الطاف الزهراء
25-08-2009, 02:53 PM
ومن الطرائف العجيبة ما تجددت على فاطمة عليها السلام بنت محمد " ص " نبيهم من الاذى والظلم وكسر حرمتها وحرمة أبيها والاستخفاف بتعظيمه لها وتزكيتها ، كما تقدمت رواياتهم عنه في حقها من الشهادة بطهارتها وجلالتها وشرفها سائر النسوان وأنها سيده نساء أهل الجنة .
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 248
فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بانشائها وقراءتها في موسم الحج . وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعباسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ الى ذلك في حوادث سنة ثمانى
عشرة ومائتين جملتها ، ان جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة الى المأمون الخليفة العباسي من بنى العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لامهم فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم ، وان ابا بكر أخرج يدها عنها بغير حق ،وسالوا المأمون انصافهم وكشف ظلامتهم ، فاحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الامالة واتباع الصدق ، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسالهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك .
فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها الى محمد " ص " نبيهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بهذه الاية " وآت ذا القربى حقه " فقال محمد "
ص " : ومن ذو القربى وما حقة ؟ قال : فاطمة عليها السلام تدفع إليها فدك ، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك ، فاستغلتها حتى توفى أبوها محمد " ص " فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها ، فكلمته فاطمة عليها السلام في رد فدك
والعوالى عليها وقالت له : انها لى وان أبى دفعها إلى . فقال أبو بكر : ولا أمنعك ما دفع اليك ابوك . فاراد ان يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال : انها امراة فادعها بالبينة على ما ادعت ، فامر أبو بكر أن تفعل ، فجاءت بام أيمن وأسماء
بنت عميس مع علي بن أبى طالب عليه السلام فشهدوا لها جميعا بذلك ، فكتب لها أبو بكر ، فبلغ ذلك فاتاه فاخبره أبو بكر الخبر ، فاخذ الصحيفة فمحاها فقال : ان فاطمة امراة وعلي بن أبى طالب زوجها وهو جار الى نفسه ولا يكون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 249
بشهادة امراتين دون رجل . فارسل أبو بكر الى فاطمة عليها السلام فاعلمها بذلك ، فحلفت بالله الذي لا اله الا هو انهم ما شهدوا الا بالحق . فقال أبو بكر : فلعل ان تكوني صادقة ولكن احضري شاهدا لا يجر الى نفسه .
فقالت فاطمة : ألم تسمعا من أبى رسول الله " ص " يقول : أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة ؟ فقالا : بلى . فقالت : امراتان من الجنة تشهدان بباطل ! فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول : قد أخبرني أبى باني أول من يلحق به ، فو الله
لاشكونهما ، فلم تلبث أن مرضت فاوصت عليا أن لا يصليا عليها وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت ، فدفنها علي عليه السلام والعباس ليلا .
فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه اليوم ، ثم أحضر في اليوم الاخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال و
أمرهم بتقوى الله ومراقبته ، فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين ، فقالت طائفة منهم : الزوج عندنا جار الى نفسه فلا
شهادة له ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين ، وقالت طائفة : نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا الى نفسه ، فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة عليها
السلام ما ادعت ، فكان اختلاف الطائفتين اجماعا منهما على استحقاق فاطمة عليها السلام فدك والعوالي .
فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلى بن أبى طالب عليه السلام ، فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمنه رسالة المأمون ، وسالهم عن فاطمة عليها السلام فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة ، وسالهم عن ام أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم
محمد " ص " انهما من أهل الجنة ، فقال المأمون : أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق ؟ وقد
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 250
شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ، أو يجوز مع علمه وفضله ان يقال انه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها ؟ وهل يجوز أن يقال ان فاطمة مع طهارتها وعصمتها وانها سيدة نساء العالمين وسيده نساء أهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا
ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا اله الا هو ؟ أو يجوز أن يقال عن أم ايمن وأسماء بنت عميس انهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنة ؟ ان الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله والحاد في دين الله ، حاشا الله ان يكون ذلك كذلك .
ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن ابى طالب عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة محمد " ص " نبيهم ينادي : من كان له على رسول الله " ص " دين أو عدة فليحضر ، فحضر جماعة فاعطاهم على بن ابي طالب عليه السلام ما ذكروه بغير
بينة ، وان أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فاعطاها أبو بكر بغير بينة ، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين ، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة
نبيهم اعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بينة .
( قال عبد المحمود ) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وان جابرا قال : فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها ( 1 ) .
قال رواة رسالة المأمون : فتعجب المأمون من ذلك وقال : أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ، ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرا بالموسم على رؤوس الاشهاد ، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن على بن الحسن بن على بن ابى
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم في صحيحه : 4 / 1807 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 251
طالب عليه السلام يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم .
ومن طرائف صحيح الاجوبة في ترك علي بن ابى طالب عليه السلام لاستعادة فدك لما بويع له بالخلافة .
349 - ما ذكره ابن بابويه في أوائل كتاب العلل في باب العلة التى من أجلها ترك أمير المؤمنين " ع " فدك ولى الناس باسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام يعنى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال : قلت له لم لم ياخذ أمير
المؤمنين عليه السلام فدك لما ولى الناس ولاي علة تركها ؟ فقال : لان الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل ، واثاب الله المظلومة وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة .
وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا آخر ، ورواه باسناده الى ابراهيم الكرخي قال : سالت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له : لاي علة ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس فقال : للاقتداء برسول الله " ص " لما فتح مكة وقد باع عقيل أبى طالب
داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع الى دارك ؟ فقال " ص " وهل ترك عقيل لنا دارا ، انا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولى . وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا ثالثا باسناده الى علي بن فضال عن
أبيه عن أبى الحسن يعنى موسى بن الكاظم عليهما السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدك لما ولي الناس ؟ فقال : لانا أهل بيت لا ناخذ حقوقنا ممن ظلمنا الا هو ( يعني الا الله ) ونحن اولياء قوله المؤمنين انما نحكم لهم
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 252
وناخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا ناخذ لانفسنا ( 1 ) .
( قال عبد المحمود ) : ما زلت أسمع علماء اهل البيت عليهم السلام يتالمون من أبى بكر وعمر باخذ فدك من أمهم وقد وقفت على كتب لهم وروايات كثيرة عن سلفهم حتى أنهم يراعون حفظ حدود فدك كما يراعي المظلوم حفظ حدود ضيعته وملكه إذا غصب منه .
350 - ومن ذلك ما رواه علي بن اسباط سئل أنه موسى بن جعفر عليه السلام عن حدود فدك فقال : حدها الاول عرش مصر والحد الثاني دومة الجندل والحد الثالث تيما والحد الرابع جبال أحد من المدينة ( 2 )
351 - ومن ذلك ما رواه على بن اسباط رفعه الى الرضا عليه السلام ان رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له : ما تقول في أبى بكر ؟ قال له : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ، فالح السائل عليه في كشف الجواب ، فقال عليه السلام : كانت لنا أم صالحة ماتت وهى عليهما ساخطة ولم ياتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما .
( قال عبد المحمود ) : وعلماء أهل البيت عليهم السلام لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم الا الله تعالى ، وما رايت ولا سمعت عنهم انهم يختلفون في ان أبا بكر وعمر ظلما امهم فاطمة عليها السلام ظلما عظيما .
وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الاوائل ان أول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية وجعلها بينهم أثلاثا ، ثم قبضت من ورثة فاطمة فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدى ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه .
* ( هامش ) *
( 1 ) علل الشرائع : 1 / 154 - 155 .
( 2 ) راجع الكافي للكليني : 1 / 456 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 253
ومن غير كتاب أبى هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي .
( قال عبد المحمود ) : ومن طريف ما رايت المناقضة في ذلك ان أبا بكر وعمر يردان شهادة على بن ابى طالب عليه السلام ويقولان انه يجر الى نفسه ، وقد عرف أهل الملل والعارفون باحوال الاسلام ان علي بن ابى طالب عليه السلام ما كان طالبا للدنيا ولا راغبا فيها ولا متكلا عليها كما فعل أبو بكر وعمر حتى يقال انه يجر الى نفسه .
ومن طريف أن يكون الله العالم بالسرائر يشهد لعلى بن أبى طالب عليه السلام على لسان رسولهم على ما ذكروه في صحاحهم وقد تقدم بعضه أن على بن أبى طالب عليه السلام ممدوح مزكى في الحياة وبعد الوفاة وأنه أفضل الصحابة ،
فان جاز الشك في علي عليه السلام الموصوف بتلك الصفات فانما هو شك فيمن أسندوا إليه تلك الروايات وتكذيب لانفسهم فيما صححوه ، ونقص للاسلام الذي مدحوه .
ومن طريف ذلك أن تسقط شهادة علي عليه السلام بدعوى أنه يجر الى نفسه ، ويشهد أبو بكر ان ميراث محمد " ص " للمسلمين ، فإذا كان أبو بكر من المسلمين فله في ميراثه حصة ولكل من وافقه في الشهادة بذلك ، فكيف لا يكونون جارين
الى انفسهم ؟ وكيف لا يبطل شهادة أبي بكر وهو في تلك الحال يزعم انه وكيل المسلمين وشاهد لهم وشاهد لنفسه ومدع لثبوت يده على فدك والعوالي ، ولا يكون بعض هذه الامور القادحة في الشهادات مبطلا لشهادته ولا جارا الى نفسه ولا مسقطا لروايته . ان ذلك من طرائف ما ادعاه المسلمون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 254
وعجائب السلف الماضين .
352 - ومن طريف مناقضاتهم ما رووه في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني اجازة قال : حدثنا القاضى أبو نصر شعيب بن
على قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبى سعيد قال : لما نزلت هذه الاية " وآت ذا القربى حقه " ( 1 ) دعا رسول الله " ص " فاطمة فاعطاها فدكا ( 2 ) .
( قال عبد المحمود ) : فهل ترى عذرا في منع فاطمة عليها السلام من فدك ؟ وهل تراهم الا قد شهدوا بتصديقها ثم منعوها وكذبوها ؟ وهل ترى شكا فيما ترويه الشيعة من ظلمها ودفعها من حقها ؟ .
ومن طريف مناقضتهم ايضا في ذلك واقرارهم بظهور حجة الله وحجة رسوله وحجة فاطمة عليهم ، ومبالغتهم في اعترافهم ببطلان أعذارهم في منع فاطمة من فدك .
353 - ما ذكره المسمى صدر الائمة عندهم فخر خوارزم موفق بن احمد المكي في كتابه قال ما هذا لفظه : ومما سمعت في المقادير باسنادى عن ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول الله " ص " : يا علي ان الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الارض ، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 248
فذكر أصحاب التواريخ في ذلك رسالة طويلة تتضمن صورة الحال أمر المأمون الخليفة العباسي بانشائها وقراءتها في موسم الحج . وقد ذكرها صاحب التاريخ المعروف بالعباسي وأشار الروحي الفقيه صاحب التاريخ الى ذلك في حوادث سنة ثمانى
عشرة ومائتين جملتها ، ان جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام رفعوا قصة الى المأمون الخليفة العباسي من بنى العباس يذكرون أن فدك والعوالي كانت لامهم فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم ، وان ابا بكر أخرج يدها عنها بغير حق ،وسالوا المأمون انصافهم وكشف ظلامتهم ، فاحضر المأمون مائتي رجل من علماء الحجاز والعراق وغيرهم وهو يؤكد عليهم في أداء الامالة واتباع الصدق ، وعرفهم ما ذكره ورثة فاطمة في قضيتهم وسالهم عما عندهم من الحديث الصحيح في ذلك .
فروى غير واحد منهم عن بشير بن الوليد والواقدي وبشر بن عتاب في أحاديث يرفعونها الى محمد " ص " نبيهم لما فتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام بهذه الاية " وآت ذا القربى حقه " فقال محمد "
ص " : ومن ذو القربى وما حقة ؟ قال : فاطمة عليها السلام تدفع إليها فدك ، فدفع إليها فدك ثم أعطاها العوالي بعد ذلك ، فاستغلتها حتى توفى أبوها محمد " ص " فلما بويع أبو بكر منعها أبو بكر منها ، فكلمته فاطمة عليها السلام في رد فدك
والعوالى عليها وقالت له : انها لى وان أبى دفعها إلى . فقال أبو بكر : ولا أمنعك ما دفع اليك ابوك . فاراد ان يكتب لها كتابا فاستوقفه عمر بن الخطاب وقال : انها امراة فادعها بالبينة على ما ادعت ، فامر أبو بكر أن تفعل ، فجاءت بام أيمن وأسماء
بنت عميس مع علي بن أبى طالب عليه السلام فشهدوا لها جميعا بذلك ، فكتب لها أبو بكر ، فبلغ ذلك فاتاه فاخبره أبو بكر الخبر ، فاخذ الصحيفة فمحاها فقال : ان فاطمة امراة وعلي بن أبى طالب زوجها وهو جار الى نفسه ولا يكون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 249
بشهادة امراتين دون رجل . فارسل أبو بكر الى فاطمة عليها السلام فاعلمها بذلك ، فحلفت بالله الذي لا اله الا هو انهم ما شهدوا الا بالحق . فقال أبو بكر : فلعل ان تكوني صادقة ولكن احضري شاهدا لا يجر الى نفسه .
فقالت فاطمة : ألم تسمعا من أبى رسول الله " ص " يقول : أسماء بنت عميس وأم أيمن من أهل الجنة ؟ فقالا : بلى . فقالت : امراتان من الجنة تشهدان بباطل ! فانصرفت صارخة تنادي أباها وتقول : قد أخبرني أبى باني أول من يلحق به ، فو الله
لاشكونهما ، فلم تلبث أن مرضت فاوصت عليا أن لا يصليا عليها وهجرتهما فلم تكلمهما حتى ماتت ، فدفنها علي عليه السلام والعباس ليلا .
فدفع المأمون الجماعة عن مجلسه اليوم ، ثم أحضر في اليوم الاخر ألف رجل من أهل الفقه والعلم وشرح لهم الحال و
أمرهم بتقوى الله ومراقبته ، فتناظروا واستظهروا ثم افترقوا فرقتين ، فقالت طائفة منهم : الزوج عندنا جار الى نفسه فلا
شهادة له ولكنا نرى يمين فاطمة قد أوجبت لها ما ادعت مع شهادة الامرأتين ، وقالت طائفة : نرى اليمين مع الشهادة لا توجب حكما ولكن شهادة الزوج عندنا جائزة ولا نراه جارا الى نفسه ، فقد وجب بشهادته مع شهادة الامرأتين لفاطمة عليها
السلام ما ادعت ، فكان اختلاف الطائفتين اجماعا منهما على استحقاق فاطمة عليها السلام فدك والعوالي .
فسألهم المأمون بعد ذلك عن فضائل لعلى بن أبى طالب عليه السلام ، فذكروا منها طرفا جليلة قد تضمنه رسالة المأمون ، وسالهم عن فاطمة عليها السلام فرووا لها عن أبيها فضائل جميلة ، وسالهم عن ام أيمن وأسماء بنت عميس فرووا عن نبيهم
محمد " ص " انهما من أهل الجنة ، فقال المأمون : أيجوز أن يقال أو يعتقد أن علي بن أبي طالب مع ورعه وزهده يشهد لفاطمة بغير حق ؟ وقد
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 250
شهد الله تعالى ورسوله بهذه الفضائل له ، أو يجوز مع علمه وفضله ان يقال انه يمشي في شهادة وهو يجهل الحكم فيها ؟ وهل يجوز أن يقال ان فاطمة مع طهارتها وعصمتها وانها سيدة نساء العالمين وسيده نساء أهل الجنة كما رويتم تطلب شيئا
ليس لها تظلم فيه جميع المسلمين وتقسم عليه بالله الذي لا اله الا هو ؟ أو يجوز أن يقال عن أم ايمن وأسماء بنت عميس انهما شهدتا بالزور وهما من أهل الجنة ؟ ان الطعن على فاطمة وشهودها طعن على كتاب الله والحاد في دين الله ، حاشا الله ان يكون ذلك كذلك .
ثم عارضهم المأمون بحديث رووه أن علي بن ابى طالب عليه السلام أقام مناديا بعد وفاة محمد " ص " نبيهم ينادي : من كان له على رسول الله " ص " دين أو عدة فليحضر ، فحضر جماعة فاعطاهم على بن ابي طالب عليه السلام ما ذكروه بغير
بينة ، وان أبا بكر أمر مناديا ينادي بمثل ذلك فحضر جرير بن عبد الله وادعى على نبيهم عدة فاعطاها أبو بكر بغير بينة ، وحضر جابر بن عبد الله وذكر أن نبيهم وعده أن يحثو له ثلاث حثوات من مال البحرين ، فلما قدم مال البحرين بعد وفاة
نبيهم اعطاه أبو بكر الثلاث الحثوات بدعواه بغير بينة .
( قال عبد المحمود ) : وقد ذكر الحميدي هذا الحديث في الجمع بين الصحيحين في الحديث التاسع من أفراد مسلم من مسند جابر وان جابرا قال : فعددتها فإذا هي خمسمائة فقال أبو بكر خذ مثليها ( 1 ) .
قال رواة رسالة المأمون : فتعجب المأمون من ذلك وقال : أما كانت فاطمة وشهودها يجرون مجرى جرير بن عبد الله وجابر بن عبد الله ، ثم تقدم بسطر الرسالة المشار إليها وأمر أن تقرا بالموسم على رؤوس الاشهاد ، وجعل فدك والعوالي في يد محمد بن يحيى بن الحسين بن على بن الحسن بن على بن ابى
* ( هامش ) *
( 1 ) مسلم في صحيحه : 4 / 1807 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 251
طالب عليه السلام يعمرها ويستغلها ويقسم دخلها بين ورثة فاطمة بنت محمد " ص " نبيهم .
ومن طرائف صحيح الاجوبة في ترك علي بن ابى طالب عليه السلام لاستعادة فدك لما بويع له بالخلافة .
349 - ما ذكره ابن بابويه في أوائل كتاب العلل في باب العلة التى من أجلها ترك أمير المؤمنين " ع " فدك ولى الناس باسناده الى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام يعنى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام قال : قلت له لم لم ياخذ أمير
المؤمنين عليه السلام فدك لما ولى الناس ولاي علة تركها ؟ فقال : لان الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله عز وجل ، واثاب الله المظلومة وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوبة .
وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا آخر ، ورواه باسناده الى ابراهيم الكرخي قال : سالت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له : لاي علة ترك أمير المؤمنين فدك لما ولي الناس فقال : للاقتداء برسول الله " ص " لما فتح مكة وقد باع عقيل أبى طالب
داره ، فقيل له : يا رسول الله ألا ترجع الى دارك ؟ فقال " ص " وهل ترك عقيل لنا دارا ، انا أهل بيت لا نسترجع شيئا يؤخذ منا ظلما ، فلذلك لم يسترجع فدك لما ولى . وذكر أيضا في الباب المذكور جوابا ثالثا باسناده الى علي بن فضال عن
أبيه عن أبى الحسن يعنى موسى بن الكاظم عليهما السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين لم لم يسترجع فدك لما ولي الناس ؟ فقال : لانا أهل بيت لا ناخذ حقوقنا ممن ظلمنا الا هو ( يعني الا الله ) ونحن اولياء قوله المؤمنين انما نحكم لهم
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 252
وناخذ حقوقهم ممن ظلمهم ولا ناخذ لانفسنا ( 1 ) .
( قال عبد المحمود ) : ما زلت أسمع علماء اهل البيت عليهم السلام يتالمون من أبى بكر وعمر باخذ فدك من أمهم وقد وقفت على كتب لهم وروايات كثيرة عن سلفهم حتى أنهم يراعون حفظ حدود فدك كما يراعي المظلوم حفظ حدود ضيعته وملكه إذا غصب منه .
350 - ومن ذلك ما رواه علي بن اسباط سئل أنه موسى بن جعفر عليه السلام عن حدود فدك فقال : حدها الاول عرش مصر والحد الثاني دومة الجندل والحد الثالث تيما والحد الرابع جبال أحد من المدينة ( 2 )
351 - ومن ذلك ما رواه على بن اسباط رفعه الى الرضا عليه السلام ان رجلا من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا عليه السلام فقال له : ما تقول في أبى بكر ؟ قال له : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر ، فالح السائل عليه في كشف الجواب ، فقال عليه السلام : كانت لنا أم صالحة ماتت وهى عليهما ساخطة ولم ياتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما .
( قال عبد المحمود ) : وعلماء أهل البيت عليهم السلام لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم الا الله تعالى ، وما رايت ولا سمعت عنهم انهم يختلفون في ان أبا بكر وعمر ظلما امهم فاطمة عليها السلام ظلما عظيما .
وذكر أبو هلال العسكري في كتاب أخبار الاوائل ان أول من رد فدكا على ورثة فاطمة عليها السلام عمر بن عبد العزيز ، وكان معاوية أقطعها لمروان ابن الحكم وعمرو بن عثمان ويزيد بن معاوية وجعلها بينهم أثلاثا ، ثم قبضت من ورثة فاطمة فردها عليهم السفاح ، ثم قبضت فردها عليهم المهدى ، ثم قبضت فردها عليهم المأمون كما تقدم شرحه .
* ( هامش ) *
( 1 ) علل الشرائع : 1 / 154 - 155 .
( 2 ) راجع الكافي للكليني : 1 / 456 . ( * )
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 253
ومن غير كتاب أبى هلال العسكري بل في تواريخ متفرقة أنها قبضت منهم بعد المأمون فردها عليهم الواثق ، ثم قبضت فردها عليهم المستعين ثم قبضت فردها عليهم المعتمد ، ثم قبضت فردها المعتضد ، ثم قبضت فردها عليهم الراضي .
( قال عبد المحمود ) : ومن طريف ما رايت المناقضة في ذلك ان أبا بكر وعمر يردان شهادة على بن ابى طالب عليه السلام ويقولان انه يجر الى نفسه ، وقد عرف أهل الملل والعارفون باحوال الاسلام ان علي بن ابى طالب عليه السلام ما كان طالبا للدنيا ولا راغبا فيها ولا متكلا عليها كما فعل أبو بكر وعمر حتى يقال انه يجر الى نفسه .
ومن طريف أن يكون الله العالم بالسرائر يشهد لعلى بن أبى طالب عليه السلام على لسان رسولهم على ما ذكروه في صحاحهم وقد تقدم بعضه أن على بن أبى طالب عليه السلام ممدوح مزكى في الحياة وبعد الوفاة وأنه أفضل الصحابة ،
فان جاز الشك في علي عليه السلام الموصوف بتلك الصفات فانما هو شك فيمن أسندوا إليه تلك الروايات وتكذيب لانفسهم فيما صححوه ، ونقص للاسلام الذي مدحوه .
ومن طريف ذلك أن تسقط شهادة علي عليه السلام بدعوى أنه يجر الى نفسه ، ويشهد أبو بكر ان ميراث محمد " ص " للمسلمين ، فإذا كان أبو بكر من المسلمين فله في ميراثه حصة ولكل من وافقه في الشهادة بذلك ، فكيف لا يكونون جارين
الى انفسهم ؟ وكيف لا يبطل شهادة أبي بكر وهو في تلك الحال يزعم انه وكيل المسلمين وشاهد لهم وشاهد لنفسه ومدع لثبوت يده على فدك والعوالي ، ولا يكون بعض هذه الامور القادحة في الشهادات مبطلا لشهادته ولا جارا الى نفسه ولا مسقطا لروايته . ان ذلك من طرائف ما ادعاه المسلمون
الطرائف - السيد ابن طاووس الحسني ص 254
وعجائب السلف الماضين .
352 - ومن طريف مناقضاتهم ما رووه في كتبهم الصحيحة عندهم برجالهم عن مشايخهم حتى أسندوه عن سيد الحفاظ يعنون ابن مردويه قال : أخبرنا محيى السنة أبو الفتح عبدوس بن عبد الله الهمداني اجازة قال : حدثنا القاضى أبو نصر شعيب بن
على قال : حدثنا موسى بن سعيد قال : حدثنا الوليد بن علي قال : حدثنا عباد بن يعقوب عن ابن عباس عن فضيل عن عطية عن أبى سعيد قال : لما نزلت هذه الاية " وآت ذا القربى حقه " ( 1 ) دعا رسول الله " ص " فاطمة فاعطاها فدكا ( 2 ) .
( قال عبد المحمود ) : فهل ترى عذرا في منع فاطمة عليها السلام من فدك ؟ وهل تراهم الا قد شهدوا بتصديقها ثم منعوها وكذبوها ؟ وهل ترى شكا فيما ترويه الشيعة من ظلمها ودفعها من حقها ؟ .
ومن طريف مناقضتهم ايضا في ذلك واقرارهم بظهور حجة الله وحجة رسوله وحجة فاطمة عليهم ، ومبالغتهم في اعترافهم ببطلان أعذارهم في منع فاطمة من فدك .
353 - ما ذكره المسمى صدر الائمة عندهم فخر خوارزم موفق بن احمد المكي في كتابه قال ما هذا لفظه : ومما سمعت في المقادير باسنادى عن ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول الله " ص " : يا علي ان الله تعالى زوجك فاطمة وجعل صداقها الارض ، فمن مشى عليها مبغضا لها مشى حراما