جند النور
11-09-2009, 04:47 PM
- علاء اللامي
لخص الصحفي المتخصص بالشؤون التركية حسني محلي لمراسل إذاعة دويتشة فيله " الإذاعة الألمانية " نتائج الاجتماع الثلاثي الأخير والفاشل، يوم الخميس 3/9/2009 في أنقرة، لوزراء المياه في تركيا والعراق وسوريا بالقول: أن الاجتماع الذي عقد لعدة ساعات انتهى برفض تركيا القاطع لتوقيع أية اتفاقية لتقاسم المياه بموجب الاتفاق المبدئي لسنة 1987 والذي تعهد الجانب التركي بموجبه بإطلاق ما مقداره 500 متر مكعب من المياه نحو سوريا على أن تترك سورية ما نسبته 58 % منها تذهب إلى العراق ليتم إطلاق كميات أكبر من المياه من قبل تركيا في السنوات اللاحقة حتى تصل إلى 650 مترا مكعبا . الرفض التركي لتوقيع هذا الاتفاق، أو أي اتفاق آخر ،حتى ذلك الذي تم التوصل إليه في الاجتماع الأخير لتشكيل لجان فنية مشتركة لمراقبة وحساب كميات المياه المطلقة نحو سوريا والعراق، يقوم على المزاعم التركية التي لا سابق لها، والقائلة بأن نهري دجلة والفرات ليسا نهرين دوليين بل هما نهران تركيان عابران للحدود/ تقرير صوتي للقاء مع محلي نحتفظ بتسجيل له.
نعتقد أن جذر الأزمة، ولب المشكلة، وبتالي ركائز وبواعث العدوان التركي الخطير على العراق وشعبه وأنهاره، إنما يكمن هنا بالضبط: أي في الاستهتار التركي بالقانون الدولي واعتباره دجلة والفرات نهرين تركيين عابرين للحدود التركية وليسا نهرين دوليين، وهذا ليس أمرا جديدا بل هو قديم قدم الجشع التركي وأطماعه في العراق ومحافظة نينوى تحديدا وبنفطه ومياهه. وبهذا الصدد يؤكد الأستاذ الجامعي العراقي والمتخصص بشؤون المياه نجم عودة هذا المعنى حين يكتب (إن "تركيا لا تريد أن توقع اتفاقية لأنها ترى انه ما دامت مصادر المياه في تركيا فان هذا يعني إنها هي صاحبة الحق في التصرف بها ، فإذا ما تم اعتبارها دولية فان مشروع "الغاب" سوف لن يظهر إلى النور ما دامت قد وقعت على اتفاقية بهذا الشأن، فضلا عن أن موقفها المتحكم بكمية المياه سوف يجعلها تتمتع بميزة الجار الذي يسعى الجميع إلى عدم إغضابه.و في العام 1990 بلغت الأزمة بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى ذروتها، عندما أقفلت تركيا نهر الفرات بالكامل بحجة ملء سد أتاتورك.( الأمر الذي لم يعلق عليه نظام صدام حسين وقتذاك بكلمة واحدة لا خيرا ولا شرا، في حين كان نظام الرئيس الراحل أحمد حسن البكر رحمه الله سنة 1975 أكثر جرأة وغيرة على العراق منه حين بادر إلى تهديد سورية بتدمير سد طبقة بالقوة العسكرية بعد أن أدى حجب مياه الفرات لملئه بالمياه آنذاك إلى حالة نقص وجفاف مريعَين في العرق فتراجع حافظ الأسد عن قراره بحجب المياه واكتفى بنسبة متفق عليها منه .. ع ل) وعلى الرغم من أن تركيا ادعت في حينه أن العملية - الخاصة بسد أتاتورك - فنية بحتة وليس لها أي طابع سياسي، إلاّ أن هذا الإجراء جاء كأسلوب ضغط مباشر على كل من العراق وسوريا لمنع تواجد الأكراد على أراضيهما، ولمنع تسلل الأكراد المعادين للنظام التركي من خلالهما.)
إن الغطرسة وبالأحرى البلطجة التركية قد بلغت أوجها هذه المرة بإفشال اجتماع أنقرة، فحتى قبل أن يعقد الاجتماع بساعات قليلة ، وجه وزير الطاقة التركي "تانر يلدز" إهانة قاسية لضيوفه بأن استبق الاجتماع بالقول إن بلاده لن تطلق المزيد من المياه نحو سوريا والعراق لأنها بالكاد تفي باحتياجاتها الداخلية للمياه، وأطلق كذبة هائلة يريد لنا أن نصدقها في عصر الأقمار الاصطناعية والانترنيت والمسبارات الخارقة مفادها أن سد أتاتورك العملاق لم يعد فيه الكثير من المياه، فيما فسر البعض كلامه بأن الأتراك يخشون أن يؤثر إطلاق المياه نحو العراق على توليد الطاقة الكهربائية من السد. هكذا تكون الأخوة الإسلامية وحسن الجوار من وجهة نظر الحكام الأتراك ذوي الخلفية الإسلامية في حزب العدالة والتنمية الحاكم لإذ أن شعارهم بات يقول : فليمت العراقيون من العطش ولننتج نحن المزيد من الكهرباء ولنصدرها إلى إذربيجان وأوزباكستان وغيرهما!
الوزيران العراقي والسوري ابتلعا هذه "التحية" التركية على مضض، ولم يجرؤا على الانسحاب من الاجتماع بل استمرا فيه على أمل لخروج بنتيجة ما ،ناسيين أن الأيتام لن يخرجوا بشيء من مأدبة الحكام اللئام .
وزير البيئة التركي "فيصل أوغلو" كان أكثر كرما من زميله "يلدز" فقال بأن تركيا ستحاول ، أي نعم "ستحاول مجرد محاولة " ، زيادة الكميات المطلقة من المياه نحو سوريا والعراق ! وهذا الوعد من السيد أوغلو ليس جديدا فلقد تكرر عشرات المرات شفهيا وتحريرا على ألسنة كبار المسؤولين الأتراك والذين أصبح إطلاق هذا النوع من الوعود الكاذبة أشبه بالأوكسجين بالنسبة لهم فهم كما يبدوا سيختنقون إذا لم يكذبوا، ويمكن للسيد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي أن يدلي بشهادته وتجربته مع الوعود التركية للرأي العام بهذا الخصوص!
الوزير السوري للمياه "نادر البني" بدوره أثبت أنه من المغرمين بهذا النوع من أوكسجين الأكاذيب، فقد أعلن وأمام الوزير العراقي الذي أكد انخفاض مناسيب المياه في العراق إلى الثلث أو أقل من الثلث، بأن سوريا زادت من حصة العراق من المياه من 58% إلى 69%. فكيف يمكن للفلاحين العراقيين ومربي الجاموس في الجنوب و مزارعي الشلب في الفرات الأوسط أن يصدقوا هذا التصريح السوري الحاتمي في كرمه، وهم يشاهدون ويشهدون بعيونهم تصحر الأهوار والبحيرات وشبكات الجداول والترع، و هم يحزمون أمتعتهم استعدادا للهجرة من منطقة إلى أخرى؟
نخشى أن يزعم البني ذات يوم أنه أطلق ما نسبته 100% من مياه الفرات لنرى العراق وقد تحول إلى ما يشبه الربع الخالي، إذ يبدو أن التناسب صار طرديا بين المياه التي يطلقها البني و الجفاف والتصحر في العراق !
إن الاجتماع الوزاري الثلاثي الأخير في أنقرة قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي هدف مركزي ، وهذا يعني أن الأتراك أعلنوها حربا إبادة حقيقة على العراق خصوصا. وعلى هذا، ينبغي على الحكم العراقي القائم اليوم ، أن يرد على هذا التحدي بما يتناسب وخطورته الماحقة فيستعد لتدويل هذه المشكلة الكارثية و رفعها وبشكل عاجل إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية المتخصصة ومنها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ويتمسك بحقه في الرد الدفاعي والتهديد بتدمير السدود، وهذه ليست سابقة تاريخية فنظام حسني مبارك هدد مرارا دول حوض النيل بهذا الخيار، والرئيس العراقي البكر هدد به نظام حافظ الأسد كما أسلفنا، وإلا فسوف يأتي اليوم - وهو قريب - الذي يحاكم فيه أقطاب الحكم العراقي هؤلاء، وفي مقدمتهم المالكي والطالباني والهاشمي وعبد المهدي بتهمة التواطؤ أو الإهمال أو سوء إدارة الأزمة المتسبب في تسهيل الجريمة التركية في إبادة العراق والعراقيين.وقبل أن نبحث موضوع إمكانية رفع النزاع المائي، والذي أصبح اسمه واقعا "العدوان التركي والإيراني على العراق وشعبه" إلى محكمة العدل الدولية من الناحية القضائية والسياسية، نود التعقيب على تساؤل قد يطرحه بعض المغرضين من الطائفيين الشيعة خصوصا، عن السبب الداعي للزج بإيران في هذا الموضوع، فربما يلمح بعض هؤلاء المغرضين الموالين لنظام الحكم الإيراني إلى أننا نحاول خلق موازنة زائفة بين إيران وتركيا لئلا نثير غضب الطائفيين السنة العراقيين، ولهؤلاء ولغيرهم نقول ونسرد الحقائق التالية عن العدوان الإيراني في ميدان المياه وهي حقائق موثقة عن صحف ومجلات ووسائل إعلام عراقية ننقلها حرفيا، وهي و لا تقل كارثية وخطرا على العراق حيث أقدمت إيران ومنذ عدة سنوات على الإجراءات والعدوانية التالية :
- تجفيف مياه نهر ألون عبر تغيير مجراه لتبقى مياهه محصورة في عمق الأراضي الإيرانية ...وعليه فان تجفيفه يعتبر بمثابة قطع شريان الحياة الرئيس ليس في خانقين وحدها بل في العديد من القرى والقصبات الواقعة على طرفي مجرى هذا النهر. وعلى مدى العقود الماضية سعت إيران مرارا لتجفيف مياه هذا النهر بشتى السبل،وفي عهد الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم عمدت إيران إلى منع تدفق مياه النهر باتجاه العراق، لكن قاسم أمر على الفور بشق فرع من نهر سيروان المجاور بطول 41 كيلو مترا وبعمق 5 أمتار وتوجيه مياهه نحو بلدة خانقين، ولم يستغرق المشروع الذي أنقذ البلدة وأهلها من الجفاف والقحط سوى ستة أشهر.
- أقامت سدا ضخما على نهر قارون " المسرقان " وحجبت مياهه تماما عن شط العرب .
- تنفذ حاليا مشروعا أكبر من ذلك بكثير يتمثل في تغيير مجرى نهر سيروان أيضا الذي يمر من بين وديان عميقة داخل الأراضي الإيرانية، وذلك عبر شق نفقين طويلين في احد الجبال التي تحاذي مجرى النهر بهدف تحويل المياه من خلالهما باتجاه المناطق الواقعة خلف مدينة جوانرو الكردية لتنتهي إلى مصبات داخل الأراضي الإيرانية. وفي حال استكمال هذا المشروع الخطير فان نهر سيروان سيغدو هو الآخر أثرا بعد عين لا محال. والغريب ان إيران لم تعلن حتى الآن رسميا عن غايتها من تجفيف مياه نهر ألون، كما ان السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان لم يصدر عنهما أي رد فعل أو موقف رسمي حيال ما يعتبره العديد من المحللين والمتابعين للشأن العراقي إعلانا لحرب المياه من جانب إيران بل إن ملا بختيار المتحدث الرسمي باسم حزب يعلن أن الأمر لم يصل بعد إلى حد إعلان حرب المياه، ويبرر بكل جبن وغباء هذا النمط من المشاريع التي تتبناها إيران وتركيا فيقول إن ( إقامة السدود على تلك الأنهر الصغيرة هو جزء مهم من المخططات الإستراتيجية لتلكما الدولتين "..." وعزا ملا بختيار وهو من أبناء مدينة خانقين السبب في إقدام إيران على تنفيذ مثل هذه المشاريع إلى موجة الجفاف والقحط التي طالت إيران ).
- وقال مدير إدارة الموارد المائية في العراق عون ذياب إن «السلطات الإيرانية بدأت منذ عام 2002، بإقامة سدود على نهر قارون، ما أدى إلى تراجع كمية المياه، ثم ما لبثت ان أغلقت النهر في شكل كامل العام الحالي، وتحويل مجراه إلى نهر بهمن شير». وتابع «إنها تستخدم شط العرب حالياً مكباً لنفايات المصافي ومياه الصرف الصحي ما يسفر عن تلوث كبير وارتفاع نسبة الملوحة»، وحذر من «كارثة بيئية» في شط العرب.
- من جهته، قال نعمة غضبان منصور، رئيس بلدية منطقة السيبة في البصرة: «كانت فضلات مصفاة عبادان الإيرانية التي تلقى في شط العرب لا تؤثر في المياه والبيئة في السابق لأن مياه نهر قارون تدفع بها إلى الخليج، لكن تحويل مجراه أسفر عن تراجع نسبة المياه وتراكم النفايات».
لقد سكتت حكومة المالكي، وسكتت معها الأطراف السياسية الشيعية في البرلمان وفي جميع الهيئات الرسمية والشعبية عن هذا العدوان الإيراني الواضح والثابت والمتمادي والذي لا يختلف من حيث الجوهر والأضرار عن البلطجة والاستهتار التركيين بدماء وأرواح العراقيين وبوجود بلدهم الكياني ذاته، وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه، بل وجدنا الأطراف الكردية تلتزم هذا الصمت المريب ذاته، وتطرح التبريرات الجبانة واللاوطنية لهذا العدوان كما في تصريحات الملا بختيار . ولقد بلغ هذا السلوك الغريب والمرفوض من حكومة المالكي ذروته قبل أيام حين أعلن محافظ البصرة المنشغل هه الأيام بتحريم تناول الخمور وغير ذلك من التحريمات التكفيرية، أن المالكي خصص مبلغ مليار دولار للقيام بمشاريع عاجلة وأخرى بعيدة المدى لمعالجة زيادة الملوحة والتلوث الخطير اللذين تتسبب بهما إيران في شط العرب.
إنها لفضيحة مجلجلة للحكومة وللمالكي شخصيا حين يسكت دهرا على العدوان الإيراني ثم ينطق كفرا (كما يقول المثل السائر: سكت دهرا ونطق كفرا !) فيأمر بالرد على العدوان الإيراني الذي تمثل بقطع مياه الأنهر الصابة في العراق وبإغراق شط العرب بالنفايات الكيمياوية الإيرانية، يأمر بمعالجة تلك النفايات بأموال الشعب العراقي، ترى هل سيلجأ المالكي إلى التعويض أيضا على أسر انتحاريي تنظيم القاعدة التكفيري لأن أولادهم قتلوا وهم يمزقون أجساد العراقيين في الشوارع والأسواق والجوامع ؟ ترى ما الفرق بين من يقتل العراقيين وبلادهم بقطع المياه والنفايات الكيمياوية السامة وبين من يقتلهم بمتفجرات التي أن تي والسي فور ؟
لخص الصحفي المتخصص بالشؤون التركية حسني محلي لمراسل إذاعة دويتشة فيله " الإذاعة الألمانية " نتائج الاجتماع الثلاثي الأخير والفاشل، يوم الخميس 3/9/2009 في أنقرة، لوزراء المياه في تركيا والعراق وسوريا بالقول: أن الاجتماع الذي عقد لعدة ساعات انتهى برفض تركيا القاطع لتوقيع أية اتفاقية لتقاسم المياه بموجب الاتفاق المبدئي لسنة 1987 والذي تعهد الجانب التركي بموجبه بإطلاق ما مقداره 500 متر مكعب من المياه نحو سوريا على أن تترك سورية ما نسبته 58 % منها تذهب إلى العراق ليتم إطلاق كميات أكبر من المياه من قبل تركيا في السنوات اللاحقة حتى تصل إلى 650 مترا مكعبا . الرفض التركي لتوقيع هذا الاتفاق، أو أي اتفاق آخر ،حتى ذلك الذي تم التوصل إليه في الاجتماع الأخير لتشكيل لجان فنية مشتركة لمراقبة وحساب كميات المياه المطلقة نحو سوريا والعراق، يقوم على المزاعم التركية التي لا سابق لها، والقائلة بأن نهري دجلة والفرات ليسا نهرين دوليين بل هما نهران تركيان عابران للحدود/ تقرير صوتي للقاء مع محلي نحتفظ بتسجيل له.
نعتقد أن جذر الأزمة، ولب المشكلة، وبتالي ركائز وبواعث العدوان التركي الخطير على العراق وشعبه وأنهاره، إنما يكمن هنا بالضبط: أي في الاستهتار التركي بالقانون الدولي واعتباره دجلة والفرات نهرين تركيين عابرين للحدود التركية وليسا نهرين دوليين، وهذا ليس أمرا جديدا بل هو قديم قدم الجشع التركي وأطماعه في العراق ومحافظة نينوى تحديدا وبنفطه ومياهه. وبهذا الصدد يؤكد الأستاذ الجامعي العراقي والمتخصص بشؤون المياه نجم عودة هذا المعنى حين يكتب (إن "تركيا لا تريد أن توقع اتفاقية لأنها ترى انه ما دامت مصادر المياه في تركيا فان هذا يعني إنها هي صاحبة الحق في التصرف بها ، فإذا ما تم اعتبارها دولية فان مشروع "الغاب" سوف لن يظهر إلى النور ما دامت قد وقعت على اتفاقية بهذا الشأن، فضلا عن أن موقفها المتحكم بكمية المياه سوف يجعلها تتمتع بميزة الجار الذي يسعى الجميع إلى عدم إغضابه.و في العام 1990 بلغت الأزمة بين تركيا من جهة وسوريا والعراق من جهة أخرى ذروتها، عندما أقفلت تركيا نهر الفرات بالكامل بحجة ملء سد أتاتورك.( الأمر الذي لم يعلق عليه نظام صدام حسين وقتذاك بكلمة واحدة لا خيرا ولا شرا، في حين كان نظام الرئيس الراحل أحمد حسن البكر رحمه الله سنة 1975 أكثر جرأة وغيرة على العراق منه حين بادر إلى تهديد سورية بتدمير سد طبقة بالقوة العسكرية بعد أن أدى حجب مياه الفرات لملئه بالمياه آنذاك إلى حالة نقص وجفاف مريعَين في العرق فتراجع حافظ الأسد عن قراره بحجب المياه واكتفى بنسبة متفق عليها منه .. ع ل) وعلى الرغم من أن تركيا ادعت في حينه أن العملية - الخاصة بسد أتاتورك - فنية بحتة وليس لها أي طابع سياسي، إلاّ أن هذا الإجراء جاء كأسلوب ضغط مباشر على كل من العراق وسوريا لمنع تواجد الأكراد على أراضيهما، ولمنع تسلل الأكراد المعادين للنظام التركي من خلالهما.)
إن الغطرسة وبالأحرى البلطجة التركية قد بلغت أوجها هذه المرة بإفشال اجتماع أنقرة، فحتى قبل أن يعقد الاجتماع بساعات قليلة ، وجه وزير الطاقة التركي "تانر يلدز" إهانة قاسية لضيوفه بأن استبق الاجتماع بالقول إن بلاده لن تطلق المزيد من المياه نحو سوريا والعراق لأنها بالكاد تفي باحتياجاتها الداخلية للمياه، وأطلق كذبة هائلة يريد لنا أن نصدقها في عصر الأقمار الاصطناعية والانترنيت والمسبارات الخارقة مفادها أن سد أتاتورك العملاق لم يعد فيه الكثير من المياه، فيما فسر البعض كلامه بأن الأتراك يخشون أن يؤثر إطلاق المياه نحو العراق على توليد الطاقة الكهربائية من السد. هكذا تكون الأخوة الإسلامية وحسن الجوار من وجهة نظر الحكام الأتراك ذوي الخلفية الإسلامية في حزب العدالة والتنمية الحاكم لإذ أن شعارهم بات يقول : فليمت العراقيون من العطش ولننتج نحن المزيد من الكهرباء ولنصدرها إلى إذربيجان وأوزباكستان وغيرهما!
الوزيران العراقي والسوري ابتلعا هذه "التحية" التركية على مضض، ولم يجرؤا على الانسحاب من الاجتماع بل استمرا فيه على أمل لخروج بنتيجة ما ،ناسيين أن الأيتام لن يخرجوا بشيء من مأدبة الحكام اللئام .
وزير البيئة التركي "فيصل أوغلو" كان أكثر كرما من زميله "يلدز" فقال بأن تركيا ستحاول ، أي نعم "ستحاول مجرد محاولة " ، زيادة الكميات المطلقة من المياه نحو سوريا والعراق ! وهذا الوعد من السيد أوغلو ليس جديدا فلقد تكرر عشرات المرات شفهيا وتحريرا على ألسنة كبار المسؤولين الأتراك والذين أصبح إطلاق هذا النوع من الوعود الكاذبة أشبه بالأوكسجين بالنسبة لهم فهم كما يبدوا سيختنقون إذا لم يكذبوا، ويمكن للسيد طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي أن يدلي بشهادته وتجربته مع الوعود التركية للرأي العام بهذا الخصوص!
الوزير السوري للمياه "نادر البني" بدوره أثبت أنه من المغرمين بهذا النوع من أوكسجين الأكاذيب، فقد أعلن وأمام الوزير العراقي الذي أكد انخفاض مناسيب المياه في العراق إلى الثلث أو أقل من الثلث، بأن سوريا زادت من حصة العراق من المياه من 58% إلى 69%. فكيف يمكن للفلاحين العراقيين ومربي الجاموس في الجنوب و مزارعي الشلب في الفرات الأوسط أن يصدقوا هذا التصريح السوري الحاتمي في كرمه، وهم يشاهدون ويشهدون بعيونهم تصحر الأهوار والبحيرات وشبكات الجداول والترع، و هم يحزمون أمتعتهم استعدادا للهجرة من منطقة إلى أخرى؟
نخشى أن يزعم البني ذات يوم أنه أطلق ما نسبته 100% من مياه الفرات لنرى العراق وقد تحول إلى ما يشبه الربع الخالي، إذ يبدو أن التناسب صار طرديا بين المياه التي يطلقها البني و الجفاف والتصحر في العراق !
إن الاجتماع الوزاري الثلاثي الأخير في أنقرة قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي هدف مركزي ، وهذا يعني أن الأتراك أعلنوها حربا إبادة حقيقة على العراق خصوصا. وعلى هذا، ينبغي على الحكم العراقي القائم اليوم ، أن يرد على هذا التحدي بما يتناسب وخطورته الماحقة فيستعد لتدويل هذه المشكلة الكارثية و رفعها وبشكل عاجل إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية المتخصصة ومنها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ويتمسك بحقه في الرد الدفاعي والتهديد بتدمير السدود، وهذه ليست سابقة تاريخية فنظام حسني مبارك هدد مرارا دول حوض النيل بهذا الخيار، والرئيس العراقي البكر هدد به نظام حافظ الأسد كما أسلفنا، وإلا فسوف يأتي اليوم - وهو قريب - الذي يحاكم فيه أقطاب الحكم العراقي هؤلاء، وفي مقدمتهم المالكي والطالباني والهاشمي وعبد المهدي بتهمة التواطؤ أو الإهمال أو سوء إدارة الأزمة المتسبب في تسهيل الجريمة التركية في إبادة العراق والعراقيين.وقبل أن نبحث موضوع إمكانية رفع النزاع المائي، والذي أصبح اسمه واقعا "العدوان التركي والإيراني على العراق وشعبه" إلى محكمة العدل الدولية من الناحية القضائية والسياسية، نود التعقيب على تساؤل قد يطرحه بعض المغرضين من الطائفيين الشيعة خصوصا، عن السبب الداعي للزج بإيران في هذا الموضوع، فربما يلمح بعض هؤلاء المغرضين الموالين لنظام الحكم الإيراني إلى أننا نحاول خلق موازنة زائفة بين إيران وتركيا لئلا نثير غضب الطائفيين السنة العراقيين، ولهؤلاء ولغيرهم نقول ونسرد الحقائق التالية عن العدوان الإيراني في ميدان المياه وهي حقائق موثقة عن صحف ومجلات ووسائل إعلام عراقية ننقلها حرفيا، وهي و لا تقل كارثية وخطرا على العراق حيث أقدمت إيران ومنذ عدة سنوات على الإجراءات والعدوانية التالية :
- تجفيف مياه نهر ألون عبر تغيير مجراه لتبقى مياهه محصورة في عمق الأراضي الإيرانية ...وعليه فان تجفيفه يعتبر بمثابة قطع شريان الحياة الرئيس ليس في خانقين وحدها بل في العديد من القرى والقصبات الواقعة على طرفي مجرى هذا النهر. وعلى مدى العقود الماضية سعت إيران مرارا لتجفيف مياه هذا النهر بشتى السبل،وفي عهد الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم عمدت إيران إلى منع تدفق مياه النهر باتجاه العراق، لكن قاسم أمر على الفور بشق فرع من نهر سيروان المجاور بطول 41 كيلو مترا وبعمق 5 أمتار وتوجيه مياهه نحو بلدة خانقين، ولم يستغرق المشروع الذي أنقذ البلدة وأهلها من الجفاف والقحط سوى ستة أشهر.
- أقامت سدا ضخما على نهر قارون " المسرقان " وحجبت مياهه تماما عن شط العرب .
- تنفذ حاليا مشروعا أكبر من ذلك بكثير يتمثل في تغيير مجرى نهر سيروان أيضا الذي يمر من بين وديان عميقة داخل الأراضي الإيرانية، وذلك عبر شق نفقين طويلين في احد الجبال التي تحاذي مجرى النهر بهدف تحويل المياه من خلالهما باتجاه المناطق الواقعة خلف مدينة جوانرو الكردية لتنتهي إلى مصبات داخل الأراضي الإيرانية. وفي حال استكمال هذا المشروع الخطير فان نهر سيروان سيغدو هو الآخر أثرا بعد عين لا محال. والغريب ان إيران لم تعلن حتى الآن رسميا عن غايتها من تجفيف مياه نهر ألون، كما ان السلطات العراقية وحكومة إقليم كردستان لم يصدر عنهما أي رد فعل أو موقف رسمي حيال ما يعتبره العديد من المحللين والمتابعين للشأن العراقي إعلانا لحرب المياه من جانب إيران بل إن ملا بختيار المتحدث الرسمي باسم حزب يعلن أن الأمر لم يصل بعد إلى حد إعلان حرب المياه، ويبرر بكل جبن وغباء هذا النمط من المشاريع التي تتبناها إيران وتركيا فيقول إن ( إقامة السدود على تلك الأنهر الصغيرة هو جزء مهم من المخططات الإستراتيجية لتلكما الدولتين "..." وعزا ملا بختيار وهو من أبناء مدينة خانقين السبب في إقدام إيران على تنفيذ مثل هذه المشاريع إلى موجة الجفاف والقحط التي طالت إيران ).
- وقال مدير إدارة الموارد المائية في العراق عون ذياب إن «السلطات الإيرانية بدأت منذ عام 2002، بإقامة سدود على نهر قارون، ما أدى إلى تراجع كمية المياه، ثم ما لبثت ان أغلقت النهر في شكل كامل العام الحالي، وتحويل مجراه إلى نهر بهمن شير». وتابع «إنها تستخدم شط العرب حالياً مكباً لنفايات المصافي ومياه الصرف الصحي ما يسفر عن تلوث كبير وارتفاع نسبة الملوحة»، وحذر من «كارثة بيئية» في شط العرب.
- من جهته، قال نعمة غضبان منصور، رئيس بلدية منطقة السيبة في البصرة: «كانت فضلات مصفاة عبادان الإيرانية التي تلقى في شط العرب لا تؤثر في المياه والبيئة في السابق لأن مياه نهر قارون تدفع بها إلى الخليج، لكن تحويل مجراه أسفر عن تراجع نسبة المياه وتراكم النفايات».
لقد سكتت حكومة المالكي، وسكتت معها الأطراف السياسية الشيعية في البرلمان وفي جميع الهيئات الرسمية والشعبية عن هذا العدوان الإيراني الواضح والثابت والمتمادي والذي لا يختلف من حيث الجوهر والأضرار عن البلطجة والاستهتار التركيين بدماء وأرواح العراقيين وبوجود بلدهم الكياني ذاته، وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه، بل وجدنا الأطراف الكردية تلتزم هذا الصمت المريب ذاته، وتطرح التبريرات الجبانة واللاوطنية لهذا العدوان كما في تصريحات الملا بختيار . ولقد بلغ هذا السلوك الغريب والمرفوض من حكومة المالكي ذروته قبل أيام حين أعلن محافظ البصرة المنشغل هه الأيام بتحريم تناول الخمور وغير ذلك من التحريمات التكفيرية، أن المالكي خصص مبلغ مليار دولار للقيام بمشاريع عاجلة وأخرى بعيدة المدى لمعالجة زيادة الملوحة والتلوث الخطير اللذين تتسبب بهما إيران في شط العرب.
إنها لفضيحة مجلجلة للحكومة وللمالكي شخصيا حين يسكت دهرا على العدوان الإيراني ثم ينطق كفرا (كما يقول المثل السائر: سكت دهرا ونطق كفرا !) فيأمر بالرد على العدوان الإيراني الذي تمثل بقطع مياه الأنهر الصابة في العراق وبإغراق شط العرب بالنفايات الكيمياوية الإيرانية، يأمر بمعالجة تلك النفايات بأموال الشعب العراقي، ترى هل سيلجأ المالكي إلى التعويض أيضا على أسر انتحاريي تنظيم القاعدة التكفيري لأن أولادهم قتلوا وهم يمزقون أجساد العراقيين في الشوارع والأسواق والجوامع ؟ ترى ما الفرق بين من يقتل العراقيين وبلادهم بقطع المياه والنفايات الكيمياوية السامة وبين من يقتلهم بمتفجرات التي أن تي والسي فور ؟