المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك (شهادة الشهود والوثائق الرسمية العراقية)


تشرين ربيعة
03-10-2009, 07:49 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، وبعد

يطيب لي أن أقدم لكم المسلسل الوثائقي الكامل الذي وضعه المحامي التركماني الراحل (صبري طرابية) يرحمه الله ، وهو عن دور الملا (مصطفى البرزاني) في مجزرة كركوك البشعة التي وقعت يوم الرابع عشر من تموز عام 1959 خلال احتفالات الذكرى الأولى لتأسيس الجمهورية العراقية .

يتضمن المسلسل المذكور ثلاثين حلقة ستجزأ على مشاركات منفصلة .

وعلى الله التوكل

تشرين ربيعة
03-10-2009, 07:57 AM
الحلقة الأولى

قرأت مقالا فى موقع كتابات بتاريخ ١٠ / ٨/ ٢٠٠٤ تحت عنوان: الخلافات القوميه بين الأكراد والتركمان فى العراق قرر فيه كاتبه ببراءة الحزب الديموقراطى الكردستانى والمللا مصطفى البرزانى من إرتكاب مجزرة كركوك ١٩٥٩ وألقى بتبعة تلك المجزره على عبد الكريم قاسم والشيوعيين واختتم المقال بإلقاء التهمه على العرب وخصوصا عرب الحويجه ، وهو مالم نسمع به من قبل ولم يقل به أى من المؤرخين أو شهود الأحداث أو معاصرى تلك المجزره أو ضحاياها ولما كانت الوثائق وشهادات الشهود هى عماد الوقائع التاريخيه وبدون تلك الوثائق وشهادات معاصرى الأحداث وصانعيها تضحى الكتابه التاريخيه مجرد قصص طريفه للتسليه والترويح عن النفس أو للدفاع عن هذا وذاك ممن تهوى الأنفس وتعشق القلوب .

ولما كانت النفوس فيما تهوى مذاهب ، وكان ما نبحثه ونتعرض له هو وقائع التاريخ التى لايمكن إغفالها أو التغاضى عنها أو المرور عليها مرور الكرام إستنادا إلى هوى هذا أو عشق ذاك فإنه يشرفنى أن أعرض على قراء موقعكم الموقر مجموعه من شهادات من هم كانوا فى موقع المسئوليه وقت الأحداث ،وسأقوم بعرض تلك الوثائق والشهادات دون أن أعلق عليها أو أبدى رأيا فيما ورد فيها إلا إذا إقتضت الضروره ذلك.

والوثيقه التى أعرضها فى حلقة اليوم من الوثائق تتعلق ببعض أحداث التوتر التى سبقت حدوث المجزره ومهدت لحدوثها عندما أخذ الملائيون الأكــــــراد البارتيون فى تصعيد الأمور مع التركمان فقدموا مذكره إلى وزارة المعارف فى بغداد حول رفع مستوى الثقافه فيما أسموه منطقة كردستان وأدرجوا فى مذكرتهم لواء كركوك بإعتباره ضمن منطقة المعارف الكرديه وهو ما عده التركمان خطرا على هويتهم وثقافتهم خصوصا وأن الأكراد أقليه فى كركوك ، وإزاء تصاعد وتيرة الأحداث وتأزم الأمور بعث الطبقجلي بالرساله أدناه إلى مديرية الاستخبارات العسكريه مبديا رأيه فيها .

الوثيقه المؤرخه ٩ /٩ /١٩٥٨ وهى عباره عن كتاب من قائد الفرقه الثانيه فى كركوك الزعيم ناظم الطبقجلي إلى مديرية الاستخبارات العسكريه ( مرفق مع المذكره خمس نسخ منها ) وقد وردت على الشكل التالى :-

"١ - ورد فى الصفحه (١٥) تحت عنوان (د - التطبيق ) الماده (١) مايلى: تحديد منطقة المعارف الكرديه بألوية السليمانيه واربيل وكركوك وقضاء خانقين واقضية الموصل الكرديه .

نود أن نلفت النظرالى خطورة التحديد أعلاه حيث نبدى المطالعه التاليه:

٢ - إن زج لواء كركوك ضمن منطقة المعارف الكرديه وهى ليست بكرديه بالمعنى الذى فسرته المذكره ، اذ أن اكثريتها تركيه وعربيه (مسلمه ومسيحيه) فالتعبير يبطن فى طياته روح الرغبه فى الاستيلاء على النفط ، وهو الثروه الوطنيه للجمهوريه العراقيه التى حررت هذا المصدر الحيوى لحياة ومستقبل العراق ، كما أن إدعاء المذكره بكردية كركوك معناه صهر القوميات الأخرى فى اللواء ، وهذا مايتنافى وروح دستور الجمهوريه العراقيه.

وأشار الى أنه ليس من المصلحه أن يكون مركز المديريه المقترحه فى مدينة كركوك ، وأطالب بإسناد منصب مدير المعارف فى كركوك دوما وأبدا إلى شخص لاينتمى الى القوميتين المتناحرتين : الكرديه والتركمانيه بل إلى (عربى) على أن تتوفر فيه صفة الحياد والعمل للمصلحه وخدمة التعليم ، دون تحيز قومى أو عنصرى"

وكما هو واضح من مذكرة المعلمين المللائيين الأكراد من جماعة الملا البرزاني وملاحظات الزعيم ناظم الطبقجلي فإن الرغبه فى الاستحواذ على كركوك وبما يتنافى مع روح الدستور والأعراف والتآخى القومى كانت هى السمه السائده لدى الملا مصطفى البرزانى وأتباعه فى الحزب الديمقراطى الكردستانى ( البارتى ) الذى أسسه المللا البرزانى عام ١٩٤٦ وهى التى قادت إلى الصدام القومى وإلى مجزرة كركوك ١٩٥٩.

( الوثيقه أعلاه وردت فى : موسوعة ١٤ تموز( ثورة الشواف فى الوصل - ٣ ) للعميد المتقاعد : خليل إبراهيم حسين - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م

وللموضوع بقيه

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:01 AM
الحلقة الثانية

رأينا فى الوثيقه السابقه كيف حاول البارتيون الملائيون من أتباع المللا مصطفى البرزانى خلق الفتنه فى كركوك بمحاولة ضم هذا اللواء لما يسمى بمدرية معارف كردستان كى يتسنى لهم تكريد كركوك وكيف أن الزعيم ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه فى كركوك لم يتوان عن إرسال تقريره المؤرخ ۹ / ۹/ ١٩٥٨ مفندا فيه حجج البارتيين ومنبها لخطورة الزج بلواء كركوك ضمن منطقة معارف كردستان إذ أن أكثرية سكان اللواء من التركمان والعرب وموضحا أن الأهداف الحقيقيه لحزب البرزانى هى البترول وليس غيره ، وأن البترول هو شريان الحياه بالنسبه للعراقيين وقد حرروه بدمائهم وأرواحهم ، غير أن حزب البرزانى لم يهدأ له بال واستمر فى خلق المؤامرات والفتن داخل لواء كركوك وقام بتحريض الطلاب المتطرفين من أتباع الحزب على إرسال البرقيات والعرائض إلى بغداد لإقناعها بضم لواء كركوك إلى الألويه والمناطق المقترح تشكيل مديرية معارف كردستان فيها .

ونظرا لما سببته تلك التحركات المشبوهه والاستفزازيه لحزب البرزانى من إثاره للنعرات والحزازات تحركت نقابة معلمين كركوك والمنتخبه إنتخابا حرا وبالإقتراع المباشر والتى منى فيها البارتيون المتطرفون من أتباع الملا بهزيمه ساحقه عبرت عن حجمهم الحقيقى داخل المدينه وعن عدم تمتعهم بأى وزن داخل لواء كركوك وطالبوا الزعيم بالتدخل لدى حكومة بغداد لوضع حد لعمليات الابتزاز التى يقوم بها أتباع البرزانى فاستجاب الزعيم ناظم الطبقجلى لمطلب النقابه الشرعيه والممثله لجموع المعلمين فى اللواء وكتب إلى الحاكم العسكرى العام بتاريخ ٤/ ۱/ ١٩٥٩ كتابا وبعث بصوره منه إلى مديرية الإستخبارات العسكريه جاء فيه :-

"واجهنى شخصيا أعضاء هيئة نقابة المعلمين لمدينة كركوك وأفادوا بأن الطلاب الأكراد البارتيين المتطرفين فى مدارس المدينه اخذوا يجمعون التواقيع لارسالها الى وزارة التربيه والتعليم لغرض الدعوه لتأسيس مديرية معارف كردستان ( العراق) ومركزها كركوك ، وحين أجرى التحقيق مع بعض هؤلاء الطلاب وهم من منتسبى ( ثانوية مصلى) أفادوا بأن الطلب وقع لهم من أناس فى بغداد لم يفصحوا عن أسمائهم وهم ينفذون رغبتهم وقد أوضح أعضاء النقابه بأن هذه الدعوه تقلقهم لأسباب عديده أهمها أن لواء كركوك فيه أكثريه تركمانيه وأقليه كرديه وعربيه وآثوريه وأرمنيه .

فتأسيس أو إيجاد مديرية معارف كردستان فى مركز لواء كركوك سيبعث القلق فى النفوس كما سيزيد من تفاقم موقف الأقليات هذه تجاه هذا المشروع وسيتمخض عن روح التنافس والعداء بين تلك القوميات بسبب الزامها بالخضوع إلى التنظيم الجديد المنوى بعثه وهو فرض التعليم باللغه الكرديه أو ما سيترتب على ذلك إجراءات حول نوع الثقافه التى يقتضى أن تسود المنطقه ثم أفادوا بأنهم جاؤا باسم المصلحه ووحدة التعليم ومستقبل هذا الوطن من إثارة وجود مديريه لا ينطبق وصفها فعلا على لواء أكثريته ليست كرديه ، وطلبوا الإستيضاح عن الفكره التى توحى بها الجهات المتطرفه البارتيه لجعل مركز مديرية معارف كردستان فى كركوك .

ولقد وعدتهم بنقل الموضوع إلى سيادتكم لتجنب ما سينجم عن إقرار هذا المشروع من إختلاطات وإنتكاسات معقده ، وأنا أدعوكم باسم المصلحه العامه بأن يستبعد هذا المشروع وجعل مديرية معارف كركوك بمدير محايد ( عربى) ليجمع شمل قوميات اللواء والمدينه ليهدأ أهالى اللواء إلى مستقبلهم الثقافى والسياسى كما هو الحال عليه الآن .. إن التدريس باللغه العربيه هو الحل المقبول فى لواء كركوك .

أما مطاليب إخواننا الأكراد فى لواءى السليمانيه وأربيل وقسم من الموصل فليس لدينا إعتراض حول تعليم وتثقيف ابنائهم بلغتهم إذ أن ذلك من حقوقهم التى كفلها الدستور المؤقت الآن وفى المستقبل بالطريقه التى تنسبها وزارة التربيه والتعليم .. هذا ما اقتضى بيانه وارجو أن ينال الموضوع من لدنكم الإهتمام ."

(توقيع : الزعيم الركن .... ناظم الطبقجلى - قائد الفرقه الثانيه)

(الوثيقه أعلاه وردت فى : موسوعة ۱٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل - ٣ صحيفه ٦٦ ، ٦٧) للعميد المتقاعد : خليل إبراهيم حسين - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م

وللحديث بقيه

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:32 AM
الحلقة الثالثة

رأينا فى الوثيقه السابقه كيف قام الملا البرزانى وأتباعه من البارتيين المتطرفين بعدما خسروا إنتخابات المعلمين فى كركوك والتى جرت بالإقتراع الحر المباشر بتحريض الطلاب الموالين لهم على تقديم العرائض للحكومه فى بغداد بقصد المطالبه بضم كركوك إلى ما يسمونه بمديرية معارف كردستان المزمع إنشاؤها، وكيف أن الزعيم ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه بكركوك قد كتب للحاكم العسكرى العام ولمديرية الاستخبارات منبها لخطورة هذا المطلب على الأوضاع داخل لواء كركوك إذ أن أكثرية سكان اللواء هم من التركمان ويليهم العرب والأكراد وأن هذا الإجراء من شأنه أن يثير الحزازات فى النفوس ويؤلب القوميات على بعضها، غير أن الأكراد المتعصبين من أتباع الملا مصطفى البرزانى لم يرضهم أن ينتصر الحق وهم الطامعون فى الإستيلاء على كركوك مدينة النفط ومستودع الثروات فأخذوا فى الضغط على عبد الكريم قاسم كى يصدر أوامره لوزارة التربيه والتعليم بضم لواء كركوك لمديريه معارف كردستان .

وفى أثناء المناورات والمحاورات والمشاورات فوجىء التركمان وبقية القوميات الأخرى بعريضه يرفعها جماعه من المعلمين الأكراد المتعصبين ويساندهم فيها الشيوعيين والفوضويين ويسلمونها لقاسم مجددين مطالب الأكراد السابقه، وقد حوت العريضه من العبارات والكلمات ما يرفع قاسم لمصاف الآلهه بقصد إستمالته لمطالبهم وقد جاء نص العريضه كالتالى:-

"سيادة الزعيم الأوحـــــــــــد. .
باسم كل طفل يحتضن صورتك فيوسعها تقبيلا ويرفعها هاتفا بحياتك، باسم كل أم تهدهد مهد طفلها وتترقب خطواته الأولى وهو ينقلها بحدب وأمل وهى موقنه أنه سينقلها أكثر ثباتا فى طريق مشرق فتحه له عبد الكريم قاسم وشعب عبد الكريم قاسم، باسم كل أب يقبل على عمله والثقه والإطمئنان يملآن قلبه وهو يهتف من أعماقه ياكريم إحفظ عبد الكريم قاسم وباسم الناس الطيبين فى كركوك باسم شهدائهم فى كاور باغى، باسم نضالهم الدامى قبل الثوره وباسم نضالهم الذى مايزال متصاعدا بعد الثوره لإسناد جمهوريتهم للإلتفاف حولها وتوحيد صفوف مواطنى كركوك تحت قيادتك الرشيده.

يازعيمنـــا الأوحــــــــــــــــــــد. . . . .
وباسم المعلمين الديمقراطيين فيها يامعلمنا الأول جئنا ونحن وفد منهم نحييك ونرفع عميق ولائنا وعظيم إخلاصنا لك ولجمهوريتنا الديموقراطيه، ومعاهدينك، ومعاهدين الشعب على أننا سنبقى حراسا فادين لجمهوريتنا، مطيعين أمناء لمبادىء ثورتنا موجهين اجيالنا الطالعه توجيها وطنيا ديمقراطيا لخدمة هذه الأمه ولخدمة الإنسانيه جمعاء.

يــا ســـــيـادة الزعـــــــــــيم. .
نتجه إليك من كركوك من لوائنا الحساس الذى تتجه إليه كل أنظار العالم، إن قلوبنا معك، وإن أعيننا لاتغمض ساهره تقتفى خطواتك بإيمان وإعتزاز عظيمين، متفتحه تحصى أنفاس كل من تسول له نفسه أن يغرس شوكه تحت أقدام هذه الجمهوريه الصاعده، وإننا لمؤمنون بأن النصر لهذه الأمه الديمقراطيه وأنك أبدا اللواء الخفاق فوق رؤوس أبناءها، عشت يازعيمنا معلما وقائدا وزعيما أوحدا لهذه الأمه. عاشت جمهوريتنا حره ديمقراطيه محبه للسلام تحت قيادتك الرشيده. . عاش تضامن كل قومياتها سندا لتصاعدها الديمقراطى العظيم.

المطــــالــيب: -
١- بحث حساسية لواء كركوك من حيث أنه كان طوال سنين عديده مركزا لشركات النفط وللقنصليات الأجنبيه، وأن هذه الركائز الإستعماريه قد أوجدت لها خلال هذه المده الطويله من الإستعمار أعوانا تستخدمهم لأغراضها العدائيه.
٢- استغلت هذه الركائز الاستعماريه وجود القوميات المتعدده فى كركوك فألبست نضال الناس المخلصين للجمهوريه ضدها لباسا قوميا وهو بعيد كل البعد عن حقيقة الصراع القائم، مستغلة بذلك خدمها المخلصين لإستغلال طبقة البسطاء.
٣ - كمعلمين نرى أن من أوجب الواجبات الآنيه التخلص من مدير معارف اللواء لأنه يقف موقفا محايدا لجمع كلمة المعلمين، بل هو لما فى ماضيه من مطاعن يرى أن خلق الفرقه بين المعلمين والاستفاده من جهه معينه منهم تثبيتا لمركزه الذى لايشك أنه سيتزعزع لو توحدت وجهات نظر المعلمين فى كركوك.
٤ - دراسه لماضيه: كان رئيس لجنة التنسيق التى فصلت كثيرا من المعلمين.
٥ - وبعد الثوره مباشرة حين كان المعلمون يرفعون برقيات التأييد لمساندة الثوره وخطوات الزعيم والحكومه الجباره عمم وكيله كتابا على كافة الهيئات التعليميه يمنع جمع التواقيع، ورغم ان وفدا من العلمين الديمقراطيين قابله وبحث معه ضرورة إلغاء هذا الكتاب فقد أصر على تأييد وكيله قائلا: إنه ليس من المجامله أن الغى كتابا أصدره زميلى رغم مافى ذلك الكتاب من ضرر بالمصلحه العامه.
٦- تبيه بعض المدراء فى بداية الثوره من أن هناك بعض المعلمين الذين يبثون المبادىء الشيوعيه بين الطلاب بنفس نغمة العهد البائد ٧- إرساله على المعلمه روناك رفيق وهبى، وهى معروفه بإخلاصها للجمهوريه، وتهديدها وتوجيه إلفات نظر إليها لأنها قامت بجمع تبرعات مقدارها ١٠٣ دنانير للجيش وقد سلمتها للمسؤلين بوصل محفوظ.
٨ - تقبله للواسطه ولتأثير الآخرين بتعيين بعض المدراء غير المرغوب فيهم.
٩ - محاولته محاربة فكرة نقابة المعلمين. (هذا هو بيت القصيد)
١٠ - تحيزه ضد المعلمين الديمقراطيين (أى الأكراد البارتيين)
١١ - مسألة وقوفه ضد التعاون بين القائمتين الديمقراطيه (التى أسقطها المعلمون) والقائمه الأخرى فى الإنتخابات."

ورغم كل عبارات التمجيد والتأليه التى ساقها أتباع البرزانى لعبد الكريم قاسم ورغم التحالف المتين بينه وبينهم ومساندتهم له فى صراعه مع القوميين وجمال عبد الناصر، إلا أنه كان يدرك تماما بأن الأكراد أقليه فى لواء كركوك وأن إجراءا من هذا القبيل من الممكن أن يفجر الصراع العرقى الدامى بين القوميات مما قد يهدد أركان حكمه المستبد، فأخذ فى المماطله والتسويف وإغماض العين عما يدور حوله وأحال الأمر لوزارة التربيه والتعليم والتى جاء ردها كالصفعه على وجوه البارتيين من أتباع البرزانى، وكان جواب الوزاره يتكون من خمس كلمات

(نعلمكم أن الموضوع قيد الدرس) !!!!

(الوثيقه أعلاه وردت فى موسوعة: ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل - ٣ - للعميد المتقاعد: خليل إبراهيم حسين- دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م - الصحيفه رقم ٦٨، ٦٩، ٧٠، ٧١)

وللحديث بقيه

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:39 AM
الحلقة الرابعة

رأينا من مطالعة الوثائق السابقه كيف أن البارتيين من أتباع الملا مصطفى البرزانى لم يكفوا عن تآمرهم ضد التركمان وبقية القوميات القاطنه فى كركوك والذين يشكلون الغالبيه الساحقه من سكان اللواء ، وكيف راحوا يرفعون العرائض ويحرضون الأتباع ويبعثون بالوفود المزيفه من المعلمين إلى بغداد بقصد حثها على ضم لواء كركوك إلى مديرية المعارف التي كانوا ينوون إقامتها فيما يسمى بإقليم كردستان .

غير أن عبد الكريم قاسم لم يعرهم ثمة إهتمام لإدراكة لحقيقة الواقع الديموغرافى للواء ، كما أن الأكراد لم يكونوا سوى أداه يستخدمها فى صراعه مع القوى القوميه المتعاطفه مع الجمهوريه العربيه المتحده ولإرهاب خصومه السياسيين ورأينا كيف جاء رد وزارة التربيه والتعليم على المطلب الكردى والمكون من خمس كلمات (نعلمكم أن الموضوع قيد الدرس) غير أن البرزانى وأتباعه لم يقر لهم قرار وإستمروا فى حياكة المؤامرات وتدبير المكائد ضد التركمان وبقية القوميات الأخرى وشعر الزعيم ناظم الطبقجلى بأن البرزاني يعد لمذبحه مروعه لتركمان كركوك وأن حجم المؤامره التى يقودها البرزانى وحزبه لاتستهدف التركمان وحسب بل تستهدف العراق ووحدة أراضيه وأن البرزانى لديه الإستعداد بطبعه لإبادة خصومه السياسيين وقتل كل من يقف أمام طموحاته وأحلامه كردا كانوا أم عربا أم تركمانا .

ولأن المرحوم ناظم الطبقجلى كان إنسانا يقدر حجم المسئوليه الملقاه على عاتقه أمام الله وأمام الشعب ومن ثم رأى ضرورة التحرك السريع وإعداد تقرير مفصل عن الجرائم التى يسعى البرزانى وحزبه لإرتكابها بحق العراق والعراقيين وقام هذه المره برفع ذلك التقرير إلى اللواء الركن أحمد صالح العبدى الحاكم العسكرى العام ورئيس أركان الجيش ، والتقرير مؤرخ ١٩ / ١ / ١٩٥٩ ومعنون: "الحالة السياسيه فى منطقة مسئولية الفرقه الثانيه" وقد سلم نسخه منه إلى مديرية الإستخبارات العسكريه وجاء فيه: -

"١ - منذ إعلان تشكيل جبهة إتحاد أحزاب كردستان (الحزب الديمقراطى الكردستانى والحزب الشيوعى وحزب جبهة الاتحاد الوطنى) أخذت هذه الجماعات تعمل بصوره جديه بواسطة أعوانهم والمرشدين الذين أرسلوهم إلى الأقضيه والنواحى والقرى على بعث إقليم (كردستان العراق) ضمن الجمهوريه العراقيه، وقد ساهمت فى مثل هذه الأعمال جهات مسؤوله فى بغداد لتوجيه هذه الجبهه على التقيد بالميثاق الذى وضعوه والذى ينادون به فى نشرات هذه الأحزاب السريه واجتماعاتهم الدوريه على ضرورة اعلان ولادة إقليم كردستان وكان المنهج الذى رسموه لتحقيق هدفهم هو الإستفاده من الماده الرابعه من دستور الجمهوريه العراقيه المؤقت الذى خص العرب والأكراد كمشاركين فى هذا الوطن وهم يبغون مايلي:
أ- العمل بجديه لإقناع حكومة الجمهوريه للاعتراف بمطاليبهم القوميه ضمن منطقة كردستان التى خططوها ضمن الجمهوريه وتشمل معظم الأراضى الواقعه شرق دجله حتى خليج البصره.
ب - إعلان كردستان العراقيه فورا بموجب نص الدستور لتكون هذه الجمهوريه قاعده لضم اكراد تركيا وإيران ضمن الخارطه التى رسموها.

٢ - أن كلا الفريقين المعتدلين والمتطرفين من البارتيين مؤمن بما خططه لجمهوريتهما ومستقبلهما السياسي إن عاجلا أو آجلا بما يلى:
أ - إعتراف الجمهوريه العراقيه بالاقليم المذكور رسميا ضمن الوحده العراقيه كمرحله أولى.
ب - تأسيس مديرية معارف كردستان يكون مركزها مدينة كركوك على أن تكون الثقافه فى هذه المنطقه كرديه محضه وأن تؤسس جامعه فى كردستان لرفع الثقافه الكرديه.
ج - الإعتراف بإتحاد طلبة كردستان العراق على أن يتعاون مع إتحاد الطلبه فى الجمهوريه العراقيه.
د - المطالبه بتأليف نقابة معلمى كردستان بالرغم من وجود نقابه المعلمين المنتخبه فى كل لواء وكذا نقابة محامى وأطباء كردستان.
هـ - العمل على تصنيع كردستان ورفع المستوى الثقافى والاجتماعى فى هذا الإقليم.
و - تأليف نقابات عمال كردستان بأنواعها على أن تتعاون مع نقابات عمال الجمهوريه العراقيه على أن يتركوا موضوع الدفاع والماليه والتمثيل الخارجى فى عهدة حكومة الجمهوريه ببغداد.

هذه القواعد والخطوط الأساسيه التى يتبناها متطرفوا الأكراد البارتيون ويبشرون بها فى كافة الأوساط كما ويتعاون الضباط البارتيون المتطرفون على التقيد بها.

إن جبهة أحزاب كردستان الموحده متفقه على بعث كردستان العراق وإن إختلفوا فى الأساليب، لهذا فإن كافة الأوساط فى هذه المنطقه تعمل بتوجيه من بغداد حيث يلتف ممثلو هذه الجبهه والضباط حول شخصيتهم المفضله فى الوقت الحاضر وهو (الملا مصطفى البرزاني) ومن يحف به من مثقفى كردستان البارتيين وتصدر التوجيهات مباشرة أو بصوره غير مباشره لتنفيذ خططهم السياسيه.

٣ - موقف العشائر الكرديه:
تثير جبهة إتحاد كردستان بإيعاز من التوجيهات التى تصلهم من بغداد الشكوك والريبه فى إخلاص العشائر المناوئه الى الملا مصطفى وتردنا كثير من الإستفسارات والإستيضاحات من مديرية الإستخبارات العسكريه أو عن طريق وزارة الداخليه أو مديرية الأمن العامه حول سلوك هؤلاء الرؤساء المناوئين للبارزانى، إن الشكوك التى تردنا عن طريق الجهات الرسميه والنشرات السريه التى توزع من قبل جبهة أحزاب كردستان حول الزيباريين والسورجيه والهركيين والبرادوستيين والركانيين ومن يناوىء الملا مصطفى تستهدف خلق إرهاب لرؤساء هذه العشائر بقصد مايلى:
أ - خلق نزاع مسلح بين الجيش والعشائر المناوئه للبارزانيين بقصد القضاء عليهم.
ب - أو التوصل إلى إعتقال هؤلاء الرؤساء المناوئين حتى يتاح إخضاع عشائرهم لسيطرة البارزانيين.
ج - أو فرض السيطره على العشائر ورؤسائها بالتهديد ليؤلفوا جبهه موحده لمواجهة تطورات الحركه الكرديه المتطرفه فى المستقبل (الماده ٢ أعلاه).

٤ - نود أن ننبه إلى هذه الناحيه الخطيره وتطوراتها ونوصي بالمحافظه على التوازن بين العشائر المناوئه للبارزانيين وما يريدون رسمه من خطط فى حين تقتضى سياسة الجمهوريه تطمين رؤساء العشائر المناوئه للملا مصطفى وتأمين مستقبلهم حتى نكسبهم بجانب الجمهوريه وهم ممن لم يعرف عنهم مناوئة الحكومات العراقيه بالسابق أو اللاحق أو قيامهم بثورات مسلحه ضد الجيش، لذا يقتضى الإستفاده منهم وعدم إعطاء المجال لتمييز البارزانيين عليهم بأية صورة من الصور وتوصية المتصرفين والإداريين بمعاملتهم بصوره حسنه لتأييد الفكره القائله بأن أبناء الجمهوريه هم سواء فى المعامله.

٥ - موقف بعض الضباط (البارتيون الحزبيون):
أخذ بعض الضباط الحزبيين الموجودين فى الفرقه يتحسسون بموضوع كردستان أو جمهورية كردستان فى المستقبل بصوره ظاهره ويجتمعون بالمناسبات لتطبيق الخطط الموجهه التى تصلهم من بغداد بواسطة اتصالهم الشخصي مع الملا مصطفى أو بواسطة ممثلين يرسلون من بغداد.

وتشمل إجتماعاتهم الإتصال بكافة المتطرفين البارتيين من المحامين والمثقفين والمعلمين والمعلمات وإجتماعاتهم هذه أصبحت دوريه فى كل من كركوك وإربيل والسليمانيه، إن أهم مايشغل المتطرفون الحزبيون البارتيون هو الصراع الخفى والظاهر للاستئثار بلواء كركوك الذى تسكنه أكثريه تركمانيه وعشائر عربيه وأقليات عربيه مسيحيه وقد اثاروا مختلف المشاكسات والنزاعات لتشويه سمعة التركمان بإتهامهم بالطورانيه وعدم ولاءهم للجمهوريه، وقد مرت فترات عصيبه بهذا اللواء منذ الزياره الأولى للملا مصطفى إلى كركوك وما تلاه من وضع مكيده لتحرى دور أهالى كركوك بإعتبارها كانت مستودعات أسلحه وما تلا ذلك من إضطراب الأمن فى الأسبوعين الماضيين فى ألتون كوبرى وطوز خورماتو وكفرى، كل هذه تدل على تحمس المتطرفين الحزبيين للسيطره على كركوك ومواردها وتهديدهم التركمان على الهجره من اللواء، أو قبول فكرة إقليم كردستان ليكونوا فيه جزءا من الإقليم وكل هذه تؤيد دعوتهم لبعث كردستان العراق إلى الوجود.

٦ - يساهم الضباط والأشخاص المتطرفين المرفقين فى القائمه:
أ - فى الإجتماعات التى يعقدوها فى كركوك بحيث أخذت تثير شكوك أهالي كركوك لأنهم يعلمون مؤكدا أن الحزبيين البارتيين لا يضمرون لهم خيرا، ولهذا زادت مراجعتهم إلى هذه القياده وإلى الإداره المحليه لتطمينهم على مستقبلهم من هذا الصراع القومى الناشب ضدهم.

٧ - يقوم الزعيم معروف غريب من الضباط الحزبيين بالدور الرئيسى لإدارة حركة الضباط الحزبيين البارتيين فى الفرقه وقد إستطاعوا أن يكسبوا بعض ضباط الصف إلى حزبهم وإلى فكرتهم لتبشيرهم بأن لواء كركوك جزء لايتجزأ من إقليم كردستان، مما ادى إلى خلق وضع خطير ضمن بعض الوحدات التى يعمل فيها الضباط المدرجين فى القائمه المشار إليها.

٨ - موقف التركمان فى كركوك:
يشعر التركمان فى كركوك بالخطر الذي يجابهونه من تحدى الحزبيين البارتيين لهم وهم فزعين على مستقبلهم ويضعون جل ثقتهم بحكومة الجمهوريه العراقيه لضمان حياتهم ومستقبلهم. لقد حرم هؤلاء التركمان من إبداء شعورهم تجاه الجمهوريه العراقيه والظاهر أن القضيه مبيته ضدهم لطمس إسمهم وولائهم. إن هذه القياده تؤكد أن النزاع السياسى هو الذى خلق هذه الشكوك وأن اهالى كركوك التركمان يساهمون فعلا كمواطنين فى خدمة هذه الجمهوريه فى سلك الجيش والتعليم والمحاماه والطب فى سائر النشاطات الإجتماعيه، غير أن هذا لم ينقذهم من التهمه الموجهه لهم من قبل متطرفى الحزبيين البارتيين بكونهم طورانيين تنكيلا بهم.

٩ - تسأل هذه القياده ما يلي:
أ - معلومات واضحه عن السياسه الداخليه للجمهوريه فيما يخص الوعود المختلفه للأكراد الحزبيين بشأن كردستان ومطالبهم الأخرى التى يعملون لتنفيذها.
ب - منع الضباط وضباط الصف من التدخل فى الأمور السياسيه أو الحزبيه أو الإنحياز إلى المبادىء بإصدار بيان من سيادة الوزير على غرار ما صدر من تحديدات بشأن الطلبه والمقاومه الشعبيه.
ج - نقترح جعل المناصب الإداريه التاليه (فى كل من آلتون كوبرى وطوز خورماتو وكفرى) تدار من قبل موظفين عرب حياديين لأنهم عنصر الحياد بين الأكراد والأتراك الساكنين فيها: القائمقامون - مدراء النواحى - المعاونون - مدراء المدارس - الحكام.

يرجى التفضل بالعلم وانباءنا. . ."

(التوقيع: الزعيم الركن - ناظم الطبقجلي - قائد الفرقه الثانيه).

(وردت هذه الوثيقه فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل - ٣ - تاليف العميد المتقاعد - خليل إبراهيم حسين الصحيفه رقم ٧٣، ٧٤، ٧٥، ٧٦، ٧٧، ٧٨)

رحم الله ناظم الطبقجلى الذي كشف التآمر على التركمان والعراق وكأنه يقرأ ما سيحدث بالعراق بعد رحيله بعشرات السنين. . . .

وللحديث بقيه

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:45 AM
الحلقة الخامسة

رأينا من مطالعة الوثائق السابقه كيف منى الأكراد المتعصبون من أتباع الملا مصطفى البرزانى وحلفائه من الشيوعيين بهزيمه ساحقه فى إنتخابات نقابة المعلمين بكركوك وقد عبرت هذه الهزيمه عن الحجم الحقيقى للأكراد داخل المدينه، وكيف أن ذلك أثار حفيظتهم ضد التركمان ودفعهم للإسراع فى إتخاذ الخطوات الكفيله بتهميشهم وإبعادهم عن لعب أى دور في إدارة مدينة كركوك والعمل من أجل تكريد المدينة وتفريغها من سكانها الحقيقيين تمهيدا لضمها لما يسمى بكردستان ووضع الأسس الكفيله بتحقيق الإنفصال وإقامة الكيان الكردى المستقل وهو مابينه تفصيلا الزعيم ناظم الطبقجلى فى الوثيقه السابقه .

ورغم أن ناظم الطبقجلى كان قد قام بفضح نوايا الأكراد من خلال تقريره الذى بعث به للحاكم العسكرى العام ولمديرية الإستخبارات إلا أن الأكراد لم يستسلموا وظلوا يحيكون المؤامره تلو الأخرى وقامو بتشكيل ما يسمى ب " وفد معلمى كركوك " لمقابلة رئيس الوزراء فى بغداد متجاوزين النقابه الشرعيه المنتخبه من جموع المعلمين، ومن سوء حظ الوفد المزيف لنقابة المعلمين أن ناظم الطبقجلى كان موجودا ببغداد عند مقابلتهم لعبد الكريم قاسم وأحاط علما بالأكاذيب التى سعى الساقطون فى الإنتخابات لدسها عند رئيس الوزراء بحقه وبحق مدير المعارف وبحق التركمان، فعاد إلى كركوك وكتب تقريرا مفصلا للحاكم العسكرى مؤرخ ١٥ / ٢ / ١٩٥٩ومعنون: (وفد نقابة معلمى كركوك) شرح فيه غايات ومرامى وإدعاءات هذا الوفد المزيف الذى لايمثل جموع المعلمين فى اللواء وجاء فيه:

"١ - كنتم قد أطلعتم لدى مواجهتى وإياكم سيادة وزير الدفاع صباح يوم ٧ / ١/ ١٩٥٩فى قاعة الاجتماع حيث أثير موضوع وفد نقابة معلمى لواء كركوك الذى حيل بينه وبين مقابلة سيادته وأدخل وفد آخر غير مسئول باسم النقابه المذكوره وموافقة سيادته على مواجهة النقابه الأصليه عصر ذلك اليوم وقد نجم عن ذلك رد إعتبار النقابه الأصليه لدى هيئة معلمى كركوك وسكانها وكانت النتيجه مرضيه ومطمئنه لممثلى نقابة كركوك الحقيقيين.

٢ - لقد وقع فى يدنا نص خطاب نقابة معلمى كركوك المزيفه مع نسخه من مطالبهم بخط يد رئيس النقابه المبنيه على حقد دفين وسوء نيه ووصوليه وانتهازيه لتدركوا مدى تطاول هؤلاء على النقابه الأصليه وسلوكهم فى الوصول إلى إسماع فحيح ألسنتهم النكراء فى التجنى على الناس للايقاع بهم وبحث شئون ليس من حقهم عرضها على سيادة رئيس الوزراء ولكنهم استطاعوا أن يسمعوها له وهذه النسخه الأصليه من الخطاب والمطالب سلمت خطأ من قبل المعلمه (وفيه أبو قلام) الى الوفد الأصلى فظهرت المكيده واضحه لسيادتكم.

٣ - أود أن أبين مطالعة هذه القياده فى المطالب التى عرضت من قبل ممثلى نقابة المعلمين المزيفه حسب الترتيب لتكونوا على علم بالحقيقه:
آ - قامت قيادة الفرقه بالسيطره على كافة مرافق شركة نفط العراق وخطوط الأنابيب وعين زاله والكياره وتم ذلك بصوره كامله منذ اليوم الثالث للثوره كما سيطرنا على كافة مواصلاتها السلكيه واللاسلكيه لحماية أخطر مرفق حيوى لحياة العراق. فأين كانت نقابة المعلمين المزيفه؟
ب - إن النزاع القومى فى كركوك واضح بين الأكراد(الملائيين الحزبيين) والتركمان الذى تؤلف القوميه الأخيره أكثرية لواء كركوك، لهذا فإن الشركه إذا ساهمت أو فرض أنها ساهمت فى هذا الصراع من أجل السيطره على كركوك، قد ظهر جليا بإدعاء البارتيين الحزبيين فى ضم لواء كركوك قاطبة إلى إقليم كردستان، لهذا فإن الإنتهازيين هم الذين يخلقون هذا النزاع ويستظلون وراء الزعم القائل بأن الشركات الإستعماريه لها كل الإمكانيات لإثارة مخاوف القوميات المتعدده فى كركوك ولو كفانا الانتهازيين شر مداخلاتهم لما كان هناك إحساس بهذا الصراع الذى أعتقد أن مصدره بالأصل هو من داخل بلدنا ومن بين أبناء القوميات التى تعيش فى هذا اللواء.
ج - تتجنى نقابة المعلمين المزيفه بالتخلص من مدير معارف اللواء لإبعاده عن هذه المديريه وقد سبق لهؤلاء ولغيرهم إثارة الجهات المعنيه لنقله وهو الأستاذ نعمان بكر التكريتى الذى قام بواجبه بإخلاص وأمانه وحياد وكان عنصرا معتدلا لم يمل إلى أى جانب مستهدفا واجبه ومصلحة مديرية التعليم فى هذا اللواء، لهذا لا يروق لهم أن يبقى مثل هذا العنصر الأمين على رأس مديرية التعليم فى كركوك وتجدون فى التسلسل (٤) و (٥) والفقره (ج) مايكيلون من تهم وهذه بعيده عن الواقع لخساسة نفوسهم.
د - التسلسل (د) أشار إلى تهديد من مدير التربيه والتعليم إلى المعلمه (روناك رفيق) حول التبرعات فاوضح: أن هذه المعلمه تجمع بين تطرفها لقوميتها الكرديه البارتيه ومبداها الشيوعى لخلق جو متوتر وقيامها بمخالفات إحداها جمع تبرعات باسم الجيش دون إجازه من السلطات الإداريه ولا حتى مديرية التعليم وقد نبهت عليها هذه القياده بالإمتناع عن إتخاذ إسم الجيش وسيله للمتاجره وجمع التبرعات كما نبهنا على مديرية التربيه والتعليم أن توعز للمومأ اليها بتسليم المبالغ المتجمعه إلى الإداره المحليه لتسليمها إلى لجنة جمع التبرعات فى وزارة الدفاع. فأرجو أن تتصوروا مبلغ الكذب الذى تتحدث عنه النقابه المزيفه فى حين أن المدير لم يوجه للمعلمه أى تنبيه وهى المعلومه عن سوء معاملتها للمعلمات الأخريات فى مدينة كركوك.

٤ - الفقره (هـ) من المطالب: أن ترشيح وتعيين المدراء جرى على اساس الكفاءه والخدمه والقدم ولم يبت هو نفسه فى الموضوع إلا بعد أن رجع إلى ملفات واضبارات هؤلاء فنسبوا إلى مناصبهم فى الوقت الذى تريد منه النقابه المزيفه ما لاتريده المصلحه العامه.

٥ - الفقره (و) و(ز) لقد جرى إنتخاب نقابة المعلمين فى اللواء بإشراف الهيئه التحضيريه للنقابه ومساهمة قيادة الفرقه بإرسال ممثل عنها حسب طلب الإداره المحليه وأرسلنا العقيد محمد على الكمالى مشرفا وجرى الانتخاب دون أن يتدخل مدير التربيه مطلقا كما أنه وضع ورقه بيضاء حتى يثبت عدم ميله جانب دون جانب وانتهت نتيجة الإنتخابات بفرز الأصوات وانتخاب لجنة نقابة معلمى كركوك الأصليه المنوه عنها أعلاه دون تدخل من اية جهة كانت.

هذا ما اقتضى بيانه للتفضل بالإطلاع."

(التوقيع: الزعيم الركن - ناظم الطبقجلى - قائد الفرقه الثانية).

(وردت هذه الوثيقه فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل - ٣، العميد المتقاعد: خليل إبراهيم حسين، صحيفه رقم ٨٠، ٨١، ٨٢، ٨٣- دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)

وهكذا فضح الزعيم الركن ناظم الطبقجلي إدعاءات الساقطين فى إنتخابات نقابة المعلمين مبينا مدى زيف وكذب هذه الإدعاءات، ومؤكدا على حقيقة كون أن البارتيين هم السبب فى إثارة النعرات القوميه وحدوث التوترات بين مختلف القوميات، لكن ترى هل بعد أن تم فضحهم وكشف زيفهم سيكفون عن التآمر وإثارة الفتن. .

هذا ماستكشفه لنا الوثائق والشهادات المقبله.

و للحديث بقيه

عبود مزهر الكرخي
03-10-2009, 08:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا أبوالزهراء وعلى آل بيته الغر الميامين
الكاتب الكريم بارك الله فيك في هذه المعلومات التي وفرتها الآن حول دور الأكراد في كركوك وليكن في كعلومك ما هو دورهم الآن وهم الدور التخريبي لكل العراق حيث قاموا بتغيير الطبيعة الديموغرافية لكركوك بتهجير العرب ونزوحهم القسري والأستيلاء على اراضيهم وبيواتهم مع التصفيات الجسدية للقوميتين التركمانية والعربية فلهم دور جداً قذر في هذه المسألة وعلى عموم العراق فدورهم معروف في تدميره من خلال الأستحواذ على كل الخيرات من خلال النفط وطلب المكاسب من الميزانية وكذلك المنصب في الحكومة العراقية وعلاقتهم المتطورة مع اسرائيل ووجود خبراء وضباط جيش اسرائيلي لهم في كردستان فهو دور مدمر للعراق وبأعتقادي ان هذا الدور هو ماستشارة حتى من الخبراء الصهاينة الموجودين عندهم .
ووفيالمرات القادمة سوف يكون لي عودة أخرى في توضيح الأدوار التي يقوم بها الأكراد في العراق ومع الأسف في تهديم العراق بدلاً من بنائه.
بارك الله فيكم في هذه المعلومات التي زودتنا بها ونتنظر المزيد.

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:52 AM
الحلقة السادسة

رأينا من خلال مطالعة الوثائق السابقه كيف فضح الزعيم الركن ناظم الطبقجلي مؤامرات البارتيين من أتباع الملا البرزاني وسعيهم الدؤوب من أجل إثارة الفتنه فى كركوك، وقد قرر الطبقجلى بصراحه ووضوح انه إذا كان هناك عملاء لأحد فهم هؤلاء، وإذا كانت هناك فتنه فى كركوك بين القوميات فلا أحدا غير الملائيين المتعصبين بإمكانه أن يشعل الفتن ويدبر المكائد، فهم خلف كل المصائب التى حلت بالشعب العراقى فى الموصل وفى كركوك عام ١٩٥٩، وهم أصحاب الفضل في إختراع طريقة قتل المواطنين سحلا فى الشوارع، ولديهم ماكينه إعلاميه جباره تملك مقدره فائقه على قلب الحقائق والترويج للأكاذيب، وإظهارهم فى صورة الضحايا حينما يكونوا هم الجناة.

وفى حلقة اليوم نعرض على قراء موقعكم الموقر الوثائق والشهادات المتعلقه بزيارة الملا مصطفى البرزانى لكركوك فى ٢٦ أكتوبر ١٩٥٨تلك الزياره التى أحدثت فتنه كبيره فى مدينة كركوك، وكانت إحدى مقدمات مجزرة كركوك الرهيبه، إذ كان قد وضح من مجريات الأمور خلال تلك الزياره وما صاحبها من تدفق عشرات الألوف من الأكراد المتعصبين على كركوك من كل حدب وصوب حاملين صور الملا وهاتفين "الموت للطورانيين" و "يسقط الطورانيون" و"كركوك مدينتنا أتركوها أيها التركمان" و "يسقط التركمان عملاء تركيا، عملاء شركة النفط، تسقط الرجعية" أن هناك محاوله مرسومه لإستفزاز التركمان وجرهم إلى الصدام، خصوصا وأن الهتافات كانت تجرى فى حضرة الملا البرزانى ولم يستنكرها ولم يأمر بمنعها، وكيف يأمر بمنعها وهو الذى سعى و يسعى لإستفزاز التركمان لأقصى درجات الإستفزاز كى يسهل جرهم لماهو مدبر لهم ؛. . لمجزرة كركوك الداميه.

وكان ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه فى كركوك قد إختار لإقامة الملا البرزاني نادى الضباط فى كركوك لتوفير أقصى درجات الراحه والأمن للزائر وهيأ له سجلا لتسجيل اسماء زائريه، وبعد أن قضى الملا يومين فى كركوك قرر العوده إلى بغداد بالطائره وقد حدد ناظم لموكب الملا طريقا معينا محروسا من قوات الإنضباط العسكري وبعيدا عن أماكن تجمعات التركمان تجنبا للإحتكاك، ولكن الملا عز عليه ان يغادر كركوك دون أن يثير الفتنه التى ماجاء إلى كركوك إلا لإثارتها فقرر السير فى طريق آخر يمر من أمام كازينو يلدز التى يؤمها جماهير غفيره من التركمان، وأخذ الغوغاء من المتعصبين الأكراد المصاحبين لموكب الملا فى إطلاق الهتافات المعاديه للتركمان، وعادوا من المطار ومروا من أمام ذات الكازينو للمرة الثانيه حاملين الشعارات المكتوبه بعبارات العداء للتركمان.

فما كان من مجموعه من شباب التركمان إلا أن هجموا على تلك الشعارات الإستفزازيه ومزقوها، وجرى صدام بين الطرفين ووقع بعض الجرحى وحصل إعتداء على بعض المحلات التجاريه التى تعود للتركمان ، وفى اليوم التالى لمغادرة البرزانى كركوك حدث أن أصيب آمر الإنضباط العسكرى هدايت أرسلان - وهو من الشخصيات التركمانيه المعروفه والمحبوبه لديهم - بنوبة قلبيه أودت بحياته اثناء تأديته لواجبه وقد شيعه إلى مثواه الأخير آلاف التركمان ، غير أن مثيرى الفتنه لم يدعوا الأمور تمر بسلام فأشاعوا بأن المرحوم هدايت كان ضالعا فى مؤامره لإغتيال البرزانى ، كما أشاعوا بأن ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه أيضا عندما حدد طريقا معينا للبرزانى ليسلكه فى طريقه للمطار كان ينوى قتله ، وأنهم ماسلكوا طريق كازينو يلدز إلا لتجنب المؤامره المزعومه .

وراح صناع الفتن من أتباع الملا يشيعون تلك الأكاذيب على نطاق واسع، الأمر الذى شعر معه التركمان بالغليان من هول الأكاذيب فنظموا تظاهره إحتجاجيه إلى مقر قيادة الفرقه الثانيه، فاضطر ناظم الطبقجلي قائد الفرقه إلى قطع إجتماعه بآمرى الوحدات وخرج للمتظاهرين وخطب فيهم قائلا:

"يؤسفني ماحدث يوم أمس بين أبناء البلد الواحد، وإنى سأضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الإخلال بالأمن. وان ابناء الشعب شركاء فى هذا الوطن ومتساوون فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن قومياتهم. .".

وقد تم إحتواء فتنة الملا وأتباعه بفضل جهود ناظم الطبقجلي الذى قام بتشكيل مايسمى بلجنة (التضامن الوطني) التى تألفت من مجموعه من الأكراد والتركمان، فكان من الأكراد (المحامي مكرم الطالباني والمحامي حسين البرزنجي والعقيد المتقاعد عبد القادر البرزنجي والمحامي عمر مصطفى) ومن التركمان (المحامي محمد الحاج عزت والمحامي تحسين رافت والمرحوم الرئيس الأول المتقاعد عطا خير الله والصيدلي مجيد حسن) وقد أصدرت اللجنه بيانا جرى توزيعه على نطاق واسع وإسقاطه بالطائرات وقد أدى هذا البيان إلى تهدئة الوضع وإستتباب الأمن لفتره من الوقت. . وهذا نص البيان:

"ياأهالى كركوك عربا واكرادا واتراكا وآثوريين وأرمنا

لقد كان المستعمرون وعملاؤهم من الخونه والرجعيين يبثون سموم التفرقه والعداء بين مختلف القوميات فى وطننا الحبيب وعلى الأخص فى المناطق الحيويه الحساسه كمدينة كركوك المتكونه من قوميات متعدده، وقد استهدفوا من ذلك فصم تلك الرابطه الأخويه بين مختلف القوميات والأقليات التى عاشت متآخيه متعاونه منذ قديم. وكلما ضعفت يقظتنا تمكن العدو من النيل منا وإثارة الفتن بيننا غير أن ثورة ١٤ تموز بقيادة البطل عبد الكريم قاسم التى ساندها الشعب العراقى جميعا جاءت ضربه قاصمه للمستعمرين ومؤمراتهم ودسائسهم، فقضت نهائيا على السيطره الإستعماريه فى وطننا الحبيب وبدأت بتصفية الإقطاع.

وتقوم جمهوريتنا الوطنيه بإصلاحات عميقه تهدف بذلك تأمين مصالح كافة الشعب العراقى دونما تمييز أو تفريق، لذا بدأ عملاء الإستعمار المتسترين بالعمل على عرقلة تثبيت مكاسب الثوره بكل الوسائل الحقيره الدنيئه للإساءه إلى سمعتنا، وما هذه التفرقه فى هذا الجزء من الوطن العراقى بين الأكراد والأتراك والحوادث المؤسفه التى وقعت بين أبناء البلد الواحد إلا جزء من مؤامرات عملاء الإستعمار وبإيعاز وإيحاء منهم بقصد إضعاف وحدتنا وتآخينا ويقظتنا تجاه عدونا الرئيسى الإستعمار والإقطاع.

يا جماهير كركوك ، لنتحد جميعا عربا وأكرادا وأتراكا وأرمنا وآثوريين لصيانة جمهوريتنا الوطنيه وتثبيت مكاسب ثورتنا المجيده وتطويرها لنكون يدا واحده نقف بالمرصاد لدسائس العدو ولنفضح عملائه المتسترين ونقبر مشاريعهم. إننا ندعوكم إلى التآخى والتآزر والهدوء والسكينه والإنصراف إلى أعمالكم الإعتياديه ومحاربة الإشاعات التى يروجها عملاء الإستعمار.

عاشت جمهوريتنا الحبيبه بقيادة زعيمنا وملهمنا عبد الكريم قاسم.
عاشت الأخوه بين العرب والأكراد والأتراك والأرمن والآثوريين.
الموت للإستعمار وعملائه ومفرقى الصفوف."

(التوقيع: لجنة الدفاع الوطني فى منطقة كركوك)

وإذا كانت الفتنه التى صاحبت زيارة الملا البرزاني قد تم إحتواؤها بفضل حنكة الزعيم ناظم الطبقجلي فهل ياترى سيكف الملائيون من اتباع الملا البرزانى عن حياكة الفتن وتدبير المؤامرات هذا هو ما ستكشفه لنا الوثائق التى سوف نستعرضها فى الحلقات المقبله.

(هذه الوثيقه وردت فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل - ٣، العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين، الصحيفه رقم ١٦٦، ١٦٧ - دار الحريه للطباعه بغداد ١٩٨٨)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 08:58 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا أبوالزهراء وعلى آل بيته الغر الميامين
الكاتب الكريم بارك الله فيك في هذه المعلومات التي وفرتها الآن حول دور الأكراد في كركوك وليكن في كعلومك ما هو دورهم الآن وهم الدور التخريبي لكل العراق حيث قاموا بتغيير الطبيعة الديموغرافية لكركوك بتهجير العرب ونزوحهم القسري والأستيلاء على اراضيهم وبيواتهم مع التصفيات الجسدية للقوميتين التركمانية والعربية فلهم دور جداً قذر في هذه المسألة وعلى عموم العراق فدورهم معروف في تدميره من خلال الأستحواذ على كل الخيرات من خلال النفط وطلب المكاسب من الميزانية وكذلك المنصب في الحكومة العراقية وعلاقتهم المتطورة مع اسرائيل ووجود خبراء وضباط جيش اسرائيلي لهم في كردستان فهو دور مدمر للعراق وبأعتقادي ان هذا الدور هو ماستشارة حتى من الخبراء الصهاينة الموجودين عندهم .
ووفيالمرات القادمة سوف يكون لي عودة أخرى في توضيح الأدوار التي يقوم بها الأكراد في العراق ومع الأسف في تهديم العراق بدلاً من بنائه.
بارك الله فيكم في هذه المعلومات التي زودتنا بها ونتنظر المزيد.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ الفاضل عبود مزهر الكرخي

كل هذه المعلومات والوثائق قد وفرها المرحوم صبري طرابية من أجل الاستدلال على الدور الخطير الذي لعبه البارتيون والبرزانيون وأحلافهم الشيوعيون في تلك المجزرة الكارثية الرهيبة التي وقعت في كركوك يوم الرابع عشر من تموز عام 1959 .

وقد وعدت بعض الإخوة بنشر هذه السلسلة بوثائقها وشواهدها ، وذلك لأن بعض الزملاء سامحهم الله - ممن خدعوا بحقيقة السلطات البارتية في شمال العراق - لم يصدقوا أعينهم وهم يطالعون الصورة التي جمعت الملا مصطفى البرزاني بالدكتاتور المقبور صدام حسين ، فسعوا إلى تأويل هذه الصورة حفظا لكرامة البرزاني وهم لا يعرفون حقيقته .

وختاما شكرا لمروركم الكريم وتقبلوا خالص تحياتي

تشرين ربيعة
03-10-2009, 09:07 AM
الحلقة السابعة

وما أن إنتهت زيارة الملا البرزاني إلى كركوك وغادرها إلى بغداد على نحو ما رأينا فى الحلقه السابقه حتى إنهالت البرقيات من البارتيين وحلفائهم الشيوعيين وأكثروا من المراجعات لمديرية الخطط ولمحكمة المهداوى محاولين إيهام السلطات بأن قائد الفرقه الثانيه المرحوم ناظم الطبقجلى كان قد دبر أو سعى لتدبير مؤامره لإغتيال الملا مصطفى البرزاني أثناء زيارته لمدينة كركوك فى الفتره من ٢٦/٢٨ تشرين أول ١٩٥٨ وأن أبطال حزب البارتى والحزب الشيوعى هم الذين حالوا دون تنفيذ المؤامره .

ولم تكن حكومة قاسم التى تستخدم هؤلاء المأفونين لأهداف مصلحيه مؤقته فى صراعها مع القوميين العرب بالبلاهة كي تصدق تخرصات هؤلاء ، إذ كانت تعلم بأن المرحوم ناظم الطبقجلى هو الذى كان قد بعث لمديرية الإستخبارات العسكريه بالإقتراح بضرورة إسكان الملا البرزانى فى نادى الضباط وتحت حماية الجيش ضمانا لسلامته ، وأن ذلك الإقتراح قد جرى الموافقه عليه من قبل الحاكم العسكرى ، كما أن بغداد كانت على علم تام بأن نادي الضباط الذي كان يقيم فيه الملا فى كركوك يقع على مفترق أربعة طرق ومع ذلك فإن المتطرفين البارتيين الأكراد من أتباع الملا إختاروا سلوك الطريق الذي تقع عليه كازينو يلدز التى يرتادها معظم التركمان وعن عمد لأن المقصود هو الإستفزاز وبغير إستفزاز التركمان لن تتحقق الأهداف المرجوه من زيارة الملا لكركوك .

وبينما كان ناظم الطبقجلى منهمكا فى مراقبة تصرفات الملائيين وحلفائهم من الشيوعيين تحسبا لقيامهم بإستخدام العنف ضد التركمان لتصفية مقاومتهم العنيفه ضد محاولات سيطرة الأكراد المتطرفين على لواء كركوك ، وإذ بإثنين من المحامين يراجعان مقر القياده وبفاصل يومين فقط بين مراجعة الأول والثاني ويدعيان بأن أهالى كركوك من التركمان سيقومون بمظاهره مسلحه زعم الأول أن الغرض منها هو إرباك الوضع داخل المدينه ، فى حين قرر الثانى أن المظاهره بقصد القيام بإنقلاب مسلح ، وأنه يشترك مع التركمان فيها بعض الضباط ، وانهالت البرقيات الكاذبه من أتباع الملا على مقر القياده للتحذير من هذا الخطر الكاذب ومنها برقيه من حامية السليمانيه العسكريه جاء نصها كالتالي:

"إستخبرنا من المدعو نورى أحمد طه بأنه فى النيه القيام بمظاهره مسلحه من قبل بعض إهالى كركوك من التركمان غدا أثناء وجود القطعات فى التدريب الصباحى، يقتضى الواجب إخباركم سواء الخبر صحيحا أم لا. (توقيع)".

ولم يكن المرحوم ناظم بحكم وجوده فى خضم الأحداث فى كركوك ومعرفته بمن هو الوطنى ومن المتآمر ليعير هذه التخرصات أدنى إهتمام ، فقد كان على يقين بأن التركمان يسعون بشتى السبل لإبعاد المجزره التى تدبر لهم بمعرفة الملا وأتباعه وحلفائه من الشيوعيين وأن ملاذهم الوحيد هو الدوله وخصوصا الجيش وأن واجبه الإنساني والوطني وبوصفه قائدا للفرقه الثانيه بكركوك يحتم عليه إتخاذ كل مايلزم لحماية أرواح هؤلاء الأبرياء من عدوان وشيك يدبره الملا البرزاني وأتباعه ، ومن ثم بادر إلى كتابة تقريرين بتاريخ ٦ / ١٢/ ١٩٥٨ رفعهما إلى مدير الاستخبارات العسكريه قال فى الأول:

"١ - راجع هذه الدائره كل من المحامي مكرم الطالباني والعقيد المتقاعد محمود طه يوم الخميس ٤ / ١٢/ ١٩٥٨ بدعوة: أن أهالى كركوك (التركمان) سيقومون بمظاهره مسلحه لغرض إرباك الأمن وما شاكل ذلك من الدعايات البعيده عن الواقع. ولقاء هذا فهمنا بأن الأكراد المتطرفين البارتيين وأنصار السلام سيقومون بمظاهره سلميه صباح يوم ٥ / ١٢ / ١٩٥٨ ردا على محاولة أهالى كركوك. إن المحامى مكرم طالبانى ومن لف لفه من جبهة إتحاد كردستان يريدون خلق جو مكهرب لإستفزاز أهالى كركوك الذين يراقبون بالمثل جبهة إتحاد كردستان، التى يعتبرونها معاديه لهم، بسبب عزمها جعل مدينة كركوك بلده كرديه، وخلق الفزع والرعب بين التركمان، كما راجعنا المحامى محمد الحاج عزت حول السماح لجماعه من شباب كركوك بحمل إكليل من الورد ووضعه على قبر المرحوم المقدم هدايت أحمد بغية تكريم الضابط المذكور. هذا الطلب دعا أعضاء جبهة إتحاد كردستان إلى خلق مايشوه طلب جماعة المحامى المذكور. ليس هذا فقط بل أن الخبر بإحتمال وقوع مظاهرات مسلحه من قبل التركمان قد وصل إلى السليمانيه مما يدعو إلى الإعتقاد بأن هناك خطه لهذه الإستفزازات التى تقوم بها جبهة أحزاب كردستان.

٢ - إن محاولة المحامى مكرم الطالباني قد تكررت حول خلق جو متوتر، وقد سبق أن راجع سيادة متصرف كركوك فى الأسابيع الماضيه حول نفس الإدعاءات، بداعى حرصه على الأمن فى الظاهر فى الوقت الذى تؤيد الوقائع أن ليس هناك من يحاول من اهالى كركوك بصوره عامه أيه محاوله للإخلال بالأمن، وكل محاوله يقوم بها المحامى المذكور تجد صداها فى لواءى السليمانيه وأربيل، على أن هذه المحاوله لإشاعة حرب الأعصاب فى هذه المدينه لاتجد لها صدى إلا من قبل المتطرفين ومن دعاة تكريد كركوك بإعتبار أن هذه المحاوله تعتبر هدفا وطنيا تبتغيه جبهة احزاب كردستان المتطرفه.

إننا نراقب هذه المحاولات التى تتزعمها جبهة أحزاب كردستان، كما نراقب الدعايه المقابله والمحاولات المقابله التى يقوم بها بعض المتطرفين الأتراك بداعى حماية أنفسهم

وهذا ماإقتضى بيانه للإطلاع."

(التوقيع - الزعيم الركن - ناظم الطبقجلى)

وفي تقريره الثانى حول مراجعة المحامى عمر مصطفى الشهير بـ (دبابه) كتب ناظم الطبقجلى إلى مدير الإستخبارات العسكريه مايلي:

"١ - راجع هذه القياده بتاريخ ٦/ ١٢/ ١٩٥٨ المحامي عمر مصطفى (دبابه) بدعوى أن أهالى كركوك (الأتراك) سيقومون بمظاهره مسلحه وإشتراك بعض الضباط معهم لغرض الإخلال بالأمن والسكينه والقيام بإنقلاب عسكري وما شاكل من الدعايات البعيده عن الواقع. إن أعضاء جبهة إتحاد كردستان يريدون خلق جو مكهرب لإستفزاز أهالى كركوك وبث الفزع والرعب بينهم مما يدعو إلى الإعتقاد بأن هناك خطه لهذه الإستفزازات والإثارات التى تقوم بها جبهة أحزاب كردستان المتطرفه.

٢ - إن مراجعة المحامي عمر مصطفى إلينا بعد تكرار مراجعة المحامي مكرم الطالباني لسيادة متصرف كركوك فى الأسابيع الماضيه، وهذه القياده بالتاريخ أعلاه حول نفس الإدعاءات بداعى حرصه على الأمن فى الظاهر فى الوقت الذى تؤيد الوقائع أن ليس هناك من يحاول من أهالي كركوك(الأتراك) بصوره عامه الإخلال بالأمن والسكينه، كل ذلك لغرض إشاعة حرب الأعصاب فى هذه المدينه من قبل هذه الفئه.
إن هذه القياده تراقب هذه المحاولات التى تقوم بها جبهة أحزاب كردستان، كما تراقب الدعايات والمحاولات المقابله التى يقوم بها بعض المتطرفين الأتراك بداعي حماية أنفسهم.

هذا ما إقتضى بيانه للإطلاع."

(الزعيم الركن - ناظم الطبقجلي - قائد الفرقه الثانيه)

إنتهى كلام الطبقجلى ولكن المؤامرات لم تنتهي

وللحديث بقيه

(وردت هذه الوثائق فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - للعميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين الصحيفه ٢٥، ٣٠، ٣١، ٣٢، ٣٣، ٣٤ - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 09:19 AM
الحلقة الثامنة

رأينا من خلال الوثائق السابقه كيف إستمر البارتيون من أتباع الملا البرزانى فى إشعال نار الفتن فى كركوك ، وأنهم كلما أشعلوا فتنه ودبروا مكيده كان الطبقجلى لهم بالمرصاد ، ورأينا كيف راجع المحاميان الكرديان مكرم الطالبانى وعمر مصطفى الشهير بـ (دبابه) مقر قيادة الفرقه الثانيه بهدف إثارة المخاوف من قيام التركمان بإنتفاضه مسلحه بمعونة بعض الضباط بهدف إحداث قلاقل داخل مدينة كركوك والإنقلاب على نظام الحكم ، وكيف أن ناظم الطبقجلى أعد تقريرين بمناسبة مراجعة هذين المحاميين لمقر القياده سخر فيهما من أسلوبهما الرخيص فى الدس والوقيعة ، ولكونه أدرى الناس بالتركمان ونهجهم داخل المدينه ورغبتهم فى التعايش السلمى وإحتمائهم دائما بسلطان الدوله لدفع غوغائية وهمجية أتباع البرزانى ، فقد ملأه الإحساس بأن هناك أمورا خطيره يجرى تدبيرها وأن مذبحة رهيبه لابد وأن تقع على التركمان العزل .

ويبدو أن عصبة المتآمرين من أتباع البرزانى كانوا قد عزموا على تجريد التركمان من كل مقاومة وكانوا يرومون التأكد من خلو دور التركمان من اى أسلحه قد تستخدم فى مقاومة القائمين بالمجزره، وحتى يمكنهم مواجهة التركمان وهم فى وضع أعزل، وقد إستغل أتباع البرزانى وجود ناظم الطبقجلى فى بغداد فى مهمة رسميه وقاموا بإرسال وفد من قبلهم لمقابلة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم وعن ذلك اللقاء يقول وزير الداخلية آنذاك الزعيم الركن أحمد محمد يحيى:

"بينما كنت فى مقر القياده العامة فى وزارة الدفاع إذ بجماعة قادمة من كركوك بقيادة مفوض شرطة الغابات (مأمور مركز الغابات) وقد إرتدى ملابس أهل الشمال (الزى التقليدى الكردى)، وما أن دخل مقر الوزاره، إلا ووجه كلامه إلى الزعيم عبد الكريم قاسم قائلا أن هناك أسلحه تتكدس فى بيوت العوائل التركمانيه فى كركوك وفى دار العقيد شليمون معاون مدير العينه أنه لازال فى الخدمه مما يهدد سلامة الجمهوريه بالخطر.

وما أن سمع عبد الكريم قاسم هذه الأقوال إلا ودعا مدير الخطط العسكريه العقيد الركن طه الشيخ أحمد ونقل إليه ماقاله مفوض الشرطه. وفى الحال اقترح العقيد طه إرسال هيئة تحقيق بالطائره إلى كركوك لتقوم بكبس الدور وتفتيشها. وعندئذ تدخلت (والكلام لوزير الداخليه) وقلت: إذا وما هو واجب المتصرف فى كركوك بل ماهو واجب قائد الفرقه، ولماذا تقوم اللجنه بتفتيش هذا العدد الكبير الذى تقترحه ولماذا لايقتصر على ثلاثة فقط؟ وفعلا تم إنتخاب ثلاثه أشخاص لتفتيشهم"

(إنتهت رواية وزير الداخلية)

وكان الأشخاص الثلاثه الذين تم إختيارهم ليقع عليهم التفتيش هم إبراهيم النفطجى والمقدم عطا خيرالله والعقيد شليمون خوشابا معاون مدير العينه، والأخير ليس تركمانيا وإنما من القوميه الآشورية وقد تعددت الأقاويل فى سبب إقحام أتباع البرزانى لإسم العقيد شليمون فى موضوع الأسلحه المخبأه فى دور التركمان: هناك رأى يرى أن الهدف من ذلك هو الربط بين التركمان وشركة النفط الإنجليزيه ، فى حين أن رأيا آخر يرى بأن هناك ثأرا قديما بين الملا مصطفى البرزانى والعقيد المومأ اليه كونه سبق وأن أبلى بلاء حسنا فى قتال الملا البرزانى فى تمرده سنة ١٩٤٥ وحصل بمناسبة ذلك على نوط الشجاعه .

وأيا كان الداعى فالمهم أن فريق التفتيش قد إنتقل من بغداد إلى كركوك بالطائره لتحقيق عنصر المباغته ولنترك الحديث لناظم الطبقجلى ليروى لنا تفاصيل ماحدث:

"كانت القضية محبوكة بدقة وكانت مكيدة وكادت أن تتطور إلى حاله تنذر بالخطر وإلى مجزرة لولا يقظة الفرقة.

روى لي سيادة وزير الداخليه الزعيم الركن أحمد محمد يحيى قصة مستودعات الأسلحه كما يلي أنقلها بالحرف الواحد: فى عصر يوم الجمعه الموافق ٢٦ / ١٢ دخل غرفة رئيس الوزراء مدير الخطط العسكريه ومعه وفد من كركوك برئاسة مأمور مركز الغابات المفوض صديق أحمد وكان الغرض من مجيئهم عرض موضوع خطير يهم السلامه العامه حسب رأى الوفد طبعا وقد رووا بأنه قد تأكد لديهم أن التركمان أخذوا يتسلحون وأن هناك مخازن أسلحه وعتاد وعندهم قائمه بأسماء ٢٧ دارا من التركمان وقد سموا ثلاثة قرى خزنت فيها الأسلحه والمعدات وقد أثارت أقوال الوفد سيادة رئيس الوزراء فوجه كلامه لسيادة وزير الداخليه كيف يحدث كل هذا فى كركوك.

فاستدرك وزير الداخليه الموقف وأبدى لسيادة رئيس الوزراء بأن له رايا فى الموضوع بعد مغادرة الوفد وحين ترك الوفد أوضح سيادة وزير الداخليه لسيادة رئيس الوزراء بأن المخربين يغالون فى روايتهم وأنهم أكثر سلاحا وأكثر عده من غيرهم ، وتفاديا مما سيترتب من أمور مربكه إقترح أن تعين ثلاثة أسماء من القائمه تفتش بيوتهم على غره وحصر الموضوع بأضيق نطاق وجاءت الهيئه بالطائره فكان ماكان مما سردته أعلاه. كادت تكون هذه فتنه تقود إلى مجزره ولكن تمكنت من إحباطها."

وعن البيوت التى فتشت ومستودعات الأسلحه التى ضبطت قال الطبقجلى:

"وكانت الأسلحه التى عثرت عليها هى كما يلي:
دار النفطجي:
عدد ١٣ سكينة مطبخ ثمانيه مستهلكه بدون قبضـــة.
عدد ١ مسدس مجازة
عدد١ بندقية صيد مجازة
عدد ٥٠٠ طلقة برنو فاسدة

دار العقيد شليمون نهبت الدار وموجود الأسلحه هى:
العدد ١ سيف ضباطي ممنوح للمومأ إليه لخدماته الحسنة فى الجيش
العدد١ قاذفة دخان وبعض قنابل الدخان المسيله للدموع حصل عليها الموما فى معارك فلسطين واحتفظ بها كذكرى كما وضع القاذفه وبعض قنابل الدخان فى غرفة الزوار للزينه وعدد من فوارغ القنابل صبغت بالألوان المختلفه وضعت أيضا فى غرفة الزوار للزينه.

دار المرحوم الرئيس الأول المتقاعد عطا خير الله:
عدد ١ مسدس مجاز بإسم المرحوم عطا خير الله.
عدد ١ مسدس مجاز بإسم أخيه المرحوم المقدم الطبيب إحسان خير الله.
جلبت هذه الأسلحه إلى مديرية الخطط وشاهدتها بنفسى فقلت لمديرها هل تستحق هذه الأسلحه كل هذا الإهتمام ومعظمها شخصيه وأكثرها مجاز.

واستنتجت أن ولابد من وجود أيدى خفيه تعمل على تعكير سلامة الأمن فى كركوك خاصة."

وهكذا أسهم البارتيون بزعامة الملا البرزانى فى الكشف عن مخازن الأسلحه التى خبأها التركمان!!! ، وكانت محصلة الحمله التفتيشيه أن لايوجد بدور التركمان ثمة أسلحه يمكن بها وقاية أنفسهم وأموالهم من شر أولئك الذين يضمرون لهم الشر ويدبرون لهم المكيده تلو الأخرى .

لكن ترى هل سيكف الملا البرزانى عن تدبير المكائد للتركمان؟؟؟ لو تحقق ذلك لما وقعت مجزرة كركوك الرهيبه.

وللحديث بقيه

(وردت الوثائق أعلاه فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم ٥٣، ٥٤، ١٦٩ /١٧٣ - دار الحريه للطباعه - بغداد)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 11:39 AM
الحلقة التاسعة

راينا فى الحلقه السابقه كيف إستطاع الملائيون من اتباع الملا مصطفى البرزاني إيهام الحكومه فى بغداد بوجود مخازن للأسلحه والذخائر فى بيوت التركمان، وكيف أن الحكومه دبرت على عجل فريقا من المفتشين غادر بغداد إلى كركوك بالطائره ودون إعلام السلطات المحليه هناك لضمان سرية العمليه وتحقيق عنصر المباغته، وقد جاءت نتيجة المداهمه مخيبه للآمال إذ بمداهمة الدور المنتقاه لم تعثر فرق التفتيش على ثمة أسلحه ممنوعه، الأمر الذى وقع كالصاعقه على الملائيين وحلفائهم الشيوعيين، وأخذ مسئولي الدوله يشعرون بقدر الجرم الذى إرتكبوه بحق التركمان بإنسياقهم وراء المغرضين من أتباع الملا مصطفى البرزاني وأخذوا فى إلقاء اللائمه على بعضهم البعض .

ولم يجد عبد الكريم قاسم بدا من إسترضاء أصحاب الدور المقتحمه وهم من علية القوم ووجهاء المجتمع فى كركوك، وأحس ناظم الطبقجلى بالألم الشديد لأن بغداد لا تستمع لتحذيراته ومقترحاته بإنسياقها خلف هؤلاء الموتورين الكارهين للعراق وشعبه وتعمق لديه الإحساس بأن جريمة كبرى لابد واقعه بحق التركمان المسالمين وأن واجبه الوطنى والإنساني يحتم عليه الحؤول دون ذلك، ولم يكن ناظم الطبقجلي وحده الذى أحس بخطر الملائيين والشيوعيين على أمن كركوك بل شاركه فى ذلك مدير أمن منطقة كركوك حسن عبد علي ومعاون الشرطه إلياس عباس سبع اللذان هالهما قدر مايتمتع به الملائيين من إجرام ولصوصية .

فعلى الرغم من أن مأمورية التفتيش لدور التركمان كانت محاطه بقدر كبير من السريه والتكتم إلا أنهم فوجئوا بالملائيين يسبقونهم إلى الدور الخاضعه للتفتيش مما يؤكد أن الأمر كان مدبرا سلفا، وقد قام الملائيون ومعهم العناصر الفوضويه بنهب وسرقة بيوت التركمان وتحطيم مابها من أثاث بصوره وحشيه كما قاموا بالإعتداء على النساء والأطفال الأمر الذى دفعهم للهرب على أسطح المنازل وعن ذلك يقول مدير أمن كركوك حسن عبد على فى كتابه لمتصرف كركوك والرقم ٩٩١٨ عن تلك التصرفات اللامسئوله:

"على إثر التحري فى دور كل من العقيد شليمون خوشابه وإبراهيم نفطجي والضابط المتقاعد عطا خيرالله. أخذ الأكثريه من شيوعي كركوك يطلقون على انفسهم المقاومه الشعبيه ويعقدون إجتماعاتهم وتكتلاتهم فى مكتبة الثقافه الوطنيه لصاحبها فكرت عمر الكائنه فى شارع الأوقاف ويتلقون الأوامر والتعليمات فيها ثم يتوزعون على مفارق الطرق الرئيسيه والشوارع العامه لتفتيش السيارات والأهلين معا وتعدى ذلك إلى تفتيش ضباط فى الجيش وهم بملابسهم الرسميه ، ولم يكتفوا بهذا بل أخذوا يطوقون بعض الدور بحجة الإشتباه بوجود السلاح فيها وغيرها من الإدعاءات الأخرى وتبين لنا ان أكثر هؤلاء من جماعة الأكراد المناوئين للأتراك العراقيين فى كركوك .

إن الحاله قد تردت من سوء تصرفات هذه الجماعه، وأن بقاءهم بالشكل المذكور واستمرارهم بالضغط على حريات الناس أمر غير مرغوب فيه وينافي مانصت عليه القوانين المرعية الشأن وأن ذلك يؤدى حتما إلى عواقب وخيمه جدا فى المستقبل ولا يستبعد إحتمال وقوع إشتباكات دائميه بين الطرفين لذلك وحفظا على أرواح أبناء الوطن ولصيانة الأمن ومبادىء جمهوريتنا، يرجى مفاتحة المراجع المختصه بالأمر، والضرب على أيدى العابثين فى الأمن وسلامة الدوله وغلق المكتبه المذكوره أعلاه والتي أصبحت مركزا وبؤره لإجتماع هؤلاء قبل أن تتدهور الحاله فى هذه المدينه وفى مثل هذه الظروف الحساسه."

(التوقيع: حسن عبد علي - مدير أمن كركوك)

أما معاون الشرطه إلياس عباس سبع فقد كتب لمدير شرطة اللواء الكتاب الرقيم ٦٨ فى ٢ /١ /١٩٥٩ والكتاب الرقيم ١ إلى قيادة الفرقه وجاء فيهما حرفيا:

"وبعد التحري فى هذه الدار (يقصد دار العقيد شليمون خوشابه) إنتقلت الهيئه المشار إليها أعلاه إلى دار إبراهيم نفطجي وحيث يظهر من إفادة المشتكي إبراهيم نفطجي أنه بينما كان في داره إذ شاهد دخول بعض الأهلين إلى داره قسم منهم من الباب والآخرين من سياج الحديقه وبينما كان منشغلا مع هؤلاء لمعرفة سبب هجومهم ودخولهم الدار إذ أتت بعد مضي بضعة دقائق هيئه التحري المكونه من الملازمين الأولين ثامر نور الدين وأحمد محسن ومعهم مأمور مركز الغابات السيد صديق أحمد (كردى متزعم المؤامره) والمعاون السيد محمد رشاد ومن معهم من الجنود والشرطه وقاموا بالتحرى وعند إعتراض صاحب الدار (المشتكي) إبراهيم نفطجي عن وجود الأهلين وعدم رضائه بالوضع الجاري فى داره، فقد أمر أحد الضابطين بأخذه تحت الخفاره بناء على تحريض المفوض صديق أحمد .

وحيث ظهر من نتيجة التحقيقات على أن الأهلين كانو قد حضروا فى داري العقيد شليمون وإبراهيم النفطجي قبل قيام هيئة التحري فى أعمالها وحيث يستدل من بعض الإفادات على أن مأمور مركز الغابات المفوض صديق أحمد هو الذي أخبر الأهلين وطلب اليهم الحضور فى المحلين المذكورين، بدليل أنه حضر فى مقر القياده فى بادىء الأمر ومعه عدد من الأهلين قبل خروج الهيئه المذكوره من مقر الفرقه والمبادره بعملها مما حدى بالأهلين إلى معرفة أسماء أصحاب الدور الذين أجرى التحرى بدورهم قبل معرفة المسئولين فى هذا اللواء وخاصه الشرطه حيث لوحظ من قبل بعض الشهود والمعاون الموفد لإرشاد الهيئه المشار إليها أعلاه من أن الأهلين كانوا يتنقلون من مكان لآخر فى السيارات العائده إلى كل من نوزاد الشيخ عبدالله والمقاول عبدالله علي ورشيد الحاج محيي الدين الصالحي والشيخ رشيد البرزنجي صاحب فندق الرافدين والمفوض المفصول نوري السيد ولي حتى انهم وجدوا البعض من الأهلين كانوا داخلين الدارين المذكورتين والاخرين قائمون بتطويقها قبل حضور الهيئه وعلى ما يظهر من سير التحقيق أن أعضاء الهيئه التفتيشيه كانوا تحت إرشاد المفوض صديق أحمد الذي كان يتشاور معهم بين حين وآخر رغم طلب المعاون الموجود معهم إتباع الطرق الأصوليه لتفتيش الدور وفق القوانين المرعيه وحفظ الأمن والنظام .

وحيث أن المسبب لهذه الإستفزازات التي حدثت فى كركوك كلها كانت نتيجة سوء تصرف المفوض صديق الذى لا تعلم عنه شرطة هذا اللواء أو القياده عن سبب حضوره لدى هيئة التفتيش مستصحبا معه الأهليين فى الوقت الذى لم يكن من واجبه أو إختصاصه التدخل فى أمور كهذا لكونه مستخدما فى شرطة الغابات التى لاعلاقه لها بالمسائل التحقيقيه عن الجرائم وحيث أن المشتكي إبراهيم النفطجى قد بين أنه قد سرق من داره مبلغا قدره سبعمائة دينار مع مقدار من المخشلات الذهبيه وأوان فضيه قيمتها بثلاثمائة دينار من قبل الإشخاص الأهلين الذين سبقوا هيئة التحرى بالدخول إلى الدار واشتركوا بالتفتيش ظاهرا وهم المرفقه أسماءهم فى القائمه المرفقه طيه، وبالإضافه إلى ماتقدم فإنهم سببوا أضرارا تقدر بستين دينارا فى أثاث الدار ومرفقاته فإننا سوف نحيل الأوراق التحقيقيه إلى حاكم تحقيق كركوك للتصرف والبت فيها ، أما بصدد الداخلين فى بيت العقيد شليمون فإننا ننتظر مجيئه .

وفى حالة تقديمه الشكوى بأضرار أو ماسرقت من داره فسنقوم بالتحقيق عما حدث بصوره تفصيليه ونعلمكم النتيجه."

(توقيع: المعاون إلياس عباس سبع - عن هيئة التحقيق)

وهكذا كشفت تلك الأحداث المؤسفه عن مدى تحكم أتباع الملا البرزاني فى مصائر الناس، وكيف أن سلطة الغوغاء من أتباعه فاقت سلطة الحكام والمتصرفين ورجال الأمن حتى أن مجموعه من الرعاع واللصوص يقودهم مأمور قسم الغابات الكردى صديق أحمد الغير مختص أصلا بتفتيش المساكن أو بأعمال التحقيق كانوا على علم بالدور والأشخاص المطلوب تفتيشهم بأمر الحاكم العسكرى فى حين أن مديرأمن لواء كركوك والمتصرف ومساعد قائد الفرقه وغيرهم من مسئولى الدوله لم يكن لديهم هذا العلم .

ورأينا كيف قام هؤلاء اللصوص بنهب محتويات الدور وسرقة مابها من نقود ومشغولات ذهبيه وهو الأمر الذي أثار إستياء كافة المسئولين بما فيهم المسئولين الأمنيين، وفور عودة ناظم الطبقجلى من بغداد حضر إلى مقر قيادته وفد من التركمان وإشتكوا إليه مر الشكوى من إهدار كرامتهم الإنسانيه ومن تعرضهم للسرقه والنهب من قبل الشيوعيين والملائيين، وقد عبر ناظم الطبقجلى عن الحاله التى وصلت إليها كركوك بفعل مؤامرات أتباع البرزاني بقوله:

"إن العناصر التي عملت على الإثاره قد جاء ذكرهم وهم من المدنيين فى كتاب مديرية شرطة لواء كركوك المرقم ١ فى ٢ / ١/ ١٩٥٩ وقد ظهر أن هناك عملا مبيتا بين العناصر الفوضويه من مدنيين وعسكريين لغرض القيام بعمل ما وقد أوضحناه بكتابنا المشار إليه أعلاه حول هذه الظاهره الخطره وتبين مؤخرا أن نفس هذه العناصر التى وردت فى كتاب الفرقه ومديرية شرطة لواء كركوك قد إشتركت فى مجزرة كركوك الأخيرة"

ورغم كل هذه الأهوال التي حلت بالتركمان فى كركوك وما تعرضوا له من مظالم على يد الملا البرزانى واعوانه، ومحاولة بعض المسئولين من ذوى الضمائر الحيه وقف تلك المؤامرات التى يتعرض لها شعب أعزل ومسالم إلا أن التآمر على التركمان لم يتوقف بل زادت حدته. . . .

وللحديث بقية

(وردت وثائق هذه الحلقه فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف في الموصل (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم ٥٦، ٥٧، ٥٨، ٥٩، ٦٠، ١٧١ - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 11:54 AM
الحلقة العاشرة

رأينا فى الحلقه السابقه كيف أغرق البارتيون من اتباع الملا البلاد فى الفوضى بفعل الدسائس والمؤمرات التى إعتادوا على تدبيرها ضد التركمان، وأنه ماتهدأ فتنه إلا وأشعلوا غيرها حتى أن البلاد قد تفرغت تماما لمؤامرات الملا التى لاتنتهي، وكيف سخر الملا علاقاته المتينه بدوائر الحكم فى بغداد من أجل النيل من خصومه السياسيين و القوميين و القبائل الكرديه المناوئه له، واستطاع خلال فتره وجيزه من عمر الثوره أن يجند له عددا كبيرا من الأتباع فى الإداره والجيش والقضاء وراح يستخدم كل هؤلاء فى التنكيل بكل من لايطيع أوامره أو لا يخضع لرغباته ، وقد أحس الشرفاء فى أجهزة الدوله المختلفه بالضيق من تصرفات الملا وأتباعه التى تخطت كل الحدود.

ورأينا من أقوال رجال الشرطه والجيش فى كركوك كيف أن مجموعه من الرعاع والغوغاء من أتباع الملا البرزاني كانوا على علم بالدور والأشخاص المراد تفتيشهم قبل أن يعلم بذلك مسئولي الأمن والجيش فى المدينه، وكيف أنهم سبقوا تلك الجهات المسئوله إلى تلك الدور وعاثوا فيها فسادا ونهبا وسرقه مستندين إلى حماية الملا البرزاني لهم، ووصل الأمر بالملا وأتباعه إلى حد السيطره على المحاكم و القضاء إذ كان صغار الحكام (القضاه) فى كركوك يخضعون لإمرة الشيوعي الكردي عوني يوسف رئيس محكمة كركوك والعضو السابق والمؤسس فى الحزب الديموقراطي الكردستاني والمتحالف مع الملا مصطفى البرزاني، ومن ثم فقد إطمئن الملائيون وحلفاؤهم بأنهم لن يلحقهم أي أذى مهما إرتكبوا من جرائم، وقد شجعهم ذلك على التمادي فى أساليبهم الهمجيه تجاه التركمان وغير التركمان من مواطني كركوك.

وسارت سياسة الدوله على أن تغض الطرف عن الجرائم البشعه التى يرتكبها هؤلاء فى حق التركمان حتى أن الحاكم العسكري العام أطلق سراح اللصوص الإثنين والأربعين من أتباع الملا البرزاني الذين نهبوا دور المتحرى عنهم إبراهيم النفطجي وعطا خيرالله وشليمون خوشابه واعتبر رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم أن ما إرتكبوه من جرائم كان من باب الإخلاص للزعيم والجمهوريه وأنه فى سبيل هذه المرامي الساميه تهون الحرمات والأموال !!!

وقد أحكم الفوضويون من أتباع الملا سيطرتهم على الأمور السياسيه والمدنيه فى كركوك وكرس هؤلاء كل مالديهم من سلطات للتنكيل بالتركمان وأصبحت تهمة الطورانيه والعماله تلصق بكل تركماني، وبدا واضحا أن الأمور تسير نحو تصفية الحسابات مع التركمان فى موعد مرسوم ومحدد بدقه، وصارت المجموعات الفوضويه تتجول فى الشوارع حاملين فى أيديهم الحبال وملوحين بها لتجمعات التركمان بصوره إستفزازيه هاتفين "ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده" وكأنهم يرومون جرهم للعراك ، وكان عقلاء التركمان وكبار السن يحولون دون إستجابة الشباب التركماني للإستفزازات لإدراكهم بأن الأكراد المتعصبين يودون جرهم لمعركه غير متكافئة لكون التركمان مجردين من كل سلاح.

وقد إستمرت المناوشات والإشتباكات بين الأكراد والتركمان منذ حادثة تفتيش دور التركمان وسرقة محتوياتها فى ٢٦ كانون الأول / ديسمبر ١٩٥٨ إلى أن بلغت أوجها فى ١٣ كانون الثاني / يناير١٩٥٩ عندما قامت مجموعات من المقاومه الشعبيه والجنود معظمهم من الأكراد بمهاجمة مقهى ١٤ تموز الواقع إلى جانب سينما الحمراء والذى يرتاده التركمان وقد أسفر الحادث عن وقوع العديد من الجرحى من الطرفين قبل أن يتم إحتوائه بجهود الزعيم الركن ناظم الطبقجلي وتطبيقه لخطة الأمن فى كركوك وإجتماعه بلجنة التضامن الوطني وإصدار اللجنه لبيان تحث فيه جميع الأطراف على التزام الهدوء.

لقد كان ناظم الطبقجلي الذي يمثل الوطنيه العراقيه الحقه بما تحمله من صفات المروءه والشهامه والنجده يشعر بالألم وهو يرى بعينيه غطرسة الملائيين وتجبرهم على الناس، وكم من مرة تمكن الطبقجلي من إخماد الفتن التى سعى هؤلاء لإشعالها. . . . ندعه يقص لنا إحدى جرائم هؤلاء:

"كادت تكون هذه فتنه تقود إلى مجزره ولكن تمكنت من إحباطها، ومن الغريب أن بعض الفوضويين قد حاصروا دار مدير الأوقاف الذى كان ضمن القائمه (يقصد قائمة التركمان المدرجه أسماؤهم فى مكيدة الأسلحه المزعومه) ولم يعلموا أن التفتيش إقتصر على ثلاثة دور فاستنجد المذكور بالفرقه وخلصته من المقاومه الشعبيه التى كادت أن تفتك به وبعائلته وهذه هى ثاني محاوله تحول الفرقه دون وقوع مجزره بسببها، ولكن الغريب هو ظاهرة تدخل عناصر من الضباط إلى جانب الفوضويين لقد جرى التحقيق وعينت اسماء الجماعات التى تدخلت فى القضيه وأرسلت إضبارة التحقيق إلى سيادة الحاكم العسكري العام وقد تأيد إشتراك معظم هؤلاء الضباط والمدنيين فى مجزرة كركوك الأخيره."

وهكذا تسبب الملائيون من أتباع الملا فى فوضى عارمه فى كركوك وصار لايعرف من هو المتصرف ومن هو الحاكم ومن هو المسئول ومن هو المواطن، فقد إختلطت الأمور، وما على الشخص أيا كان مؤهله التعليمى أو وضعه الاجتماعي كي يصير مسئولا وحاكما يأتمر الناس بأوامره إلا أن ينضم لحزب الملا البرزاني أو أى خليه شيوعيه، وقتها يصير من حقه أن يقتل ويسحل ويدمر ويحرق دون حسيب أو رقيب، فالمؤهل الوحيد فى ذاك الزمان هوالإعلان عن الولاء للبارتيين ولزعيمهم الملا البرزاني ، ولندع اللواء الركن صلاح عبد القادر ضابط إستخبارات الفرقه الثانيه فى كركوك وهو كردي وطني محب لتراب بلاده يحكى لنا جانبا مما كان يحدث:

"على ما أتذكر فى اليوم الثاني لثورة الموصل علمت من خلال آمر سرية إنضباط الفرقه بأن عناصر شيوعيه وبارتيه قد سيطرت على نقاط السيطره فى مداخل مدينة كركوك وبدأت تتعرض وتعتدي وتهين المواطنين وخاصة الضباط منهم ممن يدخلون مدينة كركوك وخاصة نقطة سيطرة مدخل كركوك من إتجاه إربيل فكلفت مفرزه قويه من الإنضباط العسكري بمهمة إلقاء القبض على هؤلاء بعد أن تبين بأنهم قد أهانوا واستفزوا عددا من كبار الضباط الذين كانوا فى طريقهم من إربيل إلى كركوك يستقلون سياره مدنيه.

وفعلا تم جلبهم إلى مقر الفرقه ومجموعهم أربعة أشخاص (فراش، حارس أهلي، عامل مضخة وقود، كناس بلديه) وطلب السيد القائد (الزعيم الركن ناظم الطبقجلي) حضورهم لمقابلته كل على إنفراد حيث سأل سيادته كل واحد منهم عن أسباب قيامه بهذه الأعمال غير المشروعه وغير القانونيه وكانت إجاباتهم متفق عليها وموحده وهي (أننا حراس الجمهوريه، لنا مطلق الحق فى تفتيش أى كان بامر من مراجعنا) ، وحين مناقشة أحدهم من قبل السيد القائد والسؤال منه (هل يجوز لك أن تفتش ضابطا كبيرا بهذه الرتبه وهو برتبة عقيد، وهل يجوز لك أن تأخذ السلطه من الإنضباط العسكري وتخول نفسك بهذا العمل الإجرامي اللاقانوني) فأجاب (نعم) فانهال عليه السيد القائد ضربا ولكما وأرداه ارضا من شدة تأثره من هذا الموقف الذي لاينسجم مع كل القوانين والأعراف والخلق .

فتدخلت في الموضوع وسحبته من غرفة السيد القائد إلى خارجها فقرر السيد القائد إحالتهم إلى حاكم تحقيق كركوك لإتخاذ الإجراءات القانونيه بحقهم، إلا أن هذا الحاكم أطلق سراحهم فيما بعد لأنه كان ينتمي إلى ذات المجموعه، وهكذا تكررت مثل هذه الحوادث المؤسفه وتردى الوضع وديس القانون"

وهكذا أسهم الملائيون فى نشر الفوضى فى كركوك وأصبح الفراش أو عامل المضخه أوالحارس الأهلي أوكناس البلديه من حقه توقيف الضباط والإعتداء عليهم مهما كانت رتبهم العسكريه وصار التركمان فى كركوك فى خوف ووجل شديدين من تلك التصرفات الإجراميه التي دأب أتباع الملا على إرتكابها، وصارت التهم جاهزه، وأصبح مألوفا أن تسمع: "إسحل. . إسحل. . ماكو مؤامره تصيغ والحبيل موجودي. . وهذا مصير الخونه" وغيرها مما تجود به الأيادي والألسن الخيره لأتباع الملا

وللحديث بقيه

(وردت هذه الوثائق والشهادات فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل ٣ - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين الصحيفه رقم ١٧٢، ٢٤٠ - دار الحريه للطباعه بغداد ١٩٨٨م)

بنت الهدى/النجف
03-10-2009, 02:57 PM
وقد وعدت بعض الإخوة بنشر هذه السلسلة بوثائقها وشواهدها ، وذلك لأن بعض الزملاء سامحهم الله - ممن خدعوا بحقيقة السلطات البارتية في شمال العراق - لم يصدقوا أعينهم وهم يطالعون الصورة التي جمعت الملا مصطفى البرزاني بالدكتاتور المقبور صدام حسين ، فسعوا إلى تأويل هذه الصورة حفظا لكرامة البرزاني وهم لا يعرفون حقيقته .

[/center]

لا تنبزنا بكلامك ، ومعلوماتنا استقيناها من التأريخ الشيعي وهو تأريخ واضح لا لبس فيه.
وكان الاحرى بك ان ترد عليها لا ان تنزل لنا موضوع يعتمد على التأويلات .
علما انك تلاعبت ببعض فقرات الحديث وهو يخلتف عن الاصلي ، وهذه عادة اتصفت بها وقد فضحك الاخ ابو فاطمة النعيمي ؟
لي عودة مع موضوعك هذا ان شاء الله ، لانه لدي عمل الان .
انتظرني .

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:20 PM
...........

على قدر الألم يأتي الصراخ

هل لديك أدلة تدحضين بها تلك الأدلة الدامغة لجرائم البرزاني الأب؟

أم ستواصلين الصراخ والعناد؟

هل تاريخك شيعي أم شيوعي يا بنت الهدى؟

قولي خيرا أو اصمتي وكفاكي معاندة

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:26 PM
الحلقة الحادية عشرة

رأينا فى الحلقه السابقه كيف إستطاع الملائيون نشر الفوضى فى كركوك، وكيف صار الرعاع والغوغاء يستوقفون كبار الضباط على قارعة الطريق ويقومون بالإعتداء عليهم مستندين على حماية الملا واعوانه من القضاه والحكام، وبدا واضحا ان الملائيين يرغبون فى نشر الفوضى فى البلاد بإعتبار أن الفوضى هى أقصر السبل لتحقيق أهدافهم فى الإنفصال، وأن عراق مستقر يسوده العدل وحكم القانون سيحول دون تحقيق أهدافهم ومراميهم الإنفصاليه، ومن ثم بذلوا قصارى الجهد من أجل شيوع الفوضى، فراحوا يبثون الرعب والإرهاب فى نفوس التركمان بهدف دفعهم للرحيل عن كركوك، وراح الأكراد المتعصبون من أتباع الملا ومن خلفهم الشيوعيين والعناصر الفوضويه يثيرون المضايقات للطلاب و التلاميذ التركمان فى المدارس ويسعون لنشر الفتن وغرس بذور الأحقاد بين القوميات.

ولعل من أشهر الحوادث التى شغلت الرأى العام فى كركوك قبيل المجزره الحوادث التي جرت فى دار المعلمات الإبتدائيه والتى دبرها الملا مصطفى البرزانى وأعوانه من الشيوعيين وكانت بطلتها السيده لبيبه أحمد الريس مديرة دار المعلمات وهي سيده شيوعيه تدين بالولاء للحزب الشيوعى وتتعاطف مع البارتى الذى يترأسه الملا البرزاني، ولنقرأ ما قاله الزعيم الركن ناظم الطبقجلي أمام محكمة فاضل المهداوي عن بعض تصرفات تلك المديره التى حولت دار المعلمات إلى ساحه للتناحر القومي وتصفية الحسابات مع الطالبات التركمانيات. . . . يقول الطبقجلي:

"تلقيت مكالمه تليفونيه فى دارى من الدكتور حلمي سماره أمسية يوم خميس من كانون ثاني يرجوني فيها الموما إليه وبناء على طلب الشاهده (لبيبه أحمد الريس) زيارتي فى دارى مع زوجته لعرض طلب السيده المومأ إليها، فرحبت بهم، إستقبلنا الضيوف أنا وزوجتي، وافتتح الحديث بما يلي: قالت الشاهده وهي مديرة دار المعلمات الإبتدائيه فى بناية ثانوية المصلى، بأن المدرسه أقامت حفلة سمر بمناسبة ١٤ تموز، وجرى الترتيب لتسجيل الخطب والقصائد والأغاني، والتى تلقى فى هذه المناسبه بقصد إرسالها إلى دار الإذاعه العراقيه لإذاعتها فى منهاج الإذاعه الأسبوعي (قسم الفعاليات) وجاءت تشكو إحدى التلميذات التركمانيات التى لاحظت عليها (أي المديره) أن هذه التلميذه التركمانيه كانت حركاتها مريبه حول المذياع، وكانت الهتافات تسجل وهي تشيد بحياة ووحدة الشعب العراقي بكرده وعربه. فانبرت التلميذه المذكوره حسب إدعاء المديره وهتفت بحياة الجمهوريه التركيه العربيه الكرديه أو فى هذا المعنى وتريد منى المديره أن أتخذ الإجراءات ضد هذه التلميذه التى خالفت وارتكبت جريمه نكراء بهتافها هذا.

فأجبت السيده لبيبه قائلا. . هل أستطيع أن أستمع إلى التسجيل حتى يتبين نوع الهتاف؟ فأجابت: إننا محوناه على أساس الإستعجال فى إرسال الشريط إلى دار الإذاعه. فقلت لها: كيف تدان التلميذه وليس لها جرم مشهود؟، غير أنى اقترح عليك إن وجد الشهود أن تعاقبيها بصلاحية مجلس المدرسات. وخلال حديثى مع الشاهده طلبت إلى زوجتى أن تخابر عائلة التلميذه ليأتوا إلى دارنا، فحضرت وحضر أهلها وأجلسناهم فى غرفه أخرى بغية التحقيق مع هذه التلميذه وواصلت الإستماع إلى الشاهده (لبيبه الريس)، ورأيت انها ترغب بعقوبه أشد، فقلت لها ولماذا لاتراجعى مدير المعارف إذا كانت صلاحية مجلس المدرسات هى دون ماترضينه من عقوبه بحق هذه التلميذه. فرأيت منها أنها مازالت تريدني أن أقوم بعمل ضد هذه التلميذه أشد من صلاحية مجلس المدرسات ومدير المعارف بهذا إستدركت الموضوع وقلت لها لابأس مما تطلبيه تريثى قليلا فإننى سأعرض على مدير معارف اللواء وسيادة المتصرف لإتخاذ الإجراءات الرادعه"

ويستمر المرحوم ناظم الطبقجلي قائلا:

"إنتهت المواجهه على أساس عرض شكوى المديره على سيادة المتصرف ومدير المعارف بوصفهما المرجع الذى يمكنه النظر فى طلبها وانتهت الزياره وودعتهم أنا وزوجتي حتى باب الدار مكرمين.

عدنا إلى التلميذه وعائلتها إذ كانت قد إصطحبت سيدتين كانتا مرتديتين اللباس المخصص الى سيدات الهلال الأحمر فرحبت بهن وسألت التلميذه عن موضوع شكوى المديره بسبب هتافها فأجابتني:

(نحن التركمان ياسيدي غرباء في وطننا) وأجهشت بالبكاء فهدأتها وقلت لها اجيبي على سؤالى وعلى تهمة المديره فأقسمت أنها لم تعمل شيىء يخل بأدب ولكن كل ماقلته: (تحيا الأخوه التركمانيه العربيه الكرديه) فاستشاطت المديره غضبا وأهانت بنات قومي إذ لاترغب فى إعتبارنا عراقيات"

بالطبع لم تقنع ردود وحلول الزعيم ناظم الطبقجلي المديره ومن يقفون خلفها من أتباع الملا وبقية طابور الفوضويين، فالزعيم يروم الهدوء وإشاعة السلام الإجتماعي بين القوميات، أما هؤلاء فأهدافهم معروفه ولا يستطيعون التكيف مع اجواء السلام وتتملكهم الرغبه فى التدمير والقتل والتنكيل بالمواطنين وخصوصا التركمان، وراحت المديره تبحث عن طريق لإيذاء الطالبه لا لجرم إقترفته بل لكونها تركمانيه وهى تمقت التركمان ولا تترك مناسبه إلا وتنعتهم بالطورانيه والعماله، ولندع المديرة الحاقده على التركمان تقص علينا ما تمخض عنه لقائها بالزعيم ونعرف رأيها فى الحلول التى طرحها عليها ناظم الطبقجلي. . تقول:

"راجعت مدير المعارف المسئول وشرحت هذه التصرفات ونتائجها ومضارها ورجوته أن يسعى لإصلاح الوضع إلا أن مراجعاتي ومخابراتي لم تؤد إلى نتيجه وقررت أخيرا وضع الأمر بين قيادة الفرقه وبين سيادة قائد الفرقه بالذات بإعتباره المسئول حينذاك فى اللواء وكنت على ثقه بانه سيؤازرني وتنصلح الأمور بتدخله ". . وتعلق على نتيجة زيارتها له قائله. . " وودعته (أى عقب زيارتها له فى منزله) دون أن أحصل على نتيجه ملموسه أو علاج ناجح للوضع سوى التأكيد على معالجة الأمور بتعقل وتروي إلا أن الأحوال أخذت تزداد سوء والنفره بين الطالبات زادت وتوترت علاقاتهم بعضهم ببعض بسبب توزيع مناشير سريه داخل المدرسه. . وكانت حجتهم كسابقتها أنى شيوعيه كافره زنديقه استباحت الدين الإسلامي وما أنا كما يدعون. . وعند ذلك قررت بحزم أخذ المسئوليه على عاتقي والضرب على أيدي الطالبات الفوضويات"

وهكذا قررت المديره الشيوعيه والقوى الملائيه التى تساندها الإستمرار فى التصعيد وإثارة التوتر داخل المدرسه وتغذية النعرات القوميه المعاديه للتركمان، وبذات الطريقه الملائيه الشيوعيه الفوضويه المعهوده رفضت كل الحلول المطروحه من المتصرف ومدير المعارف وقائد الفرقه لتهدئة الأوضاع داخل المدرسه ونصبت نفسها فوق هؤلاء، فهى المرجعيه وهى المتصرف وهى مدير المعارف وهي قائد الفرقه. . هكذا علمها أسيادها الملائيون أن لاتخشى من أحد فهم يملكون دفة الأمور فى البلاد، وأن مهمتها الوطنيه الساميه تفرض عليها تأديب هؤلاء الطورانيين الغرباء إلى أن يأتي اليوم الذى تنجح القوى الخيره فى تخليص البلاد من شرورهم بقتلهم أو طردهم خارج البلاد وإقامة (وطن حر وشعب سعيد). . وطن يتحكم فيه أسافل المجتمع وأرازل من شذاذ الآفاق!!!

وللحديث بقية

(هذه الشهادات والوثائق وردت فى: موسوعة ثورة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - رقم الصحيفه ٤٤، ٤٥، ٤٧، ٤٨ دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:30 PM
الحلقة الثانية عشرة

رأينا فى الحلقه السابقه كيف سعت مديرة دار المعلمات الإبتدائيه السيده لبيبه أحمد الريس والمتحالفه مع جماعة الملا مصطفى البرزانى والكارهه للتركمان لبث الفرقه فى دار المعلمات بسعيها الدؤوب لإهانة الطالبات التركمانيات، ورأينا كيف ضاق صدرها بطالبه تركمانيه هتفت بحياة الأخوه التركمانيه العربيه الكرديه وليس بحياة الأخوه العربيه الكرديه، واستنكرت على الطالبه التركمانيه أن تقحم قومها التركمان وهم غرباء عن الوطن فى الهتاف بعدما قرر الملائيون والشيوعيون بأن هذا الوطن قسمه بين شريكين فقط هما العرب والأكراد من دون بقية القوميات، واستكثرت عليها أن تهتف بحياة قومها (التركمان) التى دأبت المديره على وصفهم بالطورانيين والرجعيين والعملاء، وراحت المديره تكيد للطالبه المعتزه بقوميتها ووطنها، وأخذتها العزة بالإثم فلم ترض بحكم المتصرف ومدير المعارف وقائد الفرقه وقررت أن تدير الأمور على هواها وبالطريقه التى ترضى أسيادها الملائيين.

ولنتأمل قولها:"وعند ذلك قررت بحزم أخذ المسئوليه على عاتقى والضرب على أيدى الطالبات الفوضويات" والفوضويات فى قاموس الملائيين تعنى التركمانيات، وظلت الطالبات التركمانيات فى المدرسه تحت وطأة هذه المديره الكارهه لهن تذيقهن من عسفها وجورها إلى أن جاء يوم ٢٨/٢/١٩٥٩ عندما وزع منشور فى عموم العراق وفى كركوك يهاجم الشيوعيه والشيوعيين واستهانتهم بالقيم الإسلاميه فى مجتمع مسلم قوامه المبادىء الإسلاميه و برعاية من هولاكو بغداد الجديد عبد الكريم قاسم كما سماه المنشور، وفى حجرة الدرس وجدت إحدى المعلمات المنشور المذكور فى كراس إحدى الطالبات التركمانيات، فسلمته للمديره المشهوره بالشيوعيه، ووجدت المديره فى المنشور ضالتها المنشوده لتنتقم من التركمان فقامت بجمع الطالبات فى ساحة المدرسه، وهاجمت التركمان فى كلمتها هجوما عنيفا ونعتتهم بالطورانيه والعماله.

فقامت بعض الطالبات التركمانيات بالرد عليها وتطورت المشاده الكلاميه إلى تشابك بالأيدى، وكانت دار المعلمات تقع فى أحد الأحياء التركمانيه فى كركوك، فهرعت بعض الطالبات التركمانيات إلى خارج المدرسه، وأخبرن ذويهن بما جرى، فقدم الشباب التركمان بأعداد غفيره وتجمهروا أمام المدرسه وحاصروا المديره بداخلها بعد أن سمحوا بخروج الطالبات والمعلمات، ثم قاموا برشق باب المدرسه ونوافذها بالحجاره، وقد إستمر حصارهم لها قرابة الأربع ساعات وبعدها تمكنت قوات الشرطه والإنضباط العسكري من تفريق الشباب ونقل المديره بسيارة الشرطه إلى خارج المدرسه، وقد راجعت المديره السيده لبيبه الريس مدير المعارف السيد نعمان بكر التكريتى وطلبت فصل الطالبه، ولكن مدير المعارف أصر على إحالة الطالبه أولا على مجلس المدرسه كما تقضى اللوائح، وعلى ضوء قراره تتخذ الإجراءات، وبعرض الموضوع على مجلس المدرسه قرر المجلس طرد الطالبه ثلاثة أيام فقط.

لم تقبل المديره بهذه العقوبه وساندها فى ذلك الشيوعيين والبارتيين، وقاموا بمظاهره يحتجون فيها على عدم فصل الطالبه وهتفوا بالموت للقوميين المزيفين وعملاء حلف بغداد (التركمان)، ورد التركمان بمظاهره يحتجون فيها على تدخل البارتيين والشيوعيين فى أمور فصل فيها مجلس المدرسه طبقا للوائح المعمول بها، وأحاط الجمعان بالمدرسه وكادالطرفان أن يلتحما بمعركه فى صباح يوم ٢٨ / ٢/١٩٥٩، فاستعان المتصرف بالشرطه وقياده الفرقه حيث نجحت القوات المشتركه لهما فى تفريق المتظاهرين بدون وقوع خسائر، وفى اليوم التالى (١ / ٣/ ١٩٥٩) إستمرت مظاهرات الطرفين وطالب البارتيون والشيوعيون بمعاقبة كل من هم وراء هذه الطالبه من العسكريين والمدنيين وكادت المظاهرات تعصف بالمدينه للمره الثالثه لولا إستعانة المتصرف بالزعيم ناظم الطبقجلى قائد الفرقه الثانيه والذى بعث له بسرية مشاه تمكنت من السيطره على الموقف، بعدها إتفق المتصرف مع قائد الفرقه على نقل المدرسه من مكانها بالحى التركمانى إلى الجانب الآخر من كركوك.

وقد نتج عن تلك الصدامات القبض على العديد من المواطنين التركمان ووضعهم قيد الحبس، وقد وجد الملائيون والشيوعيون فى ذلك فرصه للإنتقام من التركمان إذ أن العناصر الملائيه والشيوعيه هى التى تتولى زمام القضاء فى لواء كركوك، وقد باشر التحقيق مع التركمان حاكم التحقيق السيد بطرس مروكى، وكما هو متوقع قام هذا القاضى بتوقيف العديد من التركمان، وقد أثار ذلك تذمرهم واتهموا حاكم التحقيق بالخضوع لتأثير السيد عونى يوسف الشيوعى الكردى الذى يتولى رئاسة محكمة إستئناف كركوك، وأبرقوا بذلك إلى عبدالكريم قاسم والحاكم العسكرى العام وقائد الفرقه والمتصرف والإستخبارات، وقد إستجاب الحاكم العسكرى إلى مظلمة التركمان وأمر بتشكيل هيئة تحقيق جديده برئاسة حاكم تحقيق الرصافه فى بغداد السيد سالم محمد عزت، وتحركت هيئة التحقيق من بغداد ووصلت إلى كركوك يوم ٣ / ٣/ ١٩٥٩ وكان وقتها المرحوم ناظم الطبقجلى مريضا فى بيته.

وهنا نترك الحديث للسيد سالم محمد عزت حيث يقول:"كنت صديقا للقائد (الطبقجلى) وعند وصولنا واجهته فى داره ودار الحديث حول المظاهرات وتهديد أمن المواطنين، وقال لم يقم الجيش بالثوره إلا لإسعاد الناس ورفاهيتهم وليس من اجل ان ينحاز إلى جانب معين. لابد من الحياد. ويستطرد رئيس الهيئه التحقيقيه الأستاذ سالم فيقول: إن القائد أوصانا بالحياد التام واكملنا الإستماع إلى الإفادات التى كان آخرها شهادة المتصرف السيد عبد الجليل الحديثي، ووافق الحاكم العسكري يوم ٧ /٣ على إطلاق سراح من نسبنا إطلاق سراحه حسب سير التحقيق. وفى يوم ٨ / ٣ عملنا المحضر وكتبنا إلى الشرطه بإطلاق سرح الموقوفين بناء على موافقة الحاكم العسكرى العام التلفونيه.".

وهكذا فشلت خطط الملائيون والشيوعيون فى إستغلال نفوذهم لدى القضاء للتنكيل بالتركمان حيث أطلقت هيئة التحقيق القادمه من بغداد سراح التركمان الموقوفين، ولندع الزعيم الركن ناظم الطبقجلى يسرد لنا ملاحظاته على تلك الأحداث. . يقول الطبقجلي: "كان ذلك بسبب تصرفات السيده لبيبه أحمد الريس مديرة دار المعلمات لخلافها مع الطالبات هذا الخلاف العقائدى الذى أدى إلى توتر الحاله يوم ٢٨ شباط ١٩٥٩ ويوم ١ مارت ١٩٥٩ مما أدى إلى تجمهر التركمان والشبيبه الديمقراطيه وتعاون سيادة المتصرف ومدير الشرطه وآمر الإنضباط العسكرى فى تفريق التجمهر يوم ٢٨ / ٢ / ١٩٥٩ ولكن القضيه تطورت يوم ١ مارت ١٩٥٩ وكادت تعصف بأمن المدينه فطلب المتصرف مني النجده فأرسلت سرية مشاه وكنت آنذاك قابعا فى بيتى لمرضى. وانتهى الموضوع بسلام ولكن كانت العناصر الإنتهازيه تغذى هذا التوتر وجاءنى سيادة المتصرف واتفقنا على نقل المدرسه من القلعه إلى الجانب الآخر من كركوك ثم طلبت من سيادة الحاكم العسكري العام وضع اليد على القضيه وإيفاد لجنة تحقيق من بغداد للتحرى عن تفاصيل الخلاف بين المديره من جانب والطالبات من الجانب الآخر وقد وضح لي الحاكم الموفد على رأس اللجنه أن المديره كانت تتحمل قسطا كبيرا من المسئوليه وبالإستطاعه الإطلاع على محضر التحقيق فى مكتب الحاكم العسكري العام، وهكذا منعت للمره الثالثه وقوع إشتباك أو تصادم دموى كان الفوضويون يهيئون له كل الأسباب حتى تركت كركوك فتمت المجزره، المجزره التي يأسف لها كل ضمير حي وذهبت الضحايا هدرا ونهبت الأموال وخيمت على كركوك ظلال الموت."

• وهكذا تمكنت حكمة وحنكة القائد ناظم الطبقجلى من التغلب على المؤامره الثالثه التى حاكها الملائيون والشيوعيون لإيقاع مذبحه كبيره بالتركمان فى كركوك، غير أن مؤامرات الملائيون لم تتوقف. وكيف تتوقف المؤامرات والتركمان يتشبثون بمدينتهم الخالده كركوك ووطنهم العراق؟ كيف تتوقف المؤامرات ولم يصل الملائيون لمبتغاهم فى فصل كركوك عن الجسد العراقى وإقامة كردستانهم الموعوده؟

• فى الحلقه القادمه نستعرض المزيد من الوثائق وشهادات من عاصروا الأحداث.

وللحديث بقيه

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:36 PM
الحلقة الثالثة عشرة

رأينا من خلال الوثائق السابقه كيف سعى الملائيون وبذلوا قصارى الجهد من أجل إشاعة الفوضى وعدم الإستقرار فى كركوك، وكيف راحوا يدبرون المكائد ويحيكون المؤامرات ضد التركمان و ضد كل من يقف فى وجه طموحاتهم الإنفصاليه من رجال الإداره والجيش، وفى حلقة اليوم نستعرض الوثائق والشهادات المتعلقه بمحاولة الملا مصطفى البرزاني نشر أفكاره البارتيه والعنصريه داخل القوات المسلحه وسعيه لبث سموم أفكاره بين الضباط وضباط الصف والجنود، وقيام الضباط الشرفاء بالتصدى للفكر الملائى العنصري الذى أخذ يتفشى فى الجيش كالطاعون بتشجيع من رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الذي كان بحاجه لمساندة هذه القوى الملائيه العنصريه فى صراعه ضد القوى القوميه التى تطالب بالوحده مع الجمهوريه العربيه المتحده، ولإفهام رجال العربيه المتحده بأنه يوجد داخل العراق قوى أخرى تعارض هذه الوحده، ولإرضاء الغرب الذي يعارض كل وحده حقيقيه بين الأقطار العربيه.

وهكذا وجدت الأفكار الملائيه العنصريه من يشجعها من أعلى قمة السلطه لتنفث سمومها بين الضباط وضباط الصف والجنود وأخذت المناشير توزع والإجتماعات تعقد والأباطيل تروج ضد القوميتين العربيه والتركمانيه، وكان الملا مصطفى البرزاني على قناعه بأن من يكسب الجيش إلى صفه فقد حسم المعركه لصالحه فسعى لتكوين الخلايا والتنظيمات داخل الجيش وخصوصا فى منطقة الفرقه الثانيه والتي كانت تضم اربعة ألويه (محافظات) هى: السليمانيه وكركوك وأربيل والموصل، وكان معظم جنود وضباط صف فى الفرقه الثانيه من الأكراد وكان يعرف عنهم الشجاعه والإنضباط والتدين، إلا أنه وبعد عودة الملا مصطفى البرزاني من الإتحاد السوفيتي بذل قصارى جهده لتسميم عقولهم بأفكاره الشيوعيه والعنصريه والإنفصاليه، وقد شعر ناظم الطبقجلى بقلق كبير من تحرك الملا فى هذا الإتجاه فسعى لدى عبد الكريم قاسم لإستصدار قرارا بمنع الحزبيه فى الجيش، وقد إستجابت قيادة الجيش لمخاوف الطبقجلى فعقدت إجتماعا في تشرين أول أكتوبر ١٩٥٨ بناء على أمر قائد القوات المسلحه الصادر فى ١١ / ٩ / ١٩٥٨ ووافقت القياده على تجميد الأنشطه الحزبيه على أن يعرض القرار على رئيس الوزراء للمصادقه عليه وأحس الطبقجلى بسعاده غامره لموافقة القياده على هذا المطلب الهام بعد أن اوشكت الأفكار الملائيه والشيوعيه على أن تعصف بوحده البلاد، غير أن عبد الكريم قاسم أخذ فى المماطله والتسويف ولم يصادق على القرار الأمر الذي أعطى الفرصه للعناصر الحزبيه والملائيه لبث سموم الفرقه والإختلاف بين أبناء الوطن الواحد وجر البلاد إلى صدامات ومجازر كان من الممكن تلافيها بالمصادقه عليه.

وفى السطور التاليه يحدثنا ناظم الطبقجلي عن جهوده فى سبيل القضاء على الحزبيه فى الجيش فيقول: "كانت تناقش هذه المشكله في مؤتمرات قادة الفرق الشهريه. وانتهى القرار بالموافقه على إستصدار أمر وزاري بمنع منتسبي الجيش من التدخل فى السياسه أو الإنتساب إلى الأحزاب كما هو المعمول به إبعاد الجيش عن الكتل السياسيه. وكان هذا القرار قد تمت الموافقه عليه في مؤتمر قادة الفرق كآخر محاوله يوم ٢٩ كانون أول ١٩٥٨ ونال موافقة سيادة رئيس الوزراء أملا منا بالحفاظ على الجيش كتله واحده موحده ذات هدف واحد".

ويستطرد قائلا: "وعندما صدر البيان الحكومى الذى يحدد فيه واجب المقاومه الشعبيه. انتهزت هذه الفرصه لأذكر المسئولين بالوعد الذى قطعوه فى مؤتمر يوم ٢٩ كانون الأول ١٩٥٨ حول التأكيد على إصدار الأمر الوزارى بمنع الحزبيه فى الجيش وقد أرسلت بهذا الصدد" كتاب سرى للغايه وشخصى عنونته إلى سيادة رئيس أركان الجيش برقم ١٤٢ وبتاريخ ١٩/١/١٩٥٩راجيا من سيادته التوسط فى إصدار بيان من لدن وزارة الدفاع بمنع الضباط وضباط الصف من التدخل بالأمور السياسيه أو الحزبيه أو الإنحياز إلى المبادىء على غرار ما صدر الى المقاومه الشعبيه وإتحاد الطلبه العام".

وفى كتاب آخر "سرى للغايه وشخصى برقم ١٤٤ فى ١٩/١/١٩٥٩"على إثر التفتيش والتحري عن مستودعات الأسلحه فى كركوك الذى جرى فى يوم ٢٧/ ١٢/ ١٩٥٨ والذى تدخل بعض الضباط فى إجرائه وهم غير مكلفين بذلك. طلبت فيه ان يحرم على القوات المسلحه الإنحياز إلى الكتل والمبادىء بصوره مطلقه وتحميل مسئوولية مخالفة الأوامر بأشد العقوبات الصارمه والإنصراف إلى التدريب وأداء الواجب المقدس لحماية الجمهوريه، لأن وحدة الجيش هى الدرع الحصين لبناء مستقبل هذا الوطن. وإن إخلاص الضباط والمراتب بواجبهم هو الدعامة لحماية النظام الجمهوري".

ويصف المرحوم ناظم الطبقجلى الحاله التى وصل إليها الجنود فى الفرقه الثانيه حال قيام الملا مصطفى البرزاني بزيارته المشئومه لكركوك فى الفتره من ٢٦/ ٢٨ تشرين أول ١٩٥٨ فيقول بأسى شديد:

"في اواخر تشرين الأول جرى التصادم بين الأهالي على إثر مغادرة الملا مصطفى البرزاني الذى حل ضيفا فى دار الضباط بكركوك. وكانت الإستفزازات قد بدت، إذ إشتبك الجانبان فى الشجار وقد إتخذت الإجراءات لإنزال القطعات إلى المدينه للحيلوله دون توسع النزاع وكنت اشاهد من شرفة مقر الفرقه الأهالى وهم يتقاتلون مع بعضهم وكذا الجنود انضموا إلى الأهلين كل مع جانب من المتنازعين فالقى القبض على بعض الأهلين وكثير من الجنود وقد حاول بعض الفوضويين الهجوم على الأسواق التجاريه فالقى القبض عليهم وجرى التحقيق مع الأهلين من قبل حاكم التحقيق وسيق المقصرين إلى بغداد لإحالتهم إلى المجلس العرفي. كما ارسل الجنود إلى وحداتهم مخفورين فنالوا عقابهم.".

ويستطرد قائلا "هذا وقد إجتمعت بضباط الوحدات فى كركوك واكدت عليهم بضرورة تفهيم المراتب بأنهم من الشعب وإلى الشعب ويجب أن يعرفوا جليا عدم جواز تدخلهم في أى نزاع يحدث فى المستقبل بين الأهلين، كما اكدت على الضباط التزامهم الحياد فى كل ماينشب من خلاف بين الأهلين لأن الجيش يجب أن يكون فوق الميول وحيادى من جميع الوجوه وإلا سيضطر الجندى أن يضرب أخاه الجندى أو يضرب الجنود إخوتهم الأهليين وقد أصدرت بلاغا لكافة وحدات الفرقه أحثهم على الإبتعاد عن المنازعات وإفهام جميع منتسبى الفرقه بذلك."

وهكذا أوصلت الأفكار الملائيه الجيش إلى حافة الهاويه حيث تخلى الضباط وضباط الصف والجنود عن وظيفتهم الأساسيه فى الدفاع عن البلاد ضد أى عدوان خارجى إلى الإعتداء على المواطنين أو الإعتداء على بعضهم البعض وعششت فى عقولهم الأفكار التعصبيه والإنفصاليه، وتشبثوا بخليط من الأفكار القبليه الممزوجه بالأفكار الشيوعيه، وسادت الأفكار الفوضويه فى مؤسسه كان من المفترض أن تؤسس على الإنضباط والطاعه، فحولتها الأفكار الملائيه إلى فوضى عارمه، ولم يعد الجنود وضباط الصف يطيعون أوامر الرؤساء من الضباط، ووصل الأمر في بعض مناطق الفرقه الثانيه إلى محاولة بعض الجنود سحل قيادييهم من الضباط.

ولندع المرحوم ناظم الطبقجلي يقص علينا جانبا من المأساه التى حلت بشعب العراق وتركمان العراق وجيش العراق من جراء تفشي الأفكار الملائيه والشيوعيه والفوضويه فى الجيش. . يقول:

"هذا ما كنا نروم تجنبه بإبعاد الجيش عن السياسه والإحتفاظ به كقوه هائله فوق الميول. ولقد أشاعت الحزبيه فى الجيش سموم التفرقه فانشق الضباط والمراتب على بعضهم وبدت بوادر الخلافات وكثرت شكاوى آمري الوحدات فكنت اوصي الآمرين أن يعملوا على استمرار درجه عاليه من التدريب والضبط وتطبيق القوانين على المخالفين للحيلوله دون ظهور خلاف حزبي حاد بين وحدات الجيش وكثرت الوشايات والإخباريات وكان آخرها المجلس التحقيقى عن ضباط حامية عقره بسبب ممارساتهم الحزبيه التى لم تمنع بأمر إداري مشدد كما تم الإتفاق عليه مسبقا وكان من الصعب والحاله هذه الجمع بين عقيدتين متناقضتين إحداهما تتمسك بقومية الفرد والأخرى بلا قوميه.

ولم أقطع أملي فى محاوله أخيره للحصول على أمر تصدره وزارة الدفاع حول منع السياسه في الجيش فقد مر بكركوك سيادة وزير الدوله فؤاد عارف فالتقيت به ورجوته أن يعمل جاهدا لإصدار الأمر بمنع الجيش من ممارسة الحزبيه وأطلب شهادته.

بقى الحال على ماكان عليه وتطور الموقف حتى ادى حدوث عصيان الموصل ووقعت الواقعه فإذا بالجيش يقاتل بعضه البعض هناك وإذا بالجيش يضرب الشعب فى مجزرة كركوك الرهيبه أما أنا فلقيت المصاعب لوقوفي على الحياد بلا ميول حزبيه. ."

إنتهى كلام الطبقجلي عن المأساه التى حلت بالبلاد إثر عودة الملا البرزاني من الإتحاد السوفيتي وسعيه لنشر الأفكار الملائيه العنصريه الإنفصاليه بين الضباط وضباط الصف والجنود ولكن زملاء الطبقجلى لديهم الكثير والكثير مما يمكن أن يقال عما لحق العراق وجيش العراق وشعب العراق.

وللحديث بقيه

(هذه الشهادات والوثائق وردت فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف فى الموصل (٣) - العميد المتقاعد: خليل إبراهيم حسين - صحيفه رقم ١٥٨، ١٦٦، ١٦٨ - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:41 PM
الحلقة الرابعة عشرة

رأينا فى الحلقه السابقه كيف إستغل الملا مصطفى البرزاني الظروف التى هيأها له نظام عبد الكريم قاسم الذي أعاده من منفاه فى روسيا وخصص له أحد قصور نورى السعيد واغدق عليه بمخصصات ضخمه بأن سعى لإغتنام الفرصه وعمل على نشر أفكاره العنصريه فى الأوساط المدنيه والعسكريه، وكيف تحول الشعب العراقى بسبب هذه الأفكار إلى فرقا متناحره متصارعه.

وظهرت ولأول مره فى تاريخ العراق الحديث مايمكن تسميته ب"ثقافة السحل" وصار مألوفا أن يشاهد البارتيون وحلفاؤهم يهتفون "إقتل. . إقتل. . إسحل إسحل. . ماكو مؤامره تصير. . والحبال موجوده" وصار إعتياديا أن تجد بندا فى ميزانية حزب البارتي لشراء "الحبال" وكافة مايلزم لإحلال ثقافة السلام التي جلبها معه الملا أثناء قدومه من روسيا!!!

وكان أشد مايقلق المرحوم ناظم الطبقجلى هو إنتقال هذه الأفكار العنصريه الخبيثه للجيش الذى هو بمثابة درع للأمه ينبغي أن يبقى على الحياد بعيدا عن الأفكار الحزبيه، وهاله أن يرى من شرفة إستراحة الضباط بقيادة الفرقه الجنود وهم يتقاتلون مع بعضهم البعض أعقاب الزيارة الفتنه التى قام بها الملا البرزاني لكركوك، وقد سعى ناظم لدى السلطات فى بغداد لمنع سقوط البلاد في دوامة الفوضى، غير أن قاسم الذى كان بحاجه لمساعدة الملا لتوطيد أركان حكمه المستبد كان قد أغمض عينيه عما يدور حوله ولم يبال بصرخات ناظم الطبقجلى وتحذيراته التى سبقت وقوع المجزره.

وفى حلقة اليوم نواصل عرض شهادات بعض كبار الضباط ممن كانوا فى موقع المسئوليه وعاصروا الأحداث وعاينوا الجرم الذى ألحقه البارتيون بحق العراق وبحق التركمان، وأول هؤلاء العقيد ياسين السامرائي آمر ف ٢ ل ٤ ورئيس الهيئه الإداريه لنادي الضباط في كركوك وقت الأحداث. . يقول:

"بعد إقالة عبد السلام (يقصد عبد السلام عارف) وسجنه نشط الشيوعيون والبارتيون فى منطقة الفرقه الثانيه وأخذوا يتحدون الضباط القوميين وسكان مدينة كركوك التركمان بشعاراتهم وإستفزازاتهم وكانوا يتخذون من إدعائهم بولائهم لعبد الكريم قاسم حجه يتسترون بها من تمرير مخططاتهم فى الشمال فمثلا وقد كنت رئيسا لدار الضباط فى كركوك وقد اخبرنى مقر الفرقه بأن الملا مصطفى البرزانى سيزور كركوك ويحل فى دار الضباط وهيأت الفرقه مايلزم لحمايته وراحته.

ولكن مجيئه تحول إلى مظاهره إستغلها أتباعه والشيوعيون وأحاط به الضباط الشيوعيون والملائيون وسكن فى جناح خاص للضيوف. . وكان التحدى باد وكأنهم يريدون حجه لإشعال فتيل الفوضى فى المدينه، لم يرتح القائد (يقصد قائد الفرقه ناظم الطبقجلى) لهذه الزياره وهذا التحدى خوف حدوث الإضطرابات ولذلك امر القائد بوضع بعض القطعات فى الإنذار تحسبا لكل طارىء وغادر الملا كركوك وودع وكأنه بطل أو فاتح كبير. كان تحدي البارتيين والشيوعيين يسنده عبد الكريم قاسم وسلطات بغداد.

ولأضرب مثلا آخر: فعندما جرت إنتخابات دار الضباط فى كركوك للهيئه الإداريه وكنت مرشحا لرئاسة الهيئه تكتل الضباط الشيوعيون والبارتيون وقدموا قائمه شيوعيه قاسميه بارتيه يمثلها آمر اللواء الرابع المشاه الجديد العقيد الركن عزيز مصطفى وكان تحديهم يقصد منه الإثاره والإستفزاز وليست المنافسه الديموقراطيه.

ومع كل هذا لم يتدخل القائد وحاول أن تمر الأمور بسلام وفازت القائمه القوميه وغضب البارتيون والشيوعيون وزادوا فى إستفزازهم للقائد وللضباط القوميين وبدأ الشيوعيون والبارتيون يبثون مبادئهم وتحزبهم بين الجنود وضباط الصف وزادت التحديات بحيث لايمكن قبولها وعبد الكريم قاسم لايستجيب لنداء القائد بضرورة وضع حد لما يحدث فى الفرقه الثانيه الذى ربما أدى إلى الإقتتال وسفك الدماء"

أما العميد نوري الراوى آمر لواء التدريب الثاني فى الفرقه الثانيه فيلخص لنا الوضع فى الفرقه فى ظل تفشى طاعون الأفكار الملائيه والشيوعيه فيقول:

"أصبحت السيطره فى كركوك قبيل الثوره (يقصد ثورة الشواف) لأعوان عبد الكريم قاسم البارتيين الذين ياتمرون بأوامر الملا مصطفى البرزاني والشيوعيين والأقليات الأخرى التى ناصرت الشيوعيين وأيدتهم. كان معظم جنود الفرقه من الأكراد الذين أشتهروا بالضبط والطاعه والشجاعه ولكن دعايات الملا مصطفى البرزاني والشيوعيه والحزبيه لم تدعهم ينصرفون لواجباتهم العسكريه. أخذ الشيوعيون والبارتيون ينظمونهم ويعقدون الإجتماعات مع ضباط الصف وبعض الجنود وبصوره نشطه وواسعه وقد بذل القائد وآمروا الوحدات القوميين الجهود المضنيه لمنع هذه الإجتماعات ومنع بلشفة المراتب، وكان قائد الفرقه يرسل الكتب الرسميه إلى المراجع فى بغداد يحذر من العواقب والنتائج إذا فقد الجيش الضبط العسكري وتحزب"

. . . وعن الحاله التي وصل إليه الجنود والضباط فى اللواء الثالث التابع للفرقه الثانيه بعد تفشى داء الملائيه يقول العميد الركن منير فهمى الجراح آمر اللواء الثالث مايلي:

"كان معظم الجنود فى الحاميه من الأكراد الذين يتصفون بروح الضبط والنظام والطاعه والأمانه والتدين ولا علاقه لهم بالحزبيه من أية نوع كانت إذا تركوا وشأنهم. . ولكن بعد أن اطلق عبد الكريم قاسم للحزبيه الشيوعيه والبارتيه أن تعمل بين الجنود تاثرت أقليه منهم بالدعايتين وبهرتهم الإستقبالات والإحتفالات التي تقام للملا مصطفى البرزاني فانصاعت هذه الأقليه من الجنود وضباط الصف لتوجيهات وأوامر الحزبيين، ومعنى هذا أنه إذا إستمرت الحاله على ماهي عليه والحكومه فى بغداد لاتلتفت إلى كافة التحذيرات وكأن الأمر والنظام لايعنيها. . فالكارثه محققه "

وهكذا يتضح بأن المأساه التي مر بها العراق عقب عودة الملا البرزاني من روسيا، وسعيه الحثيث للسيطره على الجيش من خلال نشر سموم افكاره العنصريه بين الضباط والجنود كانت أكبر من ان توصف أو تحكى، فحروف الكلمات تعجز عن وصف قدر المعاناه التى عاناها العراقيون وخصوصا التركمان منهم فى فترة الحكم القاسمى، تلك الفتره القاتمة السواد من تاريخ العراق والتى وصلت فيها الأمور لدرجة أن احد المسئولين فى النظام وإبن خالة رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم المدعو (فاضل المهداوى) يعلن أمام وسائل الإعلام العالميه عن الزهو بقتل العقيد عبد الوهاب الشواف سحلا فى شوارع الموصل مهددا بان الموت سحلا سيكون مصير العصاه.

في الحلقه القادمه نقدم لقراء موقعكم شهاده من أهم الشهادات كون أنها صادره عن ضابط كردي كبير يقدر حجم المسئوليه الملقاه على عاتقه امام الله وأمام التاريخ، قالها خالصة لوجه الله وفضح فيها الوجه البغيض للملائيه الحاقده ومبلغ الضرر الذى ألحقته بالعراق وشعب العراق وتركمان العراق.

وللحديث بقيه.

(وردت هذه الشهادات والوثائق فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف - العميد الركن المتقاعد: خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم ٢٢٦، ٢٤٦، ٢٥٣، ٢٥٤- دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨م)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 04:45 PM
الحلقة الخامسة عشرة

رأينا من مطالعة الشهادات والوثائق السابقه كيف أن الأفكار العنصريه للملا مصطفى البرزاني أخذت تنخر كالسوس فى الأساس المتين للعلاقات القوميه داخل العراق حتى أوصلت القوميات إلى حافة الصدام، وأن هذه الأفكار البغيضه لم تقتصر على إفساد الحياه المدنيه للدوله وحسب وإنما أخذت فى التسلل إلى صفوف الضباط والجنود، وهو ما عده العسكريون الشرفاء نذير شؤم وخطر على الجمهوريه الوليده، وكان الملا البرزاني يهدف من بث أفكاره العنصريه إلى تفتيت وحدة الجيش وبث روح العداء بين العسكريين وجعلهم يقاتلون بعضهم البعض على نحو ما حدث أعقاب زيارته لكركوك فى تشرين أول ۱٩٥٨.

ولأن تفتيت وحده وتماسك الجيش وبث الفتن بين أفراده هى التى ستمكنه من الإنفصال وإقامة مايسمى بجمهورية كردستان، ومن هنا كان السعي الحثيث من لدن القيادات الشريفه لمحاصرة وحظر العنصريه والحزبيه البغيضه فى الجيش قبل أن تعصف بوحدة البلاد، ولم تكن هذه القيادات الشريفه التى أدركت الخطر الذي تمثله الأفكار العنصريه والإنفصاليه للملا البرزاني قاصره على قوميه محدده، إذ بادر الشرفاء عربا وكردا وتركمانا وآشوريين بالتصدي لطاعون الأفكار الملائيه الذي إستشرى فى طول البلاد وعرضها حتى بات يهدد وحدة الأراضي العراقيه والعلاقات التاريخيه بين القوميات.

وكان من بين القيادات العسكريه التى وقفت بإباء وصلابه فى مواجهة العنصريه البغيضه للملا وأتباعه محذرا من خطورة مايطرحونه من أفكار إنفصاليه اللواء الركن (الكردي القوميه) صلاح عبدالقادر رشيد ضابط إستخبارات الفرقه الثانيه فى كركوك والذى يعدد لنا أحوال التردى التى سادت الفرقه زمن المجزره وبعد تفشي الأفكار الملائيه والشيوعيه فيقول:

"١ - شيوع حالة الفوضى والإرتباك فى قاطع الفرقه بسبب سيطرة الفئات الشعوبيه والحاقده على مداخل ومخارج المدن وقيامهم بحملات تفتيش وإستفزاز للمواطنين عسكريين ومدنيين.

٢ - تهديد العناصر الوطنيه غير السائره فى ركبهم بمختلف الطرق والوسائل.

٣ - بث الرعب والهلع فى صفوف المواطنين والوحدات العسكريه.

٤ - تأليب المراتب على الضباط والآمرين غير الشعوبيين وحثهم على عدم الطاعه والعصيان من قبل الفئات الشعوبيه واللاقوميه.

٥ - مراقبة كل عنصر ومواطن قومى ووطني وغير متجاوب مع الشعوبيين من قبل العناصر الحاقده والشعوبيه.

٦ - رغم قيام مقر الفرقه بإجراء بعض الإجراءات للحد من التصرفات اللاقانونيه لتلك الفئات إلا كما أسلفت أن تلك الإجراءات كانت مبعث الشك و الريبه وعدم الرضا بإعتبارها لاتخدم تيارهم الشعوبي واللاقومى.

٧ - العناصر القوميه والمواطنين المستقلين سواء فى الجانب المدنى او العسكرى كانوا ضد أى تيار شعوبى ومع أى إتجاه وسلوك يحقق الوقوف بوجه هذه التصرفات اللاقانونيه ويعيد سيادة القانون على أرض الوطن ويؤمن حماية وأمن وسلامة المواطنين."

ويستطرد اللواء الركن صلاح عبد القادر رشيد معددا حالات التردى التى وصلت إليها الفرقه الثانيه بفعل إنتشار الأفكار الملائيه والشيوعيه فيذكر منها أيضا:

"١ - نقل عدد من الضباط الذين كان يعتمد عليهم السيد قائد الفرقه (الطبقجلى) خارج الفرقه.

٢ - تولى الضباط الشعوبيون قيادة معظم الوحدات والوحدات الفرعيه فى الفرقه.

٣ - قيام الضباط الشعوبيون بتأليب المراتب على آمريهم الذين لايسايرون ركبهم وحثهم على عدم الطاعه وعصيان الأوامر بإعتبارهم خونه ومشكوك بإخلاصهم للسلطه.

٤ - تهديد العناصر الوطنيه غير المسايره لرغبات الفئات الشعوبيه بالقتل والسحل."

هذا وقد سئل اللواء الركن صلاح عبد القادر سؤالا مباشرا وصريحا وهذا نصه: كتب قائد الفرقه الثانيه المرحوم ناظم الطبقجلي مايزيد على الثلاثين رساله رسميه يستنجد بها عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري لوضع حد لتصرفات الملا البرزاني والبارتيين والشيوعيين غير القانونيه. . فما هو تصورك لو إستجاب قاسم لنداء قائد الفرقه؟

فأجاب: "إن الرسائل والمراسلات الرسميه التى وجهها المرحوم العميد الركن ناظم الطبقجلي قائد الفرقه الثانيه إلى عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري العام حول التصرفات اللاقانونيه للفئات الشعوبيه الحاقده والحلول المقترحه للحد منها والتى تضمنتها تلك الرسائل والمراسلات التى لم تلق آذانا صاغيه بل إن بعض مضامينها كانت تتسرب إلى تلك الفئات بشكل وبآخر لتأليب هذه العناصر وتحفيزها وإثارتها للوقوف ضد المرحوم الطبقجلي الذى كان فى الواقع سدا منيعا بوجه كل تصرف لا أخلاقى ولا قانوني يمارس ضد المواطنين فى قاطع الفرقه من قبل هؤلاء.

وعلى هذا الأساس أطلق العنان بشكل واسع للشعوبيين للعبث بأمن واستقرار وسلامة المواطنين والتشكيك بإخلاص كل من لايواكب التيار الشعوبي ووصمهم بمختلف النعوت النابيه وتهديدهم بمختلف الوسائل والطرق وعم هذا الوضع فى وحدات وتشكيلات الفرقه فأحدث خللا كبيرا فى الضبط العسكرى وفى تنفيذ الأوامروإرباكا كبيرا فى طبيعة العمل بين الآمرين ومنتسبيهم إلى حد الشك وعدم الطاعه والعصيان وفى حالات محدده تولى الضباط الأحداث من الشعوبيين مسؤولية قيادة الوحدات والوحدات الفرعيه بدعوى عدم إخلاص آمريهم الأصليين للسلطه، وهكذا عمت الفوضى والإرتباك وتوسعت عمليات الريبه والشك والطعن بكل عنصر طيب ومواطن صالح الذى رفض السير بركبهم.

إزاء هذا الوضع أتصور أن عبد الكريم قاسم كان غير قادر للإستجابه إلى رغبة المرحوم الطبقجلي حيث كان الموقف منفلتا وأن العناصر الشعوبيه كانت من خلال رؤوسها وقيادييها في بغداد والمحافظات والقوات المسلحه كانت بيدها قبضة السيطره على الموقف، فلا أعتقد أنه كان بمقدور عبد الكريم قاسم وضع خطة ثوره للحد من تصرفات تلك الفئات حيث أن الوقت كان قد فات ومتأخرا وإن حاول المبادره بذلك آنذاك ففى تصورى كان يطاح به بأى ثمن كان"

وهكذا يقرر اللواء الركن صلاح عبد القادر رشيد الكردي القوميه بأن أفكار الملا البرزاني التعصبيه إستطاعت خلال فتره وجيزه أن تشيع حاله واسعه من الفوضى والإرباك داخل وحدات الجيش وأن زمام الأمور قد أفلت من يد عبد الكريم قاسم إلى الدرجه التى بات فيها لايمكنه السيطره على الأمور أو وضع حد لتصرفات الملا العنصريه وجنوحه نحو الإنفصال وسعيه لقتل أوتهجير التركمان بإعتبار ان هؤلاء هم العقبه الكؤود فى سبيل تحقيق رغباته ومراميه الإنفصاليه.

ولذلك كان رد اللواء الركن صلاح عبد القادر متشائما عندما سئل: هل كانت مذبحة كركوك ستقع لو إستجاب قاسم لنداءات الطبقجلي؟

فكانت الإجابه: "لو إستجاب عبد الكريم قاسم لنداء الطبقجلي حول الحد من تصرفات الشعوبيين والبارتيين ففى إعتقادي كانت الظروف مواتيه لحدوث مذبحه على غرار مذبحة كركوك التي حدثت فيما بعد بعد أن فلت الزمام!."

إنتهت شهادة اللواء الكردي صلاح عبد القادر رشيد حول مذبحة كركوك ولكن سيل المؤامرات التى حاكها الملا وأتباعه لتركمان العراق لم ينته.

وللحديث بقيه

(وردت هذه الشهاده فى: موسوعة 14 تموز - ثورة الشواف فى الموصل (3) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - الصحيفه رقم 230، 231، 232، 236، 238 - دار الحريه للطباعه - بغداد 1988 م)

حيدر القرشي
03-10-2009, 07:10 PM
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

تشرين ربيعة
03-10-2009, 09:19 PM
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ



صدق الله العلي العظيم ، وصدق رسوله النبي الكريم

شكرا لمروركم مولاي حيدر القرشي

تشرين ربيعة
03-10-2009, 09:28 PM
الحلقة السادسة عشرة

رأينا من خلال الشهادات السابقه كيف أن البارتيين قد إنتابهم اليأس من مواقف الزعيم الركن ناظم الطبقجلي غير المنحازه، وكيف أن سياسة الجزره والعصا لم تجد معه نفعا إذ أن ناظم بحكم تكوينه الشخصي وانتمائه الأسري العريق لايمكن إغوائه او تهديده، فهو لايحيد عن مبادئه قيد أنمله مهما كانت المغريات أو التهديدات، فلم تغويه الإغراءات التى عرضها عليه الوزير الكردى عونى يوسف، كما لم ترهبه التهديدات التى طالت حتى أبنائه، فالطبقجلي كان يؤمن إيمانا لايتزعزع بضرورة إبتعاد الضباط عن الإنتماءات الحزبيه لأن الجيش ملك للوطن لا للحزب، وناظم الطبقجلي يسعى للتآخى بين القوميات ويؤمن بوحدة الشعب بغض النظر عن الإنتماء العرقي أما هؤلاء فلا يرومون إلا الفتنه وإشاعة البغضاء وبث روح الكراهيه، وشغلهم الشاغل هو التركمان والقضاء على الوجود التركماني فى العراق والسيطره على كركوك والإنفصال، ومن ثم وصلت العلاقه بين ناظم الطبقجلي وأتباع الملا إلى طريق مسدود لإختلاف الأهداف والغايات لدى كلا منهما.

ونظرا لعدم تلاقي الطرفين فى المنطلقات والغايات والأهداف أعطى الملا لأتباعه إشارة البدء لحرب الإشاعات المسمومه ضد القائد الشريف الذى لم يقبل المساومه على الوطن والشعب، فلم يخلو مؤتمر للفوضويين والبارتيين العنصريين من الهجوم على ناظم الطبقجلي والتعريض به وإتهامه بالوقوف مع التركمان أو جماعة حلف بغداد كما إعتادوا على تسميتهم، وبدأ الملا فى ممارسة الضغوط على المسئولين فى بغداد من أجل نقل الزعيم الطبقجلي من كركوك إلى أى مكان آخر، ونظرا لمعرفة الطبقجلي بطبائع الملا وما يضمره وأتباعه من شر بكركوك وتركمان كركوك تشبث هو الآخر بالبقاء فى كركوك معلنا أن البديل الوحيد لذلك هو الإستقاله.

ولندع اللواء الركن صلاح الدين عبد القادر رشيد وهو ضابط كردي وطني يقص لنا جانبا من مؤامرات الملا وأتباعه على ناظم الطبقجلى وأسباب كراهيتهم له فيقول:

"كان الشيوعيون والبارتيون يراقبون السيد القائد المرحوم الطبقجلي قبل إعلان الثوره (ثورة الشواف) للأسباب التاليه:
١ - كشفه لنوايا وتحركات وخطط الشعوبيين والبارتيين فى المنطقه الشماليه بكتبه الرسميه العديده لمراجعه العسكريه.
٢ - طلبه من وزارة الدفاع نقل الضباط والمراتب الشعوبيين والبارتيين من الفرقه الى خارج قاطعها.
٣ - عدم إستجابته لمطاليب الشعوبيين والبارتيين غير القانونيه وغير العادله ورفضه لأى تصرف لاينسجم مع قواعد النظام والقانون وإحالة المسيئين منهم إلى القضاء لينالوا جزائهم.
٤ - نظرته إلى المواطن أى كانت قوميته بروح العدل والمساواه دون تفريق أو تمييز مما أثارت حفيظة الشعوبيين وأعوانهم.

وهناك أمور أخرى أود سردها للحقيقه والتاريخ ليس إلا:

١ - البارتيون عادوا المرحوم الطبقجلي للأسباب التاليه:
آ - معارضته أصلا لفكرة عودة الملا مصطفى البرزاني من خارج القطر إلى العراق وإمتعاضه من زياراته التى كان يقوم بها إلى قاطع الفرقه والتى كان يدعو بها بصوره خفيه إلى الحركه الإنفصاليه وتأليب العناصر البارتيه الكرديه الحزبيه على السلطه والطلب إليها الإنضمام إلى تلك الحركه وأن المراسلات المعنونه من قيادة الفرقه الثانيه إلى المراجع العسكريه العليا فى بغداد توضح ذلك بالأدله والوثائق والثبوتات الرسميه.
ب - محاربته لفكرة تغيير الواقع السكاني لمدينة كركوك (التى تسكنها كافة القوميات المتآخيه) بالشكل الذى يؤمن الكثره العدديه للقوميه الكرديه، هذه الفكره كانت قد تبنتها الفئه البارتيه والعناصر الكرديه الشيوعيه.
ج - الوقوف بحزم تجاه أى عمل لا قانوني يمارسه هؤلاء فى قاطع الفرقه.
د - طلب نقل العناصر القياديه منهم سواء فى القطاع المدني أو العسكري خارج قاطع الفرقه تحقيقا للمصلحه العامه وتأمينا لوحدة تراب الوطن وعدم الإستجابه لمثل تلك الطلبات من قبل الجهات العليا وتسرب تلك المعلومات إلى الأشخاص المعنيين بشكل او بآخر ومحاولة هؤلاء الحزبيين المتطرفين التنكيل بالمرحوم الطبقجلي والتشهير به بأنه معاد للقوميه الكرديه خلاف الواقع.
هـ - عدم الإستجابه لرغباتهم وتنفيذ مآربهم التى كانت تطرح من خلال توجيه التهم الباطله التى كانوا يوجهونها إلى العناصر المخلصه التى تعارض السير فى ركبهم واعتبروا ذلك تآمرا على السلطه.

٢ - الشيوعيون عادوا المرحوم الطبقجلي لأسباب معروفه وعدم موافقتهم فى الرأي فى كثير من الحالات المذكوره فى أعلاه.

٣ - حادثة السيطره على نقاط السيطره الموجوده فى مداخل مدينة كركوك من قبل العناصر الشيوعيه والبارتيه وإهانة الضباط والمواطنين."

وهكذا وجد القائد الطبقجلي نفسه امام جمع من الأعداء لا مبادىء لهم، لغتهم هى السحل، ومبادئهم هى الخيانة، وفلسفتهم هي بث الكراهيه، شعارهم المفضل. . إقتل. . إقتل. . إسحل. . إسحل، وفى الوقت الذى كانت جماهير الشعب العراقى تحلم بوطن تحترم فيه حريات الناس، فإنهم كانوا يحلمون (بوطن حر وشعب سعيد) ولكن من نوع آخر، وطن شعاره منجل وجاكوج، وطن مصبوغ بدماء الأبرياء، وطن يسوسه أسافل المجتمع وأرازل شذاذ الآفاق، وطن عندما تلوح فيه الجماهير بالورود فإنهم يلوحون بالحبال، ولم يكن وطنهم هذا هو الوطن الذى يرومه الطبقجلي لشعبه الأبي، ومن ثم لم تلتق إرادته وإرادتهم.

وهنا صمم الملا البرزاني وعقد العزم على إبعاد الطبقجلي عن كركوك كون أنه العقبه الكؤود فى سبيل تحقيق أحلامه الإنفصاليه وأحقاده العنصريه، وعندما يصمم الملا ويعقد العزم لايعوزه المكر ولاتعييه الحيل، فهو فى هذه الأمور نسيج وحده ولانظيرله، وبدأت الحملة النكراء، والمؤامرات الملفقه، والوشايات الكاذبه، ولكن هيهات هيهات أن تزحزح هذه المكائد رجلا مثل الطبقجلي عن مبادئه، فناظم الطبقجلي صنف من الرجال يواجهون الموت ولا يفرون منه فرار الجبناء، ومن ثم عقد الطبقجلي العزم أيضا وتملكه الإصرارعلى وقف المجزره الرهيبه التى يخطط لها الملا وأتباعه بحق تركمان كركوك، والوقوف فى وجه مؤامرة الإنفصال مهما كلفه ذلك من ثمن.

لكن ترى هل سيقوى الطبقجلى على الصمود أم أن هناك ظروفا أخرى سوف تطرأ على الموقف وتؤدى لإنهيار مقاومته؟؟.

في الحلقه القادمه نستكمل عرض الوثائق وشهادات الشهود حول دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك الرهيبه.

تشرين ربيعة
03-10-2009, 09:47 PM
الحلقة السابعة عشرة

رأينا فى الحلقه السابقه كيف أن العلاقه بين ناظم الطبقجلي والملائيين قد وصلت إلى طريق مسدود، وكيف أن تقارير الطبقجلي حول الأنشطه غير المشروعه للملائيين فى المنطقه الشماليه أخذت تترى لعبدالكريم قاسم والحاكم العسكري ومديرية الإستخبارات، وأن بعض هذه التقارير أخذت طريقها ليد الملائيين بصوره أو بأخرى، ومن ثم أعلن هؤلاء بدورهم الحرب على ناظم وأخذوا فى بث دعاياتهم الخبيثه وإعلان حربهم السافره ضده، وقد كثف الملا مصطفى البرزاني من جهوده لدى السلطات فى بغداد من أجل إبعاد الطبقجلي عن كركوك كي يتثنى له تنفيذ مخططاته نحو تكريد المدينه وتهجير التركمان وقضم الجزء الشمالي من البلاد.

وعارض الطبقجلي أن ينقل من كركوك بطلب من الملا ولإدراكه بحجم المخاطر التى ستحدق بالبلاد وبتركمان كركوك إذا ماترك المنطقه فى هذه الظروف، فالرجل كان على معرفة كامله بالملا وبنواياه الإنفصاليه ومدى مايكنه فى صدره من كراهيه للتركمان ورغبته الملحه فى إجلائهم عن كركوك وترحيلهم خارج البلاد و من ثم هدد بدوره بالإستقاله إذا ما رضخ قاسم لمطلب الملا، وقد ظلت العلاقه بين الطبقجلي والملا وأتباعه وحلفائه مابين شد وجذب دون ان يتغلب احدهم على الآخر، وعبدالكريم قاسم لم يكن يهدف من علاقته بجميع هذه الأطراف المتعارضه سوى توطيد أركان حكمه المستبد، وقد إستخدم الملائيين لتحقيق هذه الغايه، كما أن قاسم لم ينس جميل الطبقجلي الذى لزم الحياد في صراعه مع عبد السلام عارف، فما كان من قاسم إلا أن لزم الحياد فى صراع الملا والطبقجلي فلم يحزم أمرا أو يبت فى خصومه وترك جميع الأطراف تصارع بعضها البعض وهو فى موقف المتفرج.

وقد إنتهزت القوى الشعوبيه الإنفصاليه الحاقده والمتعاونه مع العناصر الشيوعيه والفوضويه هذه الفرصة السانحه فسارت في إتجاه بث الأفكار التى تدعو للكراهيه والعنصريه والإنفصال وإثارة الأحقاد تجاه القوميتين العربيه والتركمانيه والعمل على محو الشخصيه الإسلاميه للعراق، وصار الهتاف المفضل لدى القوى الديموقراطيه الخيره من البارتيين والشيوعيين هو. . "الموت لدعاة القوميه المزيفة" قاصدين بذلك القوميه العربيه، و"جبهة جبهة وطنية. .فلتسقط الطورانية" أى القوميه التركمانية، وصارت كلمات من قبيل: "تركماني طوراني. . متآمر. . رجعي. . خائن. . موتور. . لايحب الزعيم" تتردد على ألسنة هؤلاء الجهلاء فى كل مناسبه، وأشاع هؤلاء الفوضويون الفوضى فى طول البلاد وعرضها، وصاروا يطوفون على أماكن تجمعات التركمان ومقاهيهم وهم يشيرون إليهم ويهتفون: "يسقط الخونه المتآمرون على سلامة الزعيم التقدمي الديموقراطي. . يا. . وترد جوقة الجهلاء. . يسقط. . يسقط. . يسقط".

وأصبح إعتياديا أن يصرح هؤلاء العنصريون الإنفصاليون برغبتهم فى ترحيل التركمان عن كركوك فيقولون "سنحجز أموال (جولكة) ونرحلهم مثل اليهود" وكلمة (جولكة) تعنى اليهود باللغه الكرديه، وقد درج هؤلاء على تسمية التركمان باليهود، وأخذوا فى التجرؤ على الدين، وصاروا يطرحون على الناس التساؤل: "منو أشرف محمد لو خروشوف؟". . ويرددون: "وين أكو الله؟ الله ماخذ أجازه"، ويشيرون لكل من يخالفهم في الرأى: "هذا متآمر".

وهكذا إختلطت الأوراق وصار الملا الذى يروم إشاعة الفوضى فى العراق هو الذى يحدد من هو الوطنى ومن هو المتآمر ومن هو التقدمى ومن هو الرجعي، وأخذت أجهزته الإعلاميه في بث الدعايات السوداء وإذاعة الأخبار عن المؤامرات الملفقه بقصد السيطره على كريم قاسم المهووس بالسلطه وللتخلص من مناوئيه من القوميين العرب والتركمان والأكراد المعارضين لهيمنته، وفى وسط هذا الليل البهيم عزم بعض الضباط على القيام بتمرد طالما أن قاسم قد صم أذنيه عن الجرائم الشنيعة التى طالت الشرفاء من مختلف القوميات، وقاد هذا التمرد العقيد عبد الوهاب الشواف قائد لواء الموصل التابع للفرقه الثانيه التى يقودها ناظم الطبقجلي، ورغم أن ناظم الطبقجلي كان يتميز من الغيظ من تصرفات كريم قاسم وإطلاقه العنان للعناصر الشيوعية والبارتيه الحاقدة لتسيىء للعلاقات الأخويه بين القوميات وتعتدى على حرمة الدين، ورغم أنه أيضا كان معروفا بتوجهه القومي وتربيته الإسلاميه وهو مايتفق مع توجه العقيد الشواف إلا أنه أعلن وقوفه وتأييده الكامل لكريم قاسم وبعث برقية بذلك بثتها إذاعة بغداد أثناء حصول التمرد.

وكان الطبقجلي قد أدرك بحنكته أن إنضمامه لصفوف المتمردين يعني إعطاء الفرصة للملا وأتباعه لإرتكاب مجزره مروعه بحق أهل كركوك على نحو مافعلوا فى الموصل فيما بعد من قتل وسحل لنحو ثمانمائة إنسان لم يسلم فيها حتى النساء كالآنسه العفيفه (حفصة العمري) التى قام أشاوس الملا وحلفائه من الشيوعيين بعد أن قتلوها وسحلوها بتعليقها على جسر السكه الحديد عاريه من ملابسها على ملأ من الناس ودون ادنى مراعاه لحرمة الأموات أو الأحياء.

لقد كان الطبقجلي يدرك تماما بأن الملا يعد للتركمان ماهو أسوأ من ذلك ومن ثم فمن الحكمه إعلان التأييد لكريم قاسم حفاظا على أرواح الأهالي ولتفويت الفرصه على القتله أعداء الشعب، وعن الظروف الحالكه التى مر بها الشعب العراقي والتركمان فى كركوك وقت حدوث التمرد يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله الذي كان أحد ضباط الكتيبه الرابعه التابعه للفرقه الثانيه مايلي:

"كان يوم ٨ آذار / مارس دواما رسميا، لذا كان جميع منتسبى الوحدات فى ثكناتهم ولم يسمح بالنزول بعد إنتهاء الدوام الرسمي لورود برقيه إنذار تشير بإختصار إلى حصول التمرد فى حامية الموصل. ولما كانت شقة الخلاف والتناحر عميقه وعلى أشدها بين الكتلتين (الشيوعيه / الكرديه) و (القوميه العربيه / التركمانيه)، قبل هذا الوقت، توقفت جميع الأعمال الرسميه، حال ورود خبر التمرد، وبدأت إجتماعات ضباط الكتلتين فى الغرف والقاعات واتصالاتهم بالجنود وضباط الصف كل على حده، لتقييم الوضع وإتخاذ تدابير الحيطه والحذر والتهيؤ للمنازله المسلحه إذا تطلب الأمر، كان الشيوعيون والأكراد أكثر عددا من الضباط القوميين العرب والتركمان، وكذلك الجنود الأكراد بنسبه كبيره، عدا ضباط الصف الذين كان القوميون فيهم أكثر، وكانت النسبه العدديه من الضباط والمراتب متماثله في جميع وحدات الفرقه تقريبا."

ويستطرد قائلا: "وبعد طعام العشاء توجه الضباط الشيوعيون والأكراد فى ركن والقوميون العرب والتركمان فى الركن المقابل والمسدسات محشوة (طلقة فى الحجرة) والأعصاب متوترة جدا والحديث مابين أفراد المجموعه يجري همسا، وحتى نظرات بعضهم إلى البعض كانت شزره تنم عن الحقد وتضمر العداء والوعيد، يحاول الجميع، كل من جانبه جاهدا، تحاشي إشتباك النظرات لئلا يتحول إلى المشاده وعندئذ تتكلم المسدسات المجرده من اغلفتها لسرعة الإستعمال.

وكانت الآذان مركزه نحو جهاز راديو قديم فى أحد أركان البهو لمتابعة الأخبار التى كانت تبثها إذاعة بغداد. صادف وقام أحد الضباط (الملازم غازي رمضان) بصوره تلقائيه بتبديل الموجه إلى القصيره وأدار ميل الراديو يمينا وشمالا. . وإذا ببيان الشواف يذاع من إذاعة الموصل. . وبعد لحظات من السكوت للإنصات إلى البيان. . صاح عليه العقيد محمد على الخافجى (الشيوعي المعروف) آمر البطاريه الثالثه بحده وغضب "ديره على إذاعة بغداد". ورد الملازم الأول صبيح الدارجي قائلا: "خلي نسمع ماهى مطاليبه" وهو يقصد مطاليب الشواف. . فردت عليه عدة اصوات من الضباط الشيوعيين والأكراد بأن: "شنو مطاليب هذا الحقير. . الخائن. . المتآمر" تمتم الضباط القوميون والتركمان الذين كانوا قله، وبرتب صغيره بالقياس إلى مناوئيهم، معترضين على كلمات (الحقير، الخائن، المتآمر). . كادت المسدسات أن تتكلم لولا أن أذيعت في تلك اللحظه لحسن حظ الجميع برقية قائد الفرقه (الطبقجلي) الذي أيد فيها الزعيم ولم يؤيد فيها حركة الشواف كما كان متوقعا بدرجه كبيره.

بذلك والحق يجب أن يقال، بغض النظر عما نشر عن تواطؤ المرحوم الطبقجلي مع الشواف ورفعت الحاج سري مدير الإستحبارات العسكرية والآخرين ممن صدرت الأحكام بحقهم، وما قيل عن تردد الطبقجلي وعدوله عن تأييد الشواف فى الساعات الأخيره، وما جاء فى إفادته أمام المحكمه التى نفى بها علاقته بالحادث أساسا، وإلى آخر الروايات، أنه بعدم تأييده لحركة الشواف والإنضمام إليها، أنقذ آلاف الأرواح البريئة وجنب أهالي مدينة كركوك (التركمان) التعرض إلى مجزره لكانت أفظع بكثير مما تعرضوا له فيما بعد فى (١٤ تموز / يوليو ١٩٥٩).

تخطت المدينه والتركمان الكارثه الكبرى هذه المره ايضا، وذلك بفضل حكمة الطبقجلي الذى باعتقادي قدر بإحساس عميق حجم الخسائر بالأرواح والممتلكات التى كانت ستترتب على إنضمامه إلى حركة التمرد، هذا بالإضافه إلى إجراءاته التى حالت دون تطور الأحداث التى سبقت الإشاره إليها وتحولها إلى مجزره عامة"

وهكذا تمكنت حكمة وحنكة الطبقجلي من تفويت الفرصه على من ينتظرون الفرص لإرتكاب مجزره مروعه ورهيبه بحق تركمان كركوك، وخلال يومين تم القضاء على حركة الشواف، وقد ترتب على القضاء على الحركة أن قويت شوكة الملائيين وزادت غطرستهم وتجبرهم، وبدأوا فى التفكير جديا في الإنتقام من الزعيم ناظم الطبقجلي الذي وقف كالعقبه الكؤود فى سبيل مخططاتهم التآمرية في شمال العراق، وفوت عليهم الفرص الكثيرة لإرتكاب مجازر بحق التركمان بهدف دفعهم للرحيل عن العراق، وكانت الخطه ألتى وضعها الملائيون وحلفاؤهم أن يقتل الطبقجلى سحلا حتى يكون عبره لكل من يقف فى طريق مخططاتهم التآمريه.

وكاد أتباع الملا أن ينفذوا خطتهم الإجراميه بحق الطبقجلي لولا يقظة وشهامة ونبل ضابط إستخبارات الفرقه الكردي النقيب الركن صلاح عبد القادر رشيد وما أكثر النماذج الطيبه فى الشعب الكردى من أمثال هذا الضابط الذى لم ينساق خلف الأفكار الملائيه العنصريه ولم يخدع بها، وقام بإبلاغ القائد بتفاصيل المؤامره ولما رأى القائد أن زمام الأمور قد أفلت من يديه ورأى تحكم البارتيين العنصريين فى مسار الأمور أضطر أن يطلب من رئيس أركان الجيش فى ١٥ / ٣ /١٩٥٩ مغادرة كركوك إلى بغداد ووافق قاسم، وقام ضابط الإستخبارات الكردي النبيل بأكبر عملية خداع لأتباع الملا، حيث أشاع على نطاق واسع بأن القائد سيسافر بالقطار مساء يوم ١٥ / ٣ إيهاما وتمويها للعناصر البارتية والشيوعية التى قررت قتل القائد وسحله بمحطة القطار فى حين جرى تسفيره فجر ذلك اليوم بالسيارة.

وهكذا طويت صفحة القائد النبيل الذي حال دون تنفيذ الملا لمؤامراته ضد التركمان وأصبح الجو بعد مغادرته لكركوك مهيئا تماما لوقوع المجزره الرهيبه.

وللحديث بقية

(وردت هذه الشهاده فى كتاب: التاريخ السياسي لتركمان العراق - عزيز قادر الصمانجي - دار الساقي - ط ١ - ١٩٩٩ الصحيفه ١٤٩، ١٥٠، ١٥١)

شبل الامام السيستاني
03-10-2009, 09:53 PM
معلومات جميلة اخ تشرين ربيعة

تشرين ربيعة
03-10-2009, 10:04 PM
معلومات جميلة اخ تشرين ربيعة


وانت أجمل ومرورك أطيب مولاي xmen

تشرين ربيعة
03-10-2009, 10:15 PM
الحلقة الثامنة عشرة

رأينا فى الحلقة السابقه كيف حسم الملائيون صراعهم مع قائد الفرقه الثانيه بكركوك لصالحهم، وأنه بإبعاد ناظم الطبقجلي عن كركوك يكون الملائيون قد حققوا إنتصارا كبيرا على طريق تنفيذ ما يخططون له من إرتكاب سلسله من المجازر بحق التركمان أصحاب الأغلبيه السكانيه في المدينه بقصد دفعهم للنزوح عنها على نحو ما فعلت العصابات الصهيونيه فى فلسطين، وكيف خططوا من أجل قتل القائد الطبقجلي سحلا فى محطة القطار ليجعلوا منه عبره لغيره ممن يقفون فى طريق مخططاتهم التآمريه، بيد أن يقظة وإخلاص ضابط إستخبارات الفرقه الكردى النقيب الركن صلاح عبد القادر رشيد الذي إستخدم أقصى درجات التمويه والخداع نجحت في إنقاذ القائد من المؤامرة.

وبرحيل الطبقجلي عن كركوك قويت شوكة الملائيين وحان وقت الحساب مع القوميه العربيه أو القومية المزيفه كما كانوا يسمونها فى شعاراتهم، وشعر التركمان بالخطر المحدق بهم وبمستقبلهم فى العراق، فالقائد رغم أنه كان عربيا إلا أنه كان يتمتع بحس إنساني رفيع تجاه جميع القوميات وكان بحق راعيا للجميع بلا تفرقه، وكان حريصا على أمن المواطنين وسلامة أرواحهم فى خضم الفوضى العارمة التى أشاعها الملا وحلفائه من الشيوعيين فى طول البلاد وعرضها.

ولندع العقيد الركن عزيز قادر فتح الله الضابط فى الكتيبه الرابعه التابعه للفرقه الثانيه يقص علينا جانبا مما حدث عقب رحيل ناظم الطبقجلي عن كركوك. . يقول:

"ـ تولى قيادة الفرقه وكاله العقيد أسعد بابان (الكردي) قبل إلتحاق العميد الركن داود الجنابي (الشيوعي) الذى جرى تعيينه قائدا للفرقه.
ـ أصدرت الفرقه قائمه بإسم (١٠٢) ضابط من القوميين العرب والتركمان من مختلف الرتب إحاله إلى إمرة مديرية الإداره فى بغداد، بذلك فرغت وحدات الفرقه من العنصرين تقريبا (العربي والتركماني)، عدا بعض الضباط الذين اعتبروا أقل تطرفا أو نشاطا ممن أحيلوا إلى إمرة الإداره، ولحاجة الوحدات إليهم لإدارة أعمالها وعلى أدنى مستوى.
وعليه لقد حقق الشيوعيون والأكراد السيطره الكامله على جميع الوحدات وقيادة الفرقه فى كركوك والحاميات الأخرى، وحيث أصبح جميع آمري الوحدات من الأكراد والشيوعيين وكذلك المناصب الهامه والحساسه فى مقر الفرقه منهم: العقيد أسعد بابان وكيل القائد(كردي)، والعقيد محمد على كاظم الخافجى (الشيوعى) مدير إدارة الفرقه، والعقيد عبد الرحمن القاضى (الكردى) آمر مدفعية الفرقه، والنقيب الركن نزهه القزاز (الكردى) ضابط إستخبارات الفرقه، والرائد نشأت السنوى (كردي) آمر إنضباط الفرقه، ومعاونه النقيب فخرى كريم (الشيوعي المتطرف).
ـ لم تقتصر سيطرة الشيوعيين والأكراد على مرافق الجيش والقوات المسلحه فحسب، إنما حال التحاق العميد الركن داؤود الجنابي الشيوعي، وتسلمه قيادة الفرقه بل فى الحقيقه مسؤولية إدارة اللواء، سلم كل الأمور المدنيه والسياسيه إلى صديقه وإبن دورته ورفيقه فى الحزب الرائد المتقاعد (فاتح داوود الجباري) وهو كردي من أسرة شيوخ الجباري.
وكما سبق ونوهنا، بأن لجنة كركوك المحليه للحزب الشيوعي العراقي كانت تابعه لفرع كردستان، وهى فى يد الكرد. وكان محور إدارة الأمور فى المدينه يكاد يكون (معروف البرزنجى) المحامى (كردي) سكرتير أنصار السلام، ورئيس البلديه، و(عونى يوسف)، رئيس محكمة الإستئناف، وهو عضو سابق مؤسس فى الحزب الديموقراطي الكردى الموحد، وذو ماض ديموقراطى يميل للشيوعيين، ومعظم القضاه من الأكراد. ومدير الأمن كردى، ومعظم معاونيه من ضباط الأمن الأكراد، و(مهدي حميد) رئيس المقاومه الشعبيه عضو فى الحزب الشيوعى العراقى.
ـ بدأت عملية التنكيل والإضطهاد ضد التركمان، وقد تم خلال ايام إعتقال ما يقرب من ثلاثة آلاف تركماني فى كركوك، شيوخا وشبابا، رجالا ونساء بتهمة (الطورانيه) التهمه التى أصبحت شائعه تلصق بكل تركماني قومي. وقد اطلق سراح المعتقلين بعد أشهر ونفى عدد منهم إلى المحافظات الجنوبيه.
وخلاصه القول انه فى الوقت الذىساهمت فيه تلك الأحداث فى توسيع شقة الخلاف وتعميق العداء والحقد لدى كل طرف ضد الطرف الآخر، بشكل بات معه من المستحيل قيام أى نوع من التسويه السلميه لإزالة الخلاف أو تخفيف العداء، وبما أن توازن القوى أصبح مختلا لصالح التحالف الكردى الشيوعى إثر مشكلة الشواف فى الموصل، مما جعل الطريق سالكا لحسم النزاع، بإنزال ضربه قاصمه على الطرف الأضعف وهو التركمان، الذى اصبح مكشوفا بعد إختزال الإسناد العربى البيروقراطي لهم، ولا سيما فى المؤسسه العسكريه وقوى الأمن والشرطه، وذلك لإخضاعه وتطويعه، بل القضاء على مجتمعه بتفتيت تماسكه، وصلابة مقاومته للشيوعيه كأيديولوجيه وللأكراد كقوميه تتنازع معه فى تغيير الواقع السكاني للمدينه.
كانت تصفية الحساب تنتظر وقتها المناسب، وقد حل ذلك الوقت بحلول موعد إحياء الذكرى الأولى للثوره فى اليوم الرابع عشر من تموز / يوليو ١٩٥٩، ذلك اليوم المشؤوم الذى حصلت فيه المجزره الرهيبه التى دامت ثلاثة أيام."

وهكذا وكما يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله فإن الأمور كانت تسير بإتجاه يوم الحساب مع التركمان الذى بات قادما لاريب، إذ تم إبعاد كل العناصر العربيه والتركمانيه وتمهيد الأجواء لأتباع الملا وبقية الفوضويين لينفذوا ماهو مخطط سلفا ومنذ أمد بعيد وتسبب وجود ناظم الطبقجلى فى تأخير وقوعه كثيرا جدا، وبغياب الطبقجلي وإبعاد الضباط العرب والتركمان عن كركوك وإسناد قيادة الفرقه لداؤود الجنابي الشيوعى المتآمر مع جماعة الملا البرزاني تكون كل الظروف قد تهيأت لإرتكاب المجزره التى يندى لها جبين كل إنسان حر، والتي نفذتها الوحوش الملائيه بالتعاون مع الشيوعين والفوضوين بطريقه فاقت بربرية العصور الأولى للإنسانية.

فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول دور الملا مصطفى البرزاني فى مجزرة كركوك.

وللحديث بقية

(وردت هذه الشهاده فى كتاب: التاريخ السياسي لتركمان العراق - عزيز قادر الصمانجي - دار الساقي - لبنان ١٩٩٩م رقم الصحيفه ١٥٢، ١٥٣)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 10:25 PM
الحلقة التاسعة عشرة

إستعرضنا في الحلقه السابقه شهادة العقيد الركن عزيز قادر فتح الله والتي تناول فيها النتائج التي ترتبت على إبعاد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي عن كركوك وإحلال العميد الركن الشيوعي داؤود الجنابي محله، وما تلى ذلك من إبعاد كافة العناصر العربيه والتركمانيه عن قيادة الفرقه الثانيه ووضع زمام الفرقه في يد العناصر البارتيه والشيوعيه الكارهه والحاقده على القوميتين العربيه والتركمانيه، وأنه بذلك تكون الإدارتين المدنيه والعسكريه فى المدينه قد وضعت في يد قيادات عنصريه مشبعه بأفكار إنفصاليه بغيضه تسعى لتهميش وإقصاء الآخر المختلف عرقيا ولاترغب فى الإعتراف بالواقع الديموغرافي الذي يؤكد حقيقة أن التركمان هم أصحاب الأغلبيه في المدينه ورغم أن الأكراد كانت قد تكثفت هجرتهم للمدينه مع نمو صناعة النفط إلا أن عددهم لم يزد مع حلول عام ١٩٥٩ عن ثلث سكانها.

ولم تكن هذه القيادات المتعصبه التى أفسد عقولها الملا البرزاني بأفكاره العنصريه وشعاراته الحاقده تريد أن تعترف بهذا الواقع الديموغرافي ولم ترض إلا بتطهير المدينه من القوميات الأخرى وإخلائها من سكانها الأصليين كى يتثنى تحقيق حلم الملا فى أن يصبح زعيما لدوله كرديه كان يدرك تمام الإدراك أنها لن تقوم بغير كركوك الغنيه بالنفط، وهكذا كانت القيادات الجديده لكركوك تنتمي فكريا لمدرسه عنصريه ملائيه شعارها "كركوك كردية ولو بكردي واحد" ومن ثم أخذت فى العمل من أجل خلق المضايقات وإثارة الإستفزازات لكل عنصر غير كردي، وعملت على التحرش بالمواطنين وإفتعال المناوشات والأزمات وإثارة الفتن بقصد دفع التركمان سكان المدينه الأصليين لتركها والرحيل عنها أومواجهة خطر الموت والإباده العرقيه.

وعن الأحداث التى تلت إبعاد الطبقجلي عن كركوك وتعيين العميد الركن داؤود الجنابي وما ترتب على ذلك من نتائج يقول المؤرخ حنا بطاطو مايلي:

"وعلى العموم، وبشكل عام، كانت جذور الضراوه الوحشيه التي أمسكت بتلابيب المدينه تعود إلى العداوه المتأصله بين الأكراد والتركمان، وكان للشيوعيين دور ناشط فى إنفجار الأحداث ولكن كأكراد لا كشيوعيين، ولم تكن الأهداف التى سعى هؤلاء لتحقيقها أهدافا شيوعية، بل كرديه.

وكانت شيوعيتهم فى معظم الحالات شيوعيه سطحية، ويبدو أن ماحدث فى الواقع كان أن الأكراد طوعوا كل المنظمات المساعدة للحزب الشيوعي لخدمة أغراضهم، أى لخدمة نزاعهم القاتل مع منافسيهم التركمان.

وتقع كركوك، وهى مركز نفطي، على بعد ١٨٠ ميلا (٢٨٠ كيلومتر) إلى الشمال من بغداد. وكانت مدينه تركيه بكل مافي الكلمه من معنى حتى ماض غير بعيد، وانتقل الأكراد تدريجيا من القرى إلى هذه المدينة وتكثفت هجرتهم إليها مع نمو صناعة النفط، وبحلول العام ١٩٥٩ كان الأكراد قد أصبحوا يشكلون حوالي ثلث السكان، بينما إنخفض عدد التركمان إلى مايزيد قليلا عن النصف، وكان الآشوريون والعرب هم بقية السكان أساسا، الذين يصل مجموعهم إلى حوالي ١٢٠ ألف نسمة."
ويستطرد حنا بطاطو قائلا:
" وكان من الطبيعي أن يصبح الوضع شديد التوتر. وفى الأسبوع الأخير من تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٥٨ وقعت صدامات خطيره. وانقسمت القوات التى أمرت بإحلال السلام على أساس عرقي، فانضم الجنود الأكراد إلى إخوتهم فى الدم ضد التركمان. وعندما إنتهت الإضطرابات حاول القائد المحلي العربي، الزعيم الركن ناظم الطبقجلي، إقناع الفريقين بالعمل معا من خلال " لجنة التعاون الوطنيه ". ولكن كانون الثاني (يناير) التالي شهد إضطرابات أخرى كان من الواضح هذه المره أنها جاءت نتيجه لإنقضاض أكراد مسلحين على احياء تركمانيه. وأفيد عن مقتل سكان عديدين.

وعن سيطرة الأكراد والشيوعيين على مجريات الأمور فى كركوك عقب رحيل الطبقجلي يقول حنـا بـطـاطـــــو مايلي:

"ومن وجهة الأكراد، لم يكن قد بقى للعنف أى معنى لأنهم لم يكونوا يسيطرون على اللجنة المحلية الشيوعيه فحسب، بل وأيضا على جزء كبير من الحكم فى كركوك، وكان معروف البرزنجي السكرتير الشيوعي لأنصار السلم هو رئيس البلدية، وكان عوني يوسف من الديمقراطيين الأكراد رئيسا للمحكمة، والرئيس الكردي الشيوعي مهدي حميد قائدا لقوات المقاومة، وكان الزعيم الركن العربي داوود الجنابي الذى تسلم قيادة الوحدات فى ١٤ آذار مارس ينتمي - كما أشير فى مكان آخر من هذا الكتاب - إلى الشيوعيين.

ونظرا لأن الأكراد كانوا قد وقفوا منذ البدايه إلى جانب حزبه وصاروا يشكلون الآن مصدر دعم طبيعي له، فإنه لم يكن يترك رغبه أو طلبا لهم إلا ويلبيه، وباختصار فقد كان الأكراد يحكمون عمليا ولا من يعارضهم، وكان لديهم تحت تصرفهم تقريبا كل الآله القانونيه والسياسيه للمدينه اللازمه لحل نزاعهم التاريخي مع التركمان وبدأوا فعلا فى تسخيرها لأغراضهم"

وهكذا أوضح حنا بطاطو أن الوافدين الجدد على كركوك (الأكراد) الذين قدموا إليها مع نمو صناعة النفط والذين لم يزد عددهم مطلع عام ١٩٥٩ على ثلث السكان أخذوا في إثارة المشاكل لسكان المدينه الأصليين من التركمان والعرب والآثوريين، وأن المدينة التى كانت وإلى وقت قريب مدينه ذات صبغه تركمانيه خالصه إنخفض عدد سكانها من التركمان إلى مايزيد قليلا عن نصف مجمل السكان بعد أن تدفق عليها الأكراد من القرى والأقضية الأخرى.

و بالرغم من أن الأكراد كانوا أقليه فى المدينه إلا أنهم سيطروا على جميع المواقع القياديه ومراكز صنع القرار فيها وأخذوا فى تطويع أجهزة الدوله لخدمة مراميهم الإنفصاليه وأهدافهم العنصريه، وأن الزعيم الركن داؤود الجنابي الذى تولى القياده خلفا للزعيم ناظم الطبقجلي لم يكن يهمل لهم طلبا أو رغبه إلا ويحققها بحكم التحالف بين الأكراد والحزب الذي ينتمي إليه (الحزب الشيوعي) وأن الأكراد صاروا عمليا يملكون الآله القانونيه والسياسيه اللازمه لحل خلافهم التاريخي مع التركمان وأنهم بالفعل أخذوا في تسخير هذه الآله لهذا الغرض، ومن ثم لم يكن هناك أي معنى - حسب قول بطاطو - لإسرافهم وتوجههم نحو إستخدام العنف مع التركمان على نحو مافعلوا فى مجزرة كركوك.

وإذا كان ما ذكره بطاطو صحيحا حول سيطرة الأقلية الكردية على مجريات الأمور داخل المدينة وبطريقة لم تجعل للعنف من جانبهم أي معنى، إلا أن ما غفل عنه هو أن العنف وثقافة السحل ولف الحبال حول رقاب الخصوم كانت هي جوهرالأفكار الملائية العنصرية والشيوعية الحمراء، فالفكر الذى تبناه الملا البرزاني ولقنه لأتباعه لا يعترف بوجود الآخر عربيا أو كرديا أو تركمانيا أو آشوريا، فكركوك قدس كردستان، وكركوك كرديه ولو بكردي واحد، وكركوك للأكراد.

كل هذا مع أن الأكراد وافدون جدد على المدينه ولايزيد عددهم على ثلث سكانها، ولايخفى على كل فطن أن هذه الأفكار الملائيه العنصريه البغيضه هي التي أحدثت الفتنه فى كركوك و جرت النكبات على البلاد وأفسدت العلاقات الأخويه بين القوميات وأشاعت الفوضى وعدم الإستقرار في ربوع العراق لسنوات طويله، ولا زالت حتى يومنا هذا.

في الحلقه القادمه نستكمل شهادات معاصري الأحداث حول دور الملا البرزاني في مجزرة كركوك الدامية.

وللحديث بقية

(إقتبست هذه الشهاده للمؤرخ حنا بطاطو من موضوع منشور له بمجلة قارداشلق (الإخاء) تحت عنوان: كركوك تموز (يوليو) ١٩٥٩، عدد ٧، السنه ٢، تموز (يوليو) / أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٠، صفحه ٦٢، ٦٣)

تشرين ربيعة
03-10-2009, 10:40 PM
الحلقة العشرون

إستعرضنا فى الحلقه السابقه شهادة المؤرخ حنا بطاطو والتى اوضح فيها أن الأكراد الذين لم يمثلوا سوى ثلث سكان كركوك وقت حدوث المجزره وكانوا فى غالبيتهم العظمى من النازحين من الريف إلى المدينه للعمل فى قطاع النفط قد تمت لهم السيطره الفعليه على مجمل مراكز صنع القرار السياسيه والقضائيه والعسكريه فى المدينه ، وأنه بتعيين الزعيم الركن داؤود الجنابي الشيوعي العربي قائدا للفرقه الثانيه حقق الأكراد خطوه هامه على طريق تكريد المدينه والإجهاز على ماتبقى من مقاومه لدى التركمان تجاه الغزو الكردي - الشيوعى الهادف لطردهم من مدينتهم التاريخيه .

وقد قام الزعيم الركن داؤود الجنابي بواجبه تجاه حلفائه البارتيين العنصريين خير قيام حيث أصدر قرارا بمنع جميع الصحف التركمانيه وهي البشير والآفاق وجريدة كركوك وقام بإعتقال ونفى وتشريد الصحفيين والمحامين والأطباء ورجال الأعمال وكافة الناشطين فى مجال الدفاع عن حقوق التركمان والعناصر المعارضه لهيمنة الأكراد على المدينه أو المعارضه لضم كركوك لما يسمى بكردستان أو للإنفصال عن العراق حيث تم وضع بعضهم فى السجون ونفى البعض الآخر إلى الألويه الجنوبيه ، وكانت فترة تولي الزعيم الركن داؤود الجنابي قيادة الفرقه الثانيه من أسوأ الفترات التي مرت بالتركمان فى المدينه حيث سلم الأكراد الملائيين والعناصر الفوضويه زمام الأمور وقام بتشجيعهم على نشر الفوضى وإثارة الحزازات وأصدرالأوامر بإقتحام بيوت التركمان وترويع السكان الآمنيين والإعتداء عليهم ومجاراة الملائيين العنصريين فى مخططاتهم التآمريه الهادفه إلى تصفية الوجود التركماني فى العراق .

وفى السطور القليله القادمه نطالع ما كتبته صحيفة الفجر الجديد فى عددها الصادر بتاريخ ٢٢ تموز ١۹٥۹ حول أسباب تفشي العنصريه والإرهاب فى مدينة التآخي القومي كركوك الأبيه وماعاناه التركمان من عسف وجور قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن داؤود الجنابي .. تقول الجريدة:

"كيف وقعت الواقعه فى كركوك ؟ هذه المدينه الهادئه المسالمه المخلصه ذات الماضي المجيد الحافل بالمفاخر والأمجاد كيف إستحالت ركاما وحطاما بعد أن كانت حتى بالأمس القريب روضه تتميز بالروعه والعمران وكل مظاهر الإزدهار؟

هذه المدينه الآمنه المطمئنه التى ماعرفت الشر يوما وكانت مثلا رائعا مجسما للسلام والوداعه ، كيف أستبيحت وأكرهت على أن تسبح بالدم ، دم الأبرياء من أبنائها المخلصين ؟

كركوك ، مصدر الخير ومبعث البركه ، وملتقى الأخوه من عرب وأكراد وتركمان تجمعهم الوحده الحره الشريفه وتلفهم رايتها المقدسه ، وتحتضنهم كأعز ماتحتضن أنساب ووشائج تشد بعضهم إلى بعض وتعقد على رؤوسهم ألوية السلام وتشيع فى قلوبهم الثقه بالمستقبل الكريم المقرون بكل دعائم الرخاء والرفاه والإستقرار ، هذه المدينه الخالده ، كيف عكر صفوها الشر واخترقت وحدتها الجريمه وتسللت إليها عناصر الإرهاب والفساد فأحالتها جحيما وقوده أشلاء عزيزه ماكان أغلاها على الوطن المصاب المحتسب ؟

لكل ما وقع قصه ، ولنبدأ القصه من البدايه ..

كان ذلك قبل شهرين تقريبا حين فوجىء الأهلون بمن جاءهم بمهمة تفتيش الدور والمحلات الخاصه والعامه بحجة البحث عن أسلحه قيل انها مخبأه وغير مسموح بها ، وليس يهم أن يعرف الناس مصدر السلطه التى منحت المفتشين صلاحية التجاوز على حرمات البيوت فقد قيل أن امرا صدر من جهه مسئوله للتحرى والتفتيش والويل كل الويل لمن يعترض .

وقامت حملة التفتيش هذه بعملها بشكل أثار إستغراب الأهلين ، والتركمان منهم خاصه، فقد ركزت الحمله ضدهم حتى تبين بوضوح أنهم هم المقصودون بهذه الحمله ، وإنها وإن تناولت سواهم من المواطنين بنسبه محدوده جدا فقد كان ذلك مجرد ذر للرماد فى العيون وتغطية للهدف المبيت والغرض المقصود وانتهت حملة التفتيش والتحرى دون ان يعثر على شيىء ذى بال اللهم إلا من بضع بنادق صيد وبضع مسدسات مجازه لم يحملها اصحابها إلتزاما ببيان سيادة الحاكم العسكري العام الذي منع بموجبه حمل الأسلحه حتى المجازه منها.

وشيئا فشيئا اخذت بوادر الفتنه تلوح فى الأفق ، فما أن إنتهت حملة التفتيش والتحرى إلى لاشيء ، حتى اخذت بعض العناصر المعروفه من منتسبى الحزب الشيوعي والشبيبه الديموقراطيه والجبهه الوطنيه وبعض الفئات الأخرى ، تمارس فعاليات مشبوهه وتحاول التاثير على التركمان بوجه خاص لحملهم على التسليم بكل مايريده الشيوعيون وتأييد مايقومون به من تصرفات ، وكان طبيعيا أن يرفض المواطنون الغيارى ذلك فما إتفقوا وإياهم على رأي ، فكانت نتيجة هذا الرفض أن جوبهوا بموجة إرهاب عنيفه تمثلت فى الإجراءات التعسفيه التى اتخذت ضدهم بأمر من الزعيم داؤود سليمان الجنابي قائد الفرقه الثانيه آنذاك .

ومضت أيام تلتها ايام والإرهاب يزداد ويتفاقم ، وراحت العصابات الشيوعيه تفرض إرادتها على هؤلاء المواطنين ، وقامت بحمله إعتقالات واسعه تناولت عددا كبيرا جدا منهم، وجريا على عادة الشيوعيين فقد لاقى المعتقلون شر أنواع التعذيب والإهانات ورافق ذلك أن قام نفر من انصارهم بإعتداءات وتجاوزات على من لم يعتقل ، ثم تطور الإعتداء والتجاوز حتى وصل حد فرض إتاوات على الأغنياء وابتزاز الأموال منهم بالقوه والإرهاب ، وقد حصل كل هذا فى حين كان الشيوعيون ومن يتبعهم من المنظمات التحري الملحق بالحزب الشيوعي يعبثون قواهم ويتهيأون ويوزعون كميات كبيره من الأسلحه على أتباعهم إنتظارا للساعه الحاسمة .

واستنتج المواطنون التركمان من كل ما حصل أن هناك خطه وضعت ضدهم ومبعثها وسببها الوحيد أنهم لم يستجيبوا للشيوعيه ولم يؤمنوا بها ورفضوا ان يكونوا عملاء لإستعمار جديد بعد ان تحرر العراق على يد البطل المنقذ والزعيم الأوحد عبدالكريم قاسم من الإستعمار القديم .
وساورتهم المخاوف وتسرب إلى نفوسهم القلق حيث تبين لهم أن الزعيم داوود الجنابي راح يستغل نفوذه كقائد للفرقه الثانيه ويسخر أجهزة الدوله بمعاونة بعض الموظفين الشيوعيين للتنكيل بهم وإكراههم على الخضوع للشيوعيه وعبثا ماأراد وحاول."

وهكذا طرحت جريدة الفجر الجديد التساؤل عن أسباب التحول الذي طرأ على مدينة كركوك الهادئه المسالمه ؟ وقد أجابت الجريده على التساؤل وألقت بتبعة المسئوليه على قوى الشر ، ولم تكن قوى الشر هذه إلا أولئك الذين أعادهم قاسم من روسيا فعادوا إلى البلاد محملين بالأفكار العنصريه الإنفصاليه وبالشيوعيه الحمراء ، فأخذوا فى نشر سموم افكارهم بين أبناء القوميات المتآخيه وجروها جرا للصدام الدموي، وراحوا يختلقون المؤامرات ويدبرون المكائد للتركمان المسالمين ، فاختلقوا قصصا وهميه عن الأسلحه المكدسه فى دور التركمان ، وأغلقوا الصحف التركمانيه ، واعتقلوا شباب التركمان ، ووظفوا كل أجهزة الدوله للتنكيل بالقوميه التركمانيه ، وكان الملا البرزاني هو العقل المدبر لكل هذه الحوادث ، ولم يكن الآخرون إلا أدوات تنفيذ يحركهم الملا كيف يشاء ..

فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول ماجرى فى كركوك بعد إبعاد الطبقجلي وتعيين داؤود الجنابي قائدا للفرقه الثانيه ودور الملا البرزاني والبارتيين المتعصبين فى مجزرة كركوك .

تشرين ربيعة
03-10-2009, 10:44 PM
الحلقة الواحدة والعشرون

إستعرضنا فيما سبق شهادة جريدة الفجر الجديد العراقيه حول المؤامره الملائيه الشيوعيه التي إستهدفت الوجود التركماني فى كركوك، وكانت الجريده قد قررت فى عددها الصادر فى ٢٢ تموز ١٩٥٢ أن ما وصفته بقوى الشر هي التي جلبت للمدينه المسالمه الهادئه عدم الإستقرار وأشاعت فيهاالإرهاب، وأن هذه القوى الشريره هي التي نشطت فى تدبير المكائد وحياكة المؤمرات ضد المواطنين التركمان، و إرتكبت فى حقهم كافة أنواع التجاوزات.

واستكمالا لعرض الشهادات والوثائق المتعلقه بالأحداث التى سبقت المجزره وأدت إلى حدوثها، نتطرق إلى المذكره التحريريه التي رفعها المواطنون التركمان إلى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بتاريخ ١٨ تموز (يوليو) ١٩٥٩ والمزيله بتوقيع شاكر صابر الضابط وتحسين رأفت عن تركمان كركوك والتى وردت فى كتاب " تاريخ الوزارات العراقيه في العهد الجمهورى " الجزء الثالث للإستاذ الدكتور نورى عبد الحميد العاني وزملائه، وقد تناولت تلك المذكره جانبا من المظالم التى إرتكبتها القوى الملائيه الإنفصاليه بالتعاون مع الشيوعيين فى حق إخواننا تركمان العراق، والممارسات غير المشروعه التى إرتكبها الزعيم الركن داؤود سلمان الجنابي بحق هذه الفئه المظلومه والمهضومة الحقوق على الدوام. . وقد جاء فى المذكره ما نصه:

"إن الذنب الذي إقترفناه في العهد الجمهوري والذي لسببه أو لأسباب أخرى قامت مأساة كركوك الأخيره المؤسفه والتى ذهبت ضحيتها نفوس بريئه هو أننا إمتنعنا عن مسايرة بعض الفئات أو الإنضمام إليها أو تأييد فكرتها. إننا الآن عن علم اليقين من أن بعض الفئات يرومون القيام بحركه الإباده للعنصر التركماني فى العراق بسبب كون هذا العنصر حجر عثره أمامهم يحول دون تحقيق مآربهم الإنفصاليه، فالحوادث الماضيه التى وقعت فى كركوك فى عهد خائن الوطن ومطية الإنتهازيه قائد الفرقه الثانيه السابق داؤود الجنابي لخير دليل على نوايا المخربين والفوضويين والسائرين في ركابهم.

لقد ظهرت في سماء كركوك الكئيبه موجه من الإرهاب والإضطهاد لم يشهد مثلها بلد آخر حتى فى أحلك أيام العهد البائد. وكانت هذه الموجه موجهه إلينا نحن التركمان وحدنا إذ إعتقل القائد المذكور على مايزيد ألف شخص من المواطنين التركمان وزجوا بالمواقف والمعتقلات ولاقوا أنواع العذاب والإضطهاد على ايدي الضباط والمراتب فى دهاليز الفرقه الثانيه وعلى مرأى ومسمع من القائد نفسه وبإشراف حاكم التحقيق بطرس مروكي ورئيس المحكمه عوني يوسف ووكيل مدير الأمن السابق الشيخ رضا الكولاني.

ولم يكتف المسئولون بذلك بل قاموا بتحريات واسعة النطاق آملين العثور على أسلحه وعتاد كي يدينوا هذا العنصر بالخيانه، ولكن عدالة الله فوق كل شيء والنيات الحسنه تظهر دائما ناصعه أمام الملأ فلم يعثروا على أي نوع من الأسلحه عدا بعض المسدسات وبنادق الصيد المجازه فجن جنونهم وشوهوا الحقائق وطالبوا الجهات العليا ببغداد بضرورة إعتقال هؤلاء الأشخاص وإبعادهم إلى خارج اللواء وفصل العشرات من الموظفين والمستخدمين من المدنيين والعسكريين كما نقل آخرون جلهم معلمون بناء على طلب المنظمات الشعبيه والجمعيات والإتحادات التى يسيرها الإنتهازيون والفوضويون وعندما كان هذا الإرهاب على أشده كان التنظيم والإستعداد لتعبئة العناصر المناوئه للجمهورية من الأكراد والشيوعيين فى نشاط مستمر فوزعت أسلحه كثيره ومن ضمنها الأسلحه المجازه التي إغتصبوها من المواطنين على المقاومة الشعبيه والمنظمات المخربة.

أما النشاط فى إبتزاز الأموال والنقود من أغنياء البلد عن طريق الإرهاب والتهديد فقد كان مستمرا وكل هذه كانت تمهيدا للقيام بإبادة العنصر التركماني فى العراق."

وهكذا أوضحت المذكره التحريريه التى رفعها المواطنون التركمان لعبد الكريم قاسم أن الوجود التركماني فى العراق صار مهددا بخطر الإبادة بسبب رفض التركمان مسايرة القوى الإنفصالية الكردية في مشاريعها الخيانية التآمرية، وأن الأحداث التي جرت فى عهد داؤود الجنابي الذى أطلقت عليه المذكرة لقب (خائن الوطن ومطية الإنتهازيه) أثبتت بما لايدع مجالا للشك بأن هذه القوى قد ضاقت بمواقف التركمان الوطنية وبتمسكهم بوحدة الأراضي العراقيه فراحت تدبر المكائد وتحيك المؤامرات ضدهم للتشكيك فى إخلاصهم للجمهوريه ولجرهم للصدام مع السلطه، وأن قرارات الإعتقال والإبعاد والنفي لم تشمل سوى المواطنين التركمان، وأنه فى الوقت الذي كانت الإداره العسكريه والمدنيه لكركوك والخاضعه لسيطرة الملائيين والشيوعيين لديها الحرص على تجريد المواطنين التركمان من أسلحة الدفاع عن النفس بما فيها الأسلحه المجازه فإنها كانت فى ذات الوقت تقوم بتوزيع السلاح على المنظمات الإرهابيه التابعه لها، وهو ما يؤكد أن مجزرة كركوك كانت عملا مخططا وجريمه مدبره من قبل تلك القوى الإنفصاليه.

فى الحلقه القادمه نواصل إستعراض بقية الشهادات حول تآمر الملا البرزاني وجماعة الأكراد البارتيين وضلوعهم في تنفيذ جريمة قتل وسحل التركمان فى مجزرة كركوك.

تشرين ربيعة
04-10-2009, 06:46 AM
الحلقة الثانية والعشرون

رأينا فى الحلقات السابقه كيف إنقلبت دفة الأمور فى كركوك لصالح التحالف الشيوعي الملائي وكيف تم إبعاد كافة العناصر العربيه والتركمانيه التى كان من الممكن ان تكون حائلا دون وقوع المجزره المعده لتركمان المدينه، وكان القائد الجديد للفرقه قد بدأ مهام عمله بإستقبال الملا مصطفى البرزاني للتشاور وتلقى التوجيهات بشأن مايمكن عمله نحو تصفية الوجود التركماني فى كركوك وتدبير مذبحه مروعه قد تؤدي إلى إزاحة هذه المجموعه العرقيه العنيده المتشبثه بالمدينه والتى صارت حائلا دون تنفيذ مخططات الملا التآمريه بشأن الإنفصال وإقامة جمهورية كوردستان البرزانيه، وكانت إحتفالات الأول من مايو ١٩٥٩ (عيد العمال العالمي) فرصه ذهبيه لهذه العناصر الفوضويه لإظهار القوه وفرض العضلات وإرهاب التركمان، حيث قدم إلى كركوك الملا مصطفى البرزاني واستقبله البارتيون والشيوعيون إستقبال الفاتحين، وتبارى الخطباء فى إضفاء صفات البطوله والعبقريه عليه، وفي اليوم التالي عزم الملا على زيارة قائد الفرقه فى مقره وهناك تدافعت الجموع المدنيه والعسكريه للملائيين والشيوعيين وهي تهتف بالموت لدعاة القوميه المزيفه (القوميه العربيه) وللطورانيين (التركمان).

وقد خاطب الملا جماهير الملائيين والشيوعيين والفوضويين من شرفة القياده، وكان من المكر والدهاء لدرجة أن خشي من أن تعالي الهتاف بإسمه ونعته بالزعيم ورفع الجماهير لصوره من المحتم أن يوغر صدر كريم قاسم عليه، لذلك ناشد الجماهير أن تهتف بكريم قاسم زعيما أوحدا واصفا نفسه بالخادم المطيع للزعيم عبد الكريم، بيد أن تقارير كانت قد سلمت بالفعل لعبد الكريم قاسم أظهرت مدى غطرسة الملائيين وتجاوزهم لكل الحدود ورفعهم لصور الملا البرزاني وهتافهم بإسمه فغضب لما حدث من تصرفات هؤلاء، فضلا عن تقارير أخرى عن تحركات عسكريه مشبوهه أثارت الشكوك عن عزم الملائيين والشيوعيين قيادة إنقلاب ضده.

وقد بينت تلك التقارير أن داؤود الجنابي قد كلف ضابط ركن الحركات الرائد على حسين جاسم بإعداد تمرين تعبوي لحركة لواء على طريق بغداد ـ كركوك مع بيان الإنفتاح والتعسكر على الخريطه ولم يوضح الهدف منه، وهو مافسر على انه تدريب على مؤامره شيوعيه ملائيه للسيطره على الحكم، كما أن التقارير كانت تصل يوميا لعبد الكريم قاسم مؤكدة بأن داؤود الجنابي المدعوم من جماعة الملا ومن الحزب الشيوعي يضمر الشر لعبد الكريم قاسم وأنه كثير الإنتقاد لشخصه، وأنه عبر عن إستهانته به عندما رفع خمسة عشر صوره لعبد الكريم قاسم على شكل دبوس كان يعلقها على صدر سترته وقام بإلقائها فى نفاضة السجاير، وهو ماجعل قاسم يسرع فى إستدعاء الجنابي إلى بغداد وقام بعزله من قيادة الفرقه وعين محله العميد محمود عبد الرازق، وقد ثارت ثائرة المنظمات الشيوعيه والبارتيه لهذا القرار وعبرت عن غضبها بتنظيم الإجتماعات والتظاهرات المطالبه بعودة القائد المعزول داؤود الجنابي لمقر قيادته.

بيد أن قاسم الذي بدأ يشعر بخطر الملائيين والشيوعيين لم يعر هذه الإحتجاجات ثمة إهتمام وأصر على قراره،.. ولنقرأ شهادة العقيد الركن إسماعيل حمودي الجنابي ضابط ركن الفرقه الأول (رئيس الأركان) حول ظروف إبعاد داؤود الجنابي عن كركوك.. يقول:

"بعد ثورة الشواف سيطر الشيوعيون والبارتيون على وحدات الفرقه الثانيه والمنطقه الشماليه قاطبة وخاصة فى مقر الفرقه فى كركوك، وكان الموجه للخط المدني والعسكري للحزب الشيوعي في الشمال قائد الفرقه الزعيم الركن داؤود الجنابي، وكانت مراجعاتهم مستمره ليل نهار، وتلفوناتهم لاتنقطع تطلب التوجيهات منه مباشرة وأصبح مركز قوه عند الشيوعيين فى الشمال، يكاد يكون مزاحما لمركز القوه لعبدالكريم قاسم.

ولوأتيحت الفرصه للشيوعيين لعزلوا عبدالكريم قاسم ونصبوا داؤود الجنابي، مع أنه لم يكن سويا فكان يختلي مع نفسه يومين أو ثلاث لا يرى احدا ولايراه أحد، وكان يتناول حبوبا مهدئه وأدويه فى فتره الخلوه هذه.

لقد تنامى نفوذ داؤود الجنابي بشكل سريع وكبير مما أزعج عبدالكريم قاسم. ومع أن داؤود الجنابي كان ينتقد الملا مصطفى البرزاني بقوله: إن الملا رغم قضائه ثلاثة عشر سنه في الإتحاد السوفيتي لايزال مخه محجر، لم يفهم عن تطورات العالم شيئا ولم يتعلم ولايزال مخه مثل مخ الملالي.. ومع هذا كان لايرد طلبا للبارتيين.

وبعد ذهاب داؤود الجنابي إلى بغداد لم يعد إلى كركوك، وهذا مما زاد فى غضب الشيوعيين والبارتيين. وقد ذهبت عدة وفود مدنيه شيوعيه وبارتيه من كركوك لمواجهة عبدالكريم قاسم والطلب منه إعادة الزعيم داؤود الجنابي ولكنه رفض ذلك وسلمت الفرقه إلى العميد محمود عبدالرازق مما أغضب البارتيين والشيوعيين معا."

ورغم إبعاد داؤود الجنابي عن كركوك إلا أنه كان قد إتخذ من الإجراءات مايكفى لتهيأة الأجواء لحدوث المجزره، فقد أبعد عن كركوك كافة العسكريين العرب والتركمان، وأمر بإعتقال آلاف الشباب التركمان، وقام بإبعاد العديد من القيادات والعناصر التركمانيه النشطه إلى الجنوب، وقام بغلق الصحف التركمانيه، ومكن البارتيين والشيوعيين من السيطره على كل مجريات الأمور فى كركوك مدنيا وعسكريا وكان بحق أحد الأسباب المباشره فى حدوث المجزره الرهيبه..

ولنقرأ رأى المرحوم ناظم الطبقجلي فى خلفه فى قيادة الفرقه.. يقول:

"إن خلفي فى قيادة الفرقه الثانيه الزعيم الركن المتقاعد الرفيق داود الجنابي قد ترك وراءه ذكرى لن تنساها الأجيال، ذكرى سوداء لطخت ثورتنا بدماء الشهداء الأبرياء بسبب عقيدته بسبب ميوله إن ضحايا مجزرة كركوك دفنوا أحياء ومثل بهم سحلا وتقتيلا وتشويها، هذه إنسانية الشيوعيين، الإنسانيه التى يفهمونها هم وحدهم، وعن غير هذا السبيل لايمكن لهم الوصول إلى غاياتهم إلا على بحر من الدماء وهو القانون والدستور الذى يعمل به الفوضويون للإباده. إبادة كل من يخالفهم فى عقيدتهم واتجاهاتهم، إنها عقيدة العملاء وهذا أنا لم تخضب يدي بدماء ابناء وطني وكفى"

وكفى أيضا ما أوردناه من شهادات حول دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك على أن نستكمل بقية الوثائق وشهادات الشهود فى الحلقه المقبله.

وللحديث بقيه،

(* وردت شهادة العميد الركن إسماعيل حمودي الجنابي فى موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف (٣) للعميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - ط دار الحريه للنشر بغداد، ١٩٨٨ - رقم الصفحه ٢٠٧، * ووردت شهادة المرحوم ناظم الطبقجلي فى ذات المرجع رقم الصحيفه ١٥٧)

تشرين ربيعة
04-10-2009, 06:52 AM
الحلقة الثالثة والعشرون

رأينا فى الحلقات السابقه كيف تعرض التركمان للظلم والحيف والجور من إخوة لهم فى الوطن راحوا يدبرون المكائد ويحيكون المؤامرات ويتحينون الفرص للإنقضاض عليهم والفتك بهم، ولم يكن لهذا العداء مايبرره، فطبيعة الشعب التركماني السمحه وطيبته المعروفه وحسن معاشرته للقوميات الأخرى جعلت منه شعبا مثاليا يحسن حقوق الجوار، لم يعرف عنه رغبه فى إنفصال أو طموح فى إستقلال أو خيانه للوطن، وعندما كانت له الخيره بين البقاء فى العراق أو الرحيل إلى تركيا إختار العراق بلد الآباء والأجداد وطنا يلوذ بحماه ويرفل فى نعمائه ويستظل بظلاله، وفى فترات القهر والتسلط واللهث وراء المناصب كان يلوذ بالصمت ويعتصم بالصبر وينأى بنفسه عن المزاحمه والصراع.

ولهذا عاش التركمان تاريخهم على أرض العراق يقدمون الخدمات لإخوانهم فى الوطن ولايفكرون فى أنفسهم، وعاشوا مع الأقوام العراقية الأخرى فى أمن وسلام بعيدين عن أى نزاع أو صراع، يشاركونهم فى السراء والضراء، ولم تشب علاقتهم بهذه الأقوام أي شائبه فى أى فتره من الفترات، ولهذا كانت صدمة التركمان كبيره عندما جوبهوا بحملات الكراهيه من بعض فئات محسوبه على الشعب الكردى النبيل راحت تنفس سمومها فى الأساس المتين للعلاقات الأخويه بين الأقوام العراقيه المتآخيه، وكان هؤلاء هم جماعة الأكراد البارتيين بزعامة الملا مصطفى البرزاني الذي أعاده كريم قاسم من منفاه فى روسيا بتاريخ ٧ تشرين أول ١٩٥٨، ومنذ عودة الملا للعراق حاملا معه أفكاره العنصريه سعى لنشر تلك الأفكار في أوساط الأكراد وتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي والجماعات الفوضويه وكان من نتيجة ذلك أن تحول العراق إلى ساحة للمعارك.

وخلال أشهر معدوده من عودة الملا من روسيا (مارس ١٩٥٩) وقعت مجزرة الموصل الدمويه ضد أبناء قوميتنا العربيه والتي قتل خلالها قرابة ثمانمائة إنسان واستخدم القتله البارتيون والشيوعيون أفظع وسائل القتل والسحل وانتهاك الحرمات والإعتداء على الأعراض والحرق والتدمير والسرقه والنهب وبصوره فاقت بربرية العصور الأولى، وكان معروفا عن الملا كراهيته للقوميه العربيه إلا أن كراهيته للتركمان كانت أشد، ولهذا أخذ فى بث الدعايات الكاذبه عنهم وعن مواقفهم من الجمهوريه الوليده محاولا إظهارهم بمظهر الخونه للبلاد ولزعيم البلاد، وكان الملا البرزاني يهدف من وراء ذلك أن يوغر صدر الجهات الحاكمه فى بغداد تجاه التركمان و تهيئة الأجواء للمجزره أو المجازر المرتقبه بحق هذه العرقيه المسالمه.

وكان التركمان يشعرون بكراهية الملا البرزاني لهم ورغبته فى تشويه صورتهم لدى السلطات، ولهذا عزموا على كشف حقيقته أمام عبد الكريم قاسم بأن إستعدوا لتنظيم المسيرات الكبرى وإقامة المهرجانات والزينات الضخمه إحتفالا بالذكرى الأولى لإقامة الجمهوريه، وماجعل التركمان يقبلون على هذه الإحتفالات بفرحه غامره وبصدور منشرحه هو شعورهم بالإرتياح من إبعاد داؤود الجنابي صنيعة الملا البرزاني عن قيادة الفرقه، وأحساسهم أن الأجواء صارت مناسبه ليعبروا عن إخلاصهم للثوره والوطن والزعيم.

وعن إستعداد التركمان للإحتفال بالثوره وأجواء السعادة التى غمرت أجواء كركوك يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله:

"ولما إقترب موعد إحياء الذكرى الأولى لقيام الثوره، نشطت القيادات التركمانيه التى تشكلت من الشخصيات التركمانيه المعروفه لإظهار أقصى درجه من الحرص والحماس على المشاركه الفعاله للتعبير عن الفرحه والتأييد المطلق للثوره وبصوره مستقله لكي لاتفسح المجال لمنظمات الحزب الشيوعي والواجهات التى يهيمن عليها الأكراد ل (تجييرها) أى لتدعيها لنفسها، ومن جهه أخرى كان بمثابة الإعلان عن العزم والتصميم على الخروج من عزلتهم السياسيه السابقه والتفاعل مع الأحداث العراقيه، ولكن بهويتهم القوميه المستقله، وليس بتبعيه للواجهات وسيطرتها... ولكن ذلك لم يرق للطرف الآخر، لتناقض الأهداف والغايات كما قلنا.

بدأ التركمان بالتحضيرات للإحتفال قبل موعده بمده، بدءا بتزيين الشوارع ونصب أقواس النصر فى الشوارع الرئيسيه (شارع الأطلس، الأوقاف، المجيديه) وغيرها، وكان عددها مايزيد على مئة قوس نصر. واتخذت إستعدادات لتنظيم مسيره جماهيريه خاصه بهم يوم الإحتفال. أما الطرف الآخر فقد اصر على ان تكون هنالك مسيره واحده بإشراف لجنه تشكلت من تلك المنظمات وتحت سيطرتها على ان ترفع الشعارات التى حددتها والتى تعبر عن توجهاتها الأيديولوجيه، سالبه التركمان حرية التعبير والرأي على العكس من شعاراتها الرنانه فى هذا المجال، ولغايه معروفه وهى طمس الهويه التركمانيه القوميه واستقلالها."

وكان لهذا التصميم التركماني على إقامة إحتفالات ضخمه يظهرون بها ولائهم للوطن والثوره أثره على المعسكر الآخر الكاره لهم والساعى لإفساد علاقتهم مع الدوله، والذى بادر بدوره للعمل على إفساد تلك الإستعدادات، وعن ذلك يقول العقيد الركن عزيز قادر فتح الله:

"إن تصميم التحالف الشيوعى / الكردى على الإخلال بإستعدادات التركمان وإفشالها، بدأ بوضوح تام قبل موعد الإحتفال بأيام، إذ بدأت مجموعات من أفراد (المقاومه الشعبية) والجنود، أغلبهم من سرية الشغل التى كانت ثكنتها تقع فى قلب المدينه (شارع الأطلس) وغيرهم، بتنظيم تظاهرات إستفزازيه وهم يلوحون ويهتفون "ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده".. إلى جانب الهتافات العدائيه السافره مثل "يسقط الطورانيون الخونه.. العملاء.. الخ". إستمرت هذه التظاهرات ليلا ونهارا وهى تزداد حده وسعه كلما إقترب موعد الإحتفال."

وكانت قيادة الفرقه على علم تام بأن الملا البرزاني الذى غاظه الهمه الكبيره والإستعدادات الهائله التى حشدها التركمان لهذه المناسبه قد وضع الخطط لإثارة الفوضى والإضطراب فى كركوك، وعزم على تنفيذ جريمته بحق التركمان وعن ذلك يقول العقيد الركن إسماعيل حمودي الجنابي رئيس أركان الفرقه:

"وبمناسبة إحتفالات ١٤ تموز بيت الشيوعيون وحلفائهم خطه لإثارة الفوضى والإضطراب فى كركوك تمهيدا لتصفية التركمان، والتى وضعها الملا للخلاص منهم لعدم تأييدهم خطته فى صبغ المدينه بالبارتيه، ولأنهم محافظون يكرهون الشيوعيه ويسندون السلطه الشرعية.

وكانت الفرقه على علم بهذه الخطه التى كانت تقضى بمرور المتظاهرين البارتيين والشيوعيين من شوارع معينه يقطنها التركمان لإشعال نار الفتنه والقضاء على أكبر عدد من التركمان لإشعال نار الفتنه والقضاء على أكبر عدد من التركمان وبث الرعب فى نفوس الآخرين وإظهار البارتيين والشيوعيين بالمظهر المسيطر على مدينة كركوك ولإسكات صوت المعارضه ضدهم.

طلبت الفرقه عرض خطة المسيره على مقرها، ولما كنا نعرف نواياهم فى القتل والسحل والفوضى، لذلك غيرت الفرقه طريق المسيره ن إلا أن المشرفين على تنظيم المسيره من الحزبيين البارتيين والشيوعيين رفضوا ذلك، واخيرا وافقوا بصعوبه كبيره بذلتها الفرقه لإقناعهم، ولكنهم عادوا وطبقوا ماقرروه."

وهكذا كانت نوايا السحالين القتلة من أتباع الملا البرزاني مكشوفه للجميع بما فيهم قيادة الفرقه التى بذلت قصارى الجهد من أجل إنقاذ التركمان المسالمين، بيد أن المجرمين كانوا عازمين على تنفيذ جريمتهم القذرة بحق الأبرياء شيوخا ونساءا وأطفالا، وكانت تهمة التركمان الوحيدة أنهم وطنيون يحبون وطنهم ويعشقون مدينتهم الخالدة كركوك ويتشبثون بوحدة الأراضى العراقيه، ويقفون بالمرصاد لمؤامرات الإنفصاليين البارتيين أتباع الملا البرزاني.

فى الحلقه القادمه نواصل عرض بقية الشهادات والوثائق التى تثبت ضلوع الملا البرزاني وجماعة الأكراد البارتيين فى قتل وسحل المواطنين التركمان الأبرياء فى مجزرة كركوك الرهيبه.

(وردت شهادة العقيد الركن عزيز قادر فتح الله فى كتاب التاريخ السياسي لتركمان العراق - دار الساقي، لبنان ١٩٩٩، صحيفه رقم ١٥٥، ١٥٦ ـ ووردت شهادة العقيد الركن إسماعيل حمودي الجنابي فى موسوعة ١٤ تموز، ثورة الشواف (٣) عميد متقاعد خليل إبراهيم حسين - دار الحريه، بغداد ١٩٨٨م، رقم الصحيفه ٢٠٨)

تشرين ربيعة
04-10-2009, 07:00 AM
الحلقة الرابعة والعشرون

رأينا فى الحلقه السابقه كيف إنتظر التركمان بفارغ الصبر إقتراب ذكرى عيد الثوره الأول وأخذوا يعدون العده لإقامة إحتفالات تليق بهم وبثقلهم السكاني داخل لواء كركوك، وليفوتوا الفرصه على أعداء الوطن والشعب الذين سعوا لتعكيرالأجواء بينهم وبين الحكومه محاولين إظهارهم بمظهر المعادي للثوره، ولم يكن هؤلاء الوشاة إلا الملا مصطفى البرزاني وجماعة الأكراد البارتيين فهم الوحيدين أصحاب المصلحه في تعكير تلك الأجواء لما لديهم من رغبه فى الهيمنه على كركوك وشعور بأن التركمان هم العقبه الكؤود فى طريق الإنفصال وتحقيق حلم الدوله الكردية.

ولهذا عملوا بدأب على تهميش التركمان وبذلوا الجهد كي لايبز لهم دور فى تلك الإحتفالات، وقد خطط الملا البرزاني وأتباعه أن تجرى المسيرات والمواكب تحت قيادة البارتيين والشيوعيين، غير أن التركمان أصروا على أن يكون لهم دورهم المتميز وألا ينضووا تحت أي راية إنفصاليه أوشيوعية، ولهذا نشط أغنياؤهم فى التبرع بالأموال ونصب الأقواس وشراء اللافتات ونحر الذبائح مبرزين هويتهم ومؤكدين على خصوصيتهم، وقد وجد الملائيون فى هذا الإصرار التركمانى على إبراز خصوصيتهم المتميزه والتأكيد على هويتهم القوميه والعمل منفردين بعيدا عنهم عصيانا يستحقون عنه الموت ومن ثم عزموا على قتل التركمان وسحلهم أثناء تجمعهم فى مسيرات عيد الثورة وخططوا لحصد أكبر عدد من الأرواح وإحداث أكبر قدر من الدمار فى الأموال والممتلكات وإثارة أكبر قدر من الرعب والفزع فى النفوس.

وكانت قيادة الفرقة على علم تام بنوايا الزمره الملائيه ولهذا تدخلت فى رسم طريق المسيرات ومواكب الإحتفال ومارست الضغوط على البارتيين وحلفائهم الشيوعيين من أجل الإلتزام بهذا الخط المرسوم، ولكن هيهات لهؤلاء أن يلتزموا إلا بالخط المرسوم والمخطط المعلوم: خط القضاء على التركمان و مخطط تنفيذ المجزره الرهيبه، ولنترك المؤرخ شاكر صابر الضابط وهو احد شهود المجزره يقص علينا جانبا مما جرى فى تلك الأيام حالكة السواد من تاريخ العراق.. يقول:

"إستيقظت كركوك فجر الرابع عشر من تموز الخالد على نسمات عذاب عطرها شذى الفجر المشرق، وانطلقت مع بواكير الصباح لتكتمل عدتها وزينتها النهائيه، لتحتفل مع الشعب - شعب ١٤ تموز - بأعز ذكرى وأقدس مناسبه، مع الشعور بالفرحه تغمر الأفئده المؤمنه المخلصه لهذا الحبيب، تجاوب التركمان فى كركوك مع إخوانهم بقية القوميات من أبناء وطننا الغالي، وأخذوا يسابقون الوقت إنتظارا للساعه المحدوده للإحتفال بالعيد الأغر للذكرى المجيده.

وفى غمرة الإحتفالات الكبرى بعيد التحرير والإنعتاق، وفى غفله من مواكب الشعب المتدفقه حماسه ووطنيه وبهجه، وقعت النكبه، ولعلع الرصاص وأسقط فى أيدي المحتفلين فأريقت دماء الأبرياء جهارا، وإذا بالدائره تدور على المواطنين التركمان، وإذا برهط منهم يتساقطون كالشهب النيره، صرعى الظلم والغدر والفوضويه، ولم تقف المأساه عند هذا الحد - حد الشارع والسوق - بل تجاوزتها إلى البيوت والدور فروعت الأطفال والشيوخ والنساء وكان ماكان به النكبه، دماء وأشلاء وضحايا، فنهبت الدور والمخازن والمحلات العامه، واضطرب حبل الأمن وعمت الفوضى واستشرت الجريمه.. لماذا هذا الغدر؟ يغتال من بيننا إخواننا الكرماء الأعزاء؟ ولماذا هذا الإجرام ينصب فوق رؤوسنا دون سبب أو مبرر؟ لماذا يستحيل عيدنا مأتما؟ وفرحتنا نكبه وابتساماتنا دموعا وعويلا؟

حلت الذكرى الأولى للثوره، واستعد الشعب لإستقبالها واقيمت الأفراح والزينه فى كل مكان، وجاء دور التركمان فى الإحتفال بعيد الثوره الأولى، وقد أقاموا أقواس النصر فى مدنهم وقراهم وخاصة كركوك، حيث زاد عدد الأقواس على مائه ١٥٠ قوسا زينوها بالشعارات الوطنيه وانصرفوا يتهيئون للعيد عيد الشعب، عيد الحريه، عيد الإستقلال.

إلى هنا وكل شيىء على مايرام، والى هنا والتركمان آمنون مطمئنون لم يشغل بالهم شاغل، ولم يصرف تفكيرهم عن مباهج العيد شعور بشيىء من قلق أو خوف. ولكن الرياح جرت على غير ما تشتهي السفن.. وإذا النكبه تدهم التركمان فى كركوك وهم فى غمرة أفراح العيد، وإذا الجريمه تجتاح كركوك بالإعصار المدمر فتصيبها فى الصميم، وكان ماكان.

لماذا كل هذا ولمصلحة من دبرت هذه الجريمه؟ هل يستحق التركمان هذه المأساه تنصب على رؤوسنا كالصاعقه فتزهق الأرواح البريئه، وتدفن الأحياء وتسفك الدم الحرام على أرض العراق الطهور. لم يكن إستعداد التركمان للإحتفال بعيد الثوره الأغر إلا إستجابه وجدانيه للمناسبه السعيده، ويبدو ان هذه الإستجابه بما إنطوت عليه من معاني الإخلاص والولاء للجمهوريه وصرفت تفكيرهم عن كل مالايتصل بخدمة الجمهوريه بسبب أو أسباب، فأبوا أن يسايروا أي تيار لايستهدف خدمة الجمهوريه، شأنهم فى ذلك شأن جميع المواطنين المخلصين في شتى أرجاء عراقنا الحبيب.

أثارت حفيظة الموتورين الذين إستكثروا على الشعب وحدته فى ظل الجمهوريه الخالده فعمدوا إلى تفريق الصفوف بالشغب والدس على التركمان، وإثارة الشكوك فى إخلاصهم وتعلقهم بالجمهوريه وفنائهم فى سبيل دعمها والحفاظ على مكتسباتها التى هى فى الواقع من مكتسبات الشعب. ولقد كان ثبات التركمان بوجه المناورات التى لعبت دورها فى كركوك سببا مباشرا لما حل بهم خلال تلك الفتنه اللئيمه الرعناء، فقد عز على مفرقي الصفوف أن لا ينصاع التركمان لأهوائهم وإغوائهم واتجهاتهم، واستكثروا عنادهم للفتنه، وإصرارهم على نبذ كل مالا يتفق معهم ومصلحة الجمهوريه. فكان ذلك الذنب الوحيد الذى من أجله وقعت الواقعه وأريقت خلالها الدماء."

وهكذا لخص المؤرخ شاكر صابر الضابط الأسباب التى دعت الحاقدين على التركمان لإرتكاب جريمتهم، فهم لايرغبون فى أن يعبر التركمان عن ولائهم للجمهوريه حتى يثيروا حولهم الأقاويل ويشككوا فى ولائهم للوطن ويسوقوا المبررات للتنكيل بهم وقتلهم والقضاء عليهم، أضف إلى ذلك أن التركمان كانوا هم القوميه الوحيده التي إنعقد إجماعها على عدم الإنخراط فى النشاطات الشيوعيه والوقوف بصلابه ضد العصابات الملائيه والأفكار الإنفصاليه وعارضوا مختلف الأفكار والأنشطه الهدامه االتى يسعى مروجوها لتقويض أسس الدوله وتشبثوا بالدفاع عن مدينة كركوك.

ومن ثم رأت هذه العصابات ضرورة تنفيذ تلك المجزره بحقهم حيث قاموا خلالها بقتلهم بلا رحمه.. رجالا ونساء وأطفالا.. شيبة وشبابا، وكان فى حسبان الملا أن المذابح الجماعيه التى يتكاتف على تنفيذها الرفاق الحمر ودعاة الإنفصال هى اقرب الطرق لتحقيق الأهداف الإنفصاليه والمرامي العنصريه.. ولكن هيهات لشعب أصيل كالشعب التركماني أن يترك وطن الآباء والأجداد تحت أى ظرف من الظروف ومهما تعاظمت الأخطار وتكاثرت المآسي والأهوال..

فى الحلقه القادمه نستكمل بقية الشهادات والوثائق حول المجزره الرهيبه....

وللحديث بقيه

(وردت هذه الشهاده فى كتاب: موجز تاريخ التركمان فى العراق، الجزء الأول، المؤرخ العراقي شاكر صابر الضابط، مطبعة المعارف بغداد ١٩٦٠، الصحيفه من ١٥٨ إلى ١٦٠)

تشرين ربيعة
04-10-2009, 07:09 AM
الحلقة الخامسة والعشرون

رأينا فى الحلقة السابقه كيف عزم التركمان على الخروج عن طوق العزله الذى حاول الملا البرزاني فرضه عليهم بمنعهم من التعبير عن مظاهر الفرح بالذكرى الأولى لقيام ثورة ١٤ تموز كى يبدو التركمان وكأنهم من معارضي الجمهوريه، وقد حرص التركمان على إقامة المسيرات والتظاهرات الخاصه بهم ليؤكدوا هويتهم وخصوصيتهم ومواقفهم الوطنيه تجاه الدوله ويبددوا الصوره التى سعى الملا لترسيخها فى أذهان حكومة بغداد عنهم، وكان من الواضح من كثرة عدد الأقواس التركمانيه وماتحمله من شعارات وطنيه والفرحه الباديه على وجوه التركمان وتعالى دقات الطبول والأغاني والأهازيج التركمانيه وتباري التركمان فى أداء الرقصات التى تعبر عن ثراثهم الثقافي وخروج الأطفال والنساء بأزيائهم التركمانيه التقليديه أن العيد الأول للثوره سيكون عيدا مصبوغا بصبغه تركمانيه خالصه وأن جهود الملا وأتباعه لتهميش وإقصاء التركمان ستذهب أدراج الرياح.

وفى حين أغرق التركمان كركوك بأقواسهم الزاهية الألوان فإن الملا وأتباعه لم يقيموا سوى قوسا واحدا كالحا وكئيبا تعلوه صوره ضخمه أكثر كئابه لفلاديمير لينين، وقد وصل عدد الأقواس التى قام التركمان بنصبها لأكثر من مائه وثلاثين قوسا كبيرا مزدانه بالورود والرياحين والشعارات التى تمجد الوطن والثوره والزعيم، وامتلأت المقاهي التركمانيه عن آخرها بالمواطنين التركمان وقبل الموعد المحدد لسير مواكب الإحتفالات بساعات، وأخذت جموع التركمان فى الهتاف للثوره وللأخوه العربيه الكرديه التركمانيه.

ولم يتبادر إلى ذهن التركمان أن إخوان الشر.. دعاة العنصريه والإنفصاليه وبالتعاون مع عبدة لينين وماركس سوف يقومون بعد لحظات بقتلهم وسحلهم فى الشوارع وتعليقهم على الأشجار وأعمدة الإناره رغم ورود بعض دلائل على شر وشيك الوقوع بالتركمان بدا من تعليقات بعض الصعاليك وعبارات السخريه والإستهزاء التى كانت تخرج من أفواه هؤلاء عندما كانوا يمرون على التركمان وهم منهمكين فى الإستعدادات لعيدهم العظيم، إلا أن أصحاب القلوب البيضاء والسرائر النقيه لم يتصوروا أبدا أن الخسه والغدر ستصل بهؤلاء لهذا الحد، وكانوا شديدى الثقه بأن فرحة العيد ستطغى على كل خلاف، وكانت لجنة الإحتفالات بالذكرى السنويه الأولى للثوره قد حددت الساعه السادسه من مساء ١٤ يوليو / تموز موعدا لإنطلاق المسيرة.

وبينما كانت المواكب تمر لاحظ التركمان المحتشدين في مقهى ١٤ تموز أن عددا من الصعاليك يحملون الحبال والخناجر والسكاكين ويلوحون بها، ولما لم يعيرونهم أدنى إهتمام أخذوا فى الهتاف: "ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده" وقد إندهش التركمان المستغرقين فى فرحة العيد من طرح هذا الهتاف فى هذه المناسبه السعيده ولسان حالهم يتساءل: أين المؤامره؟ وما الداعي لذكر الحبال؟ غير أن عصبة الأشرار زاد نباحهم: "جبهة، جبهة وطنية، فلتسقط الطورانية".

وعندما أخذت هذه الهتافات العنصرية فى التعالي بطريقة هستيرية واشتد التلويح بالحبال والسكاكين عندئذ أدرك التركمان أن شيئا ما سوف يحدث، ولم تمر لحظات إلا ودوت فى الهواء طلقه ناريه وكانت هذه الطلقه بمثابة إشارة البدء لمذبحة كركوك الرهيبة.

ولنترك العقيد الركن إسماعيل حمودي الجنابي رئيس أركان الفرقه الثانيه فى كركوك زمن المجزره يقص لنا جانبا من مشاهداته لوقائع هذه المجزره.. يقول:

"وبدأت المسيره تقودها المنظمات الحزبيه والنقابات والإتحادات البارتيه والشيوعيه المتحالفه معها، ولم يكن للسلطات المدنيه أى نفوذ، ووضعوا جماعات على جانبي الطريق الذي يمرون به، تحمل الحبال بإعتبارهم متفرجين إلا أنهم كانوا حزبيين منظمين من قبل الحزب الشيوعي والبارتي.

وبعد مسيره قصيره أطلق المتظاهرون الحزبيون النار على بيوت التركمان ومتاجرهم ومخازنهم، وعمت الفوضى مدينة كركوك بسرعه، واشتعلت الحرائق فى جميع أنحاء كركوك. واتصلت الفرقه بشركة النفط للمساعده فى إرسال سيارات الحريق المتيسره عندها بكثره، ولكن قبل وصولها أحرقها المتظاهرون أو منعوها من اداء عملها. ومما زاد من هول المأساه هو إشتراك ضباط الصف والجنود الحزبيين مع المدنيين فى الهجوم على بيوت التركمان وقتل العوائل بكاملها، أى يمحون البيت بكامله، نساء، وأطفالا ورجالا.

ومن أجل إرهاب مقر الفرقه سحلت جثث القتلى من التركمان إلى القرب من المقر وعلقوها بالحبال على الأشجار المحيطه بالمقر. إتصلت الفرقه بالمستشفى وطلبت إنزال الجثث ونقلها، ولما جاءت سيارات الإسعاف منعها الشيوعيون والبارتيون وحاولوا حرقها وظلت الجثث معلقه على الأشجار تحت حراسة البارتيين والشيوعيين ثلاثة أيام بلياليها فى ذلك الحر القائض (شهر تموز).

من المعلوم أن مقر الفرقه كان فى وسط المدينه، وأصبح تحت حراسة الشيوعيين والبارتيين. إتصل قائد الفرقه مستنجدا بعبد الكريم قاسم فوعده بإرسال لواء مشاه، وفعلا تم وصوله بالقطار ووضع جنوده في المحلات الحساسه وفي مقر شركة النفط وفي داخل المدينه وبعد هدوء العاصفه قليلا، أمر قائد الفرقه بسحب جميع قطعات كركوك إلى الثكنات وتم له ما أراد.

نظمت الفرقه قائمه بأسماء رؤوس الفتنه من البارتيين والشيوعيين وأرفقت معها صور الجثث المعلقه والمشوهه وصور البلدوزرات وهى تدفن الموتى بمجموعات، وتقريرا مفصلا عن كيفية وقوع المجزره، وعندئذ فقط صدق عبد الكريم قاسم بما حدث وطلب إرسالهم بقطار خاص ولخداعهم وتجنب مقاومتهم أخبرهم القائد أن الزعيم عبد الكريم يطلبهم للتشاور معهم عن كيفية حدوث هذه الأزمه. وما أن تحرك القطار بهم إلا وهدأت الفتنه فى المدينه التى أخذت تداوي جراحها. وبعد وصولهم بغداد ألقى عبد الكريم قاسم خطابه المشهور فى كنيسة مار يوسف التى هاجم فيه الشيوعية.

وللإجابه على سؤالك، لماذا لم تتمكن الفرقه من السيطره على الوحدات؟ أقول: كان معظم الضباط وضباط الصف منتمين للحزبين البارتى والشيوعى ومؤيدين لخطة القضاء على التركمان تمهيدا لسيطرة البارتيين على كركوك. وكان مقر الفرقه مهددا من الحزبيين بحيث كان قائد الفرقه العميد محمود عبد الرازق يذهب ليبات ليله عند أحد أصدقائه المدنيين خارج مدينة كركوك خوفا من هجوم الحزبيين على مقر الفرقه.

لقد مر سكان كركوك غير الشيوعيين والبارتيين بمحنه ومأساه، وكان كل واحد يتوقع الهجوم على داره، وإبادة عائلته. إنها مأساه إنسانيه."

حقا إنها لمأساة إنسانيه أن يتحول أتباع الملا إلى وحوش آدميه يعيثون فى تركمان كركوك قتلا وسحلا دون أدنى رحمه أو شفقه، ودون تمييز مابين طفل وشاب ورجل وامرأه، وبلغت المأساه ذروتها بأن عجز قائد الفرقه عن حماية نفسه من هؤلاء الوحوش الذين لايعرفون معانى الرحمه ولا الإنسانيه، فكان يذهب للمبيت كل ليله عند صديق مختلف، ولم يكن قائد الفرقه فقط هو المهدد من قبل هؤلاء، بل وأيضا كل ضابط لايقبل أن يبيع نفسه لشياطين الملا ويسير تبعا لهواهم ويتحول إلى قاتل محترف، يتاجر بدينه ووطنه ومبادئه.

ولذلك كان العقيد الركن إسماعيل الجنابي صريحا فى الإجابه على السؤال الموجه له... وما هو موقفك وموقف الضباط الآخرين عندما قرر قائد الفرقه المبيت عند أحد أصدقائه المدنيين؟

أجاب: "أقولها للحق بأن ليس قائد الفرقه وحده قد بات فى دار احد اصدقائه وإنما أنا أيضا كنت قد طلبت أحد جنودى من فوج هندسة الفرقه الثانيه فى الموصل والذى كنت آمره قبل نقلي إلى كركوك بأن يحضر إلى كركوك لحراستي فى المقر وهو سائق سيارتى سابقا، لقد أشار على القائد محمود عبد الرازق أن أترك المقر أنا أيضا لأننا جميعا كنا فى خطر القتل ولذلك أخذت السائق بالسياره اللاندروفر بعد الغروب وخرجنا على طريق كركوك الموصل وعلى بعد أكثر من عشر كيلو مترات لأن (البارتيين والشيوعيين) كانوا يرومون قتلنا بناء على المعلومات التى وصلتنا، ولم نعد إلى مقر الفرقه إلا فى اليوم الثاني وقت الدوام.

أما باقي الضباط فعلى ما أعتقد فإنهم فعلوا نفس الشيىء ولم يبق في مقر الفرقه إلاضباط الصف والجنود من الشيوعيين والبارتيين وبعد ذلك بدأت الفرقه بنقلهم إلى وحدات بعيده عن كركوك وعن مقر الفرقه بعد المذبحه وبناء على موافقة عبد الكريم قاسم وعندئذ أصبح بالإمكان السيطره على الوحدات وأخذت الأمور تعود إلى أوضاعها الطبيعيه بصوره تدريجيه."

وإذا كان جميع ضباط الفرقه من غير البارتيين أو الشيوعيين كانوا قد فروا من مقرها فى مدينة كركوك ولم يأمنوا على أنفسهم أن يبيتوا فى مكان واحد مع الذئاب الملائيه التى جرى غسل أدمغتها بأفكار ومبادىء الملا البرزاني العنصريه، وخافوا أن تنهش أجسادهم تلك الذئاب التى لاتعرف سوى لغة القتل والسحل والحرق والتدمير، فلنا أن نتصور قدر معاناة تركمان كركوك العزل الذين وجدوا أنفسهم فى وضع أعزل أمام هؤلاء الوحوش الذين لايعرفون معنى للرحمه ولايتمتعون بذره من إنسانية.

لقد كانت وبحق مأساه إنسانيه أعادت لذاكرتنا الصوره التى رسمت لبرابرة القرون الأولى..

(وردت هذه الشهاده فى: موسوعة ١٤ تموز - ثورة الشواف (٣) - العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسين - دار الحريه للطباعه - بغداد ١٩٨٨ م رقم الصحيفه٢.٧، ٢.٨، ٢.٩، ٢١.، ٢١١)

تشرين ربيعة
04-10-2009, 07:18 AM
الحلقة السادسة والعشرون

إستعرضنا فى الحلقات السابقه مدى معاناة الشعب التركماني مع العناصر الملائيه التى سعت لمحو وإزالة وجوده من على أرض العراق بغية تحقيق تطلعاتها الإنفصاليه وأمانيها التوسعيه، وكيف أن هذه العناصر إستخدمت كافة الوسائل واتبعت كافة الطرق فى حربها مع هذا الشعب المسالم الذى بفقده للدعم والإسناد العربي بإبعاد ناظم الطبقجلي وكافة الضباط التركمان والعرب عن كركوك أصبح يواجه مصيره بمفرده، وكان الملا وجماعته لديهم العزم والتصميم على مواجهة شعب أعزل ومسالم وإبادته والقضاء على وجوده.

وكان الشعب التركماني الذي عاش تاريخه فى إخوه وسلام مع الأقوام الأخرى مندهشا لدرجة الصدمه من تصرفات هؤلاء المحسوبين ظلما على شعب نبيل كالشعب الكردي، وراح يبحث عن ذريعه أوسبب يدفعه للصبر على هؤلاء الذين عادوا من روسيا مشبعين بروح الكراهيه لجموع الشعب العراقي عربا وأكرادا وتركمانا وآشوريين.. وكان لسان حاله يتساءل:.... أوليس هؤلاء هم الذين قتلوا إخواننا العرب وسحلوهم فى شوارع الموصل الأبيه؟.. أوليسوا هم قتلة إخواننا الأكراد؟ أولم يحارب الملا البرزاني القبائل الكرديه التى سعى لفرض زعامته عليها بالقوه؟ أولم يحتل كاني رش والقرى المجاوره لها وأجبر أهلها الأكراد على الفرار إلى إيران وقام بنهبها ثم احرقها بما بقى فيها من المرضى والعجزه الذين لم يقووا على الفرار؟.. لابد إذا من التحلي بالصبر..

وتذرع الشعب التركماني الكريم بالصبر على هذا البلاء الذي حل به وببلاده، وكانوا يسمعون بإذنيهم أراذل شذاذ الآفاق يسبونهم ويشتمونهم "تركماني.. طوراني.. متآمر.. خائن" ولا يلتفتون إليهم، ولم تكن صفات الصبر ورباطة الجأش بغريبه على تركمان العراق بل هي صفات متأصله فى أعماق هذا الشعب العظيم الذي عاش تاريخه فى صبر وجلد ومرابطه للدفاع عن أرض وشعب العراق العظيم.

ولنقرأ جانبا مما كتبه المؤرخ العراقي شاكر صابر الضابط عن خصال هذا الشعب العظيم:

"وقد كان للتركمان شأن فى غير الحروب أيضا كالصناعه والزراعه والتجاره والعلوم، فقد اثبتوا جداره وكفايه وعاشوا فى وطنهم العراق أحرارا مخلصين سواء أكانوا محاربين أم علماء أم حكاما، ومن صفاتهم البارزه إيمانهم المطلق بالله تبارك وتعالى وإعتزازهم بعقيدتهم الإسلاميه التي كانت تملأ قلوبهم إيمانا. وقد عرفوا بين إخوانهم المواطنين بالشجاعه وضبط النفس والصبر على المكروه والإخلاص للواجب وحب الإستقرار والحياه الهادئه، والتفكير السليم فى تقدير الموقف ورفعة الخلق والتمسك بالحق والدفاع عنه، ولو حملهم ذلك كثيرا من التضحيات.

ومن صفاتهم أيضا، أنهم بعد القتال المميت يصافحون المغلوبين ويضمدون جرحاهم ويواسونهم على ماأصابهم تواضعا فى الحكم والنصر، وإنك لتقرأ على محياهم سيماء النبل والشهامه، وفلسفتهم فى الحياة "رأس الحكمه مخافة الله"، فاتخذ (جان جاك روسو) الفيلسوف المعروف الأتراك نموذجا يحتذى بهم عندما خاطب الشعب الفرنسي ودعاه إلى التمسك بالأخلاق: "لماذا يكون الأتراك بوجه عام متصفين بالإنسانيه فى حين لم نتصف بها نحن؟ ويكونون اكثر إكراما للضيف منا؟.. لأنهم يرون عظمة الأفراد وسعادتهم زائله كالظل، ويميلون إلى معاونة المصابين بالكوارث لأنهم يفكرون دائما بإحتمال إصابتهم بنفس العواقب غدا"، هؤلاء هم التركمان.. وهذه هى فلسفتهم ومنهجهم فى الحياه.

بيد أنه ومع الأسف الشديد تمكنت زمره عنصريه حاقده وفى غفله من الزمن من الإتجاه بقله مخدوعه ومغرر بها من الشعب الكردي النبيل للصدام معهم والتنكيل بهم وقتلهم وسحلهم وتعليق الفتيات التركمانيات العفيفات الطاهرات عاريات على أعمدة الكهرباء بطريقه همجيه لم تشهد لها الإنسانيه مثيلا، وكانت تلك التصرفات الهمجيه التي إرتكبها وحوش البرية هؤلاء بمثابة صدمه هزت المجتمع التركماني المتصف بصفات الإنسانيه الرفيعه وأصابته بجروح عميقه وغائره لايزال يعاني منها حتى يومنا هذا، وراح أفراده يتسائلون عن الداعي لكل ذلك؟ وما هو الجرم الذى إرتكبه التركمان ليفعل بهم خونة الأوطان وعصابة الإنفصاليين مافعلوا؟

دعونا نقرأ شهادة ناظم القوريات والرباعيات المرحوم جرجيس علي باغجه جي ورؤيته لما جرى وردود فعل المواطنين التركمان على الأحداث، يقول:

"أرى أن لنا مستقبلا شاقا لأننا نعيش مع أناس لايفهموننا بالرغم من إحترامنا لهم، أنتم ياولدي لم تذق مرارة العيش والحياه مع هؤلاء مثل ما ذاق جيلنا، أنتم صغار بالنسبه لنا لاتذكرون مجزرة كركوك عام ١٩٥٩ حيث ما يسمى رجال الجبهه الوطنيه وبعض العناصر المأجوره وهم يحملون الحبال والسلاسل بيد وبيد أخرى لافتات كتبت عليها (يسقط التركمان) ولكن التركمان تقابلهم بالهتافات وبالأخوه والوحده الوطنيه.

ومن ثم هاجمت تلك العناصر مركز شرطة إمام قاسم واستولوا على الأسلحه الموجوده هناك وبالتعاون مع بعض أفراد الإنضباط العسكري وبتوجيه من آمرهم آنذاك تم تجهيز المقاومه الشعبيه بالسلاح واخذ هؤلاء يسطون على المحلات التجاريه والحوانيت والمنازل العائده للتركمان فقط ونهبوا مافيها من الأموال، واستمرت حالات السطو والنهب والحرق إلى ساعات متأخره من الليل فى معظم محلات كركوك.

وفى صبيحة اليوم التالي أى فى ١٥ تموز أخذ المجرمون يهاجمون بيوت معينه ويخرجون أهلها ويسحلون فى الشوارع واستمرت الحاله مدة ثلاثة أيام لحين وصول قوات من العاصمه بغداد، وقد أستشهد حوالي أكثر من ٢٥ مواطن أذكر منهم الشهيد عطا خيرالله، صلاح الدين آوجي، شاكر زينل، قاسم نفطجي، فتح الله يونس، عبدالله احمد بياتلي وغيرهم لاأتذكر أسمائهم، وكاد أن يصل الأمر إلى مدينة إربيل ولكن التركمان تصرفوا بعقلانيه وبحذر شديد رغم أن جماعه من الفوضويين أحرقوا الأقواس المزينه والعائده للتركمان فى إربيل، ولكن رحم الله رجالنا العظماء الذين صبروا وتحملوا وتصرفوا دون أن تحدث الفتنه، وفشلت مؤامرة الحاقدين على شعبنا."

وهكذا أخذ الشعب التركماني الخلوق المعطاء يقارن بين سلوكه وسلوك الآخرين، بين وفائه وغدر الآخرين، بين نبله وحقارة الآخرين، وإن كان أبدا لم يخلط بين قله حاقده وعموم شعب، بل ميز بين الشعب الكردى النبيل وزمره ملائيه بارتيه حاقده سقطت فى مستنقع العماله وأعمتها العنصريه البغيضه فتنكبت الطريق..

فى الحلقه القادمه نستكمل عرض الوثائق والشهادات حول دور الملا البرزاني فى مجزرة كركوك

(وردت شهادة المؤرخ العراقي شاكر صابر الضابط فى كتاب موجز تاريخ التركمان في العراق، الجزء الأول، مطبعة المعارف بغداد ١٩٦. - ووردت شهادة المرحوم جرجيس باغجه جي فى معرض حديث أجراه معه السيد برهان يرالي عام ١٩٧١ ونشر فى جريدة صوت التركمان، السنه الثانيه، عدد ١٥، آب ٢..٣)

تشرين ربيعة
04-10-2009, 07:25 AM
الحلقة السابعة والعشرون

إستعرضنا فى الحلقه السابقه شهادة ناظم القوريات والرباعيات المرحوم جرجيس علي باغجه جي والتي قرر فيها بأن مشكلة الشعب التركماني أنه يعيش في وسط قومي لايبدي له تفهما، وانه رغم الطبيعه المسالمه لهذا الشعب وإبدائه لحسن النوايا فإن ذلك لم يمنع الآخرين من الإعتداء عليه وإرتكاب المجازر في حقه، وضرب مثلا بماحدث فى مجزرة كركوك عام ١٩٥٩ عندما كان البارتيون والشيوعيون يهتفون "يسقط التركمان" كان التركمان يقابلون هذا الهتاف بهتافات تحض على الوحده الوطنيه وتدعو للإخوة العربية الكردية التركمانية.

وانتهى إلى أن ماحدث في مجزرة كركوك كان عملا مدبرا ومقصودا فلم يقتل سوى التركمان وهم فقط الذين أحرقت دورهم ومتاجرهم، وأن قتل قادة ووجهاء المجتمع التركماني جرى بتخطيط مسبق ووفق قوائم أعدها القتله وإشارات وضعوها على بيوت الضحايا، وأنه كان من المفترض أن تمتد المجازر إلى مناطق التركمان الأخرى كإربيل التى قامت العناصر البارتيه والشيوعيه فيها أيضا بحرق الأقواس والرايات التى نصبها التركمان إحتفالا بعيد الثوره، ولكن رجال التركمان العظماء تصرفوا بحكمه وصبروا وتحملوا وأفشلوا المؤامره.

وفى حلقة اليوم نستعرض شهادة المحامي جرجيس فتح الله أحد قياديي الحزب الشيوعي العراقي الحليف السياسي لحزب البارتي الذي كان يترأسه الملا مصطفى البرزاني، وكان الحزب الشيوعي العراقي يتخذ موقفا عدائيا ثابتا تجاه التركمان لعدم تقبل المجتمع التركماني للأفكار الشيوعية، فالتركمان مسلمون محافظون ينظرون للأفكار الشيوعية على أنها أفكار هدامه تؤدى إلى تفكك الأسره وتتعارض مع القيم الإسلاميه، وهم أيضا برجوازيون لاوجود للفقراء فى مجتمعهم ومن ثم لم تجد هذه الأفكار مرتعا خصبا لها داخل هذا المجتمع، فضلا عن أن التركمان كانوا لايبدون الإرتياح تجاه الإتحاد السوفيتى الذى فرض ستارا حديديا على أشقائهم فى القومية (أتراك آسيا الوسطى) وسلبهم أبسط حقوقهم فى الحريه والإستقلال.

ولهذه الأسباب إبتعد التركمان عن الأفكار الشيوعية، وكان ذلك كافيا لأن ينحاز الشيوعيون إلى جانب الأكراد ويساندونهم بقوة فى محاولاتهم السيطره على مدينة كركوك، وأن يشاركوا الأكراد البارتيين فى تنفيذ المجزره الرهيبه.. وعن وقائع المجزره يقول القيادي الشيوعي جرجيس فتح الله المحامي مايلي:

"لم يستتب الهدوء فى المدينه تماما حتى بعد وصول النجدات العسكريه فى السابع عشر من الشهر ونزع السلاح عن جنود اللواء الرابع (الأكراد)، إذ كان يسمع صدى طلقات متباعده فى أنحاء المدينه. وفرض منع التجول ونزلت قوات للمحافظه على الأمن فى القلعه. وكان الرعب بسكانها قد وصل بهم إلى الحد الذي سلبهم آخر مالديهم من الإتزان والهدوء على حد قول أحد العرفاء الذين كلفوا بالحمايه فى أحد المنازل، كانت كل طرقه على الباب أو كل حركه غير إعتياديه تطلق عويلا وصراخا من النسوه. لاشك أن كثيرا منهم شاهد كما شاهد روايتي هذا، كيف أن القتله قبضوا على أحد الأشخاص فوضعوا حبلا برجليه وشدوهما شدا محكما ثم ربطوا نهاية الحبل بسياره وانطلقوا بسيارتهم ورأسه يرتطم بالرصيف يمينا وشمالا حتى قضى نحبه.

عاشت المدينه خلال الإسبوعين التاليين وكأنها فى حصار. لايمكن تصور حالة الرعب التى إستولت على التركمان خلال الأيام الثلاثه العصيبه إلا بإيراد بعض الوقائع. فمثلا قفزت أثمان الزي القومي الكردي إلى ما يقارب عشرة أضعافها لتهافت الناس على شرائها إعتقادا منهم أن إرتدائها سيخرجهم من دائرة الشك ويتيح لهم التخلص من رجال المقاومه التى مسكت بمدخل المدينه. ولما أدرك هؤلاء الحيله جعلوا يشكون فى قومية من ينطق بكلمة (بلاو - التمن فى اللغتين الكرديه والتركمانيه) فيها يمكن تمييز الكردي عن التركماني ولكل طريقته الصوتيه في لفظها)."

وهكذا.. شهد شاهد من أهلها، فصاحب الشهاده هو المحامي جرجيس فتح الله والذي لايمكن القول بإنحيازه للتركمان، بل ولا يمكن القول بحياده تجاه التركمان إذ أنه أحد قيادي الحزب الشيوعي العراقي الذي شارك حزب الملا البرزاني فى تنفيذ المجزرة، وقد شهد الرجل على أن المستهدف من المجزره هم التركمان فقط والوجود التركماني فى العراق، وأن الأكراد كانوا في حصانه من القتل والسحل لأن القتله كانوا فريقا منهم، وأن المواطنين التركمان كي يدرأوا عن أنفسهم خطر الموت أقبلوا على شراء الملابس الكرديه التي تضاعف سعرها إلى مايقرب من عشرة أضعاف ثمنها بسبب شدة الإقبال عليها.

ونظرا للجوء المواطنين التركمان للحيله من أجل النجاه بأنفسهم بادعاء الإنتماء القومي الكردي وتحدثهم باللغه الكردية التى تعلموها بحكم الإختلاط مع العائلات الكردية والتزيي بالأزياء الكردية، فإن القتله البارتيين كانوا يقومون بعمل إختبارات لغويه للمشتبه بهم مستخدمين كلمة (بلاو) والتي يمكن من خلالها تمييز التركماني عن الكردي.

كما أشار جرجيس في شهادته إلى قيام الحكومه بنزع أسلحة اللواء الرابع والذى كان معظم جنوده من الأكراد ممن جرى تسميم عقولهم بأفكار الملا البرزاني العنصريه فتحولوا إلى وحوش كاسره ووجهوا أسلحتهم إلى صدور التركمان العزل وشاركوا بفاعليه فى احداث المجزره.

وفى الحلقه المقبله نستكمل بقية الشهادات حول مجزرة كركوك الرهيبه

تشرين ربيعة
04-10-2009, 07:31 AM
الحلقة الثامنة والعشرون

إستعرضنا فى الحلقه السابقه شهادة المحامي جرجيس فتح الله القيادي المعروف فى الحزب الشيوعي العراقي والحليف لحزب الملا البرزاني والذي قرر فى شهادته للتاريخ بأن مجزرة كركوك كانت عملا مدبرا ومقصودا وأن التركمان والوجود التركماني فى كركوك والعراق كان هو المستهدف من وراء هذه المجزره وأن التركمان المسالمين حاولوا درء خطر الموت عن انفسهم بإرتداء الزي التقليدي الكردي حتى أن اسعار الزي التقليدي الكردي قفزت لعشرة اضعاف ثمنها الفعلي بسبب إقبال التركمان على شرائها.

وعرفنا كيف أن التركمان صاروا يتحدثون اللغه الكرديه التى عرفوها بحكم الإختلاط والجوار مع إخوانهم الأكراد حتى أن القتله البارتيون من أتباع الملا مصطفى البرزاني عندما فطنوا إلى ذلك لجأوا إلى عمل إختبارات لغويه للمشتبه فيهم مستخدمين كلمة (بلاو - أي الثمن) وهي الكلمه الكرديه التي يمكن من خلالها تمييز الكردي عن التركماني وأن جنود اللواء الرابع والذين كان أغلبهم من الأكرادالذين جرى تسميم عقولهم بأفكار الملا العنصريه إنتهزوا فرصة الأحداث ووجهوا أسلحتهم لصدور التركمان العزل ولم يتم السيطره على أحداث القتل والسحل الداميه فى كركوك إلا بعد أن تم تجريد هؤلاء الوحوش من أسلحتهم.

وتنبع أهمية شهادة جرجيس فتح الله من كونه لايحمل أفكارا حياديه تجاه التركمان فضلا عن أنه أحد أعضاء الحزب الشيوعي المشارك بهمة لجماعة الملا البرزاني في أعمال القتل والسحل للضحايا الأبرياءالعزل، ولم يكن المحامي جرجيس فتح الله هو الشاهد الوحيد على جرائم الملا وجماعته إذ لدينا آلاف الشهادات والوثائق التى توثق هذه المرحله من مراحل التاريخ العراقي والتي لطخت فيها الملائيه العنصريه الحاقده صفحة التاريخ العراقي المعاصر بدماء العرب والتركمان والأكراد الأبرياء.

واستكمالا لعرض شهادات من عاصروا الأحداث ووقفوا على بشاعة الجريمه التي إرتكبها الملا وأتباعه من الفوضويين والشيوعيين، نستعرض شهادة الدكتور صبحي ناظم توفيق(من مركز الدراسات الدوليه جامعة بغداد) والتي يقول فيها كشاهد رؤية وباحث:

"كانت الساعه السابعه والثلث من مساء يوم ١٤ تموز (يوليو) ١۹٥۹ لحظة شؤم على تركمان العراق فى مدينتهم العريقه عراقة التاريخ، حين إنطلقت من فوهة مسدس قرب السوق العصري فى (شارع أطلس) إطلاقه واحده كانت خطط لها بكل إتقان ودقه مستهدفه أشراف ووجهاء التركمان فى (كركوك) بغية كم جميع افواه تركمان العراق أينما وجدوا، فى يوم إنضموا فيه إلى جماهير كافه ليحتفلوا - ولو عن غير قناعه - بالذكرى الأولى لما اطلق عليه تسمية (ثورة ١٤ تموز ١۹٥٨) وليعيشوا ثلاثة ايام مرهبة مرعبة موحشة سحل الفوضويون ومجرموا الإنسانيه عشرات التركمان احياء، قبل ان يقتلوهم ويمزقوهم إربا ويمثلوا بجثثهم الطاهره ذات الأرواح البريئه.

لم تكن (المذبحه) وليدة يومها - كما إدعى البعض فى حينه - وتحت ذريعة عراك آني حدث بين شخصين تطور إلى مابين مجموعتين متظاهرتين لخلاف فى الشعارات والهتافات أو اللافتات المرفوعه، بل أن التخطيط لها بدأ منذ آذار ١۹٥۹ فى الأقل، إذ أيد تركمان كركوك بشكل خاص الثوره التى إندلعت فى الموصل بقيادة (العقيد الشواف) ضد حكم (عبد الكريم قاسم والمحيطين به من الجلاوزه وشذاذ الافاق والمنافقين الذين ورطوه أن يميل إلى فئه دون أخرى وحزب دون آخر.

حيث خرج معظم التركمان فى تظاهرات حاشده لتاييد تلك الثوره والتى مالبثت ان اخفقت مع حلول ظهر يوم قيامها فى ٨ (مارس) ١۹٥۹ لتستباح مدينة الموصل أياما عديده وتقتل نساءها وأطفالها وشيوخها ن ناهيك عن شبابها باساليب وحشيه قلما شهد التاريخ مثيلا لها على ايدى من سموا أنفسهم انصار السلام دون إستحياء أو خجل، حيث إستغلوها أبشع إستغلال ليمدوا اذرعهم كالإخطبوط ويسيطروا على جميع مدن العراق وقصباته بالإرهاب والإعدامات والإغتيالات ومحاكمات البروليتاريا سيئة الذكر حيث أتيح للفوضويين السيطره الكامله على مدينة كركوك وخصوصا بعد القبض على قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن ناظم كامل الطبقجلي والمقدم الركن عزيز محمود شهاب ضابط ركنه الأول.

والتحاق الزعيم الركن سلمان الجنابي الذى فتح الباب امام الفوضويين على مصراعيه ليتمتعوا بكامل حريتهم فى إلقاء القبض على التركمان وتوقيفهم وتعذيبهم وإهانتهم وطردهم من وظائفهم وإحالتهم إلى التقاعد أو نفيهم إلى مدن الجنوب او نقلهم إداريا لإبعادهم عن مدينتهم أو عوائلهم متى وكيفما شاءوا ومن دون ذنب او توجيه تهم محدده إليهم. . وقد أضافوا إلى كل ذلك إفراغ الوحدات العسكريه والشرطه المستقره فى كركوك وحواليها من اي ضابط أو مفوض او ضابط صف تركماني، ناهيك عن دهم البيوت والمحال وتفتيشها ومصادرة اى سلاح منها حتى إذا كان مجرد مسدس او بندقية صيد.

وقد نصب الفوضويون لتنفيذ تلك الإجراءات مديرين من اتباعهم فى كل من دوائر الأمن، الإستخبارات، الإنضباط العسكري، الشرطه، التربيه، البلديه، وغيرها، فى حين سيروا تظاهرات - كانت مسلحه فى معظمها - فى الليل بشكل الخاص، وهي تصيح بأعلى صوتها إمعانا فى الترهيب والوعيد:- (ماكو مؤامره تصير والحبال موجوده). وتضاف إلى كل ذلك مقالات إفتتاحيه فى صحفهم اليوميه وهي تشير - بلا خجل - إلى الحبال والمشانق والسلاح والرصاص والتجارب الناجحة للثورات الحمراء اينما وقعت فى العالم المعاصر منذ عام ١۹١٧.

ولذلك افرغت كركوك من وجهائها واشرافها وشجعانها طيلة اربعة اشهر، ومن الذين يمكن ان يقودوا التركمان حيال تلكم الهجمه الوحشيه فكانت الفوضى سيد المدينه دون القانون وارباب السوابق سادتها دون رادع، وحثالات المجتمع تصول وتجول دون ضمير، وضمن مخططهم الإجرامي طلبوا من عبد الكريم قاسم إصدار عفو عام لقرب حلول الذكرى السنويه الأولى للثوره التى إستطاعوا تحريفها لصالحهم، وبذلك عاد المنفيون التركمان إلى مدينتهم قبل يومين أو ثلاثه، وقبل ان يستفيقوا من هول بعدهم عن عوائلهم واستقبالهم لمئات زائريهم، حلت المجزره ففاجاتهم فى عقر دورهم مساء ذلك اليوم المشئوم."

وهكذا يوضح لنا الأستاذ الدكتور صبحي ناظم توفيق في شهادته حول مجزرة كركوك أن المجزره لم تكن عملا عفويا وليد اللحظه بل عملا مخططا ومدبرا خطط له ونفذه بعنايه جماعة الملا البرزاني الذين نجحوا في إبعاد قائد الفرقه الثانيه الزعيم الركن ناظم كامل الطبقجلى عن كركوك وعينوا بدلا عنه أحد صنائعهم وهو المدعو داؤود الجنابي الذي أطلق يد الزمره الملائيه والشيوعيه لتعيث فى كركوك الفساد وقد قام الجنابي بمنع صدور جميع الصحف التركمانيه وهي البشير والآفاق وكركوك وإعتقال ونفي وتشريد كافه العناصر التركمانيه التي من المحتمل أن تتصدى لمخطط الملا البرزاني الهادف لتفريغ مدينة كركوك من سكانها التركمان حيث قام بترحيل بعضهم إلى الجنوب في حين وضع الآخرين فى السجون.

وهكذا خلت الساحه للملا وأتباعه ليمرحوا فيها كيفما يشاءوا ويعيثوا في البلاد الفساد، واخذ هؤلاء في إستفزاز سكان كركوك بشعاراتهم العنصريه ملوحين بالحبال ومهددين التركمان بالقتل والسحل على نحو مافعلوا بالعرب في الموصل إبان ثورة الشواف، كما قام الملا بحشد الأتباع والأزلام في كل مكان فى كركوك وسيطر هؤلاء على مجريات الحياه المدنيه والعسكريه وصار القتله والمجرمين وحثالة المجتمع هم اصحاب القرار فى مدينة كركوك، ينفذون تعليمات الملا بصرامه ويبطشون بالناس الأبرياء بلا سبب إلا العنصريه المقيته، وعندما إقترب موعد تنفيذ المجزره الرهيبه رأى الملا ضرورة عودة العناصر التركمانيه المبعدة إلى الجنوب والأخرى المودعه سجون بغداد ليقتلوا ويسحلوا مع التركمان الأبرياء، فقام بإقناع قاسم بضرورة الإفراج عنهم بمناسبة الذكرى الأولى للثوره، وكان له ما أراد إذ إستباح أتباعه المدينه وقتلوا خيرة أبنائها بوحشيه لم يشهد لها التاريخ مثيلا.

(وردت هذه الشهاده في جريدة الزمان – العدد١٨۹٤ التاريخ ٢٤/٨/٢٠٠٤)

وللحديث بقيه

تشرين ربيعة
04-10-2009, 08:30 AM
الحلقة التاسعة والعشرون
(مجزرة كركوك 1959: الحقيقة والحدث)
الجزء الأول

بقلم المؤرخ والكاتب: أرشد الهرمزي

لا زال الجرح النازف الذي أصاب المواطنين التركمان في العراق عميقا وغائرا بسبب فقدهم الكثير من أحبتهم وزعمائهم في هذه الهجمة الغادرة التي تعرضت لها مدينة كركوك عام 1959.

وقد كتب الكثير حول أحداث هذه المجزرة الدموية، ولسنا راغبين في نكأ الجراح، ولكن التاريخ يجب أن يسطر ما حدث في تلك الحقبة من تاريخ العراق، حيث أنكر الكثيرون من المسؤولين عن هذه المأساة الإنسانية مسؤوليتهم عنها وأراد البعض تحريف الحقائق وإلقاء التبعة على الآخرين دون وازع من ضمير ينشد النقد الذاتي.

لذلك فإن هذه الدراسة ستضع النقاط على الحروف وتسرد أمام العراقيين ما خفي عن الكثيرين من أبناء الشعب العراقي حول طبيعة هذه الأحداث الدموية مستعينة بوثائق تنشر لأول مرة بعد رفع الحظر السري عليها.

فبعد انتفاضة العقيد الشواف في الموصل تم نقل واعتقال المرحوم ناظم الطبقجلي الذي كان قائدا للفرقة الثانية في كركوك وتم تعيين الزعيم الركن داود الجنابي الذي أطلق يد الزمرة الشيوعية في أمور المدينة وقد كان أول ما عمد إليه الجنابي منع صدور جميع الصحف التركمانية وهي البشير والآفاق وجريدة كركوك الصادرة عن رئاسة البلدية واعتقال ونفي الناشطين في هذه الصحف إضافة إلى العشرات من المحامين والأطباء ورجال الأعمال والموظفين حيث تم ترحيل بعضهم إلى الألوية الجنوبية وفرض الإقامة الجبرية عليهم واعتقال البعض الآخر في سجون بغداد.

وعندما تم للجنابي ذلك عمد إلى إصدار الأوامر لاقتحام وتفتيش المنازل ومقرات الأعمال الخاصة بالمواطنين التركمان فقط وإلقاء القبض على أفراد أي منزل تعثر فيه السلطات العسكرية على أي نوع من السلاح، وقد كان ذلك تمهيدا لنزع السلاح أيا كان نوعه من المواطنين التركمان وتركهم في وضع أعزل إزاء عدو غير مرئي.

وفي حزيران(يونيو) 1959 بدأ المد الشيوعي بالتراجع أو هذا ما خيل للمواطنين التركمان وقد تم إلغاء الأحكام القسرية على المبعدين التركمان فرجعوا إلى كركوك غير عالمين بمغزى التوقيت المبيت لأعادتهم إلى مدينتهم وقبل شهر واحد فقط من أفظع مجزرة دبرت ضد المواطنين التركمان.

وقد وجدت بعض المناشير الحزبية والتي تأمر الأتباع باستفزاز التركمان والعرب طريقها إلى مديريات الأمن، وقد سلمت هذه المناشير إلى عبد الكريم قاسم والحاكم العسكري العام إلا أنهما لم يأبها بالنتائج ولم يحركا ساكنا.

أستبشر المواطنون التركمان من قرار عبد الكريم قاسم عدم إعادة الزعيم الركن داود الجنابي إلى كركوك بعد استدعائه لحضور مؤتمر للنظر في القضايا المطروحة، وقد غضب الشيوعيون والبارتيون ( الديمقراطي الكردستاني) من ذلك وذهبت وفود مدنية من هذين الحزبين لمواجهة قاسم وطلب إعادة الجنابي إلى كركوك إلا انه رفض وسلمت الفرقة إلى العميد محمود عبد الرزاق.

بدأت الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الأولى للانقلاب الذي أطاح بالحكم الملكي وحل يوم الرابع عشر من تموز(يوليو)1959 حيث انتظم الرسميون التركمان وأعضاء اتحادات العمال ونقابات المحامين والأطباء والموظفون الرسميون في مسيرة رسمية تم ترتيبها من قبل لجنة منظمة حكومية وكان المشاركون في المسيرة بطبيعة الحال من التركمان كأغلبية واضحة وكنتيجة طبيعية للواقع القومي للمدينة، إلا أن المواطنين التركمان غير المنتظمين في هذه المسيرة وجلهم من الطلاب والشباب وذوي الأعمال الحرة نظموا مسيرة ومظاهرة شعبية كبيرة كان من المفترض أن تلتحق بالمسيرة الرسمية لأغنائها وإبداء التضامن والتأييد للحكومة القائمة.

وصلت المسيرة الرسمية إلى الجسر القديم في نهاية السوق الكبير وبدأت في العبور إلى صوب القورية متجهة إلى شارع أطلس في نفس الدقائق التي كانت المسيرة الشعبية قد وصلت إلى نهاية شارع المجيدية للالتفاف من أمام مبنى مديرية الشرطة إلى شارع أطلس أيضا والالتحاق بالمسيرة الرسمية، وفي هذا التوقيت بالذات واثر وصول طلائع المسيرة الرسمية إلى مدخل شارع أطلس في المنطقة الواقعة بين مدرسة المتوسطة الغربية ومقهى 14 تموز فقد أطلقت رصاصة من مصدر مجهول تلاها إطلاق عيارات نارية من بنادق اوتوماتيكية فساد الاضطراب تلك الجماهير غير العالمة بما قد جرى التخطيط لها، وفور ذلك رمى بعض الذين كانوا يتظاهرون بحمل الشعارات المؤيدة للثورة هذه الشعارات وظهرت الأسلحة النارية وقامت ثلة من المخططين إلى اقتحام مقهى 14 تموز فأردوا الشهيد عثمان خضر صاحب المقهى الذي كان مشغولا بتقديم الماء والمرطبات للمشاركين في المسيرة دون أن يعلم ما تبيت له الأقدار.

تم إعلان منع التجول فورا واستبيحت المدينة لمدة ثلاثة أيام جرى فيها انتقاء العديد من زعماء التركمان وناشطيهم ومثقفيهم فسحلوا في الشوارع على غرار ما حدث في يوم الانقلاب العسكري في بغداد وتم نهب جميع المحلات التجارية الخاصة بالتركمان وقصف دور السينما وخاصة سينما أطلس وسينما العلمين بمدافع الهاون كما تم إحكام الطوق حول المدينة لكي لا تصل إليها أية نجدة من التركمان أو من السلطات الرسمية، إلا أن الشهيد العميد عبد الله عبد الرحمن استطاع أن ينفذ من الطوق المضروب ووصل إلى بغداد مبينا لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم ما يجري في هذه المدينة المقهورة ، وتروي بعض المصادر أن العميد محمود عبد الرزاق أصبح نفسه تحت حراسة مشددة من قبل الشيوعيين والبارتـيين وقد أتصل بعبد الكريم قاسم مستـنجدا فوعده بإرسال لواء مشاة إلا أن هذا اللواء لم يصل إلا في نهاية اليوم الثالث من المجزرة وبعد أن كان مخططو المؤامرة قد نفذوا ما رموا إليه.

وعندما عمت الفوضى مدينة كركوك اشتعلت الحرائق في جميع انحاء المدينة، واتصلت قيادة الفرقة بشركة النفط للمساعدة في إرسال سيارات إطفاء الحريق المتيسرة لديها بكثرة، ولكن المتظاهرون أحرقوها قبل وصولها ومنعوها من تأدية أعمالها.

كما حاولت قيادة الفرقة محاولة أخرى بأن اتصلت بالمستشفى وطلبت إنزال الجثث التي سحلها الفوضويون المجرمون وعلقوها بالقرب من مقر الفرقة إلا أن سيارات الإسعاف التي أوفدتها إدارة المستشفى منعت من ذلك وحاول الغوغاء إحراقها وظلت الجثث معلقة في حر شهر تموز(يوليو) لمدة ثلاثة أيام.

وعندما وصلت القوات العسكرية من بغداد إلى كركوك وتم نزع سلاح جنود اللواء الرابع الأكراد كان منفذو ومخططو المجزرة قد قاموا بإكمال الواجب المعهود إليهم مخلفين 25 شهيدا كلهم من التركمان إضافة إلى العشرات من الجرحى بلغ عددهم 130 جريحا حسب التقارير الرسمية وتخريبا كاملا للحركة التجارية في المدينة.

وبعد أن أجرت لجنة تحقيق أوفدت خصيصا من بغداد لدراسة الأمر وتقديمها لتقرير عاجل مدعوم بالصور والوثائق إلى عبد الكريم قاسم ألقى الأخير خطابا في19 تموز(يوليو)1959 بمناسبة افتتاح كنيسة مار يوسف شرح فيها الفظائع التي ارتكبت في كركوك وتوعد باستعمال القسوة مع مدبري الحادث وقال ما مفاده أن التركمان والأكراد والعرب إخوة في هذا الوطن والأجدر بنا أن نتخلص من ظلم بعضنا للبعض.

كما أفاد في مؤتمر صحفي عقده في 29 تموز(يوليو)1959 بعد أن عرض على الصحفيين صور المقابر الجماعية والبلدوزرات التي تواري الجثث في التراب وتلك الجثث المعلقة على أعمدة النور ومداخل قيادة الفرقة الثانية في كركوك بأنها فضائع لا تقل عن فضائع البربر وهولاكو وقال:"إن هولاكو لم يرتكب في أيامه مثل هذه الأعمال الوحشية، ولا الصهاينة فعلوا"! وتساءل: "هل يمكن لهذه أن تكون أفعال منظمات تدعي الديموقراطية؟" وقدم تعازيه الحارة إلى المواطنين التركمان الذين وصفهم بالمواطنين الآمنين المصدومين ووعد بمحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم كما قام في خطاب آخر ألقاه بعد أيام من هذا الخطاب بمناسبة افتتاحه الاستديو الجديد للإذاعة العراقية في بغداد بطلب تسمية الاستديو باسم استديو التركمان عزاء لهم عن هذه المحنة التي تعرضوا لهم.

شكل عبد الكريم قاسم مجلسا تحقيقيا برئاسة العقيد الركن عبد الرحمن عبد الستار مدير الحركات العسكرية للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت وقد شهد جميع من استدعي للشهادة ومنهم العقيد الركن إسماعيل حمودي الجنابي ضابط الركن الأول للفرقة الثانية أثناء الأحداث فبين بجلاء ووضوح أن الجرائم كانت مبيتة ضد التركمان دون استفزاز من قبلهم وأورد تغاضي أجهزة الحكم والمسئولين عن الإصغاء إلى التحذيرات الواردة عن امكان حدوث هذه المجزرة، والمعروف أن شهادة هذا الضابط الشهم قد أدت إلى عدم ترفيعه لدى استحقاقه لاحقا إلى رتبة عميد فكان أن قدم استقالته التي قبلت فورا فأنصرف إلى مهنة المحاماة.

رفع المواطنون التركمان مذكرة تحريرية إلى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم بتاريخ 18 تموز(يوليو)1959 وهي كما يلي:

"إن الذنب الذي اقترفناه في العهد الجمهوري والذي لسببه أو لأسباب أخرى قامت مأساة كركوك الأخيرة المؤسفة والتي ذهبت ضحيتها نفوس بريئة هو أننا امتنعنا عن مسايرة بعض الفئات أو الانضمام إليها أو تأييد فكرتها. إننا الآن على علم اليقين من أن بعض الفئات يرومون القيام بحرب الابادة للعنصر التركماني في العراق بسبب كون هذا العنصر حجر عثرة أمامهم يحول دون تحقيق مآربهم الانفصالية فالحوادث الماضية التي وقعت في كركوك في عهد خائن الوطن ومطية الانتهازية قائد الفرقة الثانية السابق داود الجنابي لخير دليل على نيات المخربين والفوضويين والسائرين في ركابهم. لقد ظهرت في سماء كركوك الكئيبة موجة من الإرهاب والاضطهاد لم يشهد مثلها بلد آخر حتى في أحلك أيام العهد البائد، وكانت هذه الموجة موجهة إلينا نحن التركمان وحدنا إذ اعتقل القائد المذكور ما يزيد على ألف شخص من المواطنين التركمان وزجوا بالمواقف والمعتقلات ولاقوا أنواع العذاب والاضطهاد على أيدي الضباط والمراتب في دهاليز الفرقة الثانية وعلى مرأى ومسمع من القائد نفسه وبأشراف حاكم التحقيق بطرس مروكي ورئيس المحكمة عوني يوسف ووكيل مدير الأمن السابق الشيخ رضا الكولاني.

ولم يكتف المسؤولون بذلك بل قاموا بتحريات واسعة النطاق آملين العثور على أسلحة وعتاد كي يدينوا هذا العنصر بالخيانة، لكن عدالة الله فوق كل شيء والنيات الحسنة تظهر دائما ناصعة أمام الملأ فلم يعثروا على أي نوع من الأسلحة عدا بعض المسدسات وبنادق الصيد المجازة فجن جنونهم وشوهوا الحقائق وطالبوا الجهات العليا في بغداد بضرورة اعتقال هؤلاء الأشخاص وإبعادهم إلى خارج اللواء وفصل العشرات من الموظفين والمستخدمين من المدنيين والعسكريين كما نقل آخرون جلهم معلمون بناء على طلب المنظمات الشعبية والجمعيات والاتحادات التي يسيرها الانتهازيون والفوضويون وعندما كان هذا الإرهاب على أشده كان التنظيم والاستعداد لتعبئة العناصر المناوئة للجمهورية من الأكراد والشيوعيين في نشاط مستمر فوزعت أسلحة كثيرة ومن ضمنها الأسلحة المجازة التي اغتصبوها من المواطنين بين المقاومة الشعبية والمنظمات المخربة.

أما النشاط في ابتزاز الأموال والنقود من أغنياء البلد عن طريق الإرهاب والتهديد فقد كان مستمرا وكل هذه كانت تمهيدا للقيام بابادة العنصر التركماني في العراق."

تشرين ربيعة
04-10-2009, 08:53 AM
الحلقة التاسعة والعشرون
(مجزرة كركوك 1959: الحقيقة والحدث)
الجزء الثاني

بقلم المؤرخ والكاتب: أرشد الهرمزي

حيثيات القضية

والآن يمكن لنا أن نستعرض صفحات هذه المأساة بالنقاط التالية:

1- في الوقت الذي قاطعت الجبهة الوطنية المكونة من الحزب الشيوعي وقسم من البارتي احتفالات 14 تموز قام التركمان بتنظيم مواكب الاحتفالات والمهرجانات بنطاق واسع في جميع أرجاء المدينة فنصبوا أقواسا يزيد عددها على المئة والثلاثين قوسا مزينة بصور الزعيم الأوحد ومزدانة بالأعلام العراقية.

2- بدأت المنظمات الشعبية الديمقراطية والمقاومة والجبهة الوطنية باستفزاز المواطنين التركمان في كل مكان وذلك بقيام بعضهم بحمل العلم الروسي هاتفين( جبهة جبهة وطنية صداقة سوفيتية عراقية) ( لتسقط التركمانية) و ( جبهة جبهة وطنية لا انحراف ولا رجعية) وهم يحملون الحبال والسلاسل ولم تقابلهم الجماهير التركمانية إلا بهتافات(ماكو زعيم إلا كريم).

3- وفي مساء يوم 14 تموز الساعة السابعة والنصف زوالية مرت مواكب المسيرة الكبرى التي نظمها المواطنون التركمان واشتركت فيها منظمات الجبهة الوطنية لغاية ومآرب معينة وفجأة شرعت الفئات الانتهازية بمهاجمة المواطنين المكتظين على أرصفة الشوارع بالقرب من الأقواس المنصوبة بالحجارة والعصي التي كانت مهيأة لهذا العمل الإجرامي فتفرقت المسيرة والتجأ المواطنون إلى بيوتهم حيث حل الفزع في نفوسهم وهم لا يدرون الذي حدث وبعدها هجم الشقاة على أقواس النصر المنصوبة فحطموها جميعا واحرقوها بالرغم من أنها كانت مزدانة بصور زعيمنا الأوحد وبالأعلام العراقية الحبيبة عدا قوس(اتحاد الشعب) الوحيد الذي يعود إلى تلك الفئة الضالة ثم هاجموا مقهى 14 تموز ومقهى البيات وسينما العلمين وقتلوا أصحابها وسحلوهم في شوارع المدينة وعلقوهم على فروع الأشجار.

4- في الساعة التاسعة أذيع بيان من الفرقة الثانية لغرض منع التجوال وفي أثره خلت الشوارع من المارة في حين أخذ أفراد المنظمات الجبهة الوطنية والمقاومة تملأ الشوارع وهم مسلحون وقد هاجم قسم من المقاومة الشعبية مركز شرطة إمام قاسم واستولوا على جميع الأسلحة الموجودة هناك وان جماعة من أفراد الانضباط العسكري بتوجيه من الملازم الاحتياط نوري جميل الطالباني قد جهزوا أفراد المقاومة الشعبية الذين لم يكن لديهم سلاح بأسلحة عسكرية.

5- اخذ جميع هؤلاء يعيثون بأمن البلد فسادا فاعتدوا على جميع المحال التجارية والحوانيت والمنازل العائدة إلى التركمان فقط ونهبوا جميع ما فيها من أموال ونقود واحرقوا الأموال التي لم يسهل نقلها واستمرت عملية النهب والسلب والحرق حتى الساعة الثالثة من بعد منتصف الليل.

6- وفي صباح اليوم الثاني أي في 15/7/1959 اخذ العصاة يهاجمون البيوت المعينة ويخرجون أهلها ويسحلونهم في الشوارع ثم يعلقونهم على الأشجار والأعمدة وقد استمرت الأعمال البربرية الإجرامية هذه ثلاثة أيام بلياليها حتى وصلت قوات الجيش من بغداد فسيطرت على المدينة.

الأدلة الثبوتية حول كون هذه الحادثة مؤامرة مدبرة من قبل الجبهة الوطنية

أولا- لقد كانت الشائعات تدور في المدينة بأن كارثة ستحل في يوم 12/7/1959 إلا أن أصحاب الفتنة لم يقوموا بذلك لغرض تطمين المواطنين للإسهام في احتفالات 14 تموز ولأجل إيقاع اكبر عدد من الضحايا منهم.

ثانيا- لقد أوعز بعض المنتمين إلى الجبهة الوطنية إلى أقاربهم ومعارفهم الساكنين في كركوك بضرورة مغادرة الأطفال والنساء المدينة قبل يوم 14 تموز وعلى الرجال إن أرادوا البقاء في المدينة عليهم أن يرتدوا الملابس الكردية أو ملابس المقاومة الشعبية أو الجنود. ودليل ذلك ما قاله المدعو معروف البرزنجي رئيس بلدية كركوك وأحد المعتمدين عليه من داود الجنابي إلى موكله نامق أغا الداودي، كما وان الرئيس المذكور قد استعمل سيارة المجزرة لنقل أشخاص من القرى الكردية مما اضطر مفوض ناحية قرة حسن إلى توقيف السائق والحجز على السيارة.

ثالثا- كانت قد قدمت إلى كركوك قبل يوم 12 تموز وفود كثيرة من العشائر الكردية باسم المنظمات الشعبية والجمعيات الفلاحية بقصد الاشتراك في ذكرى مذبحة كاوور باغي لأن تلك الوفود بقيت حتى ما بعد يوم 14 تموز في المدينة واشتركت في المجزرة.

رابعا- لم يشترك أفراد المقاومة الشعبية في مسيرة 14 تموز المسائية وسرعان ما حضروا بكامل أسلحتهم أثناء وقوع الحادث بالرغم من بيان الحاكم العسكري العام بشأن منع حمل الأسلحة من المقاومة الشعبية.

خامسا- لم تشارك الجبهة الوطنية في الاحتفالات التي قام بها التركمان وسائر الفئات المخلصة من القوميات الأخرى في المدينة إذ لم تسهم منظمات الجبهة في نصب الأقواس وإقامة المهرجانات بل وحتى في إظهار شعور الفرح والسرور في ذلك اليوم.

سادسا- إن جميع البيانات التي أصدرتها الجبهة الوطنية كانت قد طبعت بالمطبعة العائدة إلى رئاسة البلدية بأمر من رئيسها وهو المنتسب للجبهة كما وأنه خصص صفحات جريدة كاوور باغي التي تصدرها هذه الرئاسة لأغراض الجبهة ولمصلحتها الخاصة.

الأدلة الثبوتية بشأن تعاون بعض وحدات الجيش مع أفراد الجبهة الوطنية

أولا- إن جميع البيانات التي كانت تصدر باسم الجبهة الوطنية كانت تذاع من مكبرات صوت تحملها سيارات عسكرية.

ثانيا- إن جثث القتلى كانت تسحلها في الشوارع السيارات العسكرية.

ثالثا- إن الأموال التي نهبت من المخازن والحوانيت العائدة للتركمان كانت تنقل بسيارات الجيش إضافة إلى السيارات الأهلية.

رابعا- مما يدل على مشاركة الجنود في عملية النهب والسلب مع أفراد المقاومة الشعبية والمنظمات هو أن الجنود لم يلقوا القبض على أي احد من هؤلاء.

خامسا- كان أفراد الانضباط العسكري بصحبة أفراد المقاومة الشعبية يأتون إلى البيوت المعينة ويلقون القبض على أصحابها بحجة استدعائهم من القيادة وفي الطريق كانوا يفتكون بهم ويسلمون جثثهم إلى أفراد الجبهة لسحلهم ونذكر على سبيل المثال ما حصل مع المرحوم الرئيس الأول المتقاعد عطا خير الله والمرحوم السيد قاسم النفطجي.

سادسا- إن منع التجوال كان مقصورا على المواطنين التركمان، أما أفراد المقاومة الشعبية والمنتمون للجبهة الوطنية والمرتدون الملابس الكردية فإنهم كانوا يتجولون بكل حرية من دون اعتراض من أفراد الجيش.

سابعا- إن كل من سينما أطلس وسينما العلمين وبعض البيوت في القلعة قد قصفها الجنود بمدافع الهاون وبإشراف من أعضاء الجبهة.

ثامنا- الأوامر التي كانت تصدر من الجبهة الوطنية إلى القوى العسكرية النازلة إلى البلد كانت تنفذ بحذافيرها وآلا فقد كان باستطاعتها أن تقضي على الفتنة.

الأدلة التي تثبت كون المؤامرات قد دبرها الفوضويون والانفصاليون

1- إن جميع الأشخاص الذين قتلوا وسحلوا في الشوارع وعلقت جثثهم على الأشجار جلهم من التركمان وان وجد بعض القتلى والجرحى بين الجنود والمقاومة الشعبية فان سبب ذلك يعود إلى عدم تفاهمهم في ابتزاز الأموال وتقسيم الغنيمة عند نهبهم الحوانيت والمنازل والمحال التجارية.

2- لقد شوهد بعض الجماعات من الجنود والمقاومة الشعبية يحملون العلم السوفيتي الأحمر الذي يرمز إلى الانفصالية كما وان العلم الروسي كان يرفرف فوق مقر الشبيبة الديمقراطية( في النادي الرياضي لها).

3- إن جميع الهتافات، تمجد الفوضويين وتنادي بسقوط العناصر المناوئة لها.

4- لقد صدرت بيانات عديدة من الجبهة الوطنية منها بيان يتضمن الوعد بدفع مبلغ ألفي دينار لمن يلقي القبض على مدير إدارة الفرقة الثانية العقيد عبد الله عبد الرحمن لكونه من التركمان وانه اختفى بعد أن سيطرت الجبهة على القيادة.

5- بعد سيطرة المعتدين على المدينة أغلق الجيش جميع الطرق المؤدية إلى المدينة عدا طريق السليمانية وذلك بغية فسح المجال لدخول جماعات الفوضويين والانفصاليين من الأكراد إلى كركوك عند الحاجة.

كيفية معالجة الموقف واستتباب الأمن

إن هذا الحال المؤلم قد ترك أثرا مفزعا في نفوس المواطنين التركمان إلى درجة أدى بهم بأفكار شتى منها الهجرة ومغادرة المدينة وقد بلغ بهم القلق إلى درجة كبيرة بحيث يتعذر معها إحلال الطمأنينة والسكينة إلى القلوب إلا إذا اتبعت الوسائل التالية التي هي كفيلة بمعالجة الموقف الشاذ الذي نجم عن الحوادث الأخيرة وهي مطاليب ملحة لإعادة حقوق التركمان المنكوبين والمفزوعين والمفجوعين المهضومة:

1- تعيين احد ضباط الجيش المخلصين قائدا للفرقة الثانية وتعيين متصرف إداري حازم.

2- تكوين لجنة تحقيقية خاصة من رجال مخلصين ومحايدين على أن تضم اللجنة واحدا من التركمان يرشحونه.

3- الحكم بأقصى العقوبات على القائمين والمسببين لهذه المجزرة البشرية ليكون درسا قاسيا لكل من تسول له نفسه القيام بمثل هذه الجرائم.

4- تطوير جهاز الإدارة والجيش والشرطة في كركوك من العناصر المناوئة لسياسة الحكم إذ أن هذه العناصر الحالية قد سيطرت عليها الخلايا الفوضوية والمسيرة وفقا لمشيئتها.

5- إعادة جميع المواطنين والمستخدمين ورجال التعليم الذين أبعدهم داود الجنابي.

6- حل المقاومة الشعبية والمنظمات الأخرى في كركوك.

7- التعويض عن الأضرار.

8- إعادة الهواتف التي رفعتها قيادة الفرقة الثانية في زمن داود الجنابي إلى أصحابها الأولين.

9- عدم إخضاع لواء كركوك إلى مديرية معارف كردستان لان هذا اللواء لا يعد جزءا من كردستان مطلقا.

10- لقد استغلت بعض الفئات والعناصر المفرقة من الأكراد وجود نص في الدستور المؤقت بزعم العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن فأخذت هذه الفئة تفسر هذه المادة بتفسيرات خاصة بزعم أنها لم تقرر حقوقا للمواطنين التركمان والواقع أن النتائج العملية التي تمخضت عن تطبيقات هذا الدستور جاءت منسجمة مع رغبات المواطنين التركمان إلا انه تطمينا للقلوب نتمنى أن يحل محل هذا النص الخاص نص عام شامل للعراقيين اجمع دون ذكر أو تحديد.

هذا ولنا وطيد الأمل أن تنال هذه المذكرة عناية سيادتكم الكريمة في وقت قريب وتقبلوا جزيل الشكر والاحترام والإخلاص."

المواطنون التركمــــان

كما رفع المواطنون التركمان مذكرة إلى الحاكم العسكري العام فيما يلي نصها::

"سيادة الحاكم العسكري العام المحترم

لا يخفى على سعادتكم انه لا فرق بين من شهر السلاح أو من شجع وحرض على حمله ضد المواطنين ولاسيما إذا كان القصد من حمل السلاح إحداث مجزرة ذهب ضحيتها عدد كبير من المواطنين المخلصين لجمهوريتهم وزعيمهم كما ثبت ذلك بصورة قطعية من تأكيدات الزعيم في خطبه وتصريحاته الصحفية.

ولما كانت السلطات المسؤولة وعلى رأسها زعيم البلاد وسيادتكم وأعضاء اللجنة التحقيقية المؤلفة لغرض التحقيق في مجزرة كركوك قد قامت بإجراء ما يلزم ضد الذين أسهموا في مجزرة كركوك الرهيبة إلا أن قسما من الذين أسهموا عن طريق التحريض والتشجيع ورسم خطة المجزرة وإبداء التوجيهات للقائمين فيها من المدنيين والعسكريين قد تمكنوا من الإفلات من العدالة حيث لم تشملهم حتى الآن الإجراءات القانونية المقرر إجراؤها ضد دعاة الفوضى والتخريب...

فأننا إسهاما منا للعدالة وتيسيرا لأعمال اللجنة التحقيقية نقدم هذه العريضة نبين فيها أسماء الرؤوس الكبيرة التي دبرت المجزرة مؤيدة بالمستمسكات المرفقة طيا بهذه العريضة:

1- بيان جبهة الاتحاد الوطني المؤرخ في 16 تموز 1959 أي في اليوم الثاني من المجزرة والمربوطة صورته طيا لدليل قاطع على أن جميع المنظمات والهيئات والأحزاب التي تكونت منها الجبهة مسؤولة مباشرة وبالاحرى قد قامت بقسط وافر من المجزرة كما وان البيانات المرفقة ليست إلا تهيئة الجبهة الجو لهذا اليوم.

2- إن بيان الجبهة الذي وجهته إلى جماهير كركوك قبل المجزرة بأيام قلائل وبتواقيع صريحة دليل على نيات هذه الفئة المبيتة كما وأن قد وقع ما وقع وما توخوه وطيا صورة البيان.

3- كما أن أعضاء اللجنة الوطنية لأنصار السلام في كركوك المعروفين لدى السلطات المسؤولة قد وجهوا نداءا يتضمن تحريض الناس على من أسموهم بالرجعيين والأذناب الذين كانوا مبعدين أو معتقلين وحسب ما يريدون ويرغبون وان هذا النداء قد نشر ووزع في يوم 14 تموز 1959 صباحا وبطيه صورة من النداء المذكور.

4- سبق لجريدة اتحاد الشعب بعددها الصادر بتاريخ 18 تموز 1959 عدد 147 أن نشرت برقية باسم ممثلي المنظمات الديمقراطية في كركوك والذين رفض مقابلتهم سيادة رئيس الوزراء عندما أرادوا مقابلته بعد المجزرة حيث يتهمون المواطنين التركمان بالتآمر الموهوم تبريرا لمجزرتهم البشرية التي يترفع عنها المجرمون لا بل الصهاينة كما وصفهم الزعيم الأمين وطيا صورة البرقية.

5- لا يخفى عليكم نزول الجيش إلى البلدة وقيام قسم من الضباط والأفراد منفردا أو مجتمعا قيادة بالاشتراك في المجزرة فعليا ونهب الأموال وان قسما من هؤلاء الضباط لم تصل إليهم يد العدالة.

6- إن أسماء الذين ذكروا في هذه البيانات ووقعوها قد وجه لبعض منهم المسؤولية وبقي غيرهم من دون توجيه المسؤولية إليهم أو المؤاخذة التي تستوجب المساءلة.

فعليه نحن إذ نقدم هذه العريضة نأمل أن تكون موضع اهتمام سيادتكم لأنها لم تقدم إلا خدمة للعدالة التي تحرصون على تحقيقها، ودمتم."

وقد وقعت العريضة من قبل اثنين من المحامين وعسكري متقاعد.

وللأسف فقد رجع عبد الكريم قاسم وحاول تبرئة الشيوعيين والبارتيين بعد تعرضه لمحاولة اغتـيال بتاريخ السابع من شهر تشرين الأول(أكتوبر)1959حيث عقد مؤتمرا صحفيا في مستشفى السلام بتاريخ الثاني من كانون الثاني(يناير) 1960 حاول فيه رد الاعتبار للشيوعيين والبارتـيين والذين سبق وأن أدانهم فألقى باللائمة على الجمهورية العربية المتحدة والبعثيين.!

وقد قدم الكثيرون من المتسببين في هذه الجرائم إلى المحاكم العسكرية التي وفرت محاكمات مطولة لهم وقد ثبتت الجرائم بالأدلة الدامغة على كثيرين منهم فحكم على 28 شخصا منهم بالإعدام وعلى العديد من المتواطئين معهم والمتسترين عليهم بأحكام مختلفة بالسجن لعدة أعوام، إلا أن الأحكام التي صدرت بالإعدام لم تـنفذ إلا في 23 حزيران(يونيو) 1963 في فترة حكم التيار القومي الذي قام بإعدام كل من صدر بحقه حكم الإعدام من الشيوعيين وبعد أن تم إعدام الزعيم داود الجنابي نفسه في 11 شباط(فبراير)1963.

تشرين ربيعة
04-10-2009, 09:04 AM
الحلقة التاسعة والعشرون
(مجزرة كركوك 1959: الحقيقة والحدث)
الجزء الثالث

بقلم المؤرخ والكاتب: أرشد الهرمزي

واقع المجزرة من الوثائق البريطانية

تابعت الحكومة البريطانية تطورات أحداث المجزرة التي نفذت في كركوك شأنها في ذلك شأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي لم يخف البريطانيون أنهم يختلفون معها في التقدير في إحدى تقاريرهم. كما استقطب الأمر اهتمام الدول المجاورة التي طلبت استيضاحا من الحكومة العراقية حول ملابسات الأحداث.

وفي الثامن عشر من شهر تموز(يوليو)1959 أرسلت السفارة البريطانية تقريرا إلى وزارة الخارجية البريطانية جاء فيه:

"1- إن من الصعب جدا الحصول على معلومات دقيقة حول كنه الاضطرابات التي جرت في كركوك. إن منتسبي شركة نفط العراق بحالة جيدة ولم يتأثروا من الأحداث، إلا أن المدينة مقفلة تماما، وهناك أنباء عن استخدام صواريخ مضادة للطائرات استهدفت بعض أجزاء المدينة وقد تكون قذائف هاون.

لقد توقفت حركة القطارات من والى كركوك، ويظهر أن الاضطرابات مستمرة. لقد تم إغلاق أبواب البنك الشرقي(إيسترن بنك) هذا اليوم وجميع منتسبيه يتمتعون بصحة جيدة.

2- لقد بدأت الاضطرابات يوم الثالث عشر من الشهر عندما هوجم مقهى للتركمان وأضرمت فيه النار من قبل جمع من الأكراد، وقد قتل في الحادث بعض التركمان. وقد حدد عدد القتلى بخمسة وعشرين في معلومات سلمت إلى الملحق العسكري التركي من قبل وكيل وزارة الداخلية، ولكن هناك احتمال بأن العدد أكبر من ذلك. وهناك معلومات غير موثقة بأن جمهرة كبيرة من قوات الفرقة الثانية والذين أغلبهم أكراد هم متعاطفون مع مثيري الفتن.

3- هناك حوادث متفرقة وقعت في بغداد صاحبتها حالات قتل. وقد تناقلت الأنباء اضطرار العميد شمس الدين، رئيس المحكمة العسكرية الخاصة الأولى إلى إطلاق النار على الشيوعيين في حالة دفاع عن النفس بعد أن قام بإيواء أحد القوميين. وقد حطم البعض مكاتب جريدة"بغداد" المناوئة للشيوعيين، ولكن محررو الصحيفة نجو من التنكيل بهم.

4- حدثت وقائع مختلفة في المناطق الريفية وقد تم الإبلاغ عنها في خطاب مقر السفارة. ولم تصلنا معلومات إضافية عما إذا كانت مستمرة خلال فترة الاحتفالات. أما في كربلاء فإن الشيعة قد اهتموا بشهر الحداد أكثر من احتفالات 14 تموز(يوليو).

5- أن من ضمن الوزراء الأربعة الجدد في الحكومة فإن السيدة هي على أغلب الاحتمال هي العضوة الحقيقية الوحيدة للحزب الشيوعي. وقد أبلغ عبد القادر إسماعيل زميلي (السفير) الباكستاني أنه وبالرغم من وعد رئيس الوزراء للترخيص للأحزاب السياسية للعمل السياسي خلال ست’ أشهر فإن الشيوعيين لا يعتزمون تعليق نشاطات الحزب."

وفي برقية لاحقة أرسلتها السفارة البريطانية إلى مقر وزارة الخارجية البريطانية في 19 تموز (يوليو) 1959 جاء ما يلي:

"1- بشأن كركوك، لقد علمنا أن معلومات وصلت إلى السفارة التركية في بغداد من بعض من وصلوا حديثا إليها أن الاضطرابات قد بدأت مساء يوم 14 تموز(يوليو) رغم احتمال تهيئة الأكراد لهذه الأحداث في وقت أبكر. وبعد إضرام النار في المقهى التركي فقد قام حشد من الأكراد معززين بجمهرة من أفراد المقاومة الشعبية بمهاجمة منازل الزعماء التركمان والذين لقي بعضهم مصرعهم في خضم هذه الأحداث.

وقد شارك أفراد الفرقة الثانية للجيش العراقي من الأكراد في الهجوم و فقدت السيطرة على مجريات الأمور طيلة يوم الخامس عشر من تموز(يوليو). وقد التجأ بعض التركمان إلى القلعة حيث استمات مثيرو الاضطراب الأكراد إلى إجلائهم منها بقذائف الهاون المتطايرة عليهم.

2- تمت السيطرة على الوضع يوم 16 تموز(يوليو) من قبل القوات المدرعة وقوات المشاة التي وصلت من فرق الجيش أخرى. وقد علم أن الوضع هاديء ومستقر حاليا حيث انسحبت قوات المقاومة الشعبية من شوارع المدينة. وهناك إشاعات بأن عدد المصابين قد تجاوز الخمسين وأن الطائرات لا تستخدم إلا لإلقاء المناشير."

وفي برقية بعنوان (اضطرابات كركوك) بتاريخ 20 تموز(يوليو)1959 جاء ما يلي:

"أبلغني رئيس أركان الجيش أن عدد القتلى 31 وأن المصابين 130 شخصا. وقد أكد لي أن إجراءات مشددة ستتخذ بحق مسببي المجزرة وأن لجنة تحقيق قد توجهت إلى كركوك.

كما أبلغني وزير الخارجية أن الأحداث قد بدأت بتحريض شيوعي متعمد. وقد أخفقت بعض الفصائل العسكرية من اتخاذ موقف سريع مما استدعى تغييرها بفصائل من خارج كركوك.لقد تم استتباب السكينة في اليومين الأخيرين.وجميع الأجانب هم بخير."

كما أبلغت السفارة البريطانية في بغداد وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 20 تموز(يوليو) أيضا وردا على استفسار من الوزارة ما يلي:

"صرح رئيس الوزراء في تجمع لافتتاح كنيسة كاثوليكية بتاريخ 19 تموز(يوليو) ركزت على النقاط التالية:

أ‌- شجب الأحداث التي وقعت مؤخرا في قسم من المدن والقرى وخاصة في كركوك. وأن مسببي الحادث ستتم معاقبتهم بشدة.

ب‌- إن الحكومة تمتلك من القوات التي تحت سيطرتها والتي يمكن لها أن تسحق أية حركة فوضوية.

ت‌- حث الجماهير على التوقف من استفزاز واستعداء الآخرين.

ث‌- شجب كل حالات التفرقة الناتجة عن تعصب طائفي أو مذهبي أو عقائدي أو فكري.

ج‌- إن من أولويات الحكومة أن ترى الشعب العراقي يعيش آمنا مطمئنا.

ح‌- إن على الجماهير عدم الالتفات إلى المكائد المغرضة من قبل أعداء الجمهورية.

خ‌- وجوابا على من يقولون" لا حرية لأعداء الشعب" فإنه قد أوضح بأن أعداء الشعب يتم تحديدهم من قبل السلطات المختصة والقانون وليس من قبل أفراد أو زمر تزرع الخوف بين صفوف الجماهير.

د‌- إن الجيش والشرطة والحراس المحليون كانوا هناك لحماية الجماهير."

تشرين ربيعة
04-10-2009, 11:31 PM
الحلقة التاسعة والعشرون
(مجزرة كركوك 1959: الحقيقة والحدث)
الجزء الرابع

بقلم المؤرخ والكاتب: أرشد الهرمزي

وجوابا على استفسار من وزارة الخارجية أرسلت السفارة البريطانية تقريرا مفصلا عن أحداث كركوك وذلك في الرابع والعشرين من شهر تموز(يوليو)1959 حول مجريات الأمور وبالشكل التالي:

" يوم 14 تموز(يوليو):
1- بداية الحدث عندما هاجمت جمهرة من الأكراد معززين بأفراد من قوات المقاومة الشعبية مقهى تركمانيا احتجاجا على ما كتب على قوس نصر يزين المنطقة باللغة التركية. وقد تم تحطيم المقهى وقتل صاحبه.
2- نجم عن ذلك هجوم واسع ضد الأحياء التركمانية من المدينة حيث جرى قتل بعض وجهاء التركمان وأضرمت النيران في المحلات التجارية والمباني الحكومية. وقد حصل المهاجمون على السلاح من مخفر للشرطة استولوا عليه.
3- شارك الجنود الأكراد من منتسبي الفرقة الثانية مع الغوغاء وأفراد المقاومة الشعبية في مهاجمتهم للتركمان. وقد صدر أمر بمنع التجول إلا أن الأكراد لم يلتزموا به وقد لجأ بعض أفراد المجتمع التركماني إلى التحصن في داخل حصن قديم.

" يوم 15 تموز(يوليو):
1- بقيت كركوك في أيدي جمهرة الأكراد وأفراد المقاومة الشعبية لكامل اليوم.
2- حاول المهاجمون الأكراد مهاجمة التركمان في القلعة بإسناد من الجنود المنشقين من الفرقة الثانية.

" يوم 16 تموز(يوليو):
1- وصلت تعزيزات الحكومة بقيادة العميد عبد الرحمن عارف( قائد القوات المدرعة وشقيق نائب رئيس الوزراء السابق). وقد أصدر أوامره بعودة القوات في الفرقة الثانية للعودة إلى معسكراتها وأفراد المقاومة الشعبية إلى منازلهم. وقد اتخذت الإجراءات الأولية لإعادة الأمن إلى المدينة وإقناع التركمان لمغادرة القلعة.
2- وصل عبد الكريم محمد، قائد فوج المشاة 19(وهو فوج عبد الكريم قاسم) من بغداد وتولى قيادة الفرقة الثانية.

"أيام 17-19 تموز(يوليو):
تم استتباب الأمن وسيادة القانون.
1- بعد استقراء الأدلة المتوفرة لدينا فأن من الواضح أن الاضطرابات قد بدأت بين الأكراد والتركمان إلا أن الشيوعيين قد استغلوا أحداث الشغب إلى أبعد الحدود. وليس من المستبعد أنهم قد توقعوا مثل هذه الأحداث من الشغب وتهيئوا لها مقدما بشكل واسع. وليس في وسعنا الحكم عما إذا كان هناك تخطيط مسبق للأحداث من قبل الشيوعيين أم أنهم قد استغلوا حوادث الشغب بكفاءتهم المشهودة في ذلك وفي أحداث تنبئوا بحدوثها.
2- لم نسمع بضحايا آخرين أكثر مما سمعه السفير من اللواء(أحمد صالح) العبدي، أي 31 قتيلا و130 جريحا، ولكن هناك إشاعات مبالغ فيها بفعل الغضب العام.
3- لا شك أن الحكومة تدرس الأوضاع عن كثب. وقد أكد رئيس الوزراء على عزمهم في إقرار النظام والهدوء في خطاب له ألقاه في التاسع عشر من تموز(يوليو). وقد اتخذت بعض الإجراءات في هذا الاتجاه في الأيام القليلة الماضية، وإن مشاركة الحاكم العسكري العام اللواء العبدي والسلطات العسكرية في هذه الإجراءات هي أمر ذو مغزى. ومثالا على ذلك:
أ‌- وصول لجنة التحقيق إلى كركوك. وقد اتخذ هذا الإجراء على وجه السرعة وقد أصدر اللواء العبدي يوم أمس نداء إلى من هرب من أهل كركوك ملتجئين إلى خارج المدينة للعودة إلى منازلهم والإدلاء بشهاداتهم إلى لجنة التحقيق المختصة لامكان معاقبة المذنبين.
ب‌- تعيين ضباط عسكريين لمناطق معينة في بغداد للمساعدة في تسريع الإجراءات العدلية المتخذة. ويمكن أن يعقب ذلك تعيينات مماثلة في باقي أنحاء البلاد. وقد يؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف من قبل الشيوعيين إلا أن من الواضح أن الحكومة مصممة لإجراء ذلك.
ت‌- القانون الخاص بالجمعيات الشعبية جاء في وقته تماما.
ث‌- إن الإجراء الذي اتخذ بصدد إضراب البصرة يظهر تصميم الحكومة وتوجهاتها.
6- وكما هو متوقع فأن الصحافة الموالية للشيوعيين قد نشرت أخبار أحداث كركوك من زاويتها ووجهة نظرها. وقد جاءت هذه الرواية في مذكرة كان من المفروض حسب رواية صحيفة اتحاد الشعب أن يسلمها وفد من كركوك إلى رئيس الوزراء(إلا أنهم لم يستطيعوا ذلك). وأرفق طيا صورة كاملة للمذكرة، وتفيد المذكرة أن مجموعات مناهضة قد هاجمت القوى الموالية للجمهورية التي كانت تحتفل بذكرى إعلان الجمهورية في 14 تموز(يوليو)، وادعت المذكرة أن هذه القوى قد هاجمت قوات المقاومة الشعبية والقوات الموالية في الفرقة الثانية. وبسبب انحياز بعض العناصر الموالية للشيوعيين من أفراد الفرقة الثانية للجيش العراقي إلى ذلك الجانب فأن المذكرة تدعي بأن الجيش كان في صف المخلصين الحقيقيين في مواجهة المناهضين للجمهورية!
7- ونتيجة لأحداث كركوك، فقد وصفت إذاعة القاهرة انتفاضة كركوك بأنها أهم حدث منذ ثورة الموصل في آذار(مارس) الماضي ، وادعت أن هناك الآلاف من القتلى والجرحى. وقد تحدثت صباح هذا اليوم لبرهة من الوقت مع وزير الخارجية والذي أبلغني بأن موقف إذاعة القاهرة والذي لم يعقبه حتى الآن هجوم مماثل من إذاعة بغداد سيسيء إلى موقف التهدئة مع الجمهورية العربية المتحدة."

وفي برقية مماثلة من السفارة البريطانية في أنقرة إلى الدائرة الشرقية بوزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 25 تموز(يوليو)1959 أشار السفير البريطاني في تركيا إلى برقية السفير البريطاني في العراق رقم 973 و978 جاء ما يلي:
" إن المعلومات والأرقام التي حصلت عليها وزارة الخارجية ( التركية) من السفير( التركي) في بغداد تبدو متطابقة إلى حد بعيد مع تقارير السفير السير همفري تريفليان.وقد أبلغ مساعد وكيل وزارة الخارجية كونرالب الممثلين الدائمين لحلف بغداد بتاريخ 23 تموز(يوليو) أن خمسة وعشرين تركمانيا قد قتلوا.
لأن القسم الوحيد من رواية كونرالب للأحداث والتي لا تتوافق مع ما أورده السير همفري تريفليان هو أن السفير التركي في بغداد يعتقد بأن أحد أهم أسباب الاضطرابات كانت للتأثير على علاقات الصداقة بين العراق وتركيا وأن الشيوعيين كانوا وراء الأحداث بشكل كامل.
وقد أبلغني كونرالب أنه وعلى ضوء اتخاذ الحكومة العراقية لإجراءات صحيحة في معالجة الوضع وقيامها ببعض الجهود الرامية إلى إيضاح أنها تشجب هذه الأحداث وأنها ستتخذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة مسببي الحادث فأن الحكومة التركية لا تفكر في اتخاذ أية إجراءات ضد الحكومة العراقية بسبب هذه الأحداث."

وحول رد فعل رئيس الوزراء العراقي آنذاك عبد الكريم قاسم والإجراءات التي كان ينوي اتخاذها جاء في برقية للسفارة البريطانية في بغداد إلى مقر وزارة الخارجية في الثلاثين من تموز(يوليو)1959 ما يلي:
" 1- أن مما له دلالات قوية أن يبادر رئيس الوزراء إلى عقد مؤتمر صحفي إثر تحقيقات اللجنة الخاصة حول أحداث كركوك. ولعل ذلك هو لتهيئة الرأي العام للعقوبات المشددة التي ينوي إنزالها بمسببي الحادث.
2- وصلتنا معلومات بأن قاسم قد صدم بمظاهر الوحشية التي صاحبت الأحداث وأدرجت في تقرير اللجنة التحقيقية الخاصة وقرر بغض النظر عن كل التوازنات السياسية وجوب معاقبة المجرمين بأقصى العقوبات. وقد أدلى بتصريحات للصحفيين بشرط عدم النشر أن من الامكان أن يصل عدد القتلى إلى 120 شخصا إضافة إلى المصابين وعددهم 140 جميعهم من التركمان.
3- وكالمعتاد فإن قاسم يبدي حرصا على عدم ذكر الشيوعيين بالاسم، وهو في الحقيقة يشير إلى إجراءات ضد أفراد وليس ضد أحزاب، ولكن المعروف أن الشيوعيين هم المقصودون بذلك. وقد أبلغ ناطق باسم وزارة الخارجية الصحفيين أن ذلك كان أقسى هجوم على الشيوعيين لحد الآن. وعندما رأيت وزير المعارف لمناقشة المؤتمر التعليمي صباح هذا اليوم فقد قال لي أن ذلك كان أهم خطوة ضد المد الشيوعي.
4- نتيجة الأدلة التي وضعت قوات الشرطة يدها عليها لدى مداهمتها لاتحاد الطلبة والتنظيمات الأخرى فان الحكومة عازمة على التحرك ضد النفوذ الشيوعي في اتحاد الطلبة واتحاد التجار والجمعيات الفلاحية. وإثر المؤتمر الصحفي فقد أذاعت محطة إذاعة بغداد برقية من خمسة وعشرين عضوا منتمين إلى أحدى الجمعيات يطالبون فيها بحل الجمعية وحل الاتحاد العام للتجار والحرفيين لمواكبتهم خط سير أحد الأحزاب السياسية وطالبوا بإعادة الانتخابات.
5- إن انتقاد رئيس الوزراء للصحافة يبدو كإشارة إلى التوجه المذكور حيث أن الصحف الموالية للشيوعيين قد بدأت منذ الأسبوع الماضي باتخاذ نهج معتدل. وقد بدأت صحيفة"إتحاد الشعب" بالتركيز على الشكوى مما حصل في كركوك والحث على الوحدة الوطنية.
6- أدلى الحاكم العسكري العام بتصريحين جديدين احتوت على ضوابط لم يسبق لها مثيل في كل تصريحاته منذ قيام الثورة. وقد علم أن العبدي قد تحدث بصورة حازمة وشديدة في المؤتمر الصحفي.
7- تتخذ بعض الاحتياطات العسكرية في بغداد حاليا إلا أن الوضع بشكل عام لا ينذر بالقلق.
8- تطرقت افتتاحية "إتحاد الشعب" حول المؤتمر الصحفي إلى ضرورة الاهتمام بمنع الاعتداء على حرية المواطنين.وقد أوردت الصحيفة أنها لم تقم بإدانة"الأحداث الأليمة" في كركوك لعدم حصولها على معلومات دقيقة بشأنها. وأن الشيوعيين مع باقي المنظمات الديمقراطية قد دعوا إلى احترام منع التجول الذي فرض من قبل الجيش، وقد اتخذت الصحف الشيوعية الأخرى نفس النهج الاسترضائي مؤخرا.
9- استلم السفير التركي في بغداد تعليمات من حكومته لاستقصاء الأوضاع في كركوك، وقد أبلغني أمس أن هاشم جواد قد زوده بمعلومات مفيدة، وهو بصدد المغادرة إلى أنقرة هذا اليوم.
10- سأقوم بزيارة وزير الخارجية صباح الثالث من آب(أغسطس).

وقد أفردت السفارة ملحقا لتصريحات الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي بالتسلسل الزمني:

19 تموز(يوليو):
حدثت إضطرابات في كركوك. وقد عادت الأمور إلى مجاريها حاليا.أرسلت لجنة تحقيقية خاصة للتحقيق في الموضوع وسيقدم الجناة إلى العدالة.

20 تموز(يوليو):
تم تعيين ضباط ذوي رتب عالية يمثلون مكتب الحاكم العسكري العام في ستة مناطق من بغداد لتنظيم وتعجيل البت في الشكاوي المقدمة إلى مراكز الشرطة والجهات العدلية.

21 تموز(يوليو):
نداء إلى سكنة كركوك الذين تركوا منازلهم للعودة إلى إليها والإدلاء بشهاداتهم أمام اللجنة التحقيقية الخاصة.

22 تموز(يوليو):
يحظر حمل الأسلحة النارية سواء كانت مرخصة أم لا وجميع الآلات القاطعة، ويخول أفراد الجيش والشرطة تفتيش المشتبه بهم في حمل مثل هذه الأسلحة.

25 تموز(يوليو):
إن الأشخاص التابعين للدوائر الرسمية أو شبه الرسمية والذين انتحلوا أسماء لجان الدفاع عن الجمهورية وتدخلوا في أمور ليست من اختصاصهم إنما يعرقلون عمل المختصين الآخرين ويسيئون إلى الصالح العام. وعلى جميع الموظفين الرسميين الانصراف إلى مزاولة أعمالهم ويكون مدراء الدوائر مسؤولين عن تسيير موظفيهم لأعمالهم ومراقبتهم والذين يحق لهم فقط اتخاذ الإجراءات التأديبية بحقهم.
إن الحكومة لم ترخص بعد ما تسمى بلجان الدفاع عن الجمهورية، لذلك فأن كل من تسول له نفسه استخدام هذا الاسم وإرهاب الموظفين سيعاقب وفق القانون الجزائي، وعلى الموظفين إبلاغ رؤسائهم عن أي تدخل في شؤونهم الوظيفية من أية جهة كانت. وستقوم لجان التطهير المشكلة بمساعدة رؤساء الدوائر. وقد أمر رئيس الوزراء بضمان حقوق ومستقبل الموظفين ويجب أن يعلموا بأن كل الإجراءات المقتضية ستتخذ وفق قواعد العدل ودون تمييز أو تفريق.

29 تموز(يوليو):
نظرا لتأجيل عمليات تدريب المقاومة الشعبية وتعليق مهماتها في أنحاء القطر، يمنع منعا باتا ارتداء الزي الخاص بالمقاومة الشعبية، وستقوم سلطات الجيش وأجهزة الأمن بإلقاء القبض على من يخالف ذلك.

29 تموز(يوليو):
تلغى جميع رخص حمل الأسلحة النارية وسيجري الترخيص مستقبلا لها بصورة استثنائية، ويجب تسليم جميع الأسلحة غير المرخص لها وفق ذلك.

ملاحظة: صدر القانون رقم 151 لعام 1959 حول تنظيم وتحديد أعمال الجمعيات الشعبية. ولم يجر الالتفات إلى الاعتراضات التي قدمت من قبل الشيوعيين عندما أعلنت مسودتها على الملأ في شهر أيار(مايو).

وفي برقية أخرى في الحادي والثلاثين من تموز(يوليو)1959 أبرقت السفارة البريطانية في بغداد إلى وزارة الخارجية البريطانية مرئياتها حول المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء وما تناولته بعض الصحف ومما جاء في هذه البرقية:
" أفردت جميع الصحف المحلية حيزا واسعا لأنباء المؤتمر الصحفي الذي عقد في الثامن والعشرين من تموز(يوليو) في اليوم التالي. وقد نشرت جميع الصحف باستثناء واحدة النص الرسمي الذي وزع عليها. ولم نقم بإرسال كل ذلك إليكم حيث أنكم قد تابعتم النص من نشرة خدمات هيئة الإذاعة البريطانية دون شك.

في حين انفردت جريدة الثورة وجازفت بنشر نص كامل دون حذف أي جزء منه، ويتضح من ذلك:
1- قول رئيس الوزراء:"أروني شخصا واحدا قتل من الطرف المقابل. إن أعداء الشعب هم أولئك الذين يعلمون من سحل أبناء المواطنين في الشوارع.( وقد عرض هنا صورا لنساء وأطفال).
2- أ هي " صوت الأحرار" أم صوت الفاشيين؟ أن من المهم أن لا تنحرف الصحف عن مسارها.
3- لقد دبرت مؤامرة ضد الشعب في كركوك، وقد سحبوا من بيوتهم بالسيارات وسحلوا في الشوارع. وبعض هؤلاء هم أحياء وتحت المعالجة الطبية.
4- سأريكم خرائط نظمت من قبل اتحاد الطلبة تقسم بغداد إلى مناطق حيث سيسحل أبناء الشعب فيها. مثلا: منزل فلان الفلاني، للسحل. أو مشبوه، وكثيرون آخرون بعضهم مشتبه به والآخر يجب سحله، وهناك شارع كامل معد لسحل من فيه وبضمنه منزل كامل الجادرجي. وقد أشر على منزل الملا مصطفى البرزاني في الكرخ بتأشيرة السحل. هل هذه من واجبات اتحاد الطلبة؟
5- ذكر بوجه خاص إصرار صحيفة"إتحاد الشعب" على ذكر المؤامرات عندما ذكر وجوب توخي الصحف للحياد.
6- أدلى بتفصيلات على تنظيم هذه الخرائط في كركوك وبغداد وهاجم اتحاد الطلبة لتورطه بالسياسات الحزبية.
7- قال: عندما تذكر الاستعمار فلا تحدد جهة الاستعمار، بل أذكر الاستعمار وحسب".
8- إن من واجب الجمعيات الفلاحية الاهتمام بمشاكل الفلاحين... كان هناك خطأ في التقدير وعلى وزارة الداخلية الترخيص للجمعيات حسب القوانين ثم تجرى انتخابات لها. إن وجود كاظم فرهود مثلا لا يعني أن بوسعه أن يتصرف حسب أهوائه ولا يمنح التراخيص إلا بعد استشارة حزبه السياسي. إننا لم نأت لهذه المسائل.
9- صدقوني، أنني صعقت بسبب الأعمال البربرية والإرهابية التي ارتكبت في كركوك.
10- يؤسفني أن أقول ن التنظيمات هناك( يقصد كركوك) لم تعمل بتجرد."
وقد نقلت صحيفة الديلي تلغراف التي تصدر في لندن في عددها الصادر يوم 31 تموز(يوليو)1959 أن الفوضويين قد استوعبوا الهجوم الواقع عليهم خاصة بعد تصريحات رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم واستخدمت وسائل لاحتواء الموضوع ومن ذلك تقديم عدد كبير من الأعضاء استقالتهم من المنظمات الشعبية خلال اثنتي عشر ساعة من المؤتمر الصحفي الذي عقده قاسم.

وقد نقلت الصحيفة عن عبد الكريم قاسم أنه صعق إزاء أنباء مجزرة كركوك وأنه لم ينم ليلة تلقى فيها هذا الخبر.

وهناك برقية ذات مغزى أبرقت بها السفارة البريطانية في أنقرة إلى وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ 3 آب(أغسطس) 1959 جاء فيها:
" بالنسبة للعلاقات التركية-العراقية فقد سألت الوزير زورلو يوم الثلاثين من شهر تموز(يوليو) عما إذا كانت أحداث كركوك والتي قتل أو أصيب فيها عدد من الأقلية التركمانية التي تعيش في العراق تؤثر على مجرى العلاقات بين الحكومتين العراقية والتركية، فأجابني بأنه يعتبر الموضوع منتهيا وأنه مقنع بأن الحكومة العراقية مخلصة في بياناتها التي أعربت عن عميق الأسف لهذه الأحداث واتخذت جميع الإجراءات المقتضية للتحقق مما حدث ومعاقبة متسببي الحادث.

وأضاف أن الحكومة التركية تواجه صعوبة جمة في كبح جماح الصحافة التركية في متابعتها الشديدة لجوهر الأوضاع."

كما بعثت السفارة البريطانية في أنقرة ببرقية أخرى إلى مقر وزارة الخارجية في لندن بتاريخ الثامن من آب(أغسطس)1959 جاء فيها:
" لقد استفسرت من مدير الدائرة الآسيوية في وزارة الخارجية التركية عما إذا كانت لديه معلومات أخرى بشأن الوضع في العراق سواء من سفير تركيا في بغداد أو من ملاحظات الوفد الذي ذهب إلى بغداد للاشتراك في احتفالات 14 تموز(يوليو).

وقد حلل السيد بنلر الوضع على ضوء المعلومات التي توفرت لدينا أيضا. إلا أنه أضاف بأنه يستطلع إمكان عرض الموضوع من قبل الممثل التركي الدائم في مجلس حلف شمال الأطلسي لمناقشته هناك. وسيكون من المهم للحكومة التركية أن تعرف وجهة نظر حلفائها بالنسبة لأمرين:

1- ماذا كان تأثير العنف الشيوعي في كركوك على قاسم شخصيا. وصحيح أنه قد قام بهجوم مضاد، إلا أن الأتراك يعتقدون أن من الضروري أن يقوم قاسم بخلق التوازن بين الشيوعيين والقوميين.

2- هل خططت موسكو لافتعال أزمة كركوك بالقسوة التي جرت عليها أم أن الشيوعيين العراقيين قد تمادوا في التنكيل بشكل أوسع مما أراده أسيادهم بالفعل؟ إن الحكومة التركية تشعر أن الأحداث قد خطط لها في موسكو حيث أن الحكومة السوفييتية تشعر بالقلق من تنامي الصداقة التركية مع قاسم."

التحليل البريطاني لأحداث مجزرة كركوك

نظم محضر منظم في الدائرة الشرقية بوزارة الخارجية البريطانية حول الرسالة التي وردت إلى الدائرة من المستشار السياسي لشركة الخليج وأوربا السيد كوبلاند، المقيم في بيروت، وهي من التقارير التي اعتادت الخارجية البريطانية الحصول عليها من واجهات مشابهة لعملها السياسي.

ويقول المحضر فيما يخص موضوع كركوك والمأساة التي حصلت فيها أن المعلومات الواردة في هذا التقرير تفصيلية وواقعية أكثر من التي وردت من المصادر الأخرى رغم التحفظ على تركيز التقرير على حركات الانشقاق في صفوف بعض أفواج الجيش في خضم هذه الأحداث وعدم التزامها بالانضباط الوظيفي والعسكري وتأثر ذلك بالنفوذ الشيوعي حيث يعتقد المحضر أن الاتجاه العرقي كان أكثر تأثيرا.

وتذهب الدراسات المنظمة في هذا الاتجاه إلى أن تقارير عملاء الاستخبارات البريطانية يختلفون بصورة جذرية عن التحليل الأمريكي الذي تعتمده وزارة الخارجية الأمريكية حول أحداث كركوك. ويأخذ الاتجاه البريطاني على الأمريكيين نظرتهم المتفائلة نسبيا لسير الأمور في العراق رغم توفر الأدلة التي تشير إلى عمق الشرخ الموجود في السياسة العراقية وسيطرة الشيوعيين على مقاليد الأمور.

ويعتقد التقرير أن من غير الممكن أن لا يعلم عبد الكريم قاسم بما يجري في كركوك منذ الساعات الأولى، إلا أن من الملاحظ أنه لم يدل بأي تصريح لا للجماهير ولا للدبلوماسيين عما يجري في كركوك طيلة أربعة أيام والسبب في ذلك أن قاسم قد انتظر لمعرفة النتيجة التي تؤول إليها الأحداث ليحدد موقفه في ذلك الوقت الحرج.

والتقرير الذي نظم في 31 تموز(يوليو) 1959 له دلالاته من حيث تجميعه للمعلومات شبه المؤكدة من مصادر داخلية إضافة إلى استقراء التقارير الواردة من المصادر الغربية والتركية ومن القاهرة وبيروت والعراق.

يتطرق التقرير إلى أحداث كركوك على الوجه التالي:

"1- يقول التركمان في كركوك بأنهم كانوا يعلمون بحدوث "شيء ما" قبل عشرة أيام من وقوع الحادث. فقد لاحظوا أن رئيس بلدية كركوك وهو كردي يسمى"البرزنجي" والذي يكرهونه كان يشرف على تخزين معدات عسكرية( مثل الملابس الرسمية إضافة إلى احتمال تخزين أسلحة صغيرة)، كما أن التركمان قد علموا بأن البرزنجي قد نصح بعض أصدقائه الأكراد بضرورة مغادرة مدينة كركوك قبل الرابع عشر من تموز(يوليو).
وسواء كان التركمان محقين في ذلك أم لا في هذا الهاجس فإن من الواضح أنهم كانوا قلقين ويتوقعون مشكلة
من نوع ما.
2- لم تحدث أية مشاكل في الساعات الأولى من احتفالات 14 تموز(يوليو) وقد شارك فيها التركمان والأكراد. وكان هناك عدد كبير ممن يصعب تصنيفه وقد نعتوا فيما بعد"بالشيوعيين" رغم عدم وضوح عدد المنتمين إلى الحزب الشيوعي بينهم بالفعل. وبالنظر إلى اللافتات التي كانوا يحملونها فأن من الممكن القول بأنهم كانوا يتلقون تعليماتهم من الشيوعيين وعلى الأقل فيما يتعلق بمنطوقهم الدعائي.
3- اتضحت أولى شرارة للأحداث بعد ظهر يوم الرابع عشر من تموز(يوليو) وتحديدا في الساعة الرابعة من بعد ظهر ذلك اليوم عندما بدأت مكبرات الصوت التي ركبت على السيارات العسكرية باستفزاز التركمان وتوجيه مختلف الإهانات إليهم وإطراء وتمجيد الجبهة الوطنية المتحدة والتي هي إحدى واجهات الشيوعيين. وتقول مصادر تركمانية أنهم قد امتنعوا عن الاشتراك في المسيرة لدى سماعهم لهذه الإهانات من سيارات الجيش، وتقول مصادر أخرى أن بعض التركمان قد اعترضوا على هذه الإهانات وأن حادثة واحدة على الأقل قد جرت عندما حاول بعض التركمان قلب سيارة للجيش. وقد لاحظ المراقبون أن تغيرا قد حصل في الموقف بعد ساعتين من ذلك حينما توقفت سيارات الجيش عن توجيه هذه العاصفة من الإهانات ضد التركمان وبدأت بالعزف على وتر" إننا جميعا أصدقاء" وأن جميع الأقليات ستأخذ دورها في المشاركة في الاحتفالات.
4- وعندما تجاوزت عقارب الساعة السابعة مساء من يوم 14 تموز(يوليو) حدثت أول حادثة عندما تجمعت جمهرة من الأكراد المدنيين( ولا توجد معلومات موثقة عما إذا كانوا شيوعيين أم لا) عند مقهى 14 تموز والمملوك من قبل تركماني يدعى عثمان. وقد طلب الأكراد من عثمان إزالة بعض الشعارات التي كانت تزين جدران المقهى من الداخل والخارج منذرين إياه بعواقب وخيمة إذا امتنع عن ذلك، وقد قام عثمان بتغطية الشعارات وابتعدت الجمهرة عن المقهى. ولكن فيما بعد لم يمكن السيطرة على عواطف الأكراد الهائجين ورجعوا فسحبوا عثمان إلى الخارج وأردوه قتيلا.
5- لا توجد لدينا معلومات مؤكدة عما إذا كانت الأحداث الأخرى في كركوك متزامنة ولكن هناك دلائل تشير على أن اثنين من الحوادث الأخرى كانت تقع بالضبط في وقت أن سحب عثمان من المقهى وقتل. وعلى أية حال فإن مهاجمة مقهى 14 تموز والحوادث الأخرى قد خلقت عاصفة من الهستيريا زجت بقوات المقاومة الشعبية أيضا في الأحداث. وما بين الساعة السادسة إلى الثامنة مساء يوم 14 تموز(يوليو) سيطرت مجموعة من المقاومة الشعبية مركز شرطة إمام قاسم واستولوا على أسلحتها. وقد انضم المقاومون الشعبيون إلى الأكراد في سحلهم جثة عثمان في الشوارع كما انضموا إليهم في نهب المحلات التجارية المملوكة للتركمان في المنطقة.
6- وبعد دقائق من الهجوم على مقهى 14 تموز أصدر العميد محمود عبد الرزاق وكيل قائد الفرقة الثانية أوامره إلى الوحدات التي بإمرته للنزول إلى الشوارع والسيطرة على الأمور والحد من شغب هذه التجمعات. والظاهر أن هذه الوحدات قد بادرت إلى النزول إلى الشوارع تلقائيا إلى أن لاحظوا أن الأكراد و"الشيوعيين" ( وتضع مصادرنا كلمة الشيوعيين بين قوسين للإشارة لعدم التثبت من نوعية وحجم مشاركة الشيوعيين في الأحداث) لهم الغلبة على التركمان وأن تنفيذهم للأوامر يعني هجومهم على الأكراد و"الشيوعيين" للسيطرة على الوضع.
7- وفي هذا الأثناء تمرد بعض الضباط الصغار وضباط الصف من اللواء الرابع ضد قادتهم وانضموا إلى المدنيين الأكراد وقوات المقاومة الشعبية في الهجوم على الأحياء التركمانية في حين كانت بعض قوات الفرقة الثانية التي امتنعت عن العصيان توفر لها الحماية لها. وقد تضاربت التقارير الواردة عما حدث بعد ذلك، فقسم من التقارير تتحدث عن اقتحام مجموعة من الضباط لمكتب العميد محمود عبد الرزاق وتهديده تحت السلاح مطالبين إلغاءه للأوامر التي سبق وأن أصدرها، ولكن من الواضح أن الروح المعنوية وعنصر الانضباط لدى جميع أفراد الفرقة الثانية قد نزلت إلى الحضيض خلال ساعات قليلة بعد نزولهم إلى الشارع ورؤيتهم لقوات المقاومة الشعبية والجنود المتمردين يمتلكون اليد العليا في كركوك.
ولعل أحد أسباب العصيان الذي حصل من قبل بعض رجال الفرقة الثانية كان ولاؤهم لقائد الفرقة الثانية السابق داود سلمان الجنابي الذي كان يعرف بأنه شيوعي أو موال للشيوعيين وشعور الامتعاض من تولي محمد عبد الرزاق لأمور الفرقة الثانية. أما التقارير التي تحدثت عن تخطيط العميد الجنابي للمجزرة فإنها لم تؤكد.
8- كان من المفترض وحسب أوامر العميد عبد الرزاق أن يبادر الجيش إلى التحرك بين الساعة الثامنة والتاسعة من مساء يوم 14 تموز(يوليو). لا أن المقاومة الشعبية والجنود المتمردون أصدروا قرارا بمنع التجول في الساعة الحادية عشر مساء يشمل جميع مناطق كركوك وأثناء سريان منع التجول انضموا إلى الأكراد الذين كانوا يقومون بالسلب والنهب في الأحياء التركمانية. وحتى الساعة الثالثة صباحا أخذت عصابات من المقاومة الشعبية والأكراد والجنود المتمردين و"الشيوعيين" يقتحمون منازل الأحياء التركمانية ويتنقلون من منزل إلى منزل لإلقاء القبض على زعماء التركمان ووجهائهم( بمن في ذلك عطا خير الله، أحد أبرز وجوه الحركة القومية التركمانية) وسحلهم في الشوارع أو ربطهم في مؤخرة سيارات الجيب.
9- وفي صبيحة الخامس عشر من تموز(يوليو) التجأ الكثيرون من التركمان ومعهم الآثوريون والأرمن إلى قلعة كركوك.وقد بدأت قوات المقاومة الشعبية صباح يوم السادس عشر من تموز(يوليو) بمهاجمة القلعة بقذائف الهاون والبازوكا محدثين أضرار بليغة، ولكن لم تتوفر أنباء عن الضحايا وإن قيل بأنهم قلة.
10- لم تصدر أية أوامر لوفود قوات لتعزيز الوضع في كركوك حتى صباح اليوم الخامس عشر من تموز(يوليو). ونظرا لوجود تقارير متناقضة فإن السؤال الهام الذي لم تجر الإجابة عليه لحد الآن بقي معلقا: ماذا حصل في مكتب قاسم وكبار الضباط من لحظة ورود خبر اندلاع الأحداث ولحين إصدار الأوامر للتعزيزات للتحرك نحو كركوك؟ إن الثابت على أي حال أن مكاتب عبد الكريم قاسم وأحمد صالح العبدي وكبار الضباط الآخرين كانت في حالة فوضى عندما كان هؤلاء الضباط يبحثون عن أفضل القوات التي يمكن الوثوق بها. وأخيرا تم اتخاذ القرار بتولية العميد عارف لقيادة قوات الإغاثة.وقد تضاربت الأنباء عن شخصية العميد عارف الذي تولى قيادة القوات فهناك ثلاثة بهذا الاسم في الجيش، ولكن من المؤكد الآن أن هذه التقارير كانت على خطأ عندما زعمت أنه العميد عارف، أخ عبد السلام عارف).وقد تضمنت قوات الإغاثة كتائب من جلولاء ومعسكر الرشيد ببغداد والمسيب التي تبعد أربعين كيلومترا إلى الجنوب من بغداد، وقد بدأت هذه القوات بالوصول بعد ظهر 15 تموز(يوليو) وبدأت باتخاذ إجراءات قوية يوم السادس عشر من الشهر نفسه. وقد تخلى على إثر ذلك الكثير من منتسبي اللواء الرابع أغلبهم من الأكراد عن حركاتهم وهربوا من الميدان وعاد الضباط والجنود الآخرون من منتسبي اللواء إلى ثكناتهم كما تم تفريق أفراد المقاومة الشعبية. وفي يوم السابع عشر من الشهر لم تكن هناك إلا حالات قليلة ومتفرقة من المصادمات واستتب الوضع نهائيا بحلول ظهر يوم الثامن عشر من الشهر.
11- كان ضباط من الجيش العراقي من مختلف الصنوف يتابعون الموضوع عن كثب منذ الساعات الأولى لأحداث كركوك، وهناك دلالات قوية على أن حالة من الفوضى والتفكك والانشقاق كانت ستجتاح صفوف الجيش العراقي لو لم تفلح قوات التعزيز من بسط يد السيطرة على كركوك في الوقت المناسب. وقد أتضح لكبار الضباط في بغداد مساء الثامن عشر من الشهر أن الوضع هو تحت السيطرة العسكرية مما شجعهم على ألإصرار بوجوب اتخاذ قاسم لإجراءات معينة قوية. ورغم أن قاسم قد أستنكر ما حدث في كركوك في تصريحين منفصلين إلا أنه تردد في اتخاذ خطوات محددة إلا بعد الضغط الذي تعرض إليه من قبل كبار ضباط الجيش.وهناك دلائل للاعتقاد بأن قاسم شأنه في ذلك شأن الكثير من الضباط العراقيين قد انتظر مليا لمعرفة ما تؤول إليه الأحداث في كركوك قبل الالتزام بموقف معين إلى جانب فريق أو آخر.

وختاما فإن مصادرنا تفيد بأن جميع التقارير تشير إلى أحداث كركوك بأنه صراع تركماني- كردي وعدم وجود أدلة ثابتة على وجود يد "شيوعية" في الجانبين. كما تفيد التقارير أن إجراءات الحكومة لقمع الشغب كانت لغرض إرساء قواعد الأمن ضد الفتنة ولا توجد مؤشرات بأن إجراءات قاسم وكبار مسؤولي الحكومة العراقية كانت أعمالا مناهضة للشيوعية. ويجدر بالذكر أن قاسم لم يذكر اسم الشيوعيين إطلاقا عند إدلائه بتصريحاته حول أحداث كركوك، ولكنه أنحى باللائمة أثناء حديثه إلى الدبلوماسيين العرب بصدد الأحداث على"الشيوعيين المزيفين"."

ويستطرد التقرير المستند على هذه المصادر فيدلي بمعلومات عن التركمان فيفيد أن هناك من 70 إلى 80 ألفا من التركمان يعيشون في داخل كركوك إضافة إلى 20 ألفا حواليها.

ويستطرد التقرير أن هناك مجموعات تركمانية أخرى تسكن المدن والقرى الواقعة بين كركوك والموصل ومجموعة تركمانية كبيرة العدد في قضاء مندلي.

ويشير التقرير أن عبد الكريم قاسم قد سرح الوجبة المتكونة من 880 ضابطا احتياطيا تخرجوا في نيسان(أبريل) الماضي والذين كان من المفترض أن يحلوا محل الضباط الذين جرى تسريحهم بعد المحاولة الانقلابية في الموصل.

ويقول التقرير أن الأخبار التي نقلت عن تورط قوات حراسة شركة نفط العراق مع مثيري الشغب لم تنقل إلا في التقارير الأجنبية وأن المصادر الأخرى بما في ذلك مسؤولو الشركة المتواجدين في كركوك أثناء الأزمة قد صرحوا بأن الروايات التي نقلت من قبل المصادر الخارجية مبالغ فيها وأن هذه القوات قد أدت واجبها للحفاظ على ممتلكات الشركة وأرواح منتسبيها، وأن مسؤولي الشركة لم يبلغوا بأية انتهاكات من قبل هؤلاء الحراس.

تشرين ربيعة
04-10-2009, 11:35 PM
الحلقة التاسعة والعشرون
(مجزرة كركوك 1959: الحقيقة والحدث)
الجزء الخامس

موقف الحزب الشيوعي العراقي بشأن مجزرة كركوك

تباينت ردود الفعل على المجزرة التي ارتكبت في كركوك ففي الوهلة الأولى أتخذ الحزب موقفا دفاعيا يلقي باللائمة على (الجهات الاستعمارية والموتورة والحاقدة) كما دأبت أدبيات الحزب على الترديد.

وقد رفع ممثلو الهيئات والمنظمات الشيوعية في كركوك مذكرة إلى عبد الكريم قاسم وصفوا فيها ما حدث في كركوك بالصيغة التي أرادوها وشنوا هجوما على ضحايا المجزرة فاتهموهم بالتآمر والرجعية والتحرك في ركاب شركات النفط الاحتكارية وتعريض مكاسب الجمهورية للخطر، وطالبوا عبد الكريم قاسم بالوقوف ضد العناصر المتآمرة، وكتبت جريدة (اتحاد الشعب) مقالا بعنوان (مزيدا من الحزم إزاء العابثين في كركوك) ومقالا آخر بعنوان (مغزى قمع المؤامرة الاستعمارية في كركوك) وذلك في الثامن عشر من شهر تموز(يوليو) 1959.

ونشرت الجريدة ذاتها مقالا آخر في 22 تموز(يوليو) 1959 ادعت فيه أن مدينة كركوك هي مركز لهيمنة ونشاطات عملائها وعملاء بعض دول حلف بغداد، وبعد أن ادعى المقال بأن مؤامرة كانت تحاك في المدينة فإنها أفادت بأن: قوى الجمهورية اليقظة قد أظهرت قدرتها الجبارة، فأنزلت ضربتها القوية الحازمة (في مدينة كركوك) بنفس الطريقة المحنكة عند سحقها مؤامرة الشواف!

وبعد تصريحات عبد الكريم قاسم التي شجبت الأعمال الوحشية في كركوك وبعد المؤتمر الصحفي الذي عقده فقد سعى الحزب إلى امتصاص النقمة الشعبية وعقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اجتماعا موسعا اعتبرت فيه ما جرى في كركوك وغيرها من مدن العراق "اندفاعات خاطئة نشأت عن جزع جماهير الحزب على خسران مكاسبها وأدت إلى تجاوزات وأعمال تنكيل خاطئة" .

وتراوحت المواقف الرسمية للحزب الشيوعي بين رفض المسؤولية عن الأحداث إلى اعتبارها اندفاعا خاطئا ثم إلى الرجوع عن هذه البيانات وإلقاء اللوم على الضحية مجددا.

ومن شهود العيان وقياديي الحزب آنذاك، عزيز محمد والذي كان مسؤولا عن منطقة الشمال في الحزب فهو يقول في شهادة له:
" أستطيع أن أعطي شهادة دقيقة عما حصل. كان الجو في كركوك عشية الذكرى الأولى للثورة متوترا. وتقرر إقامة موكب موحد للاحتفال بالذكرى. الأخوة التركمان أرادوا الإنفراد بموكب مستقل، وهو من حقهم.غير أنه في أجواء التوتر تلك بدا غير مقبول لأطراف أخرى لسنا من بينها."

" وتعرض الموكب لإطلاق الرصاص، ولم تعرف الجهة التي أطلقت منها وسببت الفوضى، بل الهستيريا، حتى الآن. ففقدت السيطرة على الوضع وحدثت انتهاكات وأعمال تصفية ضد التركمان، لم يكن لنا فيها كمنظمة أي دور، بالعكس بذلنا أقصى ما نستطيع من جهود لحقن الدماء ولم نوفق."

ولا تتفق هذه الشهادة مع شهادة أخرى أوردها عضو الحزب الشيوعي العراقي عادل مصري(أبو سرود) الذي كان في وقت مجزرة كركوك عضوا في لجنة الحزب الشيوعي المحلية في كركوك، فيذكر :

"أثارت مشاركة أبناء جميع القوميات المتعايشة في كركوك دون استثناء حنق عملاء شركة النفط الذين فشلوا حتى تلك اللحظة في القيام بأي عمل تخريبي ضد المسيرة، إلا أنهم وكما تبين فيما بعد كانوا يبيتون لمجزرة ضد المواطنين العزل المشاركين في المسيرة السلمية فبعد دخول المسيرة شارع أطلس ومع وصولها كازينو الشباب(!) وسينما أطلس انهالت عليها من السطوح الحجارة وقطع الآجر ثم سرعان ما انهمرت زخات الرصاص من سطح أحد المنازل المطلة على الشارع وفوجيء الناس بهذا العمل العدواني الغادر فتزاحموا مندفعين من الشارع الضيق وشق البعض طريقه مفتشا عن مصدر النيران لإسكاته وفاض الشارع بالجموع التي راحت تزحف فوق بعضها في جو من الفزع والفوضى وتوالت المشاهد المفجعة خاصة منظر الأطفال الهلعين المولولين والأقدام تدوسهم. ولحسن الحظ لم يمت أحد منهم وسقطت النساء أيضا تحت الأقدام.

وتطورت الأمور بسرعة ولم يمكن السيطرة عليها وانطلقت عناصر يبدو أنها كانت مهيأة سلفا من قبل عملاء شركة النفط تشيع وتؤجج الفوضى وتحرض الناس على كسر أبواب الدكاكين وعلى القتل والنهب وإشعال الحرائق خاصة في بعض المتاجر العائدة للمالكين من التركمان وغيرهم وبلغ هياج الناس حدا أصبح كل إنسان في الشارع أيا كان مهددا بالموت لمجرد أن يرتفع بوجهه إصبع اتهام مهما كان مصدره."

"وبقي الرصاص يطلق من قلعة كركوك القديمة بصورة متقطعة طيلة ثلاثة أيام ولم يمكن إسكاته إلا بعد تمشيط القلعة من قبل الجيش والمقاومة الشعبية وجاءت مشاركة المقاومة الشعبية في عملية التمشيط استجابة لطلب تقدمت به قيادة الفرقة الثانية ولتوجيهات وصلت من بغداد بوضع حد لإجرام العناصر الرجعية المعادية للجمهورية.إن ما حدث في كركوك وما تعرضت له مسيرة الذكرى الأولى لثورة تموز فيها، لم يكن غير عدوان آثم دبره عملاء شركة النفط وقوى الردة في المدينة."

يتبين من شهادة السياسي المذكور أن الحجارة والرصاص قد انهالت على المواطنين العزل المشاركين في المسيرة ولكن الذين قتلوا وسحلوا هم المعتدون وليس الضحايا، ولم يجب عادل مصري على السؤال الذي أورده عبد الكريم قاسم نفسه إثر أحداث المجزرة بقوله: أرني شخصا واحدا قتل من الطرف المقابل، لماذا كل القتلى من التركمان؟

وبذلك فقد فوت الكثير من شهود الحادث آنذاك على أنفسهم فرصة النقد الذاتي وشجب عمليات القتل والسحل والتنكيل لأسباب سياسية متناسين الجانب الإنساني من الموضوع وتجاهلهم لكل التقارير المحايدة التي شخصت الموضوع والمعتدين بصورة دقيقة.

تشرين ربيعة
04-10-2009, 11:43 PM
الحلقة الثلاثون
(صور شهداء مجزرة كركوك)
الجزء الأول

سعدون كوبرولو

هذه صور مجموعة من شهداء المجزرة البشعة التي ارتكبها البارتيون والشيوعيون بحق الشعب العراقي التركماني المسالم في مدينته مدينة كركوك الخالدة ، وبعض الشهداء لم نعثر لهم على صور:

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_3.jpg

عطا خير الله

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_15.jpg

إحسان خير الله

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_17.jpg

قاسم نفطجي

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_7.jpg

صلاح الدين آوجي

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_20.jpg

محمد آوجي

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_4.jpg

جاهد فخر الدين

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_22.jpg

عثمان خضر

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_21.jpg

نور الدين عزيز

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_1.jpg

عبد الله بياتلي

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_5.jpg

إبراهيم رمضان

تشرين ربيعة
04-10-2009, 11:51 PM
الحلقة الثلاثون
(صور شهداء مجزرة كركوك)
الجزء الثاني

سعدون كوبرولو

هذه صور مجموعة من شهداء المجزرة البشعة التي ارتكبها البارتيون والشيوعيون بحق الشعب العراقي التركماني المسالم في مدينته مدينة كركوك الخالدة ، وبعض الشهداء لم نعثر لهم على صور:

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_8.jpg

عبد الخالق إسماعيل

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_13.jpg

حسيب علي

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_9.jpg

جمعة قنبر

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_19.jpg

كاظم بكتاش

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_10.jpg

جاهد بدر الدين وشاكر زينل

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_12.jpg

نجم محمد

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_2.jpg

عادل عبد الحميد

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_11.jpg

فتح الله يونس

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_18.jpg

كمال عبد الصمد

http://www.turkmentimes.net/images/14_tammuz_24.jpg

غني نقيب

أما الشهداء الذين لم يعثر لهم على صور فعرف منهم: أمل فؤاد ، جهاد فؤاد ، نهاد فؤاد ، أنور عباس ، زهير عزت

تشرين ربيعة
04-10-2009, 11:59 PM
هكذا وبحمد الله وعونه تم عرض جميع حلقات المسلسل الوثائقي عن مجزرة كركوك وعن دور المجرم الشيوعي وزعيم البارتيين (مصطفى البرزاني) في ارتكاب هذه المجزرة البشعة

هذا والله ولي التوفيق

تشرين ربيعة
09-04-2010, 11:46 AM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا كريم

بعد أربعة وأربعين عاما من هذه المجزرة البشعة الحقيرة التي قام بها الشيوعيون والبارتيون البارزانيون الملاعين والتي أدت لصدور فتوى المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم (قدس سره) بكفر وإلحاد الشيوعية ومن يقف وراءها ، عادوا مرة أخرى لارتكاب مجزرة مماثلة في كركوك يوم الحادي والثلاثين من كانون الأول عام ألفين وثلاثة خلال مظاهرة قام بها التركمان الشيعة احتجاجا على جرائم وسياسات العصابات المجرمة ، وراح ضحية هذه المجزرة ثلاثة شهداء هم:

1 - الشهيد أركان يوسف فتاح بولاوه لي
2 - الشهيد حسن علي امين بياتلى
3 - الشهيد يوسف عماد يونس الصالحي

تشرين ربيعة
10-04-2010, 06:24 PM
شهداء مجزرة كركوك الرهيبة شعلة في تاريخ التركمان


فلاح يازار اوغلو

بدأ التركمان بالتحضيرات للاحتفال بعيد ثورة 14 تموز عام 1959 وفي ذكراه الاول حيث بدأوا بتزيين الشوارع ونصب اقواس النصر في الشوارع الرئيسة مثل شارع ( الاطلس والاوقاف والمجيدية ) وغيرها وكان عددها مايزيد على مائة قوس نصر واتخذت استعدادات لتنظيم مسيرة جماهيرية خاصة بهم في يوم الاحتفال ، واما الطرف الاخر المقصود بعض الحركات السياسية في المنطقة فقد أصروا على أن تكون هنالك مسيرة واحدة باشراف لجنة تشكلت من تلك المنظمات والحركات السياسية وتحت سيطرتها على ان ترفع الشعارات التي حددتها والتي تعبر عن توجهاتها الايديولوجية وسلب من التركمان حرية التعبير والرأي على العكس من الشعارات الرنانة في هذا المجال ، والغاية منها معروفة وهي طمس الهوية التركمانية ووجودها القومي واستقلاليتها .

ان تصميم التحالف بعض القوى السياسية على الاخلال باستعدادات التركمان وافشالها ، بدأ بوضوح تام قبل موعد الاحتفال بايام . اذ بدأت مجموعات من افراد ( المقاومة الشعبية ) والجنود اغلبهم من سرية الشغل التي كانت ثكنتها تقع في قلب المدينة ( شارع اطلس ) بدأوا بتنظيم تظاهرات استفزازية وهم يلوحون ويهتفون ( ماكو مؤامرة تصير .. والحبال موجودة ) الى جانب الهتافات العدائية السافرة مثل ( يسقط الطورانيون الخونة .. العملاء ) استمرت هذه التظاهرات ليلاً ونهاراً وهي تزداد حدة وسعة كلما اقترب موعد الاحتفال .. وقبل يوم من الاحتفال كان يتجول في شوارع المدينة بعض الجنود واشخاص من المقاومة الشعبية بسيارات عسكرية من نوع زيل فيها بعض من المدنيين يحملون الحبال ويلوحون بها ويهتفون بالهتافات الاستفزازية الانفة الذكر ..

وفي الساعة الثامنة من صباح يوم 13/ تموز بدأ الاحتفال بالعرض العسكري حيث مروا من امام المنصة المنصوبة في واجهة النادي العسكرية وكان في مقدمة المستعرضين العميد محمود عبد الرزاق قائد الفرقة الثانية وكالة بعد سحب قائد الفرقة العميد الركن داود الجنابي الى بغداد ..

وحددت لجنة الاحتفالات للذكرى السنوية الاولى للثورة الساعة السادسة من مساء يوم 14 تموز موعداً لانطلاق مسيرة للمنظمات الشعبية وخطط لها ان تمر بشوارع المدينة الرئيسية واصروا على ان تكون هناك مسيرة واحدة في المدينة وتحت الشعارات التي يحددونها . وفضل التركمان على ان يحتفلوا مستقلين وحددوا شارع الاطلس مكاناً للاحتفال وانطلاق مسيرتهم منه بعد انتهاء مسيرة المنظمات وعندما وصلت مقدمة المسيرة الى امام مقهى 14 تموز الذي كان صاحبه ( عثمان خضر ) حيث كان يتردد التركمان عليه كثيراً وسمعت اصوات طلقات نارية ، ولم يكن ممكناً تحديد هوية مطلق النار ، ولكن المتظاهرين هاجموا التركمان المتجمهرين امام المقهى وتبع ذلك شجار ، استعملت فيه الحجار وعصى الرايات ولكنه سرعان ما تطور الى اطلاق الجنود ورجال المقاومة الشعبية النار وقتل عشرات من التركمان وسحلت جثثهم في الشوارع وكان في مقدمتهم الشهيد عثمان خضر صاحب المقهى 14 تموز الذي زين مقهاه للاحتفال وكذلك الشهداء كل من المقدم المتقاعد عطا خيرالله واخيه الطبيب احسان خيرالله والاخوين صلاح الدين ومحمد اوجي وقاسم نفطجي وزهير جايجي وحسيب علي كيجاني ونورالدين عزيز وجاهد فخرالدين والحاج نجم محمد وسيد غني النقيب وجمعة قنبر وكاظم بكتاش وشاكر زينل ونهاد وجهاد والطفلة امل اولاد مختار فؤاد والاخرين الذين سحلوا في الشوارع مدينة كركوك ، وبلغ عدد الجرحى مئات من المواطنين التركمان الابرياء اضافة الى ذلك فقد نهب عشرات محلات التجارية ومقاهي في مدينة كركوك وكانت هذه الاعمال كلها من فعل الجنود ورجال المقاومة الشعبية والاحزاب الشوفينية . وهنا نقول بوضوح بان التركمان غير مسلحين اساساً فلماذا هذا الاعتداء الاثم عليه ياترى ؟!..

وفي يوم 15 تموز قام جنود اكراد من اللواء الرابع بقصف سينما اطلس والعلمين اللتين يملكهما التركمان وكذلك بعض منازل التركمان في القلعة بمدافع الهاون من قبل افراد اتحاد الشبيبة والمقاومة الشعبية وبعض الاحزاب الشوفينية حيث قاموا بوضع علامات على بيوت معينة بهدف مهاجمة سكانها وعن طريق موظفي مصلحة كهرباء لاغراض تخصها ، وفرضت منع التجوال على مدينة كركوك لمدة ثلاثة أيام .

وهنا لايخفى علينا الدور البارز والقيادي للمناضل التركماني الزعيم عبد الله عبد الرحمن في اخماد لهيب مجزرة كركوك الرهيبة في عام 1959 حيث كان المرحوم انذاك ضابط ركن في قيادة الفرقة الثانية بكركوك حيث ذهب الى الزعيم عبد الكريم قاسم في بغداد وشرح ما يجري في كركوك من المؤامرة ضد التركمان وتصفية ابنائه في ابشع جريمة تشهدها كركوك على يد الشوفينيين . ولم يعاد الامن والاستقرار الى كركوك الا بعد وصول تعزيزات عسكرية اتية اليها من بغداد في 17تموز وسحب سلاح الجنود الاكراد من اللواء الرابع اوقفت حركات المقاومة الشعبية وامره باحالة الجناة الى القضاء لينالوا جزاءهم العادل ..

تخلص مما تقدم ان ما حصل كان مدبراً سلفا وتقع تبعية المسؤولية على عاتق الاحزاب الشوفينية في المنطقة ومرتكبي الجرائم سواءً كانوا منقادين للمشاعر العرقية او توجهات سياسية حزبية او بالامرين معاً .. وكانت الاحداث تؤكد وجود نية مبيتة تستهدف انزال ضربة قاصمة للشعب التركماني في كركوك لاضعاف تماسكه وتفتيته ..

وانتهت الاحداث الدموية للايام الثلاثة الرهيبة وبدأت لجان التحقيق بعملها والمحاكم العسكرية اصدرت احكام الاعدام بحق 28 متهماً ، واستمر التحقيق والمحاكمات مدة تزيد على سنة ولكن لم ينفذ حكم الاعدام بحق المدانين حتى 22/حزيران /1963 اي بعد الإطاحة بعبد الكريم قاسم ..

ان مجزرة كركوك الرهيبة سببت صدمة عنيفة للتركمان استمرت اثارها لفترة طويلة جداً من الزمان واستمر نزف الدماء وتدهور اوضاع الامن والاستقرار ليزيد من حجم الاحقاد والضغائن والكراهية الى درجة كبيرة خلال الاعوام الاربعة التالية وقد انحسر المد الشوفيني المقيت وتقلصت هيمنة منظمات السلام والشبيبة والمقاومة الشعبية في مدينة كركوك اعقاب المجزرة ومن ثم الغيت هذه المنظمات بعد الاطاحة بعبد الكريم القاسم الدكتاتوري ..

امست كركوك تنتظر فجر يوم وليد يمحي فيه هذا الثأر ويرتفع سيف الحق ليضرب رقاب المجرمين الغرباء الشوفينيين صانعي مجزرتها والذين تركوا الخراب في كل بيت والدموع في كل عين .. والحزن والاسى في كل زاوية وبقعة من كركوك ..

وبقت كركوك الحبيبة الصامدة تبسط جناحيها على افلاذها لتعلمهم الانسانية والصبر والصمود . تحية اجلال واكبار الى شهداء مجزرة كركوك الرهيبة .. والمجد والخلود لشهداء التركمان ..