ali jaber
19-09-2009, 12:03 AM
بحث في إثبات العصمة والإمامة (1):
هناك عدة مذاهب من المسلمين تعتقد ان العصمة للأنبياء والمرسلين في امور التبليغ فقط ،اما بحياتهم العادية يخطئون ويسهون ويذنبون. اما المدرسة الإمامية فإعتقادها ان العصمة للأنبياء والأئمة عصمة مطلقة مذ ان يولد الى ان يموت ، على مستوى الامور الدينية والدنيوية وفي كل المجالات ، والأدلة من القرأن والسنة كثيرة بهذا الخصوص ، منها آية التطهير وحديث الثقلين .
آية التطهير : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )
الآية الكريمة تبتدأ بعبارة (إنما) وكما نعلم (إنما) تفيد الحصر ، وبتعبير المحققين أنها تفيد (ليس إلا) ولهذا نجد أن سيد قطب في تفسيره(في ظلال القرأن) يقول لا توجد أية في القرأن تذكر منقبة ً لغير هذا البيت في الايات المباركة وكأن هذا البيت هو المستحق لهذا التعظيم وليس الا .
يقول الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) مجلد22 - ولعل تفسيره يُعتبر من أهم التفاسير السنّية وأدقّها - :( هذا ما عندي عن الاية المباركة المتضمنة لفضيلة لأهل البيت عظيمة ) إذا مُثبتٌ ان الاية فيها حصر وانها تتضمن منقبة وفضيلة مختصة بهم عليهم السلام . ومن ثم يوضح الالوسي في تفسيره لهذه الاية على طهارة اهل البيت من الذنوب مطلقة ؟
فيقول في تفسيره جزء 22 ص 12 : (ان الرجس في الاصل الشئ القذر وما يستقبحه الانسان ..وأُرِيِدَ به هنا عند كثيرٍ الذنب ) لماذا استعار عن الذنب بالرجس ؟ يقول الزمخشري : ( إنما سُمي الذنب رجساً حتى يُضّمن معنى الاستقذار والتنزه) فمثلاً عندما اقول لك رجسٌ تتنزه عنه وتستقذره ، اما عندما اقول ذنبٌ فليس بها بُعدٌ نفسي مثل تلك ، لذلك يقول الزمخشري: ( إنما عَوّض عن كلمة الرجس بكلمة الذنب حتى يُعطيها بعداً نفسياً) يعني ما يُستقذر وما لا ينبغي ان يفعله العاقل ، ويقول الالوسي : ( قال السدّي – من علماءالتفسير- : " هو الاثم" وقال ابن زيد:"هو الشيطان" وقال الحسن: "هو الشرك" وقِيل : "الشك"وقِيل: "البخل والطمع" وقيل: " الاهواء والبدع"... والمراد به هنا ما يعم كل ذلك كما لا يخفى ) بعد ذكره هذا كله يقول هذا لا يوجب العصمة ؟!! إذاً ما هي العصمة ؟ وهل العصمة غير التنزه عن هذا كله ؟
نستشهد هنا بروايةٍ نُقلت عن ابن عباس عن النبي ص متفقٌ عليها عند الفريقين تقول : ( إن الله تعالى قسّم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً ، فذلك قوله تعالى : " فأصحاب اليمين واصحاب الشمال " فأنا من اصحاب اليمين وانا خيرُ اصحاب اليمين ، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً ، فذلك قوله تعالى:" فأصحاب المشئمة ما اصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون" فأنا من السابقين وانا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة , ذلك قوله تعالى : " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" وانا أتقى وُلد آدم وأكرمهم على الله تعالى ، ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا" أنا واهل بيتي مطهرون من الذنوب .
هذه الاية فيها مسألتين، المسألة الاولى ان الرسول ص مشمولٌ بآية التطهير، وهذا خلاف ما يذهب اليه بعض علماء اهل السنة بقولهم ان الرسول غير مشمول فيها وهم أنفسهم ينقلون هذه الرواية ، أما المسئلة الثانية فهذه الآية تُثبت العصمة فهي تقول مطهرّون من الذنوب ، ولتأييد المطلب فإن السيد الطباطبائي بكتابه الميزان مجلد 16 ص 312 يقول: (والرجس بالكسر فالسكون صفةٌ من الرجاسة وهي القذارة )وكل اهل اللغة يثبتون ذلك ، ويقول: ( القذارة هي هيئةٌ في الشيئ توّجب التجنّب والتنفّر منه) اي مطلق القذارة ماديةٌ كانت ام معنوية ، والقذارة والرجس على نحوين ، فمن قبيل قوله تعالى : (او لحمُ خنزيرِ فإنه رجس) وهذا رجسٌ مادي ، والمعنوي كقوله : (واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) إذاً عبّرت عن الكفر انه رجس ، والكفر أمرٌ معنوي مرتبط بالقلب أو قوله تعالى : ( خذّ من أموالهم صدقة تطهرهم ) فإن الله يرى ان الانسان المتعلق قلبه بحق الله إنسان مريض وبه رجس فالصدقة تطهره معنوياً ، ومن هنا يُفهم من القرأن الكريم ان الرجس أعمّ من أن يكون مادياً ومعنوياً ، إذاً تبيّن ان العصمة المذكورة في الآية عصمة ٌ شاملة ومطلقة ، ويقول الآلوسي: ( إنما قدّم الرجاسة على الطهارة لأن التحلية من الرجاسات مقدمة على التحلية بالطهارات ) فتبيّن لنا ان اهل البيت لا يوجد فيهم اي رجاسة وفيهم كل طهارة ، وهذه هي العصمة بإطلاقها العام بل هذه أعلى درجات العصمة .
النقطة الثانية من هم المرادون بأهل البيت في الاية ؟ أيضاً نذكر كلمات الالوسي في (روح المعاني)، يقول: (وجاء في رواية نقلها الطبراني عن ام سلمة – مجلد 22 ص17- تقول الرواية قالت ام سلمة: " فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه النبي ص من يدي وقال: انك على خير " وفي اخرى انها قالت: " أولست من اهل البيت ؟ فقال: انك الى خيرٍ إنك من أزواج النبي" ) يعني ان ازواج النبي ص لسن داخلات في اهل البيت ، ويكمل الآلوسي قائلاً : (واخبار إدخاله ص وفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء ، وقوله ص اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم وعدم إدخال ام سلمة ، أكثرُ من أن تحصى ) وبعد هذا كله ينتقل ليقول وهذه الاية أستدّل بها الشيعة على العصمة وهي بعيدة ٌ عن هذا ولا دلالة للعصمة فيها !!! عجيب ؟! ولقد قال السيوطي في الدرّ المنثور ص 603 : ( وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ام سلمة رض : ان رسول الله كان ببيتها على منامةٍ له وعليه كساءٌ خيبري ، فجأت فاطمة ، فقال رسول الله : إدعي زوجك وأبنيك حسناً وحسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله ص آية التطهير ، فأخذ النبي ص بفضلة إزاره فغشّاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وأوماء بها الى السماء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت ام سلمة: فأدخلت رأسي في الستر وقلت: يا رسول الله وأنا معكم ، فقال: إنك الى خير ) . وروايات كثيرة بهذا المضمون ينقلها الى ان يصل الى ص 606 من الكتاب ، يقول : (وأخرج ابن مردويه عن ابي سعيد الخدري قال : لما دخل عليٌ بالزهراء ع جاء النبي ص اربعين صباحاً الى بابها يقول : السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ، انا حربٌ لمن حاربتم انا سلمٌ لمن سالمتم ) . وفي رواية أخرى ينقلها عن ابي الحمراء يقول:حفظت من رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة يفعل ذلك. بهذا لفت النبي ص انظار كل المسلمين لفعله هذا ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله يأتي تسعة أشهر كل يوم باب علي ع عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهل البيت ، انما يريد .. ورواياتنا في هذا المجال ان المراد باهل البيت هم اصحاب الكساء تفوق الآلف . وغير ذلك يوجد دلالات كثيرة تدّل ان الاية تختص بهم عليهم السلام فالآيات التي سبقت هذه الاية والآيات التي بعدها تدل على ذلك ، فالآيات التي قبلها تبدأ (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها اجرها مرتين يا نساء النبي لستن كأحدن من النساء ..) وحتى الاية التي بعد اية التطهير مرتبطة بنساء النبي ص (وأذكرن ما يتلى في بيوتكن ..) فإذا كانت الاية مختصة بنساء النبي ص ينبغي ان تؤنث مثل اخواتها بل هنا تحولت من نون النسوة للتأنيث الى ضمير المذكر (عنكم ) ولو ينبغي ان تكون الاية متعلقة بنساء النبي ص لكانت (عنكن) . ولو ان نساء النبي ص كنّ مشمولاتٌ بالآية الكريمة او لو كنّ هنّ المخاطبات بالآية لكُنّ على الاقل أستدللن ولو بموقع واحد ان الاية نزلت فينا ، فنحن لا نجد على مرّ التاريخ الاسلامي ان واحدة من نساء النبي ص قالت ان هذه الاية نازلة فينا ، وخصوصاً مع حاجة بعض نساء النبي ص الى القرأن فنحن نعلم ان من نساء النبي ص من خرجن على امام زمانهن فكانت تستطيع ان تستدل بالآية المباركة تقول ان الاية نزلت فيّ وتبيّن لنا طهارتها وتثبت صحة موقفها ، بل بالعكس ان نساء النبي ص بأجمعهن نقل اصحاب الروايات عنهم ان هذه الاية نزلت بأصحاب الكساء . والمطلب الآخر ان الاية دلّت على العصمة ، ونساء النبي ص لسن بمعصومات .
إذاً أستدللنا بهذه الاية على عصمة النبي والامام علي والسيدة فاطمة والحسنين علهيم افضل الصلاة والسلام ، فتبيّن عندنا هنا انه يوجد نتيجة أخرى في البحث فهذه الاية نزلت في اُخريات حياة النبي ص يعني اما في سنة 9 من الهجرة او 10 كما يذكر اصحاب التاريخ ، فالحسن والحسين كانت اعمارهم تترواح ما بين ست وخمس سنوات ، والاية هنا تثبت العصمة لهم بدخولهم تحت الكساء ، لذا نجعل هذا دليلاً للذين يريدون اثبات ان الامام معصوم قبل الامامة ومن الصغر بل وأكثر هنا حتى قبل البلوغ ، فإذا العصمة بيّنت انها ثابتة للحسنين قبل البلوغ فستنتج انها ثابتة للامام علي ع قبل البلوغ وبالأولوية القطعية ، فالنبي ص يقول: (وابوهما خيرٌ منهما) وهل تقبل ان الحسنين مع علي ع عصمتهما قبل البلوغ ولم يكن للنبي ص افضل خلق الله هذا الشئ ، إذا فأتضح مقصودنا بأن الامام والنبي معصوم عصمة مطلقة .
أما بالنسبة لحديث الثقلين فكما نعرف انه متواتر يعني لا ريب من صدور هذ الحديث من فم الخاتم ص ، و كما نقطع بصحة الايات انها صدرت من فم النبي ص كذلك نقطع في هذا الحديث انه صادرٌ عنه ص ، فقد ذكر المجلسي في البحار المجلد 92 ، كما ورد عن النبي ص : ( إني مخلفٌ فيكم الثقلين الثقل الاكبر القرأن والثقل الاصغر عترتي اهل بيتي ، هم حبلٌ ممدودٌ بينكم وبين الله عز وجل وأنهما لن يفترقا حتى يرداّ عليّ الحوض) فقد نقله أحمد في مسنده والترمزي والطبراني وأبو يعلى وغيرهأحمد بمسن\[ كثير ، مع تغيير بسيط بالمعنى لكن عين المضمون .
أولاً أشار الرسول بالثقل الاصغر انهم عترته ، وعترته هم اهل بيته كم وضّح ، ومن ثم إذا لاحظنا بالحديث لم يقل النبي ص(هما حبلان/ حبلين) بل قال (هما حبلٌ) اي جمع العترة والقران وقال عنهما حبلٌ اي كلاهما مكمل للآخر ولا ينفصلان والمراد أنه إذا أردنا أن نكتب هذا الوجود وهو الامام او النبي ص يكون القران ، وإذا أردنا أن نجسد القرأن بوجودٍ يمشي يكون هو الامام والنبي ص ، وهذا معنى قول الامام علي ع : (انا القران الناطق) وكذلك معنى الروايات ان الإمام يهدي للقرأن وأن القرأن يهدي للإمام ، وكما نشير انه بعض الروايات نقلت هذا الحديث وذيلته بعبارة: (ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ) – مصدره متواتر كما اشرنا- هنا نلاحظ نكتة ان الرسول قال هذه العبارة مرتين(لن تضلوا بعدي أبدا) المرة الاولى بحديث الثقلين حيث اشار ان التمسك بالقران والعترة لا يوجد بعده ضلال ابدا وعندما كان على فراش الموت قال: ( أتوني.. اكتب لكم كتاب لن تضلوا بعدي أبدا) – متواتر ومتفق عليه- أول مرة أشار على الحفظ من الضلال بأهل بيته والقرأن والمرة الثانية للأسف لم يُشر ولم يكتب ، لانه أُحيل بينه وبين كتابه ، لكن أتضح لنا ان الذين كان يريد ان يشير اليهما الرسول هم ال بيته والقرأن ، نتيجة تناسق النصين مع بعضهما
ونحن يومياً نطلب من الله النجاة من الضلالة في سورة الحمد ( أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) وحديث
الثقلين يقول ان النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرأن والعترة ، فأول أمرٍ نستنتجه ان التمسك بالقرأن والعترة المنجي الوحيد من الضلالة .
والامر الثاني ان هذه الرواية تثبت العصمة المطلقة لأهل البيت ع ، لأن القران يقول عن نفسه : (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وبالنسبة لهذا الاقتران ، فالعترة لا يأتيها الباطل أبداً ولو سهواً، ولو قلت ان العترة يأتيها الباطل تكون قد فرّقت بين القرأن والعترة فتكون مكذبّاًً للرسول ص بقول(لن يفترقا) ولو قلت ان الامام يسهو ينسى او يغفل ويشتبه ، إذاً دخله الباطل ولو كان معذوراً فيه فيُعتبر مفترقاً عن القرأن ، وهذا لا يصح . والأمر الاخر أن القرأن يقول عن نفسه : (وفيه تبياناً لكل شيء) و( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) اي لا يوجد شيء من خلق الله الا وذكره القرأن ، فعن الامام الصادق ع: ( قال الله لموسى :"وكتبنا له في الالواح من كل شيء " فعلمنا انه لم يكتب لموسى الشيء كله ،وقال الله لعيسى ع :"لأبينلكم بعض التي تختلفون فيه" أما قال الله لمحمد ص :" ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء". وحديث الثقلين يصرّح بأن علم هذا الكتاب –القران- موجود عند العترة الطاهرة ، بقوله (لن يفترقا) يعني لو ان هناك علوم بالقران وأهل البيت لم يعرفوها يدل ذلك على الافتراق ،وهذا محال ، فلهذا نجد الامام الصادق ع كان يقول : (نحن نعلم ما في السموات ونعلم ما في الارض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك ) قال صاحبه فبهُت أنظر إليه وتعجبت فقال الامام ع: (يا حمّاد،إن هذا في كتاب الله) وتلا هذه الاية ( يوم نبعثُ من كل امةٍ شهيداً عليهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) إذا المطلب الثاني المستفاد هنا ان علمهم صلوات الله عليهم على حد علم القران لن يفترق القران عن العترة ولن تفترق العترة عن القرأن ، وشاهد ذلك قول النبي ص : (عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار) فنجد هنا ان الحق يدور كيفما دار علي لا العكس لانه كما بيّنا انه عليه السلام هو القرأن الناطق ، فقد نُقل عن الرسول ص الحديث المتفق عليه بالأجماع وصححّه الذهبي ، هو انه قال ص : (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن اطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني ) إذا ما هي العصمة المطلقة بعد ؟؟ فلا يوجد في اي مرحلة من مراحل عمرعلي ع اي خلل ، لأن إطاعته إطاعة النبي واطاعة النبي إطاعة الله ،وحاشا لوجهه الكريم ان يصدر عنه الخلل جلّّ وعلا عن ذلك علواً كبيراً. فتكون عصمتهم سلام الله عليهم مطلقة عامة .
ننتقل للمطلب الاخر وهو ان القرأن صريح انه يقوا: ( إنّا نحن نزلنا الذكر وانّا له لحافظون) يعني هذا القرأن محفوظ الى ما دامت الحياة قائمة على هذه الارض والى اخر الدنيا ، الان هنا السؤال : هل الامام موجود مع هذا القرا ن ام لا ؟؟ يبيّن لنا الحديث ان الامام موجود مع القران ، والا افترقا وهذا غير جائز ، ومن هذا المنطلق تستدل الشيعة الامامية على القول بوجود الحجة والامام بكل عصر مع وجود القرأن ، وهذا ما أكدّه الآلوسي في (روح المعاني) مجلد22 ص 17 حيث قال : (ولذا نجد عبّاد أهل البيت ،أتم حالاً من سائر العبّاد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة واحسن أخلاقاً وأذكى نفساً واليهم تنتهي الطرائق – هذه موجودٌ عند الصوفية والعرفاء- التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتّان هما جناحان للطيران الى حظائر القدس والوقوف على أوكار الاُنس ، حتى ذهب قومٌ الى ان القطب في كل عصرٍ لا يكون الا منهم ) فالنتيجة الثالثة هي ان الارض لا تخلو من إمامٍ حق ، إما ظاهرٌ مشهور إما غائبٌ مستور وإلا يفترق الثقلين .
فنصل بنهاية البحث الى اثبات العصمة المطلقة للإمام والعلم الكامل والمحيط بكل شيء وان الارض لا تخلو منهم ابداً ، وننقل ما قال الامام الصادق ع عن ابيه الباقر ع عن السجاد ع انه قال: (الامام منّا لا يكون الا معصوما وليست العصمةُ في ظاهر الخلق فيُعرف بها ولذلك لا يكون الا منصوصا) فيُشترط بالامام ان يكون معصوما و العصمة لا يمكن ان تعرفها من الظاهر لذلك يجب النص من العلي الخبير على الامام . فقِيل له يا ابن رسول الله مامعنى المعصوم ، فقال : (هو المعتصم بحبل الله ) وحبل الله هو القرأن فتتضح نظرية اعتصام الامام بالقرأن وهما الى آخر الدهر وكلاهما يهدي للآخر وهو قول الله تعالى: (إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم) .
والحمد لله رب العالمين
وللموضوع تتمة ..
هناك عدة مذاهب من المسلمين تعتقد ان العصمة للأنبياء والمرسلين في امور التبليغ فقط ،اما بحياتهم العادية يخطئون ويسهون ويذنبون. اما المدرسة الإمامية فإعتقادها ان العصمة للأنبياء والأئمة عصمة مطلقة مذ ان يولد الى ان يموت ، على مستوى الامور الدينية والدنيوية وفي كل المجالات ، والأدلة من القرأن والسنة كثيرة بهذا الخصوص ، منها آية التطهير وحديث الثقلين .
آية التطهير : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا )
الآية الكريمة تبتدأ بعبارة (إنما) وكما نعلم (إنما) تفيد الحصر ، وبتعبير المحققين أنها تفيد (ليس إلا) ولهذا نجد أن سيد قطب في تفسيره(في ظلال القرأن) يقول لا توجد أية في القرأن تذكر منقبة ً لغير هذا البيت في الايات المباركة وكأن هذا البيت هو المستحق لهذا التعظيم وليس الا .
يقول الآلوسي في تفسيره (روح المعاني) مجلد22 - ولعل تفسيره يُعتبر من أهم التفاسير السنّية وأدقّها - :( هذا ما عندي عن الاية المباركة المتضمنة لفضيلة لأهل البيت عظيمة ) إذا مُثبتٌ ان الاية فيها حصر وانها تتضمن منقبة وفضيلة مختصة بهم عليهم السلام . ومن ثم يوضح الالوسي في تفسيره لهذه الاية على طهارة اهل البيت من الذنوب مطلقة ؟
فيقول في تفسيره جزء 22 ص 12 : (ان الرجس في الاصل الشئ القذر وما يستقبحه الانسان ..وأُرِيِدَ به هنا عند كثيرٍ الذنب ) لماذا استعار عن الذنب بالرجس ؟ يقول الزمخشري : ( إنما سُمي الذنب رجساً حتى يُضّمن معنى الاستقذار والتنزه) فمثلاً عندما اقول لك رجسٌ تتنزه عنه وتستقذره ، اما عندما اقول ذنبٌ فليس بها بُعدٌ نفسي مثل تلك ، لذلك يقول الزمخشري: ( إنما عَوّض عن كلمة الرجس بكلمة الذنب حتى يُعطيها بعداً نفسياً) يعني ما يُستقذر وما لا ينبغي ان يفعله العاقل ، ويقول الالوسي : ( قال السدّي – من علماءالتفسير- : " هو الاثم" وقال ابن زيد:"هو الشيطان" وقال الحسن: "هو الشرك" وقِيل : "الشك"وقِيل: "البخل والطمع" وقيل: " الاهواء والبدع"... والمراد به هنا ما يعم كل ذلك كما لا يخفى ) بعد ذكره هذا كله يقول هذا لا يوجب العصمة ؟!! إذاً ما هي العصمة ؟ وهل العصمة غير التنزه عن هذا كله ؟
نستشهد هنا بروايةٍ نُقلت عن ابن عباس عن النبي ص متفقٌ عليها عند الفريقين تقول : ( إن الله تعالى قسّم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً ، فذلك قوله تعالى : " فأصحاب اليمين واصحاب الشمال " فأنا من اصحاب اليمين وانا خيرُ اصحاب اليمين ، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً ، فذلك قوله تعالى:" فأصحاب المشئمة ما اصحاب المشئمة والسابقون السابقون اولئك المقربون" فأنا من السابقين وانا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة , ذلك قوله تعالى : " وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" وانا أتقى وُلد آدم وأكرمهم على الله تعالى ، ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً ، فذلك قوله تعالى: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا" أنا واهل بيتي مطهرون من الذنوب .
هذه الاية فيها مسألتين، المسألة الاولى ان الرسول ص مشمولٌ بآية التطهير، وهذا خلاف ما يذهب اليه بعض علماء اهل السنة بقولهم ان الرسول غير مشمول فيها وهم أنفسهم ينقلون هذه الرواية ، أما المسئلة الثانية فهذه الآية تُثبت العصمة فهي تقول مطهرّون من الذنوب ، ولتأييد المطلب فإن السيد الطباطبائي بكتابه الميزان مجلد 16 ص 312 يقول: (والرجس بالكسر فالسكون صفةٌ من الرجاسة وهي القذارة )وكل اهل اللغة يثبتون ذلك ، ويقول: ( القذارة هي هيئةٌ في الشيئ توّجب التجنّب والتنفّر منه) اي مطلق القذارة ماديةٌ كانت ام معنوية ، والقذارة والرجس على نحوين ، فمن قبيل قوله تعالى : (او لحمُ خنزيرِ فإنه رجس) وهذا رجسٌ مادي ، والمعنوي كقوله : (واما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً الى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) إذاً عبّرت عن الكفر انه رجس ، والكفر أمرٌ معنوي مرتبط بالقلب أو قوله تعالى : ( خذّ من أموالهم صدقة تطهرهم ) فإن الله يرى ان الانسان المتعلق قلبه بحق الله إنسان مريض وبه رجس فالصدقة تطهره معنوياً ، ومن هنا يُفهم من القرأن الكريم ان الرجس أعمّ من أن يكون مادياً ومعنوياً ، إذاً تبيّن ان العصمة المذكورة في الآية عصمة ٌ شاملة ومطلقة ، ويقول الآلوسي: ( إنما قدّم الرجاسة على الطهارة لأن التحلية من الرجاسات مقدمة على التحلية بالطهارات ) فتبيّن لنا ان اهل البيت لا يوجد فيهم اي رجاسة وفيهم كل طهارة ، وهذه هي العصمة بإطلاقها العام بل هذه أعلى درجات العصمة .
النقطة الثانية من هم المرادون بأهل البيت في الاية ؟ أيضاً نذكر كلمات الالوسي في (روح المعاني)، يقول: (وجاء في رواية نقلها الطبراني عن ام سلمة – مجلد 22 ص17- تقول الرواية قالت ام سلمة: " فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه النبي ص من يدي وقال: انك على خير " وفي اخرى انها قالت: " أولست من اهل البيت ؟ فقال: انك الى خيرٍ إنك من أزواج النبي" ) يعني ان ازواج النبي ص لسن داخلات في اهل البيت ، ويكمل الآلوسي قائلاً : (واخبار إدخاله ص وفاطمة وعلي وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء ، وقوله ص اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم وعدم إدخال ام سلمة ، أكثرُ من أن تحصى ) وبعد هذا كله ينتقل ليقول وهذه الاية أستدّل بها الشيعة على العصمة وهي بعيدة ٌ عن هذا ولا دلالة للعصمة فيها !!! عجيب ؟! ولقد قال السيوطي في الدرّ المنثور ص 603 : ( وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه عن ام سلمة رض : ان رسول الله كان ببيتها على منامةٍ له وعليه كساءٌ خيبري ، فجأت فاطمة ، فقال رسول الله : إدعي زوجك وأبنيك حسناً وحسيناً فدعتهم فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله ص آية التطهير ، فأخذ النبي ص بفضلة إزاره فغشّاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وأوماء بها الى السماء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت ام سلمة: فأدخلت رأسي في الستر وقلت: يا رسول الله وأنا معكم ، فقال: إنك الى خير ) . وروايات كثيرة بهذا المضمون ينقلها الى ان يصل الى ص 606 من الكتاب ، يقول : (وأخرج ابن مردويه عن ابي سعيد الخدري قال : لما دخل عليٌ بالزهراء ع جاء النبي ص اربعين صباحاً الى بابها يقول : السلام عليكم اهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمكم الله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ، انا حربٌ لمن حاربتم انا سلمٌ لمن سالمتم ) . وفي رواية أخرى ينقلها عن ابي الحمراء يقول:حفظت من رسول الله ثمانية أشهر بالمدينة يفعل ذلك. بهذا لفت النبي ص انظار كل المسلمين لفعله هذا ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس قال: شهدنا رسول الله يأتي تسعة أشهر كل يوم باب علي ع عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهل البيت ، انما يريد .. ورواياتنا في هذا المجال ان المراد باهل البيت هم اصحاب الكساء تفوق الآلف . وغير ذلك يوجد دلالات كثيرة تدّل ان الاية تختص بهم عليهم السلام فالآيات التي سبقت هذه الاية والآيات التي بعدها تدل على ذلك ، فالآيات التي قبلها تبدأ (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها اجرها مرتين يا نساء النبي لستن كأحدن من النساء ..) وحتى الاية التي بعد اية التطهير مرتبطة بنساء النبي ص (وأذكرن ما يتلى في بيوتكن ..) فإذا كانت الاية مختصة بنساء النبي ص ينبغي ان تؤنث مثل اخواتها بل هنا تحولت من نون النسوة للتأنيث الى ضمير المذكر (عنكم ) ولو ينبغي ان تكون الاية متعلقة بنساء النبي ص لكانت (عنكن) . ولو ان نساء النبي ص كنّ مشمولاتٌ بالآية الكريمة او لو كنّ هنّ المخاطبات بالآية لكُنّ على الاقل أستدللن ولو بموقع واحد ان الاية نزلت فينا ، فنحن لا نجد على مرّ التاريخ الاسلامي ان واحدة من نساء النبي ص قالت ان هذه الاية نازلة فينا ، وخصوصاً مع حاجة بعض نساء النبي ص الى القرأن فنحن نعلم ان من نساء النبي ص من خرجن على امام زمانهن فكانت تستطيع ان تستدل بالآية المباركة تقول ان الاية نزلت فيّ وتبيّن لنا طهارتها وتثبت صحة موقفها ، بل بالعكس ان نساء النبي ص بأجمعهن نقل اصحاب الروايات عنهم ان هذه الاية نزلت بأصحاب الكساء . والمطلب الآخر ان الاية دلّت على العصمة ، ونساء النبي ص لسن بمعصومات .
إذاً أستدللنا بهذه الاية على عصمة النبي والامام علي والسيدة فاطمة والحسنين علهيم افضل الصلاة والسلام ، فتبيّن عندنا هنا انه يوجد نتيجة أخرى في البحث فهذه الاية نزلت في اُخريات حياة النبي ص يعني اما في سنة 9 من الهجرة او 10 كما يذكر اصحاب التاريخ ، فالحسن والحسين كانت اعمارهم تترواح ما بين ست وخمس سنوات ، والاية هنا تثبت العصمة لهم بدخولهم تحت الكساء ، لذا نجعل هذا دليلاً للذين يريدون اثبات ان الامام معصوم قبل الامامة ومن الصغر بل وأكثر هنا حتى قبل البلوغ ، فإذا العصمة بيّنت انها ثابتة للحسنين قبل البلوغ فستنتج انها ثابتة للامام علي ع قبل البلوغ وبالأولوية القطعية ، فالنبي ص يقول: (وابوهما خيرٌ منهما) وهل تقبل ان الحسنين مع علي ع عصمتهما قبل البلوغ ولم يكن للنبي ص افضل خلق الله هذا الشئ ، إذا فأتضح مقصودنا بأن الامام والنبي معصوم عصمة مطلقة .
أما بالنسبة لحديث الثقلين فكما نعرف انه متواتر يعني لا ريب من صدور هذ الحديث من فم الخاتم ص ، و كما نقطع بصحة الايات انها صدرت من فم النبي ص كذلك نقطع في هذا الحديث انه صادرٌ عنه ص ، فقد ذكر المجلسي في البحار المجلد 92 ، كما ورد عن النبي ص : ( إني مخلفٌ فيكم الثقلين الثقل الاكبر القرأن والثقل الاصغر عترتي اهل بيتي ، هم حبلٌ ممدودٌ بينكم وبين الله عز وجل وأنهما لن يفترقا حتى يرداّ عليّ الحوض) فقد نقله أحمد في مسنده والترمزي والطبراني وأبو يعلى وغيرهأحمد بمسن\[ كثير ، مع تغيير بسيط بالمعنى لكن عين المضمون .
أولاً أشار الرسول بالثقل الاصغر انهم عترته ، وعترته هم اهل بيته كم وضّح ، ومن ثم إذا لاحظنا بالحديث لم يقل النبي ص(هما حبلان/ حبلين) بل قال (هما حبلٌ) اي جمع العترة والقران وقال عنهما حبلٌ اي كلاهما مكمل للآخر ولا ينفصلان والمراد أنه إذا أردنا أن نكتب هذا الوجود وهو الامام او النبي ص يكون القران ، وإذا أردنا أن نجسد القرأن بوجودٍ يمشي يكون هو الامام والنبي ص ، وهذا معنى قول الامام علي ع : (انا القران الناطق) وكذلك معنى الروايات ان الإمام يهدي للقرأن وأن القرأن يهدي للإمام ، وكما نشير انه بعض الروايات نقلت هذا الحديث وذيلته بعبارة: (ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ) – مصدره متواتر كما اشرنا- هنا نلاحظ نكتة ان الرسول قال هذه العبارة مرتين(لن تضلوا بعدي أبدا) المرة الاولى بحديث الثقلين حيث اشار ان التمسك بالقران والعترة لا يوجد بعده ضلال ابدا وعندما كان على فراش الموت قال: ( أتوني.. اكتب لكم كتاب لن تضلوا بعدي أبدا) – متواتر ومتفق عليه- أول مرة أشار على الحفظ من الضلال بأهل بيته والقرأن والمرة الثانية للأسف لم يُشر ولم يكتب ، لانه أُحيل بينه وبين كتابه ، لكن أتضح لنا ان الذين كان يريد ان يشير اليهما الرسول هم ال بيته والقرأن ، نتيجة تناسق النصين مع بعضهما
ونحن يومياً نطلب من الله النجاة من الضلالة في سورة الحمد ( أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين) وحديث
الثقلين يقول ان النجاة من الضلالة بالتمسك بالقرأن والعترة ، فأول أمرٍ نستنتجه ان التمسك بالقرأن والعترة المنجي الوحيد من الضلالة .
والامر الثاني ان هذه الرواية تثبت العصمة المطلقة لأهل البيت ع ، لأن القران يقول عن نفسه : (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وبالنسبة لهذا الاقتران ، فالعترة لا يأتيها الباطل أبداً ولو سهواً، ولو قلت ان العترة يأتيها الباطل تكون قد فرّقت بين القرأن والعترة فتكون مكذبّاًً للرسول ص بقول(لن يفترقا) ولو قلت ان الامام يسهو ينسى او يغفل ويشتبه ، إذاً دخله الباطل ولو كان معذوراً فيه فيُعتبر مفترقاً عن القرأن ، وهذا لا يصح . والأمر الاخر أن القرأن يقول عن نفسه : (وفيه تبياناً لكل شيء) و( ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) اي لا يوجد شيء من خلق الله الا وذكره القرأن ، فعن الامام الصادق ع: ( قال الله لموسى :"وكتبنا له في الالواح من كل شيء " فعلمنا انه لم يكتب لموسى الشيء كله ،وقال الله لعيسى ع :"لأبينلكم بعض التي تختلفون فيه" أما قال الله لمحمد ص :" ونزّلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء". وحديث الثقلين يصرّح بأن علم هذا الكتاب –القران- موجود عند العترة الطاهرة ، بقوله (لن يفترقا) يعني لو ان هناك علوم بالقران وأهل البيت لم يعرفوها يدل ذلك على الافتراق ،وهذا محال ، فلهذا نجد الامام الصادق ع كان يقول : (نحن نعلم ما في السموات ونعلم ما في الارض وما في الجنة وما في النار وما بين ذلك ) قال صاحبه فبهُت أنظر إليه وتعجبت فقال الامام ع: (يا حمّاد،إن هذا في كتاب الله) وتلا هذه الاية ( يوم نبعثُ من كل امةٍ شهيداً عليهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء) إذا المطلب الثاني المستفاد هنا ان علمهم صلوات الله عليهم على حد علم القران لن يفترق القران عن العترة ولن تفترق العترة عن القرأن ، وشاهد ذلك قول النبي ص : (عليٌ مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار) فنجد هنا ان الحق يدور كيفما دار علي لا العكس لانه كما بيّنا انه عليه السلام هو القرأن الناطق ، فقد نُقل عن الرسول ص الحديث المتفق عليه بالأجماع وصححّه الذهبي ، هو انه قال ص : (من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن اطاع علياً فقد أطاعني ومن عصى علياً فقد عصاني ) إذا ما هي العصمة المطلقة بعد ؟؟ فلا يوجد في اي مرحلة من مراحل عمرعلي ع اي خلل ، لأن إطاعته إطاعة النبي واطاعة النبي إطاعة الله ،وحاشا لوجهه الكريم ان يصدر عنه الخلل جلّّ وعلا عن ذلك علواً كبيراً. فتكون عصمتهم سلام الله عليهم مطلقة عامة .
ننتقل للمطلب الاخر وهو ان القرأن صريح انه يقوا: ( إنّا نحن نزلنا الذكر وانّا له لحافظون) يعني هذا القرأن محفوظ الى ما دامت الحياة قائمة على هذه الارض والى اخر الدنيا ، الان هنا السؤال : هل الامام موجود مع هذا القرا ن ام لا ؟؟ يبيّن لنا الحديث ان الامام موجود مع القران ، والا افترقا وهذا غير جائز ، ومن هذا المنطلق تستدل الشيعة الامامية على القول بوجود الحجة والامام بكل عصر مع وجود القرأن ، وهذا ما أكدّه الآلوسي في (روح المعاني) مجلد22 ص 17 حيث قال : (ولذا نجد عبّاد أهل البيت ،أتم حالاً من سائر العبّاد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة واحسن أخلاقاً وأذكى نفساً واليهم تنتهي الطرائق – هذه موجودٌ عند الصوفية والعرفاء- التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتّان هما جناحان للطيران الى حظائر القدس والوقوف على أوكار الاُنس ، حتى ذهب قومٌ الى ان القطب في كل عصرٍ لا يكون الا منهم ) فالنتيجة الثالثة هي ان الارض لا تخلو من إمامٍ حق ، إما ظاهرٌ مشهور إما غائبٌ مستور وإلا يفترق الثقلين .
فنصل بنهاية البحث الى اثبات العصمة المطلقة للإمام والعلم الكامل والمحيط بكل شيء وان الارض لا تخلو منهم ابداً ، وننقل ما قال الامام الصادق ع عن ابيه الباقر ع عن السجاد ع انه قال: (الامام منّا لا يكون الا معصوما وليست العصمةُ في ظاهر الخلق فيُعرف بها ولذلك لا يكون الا منصوصا) فيُشترط بالامام ان يكون معصوما و العصمة لا يمكن ان تعرفها من الظاهر لذلك يجب النص من العلي الخبير على الامام . فقِيل له يا ابن رسول الله مامعنى المعصوم ، فقال : (هو المعتصم بحبل الله ) وحبل الله هو القرأن فتتضح نظرية اعتصام الامام بالقرأن وهما الى آخر الدهر وكلاهما يهدي للآخر وهو قول الله تعالى: (إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم) .
والحمد لله رب العالمين
وللموضوع تتمة ..