سيدي محمد
11-12-2009, 09:18 AM
الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام : إن النصوص المروية عن الرسول ( ص ) في إمامة أهل البيت على الأمة من بعده كثيرة ، نورد هنا أشهرها :
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ( 1 ) .
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ( 2 ) .
وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى الكتاب الكريم ، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وآله واضحا في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام من بعده ، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلال .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج 5 ص 272 ط دار الشعب بشرح النووي .
( 2 ) صحيح الترمذي ج 2 ص 308 . ( * )
////////////////////////////////////////////////////
وبالرغم من أن مسلم وكثير غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ، إلا أنه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود ،
ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول ( ص ) قال : " إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي " ( 1 ) .
وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية ، وجدت أنها لم تروى في أي من الصحاح ، وقد ضعفها ( 2 ) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم ، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث " . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " .
وعلى فرض عدم تعارض الروايتين ، فإنه لا بد من التسليم بأن المقصود بكلمة " سنتي " في رواية الحاكم هو السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم .
أما التمسك برواية الحاكم " . . كتاب الله وسنتي " وترك رواية مسلم " . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فإن في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم ، بل ومخالفا أيضا
للمنطق والعقل ، ذلك أن كلمة " سنتي " مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علما ، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف ، والتي غالبا يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها
* ( هامش ) *
( 1 ) رواه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 93 .
( 2 ) ذكر الدكتور أحمد بن مسعود بن حمدان في تحقيقه لكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 80 : " سنده ضعيف : فيه صالح بن موسى الطلحي ، قال فيه الذهبي : ضعيف ، وقال يحيى : ليس بشئ ولا يكتب حديثه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك " .
//////////////////////////////////////
عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله ، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول - والذي أدى إلى الاختلاف أيضا في تفسير القرآن - أصبحت السنة النبوية سننا متعددة والمسلمون تبعا لذلك أصبحوا مذاهب وفرق متعددة أيضا ،
روي أن عددها ثلاث وسبعين فرقة . . . فأي سنة من تلك السنن أحق بالإتباع ؟ ، وإنه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حق لا يترك المسلمون هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل
مبلغه ، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم ، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر ، وإن ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال .
وهنا يطرح سؤالان لا تكتمل الصورة وضوحا إلا بالإجابة عليهما :
أولهما : من هم أهل البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
ثانيهما : لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول أهل السنة ؟
من أهم أهل البيت ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) " ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل الحسن والحسين ص 287 ج 5 ط دار الشعب . ( * )
ومن صحيح مسلم أيضا : " . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي " ( 1 ) .
فمن الحديثين السابقين يتبين أن أهل البيت في عهد النبي ( ص ) هم : علي وفاطمة وابنيهما ،
ولكن ماذا بالنسبة لنساء النبي ( ص ) ؟
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : " . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده " ( 2 ) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير " ( 3 ) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ص 268 ج 5 ط دار الشعب .
( 2 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ص 274 ج 5 ط دار الشعب .
( 3 ) صحيح الترمذي ج 2 ص 209 . ( * )
مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير " ( 1 ) .
وبالرغم من وضوح الأدلة السابقة في تعيين أهل البيت ، إلا أن البعض يعارض ذلك محتجا بالآيات التالية من سورة الأحزاب في دلالتها على شمول أهل البيت لنساء النبي صلى الله عليه وآله ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن . . . ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 )
وكما يظهر ، فإن حجة هؤلاء القائلين باشتمال أهل البيت على نساء النبي إنما تأتي لوقوع - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في نفس الآية التي نزل جزء منها في نساء النبي ،
ويمكن تفنيد هذا الرأي من عدة وجوه منها :
1 - إن نزول الآيات القرآنية بشأن تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بالطلاق ، ومن ثم إرادة الله بتطهير أهل البيت جاء متتابعا ، لا يعني بالضرورة أن يكون المقصود بالمناسبتين هو نساء النبي ،
ذلك أنه يوجد كثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا النوع حيث تجدها تحوي أمرين مختلفين ولعل سبب وقوعهما معا في نفس الآية هو التوافق في زمن حصول المناسبتين ،
ومن أمثلة هذه الآيات : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا * فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم
* ( هامش ) *
( 1 ) مسند أحمد ج 6 ص 306 .
( 2 ) الآيات من سورة الأحزاب : 28 - 33 . ( * )
فإن الله غفور رحيم " ( 1 ) ، حيث تجد في هذه الآية مجئ الحديث بشأن إكمال الدين في وسط الحديث بشأن المأكولات المحرمة .
2 - ما يؤكد عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله بمقصود هذه الآية هو أن الكلام بشأن نساء النبي صلى الله عليه وآله جاء بضمير الجمع المؤنث ، كنتن . . . منكن . . . لستن . . . تخضعن . . . وقرن في بيوتكن . . . تبرجن . . .
وعندما بدأ الكلام بشأن التطهير تحول ضمير المخاطب إلى ضمير الجمع المذكر - عنكم . . . ويطهركم - وليس عنكن . . . ويطهركن .
3 - الأحاديث الصحيحة السابقة من صحاح مسلم والترمذي ومسند أحمد وغيرها تثبت بدلالة قاطعة عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله ضمن أهل البيت .
حيث كانت إجابة الرسول صلى الله عليه وآله عندما سألته أم سلمة ( رض ) - . . . وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك أنت على خير - ، وفي رواية مسلم : ( . . . من أهل بيته ؟ نساءه ؟ قال : لا . . . " .
4 - وفي حديث الثقلين الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما : " . . . يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " يظهر أن المقصودين في ذلك يجب التمسك بهم ،
فإذا فرضنا جدلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله هن المقصودات أو هن ضمن المقصودين في الحديث ، فبأي صورة من الصور سيتمسك بهن المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ويجب مراعاة أنهن قد أمرن بالتزام بيوتهن .
في الإجابة على هذا السؤال فضلا عن أنهن وجدن جميعا في عصر واحد ، وإذا قيل أن التمسك بهن يكون بالأخذ مما روي عنهن من أحاديث فنقول : إنه وجد منهن من لم تروي ولو حديثا واحدا .
* ( هامش ) *
( 1 ) المائدة : 3 . ( * )
إن الرجس المقصود في الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) يعني في اللغة القذر وهو للدلالة على الإثم ، والطهارة في اللغة تعني النظافة وهي للدلالة هنا على التقوى .
فالمراد من إذهابه سبحانه وتعالى الرجس عنهم هو تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم ، وأي ذنب مهما صغر فإنه موجب في نقص مقترفيه ، وهذا يعني أن الله تعالى أراد تطهير أهل البيت من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ، وما ذاك إلا العصمة والتطهير .
وأما إذا قيل أن المراد بالتطهير في هذه الآية هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي والامتثال إلى الأوامر ، فإن ذلك مردود لأن التطهير بهذا المعنى ليس مختصا بأهل البيت وإنما هو لعمومه لجميع المسلمين المكلفين بأحكام الدين كقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم ) ( 1 ) .
وهكذا ، فإنه إذا سلمنا بعصمة من نزلت الآية بحقهم ، فإن نساء النبي صلى الله عليه وآله لسن من ضمنهم لأنهن لسن من المعصومات ، فبالاضافة إلى أنه لم يقل أحد من الأولين أو الآخرين بذلك فإنه عرف بتهديد الرسول صلى الله عليه وآله لهن بالطلاق وغير ذلك.
* ( هامش ) *
( 1 ) المائدة : 6 . ( * )
فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ،
فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " ( 1 ) .
ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " ( 2 ) .
وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى الكتاب الكريم ، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وآله واضحا في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام من بعده ، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلال .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ج 5 ص 272 ط دار الشعب بشرح النووي .
( 2 ) صحيح الترمذي ج 2 ص 308 . ( * )
////////////////////////////////////////////////////
وبالرغم من أن مسلم وكثير غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ، إلا أنه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود ،
ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول ( ص ) قال : " إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي " ( 1 ) .
وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية ، وجدت أنها لم تروى في أي من الصحاح ، وقد ضعفها ( 2 ) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم ، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث " . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " .
وعلى فرض عدم تعارض الروايتين ، فإنه لا بد من التسليم بأن المقصود بكلمة " سنتي " في رواية الحاكم هو السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم .
أما التمسك برواية الحاكم " . . كتاب الله وسنتي " وترك رواية مسلم " . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فإن في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم ، بل ومخالفا أيضا
للمنطق والعقل ، ذلك أن كلمة " سنتي " مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علما ، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف ، والتي غالبا يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها
* ( هامش ) *
( 1 ) رواه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 93 .
( 2 ) ذكر الدكتور أحمد بن مسعود بن حمدان في تحقيقه لكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 80 : " سنده ضعيف : فيه صالح بن موسى الطلحي ، قال فيه الذهبي : ضعيف ، وقال يحيى : ليس بشئ ولا يكتب حديثه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : متروك " .
//////////////////////////////////////
عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله ، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول - والذي أدى إلى الاختلاف أيضا في تفسير القرآن - أصبحت السنة النبوية سننا متعددة والمسلمون تبعا لذلك أصبحوا مذاهب وفرق متعددة أيضا ،
روي أن عددها ثلاث وسبعين فرقة . . . فأي سنة من تلك السنن أحق بالإتباع ؟ ، وإنه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حق لا يترك المسلمون هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل
مبلغه ، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم ، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر ، وإن ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال .
وهنا يطرح سؤالان لا تكتمل الصورة وضوحا إلا بالإجابة عليهما :
أولهما : من هم أهل البيت المقصودون في الحديث السابق ؟
ثانيهما : لماذا خصص الحديث الأخذ عن أهل البيت فقط وليس عموم الصحابة كما يقول أهل السنة ؟
من أهم أهل البيت ؟
يروي مسلم في صحيحه ، بسنده عن صفية بنت شيبة قالت : " قالت عائشة : خرج رسول الله ( ص ) وعليه مرط مرحل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ، ثم قال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) " ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل الحسن والحسين ص 287 ج 5 ط دار الشعب . ( * )
ومن صحيح مسلم أيضا : " . . . ولما نزلت هذه الآية - ( فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ) - دعا رسول الله ( ص ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي " ( 1 ) .
فمن الحديثين السابقين يتبين أن أهل البيت في عهد النبي ( ص ) هم : علي وفاطمة وابنيهما ،
ولكن ماذا بالنسبة لنساء النبي ( ص ) ؟
يروي مسلم في صحيحه عن الرسول ( ص ) ، بسنده عن زيد بن أرقم أنه قال : " . . . ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ، من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ، وفيه فقلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا ، وأيم والله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده " ( 2 ) .
ومن صحيح الترمذي بسنده عن عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( ص ) قال : " لما نزلت هذه الآية - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في بيت أم سلمة ، فدعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي عليه السلام خلف ظهره ، فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء هم أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك وأنت على خير " ( 3 ) .
ومن مسند أحمد بسنده عن أم سلمة : " أن رسول الله ( ص ) ، قال لفاطمة عليها السلام : آتني بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساء فدكيا ( قال ) ثم وضع يده عليهم ثم قال : اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ص 268 ج 5 ط دار الشعب .
( 2 ) صحيح مسلم كتاب الفضائل باب فضائل علي ص 274 ج 5 ط دار الشعب .
( 3 ) صحيح الترمذي ج 2 ص 209 . ( * )
مجيد ، قالت : فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال : إنك على خير " ( 1 ) .
وبالرغم من وضوح الأدلة السابقة في تعيين أهل البيت ، إلا أن البعض يعارض ذلك محتجا بالآيات التالية من سورة الأحزاب في دلالتها على شمول أهل البيت لنساء النبي صلى الله عليه وآله ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن . . . ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 2 )
وكما يظهر ، فإن حجة هؤلاء القائلين باشتمال أهل البيت على نساء النبي إنما تأتي لوقوع - ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) - في نفس الآية التي نزل جزء منها في نساء النبي ،
ويمكن تفنيد هذا الرأي من عدة وجوه منها :
1 - إن نزول الآيات القرآنية بشأن تهديد نساء النبي صلى الله عليه وآله بالطلاق ، ومن ثم إرادة الله بتطهير أهل البيت جاء متتابعا ، لا يعني بالضرورة أن يكون المقصود بالمناسبتين هو نساء النبي ،
ذلك أنه يوجد كثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا النوع حيث تجدها تحوي أمرين مختلفين ولعل سبب وقوعهما معا في نفس الآية هو التوافق في زمن حصول المناسبتين ،
ومن أمثلة هذه الآيات : ( حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا * فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم
* ( هامش ) *
( 1 ) مسند أحمد ج 6 ص 306 .
( 2 ) الآيات من سورة الأحزاب : 28 - 33 . ( * )
فإن الله غفور رحيم " ( 1 ) ، حيث تجد في هذه الآية مجئ الحديث بشأن إكمال الدين في وسط الحديث بشأن المأكولات المحرمة .
2 - ما يؤكد عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله بمقصود هذه الآية هو أن الكلام بشأن نساء النبي صلى الله عليه وآله جاء بضمير الجمع المؤنث ، كنتن . . . منكن . . . لستن . . . تخضعن . . . وقرن في بيوتكن . . . تبرجن . . .
وعندما بدأ الكلام بشأن التطهير تحول ضمير المخاطب إلى ضمير الجمع المذكر - عنكم . . . ويطهركم - وليس عنكن . . . ويطهركن .
3 - الأحاديث الصحيحة السابقة من صحاح مسلم والترمذي ومسند أحمد وغيرها تثبت بدلالة قاطعة عدم دخول نساء النبي صلى الله عليه وآله ضمن أهل البيت .
حيث كانت إجابة الرسول صلى الله عليه وآله عندما سألته أم سلمة ( رض ) - . . . وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك أنت على خير - ، وفي رواية مسلم : ( . . . من أهل بيته ؟ نساءه ؟ قال : لا . . . " .
4 - وفي حديث الثقلين الذي رواه مسلم وأحمد وغيرهما : " . . . يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " يظهر أن المقصودين في ذلك يجب التمسك بهم ،
فإذا فرضنا جدلا أن نساء النبي صلى الله عليه وآله هن المقصودات أو هن ضمن المقصودين في الحديث ، فبأي صورة من الصور سيتمسك بهن المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ؟ ويجب مراعاة أنهن قد أمرن بالتزام بيوتهن .
في الإجابة على هذا السؤال فضلا عن أنهن وجدن جميعا في عصر واحد ، وإذا قيل أن التمسك بهن يكون بالأخذ مما روي عنهن من أحاديث فنقول : إنه وجد منهن من لم تروي ولو حديثا واحدا .
* ( هامش ) *
( 1 ) المائدة : 3 . ( * )
إن الرجس المقصود في الآية : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) يعني في اللغة القذر وهو للدلالة على الإثم ، والطهارة في اللغة تعني النظافة وهي للدلالة هنا على التقوى .
فالمراد من إذهابه سبحانه وتعالى الرجس عنهم هو تبرئتهم وتنزيههم عن الأمور الموجبة للنقص فيهم ، وأي ذنب مهما صغر فإنه موجب في نقص مقترفيه ، وهذا يعني أن الله تعالى أراد تطهير أهل البيت من كل الذنوب صغيرها وكبيرها ، وما ذاك إلا العصمة والتطهير .
وأما إذا قيل أن المراد بالتطهير في هذه الآية هو مجرد التقوى الديني بالاجتناب عن النواهي والامتثال إلى الأوامر ، فإن ذلك مردود لأن التطهير بهذا المعنى ليس مختصا بأهل البيت وإنما هو لعمومه لجميع المسلمين المكلفين بأحكام الدين كقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم ) ( 1 ) .
وهكذا ، فإنه إذا سلمنا بعصمة من نزلت الآية بحقهم ، فإن نساء النبي صلى الله عليه وآله لسن من ضمنهم لأنهن لسن من المعصومات ، فبالاضافة إلى أنه لم يقل أحد من الأولين أو الآخرين بذلك فإنه عرف بتهديد الرسول صلى الله عليه وآله لهن بالطلاق وغير ذلك.
* ( هامش ) *
( 1 ) المائدة : 6 . ( * )