قاسم الدفعي
10-04-2007, 01:42 AM
رحلة بحث دامت سنتين فعلم بعدها أن (الحق مع علي) عليه السلام
الدكتور أسعد القاسم: الوهابيون أفتوا بكفري عندما أثبت أحقية الشيعة من صحيح البخاري!
أجرى الحوار: عصام الموسي
قليل من البحث والتحقيق المتجردان من أية اعتبارات عاطفية موروثة كفيل باستجلاء الحقيقة واستيضاح طريق الحق. هذه قاعدة سار عليها أولوا الألباب من العامة فاكتشفوا أن «علياً مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان». ويوما بعد يوم، تتجلى عظمة أهل البيت (عليهم السلام) في أروع صورها، وتتكشف الحقائق ويسطع نورها في كل الأرجاء. ولذا فإننا نجد أن موجة من التشيع والولاء بدأت تتزايد في مختلف الأوساط لتعود إلى صراط الله المستقيم.
نحن نتحدث عن باحث أكاديمي طالت دراسته مدة سنتين لأجل الوصول إلى برالأمان، حيث صاحب الزمان.. صلوات الله وسلامه عليه.
إنه لم يترك مذهبه السني! فهو يعتبر أن التشيع هو الأخذ بسنة المصطفى (صلى الله عليه وآله) من منابعها الأصلية الصافية، وهكذا يؤمن الدكتور أسعد وحيد القاسم من فلسطين أن إنقاذ بلاده وعودة القدس الشريف لا يمكن أن يتمّان إلا على يد قائد يمثل تلك المنابع، وقائد مسدد من السماء!
والدكتور القاسم، جعل صحاح السنة المعروفة، كالبخاري ومسلم، أساس بحثه ومحيط دراسته، فعلم بعد ئذ أن ما جرى على الأمة بعد ارتحال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي جعل منهاج الله السوي يسمى في ما بعد «مذهبا خامسا»! وإليكم نص الحوار:
***: كيف تعرفتم على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، أين ومتى وكيف وعبر من؟
- بدأت بدراسة الخلاف المذهبي في عام 87 أيام دراستي الجامعية في الفلبين، بعدما بدأت ألاحظ تلك الحملة المسعورة بتكفير الشيعة وخصوصا أن الحرب العراقية الإيرانية كانت في أوجها ولغاية ذلك الحين لم يكن عندي أي اهتمام للاطلاع على مثل هذه المسائل الخلافية لعدم شعوري باي حاجة لمعرفتها. وكل ما كنت أعرفه من الشيعة أنهم مسلمون، وإن كانوا يختلفون عن أهل السنة في بعض المسائل لا تستوجب تكفيرهم كتفضيلهم لعلي (عليه السلام) على باقي الصحابة واهتمامهم الكبير بزيارة أضرحة الأئمة. وأما ما كان يشاع عنهم بتفضيلهم لعلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخطئة جبريل بإنزال القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) بدلاً من علي (عليه السلام)، بل واعتقادهم بتحريف القرآن وغير ذلك مما كان يقال فيهم، فلم أكن أعير له أي اهتمام، فإن صحت هذه التهم فإنما تصح عن متطرفين لا يجوز أن ينسبوا لدين الإسلام. وقد كنت دائما مؤيدا للمواقف التي تدعو إلىالوحدة ونبذ الخلافات المذهبية بل وعدم الخوض فيها تجنبا للفتنة والخزازات، ولم أكن أخفي حبي الكبير للثورة الإسلامية في إيران. إلا أنني فوجئت يوما من بعض زملائي وأصدقائي الطلبة في الجامعة ممن كانوا ينتسبون إلى جمعيات وهابية بقولهم لي أنه لا يجوز لي أن أكون سنيا وفي الوقت نفسه متعاطفاً مع الشيعة. وكان معنى كلامهم أنه يجب عليّ إما أن أكون سنياً مكفرا للشيعة، وإما أن أكون شيعيا معتقداً بكل ما يعتقدون، وهكذا كانوا يلحون عليّ دائما بأن أختار طريقا واضحا ليس فيه مزج أو وسطية على رأيهم. وكانوا يوزعون دائما كتبا على الطلبة، تكفر الشيعة وتجعل منهم خطراً على الأمة أسوأ من خطر اليهود، وأن إيران أخطر من إسرائيل على المسلمين!
ولو لم يكن هؤلاء «الدعاة» أصدقاء لي، لما كنت اكترثت مطلقا بمثل هذه الادعاءات ولما أعطيتها أي وزن. وهكذا تولد في داخلي حافز للتقصي والبحث، لأجد جوابا للعديد من القضايا والمسائل التي أثيرت حول تاريخنا الإسلامي، ولم أكن أجد لها جوابا مقنعا وخصوصا في ما يتعلق بمسألة الخلافة ونظام الحكم في الإسلام.
وبعد ما قرأت الكتب العدة المضادة للشيعة، بدأت بقراءة بعض الكتب الشيعية لأرى جوابهم على تلك المسائل، وخصوصا كتاب المراجعات الذي ينقل حوار الكاتبه الشيعي مع عالما سنيا من الأزهر الشريف. وأشد ما لفت أنتباهي في هذا الكتاب وغيره من الكتب الشيعية هو استدلالها على ما تدعي بآيات قرآنية وأحاديث موثقة عند أهل السنة لا سيما في صحيحي البخاري ومسلم. ولشدة قوة وضوح بعض الروايات التي استدل عليها من صحيح البخاري، دفع ذلك بعض أصدقائي من دعاة الوهابية إلى القول بأنه لو وجدت بحق مثل هذه الروايات في صحيح البخاري لاستعدوا أن يكفروا بهذا الكتاب الجامع الصحيح كله كما يعتبره العلماء من أهل السنة، حيث أنه لم يكن متوفرا لدى أي أحد منا نسخة من هذا الكتاب، فبحثت حينها حتى وجدت نسخاً منه في معهد للدراسات الإسلامية في إحدى الجامعات الفلبينية، وعكفت على دراسته للتحقق من مصادر الروايات الهامة التي استدل بها، حتى وجدتها جميعا كما أشير إليها. وحينئذ فقط تيقنت من صحة دعوى الشيعة القائلة بخلافة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) ابتداء بعلي (عليه السلام) وانتهاء بالمهدي عجل الله فرجه الشريف.
وأما أصدقاني الدعاى، فلم يفوا بوعدهم، وكذبوا كل ما قلته لهم بشأن تحققي من وجود الروايات المشار إليها، بل وحاولوا باستماتة تنفيدها (على فرض صحتها) وتحميلها ما لا يمكن تحميله من تأويلات بعيدة بل ومضحكة، وكان نتيجة ذلك، إنهاء علاقتهم بي، وافتوا بتكفيري ثم أصبحوا من خلال جمعيتهم يدعون كل الطلبة إلى مقاطعتي ويحذرونهم من محاورتي أو مجرد الاستماع إليّ، وأشاعوا أني آخذ راتبا من سفارة إيران مقابل تشيعي وكان يجن جنونهم عندما لا حظوا أن العديد من الطلبة الآخرين، بدأوا يؤمنون أيضا بطريق أهل البيت (عليهم السلام).
***: ماهي العوامل التي دفعتكم إلى اعتناق هذا المذهب وترك مذهبكم السني، وكالت هذه المرحلة؟
- لم أشعر منذ البداية أنه كان عليّ أن أترك مذهبي السني، ولا أعتقد أني تركته، وما أقصد أن إيماني في بداية الأمر بأحقية أهل البيت (عليهم السلام) بخلافة النبي (صلى الله عليه وآله) لم يعن تركي لمذهبي السني، وإنما اعتبرته تعديلاً لمعلوماتي التاريخية، وتصحيحا لمساري الإسلامي، فإذا كان المذهب السني يعني هو الأخذ بالسنة النبوية، فإن تمسكي بها قد ازداد بتعرفي على طريق أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أقرب الناس إلى هذه السنة النبوية. وعلى رغم أن من حولي أخذوا ينادوني بالشيعي، فلم أكثرت لذلك، بل لم أجد بأساً فيه، لأنه لم يكن عندي عقدة مسبقة من هذه التسمية.
وأنا طبعاً لا أريد هنا أن أهون من مسألة الخلاف بين المذهبين، إلا أنني ما زلت أرى أن النقاط التي تجمعهما أكثر وأهم من تلك التي تفرقهما. وأنا أحب أن أضعهما تحت عناوين مدارس الفكر داخل دائرة الإسلام الكبرى، حتى ون اختلفا في بعض مسائل العقائد. فإسلامنا فيه من المرونة الكافية ما يسع اجتهادات وتفسيرات الفريقين في جميع ما اختلفا فيه.
وأما بالنسبة لما سألتم حول العوامل التي دفعتني إلى تبني هذا المذاهب فكما بينت سابقا، فإن الدافع كان واحداً ليس له ثان، وهو رؤيتي بمالا يقبل الشك وبالدليل والبرهان القاطع، وجوب اتباع أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فماذا بعد التمعن بقوله (صلى الله عليه وآله) في خطبة حجة الوداع: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي). فهذا القول المعروف بحديث الثقلين يرسم المنهاج بإطاره العام، ثم يخصص بقوله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، وقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وغير ذلك الكثير الكثير من التوجيهات النبوية التي تضع النقاط على الحروف، فكلمة (بعدي) توضح أن علياً كان وصياً للرسول (صلى الله عليه وآله) كما كان هارون ليكون خليفة له وإماما على الأمة بعده.
وهناك العديد من الروايات الموثقة أيضا في الصحاح تشير إلى أن عدد الأئمة اثنا عشر، وكان علماء أهل السنة على مر التاريخ وما زالوا في حيرة أمام هذا ارقم الصعب دون أن يوجدوا له تفسيرا!
وما أجعل التمعن في قوله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله): (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، فكم من التوجيهات القرآنية التي تحصر دور النبي (صلى الله عليه وآله) بالبلاغ والإنذار ليس إلا: (فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)، وأيضاً: (فإن أعرضوا فما أرسلنا عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ المبين). فالله سبحانه وتعالى يعلم أن مسألة هداية الإنسان، الفرد والمجتمع، وتربيته عقائدياً وسلوكيا لتصبح الهداية عنده منهاجا راسخا وثابت الأركان، لا يمكن أن تتم خلال الفترة الوجيزة التي قضاها النبي (صلى الله عليه وآله) في دعوته لا سيما إذا كان هذا الإعداد يخص أمة قد ترسخت فيها عادات الجاهلية مئات السنين، فالنبي (صلى الله عليه وآله) قضى غالبية فترة دعوته منشغلاً في الغزوات الكثيرة، وكان لا يطلب من الناس في مكة أكثر من مجرد القول بالشهادتين وترك عبادة الأوثان ووأد البنات ونظائر ذلك غالبا، وبمجرد رحيله (صلى الله عليه وآله) بدأ المهاجرون والأنصار - وحتى الأنصار في ما بينهم - يتناحرون على الخلافة بصورة قبلية، حتى آلت الخلافة في نهاية ألأمر إلى بني أمية وكان ماكان، كل ذلك بسبب عدم اتباع الناس للمنهج الذي رسمه الله تعالى لهم. فقد كانت حكمته بالغة جل وعلا والقاضية بوجود قائد إلهي مسدد بصورة استثنائية في كل عصر يتكفل بحفظ التشريعات الإلهية وصيانتها وتبيان معالمها وتفاصيلها لضمان تهيئة وتوفير الأرضية المطلو لهداية الناس وسلامة مسيرتهم ومراقبتها على مر الأجيال.
ولكن وبسبب ما جرى على الأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من ويلات وفتن، لا سيما تحييد الأئمة عن دور قيادة المسلمين بل واضطهادهم جيلاً بعد جيل قتلا وسجنا ومطاردة حتى لم يبق سوى آخرهم، فغيبه الله عن أعين الناس حفظا لنوره من الانطفاء، ليتم به حجته يوم يكون الناس قد تهيأوا لذلك، فيعيده الله سبحانه وتعالى إلينا كما سيعيد المسيح عيسى (عليه السلام) ليكون حجته أيضا على النصارى.
أقول، بسبب ذلك كله، فإن أمر الله قد أصبح مشوشاً على غالبية المسلمين، ومنهاجه السوي المستقيم المتمثل بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) أصبح يسمى مذهبا يوضع بجانب المذاهب الأخرى للمقارنة والترجيح، وللأسف فإن المذاهب الكبرى نفسها قد تفرقت بدورها إلى مذاهب أصغر والتي بدورها أصبحت أحزاباً وخطوطاً وتيارات لاحصر لها، كل منها يدعي أنه حزب الله المختار، فكان لزاما على العلماء والمفكرين والمحللين أن ينظروا لتبيان صحة المسار هذا على حساب ذاك. وعلى كل حال، فقد طالت فترة دراستي لهذه المسألة ما يقارب السنتين حتى وصلت إلى هذه القناعة.
وأما إذا أردنا النظر في العوامل الأخرى والتي ترجح بنظري مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فهي عديدة ومتنوعة يمكن اختصار بعضها بمايلي:
الدكتور أسعد القاسم: الوهابيون أفتوا بكفري عندما أثبت أحقية الشيعة من صحيح البخاري!
أجرى الحوار: عصام الموسي
قليل من البحث والتحقيق المتجردان من أية اعتبارات عاطفية موروثة كفيل باستجلاء الحقيقة واستيضاح طريق الحق. هذه قاعدة سار عليها أولوا الألباب من العامة فاكتشفوا أن «علياً مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان». ويوما بعد يوم، تتجلى عظمة أهل البيت (عليهم السلام) في أروع صورها، وتتكشف الحقائق ويسطع نورها في كل الأرجاء. ولذا فإننا نجد أن موجة من التشيع والولاء بدأت تتزايد في مختلف الأوساط لتعود إلى صراط الله المستقيم.
نحن نتحدث عن باحث أكاديمي طالت دراسته مدة سنتين لأجل الوصول إلى برالأمان، حيث صاحب الزمان.. صلوات الله وسلامه عليه.
إنه لم يترك مذهبه السني! فهو يعتبر أن التشيع هو الأخذ بسنة المصطفى (صلى الله عليه وآله) من منابعها الأصلية الصافية، وهكذا يؤمن الدكتور أسعد وحيد القاسم من فلسطين أن إنقاذ بلاده وعودة القدس الشريف لا يمكن أن يتمّان إلا على يد قائد يمثل تلك المنابع، وقائد مسدد من السماء!
والدكتور القاسم، جعل صحاح السنة المعروفة، كالبخاري ومسلم، أساس بحثه ومحيط دراسته، فعلم بعد ئذ أن ما جرى على الأمة بعد ارتحال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي جعل منهاج الله السوي يسمى في ما بعد «مذهبا خامسا»! وإليكم نص الحوار:
***: كيف تعرفتم على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، أين ومتى وكيف وعبر من؟
- بدأت بدراسة الخلاف المذهبي في عام 87 أيام دراستي الجامعية في الفلبين، بعدما بدأت ألاحظ تلك الحملة المسعورة بتكفير الشيعة وخصوصا أن الحرب العراقية الإيرانية كانت في أوجها ولغاية ذلك الحين لم يكن عندي أي اهتمام للاطلاع على مثل هذه المسائل الخلافية لعدم شعوري باي حاجة لمعرفتها. وكل ما كنت أعرفه من الشيعة أنهم مسلمون، وإن كانوا يختلفون عن أهل السنة في بعض المسائل لا تستوجب تكفيرهم كتفضيلهم لعلي (عليه السلام) على باقي الصحابة واهتمامهم الكبير بزيارة أضرحة الأئمة. وأما ما كان يشاع عنهم بتفضيلهم لعلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتخطئة جبريل بإنزال القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) بدلاً من علي (عليه السلام)، بل واعتقادهم بتحريف القرآن وغير ذلك مما كان يقال فيهم، فلم أكن أعير له أي اهتمام، فإن صحت هذه التهم فإنما تصح عن متطرفين لا يجوز أن ينسبوا لدين الإسلام. وقد كنت دائما مؤيدا للمواقف التي تدعو إلىالوحدة ونبذ الخلافات المذهبية بل وعدم الخوض فيها تجنبا للفتنة والخزازات، ولم أكن أخفي حبي الكبير للثورة الإسلامية في إيران. إلا أنني فوجئت يوما من بعض زملائي وأصدقائي الطلبة في الجامعة ممن كانوا ينتسبون إلى جمعيات وهابية بقولهم لي أنه لا يجوز لي أن أكون سنيا وفي الوقت نفسه متعاطفاً مع الشيعة. وكان معنى كلامهم أنه يجب عليّ إما أن أكون سنياً مكفرا للشيعة، وإما أن أكون شيعيا معتقداً بكل ما يعتقدون، وهكذا كانوا يلحون عليّ دائما بأن أختار طريقا واضحا ليس فيه مزج أو وسطية على رأيهم. وكانوا يوزعون دائما كتبا على الطلبة، تكفر الشيعة وتجعل منهم خطراً على الأمة أسوأ من خطر اليهود، وأن إيران أخطر من إسرائيل على المسلمين!
ولو لم يكن هؤلاء «الدعاة» أصدقاء لي، لما كنت اكترثت مطلقا بمثل هذه الادعاءات ولما أعطيتها أي وزن. وهكذا تولد في داخلي حافز للتقصي والبحث، لأجد جوابا للعديد من القضايا والمسائل التي أثيرت حول تاريخنا الإسلامي، ولم أكن أجد لها جوابا مقنعا وخصوصا في ما يتعلق بمسألة الخلافة ونظام الحكم في الإسلام.
وبعد ما قرأت الكتب العدة المضادة للشيعة، بدأت بقراءة بعض الكتب الشيعية لأرى جوابهم على تلك المسائل، وخصوصا كتاب المراجعات الذي ينقل حوار الكاتبه الشيعي مع عالما سنيا من الأزهر الشريف. وأشد ما لفت أنتباهي في هذا الكتاب وغيره من الكتب الشيعية هو استدلالها على ما تدعي بآيات قرآنية وأحاديث موثقة عند أهل السنة لا سيما في صحيحي البخاري ومسلم. ولشدة قوة وضوح بعض الروايات التي استدل عليها من صحيح البخاري، دفع ذلك بعض أصدقائي من دعاة الوهابية إلى القول بأنه لو وجدت بحق مثل هذه الروايات في صحيح البخاري لاستعدوا أن يكفروا بهذا الكتاب الجامع الصحيح كله كما يعتبره العلماء من أهل السنة، حيث أنه لم يكن متوفرا لدى أي أحد منا نسخة من هذا الكتاب، فبحثت حينها حتى وجدت نسخاً منه في معهد للدراسات الإسلامية في إحدى الجامعات الفلبينية، وعكفت على دراسته للتحقق من مصادر الروايات الهامة التي استدل بها، حتى وجدتها جميعا كما أشير إليها. وحينئذ فقط تيقنت من صحة دعوى الشيعة القائلة بخلافة الأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) ابتداء بعلي (عليه السلام) وانتهاء بالمهدي عجل الله فرجه الشريف.
وأما أصدقاني الدعاى، فلم يفوا بوعدهم، وكذبوا كل ما قلته لهم بشأن تحققي من وجود الروايات المشار إليها، بل وحاولوا باستماتة تنفيدها (على فرض صحتها) وتحميلها ما لا يمكن تحميله من تأويلات بعيدة بل ومضحكة، وكان نتيجة ذلك، إنهاء علاقتهم بي، وافتوا بتكفيري ثم أصبحوا من خلال جمعيتهم يدعون كل الطلبة إلى مقاطعتي ويحذرونهم من محاورتي أو مجرد الاستماع إليّ، وأشاعوا أني آخذ راتبا من سفارة إيران مقابل تشيعي وكان يجن جنونهم عندما لا حظوا أن العديد من الطلبة الآخرين، بدأوا يؤمنون أيضا بطريق أهل البيت (عليهم السلام).
***: ماهي العوامل التي دفعتكم إلى اعتناق هذا المذهب وترك مذهبكم السني، وكالت هذه المرحلة؟
- لم أشعر منذ البداية أنه كان عليّ أن أترك مذهبي السني، ولا أعتقد أني تركته، وما أقصد أن إيماني في بداية الأمر بأحقية أهل البيت (عليهم السلام) بخلافة النبي (صلى الله عليه وآله) لم يعن تركي لمذهبي السني، وإنما اعتبرته تعديلاً لمعلوماتي التاريخية، وتصحيحا لمساري الإسلامي، فإذا كان المذهب السني يعني هو الأخذ بالسنة النبوية، فإن تمسكي بها قد ازداد بتعرفي على طريق أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أقرب الناس إلى هذه السنة النبوية. وعلى رغم أن من حولي أخذوا ينادوني بالشيعي، فلم أكثرت لذلك، بل لم أجد بأساً فيه، لأنه لم يكن عندي عقدة مسبقة من هذه التسمية.
وأنا طبعاً لا أريد هنا أن أهون من مسألة الخلاف بين المذهبين، إلا أنني ما زلت أرى أن النقاط التي تجمعهما أكثر وأهم من تلك التي تفرقهما. وأنا أحب أن أضعهما تحت عناوين مدارس الفكر داخل دائرة الإسلام الكبرى، حتى ون اختلفا في بعض مسائل العقائد. فإسلامنا فيه من المرونة الكافية ما يسع اجتهادات وتفسيرات الفريقين في جميع ما اختلفا فيه.
وأما بالنسبة لما سألتم حول العوامل التي دفعتني إلى تبني هذا المذاهب فكما بينت سابقا، فإن الدافع كان واحداً ليس له ثان، وهو رؤيتي بمالا يقبل الشك وبالدليل والبرهان القاطع، وجوب اتباع أهل البيت (عليهم السلام) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فماذا بعد التمعن بقوله (صلى الله عليه وآله) في خطبة حجة الوداع: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي). فهذا القول المعروف بحديث الثقلين يرسم المنهاج بإطاره العام، ثم يخصص بقوله (صلى الله عليه وآله): (من كنت مولاه فهذا على مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، وقوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) وغير ذلك الكثير الكثير من التوجيهات النبوية التي تضع النقاط على الحروف، فكلمة (بعدي) توضح أن علياً كان وصياً للرسول (صلى الله عليه وآله) كما كان هارون ليكون خليفة له وإماما على الأمة بعده.
وهناك العديد من الروايات الموثقة أيضا في الصحاح تشير إلى أن عدد الأئمة اثنا عشر، وكان علماء أهل السنة على مر التاريخ وما زالوا في حيرة أمام هذا ارقم الصعب دون أن يوجدوا له تفسيرا!
وما أجعل التمعن في قوله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله): (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، فكم من التوجيهات القرآنية التي تحصر دور النبي (صلى الله عليه وآله) بالبلاغ والإنذار ليس إلا: (فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين)، وأيضاً: (فإن أعرضوا فما أرسلنا عليهم حفيظاً إن عليك إلا البلاغ المبين). فالله سبحانه وتعالى يعلم أن مسألة هداية الإنسان، الفرد والمجتمع، وتربيته عقائدياً وسلوكيا لتصبح الهداية عنده منهاجا راسخا وثابت الأركان، لا يمكن أن تتم خلال الفترة الوجيزة التي قضاها النبي (صلى الله عليه وآله) في دعوته لا سيما إذا كان هذا الإعداد يخص أمة قد ترسخت فيها عادات الجاهلية مئات السنين، فالنبي (صلى الله عليه وآله) قضى غالبية فترة دعوته منشغلاً في الغزوات الكثيرة، وكان لا يطلب من الناس في مكة أكثر من مجرد القول بالشهادتين وترك عبادة الأوثان ووأد البنات ونظائر ذلك غالبا، وبمجرد رحيله (صلى الله عليه وآله) بدأ المهاجرون والأنصار - وحتى الأنصار في ما بينهم - يتناحرون على الخلافة بصورة قبلية، حتى آلت الخلافة في نهاية ألأمر إلى بني أمية وكان ماكان، كل ذلك بسبب عدم اتباع الناس للمنهج الذي رسمه الله تعالى لهم. فقد كانت حكمته بالغة جل وعلا والقاضية بوجود قائد إلهي مسدد بصورة استثنائية في كل عصر يتكفل بحفظ التشريعات الإلهية وصيانتها وتبيان معالمها وتفاصيلها لضمان تهيئة وتوفير الأرضية المطلو لهداية الناس وسلامة مسيرتهم ومراقبتها على مر الأجيال.
ولكن وبسبب ما جرى على الأمة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) من ويلات وفتن، لا سيما تحييد الأئمة عن دور قيادة المسلمين بل واضطهادهم جيلاً بعد جيل قتلا وسجنا ومطاردة حتى لم يبق سوى آخرهم، فغيبه الله عن أعين الناس حفظا لنوره من الانطفاء، ليتم به حجته يوم يكون الناس قد تهيأوا لذلك، فيعيده الله سبحانه وتعالى إلينا كما سيعيد المسيح عيسى (عليه السلام) ليكون حجته أيضا على النصارى.
أقول، بسبب ذلك كله، فإن أمر الله قد أصبح مشوشاً على غالبية المسلمين، ومنهاجه السوي المستقيم المتمثل بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) أصبح يسمى مذهبا يوضع بجانب المذاهب الأخرى للمقارنة والترجيح، وللأسف فإن المذاهب الكبرى نفسها قد تفرقت بدورها إلى مذاهب أصغر والتي بدورها أصبحت أحزاباً وخطوطاً وتيارات لاحصر لها، كل منها يدعي أنه حزب الله المختار، فكان لزاما على العلماء والمفكرين والمحللين أن ينظروا لتبيان صحة المسار هذا على حساب ذاك. وعلى كل حال، فقد طالت فترة دراستي لهذه المسألة ما يقارب السنتين حتى وصلت إلى هذه القناعة.
وأما إذا أردنا النظر في العوامل الأخرى والتي ترجح بنظري مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فهي عديدة ومتنوعة يمكن اختصار بعضها بمايلي: