إخوان الصفاء
24-09-2009, 03:33 PM
دور "الكتابة" في تخريج "ذاكرة" التلميذ و استرجاعه دروسه
تلعب التربية " التحضيرية" للطفل دورا كبيرا في تفعيل نشاطه الشفهي الذي يستعمل فيه رصيده اللغوي ، كون اللغة "الشفهية" حسب خبراء اللغة مسألة معقدة و تتطلب مستوى من التآزر البصري و الحركي، فالتلميذ في مراحله التعليمية الأولى لا يفرق بين الأصوات "اللثوية" و الأصوات "الشجرية" في تعلمه اللغة بشكل صحيح
يمر الطفل بمراحل عديدة في تكوين شخصيته بدءًا من الماقبل المدرسة، أي الروضة، القسم التحضيري أو المدرسة القرآنية التي يكتسب فيها الطفل الأساسيات من الكتابة و القراءة و حفظ بعض التعاليم الدينية و آداب التعامل مع الآخر، و هي مرحلة تؤهله للدخول الى المدرسة، و باعتبارها نظام يتهيأ فيه الطفل ليحتل مكانته في المجتمع، تلعب المدرسة دورا كبيرا في تنمية القدرات المعرفية للطفل و إعداده فكريا..
فالمدرسة لم تظهر كوسط أخلاقي منظم و لم يكن بإمكانها أن تظهر حسب تعبير عالم الإجتماع " دوركايم" إلا في فترة محددة من الحضارة الإنسانية، حيث كشفت الدراسات السوسيوتاريخية، الأسباب السوسيوسياسية لظهور المدرسة التي تقوم بالدور الأساسي في تلقين القيم و الأفكار و الإحساسات، و بهذا تحولت التربية إلى تنشئة اجتماعية تسير على منهاج معين، أي عملية تغيير عميق و كلّي يؤدي بالفرد إلى أن يغيّر جذريا نظرته للعالم على مدى حياته، و أصبحت هناك علاقة وطيدة تربط المدرسة و الطفل و التنشئة الإجتماعية، في المسار التاريخي لعملية التمدرس، وتعلم القراءة و الكتابة و يعتبر هذا التطور من أهم المنعطفات المميزة لمرور الطفل من الشفاهي إلى الكتابي و هي تشكل الرأسمال الثقافي للطفل، فالتنشئة الإجتماعية تلعب دورا كبيرا في تماسك المجتمع و انتمائه إلى الآخر، بحيث لا تقوم عملية التنشئة إلى في وسط اجتماعي، و قد أجمع العلماء أن تنشئة الطفل تبدأ منذ بداية مراحل حياته أي في الأسرة ثم الروضة و أخيرا المدرسة.
و يرى السوسيولوجي الفرنسي "بيار بورديو P. Bourdieu " في كتابه "إعادة الإنتاجla reproduction " أن اللغة المتعلمة في المدرسة لم تعد لغة فئة اجتماعية معينة، بحيث تكمن اللغة المدرسية المرور من التحكم العملي إلى التحكم الرمزي، فـ: "الكتابة" تساهم إلى حد ما في تخريج" الذاكرة" و كل ما هو مكبوت لدى الطفل ، هذا التحول البيداغوجي مرتبط حسب الأخصائيين في المجال التربوي و علم الاجتماع بما يسمى بـ: "النموذج " أي المعرفة المكتوبة الموجودة في الكتب المدرسية، و التي من خلالها يكتشف المربي أو المعلّم الطفل كنموذج بيداغوجي و ثقافي، و هو يتم بتحديد شروط معينة أهمها انتشار التمدرس، التغيير العائلي ووجود المرأة داخل و خارج العائلة ، و كذا انتشار المعارف السيكولوجية، و كم تعاني مؤسساتنا التربوية من هذا العنصر السيكولوجي، و على هذا الأساس يكون النشاط التربوي مشتركا بين العائلة الصغيرة، أي الأسرة و المؤسسات التربوية ، بدءًا من الماقبل ابتدائية، أي الروضة و المدرسة القرآنية ، التي تمكن الطفل من تمكينه المبادئ الأولية لعملية التعلم و التدرج على الطرق البيداغوجية، وطرائق التدريس التي تستهدف تطوير القدرات العلمية و المعرفية عند الطفل و تنيمتها بالطرق المناسبة لمثل أعمارهم و تأهيلهم لدخول المدرسة فيما بعد، و تذليل كافة العقبات التي قد تعيق الطفل، حيث أصبح التعليم "الماقبل المدرسي" يكتسي طابعا مميزا و أهمية كبرى في المجتمع..
لقد أُعْطِيَتْ لهذه المدارس هذا الدور الرفيع كونها تربي وتـُوَسِعُ مَدَاركَ الأطفال وتفتح عيونهم على آفاق جديدة سيستفيدون منها في مستقبل أيامهم..، كما تساهم العلاقة بين الثنائي المتكون من الأسرة و المعلم في معرفة نفسية الطفل و ترقية نموه، و إذا كانت الأسرة من خلال دورها، كوسيط من وسائط التنمية النفسية للطفل و تنشئته اجتماعيا و لها دور في تشكيل سلوك الطفل، فإنه لا يمكن إنكار دور المناخ الإجتماعي الخارجي في تبنيه أساليب معينة في التنشئة الإجتماعية، فكثير ما يعيش الطفل أو التلميذ تناقضات كثيرة بين ما يتعلمه أو يتلقاه في البيت أو المدرسة و ما يفرزه الشارع من مظاهر، فتجعله يعيش وسط "الأضداد" فتختلط عليه المفاهيم..
يرى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي John Dewey في هذا الصدد: أن الفشل الكبير في التربية اليوم يرجع إلى إهمال مبدأ أساسي هام ، هو أن المدرسة ماهي إلا مجتمع صغير، وأن الطفل يجب أن ينشط ويوجه في عمله وتفكيره عن طريق حياته في هذا المجتمع، و يشير جون ديوي إلى التجربة السويدية في قطاع التربية و الخطة التربوية الجديدة التي استحدثتها بلاده السويد و هي الاعتماد على فلسفة تربوية تعليمية متطورة وتتلخص هذه الفلسفة في تعلم الأطفال المزيد عن العالم والبيئة والديمقراطية، كما يجب أن يكون لديهم حب الإطلاع ويحصلون على المعلومات بأنفسهم ويبحثون عن المعرفة بطريقتهم الخاصة..، دون أن ننسى المراقبة عن بُعد، فالطفل يعيش بداية تكوين شخصيته و هو بفطرته مُقَلـِدٌ للكبير، و ما يتعلمه من الشارع أكثر مما يتلقاه في المدرسة و لهذا يرى خبراء التربية أنه لابد على ألأولياء من مراقبة أولادهم عن بُعدٍ..
و هنا يبقى الإشكال مطروحا حول موقع الطفل "المسعف" في الخريطة التربوية ؟ و من يستطيع أن يكتشف خبايا هذه النفس البريئة التواقة الى معرفة نفسها و هويتها، و يـُقْنِعُ "الآخر" على إدماجها في الوسط الإجتماعي دون عُقدة و دون النظر إليها بنظرة احتقار..؟ و ما هي الشروط لتي يمكن توفرها لجعل من هذا الطفل شخصية غير معقدة، خاصة ذلك الطفل الذي يعيش في مراكز الرعاية، و السؤال يطرح نفسه، أين وصلت الدراسات السيكولوجية و البحوث الأكاديمية للمتخصصين في المجال، في معرفة شخصية الطفل المسعف..؟، و ما هي الطرق التعويضية التي يمكن للمجتمع و المربي على الخصوص أن يغرسها في الطفل، و يجعل منه مواطنا صالحا، وهذا من أجل تفادي القطيعة مع المجتمع..
تقول بعض الدراسات أنه لا يمكن معاملة جميع المسعفين بطريقة واحدة، نظرا لتباين أوضاعهم ووجود الفروقات فيما بينهم..، لقد أخذت المدرسة على عاتقها ومسئوليتها تكوين هذا المواطن الذي يريده المجتمع، وكذا الأسرة تساهم في تنميته باعتبارها اللبنة الأولى، التي يعيش فيها هذا الطفل، حيث تحيطه بالعناية والرعاية والحفظ طيلة نموه، ولكن هل كل الأسر تقوم بالدور المنوط بها في توجيه سلوك الطفل التربوي ؟ بعض الأسر أو العائلات بدت عاجزة عن القيام بوظيفة التكوين والإعداد التام للطفل، و أصبحت تنظر إلى المدرسة باعتبارها المطبق والعامل الأساسي في هذا المجال…
تؤكد الدراسات التي أجريت في هذا المجال على دور التربية " التحضيرية" للطفل و تفعيل نشاطه الشفهي الذي يستعمل فيه الطفل رصيده اللغوي ، كون اللغة الشفهية مسألة معقدة و تتطلب مستوى من التآزر البصري و الحركي، فالتلميذ في مراحله التعليمية الأولى لا يفرق بين الأصوات "اللثوية" و الأصوات "الشجرية" في تعلمه اللغة بشكل صحيح،و لهذا ينبغي التركيز على تهيئة الطفل تهيئة حسية وجدانية، و لابد من تشخيص و معرفة المكتسبات التي يأخذها الطفل سواء من أسرته أو المحيط الذي يعيش فيه و يقصد بذلك خبراء اللغة مسألة تعدد " اللغات" ..
و هنا يدخل دور " الأم" كذلك في تلقين اللغة لطفلها و كيفية استثمارها، و نضرب هنا مثلا على المجتمع الجزائري الذي يتميز بتعدد اللغات و اللهجات ( العربية ، الأمازيغية ، الشاوية، الترقية و العامية العادية المتداولة عند البعض)، فالوالدان ) الأب و الأم ) يلعبان دورا كبيرا في تكوين شخصية الطفل و تفوقه في الدراسة، و إن غاب عنصر من هذين العنصرين - الأم والأب- يحدث الشرخ و الخلل ، و لن يحدث التكامل بدونهما، و في بعض الأحيان، ورغم توفر هذين العنصرين، يعاني الكثير من الأطفال من اللاتكامل، و هذا بسبب جهل الوالدين، وعدم معرفتهما القراءة و الكتابة، و إن كانا يتقنان القراءة و الكتابة، أي فكّ الأحرف الهجائية، فهما يفتقران على رأسمال ثقافي يحظى بالقيمة، أين يجد الطفل المتمدرس صعوبة في مده المساعدة التربوية في إنجاز واجباته المنزلية التي يطلبها منه المعلم مثلا، أو تلقينه طرق و أساليب حفظ الدروس، و كيفية تسطير برنامج تربوي خاصا به، و ما هي الأوقات المناسبة لمراجعة دروسه..
إن ظهور ما يسمى بــ: سوق ثقافة الطفل، كما يقول في ذلك الدكتور محمد شقرون في كتابه) الكتابة، السلطة و الحداثة ( زاد من اتساع عدد المجلات المهتمة بعالم الطفل، لاسيما في القطر العربي، حتى الصحف اليومية الناطقة بالعربية، خصصت لهذا المجال صفحات خاصة بالطفل، و هذا لتزويد الطفل بكل المعارف و المعايير التربوية و الثقافية، ذلك في إطار ثقافة الطفل، و بذلك أصبحت هذه المراجع الإطار المكمل للمدرسة، خاصة و أنه لا يخلو بيت من البيوت إلا ويوجد فرد من أفراده يحمل في يده جريدة و هو عائد إلى بيته، هذه الأخيرة استطاعت أن تخلق بدورها نوعا من التقارب الثقافي بين الطفل و المدرسة، وربط العلاقات بين الأطفال من مختلف الأعمار و المناطق، دون أن ننسى المعارض الخصة بالأطفال التي تقام بين الحين و الآخر، و نذكر على سبيل المثال معرض الكتاب الذي اقيم بولاية قسنطينة طيلة العطلة الصيفية و ما يزال قائما الى اليوم عرض فيه مختلف العناوين الخاصة بالطفل من قصص و مجلات و كتب مدرسية، و هذا يشجع أكثر على إقبال التلميذ المتمدرس على "الكتاب" باعتباره الرفيق الأول له و الصديق للكبير و الصغير على حد سواء، و يكون جسرا للتواصل بينه و بين " الآخر"، أمام الانتشار الواسع لوسائل الإتصال لاسيما "الإنترنت"، إنه رغم ما تقدمه التكنولوجية من خدمات غير أن هذه الأخيرة جعلت من التلميذ أو الطالب شخصا مشلولا، لإعتماده على أفنترنت في غجراء البحوث، و هي ظاهرة انتشرت في الجزائر بشكل مخيف، بحيث اصبح المعلم يطلب من التلميذ إجراء البحوث من ألإنترنت دون تشجيعه على مطالعة الكتب و ذكر المراجع و مؤلفيها، و انتقلت هذه العدوى الى مقاعد الجامعة، فكثير من الطلبة يعتمدون على إجراء بحوثهم من الإنترنت، و عادة ما لا تُخضع هذه البحوث الى القراءة و التأمل من قبل المعلم أو ألأستاذ و ذلك بشهادة التلاميذ و الطلبة، الذين أكدوا أن كثير من معلميهم و أساتذتهم يكتفون من إلقاء نظرة سطحية على البحث، معتمدين على الشكل لا المضمون اي ان هذا الأخير منمقا ( présentable ) و من خلال ظاهره يتحصل التلميذ على المعدل، و في هذه الحالة يبقى الطفل المتمدرس دائما يبحث عن المساند و المرافق في رحلته التربوية، فالتطلع على تاريخ الأمم و الشعوب الأخرى و تجاربها السابقة و ما تملكه من مؤهلات تضع "الآخر" على عتبة التقدم و التطور و ربما تصحح أخطاءه و افكاره السابقة و تكسبه تجارب جديدة في مختلف المجالات..
ونشير هنا الى أن مؤسسة "بريسكو" هي أول مؤسسة تطبق منهاج التربية التحضيرية لطفل ما قبل المدرسة، الذي بدأ تطبيقه في سنة 2005 بلغة جديدة تعتمد على المقاربة بالكفاءات و الكفاءة المرحلية و غير ذلك، وهو يعتبر مصحح لدليل المربي، عديدة إلى غاية الإستقلال ( 1962) حيث كانت تسمى في هذه الفترة بـ " œuvres de garderie des jardins d’enfants" و بعد الإستقلال تم تأميمها و أصبحت تسير من طرف عدة وزارات ـ إلى غاية 1995 أين أصبحت تابعة لوزارة الداخلية و هي تمول حاليا من ولاية الجزائر و تشرف على تسيير 28 روضة على المستوى الوطني..
وإن استطاع النظام المدرسي من خلق عالما خاصا بالطفل، يبقى هذا الأخير يعاني جملة من النقائص، أهمها عدم تشبع الطفل أو التلميذ من المبادئ و القيم الإنسانية و المثل التي ينبغي أن يتحلى بها بعد خروجه النهائي من المدرسة، أرقام كثيرة تشير إلى التسرب المدرسي، و هي ظاهرة لم تلق اهتماما كبيرا من طرف السيكولوجيين و المسئولين في القطاع التربوي، خاصة و في هذه الفترة يعيش التلميذ مرحلة المراهقة، و هي فترة حرجة تكون كل سلوكاته فاقدة للوعي، أين لا يفرق فيها المراهق بين المسموح و الممنوع، و بين الجائز و المحظور، يحدث هذا في الوقت الذي يكون فيه التكفل العائلي غائبا أو بالأحرى منعدما، أمام خروج المرأة لسوق العمل، أين أصبحت هذه الأسر تعيش نوعا من الإضطرابات على كل المستويات خاصة الإجتماعية منها..
مشكلة أخرى تتطلب إعطاؤها اهتماما كبيرا و تتعلق هذه الأخيرة بمشكلة " الجنبية" و هي الكتابة باليد اليسرى عند بعض الأطفال، و هي تلعب كذلك دورا كبيرا في الحس الحركي عند الطفل، غير أن مثل هذه المشكلات ما يزال مسكوت عنها من قبل المختصين في المجال التربوي، بحيث ما تزال البحوث العلمية و مذكرات التخرج التي ينجزها الطلبة في مجال تربية الطفل و تعليمه من مرحلة ما قبل المدرسة إلى غاية المرحلة الجامعية، تعرف نقصا كبيرا و إن وجدت فهي مهمشة و موجودة سوى على رفوف المكتبات و المعاهد دون استغلال..
تلعب التربية " التحضيرية" للطفل دورا كبيرا في تفعيل نشاطه الشفهي الذي يستعمل فيه رصيده اللغوي ، كون اللغة "الشفهية" حسب خبراء اللغة مسألة معقدة و تتطلب مستوى من التآزر البصري و الحركي، فالتلميذ في مراحله التعليمية الأولى لا يفرق بين الأصوات "اللثوية" و الأصوات "الشجرية" في تعلمه اللغة بشكل صحيح
يمر الطفل بمراحل عديدة في تكوين شخصيته بدءًا من الماقبل المدرسة، أي الروضة، القسم التحضيري أو المدرسة القرآنية التي يكتسب فيها الطفل الأساسيات من الكتابة و القراءة و حفظ بعض التعاليم الدينية و آداب التعامل مع الآخر، و هي مرحلة تؤهله للدخول الى المدرسة، و باعتبارها نظام يتهيأ فيه الطفل ليحتل مكانته في المجتمع، تلعب المدرسة دورا كبيرا في تنمية القدرات المعرفية للطفل و إعداده فكريا..
فالمدرسة لم تظهر كوسط أخلاقي منظم و لم يكن بإمكانها أن تظهر حسب تعبير عالم الإجتماع " دوركايم" إلا في فترة محددة من الحضارة الإنسانية، حيث كشفت الدراسات السوسيوتاريخية، الأسباب السوسيوسياسية لظهور المدرسة التي تقوم بالدور الأساسي في تلقين القيم و الأفكار و الإحساسات، و بهذا تحولت التربية إلى تنشئة اجتماعية تسير على منهاج معين، أي عملية تغيير عميق و كلّي يؤدي بالفرد إلى أن يغيّر جذريا نظرته للعالم على مدى حياته، و أصبحت هناك علاقة وطيدة تربط المدرسة و الطفل و التنشئة الإجتماعية، في المسار التاريخي لعملية التمدرس، وتعلم القراءة و الكتابة و يعتبر هذا التطور من أهم المنعطفات المميزة لمرور الطفل من الشفاهي إلى الكتابي و هي تشكل الرأسمال الثقافي للطفل، فالتنشئة الإجتماعية تلعب دورا كبيرا في تماسك المجتمع و انتمائه إلى الآخر، بحيث لا تقوم عملية التنشئة إلى في وسط اجتماعي، و قد أجمع العلماء أن تنشئة الطفل تبدأ منذ بداية مراحل حياته أي في الأسرة ثم الروضة و أخيرا المدرسة.
و يرى السوسيولوجي الفرنسي "بيار بورديو P. Bourdieu " في كتابه "إعادة الإنتاجla reproduction " أن اللغة المتعلمة في المدرسة لم تعد لغة فئة اجتماعية معينة، بحيث تكمن اللغة المدرسية المرور من التحكم العملي إلى التحكم الرمزي، فـ: "الكتابة" تساهم إلى حد ما في تخريج" الذاكرة" و كل ما هو مكبوت لدى الطفل ، هذا التحول البيداغوجي مرتبط حسب الأخصائيين في المجال التربوي و علم الاجتماع بما يسمى بـ: "النموذج " أي المعرفة المكتوبة الموجودة في الكتب المدرسية، و التي من خلالها يكتشف المربي أو المعلّم الطفل كنموذج بيداغوجي و ثقافي، و هو يتم بتحديد شروط معينة أهمها انتشار التمدرس، التغيير العائلي ووجود المرأة داخل و خارج العائلة ، و كذا انتشار المعارف السيكولوجية، و كم تعاني مؤسساتنا التربوية من هذا العنصر السيكولوجي، و على هذا الأساس يكون النشاط التربوي مشتركا بين العائلة الصغيرة، أي الأسرة و المؤسسات التربوية ، بدءًا من الماقبل ابتدائية، أي الروضة و المدرسة القرآنية ، التي تمكن الطفل من تمكينه المبادئ الأولية لعملية التعلم و التدرج على الطرق البيداغوجية، وطرائق التدريس التي تستهدف تطوير القدرات العلمية و المعرفية عند الطفل و تنيمتها بالطرق المناسبة لمثل أعمارهم و تأهيلهم لدخول المدرسة فيما بعد، و تذليل كافة العقبات التي قد تعيق الطفل، حيث أصبح التعليم "الماقبل المدرسي" يكتسي طابعا مميزا و أهمية كبرى في المجتمع..
لقد أُعْطِيَتْ لهذه المدارس هذا الدور الرفيع كونها تربي وتـُوَسِعُ مَدَاركَ الأطفال وتفتح عيونهم على آفاق جديدة سيستفيدون منها في مستقبل أيامهم..، كما تساهم العلاقة بين الثنائي المتكون من الأسرة و المعلم في معرفة نفسية الطفل و ترقية نموه، و إذا كانت الأسرة من خلال دورها، كوسيط من وسائط التنمية النفسية للطفل و تنشئته اجتماعيا و لها دور في تشكيل سلوك الطفل، فإنه لا يمكن إنكار دور المناخ الإجتماعي الخارجي في تبنيه أساليب معينة في التنشئة الإجتماعية، فكثير ما يعيش الطفل أو التلميذ تناقضات كثيرة بين ما يتعلمه أو يتلقاه في البيت أو المدرسة و ما يفرزه الشارع من مظاهر، فتجعله يعيش وسط "الأضداد" فتختلط عليه المفاهيم..
يرى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي John Dewey في هذا الصدد: أن الفشل الكبير في التربية اليوم يرجع إلى إهمال مبدأ أساسي هام ، هو أن المدرسة ماهي إلا مجتمع صغير، وأن الطفل يجب أن ينشط ويوجه في عمله وتفكيره عن طريق حياته في هذا المجتمع، و يشير جون ديوي إلى التجربة السويدية في قطاع التربية و الخطة التربوية الجديدة التي استحدثتها بلاده السويد و هي الاعتماد على فلسفة تربوية تعليمية متطورة وتتلخص هذه الفلسفة في تعلم الأطفال المزيد عن العالم والبيئة والديمقراطية، كما يجب أن يكون لديهم حب الإطلاع ويحصلون على المعلومات بأنفسهم ويبحثون عن المعرفة بطريقتهم الخاصة..، دون أن ننسى المراقبة عن بُعد، فالطفل يعيش بداية تكوين شخصيته و هو بفطرته مُقَلـِدٌ للكبير، و ما يتعلمه من الشارع أكثر مما يتلقاه في المدرسة و لهذا يرى خبراء التربية أنه لابد على ألأولياء من مراقبة أولادهم عن بُعدٍ..
و هنا يبقى الإشكال مطروحا حول موقع الطفل "المسعف" في الخريطة التربوية ؟ و من يستطيع أن يكتشف خبايا هذه النفس البريئة التواقة الى معرفة نفسها و هويتها، و يـُقْنِعُ "الآخر" على إدماجها في الوسط الإجتماعي دون عُقدة و دون النظر إليها بنظرة احتقار..؟ و ما هي الشروط لتي يمكن توفرها لجعل من هذا الطفل شخصية غير معقدة، خاصة ذلك الطفل الذي يعيش في مراكز الرعاية، و السؤال يطرح نفسه، أين وصلت الدراسات السيكولوجية و البحوث الأكاديمية للمتخصصين في المجال، في معرفة شخصية الطفل المسعف..؟، و ما هي الطرق التعويضية التي يمكن للمجتمع و المربي على الخصوص أن يغرسها في الطفل، و يجعل منه مواطنا صالحا، وهذا من أجل تفادي القطيعة مع المجتمع..
تقول بعض الدراسات أنه لا يمكن معاملة جميع المسعفين بطريقة واحدة، نظرا لتباين أوضاعهم ووجود الفروقات فيما بينهم..، لقد أخذت المدرسة على عاتقها ومسئوليتها تكوين هذا المواطن الذي يريده المجتمع، وكذا الأسرة تساهم في تنميته باعتبارها اللبنة الأولى، التي يعيش فيها هذا الطفل، حيث تحيطه بالعناية والرعاية والحفظ طيلة نموه، ولكن هل كل الأسر تقوم بالدور المنوط بها في توجيه سلوك الطفل التربوي ؟ بعض الأسر أو العائلات بدت عاجزة عن القيام بوظيفة التكوين والإعداد التام للطفل، و أصبحت تنظر إلى المدرسة باعتبارها المطبق والعامل الأساسي في هذا المجال…
تؤكد الدراسات التي أجريت في هذا المجال على دور التربية " التحضيرية" للطفل و تفعيل نشاطه الشفهي الذي يستعمل فيه الطفل رصيده اللغوي ، كون اللغة الشفهية مسألة معقدة و تتطلب مستوى من التآزر البصري و الحركي، فالتلميذ في مراحله التعليمية الأولى لا يفرق بين الأصوات "اللثوية" و الأصوات "الشجرية" في تعلمه اللغة بشكل صحيح،و لهذا ينبغي التركيز على تهيئة الطفل تهيئة حسية وجدانية، و لابد من تشخيص و معرفة المكتسبات التي يأخذها الطفل سواء من أسرته أو المحيط الذي يعيش فيه و يقصد بذلك خبراء اللغة مسألة تعدد " اللغات" ..
و هنا يدخل دور " الأم" كذلك في تلقين اللغة لطفلها و كيفية استثمارها، و نضرب هنا مثلا على المجتمع الجزائري الذي يتميز بتعدد اللغات و اللهجات ( العربية ، الأمازيغية ، الشاوية، الترقية و العامية العادية المتداولة عند البعض)، فالوالدان ) الأب و الأم ) يلعبان دورا كبيرا في تكوين شخصية الطفل و تفوقه في الدراسة، و إن غاب عنصر من هذين العنصرين - الأم والأب- يحدث الشرخ و الخلل ، و لن يحدث التكامل بدونهما، و في بعض الأحيان، ورغم توفر هذين العنصرين، يعاني الكثير من الأطفال من اللاتكامل، و هذا بسبب جهل الوالدين، وعدم معرفتهما القراءة و الكتابة، و إن كانا يتقنان القراءة و الكتابة، أي فكّ الأحرف الهجائية، فهما يفتقران على رأسمال ثقافي يحظى بالقيمة، أين يجد الطفل المتمدرس صعوبة في مده المساعدة التربوية في إنجاز واجباته المنزلية التي يطلبها منه المعلم مثلا، أو تلقينه طرق و أساليب حفظ الدروس، و كيفية تسطير برنامج تربوي خاصا به، و ما هي الأوقات المناسبة لمراجعة دروسه..
إن ظهور ما يسمى بــ: سوق ثقافة الطفل، كما يقول في ذلك الدكتور محمد شقرون في كتابه) الكتابة، السلطة و الحداثة ( زاد من اتساع عدد المجلات المهتمة بعالم الطفل، لاسيما في القطر العربي، حتى الصحف اليومية الناطقة بالعربية، خصصت لهذا المجال صفحات خاصة بالطفل، و هذا لتزويد الطفل بكل المعارف و المعايير التربوية و الثقافية، ذلك في إطار ثقافة الطفل، و بذلك أصبحت هذه المراجع الإطار المكمل للمدرسة، خاصة و أنه لا يخلو بيت من البيوت إلا ويوجد فرد من أفراده يحمل في يده جريدة و هو عائد إلى بيته، هذه الأخيرة استطاعت أن تخلق بدورها نوعا من التقارب الثقافي بين الطفل و المدرسة، وربط العلاقات بين الأطفال من مختلف الأعمار و المناطق، دون أن ننسى المعارض الخصة بالأطفال التي تقام بين الحين و الآخر، و نذكر على سبيل المثال معرض الكتاب الذي اقيم بولاية قسنطينة طيلة العطلة الصيفية و ما يزال قائما الى اليوم عرض فيه مختلف العناوين الخاصة بالطفل من قصص و مجلات و كتب مدرسية، و هذا يشجع أكثر على إقبال التلميذ المتمدرس على "الكتاب" باعتباره الرفيق الأول له و الصديق للكبير و الصغير على حد سواء، و يكون جسرا للتواصل بينه و بين " الآخر"، أمام الانتشار الواسع لوسائل الإتصال لاسيما "الإنترنت"، إنه رغم ما تقدمه التكنولوجية من خدمات غير أن هذه الأخيرة جعلت من التلميذ أو الطالب شخصا مشلولا، لإعتماده على أفنترنت في غجراء البحوث، و هي ظاهرة انتشرت في الجزائر بشكل مخيف، بحيث اصبح المعلم يطلب من التلميذ إجراء البحوث من ألإنترنت دون تشجيعه على مطالعة الكتب و ذكر المراجع و مؤلفيها، و انتقلت هذه العدوى الى مقاعد الجامعة، فكثير من الطلبة يعتمدون على إجراء بحوثهم من الإنترنت، و عادة ما لا تُخضع هذه البحوث الى القراءة و التأمل من قبل المعلم أو ألأستاذ و ذلك بشهادة التلاميذ و الطلبة، الذين أكدوا أن كثير من معلميهم و أساتذتهم يكتفون من إلقاء نظرة سطحية على البحث، معتمدين على الشكل لا المضمون اي ان هذا الأخير منمقا ( présentable ) و من خلال ظاهره يتحصل التلميذ على المعدل، و في هذه الحالة يبقى الطفل المتمدرس دائما يبحث عن المساند و المرافق في رحلته التربوية، فالتطلع على تاريخ الأمم و الشعوب الأخرى و تجاربها السابقة و ما تملكه من مؤهلات تضع "الآخر" على عتبة التقدم و التطور و ربما تصحح أخطاءه و افكاره السابقة و تكسبه تجارب جديدة في مختلف المجالات..
ونشير هنا الى أن مؤسسة "بريسكو" هي أول مؤسسة تطبق منهاج التربية التحضيرية لطفل ما قبل المدرسة، الذي بدأ تطبيقه في سنة 2005 بلغة جديدة تعتمد على المقاربة بالكفاءات و الكفاءة المرحلية و غير ذلك، وهو يعتبر مصحح لدليل المربي، عديدة إلى غاية الإستقلال ( 1962) حيث كانت تسمى في هذه الفترة بـ " œuvres de garderie des jardins d’enfants" و بعد الإستقلال تم تأميمها و أصبحت تسير من طرف عدة وزارات ـ إلى غاية 1995 أين أصبحت تابعة لوزارة الداخلية و هي تمول حاليا من ولاية الجزائر و تشرف على تسيير 28 روضة على المستوى الوطني..
وإن استطاع النظام المدرسي من خلق عالما خاصا بالطفل، يبقى هذا الأخير يعاني جملة من النقائص، أهمها عدم تشبع الطفل أو التلميذ من المبادئ و القيم الإنسانية و المثل التي ينبغي أن يتحلى بها بعد خروجه النهائي من المدرسة، أرقام كثيرة تشير إلى التسرب المدرسي، و هي ظاهرة لم تلق اهتماما كبيرا من طرف السيكولوجيين و المسئولين في القطاع التربوي، خاصة و في هذه الفترة يعيش التلميذ مرحلة المراهقة، و هي فترة حرجة تكون كل سلوكاته فاقدة للوعي، أين لا يفرق فيها المراهق بين المسموح و الممنوع، و بين الجائز و المحظور، يحدث هذا في الوقت الذي يكون فيه التكفل العائلي غائبا أو بالأحرى منعدما، أمام خروج المرأة لسوق العمل، أين أصبحت هذه الأسر تعيش نوعا من الإضطرابات على كل المستويات خاصة الإجتماعية منها..
مشكلة أخرى تتطلب إعطاؤها اهتماما كبيرا و تتعلق هذه الأخيرة بمشكلة " الجنبية" و هي الكتابة باليد اليسرى عند بعض الأطفال، و هي تلعب كذلك دورا كبيرا في الحس الحركي عند الطفل، غير أن مثل هذه المشكلات ما يزال مسكوت عنها من قبل المختصين في المجال التربوي، بحيث ما تزال البحوث العلمية و مذكرات التخرج التي ينجزها الطلبة في مجال تربية الطفل و تعليمه من مرحلة ما قبل المدرسة إلى غاية المرحلة الجامعية، تعرف نقصا كبيرا و إن وجدت فهي مهمشة و موجودة سوى على رفوف المكتبات و المعاهد دون استغلال..