المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معاويه بن يزيد بن معاويه


sami13
03-10-2009, 01:46 PM
خطبة معاوية الثانى فى حق أبيه وجده
ذكر غير واحد من المؤرخين أن معاوية بن يزيد بن معاوية, لما هَمَّ بخلع نفسه, صعد المنبر, فجلس طويلاً, ثم حمد الله وأثنى عليه بأبلغ ما يكون الحمد والثناء, ثم ذكر النبى (ص) بأحسن ما يذكر به, ثم قال:
أيها الناس, ما أنا بالراغب فى الائتمار عليكم, لعظم ما أكرهه منكم, وإنى أعلم أنكم تكرهوننا أيضًا, لأنا بلينا بكم, وبليتم بنا, ألا إن جدى معاوية رضى الله تعالى عنه قد نازع فى هذا الأمر من كان أولى به منه ومن غيره, لقرابته من رسول الله (ص), وعظم فضله وسابقته, أعظم المهاجرين قدرًا, وأشجعهم قلبًا, وأكثرهم علمًا, وأولهم إيمانًا, وأشرفهم منزلة, وأقدمهم صحبة, ابن عم رسول الله (ص) وصهره وأخوه, زوَّجه (ص) ابنته فاطمة, وجعله لها بعلاً باختياره لها, وجعلها له زوجة باختيارها له, أبو سبطيه سيدى شباب أهل الجنة, وأفضل هذه الأمة, تربية الرسول, وابنى فاطمة البتول, من الشجرة الطيبة, الطاهرة الزكية, فركب جدى معه ما تعلمون, وركبتم معه ما لا تجهلون, حتى انتظمت لجدى الأمور, فلما جاءه القدر المحتوم, واخترمته أيدى المنون, بقى مرتهنًا بعمله, فريدًا فى قبره, ووجد ما قدمت يداه, ورأى ما ارتكبه واعتداه.
ثم انتقلت الخلافة إلى يزيد أبى, فتقلد أمركم لهوًى كان أبوه فيه, ولقد كان أبى يزيد بسوء فعله وإسرافه على نفســه, غير خليــق بالخــلافة على أمة محمد (ص) فركب هواه, واستحسن خطاه وأقدم على ما أقدم عليه من جراءته على الله, وبغيه على من استحق حرمته من أولاد رسول الله (ص), فقلَّت مدته, وانقطع أثره, وضاجع عمله, وصار حليف حفرته, رهن خطيئته, وبقيت أوزاره وتبعاته, وحصل على ما قدم, وندم حيث لا ينفعه الندم, وشغلنا الحزن له, عن الحزن عليه, فليت شعرى ماذا قال, وماذا قيل له؟ هل عوقب بإساءته, وجوزى بعمله, وكذلك ظنى.
ثم اختنقته العبرة, فبكى طويلاً, وعلا نحيبه, ثم قال: وصرت أنا ثالث القوم, والساخط علىَّ أكثر من الراضى, وما كنت لأتحمل آثامكم, ولا يرانى الله جلت قدرته متقلدًا أوزاركم, وألقاه بتبعاتكم, فشأنكم أمركم فخذوه, ومن رضيتم به عليكم فولُّوه, فقد خلعت بيعتى من أعناقكم والسلام. [الأنابيش, عبد الرحمن الضبع ج7 ص 111- 113, المطبعة العالمية – القاهرة].