوق أيديهم * فمن نكث فإنما ينكث على نفسه * ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) الفتح : 10
بتصرف عن كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة للعلامة لطف الله الصافي
فلو لم يجز أن يكون من المبايعين من ينكث بيعته وكان رضا الله عنهم إلى الأبد ، لما كانت هناك فائدة لقوله تعالى : ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )
وفي الصحابة من أخبر الرسول صلى الله عليه وآله بردتهم بعد وفاته ، ومن ثم هلاكهم يوم القيامة من خلال الحديث التالي الذي
أخرجه البخاري في صحيحه ج 9 ص 144 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
بسنده عن سهل بن سعد قال : " سمعت النبي ( ص ) يقول : أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم . قال : لسمعته يزيد فيه ، قال : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي
صحيح البخاري ج 9 ص 144 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .
وعن عبد الله، قال النبي ( ص ) في حديث له مع الصحابة : " أنا فرطكم على الحوض . ليرفعن إلي رجال منكم . حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب ، أصحابي ، يقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك "
وتأكيدا للحديثين السابقين واللذان يشيران إلى الأحداث والتبديل ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله يشبههم بأمم اليهود والنصارى الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ،
فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا ، وذراعا ذراعا ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ "
صحيح البخاري ج 9 ص 315 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب لتتبعن من كان قبلكم
وفي الصحابة من أخبر الله عنهم بكتابه العزيز : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) الجمعة : 11 .، حيث نزلت هذه الآية في الصحابة الذين تركوا الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخطب يوم الجمعة عندما سمعوا بقافلة قدمت من الشام ، ولم يبق معه منهم سوى اثني عشر رجلا فقط من كل تلك الآلاف من الصحابة
صحيح البخاري ج 6 ص 391 كتاب التفسير
فعن جابر بن عبد الله قال : " أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي ( ص ) ، فثار الناس إلا اثنى عشر رجلا فأنزل الله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها )
صحيح البخاري ج 6 ص 28 كتاب الإيمان
وفي رواية أخرى قال : " بينما نحن نصلي مع النبي ( ص ) إذ أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي ( ص ) إلا اثنى عشر رجلا فنزلت هذه الآية : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما )
ونفس العدد من الصحابة ، بقي مع الرسول صلى الله عليه وآله عند فرارهم في موقعة أحد ، مما حدى برسول الله صلى الله عليه وآله أن يتبرأ يومئذ من فعلهم ذلك ،
صحيح البخاري ج 6 ص 67 كتاب التفسير باب قوله تعالى - ( والرسول يدعوكم في أخراكم ) .
فعن البراء بن عازب قال : " جعل النبي ( ص ) على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول ( ص ) في أخراهم ولم يبق مع النبي ( ص ) غير اثنى عشر رجلا
صحيح البخاري ج 4 ص 47 كتاب الجهاد باب قوله - من المؤمنين رجال صدقوا
وعن أنس رضي الله عنه قال : " غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع . فلما كان يوم أحد ، وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني أصحابه "
ويوم حنين كان فرار الصحابة أدهى وأمر ، حيث كانوا يعدون بالآلاف ، وقد نزل القرآن الكريم يؤنبهم على فعلتهم الشنيعة هذه بقوله تعالى : " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا * وضاقت عليكم الأرض بما رحبت * ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . ) التوبة : 25 - 2
وفي الصحابة من أنزل الله تعالى في حقهم : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، تريدون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ، والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) الأنفال : 67 - 68 . ، وكان نزول هذه
الآية بحق فئة من الصحابة كان من رأيهم أن يأخذوا العير وما تجمل قافلة أبو سفيان وتفضيلهم ذلك على القتال عندما استشارهم الرسول ( ص ) قبل موقعة بدر ليرى مدى استعدادهم ورغبتهم للقتال .
وفي الصحابة من أنبهم الرسول صلى الله عليه وآله لدعواتهم القبلية ونزعاتهم الجاهلية ،
صحيح البخاري ج 6 ص 397 كتاب التفسير باب قوله - سواء عليهم استغفرت لهم
كما يظهر مما رواه جابر بن عبد الله ( رض ) قال : " كنا في غزاة ، قال سفيان مرة في جيش فكسع رجلا من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذلك رسول الله ( ص ) فقال : ما بال دعوى جاهلية "
وهذه الدعوى الجاهلية كادت أن تحدث حربا بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتان تشكلان مجموع الأنصار
صحيح البخاري ج 3 ص 508 كتاب الشهادات ،
فعن عائشة ( رض ) قالت : " . . . فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله ، أنا والله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله ، والله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين .
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ، ورسول الله ( ص ) على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت "
وفي الصحابة من كان يبغض عليا والذي كان كرهه علامة من علامات النفاق كما مر ، صحيح البخاري ج 5 ص 447 كتاب المغازي باب بعث علي وخالد رضي الله عنهما إلى اليمن
فعن أبي بريدة قال : " بعث النبي ( ص ) عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي ( ص ) ذكرت له فقال : يا بريدة ، أتبغض عليا ؟ فقلت : نعم ، قال : لا تبغضه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك "
ومن الصحابة من كان يطعن بقرارات النبي صلى الله عليه وآله ، كما ظهر ذلك في طعنهم بتأمير أسامة بن زيد على سبيل المثال ،
صحيح البخاري ج 5 ص 57 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد .
فعن ابن عمر ( رض ) قال : " بعث النبي ( ص ) بعثا ، وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي ( ص ) : إن تطعنوا في إمارته ، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل )
ومن الصحابة من طردهم الرسول صلى الله عليه وآله من مجلسه عندما اعترضوا على أمره لهم بكتابة وصيته الأخيرة والذين بدل من ذلك وصفوه بالهذيان
صحيح البخاري ج 4 ص 260 كتاب الخمس باب إخراج اليهود من جزيرة العرب
فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى ، فقلت : يا ابن عباس ، ما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله ( ص ) وجعه ،
فقال : ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما له أهجر ؟ استفهموه . فقال : ذروني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه
وفي الصحابة من تنازع على الإمارة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، حتى وصل الحد ببعضهم أن يطالب تعيين أميرين واحدا للمهاجرين وآخر للأنصار ، مما يثبت عدم تخليهم عن نزعاتهم القبلية الجاهلية بالرغم من إسلامهم كما مر تفصيله في باب أحداث السقيفة .
وفي الصحابة أبو هريرة ومعاوية اللذان أفردت لهما أبوابا خاصة في أماكن أخرى من هذا البحث فراجع .
ولعل مبالغة أهل السنة في رفع منزلة الصحابي مردها إلى تشرفه بصحبة النبي صلى الله عليه وآله ، ولكن ذلك ليس أكثر امتيازا من التشرف بالزواج منه ، حيث قال الله تعالى بشأن نساءه : ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) الأحزاب : 30 .
وكذلك قوله تعالى بشأن تظاهر عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه ) - إلى قوله - ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين * فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) التحريم : 4 -
ونقصد من ذلك أن كثرة مصاحبة النبي صلى الله عليه وآله لا تعني بالضرورة ارتفاع درجة إيمان المصاحبين ، فبالاضافة إلى ما سبق من روايات بشأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، فقد روي عن أزواجه ما يشابه ذلك ، إن لم يكن أبلى وأشد ،
فعن ابن عباس ( رض ) قال : " لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي ( ص ) فجعلت أهابه ، فنزل يوما منزلا فدخل الأراك ، فلما خرج سألته فقال : عائشة وحفصة ، ثم قال : كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا ، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شئ من أمورنا .
صحيح البخاري ج 7 ص 489 كتاب اللباس
وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لها : وإنك لهناك ، قالت : تقول هذا لي وابنتك تؤذي رسول الله ( ص ) ! فأتيت حفصة فقلت لها : إني أحذرك أن تعصي الله ورسوله "
صحيح البخاري ج 6 ص 404 كتاب التفسير باب أيها النبي لم تحرم .
وعن عائشة ( رض ) قالت : " كان رسول الله ( ص ) يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها ، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير ، إني أجد منك ريح مغافير . قال : لا ، ولكنني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا .
صحيح البخاري ج 3 ص 454 كتاب الهبة باب من أهدى إلى صاحبه
وعن عائشة ( رض ) أيضا قالت : " إن نساء النبي ( ص ) كن حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله ( ص )
صحيح البخاري ج 6 ص 295 كتاب التفسير باب قوله - ترجى ما تشاء منهن
وعن عائشة ( رض ) قالت : " كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ( ص ) وأقول : اتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله تعالى : ( ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك " . قلت : ما أرى إلا ربك يسارع في هواك "
صحيح البخاري ج 5 ص 105 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها
وعن عائشة ( رض ) قالت : " استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ( ص ) فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك . فقال : اللهم هالة ، قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها
وفي قول آخر لعائشة بشأن خديجة التي تميزت على جميع نساء النبي صلى الله عليه وآله ، فقد صدقت بدعوة النبي صلى الله عليه وآله يوم كذب به الناس ، وتصدقت له بمالها يوم حرمه الناس ، ورزق منها الولد ، الأمر الذي يفسر غيرة عائشة الشديدة منها وخصوصا أن الرسول صلى الله عليه وآله كان دائم الذكر لفضائلها حتى بعد موتها ، وفي ذلك ما يناقض قول عائشة بالرواية السابقة من أن الله قد أبدله خير منها .
صحيح البخاري ج 5 ص 104 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها .
فعن عائشة ( رض ) قالت : " ما غرت على أحد من نساء النبي ( ص ) ما غرت على خديجة وما رأيتها ، ولكن كان النبي ( ص ) يكثر ذكرها . وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد
وما يرتكز عليه من يعتقدون عدالة جميع الصحابة هو زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
وفي رواية أخرى : " بأيهم أخذتم قوله . . . " .
وبالرغم من أن أهل السنة لا يقولون صراحة بعصمة جميع الصحابة ، إلا أن من يزعم صحة هذه الرواية فإنه لا بد وأن يعتقد بعصمتهم جميعا لأنه ليس من الممكن أن يأمر الرسول صلى الله عليه وآله بالاقتداء مطلقا دون أي قيد أو شرط - كما توحي هذه الرواية المزعومة - بمن يحتمل فعله لمعصيته .
وهكذا ، فإن الروايات السابقة والتي تجعل عدالة الكثير من الصحابة محل نظر وتأمل إنما هي في غالبها بشأن من طالت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فما بالك إذن بعدالة من سموا بالصحابة لمجرد رؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ولو للحظة واحدة ؟ ؟ ولماذا يا ترى هذه المبالغة ؟
وهل العدالة أو التقوى تكتسب لمجرد رؤية الرسول صلى الله عليه وآله ولو لحظة أم بالطاعة والاقتداء بما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله بحسن نية وإخلاص ؟ ؟
ولعل هذا التناقض الذي يأباه العقل السليم والفطرة البشرية يتضح بأجلى صورة بتفضيل بعض علماء المسلمين من أهل السنة كابن تيمية لمعاوية بن أبي سفيان على الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز لا لشئ إلا لأن معاوية كان صحابي وعمر تابعي ،
وذلك بالرغم مما اشتهر به عمر بن عبد العزيز بالتقوى والعدل على عكس معاوية الذي اشتهر بإحداثه الفتنة الكبرى بين المسلمين في صفين وخروجه على أمير المؤمنين علي عليه السلام كما مر سابقا ،
وإضافة لما اشتهر به عمر بن عبد العزيز بأنه الخليفة الراشدي الخامس عند أهل السنة ، وهذا بحد ذاته يدل على عدم رشد معاوية ، وبالتالي عدم لزوم رشد أحد بمجرد صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله .
ومن المفيد أن نتساءل في هذا المقام ، أيهما أعلى درجة : من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله بعد أن رأى عشرات المعجزات السماوية بأم عينيه ، أم الذي آمن بالإسلام دون أن يرى أي منها ؟ ؟ والحقيقة إنني لم أرى تفسيرا لهذه المبالغة بدرجة تقوى الصحابة ،
وإشاعة فكرة عدالتهم جميعا ما هو إلا لغلق الباب في وجه كل من ينتقد بعض الصحابة الذين عملوا على إبعاد الخلافة عن أصحابها الشرعيين ، وهكذا فإن الكثيرين من أهل السنة يرفضون جميع الأدلة الدامغة بأحقية أهل البيت عليهم السلام بإمامة المسلمين لا لشئ إلا لاعتقادهم بعدالة جميع الصحابة وهم لذلك يحملون أي تصرف قاموا به على الصحة .
وأما الذين عملوا على بث هذه الفكرة الخاطئة فهو لأنهم كانوا يرون بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام خطرا يهدد عروشهم ، لعلمهم ما لهؤلاء حقا في ذلك ، فكان لا بد من محاولة إضفاء نوعا من التعتيم والفوضى على الأحاديث والآيات التي
تظهر مكانتهم وفي نفس الوقت رفعهم لمكانة جميع الصحابة حتى لا يكون للأئمة من أهل البيت تلك الميزة التي أهلتهم ليكونوا موضع اختيار الله عز وجل لإمامة أمة الإسلام بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله .
مستدرك الصحيحين
وهكذا ، فإن الحديث المزعوم والقائل بنجومية جميع الصحابة الذي مر قد اقتبست ألفاظه ومعانيه من حديث الرسول صلى الله عليه وآله : " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس
وقد كان من أهم الآثار السلبية التي تمخضت نتيجة للاعتقاد بعدالة جميع الصحابة هو وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الغثة في كتب الحديث كالإسرائيليات والمسيحيات وغير ذلك من الخرافات مما يتخذ مطاعن على دين الإسلام ، ذلك أن تلك
الروايات قد أخذت محل القبول والتصديق لمجرد أنها رويت عن الصحابة بالرغم من كل ما يحتمل عليهم فعله كما بينا ذلك من خلال الروايات العديدة السابقة .
اللهم صلي على محمد وال بيت محمد وسلم تسليما كثيراااا
دراسه حول عدالة الصحابه .................................!!!!!!!
إن مسألة الصحابة ودرجة عدالتهم هي من أكبر المسائل المختلف عليها بين أهل السنة والشيعة ، ومن أكثرها حساسية ، فأهل السنة يرون أن الصحابة جميعهم عدولا لا يطرق إليهم الجرح ، ولا يجوز نقدهم أو الشك فيما يروونه من حديث رسول الله صلى الله عليه ، وهم بذلك يلتزمون بكل ما رواه الصحابي .
والصحابي عند أهل السنة - كما ذكر النووي في مقدمة شرحه على صحيح مسلم ج 1 ص 28 ط دار الشعب
- هو : " كل مسلم رأى رسول الله ( ص ) ولو لحظة ، وهذا هو الصحيح في حده ، وهو مذهب ابن حنبل والبخاري في صحيحه والمحدثين كافة "
وأما الشيعة فإنهم يرون أن الصحابة لم يكونوا على درجة واحدة من العدالة ، وهم معرضون للجرح والنقد مستندين في ذلك إلى أدلة دامغة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة وأما ما يفترى به على الشيعة بأنهم يكفرون جميع الصحابة بالإضافة إلى
سبهم ولعنهم ما هو إلا كذب صارخ ، فنقد الصحابي لا يعني تكفيرا له كما يشيع بعض السخفاء ، وإذا كان ذلك النقد مبني على الأدلة المقنعة ، فلماذا الغضب وكل هذه الضجة ؟
ففي الصحابة مؤمنين أثنى الله عليهم في القرآن الكريم بقوله : ( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة . . . ) الفتح : 18 .
فكما ذكر العلامة لطف الله الصافي بشأن هذه الآية : ( إن الله تعالى قد خص الثناء بالمؤمنين فقط ممن حضروا بيعة الشجرة ، ولم تشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبد الله بن أبي وأوس بن خولى ، فلا دلالة للآية على كل من بايع ،
ولا تدل على حسن خاتمة أمر جميع المبايعين المؤمنين ، فالآية لا تدل على أكثر أن الله تعالى رضي عنهم بيعتهم هذه - أي قبلها منهم - ويثيبهم عليها ، فرضى الله عن أهل هذه البيعة ليس مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد ،
والدليل على ذلك قوله تعالى بشأنهم : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله * يد الله فوق أيديهم * فمن نكث فإنما ينكث على نفسه * ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) الفتح : 10
بتصرف عن كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة للعلامة لطف الله الصافي
فلو لم يجز أن يكون من المبايعين من ينكث بيعته وكان رضا الله عنهم إلى الأبد ، لما كانت هناك فائدة لقوله تعالى : ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه )
وفي الصحابة من أخبر الرسول صلى الله عليه وآله بردتهم بعد وفاته ، ومن ثم هلاكهم يوم القيامة من خلال الحديث التالي الذي
أخرجه البخاري في صحيحه ج 9 ص 144 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
بسنده عن سهل بن سعد قال : " سمعت النبي ( ص ) يقول : أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم . قال : لسمعته يزيد فيه ، قال : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي
صحيح البخاري ج 9 ص 144 كتاب الفتن باب واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة .
وعن عبد الله، قال النبي ( ص ) في حديث له مع الصحابة : " أنا فرطكم على الحوض . ليرفعن إلي رجال منكم . حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب ، أصحابي ، يقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك "
وتأكيدا للحديثين السابقين واللذان يشيران إلى الأحداث والتبديل ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله يشبههم بأمم اليهود والنصارى الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ،
فعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا ، وذراعا ذراعا ، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم . قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ "
صحيح البخاري ج 9 ص 315 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب لتتبعن من كان قبلكم
وفي الصحابة من أخبر الله عنهم بكتابه العزيز : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ) الجمعة : 11 .، حيث نزلت هذه الآية في الصحابة الذين تركوا الرسول صلى الله عليه وآله وهو يخطب يوم الجمعة عندما سمعوا بقافلة قدمت من الشام ، ولم يبق معه منهم سوى اثني عشر رجلا فقط من كل تلك الآلاف من الصحابة
صحيح البخاري ج 6 ص 391 كتاب التفسير
فعن جابر بن عبد الله قال : " أقبلت عير يوم الجمعة ونحن مع النبي ( ص ) ، فثار الناس إلا اثنى عشر رجلا فأنزل الله : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها )
صحيح البخاري ج 6 ص 28 كتاب الإيمان
وفي رواية أخرى قال : " بينما نحن نصلي مع النبي ( ص ) إذ أقبلت عير تحمل طعاما فالتفتوا إليها حتى ما بقي مع النبي ( ص ) إلا اثنى عشر رجلا فنزلت هذه الآية : ( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما )
ونفس العدد من الصحابة ، بقي مع الرسول صلى الله عليه وآله عند فرارهم في موقعة أحد ، مما حدى برسول الله صلى الله عليه وآله أن يتبرأ يومئذ من فعلهم ذلك ،
صحيح البخاري ج 6 ص 67 كتاب التفسير باب قوله تعالى - ( والرسول يدعوكم في أخراكم ) .
فعن البراء بن عازب قال : " جعل النبي ( ص ) على الرجالة يوم أحد عبد الله بن جبير وأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول ( ص ) في أخراهم ولم يبق مع النبي ( ص ) غير اثنى عشر رجلا
صحيح البخاري ج 4 ص 47 كتاب الجهاد باب قوله - من المؤمنين رجال صدقوا
وعن أنس رضي الله عنه قال : " غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر ، فقال : يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع . فلما كان يوم أحد ، وانكشف المسلمون قال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ، يعني أصحابه "
ويوم حنين كان فرار الصحابة أدهى وأمر ، حيث كانوا يعدون بالآلاف ، وقد نزل القرآن الكريم يؤنبهم على فعلتهم الشنيعة هذه بقوله تعالى : " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا * وضاقت عليكم الأرض بما رحبت * ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . . . ) التوبة : 25 - 2
وفي الصحابة من أنزل الله تعالى في حقهم : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، تريدون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ، والله عزيز حكيم ، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) الأنفال : 67 - 68 . ، وكان نزول هذه
الآية بحق فئة من الصحابة كان من رأيهم أن يأخذوا العير وما تجمل قافلة أبو سفيان وتفضيلهم ذلك على القتال عندما استشارهم الرسول ( ص ) قبل موقعة بدر ليرى مدى استعدادهم ورغبتهم للقتال .
وفي الصحابة من أنبهم الرسول صلى الله عليه وآله لدعواتهم القبلية ونزعاتهم الجاهلية ،
صحيح البخاري ج 6 ص 397 كتاب التفسير باب قوله - سواء عليهم استغفرت لهم
كما يظهر مما رواه جابر بن عبد الله ( رض ) قال : " كنا في غزاة ، قال سفيان مرة في جيش فكسع رجلا من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذلك رسول الله ( ص ) فقال : ما بال دعوى جاهلية "
وهذه الدعوى الجاهلية كادت أن تحدث حربا بين قبيلتي الأوس والخزرج اللتان تشكلان مجموع الأنصار
صحيح البخاري ج 3 ص 508 كتاب الشهادات ،
فعن عائشة ( رض ) قالت : " . . . فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله ، أنا والله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله ، والله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين .
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ، ورسول الله ( ص ) على المنبر فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت "
وفي الصحابة من كان يبغض عليا والذي كان كرهه علامة من علامات النفاق كما مر ، صحيح البخاري ج 5 ص 447 كتاب المغازي باب بعث علي وخالد رضي الله عنهما إلى اليمن
فعن أبي بريدة قال : " بعث النبي ( ص ) عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا ؟ فلما قدمنا على النبي ( ص ) ذكرت له فقال : يا بريدة ، أتبغض عليا ؟ فقلت : نعم ، قال : لا تبغضه ، فإن له في الخمس أكثر من ذلك "
ومن الصحابة من كان يطعن بقرارات النبي صلى الله عليه وآله ، كما ظهر ذلك في طعنهم بتأمير أسامة بن زيد على سبيل المثال ،
صحيح البخاري ج 5 ص 57 كتاب فضائل الصحابة باب مناقب زيد .
فعن ابن عمر ( رض ) قال : " بعث النبي ( ص ) بعثا ، وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي ( ص ) : إن تطعنوا في إمارته ، فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل )
ومن الصحابة من طردهم الرسول صلى الله عليه وآله من مجلسه عندما اعترضوا على أمره لهم بكتابة وصيته الأخيرة والذين بدل من ذلك وصفوه بالهذيان
صحيح البخاري ج 4 ص 260 كتاب الخمس باب إخراج اليهود من جزيرة العرب
فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه الحصى ، فقلت : يا ابن عباس ، ما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله ( ص ) وجعه ،
فقال : ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع ، فقالوا : ما له أهجر ؟ استفهموه . فقال : ذروني ، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه
وفي الصحابة من تنازع على الإمارة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، حتى وصل الحد ببعضهم أن يطالب تعيين أميرين واحدا للمهاجرين وآخر للأنصار ، مما يثبت عدم تخليهم عن نزعاتهم القبلية الجاهلية بالرغم من إسلامهم كما مر تفصيله في باب أحداث السقيفة .
وفي الصحابة أبو هريرة ومعاوية اللذان أفردت لهما أبوابا خاصة في أماكن أخرى من هذا البحث فراجع .
ولعل مبالغة أهل السنة في رفع منزلة الصحابي مردها إلى تشرفه بصحبة النبي صلى الله عليه وآله ، ولكن ذلك ليس أكثر امتيازا من التشرف بالزواج منه ، حيث قال الله تعالى بشأن نساءه : ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) الأحزاب : 30 .
وكذلك قوله تعالى بشأن تظاهر عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله : ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه ) - إلى قوله - ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين * فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) التحريم : 4 -
ونقصد من ذلك أن كثرة مصاحبة النبي صلى الله عليه وآله لا تعني بالضرورة ارتفاع درجة إيمان المصاحبين ، فبالاضافة إلى ما سبق من روايات بشأن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله ، فقد روي عن أزواجه ما يشابه ذلك ، إن لم يكن أبلى وأشد ،
فعن ابن عباس ( رض ) قال : " لبثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي ( ص ) فجعلت أهابه ، فنزل يوما منزلا فدخل الأراك ، فلما خرج سألته فقال : عائشة وحفصة ، ثم قال : كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئا ، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله رأينا لهن بذلك علينا حقا من غير أن ندخلهن في شئ من أمورنا .
صحيح البخاري ج 7 ص 489 كتاب اللباس
وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي فقلت لها : وإنك لهناك ، قالت : تقول هذا لي وابنتك تؤذي رسول الله ( ص ) ! فأتيت حفصة فقلت لها : إني أحذرك أن تعصي الله ورسوله "
صحيح البخاري ج 6 ص 404 كتاب التفسير باب أيها النبي لم تحرم .
وعن عائشة ( رض ) قالت : " كان رسول الله ( ص ) يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها ، فواطأت أنا وحفصة عن أيتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير ، إني أجد منك ريح مغافير . قال : لا ، ولكنني كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحدا .
صحيح البخاري ج 3 ص 454 كتاب الهبة باب من أهدى إلى صاحبه
وعن عائشة ( رض ) أيضا قالت : " إن نساء النبي ( ص ) كن حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله ( ص )
صحيح البخاري ج 6 ص 295 كتاب التفسير باب قوله - ترجى ما تشاء منهن
وعن عائشة ( رض ) قالت : " كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ( ص ) وأقول : اتهب المرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله تعالى : ( ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك " . قلت : ما أرى إلا ربك يسارع في هواك "
صحيح البخاري ج 5 ص 105 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها
وعن عائشة ( رض ) قالت : " استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله ( ص ) فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك . فقال : اللهم هالة ، قالت : فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشدقين هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها
وفي قول آخر لعائشة بشأن خديجة التي تميزت على جميع نساء النبي صلى الله عليه وآله ، فقد صدقت بدعوة النبي صلى الله عليه وآله يوم كذب به الناس ، وتصدقت له بمالها يوم حرمه الناس ، ورزق منها الولد ، الأمر الذي يفسر غيرة عائشة الشديدة منها وخصوصا أن الرسول صلى الله عليه وآله كان دائم الذكر لفضائلها حتى بعد موتها ، وفي ذلك ما يناقض قول عائشة بالرواية السابقة من أن الله قد أبدله خير منها .
صحيح البخاري ج 5 ص 104 كتاب مناقب الأنصار باب تزويج النبي خديجة وفضلها .
فعن عائشة ( رض ) قالت : " ما غرت على أحد من نساء النبي ( ص ) ما غرت على خديجة وما رأيتها ، ولكن كان النبي ( ص ) يكثر ذكرها . وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد
وما يرتكز عليه من يعتقدون عدالة جميع الصحابة هو زعمهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
وفي رواية أخرى : " بأيهم أخذتم قوله . . . " .
وبالرغم من أن أهل السنة لا يقولون صراحة بعصمة جميع الصحابة ، إلا أن من يزعم صحة هذه الرواية فإنه لا بد وأن يعتقد بعصمتهم جميعا لأنه ليس من الممكن أن يأمر الرسول صلى الله عليه وآله بالاقتداء مطلقا دون أي قيد أو شرط - كما توحي هذه الرواية المزعومة - بمن يحتمل فعله لمعصيته .
وهكذا ، فإن الروايات السابقة والتي تجعل عدالة الكثير من الصحابة محل نظر وتأمل إنما هي في غالبها بشأن من طالت صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ، فما بالك إذن بعدالة من سموا بالصحابة لمجرد رؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله ولو للحظة واحدة ؟ ؟ ولماذا يا ترى هذه المبالغة ؟
وهل العدالة أو التقوى تكتسب لمجرد رؤية الرسول صلى الله عليه وآله ولو لحظة أم بالطاعة والاقتداء بما أمر به الرسول صلى الله عليه وآله بحسن نية وإخلاص ؟ ؟
ولعل هذا التناقض الذي يأباه العقل السليم والفطرة البشرية يتضح بأجلى صورة بتفضيل بعض علماء المسلمين من أهل السنة كابن تيمية لمعاوية بن أبي سفيان على الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز لا لشئ إلا لأن معاوية كان صحابي وعمر تابعي ،
وذلك بالرغم مما اشتهر به عمر بن عبد العزيز بالتقوى والعدل على عكس معاوية الذي اشتهر بإحداثه الفتنة الكبرى بين المسلمين في صفين وخروجه على أمير المؤمنين علي عليه السلام كما مر سابقا ،
وإضافة لما اشتهر به عمر بن عبد العزيز بأنه الخليفة الراشدي الخامس عند أهل السنة ، وهذا بحد ذاته يدل على عدم رشد معاوية ، وبالتالي عدم لزوم رشد أحد بمجرد صحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله .
ومن المفيد أن نتساءل في هذا المقام ، أيهما أعلى درجة : من آمن بالرسول صلى الله عليه وآله بعد أن رأى عشرات المعجزات السماوية بأم عينيه ، أم الذي آمن بالإسلام دون أن يرى أي منها ؟ ؟ والحقيقة إنني لم أرى تفسيرا لهذه المبالغة بدرجة تقوى الصحابة ،
وإشاعة فكرة عدالتهم جميعا ما هو إلا لغلق الباب في وجه كل من ينتقد بعض الصحابة الذين عملوا على إبعاد الخلافة عن أصحابها الشرعيين ، وهكذا فإن الكثيرين من أهل السنة يرفضون جميع الأدلة الدامغة بأحقية أهل البيت عليهم السلام بإمامة المسلمين لا لشئ إلا لاعتقادهم بعدالة جميع الصحابة وهم لذلك يحملون أي تصرف قاموا به على الصحة .
وأما الذين عملوا على بث هذه الفكرة الخاطئة فهو لأنهم كانوا يرون بالأئمة من أهل البيت عليهم السلام خطرا يهدد عروشهم ، لعلمهم ما لهؤلاء حقا في ذلك ، فكان لا بد من محاولة إضفاء نوعا من التعتيم والفوضى على الأحاديث والآيات التي
تظهر مكانتهم وفي نفس الوقت رفعهم لمكانة جميع الصحابة حتى لا يكون للأئمة من أهل البيت تلك الميزة التي أهلتهم ليكونوا موضع اختيار الله عز وجل لإمامة أمة الإسلام بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله .
مستدرك الصحيحين
وهكذا ، فإن الحديث المزعوم والقائل بنجومية جميع الصحابة الذي مر قد اقتبست ألفاظه ومعانيه من حديث الرسول صلى الله عليه وآله : " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب ، اختلفوا فصاروا حزب إبليس
وقد كان من أهم الآثار السلبية التي تمخضت نتيجة للاعتقاد بعدالة جميع الصحابة هو وجود ذلك الكم الهائل من الروايات الغثة في كتب الحديث كالإسرائيليات والمسيحيات وغير ذلك من الخرافات مما يتخذ مطاعن على دين الإسلام ، ذلك أن تلك
الروايات قد أخذت محل القبول والتصديق لمجرد أنها رويت عن الصحابة بالرغم من كل ما يحتمل عليهم فعله كما بينا ذلك من خلال الروايات العديدة السابقة .