عقيل الحمداني
29-09-2009, 03:27 PM
ثقافة «الهمبرغر» !
نظام الوجبات السريعة والأطباق الجاهزة، أصبح نظاماً غذائياً سائداً في الكثير من بلدان العالم، بما فيها بلادنا التي تستورد ما يسوّقه الآخرون، ومن غير تأن ودراسة أحياناً..
«الهمبرغر».. وجبة غذائية سريعة تحملُ حتى في بلدان الشرق اسمها الأجنبيّ «الساندويج».. وهي مفضّلة لدى الكثير من الشبّان والفتيات على المائدة البيتية.
من هذا المعنى استُلّ معنى الثقافة الجاهزة والسريعة «ثقافة الهمبرغر».. إنّها الثقافة التي يلتقطها الشبّان والفتيات من مشاهد تمثيلية، أو لقطات عابرة، أو مصطلحات غير ناضجة حتى في أذهان مَن يتداولونها.. وما تبثّه الإعلانات والدعايات، وما تنشره كتيبات عابثة، وما يُطرح في السوق من ألعاب الـ (سي.دي) والـ (دي.في.دي) والـ (بلاي استيشن) التي تزرِّق ثقافة العنف والأنانية والجنس والمال، على طريقة دسّ السمّ في العسل.
ثقافة تبدو سهلة وسريعة ومتداولة ولا تحتاج إلى كثير عناء لتعلّمها، بل وتعتبر لدى الكثيرين ثقافة تسلية، فلا يلتفتون إلى رسالة المضمون قدر التفاتهم إلى الإبهار البصريّ والصوتيّ..
العقلاءُ يقولون: الجودة والسرعة قلّما يجتمعان، وما نفعله بسرعة لا نفعله باتقان.. والأوقات الضائعة اليوم أخطر بكثير من الأوقات التي كانت تُضيّع من قبل.. فثقافة الهمبرغر تستنزفُ أوقاتنا بطريقة مقنّنة ومتقنة وعصرية، فلا أحد ـ ممّن يتعاطاها ـ يشعر أنه يضيِّع أو يقتل أو يهدر وقتاً!
ونحن هنا نتحدّث عن الوقت النوعيّ بالطبع.
ما هي النتائج التي أفرزتها هذه الثقافة الهشّة؟
ـ (بفضلها) بتنا نعتقد التأنّي والتريّث والترويّ في الكثير من أعمالنا وانجازاتنا، وبالتالي فقد افتقدنا الكثير من ممكنات الإبداع والتطور والإدهاش.
ـ محاولة الطيران قبل أن نمتلك أجنحة.. ليست فاشلة فقط، بل تؤدِّي في الغالب إلى حوادث مؤسفة.. وربّما كوارث، وقد قيل: العنب المقطوف قبل أوانه، لن يصنع ولا حتى خلاًّ جيِّداً !!
ـ لم يعد هناك تدبّر في العواقب، فالإقبال على شيء جديد نزل إلى السوق يكون بطريقة عمياء أحياناً، فالمأخوذ بالجديد كالمأخوذ بالسحر، ونادرون الذين يتعرّفون على مساوئ وأضرار ما يقتنون..
ـ في هذا الجو الانفعالي الاستطراقي الذي تهيمنُ عليه أضواءُ الدعاية، وبريق الإعلان، والإقبال الجماعي الكثيف، تراجعت مقولات مهمّة، من قبيل: «من الأفضل ان تتقدّم ببطء على أن تتراجع بسرعة».. أو «مَن يسير بتأن سوف يصل».. أو «عليك أن تقيس سبع مرّات قبل أن تقصّ مرّة واحدة».
ـ وغابت كذلك عمليات (النقد) و(التقييم) و(المراجعة) و(التأنيب) الذاتي، واستشعار قيمة الشيء والاستمتاع به..
ـ (اللذّة) العاجلة هي المعيار الحاكم والمسيطر، أمّا كم من (الثقافة) و(المعرفة) و(التجربة) و(الخبرة) و(الآداب) تحصل من ذلك، فليس مهماً.. فهذه أمور في نظرة (ثقافة الهمبرغر) ينبغي أن تتراجع إلى الخط الخلفيّ.
وباختصار، فثقافة الهمبرغر مصمّمة لتحطيم الثقافة الرصينة، ولكن الذين يستسهلون تعاطيها لا يشعرون..
إنّ حبوباً سهلة البلع.. أو كبسولة مضغوطة للفيتامينات المصنّعة لا يمكن أن تعوَّض عن فيتامين واحد طبيعي.. وهكذا الحال بالنسبة للثقافة (المسلوقة) أو المقلبة.. أو سريعة التحضير.. ولبن الأُم أفضل بمرّات عديدة من اللبن الاصطناعي..
فليس كلُّ سهل نافع، ولا كلُّ شائع مفيد ورائع، ولا كلُّ متداول صحيح وصحّي، ولا كلُّ ما يلمع ذهباً.. ولا كلُّ ما يقال في الإعلانات والفضائيات والانترنيت قابل للتصديق..
إنّك عندما تجهل أنّك غرض للسهام التي لا تُدميك ظاهراً، فقد تتساقط عليك بالجملة وأنت تحسبها حبّات مطر ناعمة، وقد لا يشعر بها البعض ألبتة، فالمستغرقون في الشيء المنهمكون فيه يغيبون عمّا حولهم لدرجة الانقطاع!!
البلاغ اوسع
نظام الوجبات السريعة والأطباق الجاهزة، أصبح نظاماً غذائياً سائداً في الكثير من بلدان العالم، بما فيها بلادنا التي تستورد ما يسوّقه الآخرون، ومن غير تأن ودراسة أحياناً..
«الهمبرغر».. وجبة غذائية سريعة تحملُ حتى في بلدان الشرق اسمها الأجنبيّ «الساندويج».. وهي مفضّلة لدى الكثير من الشبّان والفتيات على المائدة البيتية.
من هذا المعنى استُلّ معنى الثقافة الجاهزة والسريعة «ثقافة الهمبرغر».. إنّها الثقافة التي يلتقطها الشبّان والفتيات من مشاهد تمثيلية، أو لقطات عابرة، أو مصطلحات غير ناضجة حتى في أذهان مَن يتداولونها.. وما تبثّه الإعلانات والدعايات، وما تنشره كتيبات عابثة، وما يُطرح في السوق من ألعاب الـ (سي.دي) والـ (دي.في.دي) والـ (بلاي استيشن) التي تزرِّق ثقافة العنف والأنانية والجنس والمال، على طريقة دسّ السمّ في العسل.
ثقافة تبدو سهلة وسريعة ومتداولة ولا تحتاج إلى كثير عناء لتعلّمها، بل وتعتبر لدى الكثيرين ثقافة تسلية، فلا يلتفتون إلى رسالة المضمون قدر التفاتهم إلى الإبهار البصريّ والصوتيّ..
العقلاءُ يقولون: الجودة والسرعة قلّما يجتمعان، وما نفعله بسرعة لا نفعله باتقان.. والأوقات الضائعة اليوم أخطر بكثير من الأوقات التي كانت تُضيّع من قبل.. فثقافة الهمبرغر تستنزفُ أوقاتنا بطريقة مقنّنة ومتقنة وعصرية، فلا أحد ـ ممّن يتعاطاها ـ يشعر أنه يضيِّع أو يقتل أو يهدر وقتاً!
ونحن هنا نتحدّث عن الوقت النوعيّ بالطبع.
ما هي النتائج التي أفرزتها هذه الثقافة الهشّة؟
ـ (بفضلها) بتنا نعتقد التأنّي والتريّث والترويّ في الكثير من أعمالنا وانجازاتنا، وبالتالي فقد افتقدنا الكثير من ممكنات الإبداع والتطور والإدهاش.
ـ محاولة الطيران قبل أن نمتلك أجنحة.. ليست فاشلة فقط، بل تؤدِّي في الغالب إلى حوادث مؤسفة.. وربّما كوارث، وقد قيل: العنب المقطوف قبل أوانه، لن يصنع ولا حتى خلاًّ جيِّداً !!
ـ لم يعد هناك تدبّر في العواقب، فالإقبال على شيء جديد نزل إلى السوق يكون بطريقة عمياء أحياناً، فالمأخوذ بالجديد كالمأخوذ بالسحر، ونادرون الذين يتعرّفون على مساوئ وأضرار ما يقتنون..
ـ في هذا الجو الانفعالي الاستطراقي الذي تهيمنُ عليه أضواءُ الدعاية، وبريق الإعلان، والإقبال الجماعي الكثيف، تراجعت مقولات مهمّة، من قبيل: «من الأفضل ان تتقدّم ببطء على أن تتراجع بسرعة».. أو «مَن يسير بتأن سوف يصل».. أو «عليك أن تقيس سبع مرّات قبل أن تقصّ مرّة واحدة».
ـ وغابت كذلك عمليات (النقد) و(التقييم) و(المراجعة) و(التأنيب) الذاتي، واستشعار قيمة الشيء والاستمتاع به..
ـ (اللذّة) العاجلة هي المعيار الحاكم والمسيطر، أمّا كم من (الثقافة) و(المعرفة) و(التجربة) و(الخبرة) و(الآداب) تحصل من ذلك، فليس مهماً.. فهذه أمور في نظرة (ثقافة الهمبرغر) ينبغي أن تتراجع إلى الخط الخلفيّ.
وباختصار، فثقافة الهمبرغر مصمّمة لتحطيم الثقافة الرصينة، ولكن الذين يستسهلون تعاطيها لا يشعرون..
إنّ حبوباً سهلة البلع.. أو كبسولة مضغوطة للفيتامينات المصنّعة لا يمكن أن تعوَّض عن فيتامين واحد طبيعي.. وهكذا الحال بالنسبة للثقافة (المسلوقة) أو المقلبة.. أو سريعة التحضير.. ولبن الأُم أفضل بمرّات عديدة من اللبن الاصطناعي..
فليس كلُّ سهل نافع، ولا كلُّ شائع مفيد ورائع، ولا كلُّ متداول صحيح وصحّي، ولا كلُّ ما يلمع ذهباً.. ولا كلُّ ما يقال في الإعلانات والفضائيات والانترنيت قابل للتصديق..
إنّك عندما تجهل أنّك غرض للسهام التي لا تُدميك ظاهراً، فقد تتساقط عليك بالجملة وأنت تحسبها حبّات مطر ناعمة، وقد لا يشعر بها البعض ألبتة، فالمستغرقون في الشيء المنهمكون فيه يغيبون عمّا حولهم لدرجة الانقطاع!!
البلاغ اوسع