نسايم
15-10-2009, 01:36 AM
شهيد المحراب الثالث آية الله الحاج السيد عبد الحسين دستغيب (رحمه الله)
ولادته
فتح آية الله السيد عبد الحسين دستغيب عينيه على الدنيا في ليلة عاشوراء من عام 1292هــ.ش في مدينة شيراز في أسرة علمائية. كانت هذه الولادة المباركة في دار بسيطة في إحدى أزقة شيراز القديمة القريبة من سوق الدجاج الذي يسمى اليوم "شارع أحمدي". ولادته في ليلة عاشوراء دعت إلى تسميته بــ "عبد الحسين" وكانت حياته أيضاً مثالاً واضحاً لهذا الاسم. والده السيد محمد تقي بن الميرزا هداية الله مرجع محافظة فارس الكبير، الذي كان حين ولادة ابنه في كربلاء.
فقد الشهيد دستغيب أباه وهو في الثانية عشرة ليتعهد من حينها بأمه وأخواته الثلاث وأخويه.
أسرة دستغيب من الأسر الأصيلة الشريفة في محافظة فارس وشيراز حيث ترجع سابقتها التاريخية إلى 700ـ800 سنة، وقد برز منها العلماء الكبار والأدباء والخطباء. ويرجع نسب هذه الأسرة بثلاث وثلاثين واسطة إلى الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام.
*******
دراسته
تلقى الشهيد الدروس التمهيدية (المقدمات) في طفولته لما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة وهبها الله إياه، حتى إذا انتهى من دروس المرحلة المتوسطة (السطوح) أصبح إماماً لجماعة مسجد باقر خان، وبعد سنين من معاناة الفقر وشظف العيش قصد النجف الأشرف في سنة 1314هــ.ش ليواصل دراسته هناك.
وهناك نهل من معين أساتذته كالمرحوم آية الله الحاج كاظم الشيرازي، وآية الله الحاج أبي الحسن الموسوي الأصفهاني، وآية الله العظمى الحاج السيد الميرزا آقا الاصطهباناتي، وآية الله الحاج ميرزا علي آقا القاضي الطباطبائي الذي كان من أعاظم أهل المعرفة والسير والسلوك.
وفي سن الرابعة والعشرين وفّق للحصول على درجة الاجتهاد وأجيز من المراجع كآية الله آقا ضياء الدين العراقي، والشيخ كاظم الشيرازي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني. وكان للشهيد دستغيب ثماني إجازات في الاجتهاد.
بعد عودته من النجف الأشرف، أخذ يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع العتيق ويقوم على دعوة الناس وإرشادهم، إلى جانب مواصلته لطلب العلم والمعرفة عند الفقيه العارف الشهير آية الله الحاج الشيخ محمد جواد الأنصاري الهمداني (قدس سره) ليقطع بإرشاداته أشواطاً رفيعة في السلوك والعرفان. وأخيرا،ً من خلال مرافقته لسماحة آية الله نجابت استطاع تحطيم قيود الدنيا في نفسه كاملاًًً ولم يبق له أمل فيها سوى قرب الله تعالى ووصاله.
*******
بحر من الفضيلة والكرامة
الفضائل الخلقية للشهيد السعيد هي حديث العامة والخاصة؛ يقول رفيق دربه القديم آية الله نجابت: "لم ألتق آية الله دستغيب مرة إلا وكان له حديث عن الله وعلوم أهل البيت". اعطاه العالم الرباني والفقيه الكبير المرحوم الحاج آقا الشيخ محمد كاظم الشيرازي درجة الاجتهاد.
لقد قطع الشهيد دستغيب أشواطاً في المعنويات والسير إلى الله لم يبلغها إلا نزر يسير من الناس؛ فقد روي عنه الكثير من الكرامات لما حمله بين جنبيه نفس مطمئنة طيلة عمره؛ فتارة يخبر عن موعد موت فرد ما، وتارة يعيد طفلاً محتضراً إلى الحياة بإذن الله، وثالثة يثير الاستغراب بفعل يعكس علمه بحدث لم يجر حديث عنه: في أحد الأيام أخذ شخص بيدي ولديه وتحرك من مدينة بوشهر لزيارة السيد، وقال في سبب هذه الزيارة: "اشتد المرض بأحد أولادي منذ أيام، وقال الأطباء يجب أن تعالجه في شيراز". كنت في ضائقة مالية، فتوسلت بإمام الزمان عجل الله فرجه، وبعد بكاء ونحيب قيل لي في اليقظة والمنام لا تكترث، اذهب إلى شيراز، نائبنا السيد دستغيب هناك، يقضي لك حاجتك. فجاء هذا الشخص إلى السيد، فابتدأه هو من دون مقدمة قائلاً: "لا تكترث، فأنا أعطيك تكاليف المستشفى التي تعالج بها ولدك"!
*******
في ميدان السياسة وصد الهجوم الثقافي
بدأ الجهاد السياسي لهذا الشهيد الكبير منذ أن وجد أساس الدين في خطر بتولي رضا خان للحكم؛ ولهذا كان يعمل على توعية الناس من خلال منبر الخطابة، حيث تجلى ذلك بشكل خاص في اعتراضه الشديد على نزع الحجاب الإجباري الذي كان أول خطة استهدفت ضرب الإسلام وفتح الباب أمام المفاسد والمنكرات في المجتمع ليتزايد بالتالي نفوذ الأجانب في جميع شؤون البلد الإسلامي. وعندما راح رضا خان يواجه علماء الدين، كان هو أيضاً في الصف الأول من المعارضة، حتى إن جلاوزة رضا خان منعوه من ارتقاء المنبر والخطابة.
في أواخر عام 1341هـ.ش، إبان مشروع لجان المحافظات والمدن وتصاعد صوت المعارضة من قم بقيادة الإمام الخميني، ووصول أول بيان لقائد الثورة العظيم من قم إلى يد الشهيد دستغيب، قال هو صريحاً: "كل وجودي في خدمة الإسلام". ومن حينها لم يهدأ لحظة وأخذ ينظم حركته كماً وكيفاً مع حركة الإمام معرضاً بالكامل في ذلك عن جانبي الإفراط والتفريط. ولما كان يرى ضرورة التعاون مع غيره من العلماء، ذهب إلى بيوت العلماء آنذاك فرداً فرداً واستطاع بشكل من الأشكال إقناعهم ـ إلا اثنين أو ثلاثة ـ بالمشاركة في المجلس الأسبوعي العام في ليالي الجمعة في مركز الجهاد (المسجد الجامع في شيراز). فكان يقوم من خلال خطبه الشديدة التي يفضح فيها النظام بتوعية الناس وإعدادهم لمواجهة الطاغوت. كان شريط خطبه يوزع في أنحاء البلاد، وكان بعض خطبه على درجة من التأثير والفائدة بحيث كانت تستنسخ بأمر الإمام وتوزع بأعداد كبيرة.
وأخيراً أصدر الفريق باكروان حكماً بنفيه في تاريخ 10/1/1342. ولكنه لما كانت سياسة دعم الثقافة الأجنبية المبتذلة تدفع بالبلد نحو الهاوية، كان اعتماده الأساس في مواجهة الهجوم الثقافي الأجنبي هو تكريس الثقافة الإسلامية.
بعد اعتقال السيد الإمام في 15 خرداد 1342، تحرك ليلاً رجال الساواك وقوات الحرس الخاصة من طهران إلى شيراز وهاجموا داره. فانتقل الى طهران.
هذه الشخصية الكبيرة كان لها دور فاعل ومهم في تصعيد كفاح الجماهير في محافظة فارس ضد نظام الشاه. تصريحاته الشجاعة حول مهرجان الفن في شيراز أعطت عمقاً للتحرك الإسلامي في المحافظة، وخطبه وحضوره في التظاهرات والمسيرات والتحركات في المنطقة كانت سداً منيعاً للجماهير المضطهدة هناك.
لقد قام شهيد المحراب الكبير في أيام نفي الإمام في النجف الأشرف بزيارته عدة مرات؛ فنقل له أخبار البلاد والتحرك القائم آنذاك وعاد إلى إيران بالتوجيهات القيمة للإمام.. كان وجود الشهيد دستغيب مادة خير وبركة على الدوام.
وعند تصاعد الثورة الإسلامية واقتراب النصر النهائي في 22 بهمن 1357، اتصل هو برئيس الشرطة وقال له أن يسلم نفسه ويفكر بروحه وأرواح الناس، ولأن السقوط قريب فلا يعرض نفسه وغيره للموت. وبالطبع سلّمت وحدات الجيش ولا سيما قوات الدرك الواحدة تلو الأخرى. ومع أن انتصار الثورة لم يكن قد أعلن عنه بعد، إلا أن دار الشهيد كانت محط قادة الجيش والضباط بين داخل وخارج.
أصبح آية الله دستغيب بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة نائباً عن محافظة فارس في مجلس الخبراء. وعلى أثر طلب أهالي شيراز بإمضاء طومار بطول ثمانين متراً، عيّنه السيد الإمام إماماً لجمعة شيراز.
*******
العروج الملكوتي
في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 20 آذر (الشهر التاسع) 1360هـ.ش خرج كعادته إلى صلاة الجمعة. يقول حارسه عندما خرج من الدار توقف قليلاً وأحكم حزام وسطه وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون". بعد ذلك نزل من السلم وأخذ يسير واضعاً يداً على صدره وأخرى يشير بها إلى الأعلى. بعد لحظات أسرعت إليه فتاة في التاسعة عشرة من زمرة المنافقين الخائنة مع عدة كيلوات من مادة الـ "تي أن تي" بحجة أنها تريد إيصال رسالة إليه بيدها، ثم دوى انفجار مهيب تقطع على أثره السيد عبد الحسين دستغيب إرباً إرباً كمولاه المظلوم الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام. جدران الزقاق وأبواب الدور والأرض وسطوح المنازل غرقت بالدماء، ولم يكن من المقدور تمييز الأجساد عن بعضها. كفنوا الشهيد ووري جثمانه الثرى.
*******
خدمات جليلة وآثار باقية
في عام 1321هــ.ش قام الشهيد دستغيب بإعمار المسجد الجامع العتيق في شيراز الذي يعتبر من الأبنية الأثرية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف عام، حيث أخذ بالتلاشي على مر الأيام، فقام هو وبهمة أصحابه المؤمنين في محافظة فارس بإعماره إلى حد جعلوا المسجد كأنه بني من جديد.
يقول أحد أفراد الساواك في تقرير بهذا الخصوص: "...آية الله دستغيب إمام جماعة المسجد العتيق، عندما كان هذا المسجد خرباً قام هو بنفسه في بداية الأمر بالحفر في المسجد كالعمال ثم أعاد بناءه بمساعدة أهالي المنطقة".
وبعد انتصار الثورة الإسلامية، تمت إعادة مدرسة قوام وهاشمية وآستانه في شيراز التي كان قد اغتصبها النظام على مدى سنين طويلة لترجع تحت إشرافه إلى طلاب العلوم الدينية، وهي تدار اليوم بيد أساتذة بارزين نموذجيين. كما قام الشهيد ببناء عشرات المساجد والمدارس من قبيل مدرسة حكيم، ومسجد الرضا، ومسجد المهدي، ومسجد فرج آل الرسول، ومسجد الإمام الحسين ومسجد روح الله؛ كما أعطيت آلاف الأمتار من الأرض للمستضعفين والمحرومين كمجمع علي بن أبي طالب، ومدينة الشهيد دستغيب، ومجمع خاتم الأنبياء. كما قام بتقديم مساعدات قيمة في بناء أكثر من خمسين مسجداً.
*******
مؤلفاته
ترك الشهيد آية الله السيد عبد الحسين دستغيب نفائس من العلوم والمعارف للإنسانية، نذكرها كما يلي:
صلاة الخاشعين (هذا الكتاب كتبه في سن الثانية والعشرين حيث منعت الرقابة ثلثيه على عهد البهلوي الأول)، القصص العجيبة، الذنوب الكبيرة (مجلدان)، القلب السليم، الثورة الحسينية، سيد الشهداء، الخطبة الشعبانية، الاستعاذة، المعاد، التوحيد، جنة الخلد (تفسير سورة الرحمن)، المظالم، النفس المطمئنة، العبودية سر الخلق، الإيمان، العدل، الأخلاق الإسلامية، آداب من القرآن (تفسير سورة الحجرات)، العالم الآخر (تفسير سورة الواقعة)، اثنان وثمانون سؤالاً، معارف من القرآن (تفسير سورة الحديد)، البوح بالسر في القرآن (تفسير سورة المجادلة)، قلب القرآن (تفسير سورة يس)، حقائق من القرآن (تفسير سورة القمر)، المعراج (تفسير سورة النجم)، القيامة والقرآن (تفسير سورة الطور)، النبوة، الإمامة، فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، زينب الكبرى (سلام الله عليها)، خطب صلاة الجمعة، شهر الله، شرح وحاشية على كفاية الأصول، حاشية على رسائل الشيخ.
وكتب الشهيد دستغيب غالباً ما تطبع بكميات كبيرة جداً لتصل إلى يد العديد من الطالبين، وبعض كتب الأستاذ كالمعاد والذنوب الكبيرة طبع منها أكثر من مليون نسخة. ومؤلفاته ترجمت إلى العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية، وقد نفدت أسواق الدول العربية من ترجماتها العربية في فترة وجيزة..
ولادته
فتح آية الله السيد عبد الحسين دستغيب عينيه على الدنيا في ليلة عاشوراء من عام 1292هــ.ش في مدينة شيراز في أسرة علمائية. كانت هذه الولادة المباركة في دار بسيطة في إحدى أزقة شيراز القديمة القريبة من سوق الدجاج الذي يسمى اليوم "شارع أحمدي". ولادته في ليلة عاشوراء دعت إلى تسميته بــ "عبد الحسين" وكانت حياته أيضاً مثالاً واضحاً لهذا الاسم. والده السيد محمد تقي بن الميرزا هداية الله مرجع محافظة فارس الكبير، الذي كان حين ولادة ابنه في كربلاء.
فقد الشهيد دستغيب أباه وهو في الثانية عشرة ليتعهد من حينها بأمه وأخواته الثلاث وأخويه.
أسرة دستغيب من الأسر الأصيلة الشريفة في محافظة فارس وشيراز حيث ترجع سابقتها التاريخية إلى 700ـ800 سنة، وقد برز منها العلماء الكبار والأدباء والخطباء. ويرجع نسب هذه الأسرة بثلاث وثلاثين واسطة إلى الإمام السجاد عليه الصلاة والسلام.
*******
دراسته
تلقى الشهيد الدروس التمهيدية (المقدمات) في طفولته لما كان يتمتع به من ذكاء وفطنة وهبها الله إياه، حتى إذا انتهى من دروس المرحلة المتوسطة (السطوح) أصبح إماماً لجماعة مسجد باقر خان، وبعد سنين من معاناة الفقر وشظف العيش قصد النجف الأشرف في سنة 1314هــ.ش ليواصل دراسته هناك.
وهناك نهل من معين أساتذته كالمرحوم آية الله الحاج كاظم الشيرازي، وآية الله الحاج أبي الحسن الموسوي الأصفهاني، وآية الله العظمى الحاج السيد الميرزا آقا الاصطهباناتي، وآية الله الحاج ميرزا علي آقا القاضي الطباطبائي الذي كان من أعاظم أهل المعرفة والسير والسلوك.
وفي سن الرابعة والعشرين وفّق للحصول على درجة الاجتهاد وأجيز من المراجع كآية الله آقا ضياء الدين العراقي، والشيخ كاظم الشيرازي، والسيد أبي الحسن الأصفهاني. وكان للشهيد دستغيب ثماني إجازات في الاجتهاد.
بعد عودته من النجف الأشرف، أخذ يقيم صلاة الجماعة في المسجد الجامع العتيق ويقوم على دعوة الناس وإرشادهم، إلى جانب مواصلته لطلب العلم والمعرفة عند الفقيه العارف الشهير آية الله الحاج الشيخ محمد جواد الأنصاري الهمداني (قدس سره) ليقطع بإرشاداته أشواطاً رفيعة في السلوك والعرفان. وأخيرا،ً من خلال مرافقته لسماحة آية الله نجابت استطاع تحطيم قيود الدنيا في نفسه كاملاًًً ولم يبق له أمل فيها سوى قرب الله تعالى ووصاله.
*******
بحر من الفضيلة والكرامة
الفضائل الخلقية للشهيد السعيد هي حديث العامة والخاصة؛ يقول رفيق دربه القديم آية الله نجابت: "لم ألتق آية الله دستغيب مرة إلا وكان له حديث عن الله وعلوم أهل البيت". اعطاه العالم الرباني والفقيه الكبير المرحوم الحاج آقا الشيخ محمد كاظم الشيرازي درجة الاجتهاد.
لقد قطع الشهيد دستغيب أشواطاً في المعنويات والسير إلى الله لم يبلغها إلا نزر يسير من الناس؛ فقد روي عنه الكثير من الكرامات لما حمله بين جنبيه نفس مطمئنة طيلة عمره؛ فتارة يخبر عن موعد موت فرد ما، وتارة يعيد طفلاً محتضراً إلى الحياة بإذن الله، وثالثة يثير الاستغراب بفعل يعكس علمه بحدث لم يجر حديث عنه: في أحد الأيام أخذ شخص بيدي ولديه وتحرك من مدينة بوشهر لزيارة السيد، وقال في سبب هذه الزيارة: "اشتد المرض بأحد أولادي منذ أيام، وقال الأطباء يجب أن تعالجه في شيراز". كنت في ضائقة مالية، فتوسلت بإمام الزمان عجل الله فرجه، وبعد بكاء ونحيب قيل لي في اليقظة والمنام لا تكترث، اذهب إلى شيراز، نائبنا السيد دستغيب هناك، يقضي لك حاجتك. فجاء هذا الشخص إلى السيد، فابتدأه هو من دون مقدمة قائلاً: "لا تكترث، فأنا أعطيك تكاليف المستشفى التي تعالج بها ولدك"!
*******
في ميدان السياسة وصد الهجوم الثقافي
بدأ الجهاد السياسي لهذا الشهيد الكبير منذ أن وجد أساس الدين في خطر بتولي رضا خان للحكم؛ ولهذا كان يعمل على توعية الناس من خلال منبر الخطابة، حيث تجلى ذلك بشكل خاص في اعتراضه الشديد على نزع الحجاب الإجباري الذي كان أول خطة استهدفت ضرب الإسلام وفتح الباب أمام المفاسد والمنكرات في المجتمع ليتزايد بالتالي نفوذ الأجانب في جميع شؤون البلد الإسلامي. وعندما راح رضا خان يواجه علماء الدين، كان هو أيضاً في الصف الأول من المعارضة، حتى إن جلاوزة رضا خان منعوه من ارتقاء المنبر والخطابة.
في أواخر عام 1341هـ.ش، إبان مشروع لجان المحافظات والمدن وتصاعد صوت المعارضة من قم بقيادة الإمام الخميني، ووصول أول بيان لقائد الثورة العظيم من قم إلى يد الشهيد دستغيب، قال هو صريحاً: "كل وجودي في خدمة الإسلام". ومن حينها لم يهدأ لحظة وأخذ ينظم حركته كماً وكيفاً مع حركة الإمام معرضاً بالكامل في ذلك عن جانبي الإفراط والتفريط. ولما كان يرى ضرورة التعاون مع غيره من العلماء، ذهب إلى بيوت العلماء آنذاك فرداً فرداً واستطاع بشكل من الأشكال إقناعهم ـ إلا اثنين أو ثلاثة ـ بالمشاركة في المجلس الأسبوعي العام في ليالي الجمعة في مركز الجهاد (المسجد الجامع في شيراز). فكان يقوم من خلال خطبه الشديدة التي يفضح فيها النظام بتوعية الناس وإعدادهم لمواجهة الطاغوت. كان شريط خطبه يوزع في أنحاء البلاد، وكان بعض خطبه على درجة من التأثير والفائدة بحيث كانت تستنسخ بأمر الإمام وتوزع بأعداد كبيرة.
وأخيراً أصدر الفريق باكروان حكماً بنفيه في تاريخ 10/1/1342. ولكنه لما كانت سياسة دعم الثقافة الأجنبية المبتذلة تدفع بالبلد نحو الهاوية، كان اعتماده الأساس في مواجهة الهجوم الثقافي الأجنبي هو تكريس الثقافة الإسلامية.
بعد اعتقال السيد الإمام في 15 خرداد 1342، تحرك ليلاً رجال الساواك وقوات الحرس الخاصة من طهران إلى شيراز وهاجموا داره. فانتقل الى طهران.
هذه الشخصية الكبيرة كان لها دور فاعل ومهم في تصعيد كفاح الجماهير في محافظة فارس ضد نظام الشاه. تصريحاته الشجاعة حول مهرجان الفن في شيراز أعطت عمقاً للتحرك الإسلامي في المحافظة، وخطبه وحضوره في التظاهرات والمسيرات والتحركات في المنطقة كانت سداً منيعاً للجماهير المضطهدة هناك.
لقد قام شهيد المحراب الكبير في أيام نفي الإمام في النجف الأشرف بزيارته عدة مرات؛ فنقل له أخبار البلاد والتحرك القائم آنذاك وعاد إلى إيران بالتوجيهات القيمة للإمام.. كان وجود الشهيد دستغيب مادة خير وبركة على الدوام.
وعند تصاعد الثورة الإسلامية واقتراب النصر النهائي في 22 بهمن 1357، اتصل هو برئيس الشرطة وقال له أن يسلم نفسه ويفكر بروحه وأرواح الناس، ولأن السقوط قريب فلا يعرض نفسه وغيره للموت. وبالطبع سلّمت وحدات الجيش ولا سيما قوات الدرك الواحدة تلو الأخرى. ومع أن انتصار الثورة لم يكن قد أعلن عنه بعد، إلا أن دار الشهيد كانت محط قادة الجيش والضباط بين داخل وخارج.
أصبح آية الله دستغيب بعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة نائباً عن محافظة فارس في مجلس الخبراء. وعلى أثر طلب أهالي شيراز بإمضاء طومار بطول ثمانين متراً، عيّنه السيد الإمام إماماً لجمعة شيراز.
*******
العروج الملكوتي
في الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 20 آذر (الشهر التاسع) 1360هـ.ش خرج كعادته إلى صلاة الجمعة. يقول حارسه عندما خرج من الدار توقف قليلاً وأحكم حزام وسطه وقال: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون". بعد ذلك نزل من السلم وأخذ يسير واضعاً يداً على صدره وأخرى يشير بها إلى الأعلى. بعد لحظات أسرعت إليه فتاة في التاسعة عشرة من زمرة المنافقين الخائنة مع عدة كيلوات من مادة الـ "تي أن تي" بحجة أنها تريد إيصال رسالة إليه بيدها، ثم دوى انفجار مهيب تقطع على أثره السيد عبد الحسين دستغيب إرباً إرباً كمولاه المظلوم الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام. جدران الزقاق وأبواب الدور والأرض وسطوح المنازل غرقت بالدماء، ولم يكن من المقدور تمييز الأجساد عن بعضها. كفنوا الشهيد ووري جثمانه الثرى.
*******
خدمات جليلة وآثار باقية
في عام 1321هــ.ش قام الشهيد دستغيب بإعمار المسجد الجامع العتيق في شيراز الذي يعتبر من الأبنية الأثرية التي يرجع تاريخها إلى أكثر من ألف عام، حيث أخذ بالتلاشي على مر الأيام، فقام هو وبهمة أصحابه المؤمنين في محافظة فارس بإعماره إلى حد جعلوا المسجد كأنه بني من جديد.
يقول أحد أفراد الساواك في تقرير بهذا الخصوص: "...آية الله دستغيب إمام جماعة المسجد العتيق، عندما كان هذا المسجد خرباً قام هو بنفسه في بداية الأمر بالحفر في المسجد كالعمال ثم أعاد بناءه بمساعدة أهالي المنطقة".
وبعد انتصار الثورة الإسلامية، تمت إعادة مدرسة قوام وهاشمية وآستانه في شيراز التي كان قد اغتصبها النظام على مدى سنين طويلة لترجع تحت إشرافه إلى طلاب العلوم الدينية، وهي تدار اليوم بيد أساتذة بارزين نموذجيين. كما قام الشهيد ببناء عشرات المساجد والمدارس من قبيل مدرسة حكيم، ومسجد الرضا، ومسجد المهدي، ومسجد فرج آل الرسول، ومسجد الإمام الحسين ومسجد روح الله؛ كما أعطيت آلاف الأمتار من الأرض للمستضعفين والمحرومين كمجمع علي بن أبي طالب، ومدينة الشهيد دستغيب، ومجمع خاتم الأنبياء. كما قام بتقديم مساعدات قيمة في بناء أكثر من خمسين مسجداً.
*******
مؤلفاته
ترك الشهيد آية الله السيد عبد الحسين دستغيب نفائس من العلوم والمعارف للإنسانية، نذكرها كما يلي:
صلاة الخاشعين (هذا الكتاب كتبه في سن الثانية والعشرين حيث منعت الرقابة ثلثيه على عهد البهلوي الأول)، القصص العجيبة، الذنوب الكبيرة (مجلدان)، القلب السليم، الثورة الحسينية، سيد الشهداء، الخطبة الشعبانية، الاستعاذة، المعاد، التوحيد، جنة الخلد (تفسير سورة الرحمن)، المظالم، النفس المطمئنة، العبودية سر الخلق، الإيمان، العدل، الأخلاق الإسلامية، آداب من القرآن (تفسير سورة الحجرات)، العالم الآخر (تفسير سورة الواقعة)، اثنان وثمانون سؤالاً، معارف من القرآن (تفسير سورة الحديد)، البوح بالسر في القرآن (تفسير سورة المجادلة)، قلب القرآن (تفسير سورة يس)، حقائق من القرآن (تفسير سورة القمر)، المعراج (تفسير سورة النجم)، القيامة والقرآن (تفسير سورة الطور)، النبوة، الإمامة، فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، زينب الكبرى (سلام الله عليها)، خطب صلاة الجمعة، شهر الله، شرح وحاشية على كفاية الأصول، حاشية على رسائل الشيخ.
وكتب الشهيد دستغيب غالباً ما تطبع بكميات كبيرة جداً لتصل إلى يد العديد من الطالبين، وبعض كتب الأستاذ كالمعاد والذنوب الكبيرة طبع منها أكثر من مليون نسخة. ومؤلفاته ترجمت إلى العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والأردية، وقد نفدت أسواق الدول العربية من ترجماتها العربية في فترة وجيزة..