العاملي الحقيقي
07-11-2009, 02:31 AM
الحسد: وحشٌ متربص على القمّة !!
إن المستعرض لقصص أصحاب النهايات السيئة ممن كان لهم باع طويل في العبادة،والوصول إلى المقامات العليا، سيجد أنهم يشتركون في صفة واحدة هي التي أطاحت بمقاماتهم، وحفرت لهم تلك الهاوية التي سقطوا فيها، ولم يغن عنهم حينئذ طول العبادة أو كيفيتها. تلك الصفة القاتلة الماحقة هي الحسد، فهو مهلك الكبار، وهو محطم الواصلين، وهو الوحش المتربص على القمّة، ينتظر الفائزين بالمقامات العلية، كي يسقطهم من جديد، هو آفة العلماء ووباء المجتهدين.
وأجلى مثال على ذلك هو إبليس اللعين، الذي عبد الله ستة آلاف سنة كما نصّت بعض الروايات، ووصل إلى مقام عالٍ خوّله أن يكون بين الملائكة في الملأ الأعلى، حيث عالم الملكوت، حتى أن بعض الروايات ذكرت أنه كان واعظا للملائكة، وبعضها وصفته بأنه طاووس الملائكة. والقرآن الكريم أثبت معيته للملائكة، في آيات كثيرة تعرضت لواقعة السجود لآدم عليه السلام. فما الذي حوّل هذا الموجود الذي قضى دهرا طويلا في مقام عال من القرب الإلهي إلى مطرود رجيم، وظيفته إبعاد الناس عن ربهم، وأخذهم إلى الويل والثبور؟! إنه الحسد، حسده لآدم هو الوحش الذي تربص به على قمته تلك، ثم ما لبث أن أسقطه إلى أحضّ الحضيض، حين أتيحت الفرصة له، وذلك حين خلق الله تعالى آدم من طين لازب، وأمر الملائكة بما فيهم إبليس أن بسجدوا له، فكان اختبارا صعبا لمن هم مخلوقون من نور ومن نار أن يسجدوا لمخلوق ظاهره الحقارة في أصل المنشأ، وإن كان جوهره النور المحض. نجح الملائكة في الاختبار، لأنهم ببساطة مركبون من العقل وحسب، ولا تخالطهم الغزائز ولا الطبائع التي تقف مقابل التعقل ووضع الأمور في نصابها الصحيح. لكن إبليس الذي تخالطه تلك الطبائع، ولديه القابلية لذلك، فقد افترسه الحسد الشديد لآدم، واضعا نصب عينيه حقارة المنشأ لخصمه من جهة، وطول عبادته ورفعة مقامه هو من جهة أخرى، حتى نسج ذلك الحسد غشاوة على عينيه وقلبه، فتجاهل أن الآمر هو الله الرب ذاته الذي عبده من قبل، وليس هو آدم المخلوق الجديد المهين كما يراه. فأبى السجود واستكبر، وجادل ربه، وعاند، وهدّد وتوعّد، وتكشفت خبايا نفسه الحبيثة جلية، كما لم تتكشف من قبل، وكان لا بد للعدل الإلهي أن يكشف ذلك عنده، مع الالتفات إلى أن الله لم يعنته ولم يطلب منه الكثير قياسا بنعمه تعالى عليه، بل إن من أبسط مظاهر العبودية والخضوع للمعبود والتسليم له، هو أن تطيعه فيما يحب هو لا فيما تحب أنتَ. وإبليس لم يرد أن يطيع الله فيما يحب الله، بل فيما يحب هو ويريد، وهواه كان في عدم السجود لآدم، والله تعالى يريده أن يسجد لآدم، لا عبثا، حاشا، بل إن آدم استحق ذلك السجود لأن الله أمر أولا، ولأن آدم كان يحمل في صلبه محمدا وآل محمد جواهر علمها الله تعالى، وعلم قدر آدم بها. فكان إبليس أول الساقطين، وما أسقطه إلا الحسد.
مثال آخر من أمثلة الحسد الذي أسقط من كان تبوأ مكانا عليّاً، ومقاما رفيعا في سلم الدرجات الإلهية، بيد أن العبادة كانت عنده مستودعا وليست مستقرا، ذلك هو بلعام بن عابوراء ذلك الرجل الإسرائيلي من قوم موسى، الذي آتاه الله الآيات والمقام الرفيع، إلى المستوى الذي يجعله مخولاً لحمل اسم الله الأعظم، كما جاء في بعض الروايات. وما أسقطه إلا حسد كان في خبايا نفسه لموسى كليم الله عليه السلام. ذلك الحسد الذي حركته فئة منحرفة في بني إسرائيل، وربما كان راقدا، فنما ونما حتى أستحال وحشاً ضاريا، أسقط بلعام من أعلى القمة إلى أسفل سافلين، إلى درجة الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، في قصة مفصلة يمكن الرجوع إليها في كتب التفسير عند تناول الآيات: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها , فأتبعه الشيطان , فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها , ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه , فمثله كمثل الكلب . . إن تحمل عليه يلهث , أو تتركه يلهث . . ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون . ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوايظلمون ". إذن هذا ساقط ثان في الحضيض، وما أسقطه إلا حسده الذي ملك عليه نفسه وعقله، وجعله يمشي على غير هدى، فكانت الهاوية مصيره.
والأمثلة على الحسد القاتل المسقط للكبار كثيرة جدا بكثرة الناس وكثرة العصور وكثرة اختبار الله لعباده، ولايمكننا أن نتناول هذا الموضوع ولا نتطرق إلى حُسّاد آل بيت محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فآل بيت النبوة هم الناس المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، كما أقسم على ذلك الإمام الحسن المجتبى في معرض تعليقه على آية: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .." فقد آتاهم الله تعالى ما لم يؤت أحدا قبلهم من ذراري الأنبياء والمرسلين، فهم سادة الأوصياء، وهم الأنوار المحدقة بعرش الرحمن، وهم سفينة النجاة، وهم معدن العلم والرحمة ومختلف الملائكة، ومصابيح الدجى، وهم خزان علم رسول الله، وهم أهل الحسب والنسب والطهارة والقربى من خاتم المرسلين وأشرف الكائنات، وهم أكثر الناس عبادة وتقى وزهدا وحكمة وفصاحة وشجاعة وحِلماً وامانة وصدقا وكرما وسخاء ورحمة، وغيرها الكثير من المقامات التي يعجز العادون عن إحصائها، وهم فوق ذلك الأئمة المفروضة طاعتهم، ومودتهم، وموالاتهم، فهم السادة المنصوبون رؤساء على الناس، لمصلحة الناس، ولنجاة الناس.
فكان مُتوقعا أن يحسدهم الحاسدون، أشباه إبليس وبلعام، وأن تمتلئ الصدور عليهم حنقا وبغضاً، فكيف وسيف أبيهم عليّ يقطر حده من دماء أقربائهم من الكفار أعداء الله، فاختلط الحسد بالإحن، والحقد والبغضاء، ناسجا غشاوة ما بعدها غشاوة على القلوب والأبصار والأسماع، ضاربين بعرض الحائط كل ما قد تنزل من لدن حكيم عليم بحق علي وأبنائه المعصومين، وبكل ما نطق به سيد المرسلين بحقهم وفضلهم ووجوب توليهم وطاعتهم، وناكثة لعهد قريب ما زالت الأكف ندية به، والأفواه رغية منه.
وما هو إلا أن لحق الخاتم بالرفيق الأعلى، حتى زمجر ذلك الحسد في صدورهم وانقض انقضاض السباع على فرائسها، فكان إقصاء علي عن ما رتبه الله له، ومحاولة قتله، ومداهمة بيت الزهراء ومنعها إرثها، ثم تجييشهم للجيوش ضد أمير المؤمنين علي في ثلاث من المعارك الطاحنة، التي لم ترو أنهار الدماء التي سالت منها ظمأ حسدهم، وبقيت لظى الحسد متأججة في صدورهم تجاه هذا البيت النبوي الطاهر، فكان ماكان على المجتبى، ثم ما جرى على الحسين المظلوم في كربلاء، مما انعدم نظيره في حياة الأولين والآخرين، فكانت أعظم مأساة وفاجعة شهدتها الدنيا. ولم يُرو حسدهم ، فلاحقوا الأئمة الواحد تلو الآخر، وما بعثوهم إلى مراقدهم إلا والسمّ في أحشائهم، بعد طويل تضييق وحصار، وعظيم قهر وأذى وتكذيب وتأليب للناس عليهم عالمهم وجاهلهم، إلى أن انتهى الأمر ببقية الله الباقية، المُدّخر لإقامة الأمت والعوج، حيث غيّبه الرب تعالى لحكمة اقتضاها، ولاحقه الحسد غائبا غير ظاهر، بالإنكار والتشويه، والتقليل والتجاهل، والاستهزاء والاستهتار به وبشيعته المنتظرين الصابرين.
فما الذي أسقط كثيرا من الإنس والجن على مر العصور من لدن آدم مرورا بخاتم الرسل إلى عصر الناس هذا، إنه الحسد ذلك المفترس القاتل الخفي، المتربص للواصلين المجتهدين على قمم نجاحاتهم وإنجازاتهم، فيطعنهم بتلك النجاحات، بل يطعن إنجازاتهم بإنجازاتهم، ويلفها حبلا حول رقابهم، يسحبهم به إلى الهاوية السحيقة، فيجعلهم بغرورهم ذلك غافلين عن العبودية الحقة التي هي أن تعبد الله كما يحب المعبود لا كما يحب العابد، فيكرهون ما أنزل الله تعالى فيحبط أعمالهم، ولهم عذاب أليم، هم ومن تبعهم من الهمج الرعاع، فيكبكبوا جميعا في النارهم والغاوون. نغوذ بالله ربنا من الحسد وموجباته، ونسأله تعالى الحب والبغض فيه، وتولي أوليائه، والتبرّؤ من أعدائه.
إن المستعرض لقصص أصحاب النهايات السيئة ممن كان لهم باع طويل في العبادة،والوصول إلى المقامات العليا، سيجد أنهم يشتركون في صفة واحدة هي التي أطاحت بمقاماتهم، وحفرت لهم تلك الهاوية التي سقطوا فيها، ولم يغن عنهم حينئذ طول العبادة أو كيفيتها. تلك الصفة القاتلة الماحقة هي الحسد، فهو مهلك الكبار، وهو محطم الواصلين، وهو الوحش المتربص على القمّة، ينتظر الفائزين بالمقامات العلية، كي يسقطهم من جديد، هو آفة العلماء ووباء المجتهدين.
وأجلى مثال على ذلك هو إبليس اللعين، الذي عبد الله ستة آلاف سنة كما نصّت بعض الروايات، ووصل إلى مقام عالٍ خوّله أن يكون بين الملائكة في الملأ الأعلى، حيث عالم الملكوت، حتى أن بعض الروايات ذكرت أنه كان واعظا للملائكة، وبعضها وصفته بأنه طاووس الملائكة. والقرآن الكريم أثبت معيته للملائكة، في آيات كثيرة تعرضت لواقعة السجود لآدم عليه السلام. فما الذي حوّل هذا الموجود الذي قضى دهرا طويلا في مقام عال من القرب الإلهي إلى مطرود رجيم، وظيفته إبعاد الناس عن ربهم، وأخذهم إلى الويل والثبور؟! إنه الحسد، حسده لآدم هو الوحش الذي تربص به على قمته تلك، ثم ما لبث أن أسقطه إلى أحضّ الحضيض، حين أتيحت الفرصة له، وذلك حين خلق الله تعالى آدم من طين لازب، وأمر الملائكة بما فيهم إبليس أن بسجدوا له، فكان اختبارا صعبا لمن هم مخلوقون من نور ومن نار أن يسجدوا لمخلوق ظاهره الحقارة في أصل المنشأ، وإن كان جوهره النور المحض. نجح الملائكة في الاختبار، لأنهم ببساطة مركبون من العقل وحسب، ولا تخالطهم الغزائز ولا الطبائع التي تقف مقابل التعقل ووضع الأمور في نصابها الصحيح. لكن إبليس الذي تخالطه تلك الطبائع، ولديه القابلية لذلك، فقد افترسه الحسد الشديد لآدم، واضعا نصب عينيه حقارة المنشأ لخصمه من جهة، وطول عبادته ورفعة مقامه هو من جهة أخرى، حتى نسج ذلك الحسد غشاوة على عينيه وقلبه، فتجاهل أن الآمر هو الله الرب ذاته الذي عبده من قبل، وليس هو آدم المخلوق الجديد المهين كما يراه. فأبى السجود واستكبر، وجادل ربه، وعاند، وهدّد وتوعّد، وتكشفت خبايا نفسه الحبيثة جلية، كما لم تتكشف من قبل، وكان لا بد للعدل الإلهي أن يكشف ذلك عنده، مع الالتفات إلى أن الله لم يعنته ولم يطلب منه الكثير قياسا بنعمه تعالى عليه، بل إن من أبسط مظاهر العبودية والخضوع للمعبود والتسليم له، هو أن تطيعه فيما يحب هو لا فيما تحب أنتَ. وإبليس لم يرد أن يطيع الله فيما يحب الله، بل فيما يحب هو ويريد، وهواه كان في عدم السجود لآدم، والله تعالى يريده أن يسجد لآدم، لا عبثا، حاشا، بل إن آدم استحق ذلك السجود لأن الله أمر أولا، ولأن آدم كان يحمل في صلبه محمدا وآل محمد جواهر علمها الله تعالى، وعلم قدر آدم بها. فكان إبليس أول الساقطين، وما أسقطه إلا الحسد.
مثال آخر من أمثلة الحسد الذي أسقط من كان تبوأ مكانا عليّاً، ومقاما رفيعا في سلم الدرجات الإلهية، بيد أن العبادة كانت عنده مستودعا وليست مستقرا، ذلك هو بلعام بن عابوراء ذلك الرجل الإسرائيلي من قوم موسى، الذي آتاه الله الآيات والمقام الرفيع، إلى المستوى الذي يجعله مخولاً لحمل اسم الله الأعظم، كما جاء في بعض الروايات. وما أسقطه إلا حسد كان في خبايا نفسه لموسى كليم الله عليه السلام. ذلك الحسد الذي حركته فئة منحرفة في بني إسرائيل، وربما كان راقدا، فنما ونما حتى أستحال وحشاً ضاريا، أسقط بلعام من أعلى القمة إلى أسفل سافلين، إلى درجة الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، في قصة مفصلة يمكن الرجوع إليها في كتب التفسير عند تناول الآيات: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها , فأتبعه الشيطان , فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها , ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه , فمثله كمثل الكلب . . إن تحمل عليه يلهث , أو تتركه يلهث . . ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون . ساء مثلاً القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوايظلمون ". إذن هذا ساقط ثان في الحضيض، وما أسقطه إلا حسده الذي ملك عليه نفسه وعقله، وجعله يمشي على غير هدى، فكانت الهاوية مصيره.
والأمثلة على الحسد القاتل المسقط للكبار كثيرة جدا بكثرة الناس وكثرة العصور وكثرة اختبار الله لعباده، ولايمكننا أن نتناول هذا الموضوع ولا نتطرق إلى حُسّاد آل بيت محمد صلوات الله عليهم أجمعين، فآل بيت النبوة هم الناس المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، كما أقسم على ذلك الإمام الحسن المجتبى في معرض تعليقه على آية: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .." فقد آتاهم الله تعالى ما لم يؤت أحدا قبلهم من ذراري الأنبياء والمرسلين، فهم سادة الأوصياء، وهم الأنوار المحدقة بعرش الرحمن، وهم سفينة النجاة، وهم معدن العلم والرحمة ومختلف الملائكة، ومصابيح الدجى، وهم خزان علم رسول الله، وهم أهل الحسب والنسب والطهارة والقربى من خاتم المرسلين وأشرف الكائنات، وهم أكثر الناس عبادة وتقى وزهدا وحكمة وفصاحة وشجاعة وحِلماً وامانة وصدقا وكرما وسخاء ورحمة، وغيرها الكثير من المقامات التي يعجز العادون عن إحصائها، وهم فوق ذلك الأئمة المفروضة طاعتهم، ومودتهم، وموالاتهم، فهم السادة المنصوبون رؤساء على الناس، لمصلحة الناس، ولنجاة الناس.
فكان مُتوقعا أن يحسدهم الحاسدون، أشباه إبليس وبلعام، وأن تمتلئ الصدور عليهم حنقا وبغضاً، فكيف وسيف أبيهم عليّ يقطر حده من دماء أقربائهم من الكفار أعداء الله، فاختلط الحسد بالإحن، والحقد والبغضاء، ناسجا غشاوة ما بعدها غشاوة على القلوب والأبصار والأسماع، ضاربين بعرض الحائط كل ما قد تنزل من لدن حكيم عليم بحق علي وأبنائه المعصومين، وبكل ما نطق به سيد المرسلين بحقهم وفضلهم ووجوب توليهم وطاعتهم، وناكثة لعهد قريب ما زالت الأكف ندية به، والأفواه رغية منه.
وما هو إلا أن لحق الخاتم بالرفيق الأعلى، حتى زمجر ذلك الحسد في صدورهم وانقض انقضاض السباع على فرائسها، فكان إقصاء علي عن ما رتبه الله له، ومحاولة قتله، ومداهمة بيت الزهراء ومنعها إرثها، ثم تجييشهم للجيوش ضد أمير المؤمنين علي في ثلاث من المعارك الطاحنة، التي لم ترو أنهار الدماء التي سالت منها ظمأ حسدهم، وبقيت لظى الحسد متأججة في صدورهم تجاه هذا البيت النبوي الطاهر، فكان ماكان على المجتبى، ثم ما جرى على الحسين المظلوم في كربلاء، مما انعدم نظيره في حياة الأولين والآخرين، فكانت أعظم مأساة وفاجعة شهدتها الدنيا. ولم يُرو حسدهم ، فلاحقوا الأئمة الواحد تلو الآخر، وما بعثوهم إلى مراقدهم إلا والسمّ في أحشائهم، بعد طويل تضييق وحصار، وعظيم قهر وأذى وتكذيب وتأليب للناس عليهم عالمهم وجاهلهم، إلى أن انتهى الأمر ببقية الله الباقية، المُدّخر لإقامة الأمت والعوج، حيث غيّبه الرب تعالى لحكمة اقتضاها، ولاحقه الحسد غائبا غير ظاهر، بالإنكار والتشويه، والتقليل والتجاهل، والاستهزاء والاستهتار به وبشيعته المنتظرين الصابرين.
فما الذي أسقط كثيرا من الإنس والجن على مر العصور من لدن آدم مرورا بخاتم الرسل إلى عصر الناس هذا، إنه الحسد ذلك المفترس القاتل الخفي، المتربص للواصلين المجتهدين على قمم نجاحاتهم وإنجازاتهم، فيطعنهم بتلك النجاحات، بل يطعن إنجازاتهم بإنجازاتهم، ويلفها حبلا حول رقابهم، يسحبهم به إلى الهاوية السحيقة، فيجعلهم بغرورهم ذلك غافلين عن العبودية الحقة التي هي أن تعبد الله كما يحب المعبود لا كما يحب العابد، فيكرهون ما أنزل الله تعالى فيحبط أعمالهم، ولهم عذاب أليم، هم ومن تبعهم من الهمج الرعاع، فيكبكبوا جميعا في النارهم والغاوون. نغوذ بالله ربنا من الحسد وموجباته، ونسأله تعالى الحب والبغض فيه، وتولي أوليائه، والتبرّؤ من أعدائه.