نسايم
01-11-2009, 05:48 PM
http://www.anwaralhuda.com/forumpic/4_1214209287.gif
المقصود من السنّة في العنوان هو السيرة و الطريق الذي يخطه الله عز وجل ، و في القرآن عدد من السنن الربانية التي خطها الله في البشرية قضاء لا مفر منه ، و لا بد له من الانطباق و التحصّل.
و إذا رجعنا إلى بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن وراثة الأرض لرأينا أن الله عز زجل قد جعل وراثة الأرض من قبل المستضعفين سنة لا بدّ و أن تتحقق ، في آخر الزمان.
و لا بد هنا من طرح مقدمات لتوضيح بعض المفاهيم التي وردت في الآيات التي تتحدث عن هذه السنة الربانية ، و من ثم دفع بعض الردود على التفسير الجزئي و العام لهذه الآيات.
المقدمة الأولى : من هم المستضعفون الذين ذكرهم الله في قوله : وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ (5)القصص ذكر في تفسير الأمثل أن المستضعف ليس هو الضعيف و الفاقد للقدرة و القوّة .. بل المستضعف من لديه قوى بالفعل و بالقوة، و لكنّه واقع تحت ضغوط الظلمة و الجبابرة، و برغم أنّه مكبل بالأغلال في يديه و رجليه فإنّه غير ساكت و لا يستسلم، و يسعى دائما لتحطيم الأغلال و نيل الحرية، و التصدي للجبابرة و المستكبرين، و نصرة مبدأ العدل و الحق.
و إذا تأملنا في قول الله عزوجل في سورة النساء إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلا، فيتضح أن المستضعفين لهم صفتان مميزتان: أنهم لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا ، ذلك من قبيل الضعف الفكري في مقابل الباطل المسيطر أو الضعف المادي في مقابل القوى الجائرة المستبدة ، ما يجعل الناس لا يقوون على المواجهة و المقاومة، لأنهم يرون الخسارة في مقابل الباطل القوي،و لكن ذلك لا يجعل المستضعف يتنازل عن الحق بل يبقى مصرا مصمما عليه ، لا يخاف في الله لومة لائم.و إلا فإنه لو سنحت له فرص النجاة و الهرب من واقع الظلم أو مواجهة هذا الظلم و الانتصار عليه ، فلن يستمر مستضعفا ، وهذا ما يستفاد من جو الآيات في سورة النساء.
و بناء عليه يكون ما ورد في ألسنة بعض الروايات من أن المستضعفين هم الأئمة ( كما ورد في معاني الأخبار بسند عن محمد بن سنان عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ % يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ 7نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ( فَبَكَى وَ قَالَ أَنْتُمُ الْمُسْتَضْعَفُونَ بَعْدِي قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَعْنَى ذَلِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ بَعْدِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ فَهَذِهِ الْآيَةُ جَارِيَةٌ فِينَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة.
و ما ورد في الغيبة للشيخ الطوسي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ ( فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ قَالَ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ يَبْعَثُ اللَّهُ مَهْدِيَّهُمْ بَعْدَ جَهْدِهِمْ فَيُعِزُّهُمْ وَ يُذِلُّ عَدُوَّهُم.
حيث أن الأئمة ( كانوا يمتلكون أسباب الحق و قوة الحق و لكنهم كانوا ضعفاء ماديا في مقابل قوة الباطل المسيطرة، مما جعلهم يعيشون في هذا الجو غير قادرين على التغيير لأسباب و ظروف كثيرة جدا.
و قد ورد في آيات وصفه لبني إسرائيل بالاستضعاف ، حيث تشير الآية إلى طريقة استضعاف فرعون لهم : يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ، و بذلك كانوا أوضح أمثلة الاستضعاف ، حيث تعرضوا لظلم كبير و عظيم و لم يستطيعوا أن يغيروا شيئا من هذا الواقع.
المقدمة الثانية: ما المقصود بالوراثة ؟
ورد في معجم مقاييس اللغة أن الإرث في معنى كلمة ورث : أن الميراث و هو أن يكون الشيء لقوم ثمّ يصير إلى آخرين بنسب أو سبب. و بالطبع فإن هذا ينطبق على الإرث العادي ، أما أرث الأرض ( الكرة الأرضية) فالآيات القرآنية تفيد معنى لآخر.
فقد ورد في بعض الآيات أن الوارث الحقيقي والنهائي للأرض و من عليها هو الله :إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها وَ إِلَيْنا يُرْجَعُون .
و لذلك فإن الله هو الذي يورث الناس الأرض بعد ذلك حيث نسب الله هذا الأمر لنفسه كما في الآية : وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا. أو قوله كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَني إِسْرائيلَ . و كذلك قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه…
و لذلك لا بد من التسليم أن وراثة الأرض ليست مما يحصل بطريقة طبيعية أي من خلال النسب و السبب كما يحصل بالنسبة للإرث العادي، بل هو أمر إلهي يحصل بتوريث من الله ، و هذا التوريث له صفات خاصة و طرق محددة ، منها أن الوراثة لا تكون إلا للمستضعفين بالإضافة إلى شروط أخرى. فالإرث هنا أمر إلهي.
المقدمة الثالثة : شروط الوراثة:
ما دامت هذه الوراثة مما لا يحصل بالنسب و لا بالسبب ، بل هو أمر إلهي ، لأنه لا بد من تحقق شروط معينة ، حتى يتم التوريث، و إذا رجعنا إلى الآيات القرآنية ، لوجدنا الشرط الأول هو تحقق حالة الاستضعاف،حيث ركزت الآيات على مبدأ الاستضعاف كما يظهر من آيات الوراثة: وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ، وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا.
و الشرط الثاني هو صلاح و إيمان المستضعفين، وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ، و كما ورد أيضا على لسان موسى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ، و الاستعانة بالله و الصبر هي ميزان الصلاح و الالتزام الديني ، و في آية ثالثة وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
و يمكن القول أن هذا الشرط هو بمثابة شرط صحة للشرط السابق أي أن المستضعف الذي يورثه الله الأرض ليس أي مستضعف ، بل هو خصوص ذلك المستضعف الذي يتميز بالصلاح و التقوى ، خاصة أن الله في سورة النساء قد توعد جزءا من المستضعفين بالعذاب الأليم، وهم المستضعفين الذين يظلمون أنفسهم بالخنوع تحت سلطان الباطل مع القدرة على الرفض، حيث قال: إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيراً . و هؤلاء استثنى منهم الله المستضعفين غير الظالمين لأنفسهم أو المعذورين،و الظلم المذكور هنا لا يتناسب مع الصلاح، و بالتالي فالمستضعف غير الصالح من ناحية الالتزام الديني غير موعود بالوراثة.
و هذا الشرط كما يكون سابقا على الوراثة هو أيضا مقوم لها حيث أن الله لا يحقق هذه الوراثة إلا إذا تحققت في المستضعفين الوارثين قيمة الصلاح على امتداد الخط، و لينصرن الله من ينصره …الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ … و إلا فإذا كان الوارثون سوف يسلكون نفس الطريق السابق للظالمين فلا تتحقق الوراثة.
المقدمة الرابعة: الإمامة و الوراثة:
الآية المذكورة من سورة القصص قرن فيها الله الوراثة بالإمامة ، وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ ،و الإمامة تعني القيادة ، فلا تتحقق وراثة الأرض إلا إذا كان الوارثون قادة و رؤساء ، لا تابعين و مرؤوسين ، يجب أن يكونوا ممن ينفذ إرادته في الأرض لا أن تنفذ عليهم إرادة الغير.
و حين يكون الوارثون هم القادة و المتبوعين تتحقق عبرهم إرادة الله كما ذكر الله عزوجل : وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً ، و هذا الوعد كما هو ظاهر يتضمن بشكل أساسي قيمة الحكم و القدرة و الأمن و السيطرة .
ومن هنا أيضا يمكن فهم تلك الروايات التي فسرت الآية المذكورة من سورة القصص بالأئمة ( حيث أن لا وراثة تكتمل دون وجودهم وحضورهم في صلب المعادلة ،و لأن أي إمامة غير إمامتهم لا يمكن أن تُحقق الوراثة.
المقدمة الخامسة: وراثة بني إسرائيل:
قد يناقش البعض في هذه الآيات ، و إمكانية أن يُفهم منها أنها في وارد الحديث عن سنة إلهية ، بالقول أن هذه الآيات كانت تتحدث عن بني إسرائيل: وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتي بارَكْنا فيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا و قوله عزوجل : في سورة القصص في تبع آية الإرادة الإلهية : وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ . و الجواب من وجوه :
الوجه الأول: أن ورود هذه الآية في هذا المورد لا ينفي عنها العموم لكل الموارد المشابهة، لقاعدة المورد لا يخصص الوارد ، و لأن الله ليس في وارد حكاية القصص و رواية ألأنباء ككتاب تاريخ، بل هو في مقام الإرشاد و الاعتبار ، و بالتالي إذا قلنا أن هذه الآية تختص ببني إسرائيل ، فقد نفينا عن القرآن ميزة الاستمرارية و الدوام .
الوجه الثاني: إن ورود هذه الآية في بني إسرائيل يؤكد على أن الله يتحدث عن سنة ثابتة ، كما جرت على بني إسرائيل تجري على غيرهم ، شبيه ذكر القاعدة متبوعة بالدليل العملي عليها، أو ذكره في ضمنها مما يزيد هذه القاعدة رسوخا و قوة.
الوجه الثالث : لو أننا افترضنا أن عصرا غير ذلك العصر : جرت فيه نفس الظروف فاستضعف قوم كاستضعاف بني إسرائيل ، و وهؤلاء كانت فيهم الشروط التي تؤهلهم للوراثة ، كان هناك ظالمون كفرعون وهامان ، ألا يقوم الله عزوجل بتطبيق نفس الأمر على هؤلاء و هؤلاء؟ إن قلت نعم، فهذا تأكيد على أن الأمر سمة إلهية ستجري ،و إن قلت لا ، نسبت لله ما لا يليق به ، كتخلف المراد عن الإرادة، أو نسبة الجهل له أو اللعب و العياذ بالله…
الوجه الرابع:إن الله عزوجل في سورة القصص استعمل خطاب : ونريد و نجعلهم و نري ، و المضارع له قوة و تشديد و إفادة الدوام والاستمرارية كما هو واضح، و هذا كله يفيد أن القرآن في وارد الحديث عن سنة ثابتة و أكيدة و مستمرة . و خصوصا مع قوله في ألأنبياء: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ . فهذا أمر ذكر في الكتب السماوية كافة، و ليس أمرا تاريخيا و قصصيا.
و منه يتضح أن القول بأن الأرض هنا هي خصوص بيت المقدس كما ذهب جمع من المفسرين ، استفادة من الآية في سورة ألأعراف القائلة وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتي بارَكْنا فيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا ، هذه الآية التي جاءت بعد وعد موسى لهم : قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ .. كما أن هذه الآيات لا تصلح مقيدا للفظ الأرض، لإفادتها العموم كما لا يخفى، و لا يمكن تخصيص هذا اللفظ بأي طريقة في آيات الكتاب، أقله لانعدام التبادر خصوصا العربي، و بالأخص عند من نزل عليهم القرآن .
و قد يعرض البعض إشكالا على هذا السياق التفسيري بالقول أن الأرض يقصد منها الجنة ، ففي القرآن عدة آيات تتحدث عن هذا المعنى كقوله : وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُون أو قوله تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا .. و بالطبع لأن هذه الآيات لا تستقيم بمفردها للدلالة على كون المقصود بالأرض هي الجنة فيضم إليها قوله في سورة الزمر : وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ . و لكن يجاب عنه بأن السياق هنا في هذه الآية يوضح أن المراد أرض الجنة ، و بالتالي لا تصلح كقرينة على ما يخلو من مثل هذا السياق.
السنة الإلهية و الإمام المهدي :
حيث أن الله أثبت في كتابه حكا أبديا يقضي باستخلاف المستضعفين المؤمنين في الأرض،يرثونها و يحكمونها ، و يري الله بذلك للظالمين فراعنة العصور كيف ينتصر الحق و يُسقط كل مشاريع الباطل و الاستبداد، فإن هذا الوعد لا بد أن يجد له طريقا في كل زمان و مكان ، و هذا الوعد كم قد يكون آنيا في زمن من ألأزمنة ،و يعود الباطل من ناحية أخرى فيسيطر ، فلا بد أن يكون هناك وعد نهائي لا يسيطر فيه إلا الحق، و يزول الباطل نهائيا،و و إذا بحثنا و نقبنا و فتشنا في التاريخ و الكتب و الروايات ،فلن نجد إلا عصر المهدي المنتظر هو الذي تتحقق فيه هذه السنة الإلهية و الإرادة الربانية.
و الكلام إسلامي قرآني لا يستقيم إلا بهذا الشكل ، لاتفاق المسلمين على فكرة الخلاص الحتمي و العدل الذي يأتي على يدي المهدي من ولد المصطفى محمد7، الذي يمثل الإمامة التي تؤهل المستضعفين لوراثة الأرض
http://www.anwaralhuda.com/forumpic/4_1214202552.gif
المقصود من السنّة في العنوان هو السيرة و الطريق الذي يخطه الله عز وجل ، و في القرآن عدد من السنن الربانية التي خطها الله في البشرية قضاء لا مفر منه ، و لا بد له من الانطباق و التحصّل.
و إذا رجعنا إلى بعض الآيات القرآنية التي تحدثت عن وراثة الأرض لرأينا أن الله عز زجل قد جعل وراثة الأرض من قبل المستضعفين سنة لا بدّ و أن تتحقق ، في آخر الزمان.
و لا بد هنا من طرح مقدمات لتوضيح بعض المفاهيم التي وردت في الآيات التي تتحدث عن هذه السنة الربانية ، و من ثم دفع بعض الردود على التفسير الجزئي و العام لهذه الآيات.
المقدمة الأولى : من هم المستضعفون الذين ذكرهم الله في قوله : وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ (5)القصص ذكر في تفسير الأمثل أن المستضعف ليس هو الضعيف و الفاقد للقدرة و القوّة .. بل المستضعف من لديه قوى بالفعل و بالقوة، و لكنّه واقع تحت ضغوط الظلمة و الجبابرة، و برغم أنّه مكبل بالأغلال في يديه و رجليه فإنّه غير ساكت و لا يستسلم، و يسعى دائما لتحطيم الأغلال و نيل الحرية، و التصدي للجبابرة و المستكبرين، و نصرة مبدأ العدل و الحق.
و إذا تأملنا في قول الله عزوجل في سورة النساء إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلا، فيتضح أن المستضعفين لهم صفتان مميزتان: أنهم لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا ، ذلك من قبيل الضعف الفكري في مقابل الباطل المسيطر أو الضعف المادي في مقابل القوى الجائرة المستبدة ، ما يجعل الناس لا يقوون على المواجهة و المقاومة، لأنهم يرون الخسارة في مقابل الباطل القوي،و لكن ذلك لا يجعل المستضعف يتنازل عن الحق بل يبقى مصرا مصمما عليه ، لا يخاف في الله لومة لائم.و إلا فإنه لو سنحت له فرص النجاة و الهرب من واقع الظلم أو مواجهة هذا الظلم و الانتصار عليه ، فلن يستمر مستضعفا ، وهذا ما يستفاد من جو الآيات في سورة النساء.
و بناء عليه يكون ما ورد في ألسنة بعض الروايات من أن المستضعفين هم الأئمة ( كما ورد في معاني الأخبار بسند عن محمد بن سنان عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ % يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ 7نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ( فَبَكَى وَ قَالَ أَنْتُمُ الْمُسْتَضْعَفُونَ بَعْدِي قَالَ الْمُفَضَّلُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَعْنَى ذَلِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ مَعْنَاهُ أَنَّكُمُ الْأَئِمَّةُ بَعْدِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ فَهَذِهِ الْآيَةُ جَارِيَةٌ فِينَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة.
و ما ورد في الغيبة للشيخ الطوسي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍّ ( فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ قَالَ هُمْ آلُ مُحَمَّدٍ يَبْعَثُ اللَّهُ مَهْدِيَّهُمْ بَعْدَ جَهْدِهِمْ فَيُعِزُّهُمْ وَ يُذِلُّ عَدُوَّهُم.
حيث أن الأئمة ( كانوا يمتلكون أسباب الحق و قوة الحق و لكنهم كانوا ضعفاء ماديا في مقابل قوة الباطل المسيطرة، مما جعلهم يعيشون في هذا الجو غير قادرين على التغيير لأسباب و ظروف كثيرة جدا.
و قد ورد في آيات وصفه لبني إسرائيل بالاستضعاف ، حيث تشير الآية إلى طريقة استضعاف فرعون لهم : يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَ يَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ، و بذلك كانوا أوضح أمثلة الاستضعاف ، حيث تعرضوا لظلم كبير و عظيم و لم يستطيعوا أن يغيروا شيئا من هذا الواقع.
المقدمة الثانية: ما المقصود بالوراثة ؟
ورد في معجم مقاييس اللغة أن الإرث في معنى كلمة ورث : أن الميراث و هو أن يكون الشيء لقوم ثمّ يصير إلى آخرين بنسب أو سبب. و بالطبع فإن هذا ينطبق على الإرث العادي ، أما أرث الأرض ( الكرة الأرضية) فالآيات القرآنية تفيد معنى لآخر.
فقد ورد في بعض الآيات أن الوارث الحقيقي والنهائي للأرض و من عليها هو الله :إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْها وَ إِلَيْنا يُرْجَعُون .
و لذلك فإن الله هو الذي يورث الناس الأرض بعد ذلك حيث نسب الله هذا الأمر لنفسه كما في الآية : وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا. أو قوله كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها بَني إِسْرائيلَ . و كذلك قوله إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه…
و لذلك لا بد من التسليم أن وراثة الأرض ليست مما يحصل بطريقة طبيعية أي من خلال النسب و السبب كما يحصل بالنسبة للإرث العادي، بل هو أمر إلهي يحصل بتوريث من الله ، و هذا التوريث له صفات خاصة و طرق محددة ، منها أن الوراثة لا تكون إلا للمستضعفين بالإضافة إلى شروط أخرى. فالإرث هنا أمر إلهي.
المقدمة الثالثة : شروط الوراثة:
ما دامت هذه الوراثة مما لا يحصل بالنسب و لا بالسبب ، بل هو أمر إلهي ، لأنه لا بد من تحقق شروط معينة ، حتى يتم التوريث، و إذا رجعنا إلى الآيات القرآنية ، لوجدنا الشرط الأول هو تحقق حالة الاستضعاف،حيث ركزت الآيات على مبدأ الاستضعاف كما يظهر من آيات الوراثة: وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ ، وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا.
و الشرط الثاني هو صلاح و إيمان المستضعفين، وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ ، و كما ورد أيضا على لسان موسى: قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ، و الاستعانة بالله و الصبر هي ميزان الصلاح و الالتزام الديني ، و في آية ثالثة وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ .
و يمكن القول أن هذا الشرط هو بمثابة شرط صحة للشرط السابق أي أن المستضعف الذي يورثه الله الأرض ليس أي مستضعف ، بل هو خصوص ذلك المستضعف الذي يتميز بالصلاح و التقوى ، خاصة أن الله في سورة النساء قد توعد جزءا من المستضعفين بالعذاب الأليم، وهم المستضعفين الذين يظلمون أنفسهم بالخنوع تحت سلطان الباطل مع القدرة على الرفض، حيث قال: إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيراً . و هؤلاء استثنى منهم الله المستضعفين غير الظالمين لأنفسهم أو المعذورين،و الظلم المذكور هنا لا يتناسب مع الصلاح، و بالتالي فالمستضعف غير الصالح من ناحية الالتزام الديني غير موعود بالوراثة.
و هذا الشرط كما يكون سابقا على الوراثة هو أيضا مقوم لها حيث أن الله لا يحقق هذه الوراثة إلا إذا تحققت في المستضعفين الوارثين قيمة الصلاح على امتداد الخط، و لينصرن الله من ينصره …الَّذينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَ لِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ … و إلا فإذا كان الوارثون سوف يسلكون نفس الطريق السابق للظالمين فلا تتحقق الوراثة.
المقدمة الرابعة: الإمامة و الوراثة:
الآية المذكورة من سورة القصص قرن فيها الله الوراثة بالإمامة ، وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ ،و الإمامة تعني القيادة ، فلا تتحقق وراثة الأرض إلا إذا كان الوارثون قادة و رؤساء ، لا تابعين و مرؤوسين ، يجب أن يكونوا ممن ينفذ إرادته في الأرض لا أن تنفذ عليهم إرادة الغير.
و حين يكون الوارثون هم القادة و المتبوعين تتحقق عبرهم إرادة الله كما ذكر الله عزوجل : وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً ، و هذا الوعد كما هو ظاهر يتضمن بشكل أساسي قيمة الحكم و القدرة و الأمن و السيطرة .
ومن هنا أيضا يمكن فهم تلك الروايات التي فسرت الآية المذكورة من سورة القصص بالأئمة ( حيث أن لا وراثة تكتمل دون وجودهم وحضورهم في صلب المعادلة ،و لأن أي إمامة غير إمامتهم لا يمكن أن تُحقق الوراثة.
المقدمة الخامسة: وراثة بني إسرائيل:
قد يناقش البعض في هذه الآيات ، و إمكانية أن يُفهم منها أنها في وارد الحديث عن سنة إلهية ، بالقول أن هذه الآيات كانت تتحدث عن بني إسرائيل: وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتي بارَكْنا فيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا و قوله عزوجل : في سورة القصص في تبع آية الإرادة الإلهية : وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ . و الجواب من وجوه :
الوجه الأول: أن ورود هذه الآية في هذا المورد لا ينفي عنها العموم لكل الموارد المشابهة، لقاعدة المورد لا يخصص الوارد ، و لأن الله ليس في وارد حكاية القصص و رواية ألأنباء ككتاب تاريخ، بل هو في مقام الإرشاد و الاعتبار ، و بالتالي إذا قلنا أن هذه الآية تختص ببني إسرائيل ، فقد نفينا عن القرآن ميزة الاستمرارية و الدوام .
الوجه الثاني: إن ورود هذه الآية في بني إسرائيل يؤكد على أن الله يتحدث عن سنة ثابتة ، كما جرت على بني إسرائيل تجري على غيرهم ، شبيه ذكر القاعدة متبوعة بالدليل العملي عليها، أو ذكره في ضمنها مما يزيد هذه القاعدة رسوخا و قوة.
الوجه الثالث : لو أننا افترضنا أن عصرا غير ذلك العصر : جرت فيه نفس الظروف فاستضعف قوم كاستضعاف بني إسرائيل ، و وهؤلاء كانت فيهم الشروط التي تؤهلهم للوراثة ، كان هناك ظالمون كفرعون وهامان ، ألا يقوم الله عزوجل بتطبيق نفس الأمر على هؤلاء و هؤلاء؟ إن قلت نعم، فهذا تأكيد على أن الأمر سمة إلهية ستجري ،و إن قلت لا ، نسبت لله ما لا يليق به ، كتخلف المراد عن الإرادة، أو نسبة الجهل له أو اللعب و العياذ بالله…
الوجه الرابع:إن الله عزوجل في سورة القصص استعمل خطاب : ونريد و نجعلهم و نري ، و المضارع له قوة و تشديد و إفادة الدوام والاستمرارية كما هو واضح، و هذا كله يفيد أن القرآن في وارد الحديث عن سنة ثابتة و أكيدة و مستمرة . و خصوصا مع قوله في ألأنبياء: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ . فهذا أمر ذكر في الكتب السماوية كافة، و ليس أمرا تاريخيا و قصصيا.
و منه يتضح أن القول بأن الأرض هنا هي خصوص بيت المقدس كما ذهب جمع من المفسرين ، استفادة من الآية في سورة ألأعراف القائلة وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا الَّتي بارَكْنا فيها وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا ، هذه الآية التي جاءت بعد وعد موسى لهم : قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعينُوا بِاللَّهِ وَ اصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ .. كما أن هذه الآيات لا تصلح مقيدا للفظ الأرض، لإفادتها العموم كما لا يخفى، و لا يمكن تخصيص هذا اللفظ بأي طريقة في آيات الكتاب، أقله لانعدام التبادر خصوصا العربي، و بالأخص عند من نزل عليهم القرآن .
و قد يعرض البعض إشكالا على هذا السياق التفسيري بالقول أن الأرض يقصد منها الجنة ، ففي القرآن عدة آيات تتحدث عن هذا المعنى كقوله : وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُون أو قوله تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا .. و بالطبع لأن هذه الآيات لا تستقيم بمفردها للدلالة على كون المقصود بالأرض هي الجنة فيضم إليها قوله في سورة الزمر : وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلينَ . و لكن يجاب عنه بأن السياق هنا في هذه الآية يوضح أن المراد أرض الجنة ، و بالتالي لا تصلح كقرينة على ما يخلو من مثل هذا السياق.
السنة الإلهية و الإمام المهدي :
حيث أن الله أثبت في كتابه حكا أبديا يقضي باستخلاف المستضعفين المؤمنين في الأرض،يرثونها و يحكمونها ، و يري الله بذلك للظالمين فراعنة العصور كيف ينتصر الحق و يُسقط كل مشاريع الباطل و الاستبداد، فإن هذا الوعد لا بد أن يجد له طريقا في كل زمان و مكان ، و هذا الوعد كم قد يكون آنيا في زمن من ألأزمنة ،و يعود الباطل من ناحية أخرى فيسيطر ، فلا بد أن يكون هناك وعد نهائي لا يسيطر فيه إلا الحق، و يزول الباطل نهائيا،و و إذا بحثنا و نقبنا و فتشنا في التاريخ و الكتب و الروايات ،فلن نجد إلا عصر المهدي المنتظر هو الذي تتحقق فيه هذه السنة الإلهية و الإرادة الربانية.
و الكلام إسلامي قرآني لا يستقيم إلا بهذا الشكل ، لاتفاق المسلمين على فكرة الخلاص الحتمي و العدل الذي يأتي على يدي المهدي من ولد المصطفى محمد7، الذي يمثل الإمامة التي تؤهل المستضعفين لوراثة الأرض
http://www.anwaralhuda.com/forumpic/4_1214202552.gif