عبد العباس الجياشي
20-10-2009, 03:23 AM
التشيع في المغرب
عصام احميدان
بعد إعلان المغرب قطع علاقاته بإيران، وفي ظل أجواء متوترة ومشحونة، وفي سياق التضخيم الإعلامي وتسييس الحديث عن التشيع، تتأكد صدقية منطلقاتنا في التحليل، والنتائج التي توصلنا إليها، مما يدفع بنا إلى المزيد من التأكيد على حقيقة التشيع بالمغرب، قطعا لدابر الفتنة وإرجاعا للقضية إلى أصولها الطبيعية..فما هي حقيقة التشيع في المغرب؟ وما علاقة التشيع في المغرب بإيران؟ وما هو مستقبل شيعة المغرب؟
فالتشيع في المغرب حالة انتماء ولائي لتراث أهل البيت (ع )، وهو موقف فكري توصل إليه أصحابه بعد بحث عميق في أصول الاستدلال الديني من القرآن والسنة والسيرة والتاريخ وعلم الكلام..
وظاهرة التحول الفكري من مدرسة فكرية إلى مدرسة فكرية أخرى أمر ليس جديدا ولا طارئا على تراثنا الإسلامي، بل هو سلوك إنساني طبيعي تحدده سجالات الافكار وتطورها في وعي المتلقي والقارئ الباحث عن الحقيقة.
ولو تتبعنا تفسيرات أولئك الذين تحولوا فكريا إلى مدرسة أهل البيت «ع» لوجدناهم كلهم قد عانوا فكريا ونفسيا قبل إعلان تحولهم، خاصة وأن هذا التحول يعبر عن مقاومة للثقافة الموروثة وللمحيط الاجتماعي، كما قد يدخلهم ذلك في ظل الجهل والتعتيم في خانة «التكفير» من قبل البعض و «التخوين» من قبل البعض الآخر..
صحيح أن تعرف المتلقي المغربي على مذهب أهل البيت «ع» في ظل حكم صدام بالعراق وتعتيمه على الفكر الشيعي العراقي، وأيضا بسبب عدم بروز التشيع في بلدان الخليج لأسباب داخلية، لم يكن ليتم خارج الاقنية الإيرانية..لأن إيران دولة شيعية ولديها إمكانية عرض فكرها الديني من خلال وسائل التواصل والمعرفة..ومن هنا يمكن القول أن التشيع الأول كانت قنواته إذاعة طهران أو كتبا مطبوعة في إيران يجلبها بعض المواطنين المغاربة من بلاد المهجر الأوروبي خلال عطل الصيف..لكن مع مرور الوقت، شهدنا دخول الكتاب الشيعي بشكل قانوني ورسمي في فترة التسعينيات، وأغلب هذه الكتب كان مصدرها هذه المرة دور النشر اللبنانية..وما أن ظهرت وسائل أخرى للتواصل والمعرفة كالانترنت والفضائيات حتى تراجع إقبال المغاربة على الكتاب بشكل عام، وهو ما قد يكون السبب في إقفال كثير من المكتبات وإفلاسها بما فيها مكتبات اختصت بعرض الكتاب الشيعي..وأخص بالذكر هنا إفلاس مكتبة بطنجة وأخرى بمكناس.
لم يكن يعني تراجع الكتاب الشيعي ضمورا للتشيع في المغرب، كما ليس مؤشرا على ضعف جاذبية هذا الفكر وإشعاعه، إنما احتل الانترنت والفضائيات الاهتمام الأكبر وأصبح أهم قناة لتواصل المغاربة من مدرسة أهل البيت «ع».
كما أن ظهور الشبكة العنكبوتية والفضائيات أضعف الكتاب الشيعي، فإن دور الجالية المغربية في نقل الكتاب والشريط لم يعد ذا جدوى، مما أدى بالشيعة المغاربة إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عما يدور في فلك الجالية المغربية المتشيعة في أوروبا..إن النتيجة الطبيعية لقناعة شريحة من المواطنين بـ «التشيع» هو التفكير في مزيد من التفقه في المذهب، تلبية لحاجة معرفية ذاتية متعطشة وغير مكتفية، فكانت فكرة التوجه إلى «الحوزات العلمية» والتزود المعرفي منها، مما خلق للتشيع المغربي مصدرا محليا للمعرفة بهذا القسم من التراث الإسلامي.
إن دخول فكر أهل البيت «ع» إلى المغرب لم يكن بقرار من أحد ولا بدعم من أحد، إنما كانت مبادرات فردية في اتجاه مصادر المعرفة الشيعية «الكتاب، الشريط، الانترنت، الفضائيات، الحوز»، غير أننا نجزم أن الحالة الشيعية في المغرب هي حالة أفراد، وهي ليست حالة سياسية ولا مسكونة بالعمل السياسي، بقدر ما هي مسكونة بالنهم المعرفي والترقي الروحي لأفرادها، غير أن جهل البعض ومكر البعض الآخر ساهم في إدخال هذه الحالة في دائرة الضوء، فكثر الهرج المرج، وظهر أناس يدعون أنهم باحثون في الظاهرة ليس لهم من الإطلاع المعرفي بالتشيع نصيب، وذهنهم محشو بأحاديث التيار الوهابي عن التشيع، وربط بين إيران والشيعة في العالم.
ومما لا شك فيه أن المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية في إيران هو المذهب الجعفري، وهو ما ينص عليه دستورها، غير أن الجمهورية ليست مسؤولة عن تشيع من بذل جهدا كبيرا في التقاط موجات إذاعة طهران في بداية الثمانينيات للاستماع لدعاء «كميل» أو لحديث عن العترة النبوية..كما أنها ليست مسؤولة إن كان مواطنوها في أوروبا يدافعون عن مذهبهم إذا سئلوا أو اتهموا من قبل مغاربة سنة..كما أن الجمهورية ليست مسؤولة عن الكتاب في لبنان ولا في العراق، ولا تستطيع منع المرجعيات الدينية في قم والنجف ولبنان من التعريف بمذهب أهل البيت «ع»،إن التشيع في المغرب حالة مذهبية صرفة لها أكثر من سبب ودافع وقناة، وأما ربط هذه الحالة بإيران، فإنه تسييس لقضية فكرية لغايات محددة..ففي مرحلة تصدير الثورة الإسلامية ثبت في المغرب والجزائر وتونس..أن التيارات الحركية السنية هي التي كانت تبادر إلى نسج علاقات مع إيران لمواجهة الضغط السياسي والأمني عليها، ولم يثبت أبدا تورط المتشيعين في ذلك، إذ كان همهم الاغتراف من معارف مدرسة أهل البيت «ع».
وفي مرحلة عودة إيران للمحيط العربي والإسلامي وتحسن العلاقات الدبلوماسية، كانت هناك جهات ثقافية ودينية لا صلة لها بإيران استطاعت إيصال تراث أهل البيت «ع» إلى المغاربة بواسطة المعرض الدولي للكتاب والانترنت وفي فترة لاحقة من خلال الفضائيات..والمتتبع للمواقع الإلكترونية والفضائيات يجد أن قناة «المنار» مثلا يغلب عليها الطابع السياسي لا المذهبي، بينما قنوات أخرى لا صلة لها بإيران تؤكد على الجانب المذهبي..
إن أكثر الناس متابعة لقناة «المنار» اللبنانية في المغرب هم من أهل السنة، بينما تمثل قناة «الأنوار» و «أهل البيت» وغيرهما المتابعة أكثر من قبل شيعة المغرب، لا لموقف مضاد من إيران ولا لكونهم يرتبطون بخط تلك القنوات الفضائية، إنما لأنهم يجدون في تلك القنوات تلبية لحاجتهم المعرفية بالمذهب..كما أكثر من زار إيران هم الإسلاميون المغاربة السنة، وهم أكثر من تضامن مع حزب الله في الحرب الأخيرة، لدرجة أن أحد المسؤولين المغاربة حذر وقتها قياديين من حزب العدالة والتنمية على السير في هذا المنحى.
كل هذا يسمح لنا بالقول أن التشيع السياسي خط يغلب على أهل السنة من المغاربة، وله جمهور عريض وأنصار في أحزاب سياسية إسلامية وغير إسلامية..أما التشيع المذهبي فهو قناعة أفراد محدودين بالنظر لمجموع الساكنة المغربية، ومسكونين بهم البناء الذاتي المعرفي والروحي، وهناك حديث داخل خط «التشيع المذهبي» عن ضرورة مغربة هذا التشيع ومواءمته مع سياقه الموضوعي الوطني، لأجل ضمان حالة من الاستقرار والتوازن النفسي، والنأي بالتشيع المذهبي عن كل حالات التوظيف السياسي..وفي سبيل ذلك، كانت محاولات كثير منهم للعمل من داخل المجتمع بصفتهم مواطنين مغاربة، فأبدوا استعدادا للعمل الجمعوي الثقافي « جمعية الغدير بمكناس، جمعية أنوار المودة بطنجة..»، غير أن كل تلك المحاولات صدت سلطويا، وفسرها البعض بأنها محاولات اختراق المجتمع المغربي ومؤسساته، ليكون بذلك هذا الموقف المبرر لنفي مغاربة داخل أوطانهم، لا لسبب سوى أنهم اختاروا من داخل الإسلام الواحد مدرسة فكرية أصيلة وعريقة وهي: مدرسة أهل البيت «ع». إن حالة النفي داخل الوطن وعدم توفير الحرية لمكون ثقافي واجتماعي من شأنها أن تشكل ردة فعل عفوية لدى «شيعة المغرب»، وهي الاستغراق في «التقية» والانكماش إلى الداخل ليتعزز الوعي الطائفي لديهم في مقابل ضمور الوعي الوطني..وهذا الأمر له من السلبيات الكثير سواء على نفس الأفراد المكونين للحالة الشيعية أو على مستوى المحيط الموضوعي الوطني ككل.
إن الخوف من «التشيع السياسي» لا يبرر اتهام الشيعة المغاربة بالارتباط الخارجي بإيران، إذ لو كان الأمر كذلك، فهل «الإخوان المسلمون» في مصر شيعة؟ وهل حماس والجهاد في فلسطين شيعة؟ وهل الحركات التي اتهمت بصلاتها بالفكر الثوري الإيراني قديما من حركة الاتجاه الإسلامي في تونس وحركات مغربية شيعة؟
إنني أعتقد أننا اليوم بحاجة إلى ضرورة التمييز بين «التشيع السياسي» و «التشيع المذهبي»، فالأمر الأول له دوافع خاصة وتجليات معينة، بينما الأمر الثاني «التشيع المذهبي» له دوافع خاصة وتجليات مختلفة، بما يعني أنه يجب توفر مقاربتين مختلفتين: مقاربة سياسية في التعاطي مع «التشيع السياسي» ومقاربة أخرى ثقافية واجتماعية في التعاطي مع «التشيع المذهبي»..وما يعنينا هنا هو مستقبل «التشيع المذهبي» في المغرب..مع استحضارنا لكثير مع الإكراهات والشروط المتعلقة تارة بالحقل الديني الرسمي، وتارة أخرى بالإسلاميين والمجتمع ككل.
إن هناك أفكارا طرحناها في جريدة «رؤى معاصرة» في عددها الأول في مقال معنون باسم «إصلاح الحقل الديني بالمغرب: قراءة في الدلالات والأبعاد» كانت بمثابة مساهمة أولية في هذا النقاش التأسيسي لاندماج شيعة المغرب في السياق الوطني على قاعدة «المواطنة» لا المذهب، دون الحاجة لتأميم المعرفة الدينية وإلغاء التنوع وتبني نهج الإقصاء الثقافي والاجتماعي..كما أكدنا في عدة مقالات على ضرورة اعتماد مذهبية معرفية بديلة عن المذهبية الطائفية، ووجوب إعطاء تفسير مرن للوحدة المذهبية يعطي الأولوية التشريعية وما له صلة بالنظام العام للمذهبية السنية المالكية دون حاجة لإنشاء «محاكم تفتيش» مذهبية لمصادرة المذاهب الإسلامية.
هذه أفكار للنقاش وتأملات بحاجة إلى مزيد من التطوير، وأعتقد أن عددا من مثقفي شيعة المغرب يملكون رؤى وتصورات بحاجة للتطوير والتنقيح، ومن شأنها أن تدفع بسؤال الهوية الدينية والثقافية للمجتمع المغربي إلى الواجهة لبناء مغرب معاصر يقوم على أساس الوحدة التي لا تلغي التنوع، وعلى أساس التنوع الذي لا يلغي الوحدة.
منقول عن جريدة الدر
http://www.aldaronline.com/AlDar/AlD...rticleID=60072 (http://www.aldaronline.com/AlDar/AlDarPortal/UI/Article.aspx?ArticleID=60072)
عصام احميدان
بعد إعلان المغرب قطع علاقاته بإيران، وفي ظل أجواء متوترة ومشحونة، وفي سياق التضخيم الإعلامي وتسييس الحديث عن التشيع، تتأكد صدقية منطلقاتنا في التحليل، والنتائج التي توصلنا إليها، مما يدفع بنا إلى المزيد من التأكيد على حقيقة التشيع بالمغرب، قطعا لدابر الفتنة وإرجاعا للقضية إلى أصولها الطبيعية..فما هي حقيقة التشيع في المغرب؟ وما علاقة التشيع في المغرب بإيران؟ وما هو مستقبل شيعة المغرب؟
فالتشيع في المغرب حالة انتماء ولائي لتراث أهل البيت (ع )، وهو موقف فكري توصل إليه أصحابه بعد بحث عميق في أصول الاستدلال الديني من القرآن والسنة والسيرة والتاريخ وعلم الكلام..
وظاهرة التحول الفكري من مدرسة فكرية إلى مدرسة فكرية أخرى أمر ليس جديدا ولا طارئا على تراثنا الإسلامي، بل هو سلوك إنساني طبيعي تحدده سجالات الافكار وتطورها في وعي المتلقي والقارئ الباحث عن الحقيقة.
ولو تتبعنا تفسيرات أولئك الذين تحولوا فكريا إلى مدرسة أهل البيت «ع» لوجدناهم كلهم قد عانوا فكريا ونفسيا قبل إعلان تحولهم، خاصة وأن هذا التحول يعبر عن مقاومة للثقافة الموروثة وللمحيط الاجتماعي، كما قد يدخلهم ذلك في ظل الجهل والتعتيم في خانة «التكفير» من قبل البعض و «التخوين» من قبل البعض الآخر..
صحيح أن تعرف المتلقي المغربي على مذهب أهل البيت «ع» في ظل حكم صدام بالعراق وتعتيمه على الفكر الشيعي العراقي، وأيضا بسبب عدم بروز التشيع في بلدان الخليج لأسباب داخلية، لم يكن ليتم خارج الاقنية الإيرانية..لأن إيران دولة شيعية ولديها إمكانية عرض فكرها الديني من خلال وسائل التواصل والمعرفة..ومن هنا يمكن القول أن التشيع الأول كانت قنواته إذاعة طهران أو كتبا مطبوعة في إيران يجلبها بعض المواطنين المغاربة من بلاد المهجر الأوروبي خلال عطل الصيف..لكن مع مرور الوقت، شهدنا دخول الكتاب الشيعي بشكل قانوني ورسمي في فترة التسعينيات، وأغلب هذه الكتب كان مصدرها هذه المرة دور النشر اللبنانية..وما أن ظهرت وسائل أخرى للتواصل والمعرفة كالانترنت والفضائيات حتى تراجع إقبال المغاربة على الكتاب بشكل عام، وهو ما قد يكون السبب في إقفال كثير من المكتبات وإفلاسها بما فيها مكتبات اختصت بعرض الكتاب الشيعي..وأخص بالذكر هنا إفلاس مكتبة بطنجة وأخرى بمكناس.
لم يكن يعني تراجع الكتاب الشيعي ضمورا للتشيع في المغرب، كما ليس مؤشرا على ضعف جاذبية هذا الفكر وإشعاعه، إنما احتل الانترنت والفضائيات الاهتمام الأكبر وأصبح أهم قناة لتواصل المغاربة من مدرسة أهل البيت «ع».
كما أن ظهور الشبكة العنكبوتية والفضائيات أضعف الكتاب الشيعي، فإن دور الجالية المغربية في نقل الكتاب والشريط لم يعد ذا جدوى، مما أدى بالشيعة المغاربة إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عما يدور في فلك الجالية المغربية المتشيعة في أوروبا..إن النتيجة الطبيعية لقناعة شريحة من المواطنين بـ «التشيع» هو التفكير في مزيد من التفقه في المذهب، تلبية لحاجة معرفية ذاتية متعطشة وغير مكتفية، فكانت فكرة التوجه إلى «الحوزات العلمية» والتزود المعرفي منها، مما خلق للتشيع المغربي مصدرا محليا للمعرفة بهذا القسم من التراث الإسلامي.
إن دخول فكر أهل البيت «ع» إلى المغرب لم يكن بقرار من أحد ولا بدعم من أحد، إنما كانت مبادرات فردية في اتجاه مصادر المعرفة الشيعية «الكتاب، الشريط، الانترنت، الفضائيات، الحوز»، غير أننا نجزم أن الحالة الشيعية في المغرب هي حالة أفراد، وهي ليست حالة سياسية ولا مسكونة بالعمل السياسي، بقدر ما هي مسكونة بالنهم المعرفي والترقي الروحي لأفرادها، غير أن جهل البعض ومكر البعض الآخر ساهم في إدخال هذه الحالة في دائرة الضوء، فكثر الهرج المرج، وظهر أناس يدعون أنهم باحثون في الظاهرة ليس لهم من الإطلاع المعرفي بالتشيع نصيب، وذهنهم محشو بأحاديث التيار الوهابي عن التشيع، وربط بين إيران والشيعة في العالم.
ومما لا شك فيه أن المذهب الرسمي للجمهورية الإسلامية في إيران هو المذهب الجعفري، وهو ما ينص عليه دستورها، غير أن الجمهورية ليست مسؤولة عن تشيع من بذل جهدا كبيرا في التقاط موجات إذاعة طهران في بداية الثمانينيات للاستماع لدعاء «كميل» أو لحديث عن العترة النبوية..كما أنها ليست مسؤولة إن كان مواطنوها في أوروبا يدافعون عن مذهبهم إذا سئلوا أو اتهموا من قبل مغاربة سنة..كما أن الجمهورية ليست مسؤولة عن الكتاب في لبنان ولا في العراق، ولا تستطيع منع المرجعيات الدينية في قم والنجف ولبنان من التعريف بمذهب أهل البيت «ع»،إن التشيع في المغرب حالة مذهبية صرفة لها أكثر من سبب ودافع وقناة، وأما ربط هذه الحالة بإيران، فإنه تسييس لقضية فكرية لغايات محددة..ففي مرحلة تصدير الثورة الإسلامية ثبت في المغرب والجزائر وتونس..أن التيارات الحركية السنية هي التي كانت تبادر إلى نسج علاقات مع إيران لمواجهة الضغط السياسي والأمني عليها، ولم يثبت أبدا تورط المتشيعين في ذلك، إذ كان همهم الاغتراف من معارف مدرسة أهل البيت «ع».
وفي مرحلة عودة إيران للمحيط العربي والإسلامي وتحسن العلاقات الدبلوماسية، كانت هناك جهات ثقافية ودينية لا صلة لها بإيران استطاعت إيصال تراث أهل البيت «ع» إلى المغاربة بواسطة المعرض الدولي للكتاب والانترنت وفي فترة لاحقة من خلال الفضائيات..والمتتبع للمواقع الإلكترونية والفضائيات يجد أن قناة «المنار» مثلا يغلب عليها الطابع السياسي لا المذهبي، بينما قنوات أخرى لا صلة لها بإيران تؤكد على الجانب المذهبي..
إن أكثر الناس متابعة لقناة «المنار» اللبنانية في المغرب هم من أهل السنة، بينما تمثل قناة «الأنوار» و «أهل البيت» وغيرهما المتابعة أكثر من قبل شيعة المغرب، لا لموقف مضاد من إيران ولا لكونهم يرتبطون بخط تلك القنوات الفضائية، إنما لأنهم يجدون في تلك القنوات تلبية لحاجتهم المعرفية بالمذهب..كما أكثر من زار إيران هم الإسلاميون المغاربة السنة، وهم أكثر من تضامن مع حزب الله في الحرب الأخيرة، لدرجة أن أحد المسؤولين المغاربة حذر وقتها قياديين من حزب العدالة والتنمية على السير في هذا المنحى.
كل هذا يسمح لنا بالقول أن التشيع السياسي خط يغلب على أهل السنة من المغاربة، وله جمهور عريض وأنصار في أحزاب سياسية إسلامية وغير إسلامية..أما التشيع المذهبي فهو قناعة أفراد محدودين بالنظر لمجموع الساكنة المغربية، ومسكونين بهم البناء الذاتي المعرفي والروحي، وهناك حديث داخل خط «التشيع المذهبي» عن ضرورة مغربة هذا التشيع ومواءمته مع سياقه الموضوعي الوطني، لأجل ضمان حالة من الاستقرار والتوازن النفسي، والنأي بالتشيع المذهبي عن كل حالات التوظيف السياسي..وفي سبيل ذلك، كانت محاولات كثير منهم للعمل من داخل المجتمع بصفتهم مواطنين مغاربة، فأبدوا استعدادا للعمل الجمعوي الثقافي « جمعية الغدير بمكناس، جمعية أنوار المودة بطنجة..»، غير أن كل تلك المحاولات صدت سلطويا، وفسرها البعض بأنها محاولات اختراق المجتمع المغربي ومؤسساته، ليكون بذلك هذا الموقف المبرر لنفي مغاربة داخل أوطانهم، لا لسبب سوى أنهم اختاروا من داخل الإسلام الواحد مدرسة فكرية أصيلة وعريقة وهي: مدرسة أهل البيت «ع». إن حالة النفي داخل الوطن وعدم توفير الحرية لمكون ثقافي واجتماعي من شأنها أن تشكل ردة فعل عفوية لدى «شيعة المغرب»، وهي الاستغراق في «التقية» والانكماش إلى الداخل ليتعزز الوعي الطائفي لديهم في مقابل ضمور الوعي الوطني..وهذا الأمر له من السلبيات الكثير سواء على نفس الأفراد المكونين للحالة الشيعية أو على مستوى المحيط الموضوعي الوطني ككل.
إن الخوف من «التشيع السياسي» لا يبرر اتهام الشيعة المغاربة بالارتباط الخارجي بإيران، إذ لو كان الأمر كذلك، فهل «الإخوان المسلمون» في مصر شيعة؟ وهل حماس والجهاد في فلسطين شيعة؟ وهل الحركات التي اتهمت بصلاتها بالفكر الثوري الإيراني قديما من حركة الاتجاه الإسلامي في تونس وحركات مغربية شيعة؟
إنني أعتقد أننا اليوم بحاجة إلى ضرورة التمييز بين «التشيع السياسي» و «التشيع المذهبي»، فالأمر الأول له دوافع خاصة وتجليات معينة، بينما الأمر الثاني «التشيع المذهبي» له دوافع خاصة وتجليات مختلفة، بما يعني أنه يجب توفر مقاربتين مختلفتين: مقاربة سياسية في التعاطي مع «التشيع السياسي» ومقاربة أخرى ثقافية واجتماعية في التعاطي مع «التشيع المذهبي»..وما يعنينا هنا هو مستقبل «التشيع المذهبي» في المغرب..مع استحضارنا لكثير مع الإكراهات والشروط المتعلقة تارة بالحقل الديني الرسمي، وتارة أخرى بالإسلاميين والمجتمع ككل.
إن هناك أفكارا طرحناها في جريدة «رؤى معاصرة» في عددها الأول في مقال معنون باسم «إصلاح الحقل الديني بالمغرب: قراءة في الدلالات والأبعاد» كانت بمثابة مساهمة أولية في هذا النقاش التأسيسي لاندماج شيعة المغرب في السياق الوطني على قاعدة «المواطنة» لا المذهب، دون الحاجة لتأميم المعرفة الدينية وإلغاء التنوع وتبني نهج الإقصاء الثقافي والاجتماعي..كما أكدنا في عدة مقالات على ضرورة اعتماد مذهبية معرفية بديلة عن المذهبية الطائفية، ووجوب إعطاء تفسير مرن للوحدة المذهبية يعطي الأولوية التشريعية وما له صلة بالنظام العام للمذهبية السنية المالكية دون حاجة لإنشاء «محاكم تفتيش» مذهبية لمصادرة المذاهب الإسلامية.
هذه أفكار للنقاش وتأملات بحاجة إلى مزيد من التطوير، وأعتقد أن عددا من مثقفي شيعة المغرب يملكون رؤى وتصورات بحاجة للتطوير والتنقيح، ومن شأنها أن تدفع بسؤال الهوية الدينية والثقافية للمجتمع المغربي إلى الواجهة لبناء مغرب معاصر يقوم على أساس الوحدة التي لا تلغي التنوع، وعلى أساس التنوع الذي لا يلغي الوحدة.
منقول عن جريدة الدر
http://www.aldaronline.com/AlDar/AlD...rticleID=60072 (http://www.aldaronline.com/AlDar/AlDarPortal/UI/Article.aspx?ArticleID=60072)