شهيدالله
22-10-2009, 03:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين لا تصح الصلاة الواجبة إلا بذكرهم
وتبطل بإضافة غيرهم لهم.. اللهم صل عليهم وعجل فرجهم والعن أعداءهم
السلام عليكم ورحمة الله بركاتة
حوارالحضارات او توازن المصالح
قرائة نقدية لخلفيات مفهوم حوارالحضارات والبديل
لقدظهرت في العقد الأخير من القرن الماضي جملة من المفاهيم، تكتسي صبغة شعارية في كثير من الأحيان، أبعدت من الساحة الفكرية مفاهيم وشعارات أخرى كان لها حضور قوي، هيمنة واضحة في الساحة نفسها، طوال القرن العشرين بأكمله تقريبا. من هذه المفاهيم والشعارات التي اختفت أو انسحبت المفاهيم التالية: الإيديولوجيا، الصراع الطبقي، الوعي الطبقي، القومية، الإمبريالية العالمية، حركة التحرير الشعبية، حق الشعوب في تقرير المصير الخ. ومعلوم أن هذه المفاهيم كانت تؤسس أو توجه نظاما فكريا معينا ساد القرن العشرين كله تقريبا.
وفي مقابل هذه المفاهيم ظهرت، في العقدين الأخيرين، مفاهيم أخرى متزامنة، أو متتابعة في ظرف سنتين أو ثلاث، مفاهيم تؤسس لنظام فكري مختلف تماما، لعل أهمها وأكثرها اليوم انتشارا المفاهيم التالية: النظام العالمي الجديد، نهاية التاريخ، صدام الحضارات، الهويات، العولمة، حوار الحضارات!
الإسلام وحوار الحضارات، طرح مصداقية المفهوم.
سنحاول في هذا الحديث احبتي أن نمارس نوعا من النظر والنقد الموجزفي هذا المفهوم الأخير الذي أصبح اليوم من أهم مشاغل الساعة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، على الصعيدين الفكري والجيوسياسي. وقد يكفي، كدليل على هذا الاهتمام الزائد، أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد اعتمدت عام 2001 كسنة لـ"حوار الحضارات"، الشيء الذي فسح المجال لعقد مزيد من الندوات واللقاءات لمناقشة هذا الموضوع، في جميع أرجاء الكرة الأرضية تقريبا، تارة تحت نفس العنوان (حوار الحضارات) وأخرى باستعمال كلمة "ثقافة" بدل كلمة "حضارة".
وبغض النظر عن الفرق الذي يمكن أن يقام بين الكلمتين، وهو فرق يختلف من لغة لأخرى، فإن اللافت للانتباه حقا هو التركيز، في العالم الغربي كما في العالم الإسلامي، على موضوع معين، تحت عنوان "الإسلام وحوار الحضارات"، حتى غدا هذا الموضوع وكأنه وحده المقصود بـهذا "الحوار". والسؤال الذي لم يطرح بعد، مع أنه يطرح نفسه بقوة، هو : لماذا "الإسلام" بالضبط؟ وما المقصود هنا بـ "الإسلام"؟ ولماذا لم نسمع عن ندوة أو ندوات حول "المسيحية وحوار الحضارات" أو "اليهودية وحوار الحضارات" أو البوذية، أو غير هذه من الديانات؟ وغني عن البيان القول إن هذا التخصيص الذي يصرف عبارة "حوار الحضارات" إلى دين واحد يحمل على الشك في مدى الموضوعية والتجرد الذين تطرح بهما هذه المسألة.
"حوار الحضارات" كبديل لـ"صراع الحضارات"
لنبدأ بالإشارة إلى أن عبارة "حوار الحضارات" قد صيغت أول الأمر، وهذا قبل بضع سنوات فقط ، لتكون بديلا عن مقولة ظهرت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، فأثارت نقاشا واسعا عريضا ما زال يتناسل إلى اليوم، أعني بذلك مقولة "صدام –أو صراع- الحضارات".
يمكن القول إن الاهتمام الزائد بهذا الموضوع، على الساحة الفكرية عامة، أو على مستوى الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية، إنما انتشر وتفشى ابتداء من أواخر الثمانينات، وبالخصوص بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي كانت تابعة له.
إن سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن يعني مجرد سقوط نظام في الحكم معين، ولا مجرد انحلال تكتل بين دول، ولا مجرد تفتت معسكر يتحدد بكونه يشكل حلفا بين دول، ضد حلف آخر يتشكل من دول أخرى، بل لقد كان أيضا، وربما في الدرجة الأولى، سقوط نظام اجتماعي اقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل: مشروع حضاري جديد، هو ما عُبر عنه بـ"النظام الاشتراكي العالمي"، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، وبعبارة واحدة : بداية تاريخ جديد للإنسانية.بلضدمن الرسمالية العالمية
. فكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة والقيم والفكر والعلاقات الدولية الخ. وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالمتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الاستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا: صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة، وذلك ما عرف بـ "الحرب الباردة".
إن سقوط أحد طرفي هذا الصراع، أعني المعسكر الشيوعي، كان بدون شك "انتصارا" للطرف الأخر، المعسكر الرأسمالي؛ ولكنه "انتصار" من نوع خاص. لم يكن نتيجة مواجهة يتحمل فيها كل طرف نسبة من الخسارة، ،
لقد انهار الاتحاد السوفيتي، ومعه المعسكر الشيوعي، إثر محاولة القيام بإعادة البناء للنظام من داخله ففتحت ثغرة سرعان ما تمددت فأصبحت ثغرات متناسلة استعصت على التحكم والمراقبة، فكان الانهيار. أما
المعسكر الآخر فقد بقي كما هو، بكل عدته العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية والعلمية والفكرية، وأيضا بقي في حالة تعبئة وتجنيد، ولكن بدون عدو. لقد خلت له الأرض وخلا بها، فصار وحده "يطلب الطعن والنزالا".
ولكن مع من؟ أمريكا والبحث عن عدو
تلك هي المشكلة التي واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية مع منتصف الثمانينات؟ مشكلة دولة، بل معسكر من الدول، بنى اقتصاده وسياسته واستراتيجيته وثقافته ورؤاه المستقبلية على أساس أنه يواجه عدوا يتربص به، فإذا بالعدو ينسحب، بل يختفي، ليظهر وراء خصمه يطلب الانخراط في نمط حياته ليصير جزءا منه وحليفا له! مشكلة ليست سهلة: مشكلة "الأنا" الذي لا يعرف كيف يتعرف على نفسه إلا من خلال "آخر" يواجهه، فإذا هو يفقد فجأة هذا "الآخر" الذي يتحدد به. فماذا يمكن أن ننتظر من هذا "الأنا"؟
هل ننتظر منه أن يفكك ذاته ويعيد تركيبه؟ كيف؟ وكيانه جميعه موجه ككل وكأجزاء إلى مضادة كيان "الآخر" ككل وكأجزاء؟ إنها القضية التي طرحت نفسها على "صانعي القرار" في الولايات المتحدة الأمريكية،. ومن المفيد التذكير هنا بأن كلمة "استراتيجية" مصطلح حربي. فالمتخصص في الدراسات الاستراتيجية لا يستطيع التفكير إلا في إطار المواجهة بين طرفين. فإذا انسحب أحد الطرفين كان عليه أن يضع مكانه ما يقوم مقامه في الحال أو في الاستقبال، وإلا انقطع به حبل التفكير. إن المحلل الاستراتيجي كلاعب الشطرنج، لا يستطيع اللعب وحده!
ذلك ما حدث في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. لقد كان السؤال الذي طرح مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو التالي:
من سيكون العدو غدا؟
أن التصنيف الذي درج العالم عليه منذ الحرب العالمية الثانية قد فقد معناه بعد انهيار الكتلة الشيوعية، وبالتالي لابد من تصنيف جديد لفهم الوضع العالمي الجديد. الذي يقسم العالم كله إلى قسمين: مركز وأطراف: أما المركز فهو "كتلة رئيسية من الاقتصاديات الرأسمالية المسيطرة على العالم"، وأما الأطراف فهي "مجموعة من الدول الأضعف من النواحي الصناعية والمالية والسياسية تتحرك ضمن نمط من العلاقات التي ينسجها المركز في المقام الأول". هو مااسموة"أنماط جديدة للأمن العالمي في القرن الواحد والعشرين".
وكما يتبين فهو يعني بـ "الأمن العالمي" أمن الغرب" وحده! أما أمن الطرف الآخر، أعني العالم الثالث، فهو غير ذي موضوع في سياق تفكيره، هو لا ينظر إليه كطرف مهدد في أمنه. المهدد في أمنه هو "الغرب" وحده!
كيف؟ ولماذا؟
لنلخص مضمون هذا التحليل في كلمات:
1- لقد سقَط "الأخر/ الشرق" الشيوعي الذي كان يتحدد به "الأنا/ الغرب" ، فمن سيحل محله؟
2- العالم الثالث لم يعد طرفا ثالثا، وهو ليس مؤهلا ليكون "العالم الثاني"، إذ هو جملة بلدان ضعيفة متعددة لا توحدها إيديولوجيا يمكن اعتبارها خصما للرأسمالية التي انتصرت بكيفية نهائية، هذا فضلا عن أن هذه البلدان متنازعة ورثت من الاستعمار مشاكل تذكي العداوة بين بعضها بعضا الخ.
3- ومع ذلك ففي هذا العالم الثالث، الضعيف المتفكك الذي يسوده التنازع، مصدران يهددان أمن الغرب وهويته وحضارته. أولهما الهجرة، والثاني هوياته الحضارية الاسلامية التي تختلف عن هوية الغرب.
4- وبما أن الهجرة الأخطر في هذا المجال هي تلك الآتية من جنوب البحر البيض المتوسط (وكله إسلام)، وبما أن الهوية المرشحة للتصادم مع هوية الغرب هي الهوية الحضارية الإسلامية لأسباب ترجع إلى الجوار الجغرافي والتنافس التاريخي واختلاف نظام القيم، فإن "الأمن العالمي سيكون محكوما بما يطلقوا عليه "صراع الهويات الحضارية"، الصراع الذي يشخصه في ما يسميه
بـ "الحرب الباردة الاجتماعية بين الغرب والإسلام".
هنا لا بد من ملاحظة أن الكتاب الغربيين، الذين يروجون لمقولة "صراع الحضارات"، يضعون كمقابل لـ"الغرب" و"حضارة الغرب"، ليس "حضارة الإسلام" أو الحضارة الإسلامية"، بل "الإسلام" بدون تخصيص! ومن هنا اللبس والمغالطة في آن واحد. فمقولة "الحرب الباردة الحضارية بين الغرب والإسلام"، التي جعلو منها خاصية للقرن الواحد والعشرين، تضع "الغرب" وهو مصطلح جغرافي ومفهوم ثقافي حضاري في مقابل "الإسلام" الذي هو دين. وهذا في حد ذاته تصرف عدواني لأنه استفزاز للشعور الديني، فالمسلم في هذه الحالة يشعر أن دينه هو المستهدف. فلماذا يطرحون المسألة بهذه الصورة : لماذا "الإسلام" وليس "الحضارة الإسلامية"؟ لماذا يتجنبون وضع "الحضارة الإسلامية" في مقابل "الحضارة الغربية"، فيرتفع اللبس؟
الحضارة الإسلامية حضارة متفتحة
الواقع أنه لا أحد، لا في الغرب ولا في الشرق، يستطيع أن يدعي أن الحضارة الإسلامية حضارة منغلقة تنحو نحو الصراع وترفض الأخذ والعطاء وتغلق باب الحوار. فالحضارة الإسلامية كانت منذ قيامها ولا زالت ملتقى حضارات وثقافات ونظم قيم. الجميع يعرف أن الحضارة العربية الإسلامية بدأت بدوية صحراوية في الجزيرة العربية، ولما احتكت بالحضارة الفارسية تبنت معظم، إن لم نقل جميع، مظاهرها الحضارية؛ ليس فقط على مستوى المأكل والملبس والحياة الأسروية الخاصة، بل أيضا على مستوى الأدب والفن والتنظيم الاجتماعي ونظام الحكم، بل لقد شجع جو الحوار الثقافي الحضاري، الذي ساد فيها، المثقفين الذين كانوا ذوي ميول يونانية إلى إبراز مآثر الحضارة اليونانية فدخلوا في حوار تنافسي مع المثقفين ذوي الميول الفارسية. وهكذا جرى داخل الحضارة العربية الإسلامية حوار تنافسي بين الثقافتين الفارسية واليونانية، الشي الذي حفز ذوي الثقافة العربية والإسلامية على الالتحاق بميدان المنافسة فأبرزوا مآثر العرب ومناقب الإسلام مع الاعتراف للحضارات الأخرى بفضلها،
هذا الطابع التعددي الحواري الذي تتميز به الحضارة العربية الإسلامية معروف لدى الغرب، يعرفونه من خلال دراستهم لتاريخهم: هم يعرفون أن الحضارة اليونانية قد انتقلت إليه عبر الحضارة العربية الإسلامية، وأن معرفتهم بالحضارة الفارسية والهندية تدين بالكثير للعرب والمسلمين.
وهم يعرفون أيضا أن هذا الانفتاح على الآخر، الذي تتميز به الحضارة العربية الإسلامية، لم يكن مقصورا على العصور الوسطى، بل يعرفون جيدا أنه الطابع المميز لها في العصر الحديث أيضا
الإسلام :الشغل الشاغل للغرب: الغرب مصالح
"الإسلام" هو الآن، ومنذ عقدين من السنين، الشغل الشاغل للغرب. وما يعنونه ليس "الإسلام" كدين ولا كحكومات تحكم باسمه. فبالأمس القريب فقط كان الغرب يتخذ من "الإسلام" حليفا له ضد الشيوعية، على مستوى الشعارات والإيديولوجيا كما على مستوى تأييد وحماية حكومات تحكم باسم "الإسلام". وقد ساند الغرب بالمال والسلاح والخبرة حركات "ثورية" ترفع راية "الإسلام"، كما في أفغانستان أيام الحكم الشيوعي. وأكثر من ذلك ساند "الثورة الإيرانية" التي كان زعيمها الإمام الخميني قدس يقودها من باريس على مرآى ومسمع من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي فضلت ترك عميلها الشاه- وحيدا هو وجنده اليائس البائس أمام جحافل الثورة التي كانت ترفع شعار الإسلام: "الله أكبر". لم يكن الغرب يرى في الإسلام خطرا عليه، لقد كان يعتبره حليفا له ضد الشيوعية، وبالتالي فضل ثورة إسلامية فتية على حكم فاسد مترهل عميل
كان ذلك بالأمس القريب، أما اليوم فـ "الإسلام" في نظر الغرب شيء آخر. إنه "العدو رقم 1"،
إن لم يكن اليوم فسيكون كذلك غدا. فماذا تغير؟ ولماذا هذا الخوف "الجديد" بل "المتجدد" من الإسلام؟
كيف نفسر هذه الازدواجية في موقف الغرب من الإسلام والعرب؟
إن تاريخ "الغرب" –منذ أن أصبح هذا اللفظ مفهوما سياسيا استراتيجيا- يكشف عن حقيقة أساسية قوامها : مواقف متغيرة وثابت لا يتغير: إن موقف الغرب من العرب أو من الإسلام أو من الصين أو من اليابان أو من أية دولة أخرى في العالم موقف يتغير دائما، وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى الأمر ذلك. أما الثابت الذي يحكم تحركات الغرب وتغير مواقفه فهو "المصالح"، ولا شيء غير المصالح
إذا كان الغرب يحدد خصمه بكونه ذلك الذي يرفض أو لا يؤمن بالقيم الليبرالية، من ديموقراطية وعلمانية وحقوق الإنسان الخ، فلماذا يناصر حكومات، إسلامية وغير إسلامية، لا تعمل بهذه القيم بل تقمع في بلدانها كل من ينادي بهذه القيم ويطالب بالعمل بها؟ ثم ألم يكن الغرب وراء كثير من الانقلابات العسكرية ونظم الحكم الديكتاتورية التي عانى منها العالم الثالث زمن الحرب الباردة؟
صراع الحضارات" إذن مقولة فاسدة، بل عدوانية، روج لها المخططون لاستراتيجية الولايات المتحدة لحماية ما تعتبرونه مصالحها "القومية"في العالم. هذا شيء واضح. فماذا كان رد الفعل الذي حركته هذه المقولة في العالم العربي والإسلامي؟
كان هناك، ولا يزال، نوعان من رد الفعل:
هناك من وقع في الفخ فقال بـ "الصراع الحضاري" بين قوى الشر والعدوان، وقوى الخير من طلاب الحق والعدل والمساواة. وواضح أن هذا النوع من رد الفعل يستسلم لاستراتيجية الخصم ويزكيها ويسقط في ثنائية مانوية مغلقة لا ترى الحل إلا في "انتصار إله الخير على إله الشر".كما حصل مع طالبان والقاعدةالحمقى
بالتالي تزكية وتبرير استراتيجية "الحرب الباردة والمسلحة ضد الإسلام".
إن جوهر القضية المطروحة بالنسبة لعلاقة الغرب بالعرب والمسلمين هو "المصالح": مصالح الغرب، وفي مقدمتها النفط والسوق العربية الخ… إنه من الطبيعي جدا أن يشعر الغرب بأن أي تقدم يحققه العرب والمسلمون سيكون على حسابه، لأن مصالحه في بلاد العرب والإسلام تقتضي ذلك
والمشكلة الحقيقة القائمة بين الغرب وأقطار العالم الثالث هي عدم التوازن في تبادل المصالح. ذلك أن العلاقة القائمة الآن بين الغرب من جهة والعرب والمسلمين والعالم الثالث كله من جهة أخرى هي من جنس علاقة السيد بالعبد:
السيد يستغل العبد وهو يحتاج إليه إذ يتوقف عليه كثير من شؤونه، والعبد يعاني من السيد ولكنه هو الآخر محتاج إليه. وبما أن تغيير هذه العلاقة لم يعد ممكنا عن طريق "ثورة العبيد"، نظرا لطابع المرحلة التي تحكمها العولمة والتي تمكن الغرب من وسائل الدعاية والتمويه فضلا عن وسائل الدمار التي تجعله لا يتردد في أن يكرر في أي مكان ما فعله في العراق –و أفغانستان ويتوعد بتكراره في أماكن أخرى- فإن ما تسمح به الظروف الآن هو العمل على تحقيق نوع من "توازن المصالح" يحد من هيمنة "السيد" وغلوائه، هناك جانب آخر في علاقة العرب والمسلمين بالغرب يجب أن يخضع هو الآخر لمبدأ "توازن المصالح"، وهو الجانب الذي يمكن أن يعطي لعبارة "حوار الحضارات" مضمونا إيجابيا واضحا غير ملتبس، إنه الجانب الثقافي. لقد أشرنا قبل قليل إلى ذلك الحضور القوي للغات الغرب وثقافته في مدارسنا وجامعاتنا. فلماذا لا يكون هناك حضور مماثل أو مقارب للغتنا وثقافتنا في مدارس الغرب وجامعاته؟ إنه إذا حدث هذا أمكن تدشين عهد جديد فعلا من "حوار الحضارات"، الحوار الذي سيتعرف من خلاله كل طرف على حقيقة صورة الآخر. والغريب في الأمر عندنا أن كثيرا من مثقفينا الذين لهم اتصال ووصال مع الثقافة الغربية لا يفتأون ينادون عندنا بـ "ضرورة معرفة الآخر" الغرب! حبذا لو اتجهوا الآن إلى الغرب نفسه ينادون فيه بضرورة معرفة "الآخر" العربي والمسلم على حقيقته لا كما تقدمه لهم وسائل الإعلام التي توجهها جهات مغرضة.
إذن لنختم بالقول: بدلا من مناقشة مفهوم ضبابي لا عقلاني وعداوني كـ"صراع الحضارات" أو عبارة استسلامية غير محددة ولا تحيل إلى شيء ملموس ومجردة كـ "حوار الحضارات" يجب النضال من أجل توازن المصالح، في الاقتصاد والتجارة كما في اللغات والثقافات.
اخيرا اتسائل أية مصداقية في عالم يحكمه صراع المصالح؟ ؟
والله من وراء القصد.. وهو الهادي إلى سواء السبيل
اخوكم
شهيدالله
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين لا تصح الصلاة الواجبة إلا بذكرهم
وتبطل بإضافة غيرهم لهم.. اللهم صل عليهم وعجل فرجهم والعن أعداءهم
السلام عليكم ورحمة الله بركاتة
حوارالحضارات او توازن المصالح
قرائة نقدية لخلفيات مفهوم حوارالحضارات والبديل
لقدظهرت في العقد الأخير من القرن الماضي جملة من المفاهيم، تكتسي صبغة شعارية في كثير من الأحيان، أبعدت من الساحة الفكرية مفاهيم وشعارات أخرى كان لها حضور قوي، هيمنة واضحة في الساحة نفسها، طوال القرن العشرين بأكمله تقريبا. من هذه المفاهيم والشعارات التي اختفت أو انسحبت المفاهيم التالية: الإيديولوجيا، الصراع الطبقي، الوعي الطبقي، القومية، الإمبريالية العالمية، حركة التحرير الشعبية، حق الشعوب في تقرير المصير الخ. ومعلوم أن هذه المفاهيم كانت تؤسس أو توجه نظاما فكريا معينا ساد القرن العشرين كله تقريبا.
وفي مقابل هذه المفاهيم ظهرت، في العقدين الأخيرين، مفاهيم أخرى متزامنة، أو متتابعة في ظرف سنتين أو ثلاث، مفاهيم تؤسس لنظام فكري مختلف تماما، لعل أهمها وأكثرها اليوم انتشارا المفاهيم التالية: النظام العالمي الجديد، نهاية التاريخ، صدام الحضارات، الهويات، العولمة، حوار الحضارات!
الإسلام وحوار الحضارات، طرح مصداقية المفهوم.
سنحاول في هذا الحديث احبتي أن نمارس نوعا من النظر والنقد الموجزفي هذا المفهوم الأخير الذي أصبح اليوم من أهم مشاغل الساعة، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، على الصعيدين الفكري والجيوسياسي. وقد يكفي، كدليل على هذا الاهتمام الزائد، أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد اعتمدت عام 2001 كسنة لـ"حوار الحضارات"، الشيء الذي فسح المجال لعقد مزيد من الندوات واللقاءات لمناقشة هذا الموضوع، في جميع أرجاء الكرة الأرضية تقريبا، تارة تحت نفس العنوان (حوار الحضارات) وأخرى باستعمال كلمة "ثقافة" بدل كلمة "حضارة".
وبغض النظر عن الفرق الذي يمكن أن يقام بين الكلمتين، وهو فرق يختلف من لغة لأخرى، فإن اللافت للانتباه حقا هو التركيز، في العالم الغربي كما في العالم الإسلامي، على موضوع معين، تحت عنوان "الإسلام وحوار الحضارات"، حتى غدا هذا الموضوع وكأنه وحده المقصود بـهذا "الحوار". والسؤال الذي لم يطرح بعد، مع أنه يطرح نفسه بقوة، هو : لماذا "الإسلام" بالضبط؟ وما المقصود هنا بـ "الإسلام"؟ ولماذا لم نسمع عن ندوة أو ندوات حول "المسيحية وحوار الحضارات" أو "اليهودية وحوار الحضارات" أو البوذية، أو غير هذه من الديانات؟ وغني عن البيان القول إن هذا التخصيص الذي يصرف عبارة "حوار الحضارات" إلى دين واحد يحمل على الشك في مدى الموضوعية والتجرد الذين تطرح بهما هذه المسألة.
"حوار الحضارات" كبديل لـ"صراع الحضارات"
لنبدأ بالإشارة إلى أن عبارة "حوار الحضارات" قد صيغت أول الأمر، وهذا قبل بضع سنوات فقط ، لتكون بديلا عن مقولة ظهرت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، فأثارت نقاشا واسعا عريضا ما زال يتناسل إلى اليوم، أعني بذلك مقولة "صدام –أو صراع- الحضارات".
يمكن القول إن الاهتمام الزائد بهذا الموضوع، على الساحة الفكرية عامة، أو على مستوى الدراسات الاستراتيجية والجيوسياسية، إنما انتشر وتفشى ابتداء من أواخر الثمانينات، وبالخصوص بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي كانت تابعة له.
إن سقوط الاتحاد السوفيتي لم يكن يعني مجرد سقوط نظام في الحكم معين، ولا مجرد انحلال تكتل بين دول، ولا مجرد تفتت معسكر يتحدد بكونه يشكل حلفا بين دول، ضد حلف آخر يتشكل من دول أخرى، بل لقد كان أيضا، وربما في الدرجة الأولى، سقوط نظام اجتماعي اقتصادي وفكري، نظام كان يطرح نفسه كمشروع ضروري للمستقبل: مشروع حضاري جديد، هو ما عُبر عنه بـ"النظام الاشتراكي العالمي"، وقد كان يبشر بعلاقات إنتاج جديدة، وبنظام سياسي محلي ودولي جديد، وبإيديولوجيا جديدة، وبعبارة واحدة : بداية تاريخ جديد للإنسانية.بلضدمن الرسمالية العالمية
. فكان الصراع بين النظامين يشمل الاقتصاد والسياسة والقيم والفكر والعلاقات الدولية الخ. وبما أن هذا الصراع لم يتطور إلى صدام مسلح على غرار الحربين العالمتين، بسبب الرادع النووي لدى الطرفين، فقد اكتسى صيغة صراع حول المناطق الاستراتيجية ومواطن الثروة، وأيضا: صيغة صراع إيديولوجي استعمل فيه الدين والعلم والثقافة بصورة عامة، وذلك ما عرف بـ "الحرب الباردة".
إن سقوط أحد طرفي هذا الصراع، أعني المعسكر الشيوعي، كان بدون شك "انتصارا" للطرف الأخر، المعسكر الرأسمالي؛ ولكنه "انتصار" من نوع خاص. لم يكن نتيجة مواجهة يتحمل فيها كل طرف نسبة من الخسارة، ،
لقد انهار الاتحاد السوفيتي، ومعه المعسكر الشيوعي، إثر محاولة القيام بإعادة البناء للنظام من داخله ففتحت ثغرة سرعان ما تمددت فأصبحت ثغرات متناسلة استعصت على التحكم والمراقبة، فكان الانهيار. أما
المعسكر الآخر فقد بقي كما هو، بكل عدته العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية والعلمية والفكرية، وأيضا بقي في حالة تعبئة وتجنيد، ولكن بدون عدو. لقد خلت له الأرض وخلا بها، فصار وحده "يطلب الطعن والنزالا".
ولكن مع من؟ أمريكا والبحث عن عدو
تلك هي المشكلة التي واجهتها الولايات المتحدة الأمريكية مع منتصف الثمانينات؟ مشكلة دولة، بل معسكر من الدول، بنى اقتصاده وسياسته واستراتيجيته وثقافته ورؤاه المستقبلية على أساس أنه يواجه عدوا يتربص به، فإذا بالعدو ينسحب، بل يختفي، ليظهر وراء خصمه يطلب الانخراط في نمط حياته ليصير جزءا منه وحليفا له! مشكلة ليست سهلة: مشكلة "الأنا" الذي لا يعرف كيف يتعرف على نفسه إلا من خلال "آخر" يواجهه، فإذا هو يفقد فجأة هذا "الآخر" الذي يتحدد به. فماذا يمكن أن ننتظر من هذا "الأنا"؟
هل ننتظر منه أن يفكك ذاته ويعيد تركيبه؟ كيف؟ وكيانه جميعه موجه ككل وكأجزاء إلى مضادة كيان "الآخر" ككل وكأجزاء؟ إنها القضية التي طرحت نفسها على "صانعي القرار" في الولايات المتحدة الأمريكية،. ومن المفيد التذكير هنا بأن كلمة "استراتيجية" مصطلح حربي. فالمتخصص في الدراسات الاستراتيجية لا يستطيع التفكير إلا في إطار المواجهة بين طرفين. فإذا انسحب أحد الطرفين كان عليه أن يضع مكانه ما يقوم مقامه في الحال أو في الاستقبال، وإلا انقطع به حبل التفكير. إن المحلل الاستراتيجي كلاعب الشطرنج، لا يستطيع اللعب وحده!
ذلك ما حدث في الولايات المتحدة في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. لقد كان السؤال الذي طرح مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي هو التالي:
من سيكون العدو غدا؟
أن التصنيف الذي درج العالم عليه منذ الحرب العالمية الثانية قد فقد معناه بعد انهيار الكتلة الشيوعية، وبالتالي لابد من تصنيف جديد لفهم الوضع العالمي الجديد. الذي يقسم العالم كله إلى قسمين: مركز وأطراف: أما المركز فهو "كتلة رئيسية من الاقتصاديات الرأسمالية المسيطرة على العالم"، وأما الأطراف فهي "مجموعة من الدول الأضعف من النواحي الصناعية والمالية والسياسية تتحرك ضمن نمط من العلاقات التي ينسجها المركز في المقام الأول". هو مااسموة"أنماط جديدة للأمن العالمي في القرن الواحد والعشرين".
وكما يتبين فهو يعني بـ "الأمن العالمي" أمن الغرب" وحده! أما أمن الطرف الآخر، أعني العالم الثالث، فهو غير ذي موضوع في سياق تفكيره، هو لا ينظر إليه كطرف مهدد في أمنه. المهدد في أمنه هو "الغرب" وحده!
كيف؟ ولماذا؟
لنلخص مضمون هذا التحليل في كلمات:
1- لقد سقَط "الأخر/ الشرق" الشيوعي الذي كان يتحدد به "الأنا/ الغرب" ، فمن سيحل محله؟
2- العالم الثالث لم يعد طرفا ثالثا، وهو ليس مؤهلا ليكون "العالم الثاني"، إذ هو جملة بلدان ضعيفة متعددة لا توحدها إيديولوجيا يمكن اعتبارها خصما للرأسمالية التي انتصرت بكيفية نهائية، هذا فضلا عن أن هذه البلدان متنازعة ورثت من الاستعمار مشاكل تذكي العداوة بين بعضها بعضا الخ.
3- ومع ذلك ففي هذا العالم الثالث، الضعيف المتفكك الذي يسوده التنازع، مصدران يهددان أمن الغرب وهويته وحضارته. أولهما الهجرة، والثاني هوياته الحضارية الاسلامية التي تختلف عن هوية الغرب.
4- وبما أن الهجرة الأخطر في هذا المجال هي تلك الآتية من جنوب البحر البيض المتوسط (وكله إسلام)، وبما أن الهوية المرشحة للتصادم مع هوية الغرب هي الهوية الحضارية الإسلامية لأسباب ترجع إلى الجوار الجغرافي والتنافس التاريخي واختلاف نظام القيم، فإن "الأمن العالمي سيكون محكوما بما يطلقوا عليه "صراع الهويات الحضارية"، الصراع الذي يشخصه في ما يسميه
بـ "الحرب الباردة الاجتماعية بين الغرب والإسلام".
هنا لا بد من ملاحظة أن الكتاب الغربيين، الذين يروجون لمقولة "صراع الحضارات"، يضعون كمقابل لـ"الغرب" و"حضارة الغرب"، ليس "حضارة الإسلام" أو الحضارة الإسلامية"، بل "الإسلام" بدون تخصيص! ومن هنا اللبس والمغالطة في آن واحد. فمقولة "الحرب الباردة الحضارية بين الغرب والإسلام"، التي جعلو منها خاصية للقرن الواحد والعشرين، تضع "الغرب" وهو مصطلح جغرافي ومفهوم ثقافي حضاري في مقابل "الإسلام" الذي هو دين. وهذا في حد ذاته تصرف عدواني لأنه استفزاز للشعور الديني، فالمسلم في هذه الحالة يشعر أن دينه هو المستهدف. فلماذا يطرحون المسألة بهذه الصورة : لماذا "الإسلام" وليس "الحضارة الإسلامية"؟ لماذا يتجنبون وضع "الحضارة الإسلامية" في مقابل "الحضارة الغربية"، فيرتفع اللبس؟
الحضارة الإسلامية حضارة متفتحة
الواقع أنه لا أحد، لا في الغرب ولا في الشرق، يستطيع أن يدعي أن الحضارة الإسلامية حضارة منغلقة تنحو نحو الصراع وترفض الأخذ والعطاء وتغلق باب الحوار. فالحضارة الإسلامية كانت منذ قيامها ولا زالت ملتقى حضارات وثقافات ونظم قيم. الجميع يعرف أن الحضارة العربية الإسلامية بدأت بدوية صحراوية في الجزيرة العربية، ولما احتكت بالحضارة الفارسية تبنت معظم، إن لم نقل جميع، مظاهرها الحضارية؛ ليس فقط على مستوى المأكل والملبس والحياة الأسروية الخاصة، بل أيضا على مستوى الأدب والفن والتنظيم الاجتماعي ونظام الحكم، بل لقد شجع جو الحوار الثقافي الحضاري، الذي ساد فيها، المثقفين الذين كانوا ذوي ميول يونانية إلى إبراز مآثر الحضارة اليونانية فدخلوا في حوار تنافسي مع المثقفين ذوي الميول الفارسية. وهكذا جرى داخل الحضارة العربية الإسلامية حوار تنافسي بين الثقافتين الفارسية واليونانية، الشي الذي حفز ذوي الثقافة العربية والإسلامية على الالتحاق بميدان المنافسة فأبرزوا مآثر العرب ومناقب الإسلام مع الاعتراف للحضارات الأخرى بفضلها،
هذا الطابع التعددي الحواري الذي تتميز به الحضارة العربية الإسلامية معروف لدى الغرب، يعرفونه من خلال دراستهم لتاريخهم: هم يعرفون أن الحضارة اليونانية قد انتقلت إليه عبر الحضارة العربية الإسلامية، وأن معرفتهم بالحضارة الفارسية والهندية تدين بالكثير للعرب والمسلمين.
وهم يعرفون أيضا أن هذا الانفتاح على الآخر، الذي تتميز به الحضارة العربية الإسلامية، لم يكن مقصورا على العصور الوسطى، بل يعرفون جيدا أنه الطابع المميز لها في العصر الحديث أيضا
الإسلام :الشغل الشاغل للغرب: الغرب مصالح
"الإسلام" هو الآن، ومنذ عقدين من السنين، الشغل الشاغل للغرب. وما يعنونه ليس "الإسلام" كدين ولا كحكومات تحكم باسمه. فبالأمس القريب فقط كان الغرب يتخذ من "الإسلام" حليفا له ضد الشيوعية، على مستوى الشعارات والإيديولوجيا كما على مستوى تأييد وحماية حكومات تحكم باسم "الإسلام". وقد ساند الغرب بالمال والسلاح والخبرة حركات "ثورية" ترفع راية "الإسلام"، كما في أفغانستان أيام الحكم الشيوعي. وأكثر من ذلك ساند "الثورة الإيرانية" التي كان زعيمها الإمام الخميني قدس يقودها من باريس على مرآى ومسمع من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية التي فضلت ترك عميلها الشاه- وحيدا هو وجنده اليائس البائس أمام جحافل الثورة التي كانت ترفع شعار الإسلام: "الله أكبر". لم يكن الغرب يرى في الإسلام خطرا عليه، لقد كان يعتبره حليفا له ضد الشيوعية، وبالتالي فضل ثورة إسلامية فتية على حكم فاسد مترهل عميل
كان ذلك بالأمس القريب، أما اليوم فـ "الإسلام" في نظر الغرب شيء آخر. إنه "العدو رقم 1"،
إن لم يكن اليوم فسيكون كذلك غدا. فماذا تغير؟ ولماذا هذا الخوف "الجديد" بل "المتجدد" من الإسلام؟
كيف نفسر هذه الازدواجية في موقف الغرب من الإسلام والعرب؟
إن تاريخ "الغرب" –منذ أن أصبح هذا اللفظ مفهوما سياسيا استراتيجيا- يكشف عن حقيقة أساسية قوامها : مواقف متغيرة وثابت لا يتغير: إن موقف الغرب من العرب أو من الإسلام أو من الصين أو من اليابان أو من أية دولة أخرى في العالم موقف يتغير دائما، وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى الأمر ذلك. أما الثابت الذي يحكم تحركات الغرب وتغير مواقفه فهو "المصالح"، ولا شيء غير المصالح
إذا كان الغرب يحدد خصمه بكونه ذلك الذي يرفض أو لا يؤمن بالقيم الليبرالية، من ديموقراطية وعلمانية وحقوق الإنسان الخ، فلماذا يناصر حكومات، إسلامية وغير إسلامية، لا تعمل بهذه القيم بل تقمع في بلدانها كل من ينادي بهذه القيم ويطالب بالعمل بها؟ ثم ألم يكن الغرب وراء كثير من الانقلابات العسكرية ونظم الحكم الديكتاتورية التي عانى منها العالم الثالث زمن الحرب الباردة؟
صراع الحضارات" إذن مقولة فاسدة، بل عدوانية، روج لها المخططون لاستراتيجية الولايات المتحدة لحماية ما تعتبرونه مصالحها "القومية"في العالم. هذا شيء واضح. فماذا كان رد الفعل الذي حركته هذه المقولة في العالم العربي والإسلامي؟
كان هناك، ولا يزال، نوعان من رد الفعل:
هناك من وقع في الفخ فقال بـ "الصراع الحضاري" بين قوى الشر والعدوان، وقوى الخير من طلاب الحق والعدل والمساواة. وواضح أن هذا النوع من رد الفعل يستسلم لاستراتيجية الخصم ويزكيها ويسقط في ثنائية مانوية مغلقة لا ترى الحل إلا في "انتصار إله الخير على إله الشر".كما حصل مع طالبان والقاعدةالحمقى
بالتالي تزكية وتبرير استراتيجية "الحرب الباردة والمسلحة ضد الإسلام".
إن جوهر القضية المطروحة بالنسبة لعلاقة الغرب بالعرب والمسلمين هو "المصالح": مصالح الغرب، وفي مقدمتها النفط والسوق العربية الخ… إنه من الطبيعي جدا أن يشعر الغرب بأن أي تقدم يحققه العرب والمسلمون سيكون على حسابه، لأن مصالحه في بلاد العرب والإسلام تقتضي ذلك
والمشكلة الحقيقة القائمة بين الغرب وأقطار العالم الثالث هي عدم التوازن في تبادل المصالح. ذلك أن العلاقة القائمة الآن بين الغرب من جهة والعرب والمسلمين والعالم الثالث كله من جهة أخرى هي من جنس علاقة السيد بالعبد:
السيد يستغل العبد وهو يحتاج إليه إذ يتوقف عليه كثير من شؤونه، والعبد يعاني من السيد ولكنه هو الآخر محتاج إليه. وبما أن تغيير هذه العلاقة لم يعد ممكنا عن طريق "ثورة العبيد"، نظرا لطابع المرحلة التي تحكمها العولمة والتي تمكن الغرب من وسائل الدعاية والتمويه فضلا عن وسائل الدمار التي تجعله لا يتردد في أن يكرر في أي مكان ما فعله في العراق –و أفغانستان ويتوعد بتكراره في أماكن أخرى- فإن ما تسمح به الظروف الآن هو العمل على تحقيق نوع من "توازن المصالح" يحد من هيمنة "السيد" وغلوائه، هناك جانب آخر في علاقة العرب والمسلمين بالغرب يجب أن يخضع هو الآخر لمبدأ "توازن المصالح"، وهو الجانب الذي يمكن أن يعطي لعبارة "حوار الحضارات" مضمونا إيجابيا واضحا غير ملتبس، إنه الجانب الثقافي. لقد أشرنا قبل قليل إلى ذلك الحضور القوي للغات الغرب وثقافته في مدارسنا وجامعاتنا. فلماذا لا يكون هناك حضور مماثل أو مقارب للغتنا وثقافتنا في مدارس الغرب وجامعاته؟ إنه إذا حدث هذا أمكن تدشين عهد جديد فعلا من "حوار الحضارات"، الحوار الذي سيتعرف من خلاله كل طرف على حقيقة صورة الآخر. والغريب في الأمر عندنا أن كثيرا من مثقفينا الذين لهم اتصال ووصال مع الثقافة الغربية لا يفتأون ينادون عندنا بـ "ضرورة معرفة الآخر" الغرب! حبذا لو اتجهوا الآن إلى الغرب نفسه ينادون فيه بضرورة معرفة "الآخر" العربي والمسلم على حقيقته لا كما تقدمه لهم وسائل الإعلام التي توجهها جهات مغرضة.
إذن لنختم بالقول: بدلا من مناقشة مفهوم ضبابي لا عقلاني وعداوني كـ"صراع الحضارات" أو عبارة استسلامية غير محددة ولا تحيل إلى شيء ملموس ومجردة كـ "حوار الحضارات" يجب النضال من أجل توازن المصالح، في الاقتصاد والتجارة كما في اللغات والثقافات.
اخيرا اتسائل أية مصداقية في عالم يحكمه صراع المصالح؟ ؟
والله من وراء القصد.. وهو الهادي إلى سواء السبيل
اخوكم
شهيدالله