شهيدالله
03-11-2009, 10:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين لا تصح الصلاة الواجبة إلا بذكرهم
وتبطل بإضافة غيرهم لهم.. اللهم صل عليهم وعجل فرجهم والعن أعداءهم
السلام عليكم ورحمة الله بركاتة
الخمس
القسم الاول من بحث الشيخ شمس الدين حول الخمس
(واعلموا إن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه. وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، إن كنتم آمنتم بالله، وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قديرا)
تسمى هذه الآية بآية الخمس. في سورة الأنفال.
بعد أن بين الله سبحانه، حكم الغنائم في مطلع هذه السورة المباركة بصورة إجمالية، وإنها لله والرسول.
جاءت الآية المباركة لتبين بالتفصيل، مصارف هذه الغنائم، فقسمتها إلى خمسة أقسام. جعلت أربعة منها للمسلمين، فكان ذلك موجبا لتأثرهم، وندمهم على ما استشعروه من غمط للحقوق، عندما انتزعت الغنائم منهم بادىء ذي بدء. وأدركوا الحكمة السامية من وراء ذلك. وأنها إنما كانت ترمي إلى ما ذكرنا من تصفية نفوسهم من شوائب المادة، ليكون جهادهم لعدوهم، وخروجهم من ديارهم، ذا غرض يسمو على كل القيم المادية الحقيرة، ويخلص لله وإعلاء كلمته في الأرض.
وعندما نراجع كلمات اللغويين في معنى الغنيمة، نجد أنهم ينقسمون في تعريفها إلى فريقين.
فريق يأخذ في مفهومها، عدم بذل جهد أو مشقة(1)، كما في القاموس، حيث يقول في تعريفها "الغنم بالضم، والمغنم والغنيمة، ما يظفر به الإنسان ويناله ويصيبه من غير مشقة"). وفريق آخر، يذهب إلى إطلاق الغنيمة والمغنم، على كل ما يحصل عليه الإنسان من مكاسب وأرباح، من دون تقييده بشيء. وذلك كما في الراغب الأصبهاني حيث يقول "والغنم بالضم فالسكون، إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم " (2).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط للفيروزآبادي مادة غنم.
(2) غريب القرآن مادة غنم. كما يراجع معجم ألفاظ القرآن الكريم الموضوع من قبل مجمع اللغة العربية بالقاهرة. حرف الغين. ومختصر مختار الصحاح لعبد القادر الرازي ، باب الميم ، فصل الغين ، وغيرها .
ومن ذلك يظهر، أن المقصود بالغنيمة في اللغة، هو كل ما يكسبه الإنسان ويربحه من أي طريق كان. بمشقة أو غير مشقة، في حرب أو في سلم، من دون تقييد.
وقد أجمع المفسرون (1)، على أن المراد بالغنيمة في الآية الكريمة بحكم سياقها هو ذلك الذي يظفر به المسلمون بعد قتال الكفار من أموال وسلاح وأسرى. وأنه يجب فيه الخمس لمن ذكرته الآية، ويملك المسلمون الأخماس الأربعة الباقية.
وقد اختلفت كلمات فقهاء الإسلام حول خصوص الحكم الوارد في الآية- وهو وجوب الخصم- فيما ظفر به المسلمون مجتمعين أو منفردين من الكافرين بواسطة القتال والحرب أو أن وجوبه عام في كل ما يربحه المسلم من المشرك أو غيره، في حالتي السلم والحرب؟
ذهب جمهور الفقهاء من الأحناف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلى تخصيص الحكم، وهو وجوب إخراج الخمس، بخصوص الغنائم التي يظفر بها المسلمون من الكفار بعد قتال، مع خلاف بينهم في الأرض المفتوحة عنوة(2).
وذلك بعد أن بنوا على أن الغنيمة مأخوذ في مفهومها أن تكون بعد حرب وقتال.
جاء في الدر المختار ورد المحتار عليه للأحناف "الغنيمة مانيل من الكفار عنوة والحرب قائمة فتخمس وباقيها للغانمين " (3). وجاء في المغني والشرح الكبير للحنابلة "والغنيمة ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار" (4).
وأكثر فقهاء الزيدية(5)، وإن ذهبوا إلى نفس ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ممن ذكرنا من أن الغنيمة، هي كل ما ظفر به المسلمون بقتال من المشركين أو بقهر. ولكنهم في نفس الوقت لم يخصصوا هذا الحكم- وهو وجوب إخراج الخمس بغنائم الحرب ، بل جعلوه فيها في نوعين اخرين (6) :
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير الميزان للطباطبائي 89/9 وتفسير الرازي 164/15 وما بعدها وتفسير المنار لرضا 10/6 وما بعدها.
(2) يراجع البداية والنهاية لابن رشد 1/ 412 وما بعدها. وكفاية الطالب للشاذلي وحاشية العدوي 7/2 وما بعدها. والدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 3/ 229.
(3) لابن عابدين 3/228.
(4) لابن قدامة 7/297 وما بعدها. كما يراجع للمالكية بداية المجتهد لابن رشد 1/ 401 وما بعدها ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وحاشية العلامة العدوي عليه 2/7.
(5) البحر الزخار لابن المرتضى 6/ 406.
(6)نفس المصدر 3\209 وما بعدها .
الأول: ما أخذ من ظاهر البر والبحر أو استخرج من باطنهما.
الثاني: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة.
وأما فقهاء الشيعة (الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية (1)، فقد ذهبوا، إلى أن الخمس واجب في كل فائدة مكتسبة. سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات، أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب أو ما يحصل من حيازة المباحات(2)،
هذا إضافة إلى عدة أمور أخرى هي (3).
1- المعا دن.
2- الكنوز.
3- ما يستخرج من البحر بالغوص.
4- ما يفضل عن مؤونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات.
5- الأرض التي اشتراها الذمي من مسلم.
6- الحلال الذي اختلط بالحرام ولا يعرف مقداره ولا صاحبه.
ونحن نختار ما ذهب إليه فقهاء الشيعة (الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية من أن الخمس يجب في كل فائدة يستفيدها الإنسان في حياته، لا فرق في ذلك بين أن تأتي عن طريق الحرب والقتال مع الكافرين، أولا عن طريق قتال أصلا، من كافر أو غيره. وذلك لعدة أمور:
أولا: لأن لفظ الغنيمة في اللغة، هو مطلق الفائدة والكسب من دون تقييد.
ثانيا: إن هنالك نصوصا كثيرة وردت بطرق متعددة، مبينة بوضوح، موارد وجوب الخمسة وموضوعه. وأنه إضافة إلى مكتسبات الحرب مع الكافرين وكل مكتسب، ما ذكرناه آنفا، من الأمور الستة.
وذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن الخمس فقال: "في الركاز الخمس " والركاز، هو الكنز الدفين، والمعادن.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر 3/ 214.
(2) جواهر الكلام على شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن 147/21.
(3) نفس المصدر 13/16 وما بعدها.
وكذلك ما ورد في الأحاديث الشريفة، من وجوب تخميس كل ما استخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر وغيرهما، إلى آخر تلك الروايات (1).
ثالثا: إن الحكم بوجوب إخراج الخمس في الآية، وإن كان واردا في مورد خاص وهو غنائم بدر، إلا أن المعلوم والمتفق عليه بين العلماء في علم أصول الفقه، أن المورد لا يخصص الوارد بحال.
رابعا: إن الذهاب إلى قصر وجوب إخراج الخمس، على خصوص غنائم دار الحرب، لا ينسجم مع خلود الإسلام وبقائه من ناحية عملية، واستمرار الدولة الإسلامية زمن قيامها، في تحمل الأعباء الضخمة، التي تترتب عليها تجاه الأمة في الداخل والخارج وذلك من وجوه عدة أهمها؟
1- إن الحروب قد أغلقت أكثر أبوابها وانحصرت، وانحسر ظلها، فانحسر بذلك ما قد يترتب عليها، في حال انتصار المسلمين من غنائم.
2- إن نتائج هذه الحروب، ليست مضمونة إلى جانب المسلمين في كثير من الأحيان. بل بالعكس فقد تكون نتائجها في غير صالحهم، فتكون الغنائم من نصيب أعداء الإسلام.
وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة - على القول بالتخصيص - نضوب موارد الدولة الإسلامية، أو تقصيرها عن تغطية أعباء الأمة ومصارفها كما سبق وقلت.
ولذا كان الحكم بعموم وجوب الخمس في كل فائدة يحصل عليها مسلم، كما تقدم عرضه، مع أدلته أنسب للإقتصاد الإسلامي، وأليق بوضع الأمة المسلمة.
الأصناف المستحقة للخمس:
وقد اختلفت كلمات الفقهاء هنا، في كيفية قسمة الخمس، تبعا لاختلاف أنظارهم واجتهاداتهم بالنسبة للأصناف التي تستحقه.
ويمكن حصر هذه الأقوال في قولين رئيسيين:
القول الأول: أنه يقسم على خمسة أسهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع في كل ذلك كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة للحر العاملي، المجلد السادس/ كتاب الخمس، فصل أبواب ما يجب فيه الخمس. وكتاب البحر الزخار لمحمد بن المرتضى وجواهر الأخبار والآثار المطبوع بهامشه لمحمد بن يحيى الصعيدي الجزء3/ 211 وما بعدها.
وقد اختار هذا القول: جمهور الأحناف (1). والشافعي (2).
والحنابلة (3).
وقد جعل أصحاب هذا القول، سهم الله وسهم رسوله (ص) سهما واحدا.
حجة هذا القول:
واحتج من ذهب إلى ذلك بأمرين:
الأول: أنه لما كان من غير المعقول، أن يكون لله نصيب في الخصم، حيث أن الأشياء كلها ملك له سبحانه، فلا بد وأن يحمل قوله تعالى "لله خمسه " على بعض الوجوه (4).
منها: احتمال أن يكون المقصود منه، افتتاح الكلام بذكر
الله على سبيل التعظيم، كما في قوة تعالى: (قل الأتفال لله والرسول).
ومنها: أن إضافة الخمس إلى الله، (تحتمل) أن تكون، باعتبار كونه مصروفا إلى وجوه القرب التي هي لله تبارك وتعالى.
ومنها: احتمال أن يكون لخلوصه لله، بخروجه عن تصرف الغانمين كقوله تعالى: (الملك يومئذ لله).
الثاني: ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال في غنائم خيبر: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم (5).
ولا بد من التنبيه هنا، على أن بعض من يذهب إلى هذا القول الأول، إنما يقول بتقسيم الخمس خمسة أجزاء في حياة النبي (ص). أما بعد وفاته (ص)، فقد ذهب أبو حنيفة ومن تابعه من فقهاء الأحناف (6)، إلى وجوب تقسيمه إلى ثلاثة أقسام فقط. قسم لليتامى، وقسم للمساكين، وقسم لأبناء السبيل. وأسقطوا سهم رسول الله (ص) بسبب موته، وسهم ذوي القربى.
القول الثاني: (7): وهو ما ذهب إليه فقهاء الشيعة الإمامية بالاجماع ، وفقهاء الزيدية ، وطاووس ، وابو العالية.
ـــــــــــــــــ
(1) الدر المختار ورد المحتار عليه لابن عابدين 3/326.
(2) إعانة الطالبين للسيد البكري الدمياطي 2/602.
(3) المغني والشرح الكبير لابن قدامة المقدسي 7/301.
(4) يراجع في ذلك كله بدائع الصنائع للكساني 7/124 وتفسير الرازي 15/ 166.
(5) الرازي في تفسيره 15/165.
(6) يراجع بدائع الصنائع للكساني 7/125 والرازي في تفسيره 15/165.
(7) يراجع جواهر الكلام للشيخ محمد حسن 34/16 وما بعدها. والبحر الزخار لابن المرتضى 22413.
والخمس على رأي هؤلاء، يقسم ستة أقسام لا خمسة ولا أقل ولا أكثر، سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذوي القربى، والثلاثة الباقية للأصناف الثلاثة اليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل.
ونحن نختار في هذه المسألة هذا القول الثاني، وهو وجوب تقسيم الخمس إلى ستة أقسام وذلك لعدة أمور:
الأول: إن الآية الكريمة ظاهرة في أن الخمس يقسم على
ستة لا خمسة ولا أقل. وظاهر القرآن- كما هو مقرر في محله من علم أصول الفقه (1) حجة، لا يصار إلى غيرها إلا بدليل يصرف ذلك الظاهر عما هو ظاهر فيه.
ومن الغريب حقا، أن ابن قدامة المقدسي (2)، يشن حربا شعواء على أبي حنيفة، الذي يقسم الخمس إلى ثلاثة أقسام فقط، متهما إياه بأنه يخالف ظاهر الآية الكريمة، في حين نراه يقع في نفس الخطأ، عندما يقسم الخمس إلى خمسة أقسام مخالفا بذلك هذا الظاهر أيضا.
الثاني: إن ما ذكروه في توجيه الآية الكريمة، ونصوا عليه،
كما بدا ذلك واضحا من كلماتهم التي أوردناها، كتعبيراتهم بلفظ يحتمل في وجه من الوجوه الموردة، ولفظ (احتمال). أن هذه الوجوه، ما هي إلا احتمالات وتخمينات وتكهنات. ومثل هذا محرم في تناول كلمات الله من غير دليل، وقول بغير علم. الثالث: إن كون هذه الوجوه احتمالات، يسقطها عن الدليلية، انسجاما مع القاعدة الأصولية "عند الاحتمال يبطل الاستدلال ".
الرابع: إن الأصل الذي بنوا عليه ما ذهبوا إليه، وهو عدم تعليقهم ملكية الله لجزء من الخمس، باعتبار أن له ملك السماوات والأرض، غريب حقا. إذ كيف يمكننا أن نتصور أن يملك الله السموات والأرض ومن فيهن، وما بينهن، ولا نتصور قابليته لملكية قبضة من المال!؟
ومن الواضح، أن الذي يقول عن الفقهاء، بملكية الله سبحانه لجزء من الخمس، لا يدعي أن الله بحاجة إليه لشراء خبز وحطب وماء وكسوة لأنه تعالى منزه عن هذا كله.:إنما يرى أنه سبحانه، المالك الجوهري والحقيقي، تركه لولي الأمر، الذي هو النبي (ص) والخلفاء من بعده ، ليصرفوه في سبيل اعلاء كلمة الله في الارض ، ولينفقوا فيما
ــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع كفاية الأصول للمحقق الخراساني المطبوع مع حقائق الأصول للسيد محسن الحكيم المجلد الثاني / 83 وما بعدها.
(2) يراجع المغني والشرح الكبير 351\7.
يؤدي إلى هذا السبيل. وعلى هذا يحمل ما ورد في السنة الشريفة، من فعله (ص) عن أبي العالية، حيث "كان يجاء بالغنيمة، فيعزل منها الخمس، ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شيء، جعله للكعبة، فهو الذي سمي لله ".
وليس ذلك، إلا لما قلناه. إذ إن الكعبة من شعائر الله، كالصفا والمروة وغيرهما. وعندئذ يمكننا أن نلغي خصوصية الملكية في هذا الفعل، لنتعدى منها إلى كل ما صح أن يكون شعيرة من شعائر الله، أو إعلاء لشعيرة من شعائره. أو خدمة لمصلحة من مصالح عقيدته.
الخامس: إن ما ذكروه من الأمور الآنفة، كوجوه وتوجيهات لقوله تعالى: (لله خمسه منهم ما هي إلا استحسانات لا يمكن الركون أو المصير إليها، لأن الاستحسان، بناء على تعريفه (1) بأنه إعمال نظر، استنادا إلى انقداحات نفسية لا يمكن التعبير عنها، يجيز لأي شخص أن يفتي بما يراه حسنا في نظره. وعندئذ، يؤول الأمر إلى وجود أحكام متعارضة من دون قيود أو ضوابط. وهذا مما لا يمكن قبوله أو القول به. ولعله لذلك قال الإمام الشافعي "من استحسن فقد شرع " (2).
السادس: إن ما استدلوا به من فعل النبي (ص)، يوم فتح خيبر ،في حديث عن سعيد، من أن النبي (ص) أخذ وبرة من بعير ثم قال لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم. فلا يمكن الاطمئنان إليه، ولا الاستدلال به لعدة وجوه، أ همها:
أولا: عدم ثبوت صحة سند الحديث، بل غموض هذا السند. إذ إنهم يروونه عن شخص مهمل، فيقولون: رواه سعيد (3). فمن هو سعيد هذا يا ترى؟ هل هو سعيد بن المسيب؟ أو سعيد بن جبير؟ أو سعيد آخر غيرهما؟. ومع غموض حال الراوي وعدم وضوح حال سند الرواية، حيث تروى في بعض المصادر (4) مرسلة، فكيف يعمل بها ويركن إليها؟
ثانيا: إن الرواية- مع التنزل عما تقدم- هي مظنونة الصدور ، والاية الكريمة مقطوعة الصدور ، وهي نص
ــــــــــــــــــــــــ
(1) مصادر التشريع فيما لا نص فيه لعبد الوهاب خلاف/ 58.
(2) فلسفة التشريع في الإسلام للأستاذ صبحي المحمصاني / 174.
(3) راجع الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي 7/302.
(4) راجع تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا 18/10.
في أن الخمس يقسم على ستة أسهم فلا يجوزأن نرفع اليد عما هو قطعي بما هو ظني.
ثالثا: على تقدير صحة فعله (ص) يوم خيبر، كما تقول الرواية، يرد احتمال أنه إنما فعل ذلك، في هذه الواقعة بالذات لمصلحة اطلع عليها، وظروف استثنائية أحاطت بها بالخصوص. أو أنه "إنما فعل ذلك، لا باعتباره مبلغا للأحكام الشرعية العامة، وإنما بوصفه ولي الأمر، المسؤول عن تنظيم الحياة للمجتمع، وتوجيهها توجيها لا يتعارض مع المصلحة العامة التي يقدرها". ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.
وعلى ضوء كل ما تقدم، يتضح أن الخمس بمقتضى صريح الآية الكريمة، والسنة الشريفة، إنما يقسم ستة أقسام، لا أقل ولا أكثر.
المستحقون للخمس
وكما وقع الخلاف بين العلماء حول خصوص حكم وجوب الخصم في الغنائم، أو عمومه لكل مكسب كما تقدم، فقد اختلفوا أيضا، في المستحقين لهذا الخمس من الأصناف. والآية الكريمة، ظاهرة- كما اتضح في المسألة السابقة-
في أن الخمس يقسم على ستة أقسام. سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
ومن الواضح، أن سهم الله سبحانه- بعد أن ناقشنا فيما تقدم الرأي القائل بعدم تعقله- هو تلقائيا للنبي (ص) بالوراثة، باعتباره ولي الأمر الذي لا ينازعه منازع ولا يعارضه معارض. وبهذا يجتمع للرسول (ص) سهمان: سهم الله سبحانه، وسهمه هو بنص الآية.
ويؤيد هذا ويشير إليه، ما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: "إن الله لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك. وما كان لله من حق فهو لوليه " (1). والمراد بذي القربى في الآية الكريمة، الإمام المعصوم، باعتباره ولي الأمر بعد الرسول (ص).
وعلى هذا، فالإمام المعصوم من نسل علي وفاطمة (ع)، بلحاظ انحصار قرابة النبي (ص) فيه منهما (ع) يستحق ثلاثة أسم من الستة، سهمين بالوراثة، وهما سهم الله وسهم الرسول. وسهما بالأصالة.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أصول الكافي للشيخ الكليني 1/537.
وقد وردت في ذلك روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) (1).
والذي يؤيد ما ذهبنا إليه، من أن المراد من لفظ "ذي القربى" الوارد في الآية الكريمة هو الإمام المعصوم باعتباره ولي الأمر بعد النبي (ص)، هو وروده بلفظ المفرد.
ومع قطع النظر عن الصيغة التي ورد بها اللفظ في الآية الكريمة، فقد وقع الخلاف بين علماء المسلمين وفقهائهم، حول المراد بذوي القربى بعد إجماعهم على أن المراد بهم بشكل عام، قرابة النبي (ص) وذلك على ثلاثة أقوال(2):
والقول الأول، يعتبر أن قرابة النبي (ص)، هي قريش كلها.
وقد استدلوا له بفعله (ص) يوم نزلت عليه الآية الكريمة (وأنذر عشيرتك الأقربين)(3)
وهذا الرأي مردود من وجهة نظرنا لأمرين:
الأول: أن العشيرة شيء، والقرابة شيء آخر. وبمعنى أوضح مفهوم العشيرة أوسع، إذ قد يكون إنسان من العشيرة ولا يكون قرابة.
الثاني: ما أخرجه الطبراني وابن مردويه، عن أبي أمامة، قال: لما نزلت، (وأنذر عشيرتك الأقربين). جمع رسول الله بني هاشم، فأجلسهم على الباب، وجمع نساءه وأهله، فأجلسهم في البيت. إلخ الرواية (4).
والذي يبدو لي، أنه منسجم مع منطوق الآية الكريمة، أن المراد بالأقربين الفئة القريبة من حيث سهولة المخاطبة والتلاقي، في مقابل الأبعدين من حيث المكان، والذين لا يتيسر اللقاء معهم، ولا يمكن مخاطبتهم.
القول الثاني ودليله: وهذا القول، هو عبارة عن تفسير قرابة النبي (ص) ببني هاشم وبني المطلب. حيث اختاره الشافعي، وأحمد، وقتادة، وأبو ثور، وغيرهم.
واستدلوا له، بما ورد عن رسول الله (ص)، من أنه قسم سهم ذوي القربى بين هذين الصنفين، بني هاشم وبني المطلب. وقال عندما طالبه البعض من بنى عبد شمس وبني نوفل في ذلك، ولم حرمهم، مع أنهم وهم بمنزلة واحدة: "لم يفارقوني في جاهلية ولا اسلام ، وانما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد ، وشبك بين اصابعه " (5)
ــــــــــــــــــــــــ
والاستدلال بهذه الرواية لهذا القول مردود، إذ إن إعطاءه ((1) راجع وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة للشيخ الحر العاملي باب من أبواب قسمة الخمس.
(2) وراجع تفسير القرطبي 8/ 12.
(3) الشعراء/ 214.
(4) راجع تفسير الميزان للطباطبائي 15/334.
(5)انظر : تفسير ابن كثير 2\213 .
__________________________________________________ _________
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين لا تصح الصلاة الواجبة إلا بذكرهم
وتبطل بإضافة غيرهم لهم.. اللهم صل عليهم وعجل فرجهم والعن أعداءهم
السلام عليكم ورحمة الله بركاتة
الخمس
القسم الاول من بحث الشيخ شمس الدين حول الخمس
(واعلموا إن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه. وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل، إن كنتم آمنتم بالله، وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قديرا)
تسمى هذه الآية بآية الخمس. في سورة الأنفال.
بعد أن بين الله سبحانه، حكم الغنائم في مطلع هذه السورة المباركة بصورة إجمالية، وإنها لله والرسول.
جاءت الآية المباركة لتبين بالتفصيل، مصارف هذه الغنائم، فقسمتها إلى خمسة أقسام. جعلت أربعة منها للمسلمين، فكان ذلك موجبا لتأثرهم، وندمهم على ما استشعروه من غمط للحقوق، عندما انتزعت الغنائم منهم بادىء ذي بدء. وأدركوا الحكمة السامية من وراء ذلك. وأنها إنما كانت ترمي إلى ما ذكرنا من تصفية نفوسهم من شوائب المادة، ليكون جهادهم لعدوهم، وخروجهم من ديارهم، ذا غرض يسمو على كل القيم المادية الحقيرة، ويخلص لله وإعلاء كلمته في الأرض.
وعندما نراجع كلمات اللغويين في معنى الغنيمة، نجد أنهم ينقسمون في تعريفها إلى فريقين.
فريق يأخذ في مفهومها، عدم بذل جهد أو مشقة(1)، كما في القاموس، حيث يقول في تعريفها "الغنم بالضم، والمغنم والغنيمة، ما يظفر به الإنسان ويناله ويصيبه من غير مشقة"). وفريق آخر، يذهب إلى إطلاق الغنيمة والمغنم، على كل ما يحصل عليه الإنسان من مكاسب وأرباح، من دون تقييده بشيء. وذلك كما في الراغب الأصبهاني حيث يقول "والغنم بالضم فالسكون، إصابته والظفر به، ثم استعمل في كل مظفور به من جهة العدى وغيرهم " (2).
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) القاموس المحيط للفيروزآبادي مادة غنم.
(2) غريب القرآن مادة غنم. كما يراجع معجم ألفاظ القرآن الكريم الموضوع من قبل مجمع اللغة العربية بالقاهرة. حرف الغين. ومختصر مختار الصحاح لعبد القادر الرازي ، باب الميم ، فصل الغين ، وغيرها .
ومن ذلك يظهر، أن المقصود بالغنيمة في اللغة، هو كل ما يكسبه الإنسان ويربحه من أي طريق كان. بمشقة أو غير مشقة، في حرب أو في سلم، من دون تقييد.
وقد أجمع المفسرون (1)، على أن المراد بالغنيمة في الآية الكريمة بحكم سياقها هو ذلك الذي يظفر به المسلمون بعد قتال الكفار من أموال وسلاح وأسرى. وأنه يجب فيه الخمس لمن ذكرته الآية، ويملك المسلمون الأخماس الأربعة الباقية.
وقد اختلفت كلمات فقهاء الإسلام حول خصوص الحكم الوارد في الآية- وهو وجوب الخصم- فيما ظفر به المسلمون مجتمعين أو منفردين من الكافرين بواسطة القتال والحرب أو أن وجوبه عام في كل ما يربحه المسلم من المشرك أو غيره، في حالتي السلم والحرب؟
ذهب جمهور الفقهاء من الأحناف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، إلى تخصيص الحكم، وهو وجوب إخراج الخمس، بخصوص الغنائم التي يظفر بها المسلمون من الكفار بعد قتال، مع خلاف بينهم في الأرض المفتوحة عنوة(2).
وذلك بعد أن بنوا على أن الغنيمة مأخوذ في مفهومها أن تكون بعد حرب وقتال.
جاء في الدر المختار ورد المحتار عليه للأحناف "الغنيمة مانيل من الكفار عنوة والحرب قائمة فتخمس وباقيها للغانمين " (3). وجاء في المغني والشرح الكبير للحنابلة "والغنيمة ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار" (4).
وأكثر فقهاء الزيدية(5)، وإن ذهبوا إلى نفس ما ذهب إليه جمهور الفقهاء ممن ذكرنا من أن الغنيمة، هي كل ما ظفر به المسلمون بقتال من المشركين أو بقهر. ولكنهم في نفس الوقت لم يخصصوا هذا الحكم- وهو وجوب إخراج الخمس بغنائم الحرب ، بل جعلوه فيها في نوعين اخرين (6) :
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير الميزان للطباطبائي 89/9 وتفسير الرازي 164/15 وما بعدها وتفسير المنار لرضا 10/6 وما بعدها.
(2) يراجع البداية والنهاية لابن رشد 1/ 412 وما بعدها. وكفاية الطالب للشاذلي وحاشية العدوي 7/2 وما بعدها. والدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 3/ 229.
(3) لابن عابدين 3/228.
(4) لابن قدامة 7/297 وما بعدها. كما يراجع للمالكية بداية المجتهد لابن رشد 1/ 401 وما بعدها ورسالة ابن أبي زيد القيرواني وحاشية العلامة العدوي عليه 2/7.
(5) البحر الزخار لابن المرتضى 6/ 406.
(6)نفس المصدر 3\209 وما بعدها .
الأول: ما أخذ من ظاهر البر والبحر أو استخرج من باطنهما.
الثاني: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة.
وأما فقهاء الشيعة (الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية (1)، فقد ذهبوا، إلى أن الخمس واجب في كل فائدة مكتسبة. سواء اكتسبت برأس مال كأرباح التجارات، أو بغيره كما يستفاد من دار الحرب أو ما يحصل من حيازة المباحات(2)،
هذا إضافة إلى عدة أمور أخرى هي (3).
1- المعا دن.
2- الكنوز.
3- ما يستخرج من البحر بالغوص.
4- ما يفضل عن مؤونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات.
5- الأرض التي اشتراها الذمي من مسلم.
6- الحلال الذي اختلط بالحرام ولا يعرف مقداره ولا صاحبه.
ونحن نختار ما ذهب إليه فقهاء الشيعة (الإمامية) وبعض فقهاء الزيدية من أن الخمس يجب في كل فائدة يستفيدها الإنسان في حياته، لا فرق في ذلك بين أن تأتي عن طريق الحرب والقتال مع الكافرين، أولا عن طريق قتال أصلا، من كافر أو غيره. وذلك لعدة أمور:
أولا: لأن لفظ الغنيمة في اللغة، هو مطلق الفائدة والكسب من دون تقييد.
ثانيا: إن هنالك نصوصا كثيرة وردت بطرق متعددة، مبينة بوضوح، موارد وجوب الخمسة وموضوعه. وأنه إضافة إلى مكتسبات الحرب مع الكافرين وكل مكتسب، ما ذكرناه آنفا، من الأمور الستة.
وذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما سئل عن الخمس فقال: "في الركاز الخمس " والركاز، هو الكنز الدفين، والمعادن.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر 3/ 214.
(2) جواهر الكلام على شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن 147/21.
(3) نفس المصدر 13/16 وما بعدها.
وكذلك ما ورد في الأحاديث الشريفة، من وجوب تخميس كل ما استخرج من البحر كاللؤلؤ والعنبر وغيرهما، إلى آخر تلك الروايات (1).
ثالثا: إن الحكم بوجوب إخراج الخمس في الآية، وإن كان واردا في مورد خاص وهو غنائم بدر، إلا أن المعلوم والمتفق عليه بين العلماء في علم أصول الفقه، أن المورد لا يخصص الوارد بحال.
رابعا: إن الذهاب إلى قصر وجوب إخراج الخمس، على خصوص غنائم دار الحرب، لا ينسجم مع خلود الإسلام وبقائه من ناحية عملية، واستمرار الدولة الإسلامية زمن قيامها، في تحمل الأعباء الضخمة، التي تترتب عليها تجاه الأمة في الداخل والخارج وذلك من وجوه عدة أهمها؟
1- إن الحروب قد أغلقت أكثر أبوابها وانحصرت، وانحسر ظلها، فانحسر بذلك ما قد يترتب عليها، في حال انتصار المسلمين من غنائم.
2- إن نتائج هذه الحروب، ليست مضمونة إلى جانب المسلمين في كثير من الأحيان. بل بالعكس فقد تكون نتائجها في غير صالحهم، فتكون الغنائم من نصيب أعداء الإسلام.
وفي كلتا الحالتين، تكون النتيجة - على القول بالتخصيص - نضوب موارد الدولة الإسلامية، أو تقصيرها عن تغطية أعباء الأمة ومصارفها كما سبق وقلت.
ولذا كان الحكم بعموم وجوب الخمس في كل فائدة يحصل عليها مسلم، كما تقدم عرضه، مع أدلته أنسب للإقتصاد الإسلامي، وأليق بوضع الأمة المسلمة.
الأصناف المستحقة للخمس:
وقد اختلفت كلمات الفقهاء هنا، في كيفية قسمة الخمس، تبعا لاختلاف أنظارهم واجتهاداتهم بالنسبة للأصناف التي تستحقه.
ويمكن حصر هذه الأقوال في قولين رئيسيين:
القول الأول: أنه يقسم على خمسة أسهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع في كل ذلك كتاب وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة للحر العاملي، المجلد السادس/ كتاب الخمس، فصل أبواب ما يجب فيه الخمس. وكتاب البحر الزخار لمحمد بن المرتضى وجواهر الأخبار والآثار المطبوع بهامشه لمحمد بن يحيى الصعيدي الجزء3/ 211 وما بعدها.
وقد اختار هذا القول: جمهور الأحناف (1). والشافعي (2).
والحنابلة (3).
وقد جعل أصحاب هذا القول، سهم الله وسهم رسوله (ص) سهما واحدا.
حجة هذا القول:
واحتج من ذهب إلى ذلك بأمرين:
الأول: أنه لما كان من غير المعقول، أن يكون لله نصيب في الخصم، حيث أن الأشياء كلها ملك له سبحانه، فلا بد وأن يحمل قوله تعالى "لله خمسه " على بعض الوجوه (4).
منها: احتمال أن يكون المقصود منه، افتتاح الكلام بذكر
الله على سبيل التعظيم، كما في قوة تعالى: (قل الأتفال لله والرسول).
ومنها: أن إضافة الخمس إلى الله، (تحتمل) أن تكون، باعتبار كونه مصروفا إلى وجوه القرب التي هي لله تبارك وتعالى.
ومنها: احتمال أن يكون لخلوصه لله، بخروجه عن تصرف الغانمين كقوله تعالى: (الملك يومئذ لله).
الثاني: ما روي عن رسول الله (ص) أنه قال في غنائم خيبر: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم (5).
ولا بد من التنبيه هنا، على أن بعض من يذهب إلى هذا القول الأول، إنما يقول بتقسيم الخمس خمسة أجزاء في حياة النبي (ص). أما بعد وفاته (ص)، فقد ذهب أبو حنيفة ومن تابعه من فقهاء الأحناف (6)، إلى وجوب تقسيمه إلى ثلاثة أقسام فقط. قسم لليتامى، وقسم للمساكين، وقسم لأبناء السبيل. وأسقطوا سهم رسول الله (ص) بسبب موته، وسهم ذوي القربى.
القول الثاني: (7): وهو ما ذهب إليه فقهاء الشيعة الإمامية بالاجماع ، وفقهاء الزيدية ، وطاووس ، وابو العالية.
ـــــــــــــــــ
(1) الدر المختار ورد المحتار عليه لابن عابدين 3/326.
(2) إعانة الطالبين للسيد البكري الدمياطي 2/602.
(3) المغني والشرح الكبير لابن قدامة المقدسي 7/301.
(4) يراجع في ذلك كله بدائع الصنائع للكساني 7/124 وتفسير الرازي 15/ 166.
(5) الرازي في تفسيره 15/165.
(6) يراجع بدائع الصنائع للكساني 7/125 والرازي في تفسيره 15/165.
(7) يراجع جواهر الكلام للشيخ محمد حسن 34/16 وما بعدها. والبحر الزخار لابن المرتضى 22413.
والخمس على رأي هؤلاء، يقسم ستة أقسام لا خمسة ولا أقل ولا أكثر، سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذوي القربى، والثلاثة الباقية للأصناف الثلاثة اليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل.
ونحن نختار في هذه المسألة هذا القول الثاني، وهو وجوب تقسيم الخمس إلى ستة أقسام وذلك لعدة أمور:
الأول: إن الآية الكريمة ظاهرة في أن الخمس يقسم على
ستة لا خمسة ولا أقل. وظاهر القرآن- كما هو مقرر في محله من علم أصول الفقه (1) حجة، لا يصار إلى غيرها إلا بدليل يصرف ذلك الظاهر عما هو ظاهر فيه.
ومن الغريب حقا، أن ابن قدامة المقدسي (2)، يشن حربا شعواء على أبي حنيفة، الذي يقسم الخمس إلى ثلاثة أقسام فقط، متهما إياه بأنه يخالف ظاهر الآية الكريمة، في حين نراه يقع في نفس الخطأ، عندما يقسم الخمس إلى خمسة أقسام مخالفا بذلك هذا الظاهر أيضا.
الثاني: إن ما ذكروه في توجيه الآية الكريمة، ونصوا عليه،
كما بدا ذلك واضحا من كلماتهم التي أوردناها، كتعبيراتهم بلفظ يحتمل في وجه من الوجوه الموردة، ولفظ (احتمال). أن هذه الوجوه، ما هي إلا احتمالات وتخمينات وتكهنات. ومثل هذا محرم في تناول كلمات الله من غير دليل، وقول بغير علم. الثالث: إن كون هذه الوجوه احتمالات، يسقطها عن الدليلية، انسجاما مع القاعدة الأصولية "عند الاحتمال يبطل الاستدلال ".
الرابع: إن الأصل الذي بنوا عليه ما ذهبوا إليه، وهو عدم تعليقهم ملكية الله لجزء من الخمس، باعتبار أن له ملك السماوات والأرض، غريب حقا. إذ كيف يمكننا أن نتصور أن يملك الله السموات والأرض ومن فيهن، وما بينهن، ولا نتصور قابليته لملكية قبضة من المال!؟
ومن الواضح، أن الذي يقول عن الفقهاء، بملكية الله سبحانه لجزء من الخمس، لا يدعي أن الله بحاجة إليه لشراء خبز وحطب وماء وكسوة لأنه تعالى منزه عن هذا كله.:إنما يرى أنه سبحانه، المالك الجوهري والحقيقي، تركه لولي الأمر، الذي هو النبي (ص) والخلفاء من بعده ، ليصرفوه في سبيل اعلاء كلمة الله في الارض ، ولينفقوا فيما
ــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع كفاية الأصول للمحقق الخراساني المطبوع مع حقائق الأصول للسيد محسن الحكيم المجلد الثاني / 83 وما بعدها.
(2) يراجع المغني والشرح الكبير 351\7.
يؤدي إلى هذا السبيل. وعلى هذا يحمل ما ورد في السنة الشريفة، من فعله (ص) عن أبي العالية، حيث "كان يجاء بالغنيمة، فيعزل منها الخمس، ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله، فما قبض عليه من شيء، جعله للكعبة، فهو الذي سمي لله ".
وليس ذلك، إلا لما قلناه. إذ إن الكعبة من شعائر الله، كالصفا والمروة وغيرهما. وعندئذ يمكننا أن نلغي خصوصية الملكية في هذا الفعل، لنتعدى منها إلى كل ما صح أن يكون شعيرة من شعائر الله، أو إعلاء لشعيرة من شعائره. أو خدمة لمصلحة من مصالح عقيدته.
الخامس: إن ما ذكروه من الأمور الآنفة، كوجوه وتوجيهات لقوله تعالى: (لله خمسه منهم ما هي إلا استحسانات لا يمكن الركون أو المصير إليها، لأن الاستحسان، بناء على تعريفه (1) بأنه إعمال نظر، استنادا إلى انقداحات نفسية لا يمكن التعبير عنها، يجيز لأي شخص أن يفتي بما يراه حسنا في نظره. وعندئذ، يؤول الأمر إلى وجود أحكام متعارضة من دون قيود أو ضوابط. وهذا مما لا يمكن قبوله أو القول به. ولعله لذلك قال الإمام الشافعي "من استحسن فقد شرع " (2).
السادس: إن ما استدلوا به من فعل النبي (ص)، يوم فتح خيبر ،في حديث عن سعيد، من أن النبي (ص) أخذ وبرة من بعير ثم قال لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم. فلا يمكن الاطمئنان إليه، ولا الاستدلال به لعدة وجوه، أ همها:
أولا: عدم ثبوت صحة سند الحديث، بل غموض هذا السند. إذ إنهم يروونه عن شخص مهمل، فيقولون: رواه سعيد (3). فمن هو سعيد هذا يا ترى؟ هل هو سعيد بن المسيب؟ أو سعيد بن جبير؟ أو سعيد آخر غيرهما؟. ومع غموض حال الراوي وعدم وضوح حال سند الرواية، حيث تروى في بعض المصادر (4) مرسلة، فكيف يعمل بها ويركن إليها؟
ثانيا: إن الرواية- مع التنزل عما تقدم- هي مظنونة الصدور ، والاية الكريمة مقطوعة الصدور ، وهي نص
ــــــــــــــــــــــــ
(1) مصادر التشريع فيما لا نص فيه لعبد الوهاب خلاف/ 58.
(2) فلسفة التشريع في الإسلام للأستاذ صبحي المحمصاني / 174.
(3) راجع الشرح الكبير المطبوع مع المغني لابن قدامة المقدسي الحنبلي 7/302.
(4) راجع تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا 18/10.
في أن الخمس يقسم على ستة أسهم فلا يجوزأن نرفع اليد عما هو قطعي بما هو ظني.
ثالثا: على تقدير صحة فعله (ص) يوم خيبر، كما تقول الرواية، يرد احتمال أنه إنما فعل ذلك، في هذه الواقعة بالذات لمصلحة اطلع عليها، وظروف استثنائية أحاطت بها بالخصوص. أو أنه "إنما فعل ذلك، لا باعتباره مبلغا للأحكام الشرعية العامة، وإنما بوصفه ولي الأمر، المسؤول عن تنظيم الحياة للمجتمع، وتوجيهها توجيها لا يتعارض مع المصلحة العامة التي يقدرها". ومع الاحتمال يبطل الاستدلال.
وعلى ضوء كل ما تقدم، يتضح أن الخمس بمقتضى صريح الآية الكريمة، والسنة الشريفة، إنما يقسم ستة أقسام، لا أقل ولا أكثر.
المستحقون للخمس
وكما وقع الخلاف بين العلماء حول خصوص حكم وجوب الخصم في الغنائم، أو عمومه لكل مكسب كما تقدم، فقد اختلفوا أيضا، في المستحقين لهذا الخمس من الأصناف. والآية الكريمة، ظاهرة- كما اتضح في المسألة السابقة-
في أن الخمس يقسم على ستة أقسام. سهم لله، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
ومن الواضح، أن سهم الله سبحانه- بعد أن ناقشنا فيما تقدم الرأي القائل بعدم تعقله- هو تلقائيا للنبي (ص) بالوراثة، باعتباره ولي الأمر الذي لا ينازعه منازع ولا يعارضه معارض. وبهذا يجتمع للرسول (ص) سهمان: سهم الله سبحانه، وسهمه هو بنص الآية.
ويؤيد هذا ويشير إليه، ما ورد عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: "إن الله لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك. وما كان لله من حق فهو لوليه " (1). والمراد بذي القربى في الآية الكريمة، الإمام المعصوم، باعتباره ولي الأمر بعد الرسول (ص).
وعلى هذا، فالإمام المعصوم من نسل علي وفاطمة (ع)، بلحاظ انحصار قرابة النبي (ص) فيه منهما (ع) يستحق ثلاثة أسم من الستة، سهمين بالوراثة، وهما سهم الله وسهم الرسول. وسهما بالأصالة.
ــــــــــــــــــــــــ
(1) أصول الكافي للشيخ الكليني 1/537.
وقد وردت في ذلك روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) (1).
والذي يؤيد ما ذهبنا إليه، من أن المراد من لفظ "ذي القربى" الوارد في الآية الكريمة هو الإمام المعصوم باعتباره ولي الأمر بعد النبي (ص)، هو وروده بلفظ المفرد.
ومع قطع النظر عن الصيغة التي ورد بها اللفظ في الآية الكريمة، فقد وقع الخلاف بين علماء المسلمين وفقهائهم، حول المراد بذوي القربى بعد إجماعهم على أن المراد بهم بشكل عام، قرابة النبي (ص) وذلك على ثلاثة أقوال(2):
والقول الأول، يعتبر أن قرابة النبي (ص)، هي قريش كلها.
وقد استدلوا له بفعله (ص) يوم نزلت عليه الآية الكريمة (وأنذر عشيرتك الأقربين)(3)
وهذا الرأي مردود من وجهة نظرنا لأمرين:
الأول: أن العشيرة شيء، والقرابة شيء آخر. وبمعنى أوضح مفهوم العشيرة أوسع، إذ قد يكون إنسان من العشيرة ولا يكون قرابة.
الثاني: ما أخرجه الطبراني وابن مردويه، عن أبي أمامة، قال: لما نزلت، (وأنذر عشيرتك الأقربين). جمع رسول الله بني هاشم، فأجلسهم على الباب، وجمع نساءه وأهله، فأجلسهم في البيت. إلخ الرواية (4).
والذي يبدو لي، أنه منسجم مع منطوق الآية الكريمة، أن المراد بالأقربين الفئة القريبة من حيث سهولة المخاطبة والتلاقي، في مقابل الأبعدين من حيث المكان، والذين لا يتيسر اللقاء معهم، ولا يمكن مخاطبتهم.
القول الثاني ودليله: وهذا القول، هو عبارة عن تفسير قرابة النبي (ص) ببني هاشم وبني المطلب. حيث اختاره الشافعي، وأحمد، وقتادة، وأبو ثور، وغيرهم.
واستدلوا له، بما ورد عن رسول الله (ص)، من أنه قسم سهم ذوي القربى بين هذين الصنفين، بني هاشم وبني المطلب. وقال عندما طالبه البعض من بنى عبد شمس وبني نوفل في ذلك، ولم حرمهم، مع أنهم وهم بمنزلة واحدة: "لم يفارقوني في جاهلية ولا اسلام ، وانما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد ، وشبك بين اصابعه " (5)
ــــــــــــــــــــــــ
والاستدلال بهذه الرواية لهذا القول مردود، إذ إن إعطاءه ((1) راجع وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة للشيخ الحر العاملي باب من أبواب قسمة الخمس.
(2) وراجع تفسير القرطبي 8/ 12.
(3) الشعراء/ 214.
(4) راجع تفسير الميزان للطباطبائي 15/334.
(5)انظر : تفسير ابن كثير 2\213 .
__________________________________________________ _________