نووورا انا
14-09-2009, 12:51 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد
شباهته بالخضر (عليه السلام):
قبل بيان وجوه الشَّبه بينهما، أحبّ أنْ أذكر شيئاً مهمّاً وهو أنّ الخضر (عليه السلام) إنما صار وليّاً لأنه كان محبّاً للعترة الطاهرة، ويشهد لِمَا قلنا آية أخْذ المواثيق وهي على الأولياء والأنبياء بولاية العترة وهي قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين لمّا آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنُنّ به ولتنصرنّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) وكـذا الأخبار الكثيرة الدّالّة على ذلك والتي منهـا حديث الكساء، وحـديث الأنوار، وحديث "لو لم يكن أمير المؤمنين عليّ زوجاً للصدّيقة الزهراء عليها السَّلام لم يكن لها كفوٌ منذ آدم..".
إذن الصفات التي جعلت من الخضر وليّاً هي ما يلي:
(1) ـ العبوديّة للمولى عزّ وجلّ والإخلاص له.
(2) ـ المحبّة لآل البيت والسّعي نحوهم، ويشهد لهذا ما ورد في خبر أسيد بن صفوان صاحب رسول الله قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إرتجّ الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم فجاء رجل باكٍ وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم من الله عز وجل، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعن المسلمين خيراً، قويتَ حين ضَعُفَ أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إذ هم أصحابه، كنتَ خليفته حقاً، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وضغن الفاسقين، فقمتَ بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيتَ بنور الله إذ وقفوا، ولو اتبعوك لهدوا، وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم قوتاً، وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدهم يقيناً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالأمور، كنتَ والله للدين يعسوباً، أولاً حين تفرق الناس، وآخراً حين فشلوا، وكنتَ بالمؤمنين أباً رحيماً إذ صاروا عليكَ عيالاً، فحملتَ أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، كنتَ على الكافرين عذاباً صباً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزتَ سوابقها، وذهبتَ بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن، كنتَ كالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنتَ كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم ضعيفاً في بدنك قويا في أمر الله عز وجل متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله عز وجل، كبيراً في الأرض، جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وقوي بك الإيمان، وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللتَ عن البكاء، وعظمتْ رزيتكَ في السماء، وهدّتْ مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا من الله عز وجل قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً، كنتَ للمؤمنين كهفاً وحصناً، وعلى الكافرين غلظةً وغيظاً، فألحقك الله بنبيه ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وأبكى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ثم طلبوه فلم يصادفوه.(14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn14)
وجاء في خبر الحسن بن عليّ بن فضال قال: سمعتُ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) يقول: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه وإنه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلم عليه وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.(15) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn15)
من هنا جال الخضر (عليه السلام) في البلدان باحثاً عن عين الحياة، التي مَن شرب منها بقي حيّاً، وهو لم يطلب الحياة ليتلذّذ بها؛ وإنّما ليخدم خاتم الأوصياء مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام).
والخبران المتقدمان يشهدان على عِظَم علاقة الخضر (عليه السلام) بأئمّة أهل البيت عليهم السَّلام وأنه كان مستغرقاً بحبهم، ومن القبيح عقلاً وشرعاً أنْ يؤنس اللهُ تعالى الإمام برَجُلٍ لا يحبه الإمام (عليه السلام) أو لا يُحبّ الإمامَ (عليه السلام)، فالإستئناس فرع المحبّة والمعرفة.
(3) ـ الجهاد بقسميه: الأصغر والأكبر.
هذه الصفات الثلاث مجتمعة جعلَت من العبد الصالح وليّاً لله تعالى، بل جَعَلَتْ منه سيّداً على النبيّ موسى (عليه السلام) حيث أمره الله سبحانه أنْ يتّبع الخضر ليقتبس منه عِلْماً.
وجوه الشّبه بين الخضر (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام):
(1) ـ إنّ الخضر (عليه السلام) طويل العمر، وهذا ثابت عند الفريقين، ويدلّ عليه أخبار كثيرة منها ما ورد(16) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn16) عن داود الرقّي قال: خرج أخَوان لي يريدان المزار فعطش أحدهما عطشاً شديداً، حتى سقط من الحمار، وسقط الآخر في يده، فقال: فصلّى ودعا الله ومحمّداً وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السَّلام كان يدعو واحداً بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمّد (عليه السلام) فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برَجُل قد قام وهو يقول: يا هذا ما قصّتك، فذكر له حاله، فناوله قطعة عود وقال: ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه واستوى جالساً، ولا عطَش به، فمضى حتى زار القبر فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدّعاء المدينة فدخل على مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) فقال له: إجلس ما حال أخيكَ؟ أين العُود؟ فقال: يا سيّدي إني لمّا أُصبتُ بأخي اغتممتُ غمّاً شديداً فلمّا ردّ الله تعالى عليه روحه نسيتُ العُود من الفرح، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): أما إنه ساعة صرت إلى غمّ أخيكَ أتاني أخي الخضر، فبعثت إليكَ على يديه قطعة عودٍ من شجرة، ثمّ التفتَ (عليه السلام) إلى خادمٍ له فقال (عليه السلام): عليَّ بالسفط فأتى به، ففتحه واخرجَ منه قطعة من العُود بعينها، ثمّ أراها إيّاه حتى عَرَفها، ثمّ ردّها إلى السفط.
ملاحظة:
في هذا الخبر إشارتان مهمّتان:
الأولى: التوسّل بالأئمّة في جَلْب الخير ودفْع الشّر، من هنا نلاحظ أنّ الرّجلين كادا يموتان من العطش، فرفع الإمام الصّادق (عليه السلام) عنهما شرّ ذلك.
الثانية: إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) بعث بالخضر ومعه قطعة عود من شجرة طوبى من الجنّة، مما يُفهم منه أنّ الخضر (عليه السلام) خادمٌ عند الإمام الصّادق (عليه السلام) وبقيّة الأئمّة عليهم السَّلام. مضافاً إلى ما عندهم من القدرة على تناول ثمار الجنّة أو الأخذ منها ما يشاءون، كيف لا وقد خلقها الله تعالى لهم.
(2) ـ ومن وجوه الشبه أنّ الله أعطاه القدرة على التصوّر كيف شاء، حسبما روى صاحب المكيال نقلاً عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره، وكذا أعطى الله عزّ شأنه الإمامَ الحجّة المهديّ (عليه السلام) القدرة على ذلك، وذلك يندرج تحت الولاية التكوينيّة الموهوبة بأقصى درجاتها إليه (عليه السلام).
(3) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) كان مأموراً بعِلْم الباطن والنّبيّ موسى (عليه السلام) كان مأموراً بالظاهر، والباطن أفضل من الظاهر، لذا أمر الله موسى بإتباعه (هل أتبعك على أنْ تعلِّمنِ مما عُلِّمْتَ رشداً.. قال إنّكَ لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لكَ أمراً، قال فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحْدِثَ لكَ منه ذِكراً).
(4) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) مأمور بالعِلْم الباطني من هنا قتل الغلام بعد أنْ حكم عليه بالكفر من دون بيّنة ظاهريّة (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلتَ نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئتَ شيئاً نُكراً) وسبب قتله للغلام هو أنه لو تركه يَكْبُر سوف يسبّب الكفر والطغيان لوالديه (وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن فحشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أنْ يُبدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْمَاً).
فإذا كان الخضر (عليه السلام) وهو تلميذ آل محمّد قد أُوتي العِلم الباطني فإنّ لأستاذه وسيّده الإمام الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام) هذه المنـزلة بطريقٍ أوْلى كما هو مفاد الأخبار الصحيحة الدّالّة على أنّه يحكم من دون بيّنة يوم الظهور المبارَك.
(5) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) لم تتضح صورةُ أفعاله لموسى (عليه السلام) إلاّ بعد كشْفه لذلك، والإمام الحجّة (عليه السلام) لا تتضح العلّة في غيبته كما ينبغي إلاّ بعد ظهوره وكشفه لذلك.
(6) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) يحضر موسم الحجّ كلّ سنة فيؤدّي مناسك الحجّ، والإمام الحجّة القائم (عليه السلام) يفعل كذلك بل الخضر يؤديها مع الإمام ويقوم بتدبير أمر الإمام (عليه السلام).
للموضوع تتمة.........
شباهته بالخضر (عليه السلام):
قبل بيان وجوه الشَّبه بينهما، أحبّ أنْ أذكر شيئاً مهمّاً وهو أنّ الخضر (عليه السلام) إنما صار وليّاً لأنه كان محبّاً للعترة الطاهرة، ويشهد لِمَا قلنا آية أخْذ المواثيق وهي على الأولياء والأنبياء بولاية العترة وهي قوله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيّين لمّا آتيتكم من كتابٍ وحكمة ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمنُنّ به ولتنصرنّه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) وكـذا الأخبار الكثيرة الدّالّة على ذلك والتي منهـا حديث الكساء، وحـديث الأنوار، وحديث "لو لم يكن أمير المؤمنين عليّ زوجاً للصدّيقة الزهراء عليها السَّلام لم يكن لها كفوٌ منذ آدم..".
إذن الصفات التي جعلت من الخضر وليّاً هي ما يلي:
(1) ـ العبوديّة للمولى عزّ وجلّ والإخلاص له.
(2) ـ المحبّة لآل البيت والسّعي نحوهم، ويشهد لهذا ما ورد في خبر أسيد بن صفوان صاحب رسول الله قال: لمّا كان اليوم الّذي قبض فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) إرتجّ الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم فجاء رجل باكٍ وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأخوفهم من الله عز وجل، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم، وأشبههم به هدياً ونطقاً وسمتاً وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسوله صلّى الله عليه وآله وسلَّم وعن المسلمين خيراً، قويتَ حين ضَعُفَ أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم إذ هم أصحابه، كنتَ خليفته حقاً، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وضغن الفاسقين، فقمتَ بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيتَ بنور الله إذ وقفوا، ولو اتبعوك لهدوا، وكنت أخفضهم صوتاً وأعلاهم قوتاً، وأقلهم كلاماً، وأصوبهم منطقاً، وأكبرهم رأياً، وأشجعهم قلباً، وأشدهم يقيناً، وأحسنهم عملاً، وأعرفهم بالأمور، كنتَ والله للدين يعسوباً، أولاً حين تفرق الناس، وآخراً حين فشلوا، وكنتَ بالمؤمنين أباً رحيماً إذ صاروا عليكَ عيالاً، فحملتَ أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ خنعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، كنتَ على الكافرين عذاباً صباً، وللمؤمنين غيثاً وخصباً فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزتَ سوابقها، وذهبتَ بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن، كنتَ كالجبل الذي لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنتَ كما قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلَّم ضعيفاً في بدنك قويا في أمر الله عز وجل متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله عز وجل، كبيراً في الأرض، جليلاً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز، ولا لأحد فيك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وقوي بك الإيمان، وثبت بك الإسلام والمؤمنون، وسبقت سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك تعباً شديداً، فجللتَ عن البكاء، وعظمتْ رزيتكَ في السماء، وهدّتْ مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا من الله عز وجل قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لن يصاب المسلمون بمثلك أبداً، كنتَ للمؤمنين كهفاً وحصناً، وعلى الكافرين غلظةً وغيظاً، فألحقك الله بنبيه ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وأبكى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلَّم ثم طلبوه فلم يصادفوه.(14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn14)
وجاء في خبر الحسن بن عليّ بن فضال قال: سمعتُ أبا الحسن عليّ بن موسى الرّضا (عليه السلام) يقول: إن الخضر (عليه السلام) شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنه ليأتينا فيسلم فنسمع صوته ولا نرى شخصه وإنه ليحضر حيث ما ذكر فمن ذكره منكم فليسلم عليه وإنه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته.(15) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn15)
من هنا جال الخضر (عليه السلام) في البلدان باحثاً عن عين الحياة، التي مَن شرب منها بقي حيّاً، وهو لم يطلب الحياة ليتلذّذ بها؛ وإنّما ليخدم خاتم الأوصياء مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السلام).
والخبران المتقدمان يشهدان على عِظَم علاقة الخضر (عليه السلام) بأئمّة أهل البيت عليهم السَّلام وأنه كان مستغرقاً بحبهم، ومن القبيح عقلاً وشرعاً أنْ يؤنس اللهُ تعالى الإمام برَجُلٍ لا يحبه الإمام (عليه السلام) أو لا يُحبّ الإمامَ (عليه السلام)، فالإستئناس فرع المحبّة والمعرفة.
(3) ـ الجهاد بقسميه: الأصغر والأكبر.
هذه الصفات الثلاث مجتمعة جعلَت من العبد الصالح وليّاً لله تعالى، بل جَعَلَتْ منه سيّداً على النبيّ موسى (عليه السلام) حيث أمره الله سبحانه أنْ يتّبع الخضر ليقتبس منه عِلْماً.
وجوه الشّبه بين الخضر (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام):
(1) ـ إنّ الخضر (عليه السلام) طويل العمر، وهذا ثابت عند الفريقين، ويدلّ عليه أخبار كثيرة منها ما ورد(16) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.813/003.htm#_ftn16) عن داود الرقّي قال: خرج أخَوان لي يريدان المزار فعطش أحدهما عطشاً شديداً، حتى سقط من الحمار، وسقط الآخر في يده، فقال: فصلّى ودعا الله ومحمّداً وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السَّلام كان يدعو واحداً بعد واحد حتى بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمّد (عليه السلام) فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برَجُل قد قام وهو يقول: يا هذا ما قصّتك، فذكر له حاله، فناوله قطعة عود وقال: ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه واستوى جالساً، ولا عطَش به، فمضى حتى زار القبر فلمّا انصرفا إلى الكوفة أتى صاحب الدّعاء المدينة فدخل على مولانا الإمام الصّادق (عليه السلام) فقال له: إجلس ما حال أخيكَ؟ أين العُود؟ فقال: يا سيّدي إني لمّا أُصبتُ بأخي اغتممتُ غمّاً شديداً فلمّا ردّ الله تعالى عليه روحه نسيتُ العُود من الفرح، فقال الإمام الصادق (عليه السلام): أما إنه ساعة صرت إلى غمّ أخيكَ أتاني أخي الخضر، فبعثت إليكَ على يديه قطعة عودٍ من شجرة، ثمّ التفتَ (عليه السلام) إلى خادمٍ له فقال (عليه السلام): عليَّ بالسفط فأتى به، ففتحه واخرجَ منه قطعة من العُود بعينها، ثمّ أراها إيّاه حتى عَرَفها، ثمّ ردّها إلى السفط.
ملاحظة:
في هذا الخبر إشارتان مهمّتان:
الأولى: التوسّل بالأئمّة في جَلْب الخير ودفْع الشّر، من هنا نلاحظ أنّ الرّجلين كادا يموتان من العطش، فرفع الإمام الصّادق (عليه السلام) عنهما شرّ ذلك.
الثانية: إنّ الإمام الصادق (عليه السلام) بعث بالخضر ومعه قطعة عود من شجرة طوبى من الجنّة، مما يُفهم منه أنّ الخضر (عليه السلام) خادمٌ عند الإمام الصّادق (عليه السلام) وبقيّة الأئمّة عليهم السَّلام. مضافاً إلى ما عندهم من القدرة على تناول ثمار الجنّة أو الأخذ منها ما يشاءون، كيف لا وقد خلقها الله تعالى لهم.
(2) ـ ومن وجوه الشبه أنّ الله أعطاه القدرة على التصوّر كيف شاء، حسبما روى صاحب المكيال نقلاً عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره، وكذا أعطى الله عزّ شأنه الإمامَ الحجّة المهديّ (عليه السلام) القدرة على ذلك، وذلك يندرج تحت الولاية التكوينيّة الموهوبة بأقصى درجاتها إليه (عليه السلام).
(3) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) كان مأموراً بعِلْم الباطن والنّبيّ موسى (عليه السلام) كان مأموراً بالظاهر، والباطن أفضل من الظاهر، لذا أمر الله موسى بإتباعه (هل أتبعك على أنْ تعلِّمنِ مما عُلِّمْتَ رشداً.. قال إنّكَ لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبراً قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لكَ أمراً، قال فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحْدِثَ لكَ منه ذِكراً).
(4) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) مأمور بالعِلْم الباطني من هنا قتل الغلام بعد أنْ حكم عليه بالكفر من دون بيّنة ظاهريّة (فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال أقتلتَ نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئتَ شيئاً نُكراً) وسبب قتله للغلام هو أنه لو تركه يَكْبُر سوف يسبّب الكفر والطغيان لوالديه (وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن فحشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أنْ يُبدلهما ربُّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رُحْمَاً).
فإذا كان الخضر (عليه السلام) وهو تلميذ آل محمّد قد أُوتي العِلم الباطني فإنّ لأستاذه وسيّده الإمام الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام) هذه المنـزلة بطريقٍ أوْلى كما هو مفاد الأخبار الصحيحة الدّالّة على أنّه يحكم من دون بيّنة يوم الظهور المبارَك.
(5) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) لم تتضح صورةُ أفعاله لموسى (عليه السلام) إلاّ بعد كشْفه لذلك، والإمام الحجّة (عليه السلام) لا تتضح العلّة في غيبته كما ينبغي إلاّ بعد ظهوره وكشفه لذلك.
(6) ـ وليّ الله الخضر (عليه السلام) يحضر موسم الحجّ كلّ سنة فيؤدّي مناسك الحجّ، والإمام الحجّة القائم (عليه السلام) يفعل كذلك بل الخضر يؤديها مع الإمام ويقوم بتدبير أمر الإمام (عليه السلام).
للموضوع تتمة.........