نووورا انا
17-10-2009, 04:18 PM
اللهم صل على محمد وال محمد
السفياني رمزٌ أم شخص؟
جرى البحث بين المفكّرين الإسلاميين في حقيقة السفياني وهل أنه رمزٌ أم شخص؟ بعد البحث في نفس علائم الظهور من هذه الجهة أيضاً، فمن قال بأن علائم الظهور حقيقية مشخصة وليست رمزية مهملة، استدلَّ بالأخذ بظاهر الروايات والقراءات المستقبلية وأنها تدلُّ على معان معينة بذاتها، لا أنها رموز تحكي عن معانٍ غامضة يحلّها الزمن وتطبيقاته، فالسيف في الرواية هو السيف ذاته والذي كان ولا زال آلة للقتال، والبراذين هي نفس البراذين المركوبة في عصر النصّ لا أنها رمز للآليات العسكرية كالمدرعات والدبابات وغيرها من آلات الحرب النقلية، وهكذا سائر علائم الظهور وما بعد الظهور، وإن استبعدنا ذلك في زمننا الحاضر لندرة استعمال مثل هذه الأدوات في الحروب كالسيف والخيل والرمح وما شاكل من آليات القتال المستعملة في عصر النصّ.
كلُّ ذلك عملاً بظاهر النصّ واستبعاد التأويل والمجازية لضعف القرينة الصارفة وعدم كفايتها للتخلي عن أصالة الحقيقة.
ومن قائل بأن هذه العلائم رموز وكنايات عن حقائق لا فائدة من كشفها في زمن النصّ، فالسيف يرمز لكل ما يقاتل به في العصور المختلفة، ولعدم إمكان بيان خصوصيات الأسلحة المستعملة بعد أربعة عشر قرناً من زمن النصّ أو أكثر لم يجد المعصوم بُدّاً من الكناية واستعمال الألفاظ التي تدلُّ على أدوات القتال _ مثلاً _ المستعملة في حينها، إذ لو كان المعصوم يستعمل لفظ دبّابة أو مدرعة أو حاملات طائرات مثلاً لما فهم المخاطَب شيئاً ولكثر السؤال والاستفهام ولعلَّ ذلك يؤدّي بالبعض حتّى إلى الاستهزاء والسخرية.
إذن، فتلك العلامات تحكي عن معان مجهولة تمام الجهالة لمستمع خطاب المعصوم في حينها، فإذا ما تغيرت المجتمعات وتطوّرت الحضارة فلا ضرورة للقتال بنفس الأدوات القديمة فإنّ ذلك يعدُّ سخفاً لا يتلائم مع الفكر الصحيح السليم.
والحق أنه لا بدَّ من التفرقة بين العلائم وأخذ كل علامة على حدة ودراستها كقضية مستقلة والبتّ في رمزيتها أو شخصيتها وحقيقيتها بمعزل عن سائر العلائم لمعرفة إمكان الأخذ بها على نحو الحقيقية والمجازية والرمزية.
فالسيف يمكن أن يكون رمزاً لقوة السلاح المستعمل في القتال فيما إذا استحال استعماله في لاحق زمن النصّ والعصور التالية، وأما إذا بقي احتمالُ استعماله بنفسه قائماً كآلة للقتال في الحروب حتّى بعد أزمنة طويلة من عصر النصّ، لم يكن صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجازي مُسْتَدَلاً.
وأما إذا كانت العلامة مثل علامة الدَّجّال التي ورد في وصفه ببعض الحالات والأمور التي لم يكن تحقّقها ممكناً حتّى في زمن النصّ، فواضح أن المراد فيها إشارات ورموز ولا يراد فيها معانيها الحقيقية ضرورة استبعاد تحقق هذه الأمور حتّى بعد أزمنة طويلة من زمن النصّ وبعد القطع بعدم وجود مثال له على مرَّ التاريخ حتّى في أيام الطناطلة!!
ومن هنا نضطر إلى حمل هذه الأخبار على الرمزية.
إذن فالتفريق بين العلائم ضروري ولا يمكن الحكم بالرمزية على كل العلائم، كما لا يمكن الحكم بالشخصية والواقعية على كل العلائم.
وأمّا ما يرتبط بقضية السفياني من هذه العلامات فلا بدَّ من إخضاعها لنفس الميزان المذكور أيضاً، ودراستها بشكل مستقل للحكم على رمزيتها أو شخصيتها.
ولا تخفى أهميّة هذا البحث بالخصوص، فإن الحكم عليها بأحد الاتجاهين له آثارُه المهمّة، إذْ سيؤدّي إلى تأسيس نظريتين متفاوتتين فكرياً كما سيُؤدّي إلى تفاوت عملي في سلوك أتباع النظريتين واختلافٍ جذري في مواجهة القضية والتعامل معها وغير ذلك من الآثار المهمّة الأخرى.
وفرضية الرمزية في السفياني تعني بالضرورة أنه عبارة عن تيار فكري يتميّز بمنهج فكريّ عقائديّ منحرف، وسياسي لئيم مذبذب، وسلوكٍ شاذ لم يعرف له التاريخ الإسلامي مثيلاً، يتبنّاه ويمثّله مجموعة كبيرة تنطبق عليهم كل المواصفات الواردة في النصوص الواردة في شأن السفياني، وأنه لا يوجد شخص معين من آل أبي سفيان وإنما هو فكر مماثل لفكر السفيانيين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو زمن أمير المؤمنين عليه السلام أو بعد ذلك كالدولة الأموية فيكون السفياني كالدجّال الذي قيل في حقه أنه يمثل المدنية الظالمة في آخر الزمان والتي تنظر للعالم بعين واحدة وهي عين المادية والسلطوية والجبروت.
وهذه الفرضية مرفوضة عندنا لأسباب منها:
الأوّل: عدم وجود مبرر لمثل هذا التأويل وصرف المعنى إلى الرمزية والمجازية بعد ثبوت عدم مخالفة مؤدّى هذه الروايات للمرتكزات العقلائية فضلاً عن الأسس العقلية المنطقية، بل وحتّى للقواعد الميدانية العملية، وقياس السفياني بالدجّال قياس مع الفارق، إذ لا يوجد في الروايات المتضمّنة لأوصاف السفياني ما يخالف ناموس الطبيعة البشرية أو الكونية ما عدا ما يُتراءى من قضية الخسف في البيداء وهو ليس من فعل السفياني وإنما هو عقاب إلهي، فقد ورد في الخبر:
(فيبلغ أميرَ جيش السفياني أنّ المهدي عليه السلام قد خرج إلى مكّة فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة... فينزل أمير جيش السفياني في البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم فيخسف بهم) (11) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn11).
فالعقاب عقاب إلهيٌّ خاضعٌ لسننٍ كونية وعلل ومعلوليات وأسباب ومسبّبات قد نجهل حقيقتها وديناميكيتها في الوقت الحاضر بما نمتلك من خلفية علمية، ولعلَّها تنكشف لنا ذات يوم، ولهذا نظائر في الأمم السابقة المتمردة على تعاليم السماء.
وكذلك ما يتراءى من توصيفه بالبطش أو توصيف رايته بالمرعبة المخيفة التي يفرُّ منها كل من يراها!! وقد بيّنا في طيات البحث ما يتعلّق بهذه المقالات في حق السفياني وسيأتي إن شاء الله.
إذن، فالتأويل بلا دليل، فلا يكون حسناً.
الثاني: إنَّ الأخذ بالتأويل والقول بالرمزية ينافي ما ورد في كثير من الروايات، حيث ذكر فيها ملامح هذا الرجل وبعض مواصفاته الجسدية والأخلاقية، وكتلك الّتي تذكر اسمه واسم أبيه، فقد روى الصدوق رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس اسمه عثمان وأبوه عنبسة رجل ربعة وحش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور...) (12) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn12).
أو كتلك الروايات التي تذكر نسبه، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، كما نقله السليلي في الفتن:
قال الأحنف: من أيّ قوم السفياني؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (هو من بني أميّة) (13) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn13).
وفي رواية عن الإمام السجاد عليه السلام قال: (هو من ولد عتبة بن أبي سفيان) (14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn14).
وعن الصادق عليه السلام: (إنّا وآل أبي سفيان أهلُ بيتين تعادينا في الله، قُلنا: صَدَق الله، وقالوا: كَذَب الله، قاتل أبو سفيان رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقاتل معاوية عليَّ بن أبي طالب، وقاتل يزيدُ بنُ معاوية الحسين بن علي عليه السلام، والسفياني يقاتل القائم)(15) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn15).
الثالث: أن هذه الفرضية يلزم منها تأويل بعض خصوصيات السفياني المذهبية وهو تأويل غريب حيث ورد في رواية زرارة عن الصادق عليه السلام والتي نقلها الخاتون آبادي عن الفضل بن شاذان قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثنا جميل بن درّاج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجّال... ثمّ يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويُسخِّر كثيراً من البلاد ويبالغ في القتل والفساد ويذهب إلى ملك الروم لدفع الملك الخراساني ويرجع منها متنصراً في عنقه صليب) (16) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn16).
فالرواية واضحة في ذهاب شخص السفياني كرجل سياسي ظاهره الإسلام، إلى بلاد النصارى الذين يجرون له عملية غسل دماغ فكرية ومذهبية ليعود إلى بلده عادلاً عن الإسلام معتنقاً للنصرانية الصليبية.
فمن المستبعد جدّاً القول بالرمزية في كل هذه التفاصيل كما أنّ الأخبار دلَّت على حصول مراسلات ومكاتبات بين السفياني وبين أمراء جيشه، ومن البعيد قصد المراسلة بين رمز وبين جيوش، فالحمل على المعنى الحقيقي الشخصي أقرب إلى الحق.
وبذلك يندفع توهّم كون السفياني رمزاً لتيار فكري منحرف مع أننا نعتقد أنه يحمل لواء مثل هذا التيار لكن بشخصه المنحوس وبشذوذه الفكري والاعتقادي، فهو المحور الذي يلتف حوله كل المنحرفين فكرياً والمتطرفين عقائدياً وشذّاذ الأمّة وعُلوج البشرية.
فالسفياني إذن شخص يؤول أمره إلى ابتداع مذهب فكري عقائدي منحرف لم يعرف له تاريخ الإسلام مثيلاً إلاّ في أيام معاوية بن هند الذي كان يقتل الناس على الهوية وبتهمة الولاء لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فيما كان يرعى مصالح الروم والنصارى على حساب مصلحة الأمّة الإسلاميّة، فقد كان النصارى يسرحون ويمرحون في أرض الإسلام في حين لا يجد أتباع آل محمّد مأوىً إلاّ السجون والمعتقلات والقتل والتشريد وهدم الدور على رؤوسهم ونهب أموالهم، وهكذا يفعل السفياني ابن آكلة الأكباد، حيث إنه سيُجَدِّد سيرة سلفه اللئيم بتتبع أتباع آل البيت عليهم السلام وإعمال القتل والنهب و السلب فيهم.
ولعلَّ أهم دواعي تركيز النصوص الشريفة على ظاهرة السفياني من بين العلامات الحتمية الأخرى هو هذه المبادئ الانحرافية المشئومة التي يتبنّاها هذا الرجل وأتباعه ومن أهمّها مبدأ محاربته التشيع لآل البيت وملاحقة أتباعهم ظنّاً منه أنه قادر على إطفاء هذا النور الذي شاء الله أن يبقى وهّاجاً مضيئاً الحقيقة المحمّدية.
الهوامش
(11) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref11) الفتن للسليلي، التشريف بالمنن: 296/ باب 79/ ح 417.
(12) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref12) كمال الدين 2: 557/ باب 57/ ح 9.
(13) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref13) الفتن لسليلي، التشريف بالمنن: 296/ باب 79/ ح 417.
(14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref14) غيبة الطوسي: 443/ ح 437.
المصدر
السفياني حتم مُرّ
تأليف: السيد جلال الموسوي
السفياني رمزٌ أم شخص؟
جرى البحث بين المفكّرين الإسلاميين في حقيقة السفياني وهل أنه رمزٌ أم شخص؟ بعد البحث في نفس علائم الظهور من هذه الجهة أيضاً، فمن قال بأن علائم الظهور حقيقية مشخصة وليست رمزية مهملة، استدلَّ بالأخذ بظاهر الروايات والقراءات المستقبلية وأنها تدلُّ على معان معينة بذاتها، لا أنها رموز تحكي عن معانٍ غامضة يحلّها الزمن وتطبيقاته، فالسيف في الرواية هو السيف ذاته والذي كان ولا زال آلة للقتال، والبراذين هي نفس البراذين المركوبة في عصر النصّ لا أنها رمز للآليات العسكرية كالمدرعات والدبابات وغيرها من آلات الحرب النقلية، وهكذا سائر علائم الظهور وما بعد الظهور، وإن استبعدنا ذلك في زمننا الحاضر لندرة استعمال مثل هذه الأدوات في الحروب كالسيف والخيل والرمح وما شاكل من آليات القتال المستعملة في عصر النصّ.
كلُّ ذلك عملاً بظاهر النصّ واستبعاد التأويل والمجازية لضعف القرينة الصارفة وعدم كفايتها للتخلي عن أصالة الحقيقة.
ومن قائل بأن هذه العلائم رموز وكنايات عن حقائق لا فائدة من كشفها في زمن النصّ، فالسيف يرمز لكل ما يقاتل به في العصور المختلفة، ولعدم إمكان بيان خصوصيات الأسلحة المستعملة بعد أربعة عشر قرناً من زمن النصّ أو أكثر لم يجد المعصوم بُدّاً من الكناية واستعمال الألفاظ التي تدلُّ على أدوات القتال _ مثلاً _ المستعملة في حينها، إذ لو كان المعصوم يستعمل لفظ دبّابة أو مدرعة أو حاملات طائرات مثلاً لما فهم المخاطَب شيئاً ولكثر السؤال والاستفهام ولعلَّ ذلك يؤدّي بالبعض حتّى إلى الاستهزاء والسخرية.
إذن، فتلك العلامات تحكي عن معان مجهولة تمام الجهالة لمستمع خطاب المعصوم في حينها، فإذا ما تغيرت المجتمعات وتطوّرت الحضارة فلا ضرورة للقتال بنفس الأدوات القديمة فإنّ ذلك يعدُّ سخفاً لا يتلائم مع الفكر الصحيح السليم.
والحق أنه لا بدَّ من التفرقة بين العلائم وأخذ كل علامة على حدة ودراستها كقضية مستقلة والبتّ في رمزيتها أو شخصيتها وحقيقيتها بمعزل عن سائر العلائم لمعرفة إمكان الأخذ بها على نحو الحقيقية والمجازية والرمزية.
فالسيف يمكن أن يكون رمزاً لقوة السلاح المستعمل في القتال فيما إذا استحال استعماله في لاحق زمن النصّ والعصور التالية، وأما إذا بقي احتمالُ استعماله بنفسه قائماً كآلة للقتال في الحروب حتّى بعد أزمنة طويلة من عصر النصّ، لم يكن صرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المجازي مُسْتَدَلاً.
وأما إذا كانت العلامة مثل علامة الدَّجّال التي ورد في وصفه ببعض الحالات والأمور التي لم يكن تحقّقها ممكناً حتّى في زمن النصّ، فواضح أن المراد فيها إشارات ورموز ولا يراد فيها معانيها الحقيقية ضرورة استبعاد تحقق هذه الأمور حتّى بعد أزمنة طويلة من زمن النصّ وبعد القطع بعدم وجود مثال له على مرَّ التاريخ حتّى في أيام الطناطلة!!
ومن هنا نضطر إلى حمل هذه الأخبار على الرمزية.
إذن فالتفريق بين العلائم ضروري ولا يمكن الحكم بالرمزية على كل العلائم، كما لا يمكن الحكم بالشخصية والواقعية على كل العلائم.
وأمّا ما يرتبط بقضية السفياني من هذه العلامات فلا بدَّ من إخضاعها لنفس الميزان المذكور أيضاً، ودراستها بشكل مستقل للحكم على رمزيتها أو شخصيتها.
ولا تخفى أهميّة هذا البحث بالخصوص، فإن الحكم عليها بأحد الاتجاهين له آثارُه المهمّة، إذْ سيؤدّي إلى تأسيس نظريتين متفاوتتين فكرياً كما سيُؤدّي إلى تفاوت عملي في سلوك أتباع النظريتين واختلافٍ جذري في مواجهة القضية والتعامل معها وغير ذلك من الآثار المهمّة الأخرى.
وفرضية الرمزية في السفياني تعني بالضرورة أنه عبارة عن تيار فكري يتميّز بمنهج فكريّ عقائديّ منحرف، وسياسي لئيم مذبذب، وسلوكٍ شاذ لم يعرف له التاريخ الإسلامي مثيلاً، يتبنّاه ويمثّله مجموعة كبيرة تنطبق عليهم كل المواصفات الواردة في النصوص الواردة في شأن السفياني، وأنه لا يوجد شخص معين من آل أبي سفيان وإنما هو فكر مماثل لفكر السفيانيين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو زمن أمير المؤمنين عليه السلام أو بعد ذلك كالدولة الأموية فيكون السفياني كالدجّال الذي قيل في حقه أنه يمثل المدنية الظالمة في آخر الزمان والتي تنظر للعالم بعين واحدة وهي عين المادية والسلطوية والجبروت.
وهذه الفرضية مرفوضة عندنا لأسباب منها:
الأوّل: عدم وجود مبرر لمثل هذا التأويل وصرف المعنى إلى الرمزية والمجازية بعد ثبوت عدم مخالفة مؤدّى هذه الروايات للمرتكزات العقلائية فضلاً عن الأسس العقلية المنطقية، بل وحتّى للقواعد الميدانية العملية، وقياس السفياني بالدجّال قياس مع الفارق، إذ لا يوجد في الروايات المتضمّنة لأوصاف السفياني ما يخالف ناموس الطبيعة البشرية أو الكونية ما عدا ما يُتراءى من قضية الخسف في البيداء وهو ليس من فعل السفياني وإنما هو عقاب إلهي، فقد ورد في الخبر:
(فيبلغ أميرَ جيش السفياني أنّ المهدي عليه السلام قد خرج إلى مكّة فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة... فينزل أمير جيش السفياني في البيداء فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم فيخسف بهم) (11) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn11).
فالعقاب عقاب إلهيٌّ خاضعٌ لسننٍ كونية وعلل ومعلوليات وأسباب ومسبّبات قد نجهل حقيقتها وديناميكيتها في الوقت الحاضر بما نمتلك من خلفية علمية، ولعلَّها تنكشف لنا ذات يوم، ولهذا نظائر في الأمم السابقة المتمردة على تعاليم السماء.
وكذلك ما يتراءى من توصيفه بالبطش أو توصيف رايته بالمرعبة المخيفة التي يفرُّ منها كل من يراها!! وقد بيّنا في طيات البحث ما يتعلّق بهذه المقالات في حق السفياني وسيأتي إن شاء الله.
إذن، فالتأويل بلا دليل، فلا يكون حسناً.
الثاني: إنَّ الأخذ بالتأويل والقول بالرمزية ينافي ما ورد في كثير من الروايات، حيث ذكر فيها ملامح هذا الرجل وبعض مواصفاته الجسدية والأخلاقية، وكتلك الّتي تذكر اسمه واسم أبيه، فقد روى الصدوق رحمه الله قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، قال: حدّثنا عمّي محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن أبي عمير عن عمر بن أذينة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
(يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس اسمه عثمان وأبوه عنبسة رجل ربعة وحش الوجه ضخم الهامة بوجهه أثر جدري إذا رأيته حسبته أعور...) (12) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn12).
أو كتلك الروايات التي تذكر نسبه، كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، كما نقله السليلي في الفتن:
قال الأحنف: من أيّ قوم السفياني؟
قال أمير المؤمنين عليه السلام: (هو من بني أميّة) (13) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn13).
وفي رواية عن الإمام السجاد عليه السلام قال: (هو من ولد عتبة بن أبي سفيان) (14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn14).
وعن الصادق عليه السلام: (إنّا وآل أبي سفيان أهلُ بيتين تعادينا في الله، قُلنا: صَدَق الله، وقالوا: كَذَب الله، قاتل أبو سفيان رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقاتل معاوية عليَّ بن أبي طالب، وقاتل يزيدُ بنُ معاوية الحسين بن علي عليه السلام، والسفياني يقاتل القائم)(15) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn15).
الثالث: أن هذه الفرضية يلزم منها تأويل بعض خصوصيات السفياني المذهبية وهو تأويل غريب حيث ورد في رواية زرارة عن الصادق عليه السلام والتي نقلها الخاتون آبادي عن الفضل بن شاذان قال: حدّثنا محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثنا جميل بن درّاج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجّال... ثمّ يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف ويُسخِّر كثيراً من البلاد ويبالغ في القتل والفساد ويذهب إلى ملك الروم لدفع الملك الخراساني ويرجع منها متنصراً في عنقه صليب) (16) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftn16).
فالرواية واضحة في ذهاب شخص السفياني كرجل سياسي ظاهره الإسلام، إلى بلاد النصارى الذين يجرون له عملية غسل دماغ فكرية ومذهبية ليعود إلى بلده عادلاً عن الإسلام معتنقاً للنصرانية الصليبية.
فمن المستبعد جدّاً القول بالرمزية في كل هذه التفاصيل كما أنّ الأخبار دلَّت على حصول مراسلات ومكاتبات بين السفياني وبين أمراء جيشه، ومن البعيد قصد المراسلة بين رمز وبين جيوش، فالحمل على المعنى الحقيقي الشخصي أقرب إلى الحق.
وبذلك يندفع توهّم كون السفياني رمزاً لتيار فكري منحرف مع أننا نعتقد أنه يحمل لواء مثل هذا التيار لكن بشخصه المنحوس وبشذوذه الفكري والاعتقادي، فهو المحور الذي يلتف حوله كل المنحرفين فكرياً والمتطرفين عقائدياً وشذّاذ الأمّة وعُلوج البشرية.
فالسفياني إذن شخص يؤول أمره إلى ابتداع مذهب فكري عقائدي منحرف لم يعرف له تاريخ الإسلام مثيلاً إلاّ في أيام معاوية بن هند الذي كان يقتل الناس على الهوية وبتهمة الولاء لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فيما كان يرعى مصالح الروم والنصارى على حساب مصلحة الأمّة الإسلاميّة، فقد كان النصارى يسرحون ويمرحون في أرض الإسلام في حين لا يجد أتباع آل محمّد مأوىً إلاّ السجون والمعتقلات والقتل والتشريد وهدم الدور على رؤوسهم ونهب أموالهم، وهكذا يفعل السفياني ابن آكلة الأكباد، حيث إنه سيُجَدِّد سيرة سلفه اللئيم بتتبع أتباع آل البيت عليهم السلام وإعمال القتل والنهب و السلب فيهم.
ولعلَّ أهم دواعي تركيز النصوص الشريفة على ظاهرة السفياني من بين العلامات الحتمية الأخرى هو هذه المبادئ الانحرافية المشئومة التي يتبنّاها هذا الرجل وأتباعه ومن أهمّها مبدأ محاربته التشيع لآل البيت وملاحقة أتباعهم ظنّاً منه أنه قادر على إطفاء هذا النور الذي شاء الله أن يبقى وهّاجاً مضيئاً الحقيقة المحمّدية.
الهوامش
(11) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref11) الفتن للسليلي، التشريف بالمنن: 296/ باب 79/ ح 417.
(12) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref12) كمال الدين 2: 557/ باب 57/ ح 9.
(13) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref13) الفتن لسليلي، التشريف بالمنن: 296/ باب 79/ ح 417.
(14) (file:///C:/********s%20and%20Settings/aas/Local%20Settings/Temp/Rar$EX00.343/002.htm#_ftnref14) غيبة الطوسي: 443/ ح 437.
المصدر
السفياني حتم مُرّ
تأليف: السيد جلال الموسوي