(رقية بنت الحسين)
29-08-2009, 12:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم أن أهل البيت عليهم السلام قد أتحفوا مصادرنا بالكثير من الأمور ومنها وصاياهم إلى شيعتهم ، فقد ورد عن الأمام الصادق عليه السلام في وصيته عليه السلام لعبد الله بن جندب روي أنه قال:
يا عبد الله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا ثم قال آه آه على قلوب حشيت نورا و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم و العدو الأعجم أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون أولئك أوليائي حقا و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية
يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم و ليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها و إن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا و زهرتها طوبى لعبد طلب الآخرة و سعى لها طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة ثم قال ع رحم الله قوما كانوا سراجا و منارا كانوا دعاة إلينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم ليسوا كمن يذيع أسرارنا يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله و يشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى فإذا ذكروا الله و نعماءه وجلوا و أشفقوا وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً مما أظهره من نفاذ قدرته وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
يا ابن جندب قديما عمر الجهل و قوي أساسه و ذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعمله يريد سواه أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة و لأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ و لما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا و استكينوا إلى الله في توفيقهم و سلوا التوبة لهم فكل من قصدنا و تولانا و لم يوال عدونا و قال ما يعلم و سكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله و لا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله قلت فمن ينجو قال الذين هم بين الرجاء و الخوف كان قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب و خوفا من العذاب يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين و يتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور يا ابن جندب أقل النوم بالليل و الكلام بالنهار فما في الجسد شيء أقل شكرا من العين و اللسان فإن أم سليمان قالت لسليمان ع يا بني إياك و النوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه و مصائده
قلت يا ابن رسول الله و ما هي قال أما مصائده فصد عن بر الإخوان و أما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان و زيارتهم ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزءين بالله و آياته في الفترات أولئك الذين لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل و رغب من ربه في الوتح الحقير و من غش أخاه و حقره و ناواه جعل الله النار مأواه و من حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة و قاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر و أحد و ما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا و قل لهم لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع و الاجتهاد في الدنيا و مواساة الإخوان في الله و ليس من شيعتنا من يظلم الناس يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى بالسخاء و البذل للإخوان و بأن يصلوا الخمسين ليلا و نهارا شيعتنا لا يهرون هرير الكلب و لا يطمعون طمع الغراب و لا يجاورون لنا عدوا و لا يسألون لنا مبغضا و لو ماتوا جوعا شيعتنا لا يأكلون الجري و لا يمسحون على الخفين و يحافظون على الزوال و لا يشربون مسكرا قلت جعلت فداك فأين أطلبهم قال ع على رءوس الجبال و أطراف المدن و إذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم و لا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى و الله لقد كان حبيب النجار وحده يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك و كل البر مقبول إلا ما كان رئاء يا ابن جندب أحبب في الله و أبغض في الله و استمسك بالعروة الوثقى و اعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فلا يقبل إلا الإيمان و لا إيمان إلا بعمل و لا عمل إلا بيقين و لا يقين إلا بالخشوع و ملاكها كلها الهدى فمن اهتدى يقبل عمله و صعد إلى الملكوت متقبلا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره و تسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا و اجعل الموت نصب عينك و لا تدخر شيئا لغد و اعلم أن لك ما قدمت و عليك ما أخرت
يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره و من أطاع هواه فقد أطاع عدوه من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه و آخرته و يحفظ له ما غاب عنه و قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا و لكل نعمة شكرا و لكل عسر يسرا صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية فإنما يقبض عاريته و يأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك و شكرك و ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته و خفه خوفا لا يؤيسك من رحمته و لا تغتر بقول الجاهل و لا بمدحه فتكبر و تجبر و تعجب بعملك فإن أفضل العمل العبادة و التواضع فلا تضيع مالك و تصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك و اقنع بما قسمه الله لك و لا تنظر إلا إلى ما عندك و لا تتمن ما لست تناله فإن من قنع شبع و من لم يقنع لم يشبع و خذ حظك من آخرتك و لا تكن بطرا في الغنى و لا جزعا في الفقر و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك و لا تكن واهنا يحقرك من عرفك و لا تشار من فوقك و لا تسخر بمن هو دونك و لا تنازع الأمر أهله و لا تطع السفهاء و لا تكن مهينا تحت كل أحد و لا تتكلن على كفاية أحد و قف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم و اجعل قلبك قريبا تشاركه و اجعل علمك والدا تتبعه و اجعل نفسك عدوا تجاهده و عارية تردها فإنك قد جعلت طبيب نفسك و عرفت آية الصحة و بين لك الداء و دللت على الدواء فانظر قيامك على نفسك و إن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن و الذكر لها و لكن أتبعها بأفضل منها فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك و أوجب للثواب في آخرتك و عليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما فإن الصمت زين لك عند العلماء و ستر لك عند الجهال يا ابن جندب إن عيسى ابن مريم ع قال لأصحابه أ رأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أ كان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها قالوا بل نرد عليها قال كلا بل تكشفون عنها كلها فعرفوا أنه مثل ضربه لهم فقيل يا روح الله و كيف ذلك قال الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون و لا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة و كفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد إنما الناس رجلان مبتلى و معافى فارحموا المبتلى و احمدوا الله على العافية يا ابن جندب صل من قطعك و أعط من حرمك و أحسن إلى من أساء إليك و سلم على من سبك و أنصف من خاصمك و اعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار و الفجار و أن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين
يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك و لكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك و اخفض الصوت إن ربك الذي يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه و إذا صمت فلا تغتب أحدا و لا تلبسوا صيامكم بظلم و لا تكن كالذي يصوم رئاء الناس مغبرة وجوههم شعثة رءوسهم يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيام يا ابن جندب الخير كله أمامك و إن الشر كله أمامك و لن ترى الخير و الشر إلا بعد الآخرة لأن الله جل و عز جعل الخير كله في الجنة و الشر كله في النار لأنهما الباقيان و الواجب على من وهب الله له الهدى و أكرمه بالإيمان و ألهمه رشده و ركب فيه عقلا يتعرف به نعمه و آتاه علما و حكما يدبر به أمر دينه و دنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله و لا يكفره و أن يذكر الله و لا ينساه و أن يطيع الله و لا يعصيه للقديم الذي تفرد له بحسن النظر و للحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا و للجزيل الذي وعده و الفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاعته و ما يعجز عن القيام به و ضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه و هو معرض عما أمره و عاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه و بين ربه متقلدا لهواه ماضيا في شهواته مؤثرا لدنياه على آخرته و هو في ذلك يتمنى جنان الفردوس و ما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار أما إنه لو وقعت الواقعة و قامت القيامة و جاءت الطامة و نصب الجبار الموازين لفصل القضاء و برز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة و الكرامة و بمن تحل الحسرة و الندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة
يا ابن جندب قال الله جل و عز في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة من يتواضع لعظمتي و يكف نفسه عن الشهوات من أجلي و يقطع نهاره بذكري و لا يتعظم على خلقي و يطعم الجائع و يكسو العاري و يرحم المصاب و يؤوي الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس اجعل له في الظلمة نورا و في الجهالة حلما أكلأه بعزتي و أستحفظه ملائكتي يدعوني فألبيه و يسألني فأعطيه فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها و لا تتغير عن حالها يا ابن جندب الإسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوقار و مروته العمل الصالح و عماده الورع و لكل شيء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت يا ابن جندب إن لله تبارك و تعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد و الحرير منجدا بالسندس و الديباج يضرب هذا السور بين أوليائنا و بين أعدائنا فإذا غلى الدماغ و بلغت القلوب الحناجر و نضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء الله فكانوا في أمن الله و حرزه لهم فيها ما تشتهي الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ و أعداء الله قد ألجمهم العرق و قطعهم الفرق و هم ينظرون إلى ما أعد الله لهم فيقولون ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم فذلك قوله عز و جل أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ و قوله فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب
اللهم صلي على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من المعلوم أن أهل البيت عليهم السلام قد أتحفوا مصادرنا بالكثير من الأمور ومنها وصاياهم إلى شيعتهم ، فقد ورد عن الأمام الصادق عليه السلام في وصيته عليه السلام لعبد الله بن جندب روي أنه قال:
يا عبد الله لقد نصب إبليس حبائله في دار الغرور فما يقصد فيها إلا أولياءنا و لقد جلت الآخرة في أعينهم حتى ما يريدون بها بدلا ثم قال آه آه على قلوب حشيت نورا و إنما كانت الدنيا عندهم بمنزلة الشجاع الأرقم و العدو الأعجم أنسوا بالله و استوحشوا مما به استأنس المترفون أولئك أوليائي حقا و بهم تكشف كل فتنة و ترفع كل بلية
يا ابن جندب حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم و ليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها و إن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما أوتوا من نعيم الدنيا و زهرتها طوبى لعبد طلب الآخرة و سعى لها طوبى لمن لم تلهه الأماني الكاذبة ثم قال ع رحم الله قوما كانوا سراجا و منارا كانوا دعاة إلينا بأعمالهم و مجهود طاقتهم ليسوا كمن يذيع أسرارنا يا ابن جندب إنما المؤمنون الذين يخافون الله و يشفقون أن يسلبوا ما أعطوا من الهدى فإذا ذكروا الله و نعماءه وجلوا و أشفقوا وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً مما أظهره من نفاذ قدرته وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
يا ابن جندب قديما عمر الجهل و قوي أساسه و ذلك لاتخاذهم دين الله لعبا حتى لقد كان المتقرب منهم إلى الله بعمله يريد سواه أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يا ابن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة و لأظلهم الغمام و لأشرقوا نهارا و لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ و لما سألوا الله شيئا إلا أعطاهم يا ابن جندب لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلا خيرا و استكينوا إلى الله في توفيقهم و سلوا التوبة لهم فكل من قصدنا و تولانا و لم يوال عدونا و قال ما يعلم و سكت عما لا يعلم أو أشكل عليه فهو في الجنة يا ابن جندب يهلك المتكل على عمله و لا ينجو المجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله قلت فمن ينجو قال الذين هم بين الرجاء و الخوف كان قلوبهم في مخلب طائر شوقا إلى الثواب و خوفا من العذاب يا ابن جندب من سره أن يزوجه الله الحور العين و يتوجه بالنور فليدخل على أخيه المؤمن السرور يا ابن جندب أقل النوم بالليل و الكلام بالنهار فما في الجسد شيء أقل شكرا من العين و اللسان فإن أم سليمان قالت لسليمان ع يا بني إياك و النوم فإنه يفقرك يوم يحتاج الناس إلى أعمالهم يا ابن جندب إن للشيطان مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه و مصائده
قلت يا ابن رسول الله و ما هي قال أما مصائده فصد عن بر الإخوان و أما شباكه فنوم عن قضاء الصلوات التي فرضها الله أما إنه ما يعبد الله بمثل نقل الأقدام إلى بر الإخوان و زيارتهم ويل للساهين عن الصلوات النائمين في الخلوات المستهزءين بالله و آياته في الفترات أولئك الذين لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يا ابن جندب من أصبح مهموما لسوى فكاك رقبته فقد هون عليه الجليل و رغب من ربه في الوتح الحقير و من غش أخاه و حقره و ناواه جعل الله النار مأواه و من حسد مؤمنا انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء يا ابن جندب الماشي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا و المروة و قاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم بدر و أحد و ما عذب الله أمة إلا عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم يا ابن جندب بلغ معاشر شيعتنا و قل لهم لا تذهبن بكم المذاهب فو الله لا تنال ولايتنا إلا بالورع و الاجتهاد في الدنيا و مواساة الإخوان في الله و ليس من شيعتنا من يظلم الناس يا ابن جندب إنما شيعتنا يعرفون بخصال شتى بالسخاء و البذل للإخوان و بأن يصلوا الخمسين ليلا و نهارا شيعتنا لا يهرون هرير الكلب و لا يطمعون طمع الغراب و لا يجاورون لنا عدوا و لا يسألون لنا مبغضا و لو ماتوا جوعا شيعتنا لا يأكلون الجري و لا يمسحون على الخفين و يحافظون على الزوال و لا يشربون مسكرا قلت جعلت فداك فأين أطلبهم قال ع على رءوس الجبال و أطراف المدن و إذا دخلت مدينة فسل عمن لا يجاورهم و لا يجاورونه فذلك مؤمن كما قال الله وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى و الله لقد كان حبيب النجار وحده يا ابن جندب كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك و كل البر مقبول إلا ما كان رئاء يا ابن جندب أحبب في الله و أبغض في الله و استمسك بالعروة الوثقى و اعتصم بالهدى يقبل عملك فإن الله يقول وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى فلا يقبل إلا الإيمان و لا إيمان إلا بعمل و لا عمل إلا بيقين و لا يقين إلا بالخشوع و ملاكها كلها الهدى فمن اهتدى يقبل عمله و صعد إلى الملكوت متقبلا وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يا ابن جندب إن أحببت أن تجاور الجليل في داره و تسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا و اجعل الموت نصب عينك و لا تدخر شيئا لغد و اعلم أن لك ما قدمت و عليك ما أخرت
يا ابن جندب من حرم نفسه كسبه فإنما يجمع لغيره و من أطاع هواه فقد أطاع عدوه من يثق بالله يكفه ما أهمه من أمر دنياه و آخرته و يحفظ له ما غاب عنه و قد عجز من لم يعد لكل بلاء صبرا و لكل نعمة شكرا و لكل عسر يسرا صبر نفسك عند كل بلية في ولد أو مال أو رزية فإنما يقبض عاريته و يأخذ هبته ليبلو فيهما صبرك و شكرك و ارج الله رجاء لا يجرئك على معصيته و خفه خوفا لا يؤيسك من رحمته و لا تغتر بقول الجاهل و لا بمدحه فتكبر و تجبر و تعجب بعملك فإن أفضل العمل العبادة و التواضع فلا تضيع مالك و تصلح مال غيرك ما خلفته وراء ظهرك و اقنع بما قسمه الله لك و لا تنظر إلا إلى ما عندك و لا تتمن ما لست تناله فإن من قنع شبع و من لم يقنع لم يشبع و خذ حظك من آخرتك و لا تكن بطرا في الغنى و لا جزعا في الفقر و لا تكن فظا غليظا يكره الناس قربك و لا تكن واهنا يحقرك من عرفك و لا تشار من فوقك و لا تسخر بمن هو دونك و لا تنازع الأمر أهله و لا تطع السفهاء و لا تكن مهينا تحت كل أحد و لا تتكلن على كفاية أحد و قف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل أن تقع فيه فتندم و اجعل قلبك قريبا تشاركه و اجعل علمك والدا تتبعه و اجعل نفسك عدوا تجاهده و عارية تردها فإنك قد جعلت طبيب نفسك و عرفت آية الصحة و بين لك الداء و دللت على الدواء فانظر قيامك على نفسك و إن كانت لك يد عند إنسان فلا تفسدها بكثرة المنن و الذكر لها و لكن أتبعها بأفضل منها فإن ذلك أجمل بك في أخلاقك و أوجب للثواب في آخرتك و عليك بالصمت تعد حليما جاهلا كنت أو عالما فإن الصمت زين لك عند العلماء و ستر لك عند الجهال يا ابن جندب إن عيسى ابن مريم ع قال لأصحابه أ رأيتم لو أن أحدكم مر بأخيه فرأى ثوبه قد انكشف عن بعض عورته أ كان كاشفا عنها كلها أم يرد عليها ما انكشف منها قالوا بل نرد عليها قال كلا بل تكشفون عنها كلها فعرفوا أنه مثل ضربه لهم فقيل يا روح الله و كيف ذلك قال الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها بحق أقول لكم إنكم لا تصيبون ما تريدون إلا بترك ما تشتهون و لا تنالون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون إياكم و النظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة و كفى بها لصاحبها فتنة طوبى لمن جعل بصره في قلبه و لم يجعل بصره في عينه لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب و انظروا في عيوبكم كهيئة العبيد إنما الناس رجلان مبتلى و معافى فارحموا المبتلى و احمدوا الله على العافية يا ابن جندب صل من قطعك و أعط من حرمك و أحسن إلى من أساء إليك و سلم على من سبك و أنصف من خاصمك و اعف عمن ظلمك كما أنك تحب أن يعفى عنك فاعتبر بعفو الله عنك أ لا ترى أن شمسه أشرقت على الأبرار و الفجار و أن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين
يا ابن جندب لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك و لكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية على رءوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك و اخفض الصوت إن ربك الذي يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ قد علم ما تريدون قبل أن تسألوه و إذا صمت فلا تغتب أحدا و لا تلبسوا صيامكم بظلم و لا تكن كالذي يصوم رئاء الناس مغبرة وجوههم شعثة رءوسهم يابسة أفواههم لكي يعلم الناس أنهم صيام يا ابن جندب الخير كله أمامك و إن الشر كله أمامك و لن ترى الخير و الشر إلا بعد الآخرة لأن الله جل و عز جعل الخير كله في الجنة و الشر كله في النار لأنهما الباقيان و الواجب على من وهب الله له الهدى و أكرمه بالإيمان و ألهمه رشده و ركب فيه عقلا يتعرف به نعمه و آتاه علما و حكما يدبر به أمر دينه و دنياه أن يوجب على نفسه أن يشكر الله و لا يكفره و أن يذكر الله و لا ينساه و أن يطيع الله و لا يعصيه للقديم الذي تفرد له بحسن النظر و للحديث الذي أنعم عليه بعد إذ أنشأه مخلوقا و للجزيل الذي وعده و الفضل الذي لم يكلفه من طاعته فوق طاعته و ما يعجز عن القيام به و ضمن له العون على تيسير ما حمله من ذلك وندبه إلى الاستعانة على قليل ما كلفه و هو معرض عما أمره و عاجز عنه قد لبس ثوب الاستهانة فيما بينه و بين ربه متقلدا لهواه ماضيا في شهواته مؤثرا لدنياه على آخرته و هو في ذلك يتمنى جنان الفردوس و ما ينبغي لأحد أن يطمع أن ينزل بعمل الفجار منازل الأبرار أما إنه لو وقعت الواقعة و قامت القيامة و جاءت الطامة و نصب الجبار الموازين لفصل القضاء و برز الخلائق ليوم الحساب أيقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة و الكرامة و بمن تحل الحسرة و الندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الآخرة
يا ابن جندب قال الله جل و عز في بعض ما أوحى إنما أقبل الصلاة من يتواضع لعظمتي و يكف نفسه عن الشهوات من أجلي و يقطع نهاره بذكري و لا يتعظم على خلقي و يطعم الجائع و يكسو العاري و يرحم المصاب و يؤوي الغريب فذلك يشرق نوره مثل الشمس اجعل له في الظلمة نورا و في الجهالة حلما أكلأه بعزتي و أستحفظه ملائكتي يدعوني فألبيه و يسألني فأعطيه فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفردوس لا يسبق أثمارها و لا تتغير عن حالها يا ابن جندب الإسلام عريان فلباسه الحياء و زينته الوقار و مروته العمل الصالح و عماده الورع و لكل شيء أساس و أساس الإسلام حبنا أهل البيت يا ابن جندب إن لله تبارك و تعالى سورا من نور محفوفا بالزبرجد و الحرير منجدا بالسندس و الديباج يضرب هذا السور بين أوليائنا و بين أعدائنا فإذا غلى الدماغ و بلغت القلوب الحناجر و نضجت الأكباد من طول الموقف أدخل في هذا السور أولياء الله فكانوا في أمن الله و حرزه لهم فيها ما تشتهي الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ و أعداء الله قد ألجمهم العرق و قطعهم الفرق و هم ينظرون إلى ما أعد الله لهم فيقولون ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ فينظر إليهم أولياء الله فيضحكون منهم فذلك قوله عز و جل أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ و قوله فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا بكلمة إلا أدخله الله الجنة بغير حساب