نووورا انا
16-10-2009, 07:20 PM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
دعاؤه المجاب
يقول الصبّان في «إسعاف الراغبين»: وكان مُجاب الدعوة اذا سأل اللّه شيئاً لا يتمّ قوله إِلا وهو بين يديه، ويقول الشعراني في «لواقح الأنوار»: وكان سلام اللّه عليه اذا احتاج الى شيء قال: يا ربّاه أنا محتاج الى كذا فما يستتمّ دعاؤه إِلا وذلك الشيء بجنبه موضوع.
وهذا القول منهما لا يدلّ على استجابة دعائه فحسب بل وعلى سرعة الإجابة، حتّى لكأنَّ المسؤول عنه كان الى جنبه أو بين يديه، وما كان جزم هؤلاء المؤلّفين بإجابة دعائه بسرعة الإجابة إِلا لكثرة ما تناقلته الطروس والسطور وحفظته الصدور من ذلك، حتّى صار لديهم شيئاً محسوساً وأمراً معلوماً.
وممّا ذكروه له عليه السلام ما كان من قصد المنصور له بالقتل مراراً عديدة، فيحول اللّه تعالى بينه وبين ما عزم عليه ببركة دعائه، بل ينقلب حاله الى ضدّ ما نواه وعزم عليه، فينهض لاستقباله ويبالغ في إِكرامه(1).
ومن ذلك: أن الحكم بن العبّاس الكلبي قال:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة***ولم نَر مهديّاً على الجذع يُصلب
وقستم بعثمان عليّاً سفاهة***وعثمان أزكى من عليّ وأطيب
ولمّا بلغ الصادق ذلك غصب ودعا عليه، فقال: اللّهمّ سلِّط عليه كلباً من كلابك يأكله، فبعثه بنو اُميّة الى الكوفة فافترسه الأسد في الطريق(1).
ولمّا كان داود بن علي العبّاسي والياً على المدينة من قِبل المنصور بعث على المعلّى بن خنيس مولى الصادق عليه السّلام فقتله، ولم يقنع بذلك حتّى أراد السوء مع الامام، فغضب الامام لذلك ودعا على داود حتّى سمعوه يقول: الساعة الساعة، فما استتمّ دعاؤه حتّى سمعت الصيحة في دار داود وقالوا: إِنه مات فجأة(2).
ومن دعائه المستجاب ما حدّث به الليث بن سعد(3) قال: حججت سنة 113، فلما صلّيت العصر رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو فقال: يا ربّ يا ربّ حتّى انقطع نفسه، ثمّ قال: يا حيّ يا حيّ يا حيّ حتّى انقطع نفسه، ثمّ قال: إِلهي أشتهي العنب فأطعمنيه، وإِن بُردي قد خلقا فاكسني، قال الليث: فما تمّ كلامه حتّى نظرت الى سلّة مملوءة عنباً، وليس على الشجر يومئذٍ عنب، واذا ببُردين لم أرَ مثلهما، فأراد الأكل فقلت أنا شريكك لأنك دعوت وأنا اُؤمّن، قال: كل ولا تخبئ ولا تدّخر، ثمّ دفع إِليّ أحد البُردين، فقلت: لي عنه غنى، فاتّزر بأحدهما وارتدي بالآخر، ثمّ أخذ الخلقين ونزل، فلقيه رجل فقال: اكسني يا ابن رسول اللّه، فدفعهما إِليه فقلت: مَن هذا، قال: جعفر الصادق(4) وفي رواية مطالب السؤل: فتقدّمت فأكلت شيئاً لم آكل مثله قط،
واذا عنب لا عجم(1) له فأكلت حتّى شبعت والسلّة لم تنقص.
أقول: إِن هذه الكرامة كانت منه على عهد أبيه الباقر عليه السلام قبل رجوع الإمامة اليه لأن وفاة الباقر كانت عام 114، أو عام 117.
وكانت الناس تستشفع بدعائه لما تجد فيه من الإجابة، وهذه حبابة الوالبيّة دخلت عليه وهي من فاضلات النساء، فسألته عن مسائل في الحلال والحرام فتعجّب الحضور من تلك المسائل، لأنهم ما رأوا سائلاً أحسن منها، ثمّ سالت دموعها، فقال الصادق عليه السلام: ما لي أرى عينيك قد سالت، قالت: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله داء قد ظهر بي من الأدواء الخبيثة التي كانت تصيب الأنبياء عليهم السّلام والأولياء، وأن أهل قرابتي وأهل بيتي يقولون: قد أصابتها الخبيثة، ولو كان صاحبها كما قالت مفروض الطاعة لدَعا لها، وكان اللّه يذهب عنها، وأنا واللّه سررت بذلك، وعلمت أنه تمحيص وكفّارات، وأنه داء الصالحين، فقال لها الصادق عليه السّلام: وقد قالوا: أصابك الخبيثة ؟ قالت: نعم يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فحرَّك شفتيه بشيء فلا يُدرى أفي دعاء كان، فقال: ادخلي دار النساء حتّى تنظري الى جسدك، فدخلت وكشفت عن ثيابها فلم تجد في صدرها ولا جسدها شيئاً فقال: اذهبي الآن وقولي لهم: هذا الذي يتقرّب الى اللّه بإمامته(2).
وحبابة هذه هي ابنة جعفر الأسدي، والوالبيّة نسبة الى بني والبة بطن من أسد، وهي صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه السّلام علامة
للإمامة، وعمّرت حتّى أدركت الرضا عليه السلام وماتت في أيّامه وكفّنها في قميصه، ولم تكن هذه الكرامة الاُولى التي شاهدتها من أئمّة أهل البيت، بل جاءت الى الحسين عليه السّلام وبها برص فعوفيت منه والى السجّاد عليه السلام وهي تعدّ يومئذٍ 113 عاماً وقد بلغ بها الكبر حتّى أرعشت فرأته راكعاً وساجداً فيئست من الدلالة فأومأ اليها بالسبابة فعاد اليها شبابها، ولمّا جاءت الى الرضا أعادَ عليها شبابها في رواية، ولكنها اختارت الموت فماتت في داره.
وجاءته امرأة اُخرى فقالت له: جعلت فداك، أبي واُمّي وأهل بيتي نتولاكم، فقال: صدقتِ فما الذي تريدين ؟ قالت: جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أصابني وضح(1) في عضدي فادع اللّه أن يذهبه عنّي فقال عليه السّلام:
اللّهمّ إِنك تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي العظام وهي رميم، ألبسها عفوك وعافيتك ما ترى أثر إِجابة دعائي، فقالت المرأة: واللّه لقد قمت وما بي منه قليل ولا كثير(2).
وقال بكر بن محمّد الأزدي(3): عرض(4) لقرابة لي ونحن في طريق مكّة، فلّما صرنا الى أبي عبد اللّه عليه السلام ذكرنا ذلك له وسألناه الدعاء له ففعل، قال بكر: فرأيت الرجل حيث عرض له، ورأيته حيث أفاق(5).
وجاءه شيخ وهو تحت الميزاب في البيت ومعه جماعة من أصحابه فسلّم عليه، ثمّ قال: يا ابن رسول اللّه إِني احبّكم أهل البيت وأبرأ من عدوّكم وإِني بُليت ببلاء شديد، وقد أتيت البيت متعوّذاً به ممّا أجد، ثمّ بكى واكبّ على الصادق يقبّل رأسه ورجليه والصادق يتنحّى عنه فرحمه وبكى، ثمّ قال: هذا أخوكم وقد أتاكم متعوّذاً بكم فارفعوا أيديكم، فرفع الصادق يديه ورفع القوم أيديهم، ثمّ قال: اللّهم إِنك خلقت هذه الأنفس من طينة أخلصتها، وجعلت منها أولياءك وأولياء أوليائك، وإِن شئت أن تنحي عنهم الآفات فعلت، اللّهمّ وقد تعوّذنا ببيتك الحرام الذي يأمن به كلّ شيء وقد تعوّذ بنا، وأنا أسألك يا من احتجب بنوره عن خلقه أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين يا غاية كلّ محزون وملهوف ومكروب ومضطرّ مبتلى أن تؤمنه بأماننا ممّا يجد، وأن تمحو من طينته ممّا قدّر عليها من البلاء، وأن تفرّج كربته يا أرحم الراحمين، فلما فرغ من الدعاء انطلق الرجل فلمّا بلغ باب المسجد رجع وبكى، ثمّ قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، واللّه ما بلغت باب المسجد وبي ممّا أجد قليل ولا كثير(1).
واستحال وجه يونس بن عمّار(2) الى البياض فنظر الصادق عليه السلام الى جبهته فصلّى ركعتين، ودعا ببعض الدعوات فما خرج من المدينة حتّى ذهب ما كان بوجهه من البياض(3).
وقال طرخان النخاس(1): مررت بأبي عبد اللّه عليه السلام وقد نزل الحيرة، فقال: ما علاجك ؟ قلت: نخّاس، قال: اصب لي بغلة فضخاء، قلت: جُعلت فداك وما الفضخاء ؟ قال: دهماء بيضاء البطن بيضاء الأفخاذ بيضاء الجحفلة(2) فقلت: واللّه ما رأيت مثل هذه الصحيفة، فرجعت من عنده فساعة دخلت الخندق اذا أنا بغلام قد أسقى بغلة على هذه الصفة، فسألت الغلام: لمن هذه البغلة ؟ قال: لمولاي، قلت يبيعها ؟ قال: لا أدري، فتبعته حتّى أتيت مولاه فاشتريتها منه وأتيته فقلت: هذه الصفة التي أردتها جُعلت فداك ادع اللّه لي، فقال: اكثر اللّه مالك وولدك، قال: فصرت من اكثر أهل الكوفة مالاً وولداً(3).
وسأله حمّاد بن عيسى(4) أن يدعو اللّه بأن يرزقه ما يحجُّ به كثيراً وأن يرزقه ضياعاً حسنة وداراً حسنة وزوجة من أهل البيوتات صالحة وأولاداً أبراراً، فدعا له الصادق عليه السلام بما طلب، وقيّد الحجّ بخمسين حجّة، فرزقه اللّه جميع ما سأله، وحجَّ خمسين حجّة، ولمّا ذهب في الواحدة والخمسين وانتهى الى وادي الجحفة - بين مكّة والمدينة - جاء السيل فأخذه فأخرجه غلمانه ميّتاً، فُسمّي حمّاد غريق الجحفة(5).
وقال زيد الشحّام(6): إِني لأطوف حول الكعبة وكفّي في كفّ أبي عبد اللّه
عليه السلام، فقال - ودموعه تجري على خدّيه -: يا شحّام ما رأيت ما صنع ربي إِليّ، ثمّ بكى ودعا، ثمّ قال: يا شحّام إِني طلبت الى إِلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن(1) وكانا في السجن فوهبهما لي وخلّى سبيلهما(2).
وسجن المنصور عبد الحميد(3) فأخبروا الصادق عليه السلام بذلك وهو في الموقف بعد صلاة العصر، فرفع يديه ساعة، ثمّ التفت الى محمّد بن عبد اللّه(4). وقال عليه السلام: قد واللّه خلّى سبيل صاحبك، قال محمّد: فسألت عبد الحميد أيّ ساعة خلاك أبو جعفر المنصور ؟ قال: يوم عرفة بعد العصر(5).
وهذه الكرامة الجليلة جمعت بين استجابة دعائه وإِعلامه عن الإفراج عن عبد الحميد، كسابقتها.
هذه بعض دعواته المستجابة التي سجّلتها الكتب، وحفظتها الرُّواة، وما كانت دعواته إِلا لخير الناس، نعم قد يدعو على أحد اذا كان في ذلك صلاح وإِلا فإنّه الحليم الأوّاه الذي لاقى من أعدائه أذىً تسيخ عن حمله متون الرواسي ولم يَدع على واحد منهم، اللّهمّ إِلا على داود بن علي والحَكم الكلبي لأمر هو أعرف به، كما دعا على بعض غلمان زمزم.
كان أبو عبد اللّه عليه السلام ومعه بعض أصحابه يتغذّون فقال لغلامه: انطلق وآتنا بماء زمزم، فانطلق الغلام فما لبث أن جاء وليس معه ماء، فقال:
إِن غلاماً من غلمان زمزم منعني الماء وقال: أتريد الماء لاله العراق، فتغيّر لون أبي عبد اللّه عليه السلام ورفع يده عن الطعام وتحرّكت شفتاه، ثمّ قال للغلام: ارجع فجئنا بالماء، ثمّ أكل فلم يَلبث أن جاء الغلام بالماء وهو متغيّر اللون، فقال: ما وراك ؟ فقال: سقط ذلك الغلام في بئر زمزم فتقطّع وهم يخرجونه، فحمد اللّه عليه(1).
وأرسل غلامه مرَّة الى بئر زمزم ليأتيه بالماء ثمّ سمعوه يقول: اللّهمّ اعمِ بصره، اللّهمّ أخرس لسانه، اللّهم أصم سمعه، فرجع الغلام يبكي، فقال: ما لَكَ ؟ قال: إِنَّ فلاناً القرشي ضربني ومنعني من السقاء، قال: ارجع فقد كفيته، فرجع وقد عُمي وصُمَّ وخرُس وقد اجتمع عليه الناس(2).
دعاؤه المجاب
يقول الصبّان في «إسعاف الراغبين»: وكان مُجاب الدعوة اذا سأل اللّه شيئاً لا يتمّ قوله إِلا وهو بين يديه، ويقول الشعراني في «لواقح الأنوار»: وكان سلام اللّه عليه اذا احتاج الى شيء قال: يا ربّاه أنا محتاج الى كذا فما يستتمّ دعاؤه إِلا وذلك الشيء بجنبه موضوع.
وهذا القول منهما لا يدلّ على استجابة دعائه فحسب بل وعلى سرعة الإجابة، حتّى لكأنَّ المسؤول عنه كان الى جنبه أو بين يديه، وما كان جزم هؤلاء المؤلّفين بإجابة دعائه بسرعة الإجابة إِلا لكثرة ما تناقلته الطروس والسطور وحفظته الصدور من ذلك، حتّى صار لديهم شيئاً محسوساً وأمراً معلوماً.
وممّا ذكروه له عليه السلام ما كان من قصد المنصور له بالقتل مراراً عديدة، فيحول اللّه تعالى بينه وبين ما عزم عليه ببركة دعائه، بل ينقلب حاله الى ضدّ ما نواه وعزم عليه، فينهض لاستقباله ويبالغ في إِكرامه(1).
ومن ذلك: أن الحكم بن العبّاس الكلبي قال:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة***ولم نَر مهديّاً على الجذع يُصلب
وقستم بعثمان عليّاً سفاهة***وعثمان أزكى من عليّ وأطيب
ولمّا بلغ الصادق ذلك غصب ودعا عليه، فقال: اللّهمّ سلِّط عليه كلباً من كلابك يأكله، فبعثه بنو اُميّة الى الكوفة فافترسه الأسد في الطريق(1).
ولمّا كان داود بن علي العبّاسي والياً على المدينة من قِبل المنصور بعث على المعلّى بن خنيس مولى الصادق عليه السّلام فقتله، ولم يقنع بذلك حتّى أراد السوء مع الامام، فغضب الامام لذلك ودعا على داود حتّى سمعوه يقول: الساعة الساعة، فما استتمّ دعاؤه حتّى سمعت الصيحة في دار داود وقالوا: إِنه مات فجأة(2).
ومن دعائه المستجاب ما حدّث به الليث بن سعد(3) قال: حججت سنة 113، فلما صلّيت العصر رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو فقال: يا ربّ يا ربّ حتّى انقطع نفسه، ثمّ قال: يا حيّ يا حيّ يا حيّ حتّى انقطع نفسه، ثمّ قال: إِلهي أشتهي العنب فأطعمنيه، وإِن بُردي قد خلقا فاكسني، قال الليث: فما تمّ كلامه حتّى نظرت الى سلّة مملوءة عنباً، وليس على الشجر يومئذٍ عنب، واذا ببُردين لم أرَ مثلهما، فأراد الأكل فقلت أنا شريكك لأنك دعوت وأنا اُؤمّن، قال: كل ولا تخبئ ولا تدّخر، ثمّ دفع إِليّ أحد البُردين، فقلت: لي عنه غنى، فاتّزر بأحدهما وارتدي بالآخر، ثمّ أخذ الخلقين ونزل، فلقيه رجل فقال: اكسني يا ابن رسول اللّه، فدفعهما إِليه فقلت: مَن هذا، قال: جعفر الصادق(4) وفي رواية مطالب السؤل: فتقدّمت فأكلت شيئاً لم آكل مثله قط،
واذا عنب لا عجم(1) له فأكلت حتّى شبعت والسلّة لم تنقص.
أقول: إِن هذه الكرامة كانت منه على عهد أبيه الباقر عليه السلام قبل رجوع الإمامة اليه لأن وفاة الباقر كانت عام 114، أو عام 117.
وكانت الناس تستشفع بدعائه لما تجد فيه من الإجابة، وهذه حبابة الوالبيّة دخلت عليه وهي من فاضلات النساء، فسألته عن مسائل في الحلال والحرام فتعجّب الحضور من تلك المسائل، لأنهم ما رأوا سائلاً أحسن منها، ثمّ سالت دموعها، فقال الصادق عليه السلام: ما لي أرى عينيك قد سالت، قالت: يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله داء قد ظهر بي من الأدواء الخبيثة التي كانت تصيب الأنبياء عليهم السّلام والأولياء، وأن أهل قرابتي وأهل بيتي يقولون: قد أصابتها الخبيثة، ولو كان صاحبها كما قالت مفروض الطاعة لدَعا لها، وكان اللّه يذهب عنها، وأنا واللّه سررت بذلك، وعلمت أنه تمحيص وكفّارات، وأنه داء الصالحين، فقال لها الصادق عليه السّلام: وقد قالوا: أصابك الخبيثة ؟ قالت: نعم يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فحرَّك شفتيه بشيء فلا يُدرى أفي دعاء كان، فقال: ادخلي دار النساء حتّى تنظري الى جسدك، فدخلت وكشفت عن ثيابها فلم تجد في صدرها ولا جسدها شيئاً فقال: اذهبي الآن وقولي لهم: هذا الذي يتقرّب الى اللّه بإمامته(2).
وحبابة هذه هي ابنة جعفر الأسدي، والوالبيّة نسبة الى بني والبة بطن من أسد، وهي صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين عليه السّلام علامة
للإمامة، وعمّرت حتّى أدركت الرضا عليه السلام وماتت في أيّامه وكفّنها في قميصه، ولم تكن هذه الكرامة الاُولى التي شاهدتها من أئمّة أهل البيت، بل جاءت الى الحسين عليه السّلام وبها برص فعوفيت منه والى السجّاد عليه السلام وهي تعدّ يومئذٍ 113 عاماً وقد بلغ بها الكبر حتّى أرعشت فرأته راكعاً وساجداً فيئست من الدلالة فأومأ اليها بالسبابة فعاد اليها شبابها، ولمّا جاءت الى الرضا أعادَ عليها شبابها في رواية، ولكنها اختارت الموت فماتت في داره.
وجاءته امرأة اُخرى فقالت له: جعلت فداك، أبي واُمّي وأهل بيتي نتولاكم، فقال: صدقتِ فما الذي تريدين ؟ قالت: جُعلت فداك يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أصابني وضح(1) في عضدي فادع اللّه أن يذهبه عنّي فقال عليه السّلام:
اللّهمّ إِنك تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي العظام وهي رميم، ألبسها عفوك وعافيتك ما ترى أثر إِجابة دعائي، فقالت المرأة: واللّه لقد قمت وما بي منه قليل ولا كثير(2).
وقال بكر بن محمّد الأزدي(3): عرض(4) لقرابة لي ونحن في طريق مكّة، فلّما صرنا الى أبي عبد اللّه عليه السلام ذكرنا ذلك له وسألناه الدعاء له ففعل، قال بكر: فرأيت الرجل حيث عرض له، ورأيته حيث أفاق(5).
وجاءه شيخ وهو تحت الميزاب في البيت ومعه جماعة من أصحابه فسلّم عليه، ثمّ قال: يا ابن رسول اللّه إِني احبّكم أهل البيت وأبرأ من عدوّكم وإِني بُليت ببلاء شديد، وقد أتيت البيت متعوّذاً به ممّا أجد، ثمّ بكى واكبّ على الصادق يقبّل رأسه ورجليه والصادق يتنحّى عنه فرحمه وبكى، ثمّ قال: هذا أخوكم وقد أتاكم متعوّذاً بكم فارفعوا أيديكم، فرفع الصادق يديه ورفع القوم أيديهم، ثمّ قال: اللّهم إِنك خلقت هذه الأنفس من طينة أخلصتها، وجعلت منها أولياءك وأولياء أوليائك، وإِن شئت أن تنحي عنهم الآفات فعلت، اللّهمّ وقد تعوّذنا ببيتك الحرام الذي يأمن به كلّ شيء وقد تعوّذ بنا، وأنا أسألك يا من احتجب بنوره عن خلقه أسألك بحقّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين يا غاية كلّ محزون وملهوف ومكروب ومضطرّ مبتلى أن تؤمنه بأماننا ممّا يجد، وأن تمحو من طينته ممّا قدّر عليها من البلاء، وأن تفرّج كربته يا أرحم الراحمين، فلما فرغ من الدعاء انطلق الرجل فلمّا بلغ باب المسجد رجع وبكى، ثمّ قال: اللّه أعلم حيث يجعل رسالته، واللّه ما بلغت باب المسجد وبي ممّا أجد قليل ولا كثير(1).
واستحال وجه يونس بن عمّار(2) الى البياض فنظر الصادق عليه السلام الى جبهته فصلّى ركعتين، ودعا ببعض الدعوات فما خرج من المدينة حتّى ذهب ما كان بوجهه من البياض(3).
وقال طرخان النخاس(1): مررت بأبي عبد اللّه عليه السلام وقد نزل الحيرة، فقال: ما علاجك ؟ قلت: نخّاس، قال: اصب لي بغلة فضخاء، قلت: جُعلت فداك وما الفضخاء ؟ قال: دهماء بيضاء البطن بيضاء الأفخاذ بيضاء الجحفلة(2) فقلت: واللّه ما رأيت مثل هذه الصحيفة، فرجعت من عنده فساعة دخلت الخندق اذا أنا بغلام قد أسقى بغلة على هذه الصفة، فسألت الغلام: لمن هذه البغلة ؟ قال: لمولاي، قلت يبيعها ؟ قال: لا أدري، فتبعته حتّى أتيت مولاه فاشتريتها منه وأتيته فقلت: هذه الصفة التي أردتها جُعلت فداك ادع اللّه لي، فقال: اكثر اللّه مالك وولدك، قال: فصرت من اكثر أهل الكوفة مالاً وولداً(3).
وسأله حمّاد بن عيسى(4) أن يدعو اللّه بأن يرزقه ما يحجُّ به كثيراً وأن يرزقه ضياعاً حسنة وداراً حسنة وزوجة من أهل البيوتات صالحة وأولاداً أبراراً، فدعا له الصادق عليه السلام بما طلب، وقيّد الحجّ بخمسين حجّة، فرزقه اللّه جميع ما سأله، وحجَّ خمسين حجّة، ولمّا ذهب في الواحدة والخمسين وانتهى الى وادي الجحفة - بين مكّة والمدينة - جاء السيل فأخذه فأخرجه غلمانه ميّتاً، فُسمّي حمّاد غريق الجحفة(5).
وقال زيد الشحّام(6): إِني لأطوف حول الكعبة وكفّي في كفّ أبي عبد اللّه
عليه السلام، فقال - ودموعه تجري على خدّيه -: يا شحّام ما رأيت ما صنع ربي إِليّ، ثمّ بكى ودعا، ثمّ قال: يا شحّام إِني طلبت الى إِلهي في سدير وعبد السلام بن عبد الرحمن(1) وكانا في السجن فوهبهما لي وخلّى سبيلهما(2).
وسجن المنصور عبد الحميد(3) فأخبروا الصادق عليه السلام بذلك وهو في الموقف بعد صلاة العصر، فرفع يديه ساعة، ثمّ التفت الى محمّد بن عبد اللّه(4). وقال عليه السلام: قد واللّه خلّى سبيل صاحبك، قال محمّد: فسألت عبد الحميد أيّ ساعة خلاك أبو جعفر المنصور ؟ قال: يوم عرفة بعد العصر(5).
وهذه الكرامة الجليلة جمعت بين استجابة دعائه وإِعلامه عن الإفراج عن عبد الحميد، كسابقتها.
هذه بعض دعواته المستجابة التي سجّلتها الكتب، وحفظتها الرُّواة، وما كانت دعواته إِلا لخير الناس، نعم قد يدعو على أحد اذا كان في ذلك صلاح وإِلا فإنّه الحليم الأوّاه الذي لاقى من أعدائه أذىً تسيخ عن حمله متون الرواسي ولم يَدع على واحد منهم، اللّهمّ إِلا على داود بن علي والحَكم الكلبي لأمر هو أعرف به، كما دعا على بعض غلمان زمزم.
كان أبو عبد اللّه عليه السلام ومعه بعض أصحابه يتغذّون فقال لغلامه: انطلق وآتنا بماء زمزم، فانطلق الغلام فما لبث أن جاء وليس معه ماء، فقال:
إِن غلاماً من غلمان زمزم منعني الماء وقال: أتريد الماء لاله العراق، فتغيّر لون أبي عبد اللّه عليه السلام ورفع يده عن الطعام وتحرّكت شفتاه، ثمّ قال للغلام: ارجع فجئنا بالماء، ثمّ أكل فلم يَلبث أن جاء الغلام بالماء وهو متغيّر اللون، فقال: ما وراك ؟ فقال: سقط ذلك الغلام في بئر زمزم فتقطّع وهم يخرجونه، فحمد اللّه عليه(1).
وأرسل غلامه مرَّة الى بئر زمزم ليأتيه بالماء ثمّ سمعوه يقول: اللّهمّ اعمِ بصره، اللّهمّ أخرس لسانه، اللّهم أصم سمعه، فرجع الغلام يبكي، فقال: ما لَكَ ؟ قال: إِنَّ فلاناً القرشي ضربني ومنعني من السقاء، قال: ارجع فقد كفيته، فرجع وقد عُمي وصُمَّ وخرُس وقد اجتمع عليه الناس(2).