نووورا انا
30-09-2009, 09:21 AM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ما أدب به آل البيت شيعتهم
تمهيد :
إن الأئمة من آل البيت عليهم السلام علموا من ذي قبل أن دولتهم لن تعود إليهم في حياتهم ، وأنهم وشيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممن يرى ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف والشدة .
فكان من الطبيعي - من جهة - أن يتخذوا التكتم " التقية " دينا وديدنا لهم ولأتباعهم ، ما دامت التقية تحقن من دمائهم ولا تسئ إلى الآخرين ولا إلى الدين ، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجاج بالفتن والثائر على آل البيت بالإحن .
وكان من اللازم بمقتضى إمامتهم - من جهة أخرى - أن ينصرفوا إلى تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الإسلامية ، وإلى توجيههم توجيها دينيا صالحا ، وإلي أن يسلكوا بهم مسلكا اجتماعيا مفيدا ، ليكونوا مثال المسلم الصحيح ( العادل ) .
وطريقة آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة ، وكتب الحديث الضخمة متكلفة بما نشروه من تلك المعارف الدينية ، غير أنه لا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلق بتأديبهم لشيعتهم ، بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي
المفيد ، وتقربهم زلفى إلى الله تعالى ، وتطهر صدورهم من درن الآثام والرذائل ، وتجعل منهم عدولا صادقين . وقد تقدم الكلام في ( التقية ) التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعيا لهم ، ونحن ذاكرون هنا بعض ما يعن لنا من هذه الآداب .
عقيدتنا في الدعاء
قال النبي صلى الله عليه وآله : ( الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض ) ، وكذلك هو ، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها ، وقد ألفوا في فضله وآدابه وفي الأدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب من مطولة ومختصرة .
وقد أودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلم من الحث على الدعاء والترغيب فيه . حتى جاء عنهم ( أفضل العبادة الدعاء ) و ( أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء ) بل ورد عنهم ( إن الدعاء يرد القضاء والبلاء ) ، و ( أنه شفاء من كل داء ) .
وقد ورد أن ( أمير المؤمنين ) صلوات الله عليه كان رجلا ( دعاء ) ، أي كثير الدعاء . وكذلك ينبغي أن يكون وهو سيد الموحدين وإمام الآلهيين .
وقد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية كدعاء كميل بن زياد المشهور ، وقد تضمنت من المعارف الإلهية والتوجيهات الدينية ما يصلح أن تكون منهجا رفيعا للمسلم الصحيح .
وفي الحقيقة إن الأدعية الواردة عن النبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام خير منهج للمسلم - إذا تدبرها - تبعث في نفسه قوة الإيمان ، والعقيدة وروح التضحية في سبيل الحق ، وتعرفه ، سر العبادة ، ولذة مناجاة الله تعالى والانقطاع إليه ، وتلقنه ما يجب على الانسان أن يعلمه لدينه وما يقربه إلى الله تعالى زلفى . ويبعده عن المفاسد والأهواء والبدع الباطلة .
وبالاختصار أن هذه الأدعية قد أودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقية والتهذيبية للنفوس ، ومن ناحية العقيدة الإسلامية ، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفية والمباحث العلمية في الإلهيات والأخلاقيات .
ولو استطاع الناس - وما كلهم بمستطيعين - أن يهتدوا بهذا الهدى الذي تثيره هذه الأدعية في مضامينها العالية ، لما كنت تجد من هذه المفاسد المثقلة بها الأرض أثرا ، ولحلقت هذه النفوس المكبلة بالشرور في سماء الحق حرة طليقة ولكن أنى للبشر أن يصغي إلى كلمة المصلحين والدعاة إلى الحق ، وقد كشف عنهم قوله تعالى : ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) .
نعم إن ركيزة السوء في الانسان اغتراره بنفسه وتجاهله لمساوئه ومغالطته لنفسه في أنه يحسن صنعا فيما اتخذ من عمل : فيظلم ويتعدى ويكذب ويراوغ ويطاوع شهواته ما شاء له هواه ، ومع ذلك يخادع نفسه أنه لم يفعل إلا ما ينبغي أن يفعل ، أو يغض بصره متعمدا عن قبيح ما يصنع ويستصغر خطيئته في عينه .
وهذه الأدعية المأثورة التي تستمد من منبع الوحي تجاهد أن تحمل الانسان على
الاختلاء بنفسه والتجرد إلى الله تعالى ، لتلقنه الاعتراف بالخطأ وأنه المذنب الذي يجب عليه الانقطاع إلى الله تعالى لطلب التوبة والمغفرة ، ولتلمسه مواقع الغرور والاجترام في نفسه ، ومثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد :
" إلهي ومولاي ! أجريت علي حكما اتبعت فيه هوى نفسي ولم أحترس فيه من تزيين عدوي ، فغرني بما أهوى ، وأسعده على ذلك القضاء ، فتجاوزت بما جرى علي من ذلك بعض حدودك ، وخالفت بعض أوامرك " .
ولا شك أن مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل على الانسان من الاعتراف علانية مع الناس ، وإن كان من أشق أحوال النفس أيضا . وإن كان بينه وبين نفسه في خلواته ولو تم ذلك للانسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة وترويضها على طلب الخير .
ومن يريد تهذيب نفسه لا بد أن يصنع لها هذه الخلوة والتفكير فيها بحرية لمحاسبتها ، وخير طريق لهذه الخلوة والمحاسبة أن يواظب على قراءة هذه الأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس ،
مثل أن يقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي - رضوان الله تعالى عليه : " أي رب ! جللني بسترك ، واعف عن توبيخي بكرم وجهك ! " فتأمل كلمة " جللني . . " فإن فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساوئ ، ليتنبه الانسان إلى هذه الدخيلة فيها ويستدرجه إلى أن يعترف بذلك حين يقرأ بعد ذلك : " فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته " .
ما أدب به آل البيت شيعتهم
تمهيد :
إن الأئمة من آل البيت عليهم السلام علموا من ذي قبل أن دولتهم لن تعود إليهم في حياتهم ، وأنهم وشيعتهم سيبقون تحت سلطان غيرهم ممن يرى ضرورة مكافحتهم بجميع وسائل العنف والشدة .
فكان من الطبيعي - من جهة - أن يتخذوا التكتم " التقية " دينا وديدنا لهم ولأتباعهم ، ما دامت التقية تحقن من دمائهم ولا تسئ إلى الآخرين ولا إلى الدين ، ليستطيعوا البقاء في هذا الخضم العجاج بالفتن والثائر على آل البيت بالإحن .
وكان من اللازم بمقتضى إمامتهم - من جهة أخرى - أن ينصرفوا إلى تلقين أتباعهم أحكام الشريعة الإسلامية ، وإلى توجيههم توجيها دينيا صالحا ، وإلي أن يسلكوا بهم مسلكا اجتماعيا مفيدا ، ليكونوا مثال المسلم الصحيح ( العادل ) .
وطريقة آل البيت في التعليم لا تحيط بها هذه الرسالة ، وكتب الحديث الضخمة متكلفة بما نشروه من تلك المعارف الدينية ، غير أنه لا بأس أن نشير هنا إلى بعض ما يشبه أن يدخل في باب العقائد فيما يتعلق بتأديبهم لشيعتهم ، بالآداب التي تسلك بهم المسلك الاجتماعي
المفيد ، وتقربهم زلفى إلى الله تعالى ، وتطهر صدورهم من درن الآثام والرذائل ، وتجعل منهم عدولا صادقين . وقد تقدم الكلام في ( التقية ) التي هي من تلك الآداب المفيدة اجتماعيا لهم ، ونحن ذاكرون هنا بعض ما يعن لنا من هذه الآداب .
عقيدتنا في الدعاء
قال النبي صلى الله عليه وآله : ( الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض ) ، وكذلك هو ، أصبح من خصائص الشيعة التي امتازوا بها ، وقد ألفوا في فضله وآدابه وفي الأدعية المأثورة عن آل البيت ما يبلغ عشرات الكتب من مطولة ومختصرة .
وقد أودع في هذه الكتب ما كان يهدف إليه النبي وآل بيته صلى الله عليهم وسلم من الحث على الدعاء والترغيب فيه . حتى جاء عنهم ( أفضل العبادة الدعاء ) و ( أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء ) بل ورد عنهم ( إن الدعاء يرد القضاء والبلاء ) ، و ( أنه شفاء من كل داء ) .
وقد ورد أن ( أمير المؤمنين ) صلوات الله عليه كان رجلا ( دعاء ) ، أي كثير الدعاء . وكذلك ينبغي أن يكون وهو سيد الموحدين وإمام الآلهيين .
وقد جاءت أدعيته كخطبه آية من آيات البلاغة العربية كدعاء كميل بن زياد المشهور ، وقد تضمنت من المعارف الإلهية والتوجيهات الدينية ما يصلح أن تكون منهجا رفيعا للمسلم الصحيح .
وفي الحقيقة إن الأدعية الواردة عن النبي وآل بيته عليهم الصلاة والسلام خير منهج للمسلم - إذا تدبرها - تبعث في نفسه قوة الإيمان ، والعقيدة وروح التضحية في سبيل الحق ، وتعرفه ، سر العبادة ، ولذة مناجاة الله تعالى والانقطاع إليه ، وتلقنه ما يجب على الانسان أن يعلمه لدينه وما يقربه إلى الله تعالى زلفى . ويبعده عن المفاسد والأهواء والبدع الباطلة .
وبالاختصار أن هذه الأدعية قد أودعت فيها خلاصة المعارف الدينية من الناحية الخلقية والتهذيبية للنفوس ، ومن ناحية العقيدة الإسلامية ، بل هي من أهم مصادر الآراء الفلسفية والمباحث العلمية في الإلهيات والأخلاقيات .
ولو استطاع الناس - وما كلهم بمستطيعين - أن يهتدوا بهذا الهدى الذي تثيره هذه الأدعية في مضامينها العالية ، لما كنت تجد من هذه المفاسد المثقلة بها الأرض أثرا ، ولحلقت هذه النفوس المكبلة بالشرور في سماء الحق حرة طليقة ولكن أنى للبشر أن يصغي إلى كلمة المصلحين والدعاة إلى الحق ، وقد كشف عنهم قوله تعالى : ( إن النفس لأمارة بالسوء ) ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) .
نعم إن ركيزة السوء في الانسان اغتراره بنفسه وتجاهله لمساوئه ومغالطته لنفسه في أنه يحسن صنعا فيما اتخذ من عمل : فيظلم ويتعدى ويكذب ويراوغ ويطاوع شهواته ما شاء له هواه ، ومع ذلك يخادع نفسه أنه لم يفعل إلا ما ينبغي أن يفعل ، أو يغض بصره متعمدا عن قبيح ما يصنع ويستصغر خطيئته في عينه .
وهذه الأدعية المأثورة التي تستمد من منبع الوحي تجاهد أن تحمل الانسان على
الاختلاء بنفسه والتجرد إلى الله تعالى ، لتلقنه الاعتراف بالخطأ وأنه المذنب الذي يجب عليه الانقطاع إلى الله تعالى لطلب التوبة والمغفرة ، ولتلمسه مواقع الغرور والاجترام في نفسه ، ومثل أن يقول الداعي من دعاء كميل بن زياد :
" إلهي ومولاي ! أجريت علي حكما اتبعت فيه هوى نفسي ولم أحترس فيه من تزيين عدوي ، فغرني بما أهوى ، وأسعده على ذلك القضاء ، فتجاوزت بما جرى علي من ذلك بعض حدودك ، وخالفت بعض أوامرك " .
ولا شك أن مثل هذا الاعتراف في الخلوة أسهل على الانسان من الاعتراف علانية مع الناس ، وإن كان من أشق أحوال النفس أيضا . وإن كان بينه وبين نفسه في خلواته ولو تم ذلك للانسان فله شأن كبير في تخفيف غلواء نفسه الشريرة وترويضها على طلب الخير .
ومن يريد تهذيب نفسه لا بد أن يصنع لها هذه الخلوة والتفكير فيها بحرية لمحاسبتها ، وخير طريق لهذه الخلوة والمحاسبة أن يواظب على قراءة هذه الأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس ،
مثل أن يقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي - رضوان الله تعالى عليه : " أي رب ! جللني بسترك ، واعف عن توبيخي بكرم وجهك ! " فتأمل كلمة " جللني . . " فإن فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساوئ ، ليتنبه الانسان إلى هذه الدخيلة فيها ويستدرجه إلى أن يعترف بذلك حين يقرأ بعد ذلك : " فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته " .