شبل الامام السيستاني
22-12-2009, 07:02 PM
تسليط الأضواء على هوية الجيش الذي قاتل الحسين ؟
الرموز الكبيرة
· عبيد الله بن زياد : وصفه الحسن البصري
( غلاماً سفيهاً ، سفك الدماء سفكاً شديداً ... ) 260 سير أعلام النبلاء 3 / 545 ـ
ومن الإشارات المهمَّة في شخصية هذا الرجل تربيته الفارسية المجوسيَّة ، فأمُّه ( سيرورية وكانت بنت بعض ملوك العجم يزدجر أو غيره ... وكان في كلامه شي من كلام العجم ) ـ261 البداية والنهاية 8 / 287 ــ
وقد عُرِف بالحزم والحسم والقوّة والبطش ، ولمَّا قُتِل الحسين عليه السلام ( كان عمره ثمانية وعشرين سنة ) ــ 262 نفس المصدر 286 ــ ولم يُعهَد أنّه تربّى إسلاميِّا .
· شمر بن ذي الجوشن : مِن أشراف العرب ، شهد صفين مع الإمام علي عليه السلام ، انحاز إلى زياد بن أبيه ، وشهد على حجر بن عدي
ــ 263 الطبري 6 / 184 ــ
وكان من الذين كاتبوا الحسين ودعوة الى الكوفة ، ولكنّه سرعان ما انضم َإلى جيش عبيد الله بن زياد عندما قدِم الكوفة ، وكان معه في القصر يوم كانت حركة مسلم بن عقيل ، وقام بمهمَّة تثبيط الناس عن الحركة ــ 264 انساب الأشراف ص 183 ــ
وتطوّر موقفه بعد قدوم الحسين ، إذ كان من الأشراف الذين شاركوا عبيد الله بن زياد في تصميم مسار المعركة ، فهو الذي اضطلع بحمل رسالة بن زياد إلى عمر بن سعد التي أستحثه بها التعجيل بقتل الحسين ــ 265 الطبري 6 ص 342 ـ
وكان ينافس بن سعد على قيادة الجيش ، ويزاوده على طاعة بن زياد ، وهو على ميسرة بن سعد في الهجوم ــ 266 الطبري 6 / 319 ــ
وكان سليط اللسان على الإمام ، وصاحب الاقتراح بحرق بيوت الحسين ، وعُرِف الشمر بأنه من اشد المحرِّضين على إنها ء الحسين في الساعات الأخيرة من المعركة ــ 267 الطبري 6 / 382 ــ
وقد أوفده عبيد الله بن زياد مع السبايا إلى يزيد بن معاوية ــ 268 المصدر 6 ص 398 ــ
أن من ابرز صفات هذا الرجل هي ( الانتهازية السياسيَّة ) والجلادة والغلظة ، وقد وصفه زهير بن القين بـ ( الجلف الجافي ) ــ 269 الطبري 6 / 354 ــ
الذي لا علم له بكتاب أو دين
· شبث بن ربعي : من الأشراف المعروفين ، وكان ممَّن خرج مع علي ... ورجع ــ271 تاريخ الإسلام للذهبي ص 416 ــ
فقد كان له دور متميِّز في القتال إلى جانب علي ، وصاحب لسان ضد معاوية بن أي سفيان وأحتجّ عليه قتل عمّار بن ياسر وكان محل نظر معاوية في بداية الصلح ، وقد أوصى زياد بن أبيه بأخذه ، فكان يحضر الصلاة معه ــ 274 الطبري 6 / 95 ــ
ومن الذين شهدوا على حجر إضطراراُ ، وقد كاتب الحسين بالقدوم الى الكوفة ، وانضمَّ إلى بن زياد ، وكان معه في قصر الإمارة ، حيث كلَّفه بتخويف قومه من الانتصار لمسلم بن عقيل ويروي صاحب الفتوح والأنساب أن شبث بن ربعي تمارض عندما أخذ عبيد الله بن زياد يبعث بالعساكر الى حرب الحسين ، هروباً من مسؤوليَّة التورط بهذه الجريمة ، ولكن بن زياد إضطرّه لذلك وبعثه في ألف مقاتل وكان على الرجّألة في جيش بن سعد وقد ذكَّره الحسين بمكاتبته لكنَّه أنكروفي الحرب عندما قُتل مسلم بن عوسجة خاطب جيش إبن زياد ( ثكلتكم أمهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلُّون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة ! أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق إذربيجان قتل من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين ، أفيقتل منكم مثله تفرحون ) وهناك اتفاق أنَّ شبث حاول ان يتهرَّب من دم الحسين بل ردع شمر بن ذي الجوشن لما دعى الى حرق المخيمات والبيوت ، قال له ( ما رأيت مقالاً أسوء من قولك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ،أمُرعِباً للنساء صرت ) ولكن هذا لا ينفي أبدا ان الرجل موسوم بالانتهازية السياسية ، وكان ذا إحساس شديد بالنزعة الارستقراطية المتعالية .
· عزرة بن قيس الاحمسي : من الذين كا تبوا الحسين أو بالأحرى الذين كتبوا إلى الحسين عليه السلام ، وكان قد كلّفه عمر بن سعد بمحادثة الحسين عن سبب مجيئه فرفض استحياء لأنه كان قد كتب إليه بالمجيئ وقد تولَّى خيالة الجيش ، ومن الذين وفدوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد·
عبد الله بن زهير بن سليم الا زدي : روى الطبري أ نّه كان على ربع أ هل المدينة في جيش بن ولكن من الغريب حقاً انَّ هذا الرجل رغم موقعه الخطير الذي شغله في الجيش لم تذكر المصادر أيَّ موقف له في المعركة ، سواء على صعيد الرأي أو صعيد القتال ، وذلك بما فيهم الطبري ، ولم يرد اسمه في تشكيلة القوّاد برواية أنساب الأشراف ، وهو الحريص على ذلك ، ولم نجد لهذا الاسم ذكراً في المصادر التي تناولت معركة الطف !
· عبد الرحمن بن أبي سبرة ، ذكره الطبري أنَّه كان على ربع أسد ومذحج في الجيش ، وهو من جعفى شهد على حجر بن عدي ويذكر له الطبري موقفاً واحداً في هجوم الشمر بالرجالة على الحسين بقوله ( وأقدم عليه ــ الشمر ــ بالرجالة ، منهم أبو الجندب ــ واسمه عبد الرحمن الجعفي ــ وسنان بن أنس النخعي ، وخولي بن يزيد الاصبحي ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرِّضهم ، فمرَّ بأبي الجندب وهو شاك في السلاح ، فقال له : أقدم عليه ، قال : وما يمنعك أن تقدم عليه أ نت ! فقال الشمر : إليَّ القول ذا ؟ قال : وأنت تقول لي ذا ! فاستبا ، فقال له أبو الجندب ــ وكان شجاعاً : والله لهممت أن أُخضخض السنان في عينك ... فانصرف الشمر ... ) تُرى ما تفسير ذلك ؟ هل الخوف من الحسين ؟ أم لإيمانه بان الطرف الآخر يجانب الحق ؟ وهل يمكن تفسيره بما بدر من الشمر من حقد على الحسين ؟ أم هو هروب من المسؤولية ؟ وهل ينسجم هذا من موقفه ا لعسكري القيادي في جيش بن سعد ؟ ألا أنَّ الإعثم الكوفي يروي ( ... ثم رمى رجل منهم بسهم يكنى أبا الجنوب الجعفي ، فوقع السهم في جبهته ـ أي جبهة الحسين ــ) وهو خلا ف ما جاء في الطبري حيث كانت الرمية في ( فيه ) ، وأن الرامي كان الحصين بن تميم وفي البداية و النهاية ان الر امي كان الحصين والرمية في ( حنكه ) وقيل أن الذي رماه رجل من بني أبان بن دارمللتاريخ ولذا من الصعب الركون الى رواية أبن الاعثم .
· قيس بن الاشعث بن قيس : ذكره الطبري
أ نّه كان على ربع ربيعة بن كندة في جيش عمر بن سعد ، ومن المعروف أن أباه كان من رواد الإنتهازية السياسية ، ويتهمه بعض المؤرخين بالتواطؤ مع عبد الرحمن بن مسلم في قتل علي عليه السلام ، وكان من أشد أعدائه ، ويُستفاد من الطبري أنَّه من الذين كتبوا الى الحسين عليه السلام ـ ، وقد عُرِف بـ ( قيس قطيفة ) لأنَّه استولى على قطيفة الحسين بعد قتله ، وكان من الوافدين على
عبيد الله بن زياد
· يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم : من الذين كتبوا الى الحسين با لقدوم الى الكوفة ويروى صاحب إنساب الاشراف أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه بألف فارس لإسناد عمر بن سعد ، ولكن الاسم يختفي مرَّة و احدة ، حيث يسوقه الطبري ضمن الجماعة الذين ذكَّرهم الحسين بكتبهم أليه وهو نفسه رفض بيعة عبيد الله بن زياد عندما تولّى الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية وقاتل مع الزبيرين ضد المختار فهو من الأشراف الارستقراطيين .
· حجار بن أبجر : من الشخصيات المعروفة بالانتهازية السياسية ، فقد تجسّس مرَّة على الخوارج بشكل شخصي وما بعدها ــ وكتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ، أنضم الى إبن زياد بالكوفة وأضطلع بمهمة تخويف الكوفيين وكان من الذين إحتج عليهم الحسين في ساحة المعركة فأنكر وكان ممّن شهد على حجر بن عدي إنضمَّ ألى عبيد الله بن الزبير وقاتل المختار ومواقع اخرى ـ وأصبح من أعمدة الحكم الزبيري في الكوفة
· عمرو بن الحجاج الزبيدي : ذكره الطبري على ميمنة جيش عمر بن سعد وهذا الرجل شهد على حجر بن عدي وممّن كتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة إلاّ أنّه أعلن الطاعة نيابة عن مذحج بين يدي عبيد الله بن زياد وأتخذ موقفاً بارداً تجاه مسلم وهو الذي تولّى الحيلولة بين الحسين و الماء على خمسائة فارس وقد لعب دوراً متميزاً في الهجوم على معسكر الحسين وكان بينه وبين الحسين كلام حاد ،وقد أتهم الحسين بالمروق من الدين ،ووصف يزيد بـ ( الامام ) وكان صاحب دور في قتل مسلم بن عوسجة وكان من الوا فدين على ابن زياد بالضحايا إنضم الى إبن الزبير بالكوفة ، وقاتل المختار وقد تبعه المختار فهرب على طريق ( شراف وواقصة فلم يُرَ ... ولا يُدرى أي ارض بخسته أم سماء حصبته )
معالجة المفارقة الكبيرة
هذه هي أهم الاسماء البارزة في جيش بن سعد ، وهم من صميم العرب ، منهم من عدنان ومنهم من قحطان ، ولكن الصفة البارزة على هؤلاء هي ( الانتهازية السياسية ) ، فأنهم كانوا مع علي في حروب صفين والنهروان ،ولكنّهم هم بالذات الذين شهدوا على حجر بن عدي رغبة أو رهبة ، وقد كتبوا الى الحسين إلاّ أنَّهم انضمُّوا الى عبيد الله بن زياد ، وأصبحوا من أعمدة الجيش الذي قاتل الحسين ، ثم تحوَّلوا الى عبيد الله بن الزبير في الكوفة ! وقاتلوا تحت قيادة عبد الله بن مطيع ضد المختار قتالاً عنيفاً .
إنَّ الحسين عليه السلام استجاب لنداء الحركة بفعل عاملين ، الرسائل التي وصلت إليه من الكوفة ، والتقييم الذي كوَّنه مسلم بن عقيل عن أهلها ، فهل كان غائباً على الحسين انتهازية الشمر وعمرو بن الحجاج وحجار ابن ابجر وغيرهم ؟
لقد عاش الحسين أحداث أبيه وأخيه ، وهو على دراية كافية بحقيقة هؤلاء وسلوكهم السياسي الانتهازي عبر هذه المدّة الطويلة من الزمن ، إلاّ أن استجابته لم تكن لهذا النمط من الناس ، ذي النزعة الإرستقراطية الانتهازية ، وإنَّما لنمط آخر من الناس ، عرُِفوا بمواقفهم المبدئية الدينية اليقينية ، وذلك مثل مسلم بن عوسجة ، وحبيب بن مظاهر ، وغيرهما من مؤمني العرب ، ومن المؤكد أنَّ اعتماده كان على هؤلاء ، وعلى القاعدة الشعبية العامّة الرافضة بصدق وإخلاص حكم الأمويين ، و المتطلِّعة حقاً إلى الحسين وقيادته .
لقد كان هؤلاء الاشراف ( شمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وعمارة الاحمس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ) يتطلَّعون إلى السلطة و القوَّة ، وكان شعورهم بذواتهم قويَّاً ومتأصِّلاً ومتعاليا ، ولا نستبعد أن عبيد الله بن زياد رشا هؤلاء الأشراف بالمال والمواقع ، وأمر عمر بن سعد معروف في هذا المجال ، ولذا بإمكاننا القول أنَّ هذا الانقلاب الذي بدر من هؤلاء ليس غريباً عليهم ، بل هو المتوقّع أساسا فيما إذا تغيَّرت المقاييس انقلبت موازين القوى .
وإذا كان القادة والرموز من تميم والأُزد والحُمس وكندة ، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب ، فمن أين هي تلك القواعد التي شكَّلت هذا الجيش ؟
نقرأ في الطبري ( ... لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج واسد بعد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الإشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن يزيد فإنَّه عدل الى الحسين ، وقُتِل معه ) والعبارة توحي أنَّ جميع من ينتمي إلى هذه العشائر ساهم في حرب الحسين ، و الواقع ليس كذلك ، فقد مرَّ بنا أن الجيوش أو الجماعات التي ساقها بن زيا د لمساعدة عمر بن سعد كانت تصل إلى ساحة المعركة في كربلاء بأعداد قليلة جدا ، وقد يعطي النص انطباعاً بأن الذين قاتلوا الحسين هم عرب وحسب .
لقد عوَّدنا الطبري ذكر الانتماء العشيري الصريح وهو يستعرض وقائع كربلاء ، ولم يكن النص السابق الشاهد الوحيد على هذه الظاهرة ، حيث يطالعنا الطبري ( ... ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس من قُتِل معه من أهل بيته ، وشيعته ، وأنصاره ، إلى عبيد الله بن زياد ، فجاءت كندة بثلاث عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، جاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت أسد بستة رؤوس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، وذلك سبعون رأسا ) وهذه هي عادة الطبري مع القواد والرموز والأشراف ، وهي مسألة طبيعية ، لان العشيرة هي السائدة ، هي ذات الموقع السيادي في الحرب والسلم ، ومراجعة بسيطة للحروب في صدر الإسلام تكشف عن توكيد مركزي للحضور القبيلي ،
دور الديالمة في قتل الحسين
ولكن الطبري وغيره لم يذكر لنا هويّة الأربعة آلاف مقاتل الذين كانوا مع عمر بن سعد ! أنّها بلا ريب ظاهرة ملفتة ، وكل ما نعرفه عن هؤلاء ما يرويه الطبري نفسه فيقول ( ... وكان سبب خروج بن سعد إلى الحسين عليه السلام أنَّ عبيد الله بن زيا د بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة سير بهم الى دستبي ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها ، وغلبوا عليها ، فكتب إليه بن زياد عهده بالري ، وأمره بالخروج ) ـ 317 الطبري 6 / 335 ــ فهؤلاء كانوا قد أُعدُّوا لاستعادة الديلم ، ثم حوَّلهم عبيد الله بن زياد بقائدهم إلى قتال الحسين ، ولكن لم يذكر الطبري أو غيره انتماء هؤلاء العشائري ! والحقيقة أنَّ ممَّا ينسجم مع طبائع الأمور أن يكون هؤلاء الأربعة آلاف من الديالمة ، أي من الموالي الذين سبق أنْ أسرهم المسلمون العرب سنة 17 للهجرة في عين تمر بقيادة سعد بن أبي وقاص ،والذين نزحوا مع العرب إلى المدائن ثم الكوفة ، وكانوا في تقسيم الكوفة مع عبد قيس في السُبع مع بني قيس رغم أنّهم ليسوا عربا وفي ذلك يقول أسد حيدر ( ... وكان هؤلاء بقية ا لفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم ) ويتحدَّث الطبري وغيره أنَّ الحصين بن تميم كان على شرطة بن زياد ، وقد بعثهم لمحاصرة الحسين ، وكانوا أربعة آلاف ومنهم انسلَّ الحر بألف فارس للقاء الحسين ، واستقدامه بين يدي بن زياد ،وفي النتيجة التحقوا بعمر بن سعد ــ 321 نفس المصدر 178 ــ ولكن هؤلاء الشرطة كانوا امتداداً لشرطة أبيه زياد بن أبيه ، وهم من الموالي الذين سلَّطهم زياد على شيعة الكوفة ، ومن ثمَّ ابنه عبيد الله ،وقد أجادوا مهنة الإرهاب والإستذلال وكانوا أشرار المجتمع الكوفي ، ومن الطريف أن نقرأ عن شمر بن ذي الجوشن ما ينقله أبو إسحق حيث يقول ( كان الشمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر ، ثُمَّ يقعد حتى يصبح ، ثم يصلي فيقول : اللهم إنَّك تحب الشرف ، وأنت تعلم أني شريف ، فاغفر لي ، فقلتُ ــ أي أبو إسحق ــ يغفر الله لك وقد خرجت الى بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعنت على قتله ؟ قال : ويحك فكيف نصنع ،إنَّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنَّا أشرَّ من هذه الحمر ) ــ 323 تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 68 ــ و
موقع الشاهد هنا هؤلاء الحمر ، إذ يحق لنا السؤال عن المفارقة الكبيرة لهؤلاء في المجتمع الكوفي ،بحيث يكونون محلَّ أشارة واستشهاد ؟ تُرى ما هي الممارسات التي كانوا يزاولها هؤلاء ؟ ثمَّ لا ننسى أن ( معقل ) مولى إ بن زياد كان من الموالي ـ ثورة الحسين لشمس الدين ــ وهذا الأخير كان من ربيب الفرس الخلص ، ولما أراد عبيد الله بن زياد بعث الرؤوس إلى يزيد كان لابدَّ من استنفار ا لناس ، فكان الذي أذَّن بالناس في الرحيل ( حميد بن بكير الأحمري ) وكان ( سرِّي بن معاذ الأحمري ) من جلاوزة ابن زياد الذين جنَّدهم لإرعاب السبايا
لقد بلغ عدد الموالي في الكوفة عشرين ألفاً في زمن زياد بن أبيه ــ 326 الأخبار الطوال ص 254 ــ
فكم كان عددهم في زمن ابنه عبد بن زياد ؟ لقد كان الموالي يشكلون نسبة عالية من المجتمع الكوفي ، بل وفي رأي فلهاوزن كانوا أكثر من نصف سكان الكوفة ، يحتكرون الحرف والصناعة والتجارة ، وكان أكثرهم فرساً ــ 327 فجر الإسلام ص 93 ــ
فمن الطبيعي أن يشكلوا نسبة عالية في ذلك الجيش ،وأي نداء لأهل الكوفة إنَّما موجَّه الى هؤلاء بقدر ما هو موجَّه إلى عشائرها .
الرموز الكبيرة
· عبيد الله بن زياد : وصفه الحسن البصري
( غلاماً سفيهاً ، سفك الدماء سفكاً شديداً ... ) 260 سير أعلام النبلاء 3 / 545 ـ
ومن الإشارات المهمَّة في شخصية هذا الرجل تربيته الفارسية المجوسيَّة ، فأمُّه ( سيرورية وكانت بنت بعض ملوك العجم يزدجر أو غيره ... وكان في كلامه شي من كلام العجم ) ـ261 البداية والنهاية 8 / 287 ــ
وقد عُرِف بالحزم والحسم والقوّة والبطش ، ولمَّا قُتِل الحسين عليه السلام ( كان عمره ثمانية وعشرين سنة ) ــ 262 نفس المصدر 286 ــ ولم يُعهَد أنّه تربّى إسلاميِّا .
· شمر بن ذي الجوشن : مِن أشراف العرب ، شهد صفين مع الإمام علي عليه السلام ، انحاز إلى زياد بن أبيه ، وشهد على حجر بن عدي
ــ 263 الطبري 6 / 184 ــ
وكان من الذين كاتبوا الحسين ودعوة الى الكوفة ، ولكنّه سرعان ما انضم َإلى جيش عبيد الله بن زياد عندما قدِم الكوفة ، وكان معه في القصر يوم كانت حركة مسلم بن عقيل ، وقام بمهمَّة تثبيط الناس عن الحركة ــ 264 انساب الأشراف ص 183 ــ
وتطوّر موقفه بعد قدوم الحسين ، إذ كان من الأشراف الذين شاركوا عبيد الله بن زياد في تصميم مسار المعركة ، فهو الذي اضطلع بحمل رسالة بن زياد إلى عمر بن سعد التي أستحثه بها التعجيل بقتل الحسين ــ 265 الطبري 6 ص 342 ـ
وكان ينافس بن سعد على قيادة الجيش ، ويزاوده على طاعة بن زياد ، وهو على ميسرة بن سعد في الهجوم ــ 266 الطبري 6 / 319 ــ
وكان سليط اللسان على الإمام ، وصاحب الاقتراح بحرق بيوت الحسين ، وعُرِف الشمر بأنه من اشد المحرِّضين على إنها ء الحسين في الساعات الأخيرة من المعركة ــ 267 الطبري 6 / 382 ــ
وقد أوفده عبيد الله بن زياد مع السبايا إلى يزيد بن معاوية ــ 268 المصدر 6 ص 398 ــ
أن من ابرز صفات هذا الرجل هي ( الانتهازية السياسيَّة ) والجلادة والغلظة ، وقد وصفه زهير بن القين بـ ( الجلف الجافي ) ــ 269 الطبري 6 / 354 ــ
الذي لا علم له بكتاب أو دين
· شبث بن ربعي : من الأشراف المعروفين ، وكان ممَّن خرج مع علي ... ورجع ــ271 تاريخ الإسلام للذهبي ص 416 ــ
فقد كان له دور متميِّز في القتال إلى جانب علي ، وصاحب لسان ضد معاوية بن أي سفيان وأحتجّ عليه قتل عمّار بن ياسر وكان محل نظر معاوية في بداية الصلح ، وقد أوصى زياد بن أبيه بأخذه ، فكان يحضر الصلاة معه ــ 274 الطبري 6 / 95 ــ
ومن الذين شهدوا على حجر إضطراراُ ، وقد كاتب الحسين بالقدوم الى الكوفة ، وانضمَّ إلى بن زياد ، وكان معه في قصر الإمارة ، حيث كلَّفه بتخويف قومه من الانتصار لمسلم بن عقيل ويروي صاحب الفتوح والأنساب أن شبث بن ربعي تمارض عندما أخذ عبيد الله بن زياد يبعث بالعساكر الى حرب الحسين ، هروباً من مسؤوليَّة التورط بهذه الجريمة ، ولكن بن زياد إضطرّه لذلك وبعثه في ألف مقاتل وكان على الرجّألة في جيش بن سعد وقد ذكَّره الحسين بمكاتبته لكنَّه أنكروفي الحرب عندما قُتل مسلم بن عوسجة خاطب جيش إبن زياد ( ثكلتكم أمهاتكم إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم ، وتذلُّون أنفسكم لغيركم ، تفرحون أن يُقتل مثل مسلم بن عوسجة ! أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له رأيته في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم سلق إذربيجان قتل من المشركين قبل تتامِّ خيول المسلمين ، أفيقتل منكم مثله تفرحون ) وهناك اتفاق أنَّ شبث حاول ان يتهرَّب من دم الحسين بل ردع شمر بن ذي الجوشن لما دعى الى حرق المخيمات والبيوت ، قال له ( ما رأيت مقالاً أسوء من قولك ، ولا موقفاً أقبح من موقفك ،أمُرعِباً للنساء صرت ) ولكن هذا لا ينفي أبدا ان الرجل موسوم بالانتهازية السياسية ، وكان ذا إحساس شديد بالنزعة الارستقراطية المتعالية .
· عزرة بن قيس الاحمسي : من الذين كا تبوا الحسين أو بالأحرى الذين كتبوا إلى الحسين عليه السلام ، وكان قد كلّفه عمر بن سعد بمحادثة الحسين عن سبب مجيئه فرفض استحياء لأنه كان قد كتب إليه بالمجيئ وقد تولَّى خيالة الجيش ، ومن الذين وفدوا بالرؤوس على عبيد الله بن زياد·
عبد الله بن زهير بن سليم الا زدي : روى الطبري أ نّه كان على ربع أ هل المدينة في جيش بن ولكن من الغريب حقاً انَّ هذا الرجل رغم موقعه الخطير الذي شغله في الجيش لم تذكر المصادر أيَّ موقف له في المعركة ، سواء على صعيد الرأي أو صعيد القتال ، وذلك بما فيهم الطبري ، ولم يرد اسمه في تشكيلة القوّاد برواية أنساب الأشراف ، وهو الحريص على ذلك ، ولم نجد لهذا الاسم ذكراً في المصادر التي تناولت معركة الطف !
· عبد الرحمن بن أبي سبرة ، ذكره الطبري أنَّه كان على ربع أسد ومذحج في الجيش ، وهو من جعفى شهد على حجر بن عدي ويذكر له الطبري موقفاً واحداً في هجوم الشمر بالرجالة على الحسين بقوله ( وأقدم عليه ــ الشمر ــ بالرجالة ، منهم أبو الجندب ــ واسمه عبد الرحمن الجعفي ــ وسنان بن أنس النخعي ، وخولي بن يزيد الاصبحي ، فجعل شمر بن ذي الجوشن يحرِّضهم ، فمرَّ بأبي الجندب وهو شاك في السلاح ، فقال له : أقدم عليه ، قال : وما يمنعك أن تقدم عليه أ نت ! فقال الشمر : إليَّ القول ذا ؟ قال : وأنت تقول لي ذا ! فاستبا ، فقال له أبو الجندب ــ وكان شجاعاً : والله لهممت أن أُخضخض السنان في عينك ... فانصرف الشمر ... ) تُرى ما تفسير ذلك ؟ هل الخوف من الحسين ؟ أم لإيمانه بان الطرف الآخر يجانب الحق ؟ وهل يمكن تفسيره بما بدر من الشمر من حقد على الحسين ؟ أم هو هروب من المسؤولية ؟ وهل ينسجم هذا من موقفه ا لعسكري القيادي في جيش بن سعد ؟ ألا أنَّ الإعثم الكوفي يروي ( ... ثم رمى رجل منهم بسهم يكنى أبا الجنوب الجعفي ، فوقع السهم في جبهته ـ أي جبهة الحسين ــ) وهو خلا ف ما جاء في الطبري حيث كانت الرمية في ( فيه ) ، وأن الرامي كان الحصين بن تميم وفي البداية و النهاية ان الر امي كان الحصين والرمية في ( حنكه ) وقيل أن الذي رماه رجل من بني أبان بن دارمللتاريخ ولذا من الصعب الركون الى رواية أبن الاعثم .
· قيس بن الاشعث بن قيس : ذكره الطبري
أ نّه كان على ربع ربيعة بن كندة في جيش عمر بن سعد ، ومن المعروف أن أباه كان من رواد الإنتهازية السياسية ، ويتهمه بعض المؤرخين بالتواطؤ مع عبد الرحمن بن مسلم في قتل علي عليه السلام ، وكان من أشد أعدائه ، ويُستفاد من الطبري أنَّه من الذين كتبوا الى الحسين عليه السلام ـ ، وقد عُرِف بـ ( قيس قطيفة ) لأنَّه استولى على قطيفة الحسين بعد قتله ، وكان من الوافدين على
عبيد الله بن زياد
· يزيد بن الحرث بن يزيد بن رويم : من الذين كتبوا الى الحسين با لقدوم الى الكوفة ويروى صاحب إنساب الاشراف أنَّ عبيد الله بن زياد بعثه بألف فارس لإسناد عمر بن سعد ، ولكن الاسم يختفي مرَّة و احدة ، حيث يسوقه الطبري ضمن الجماعة الذين ذكَّرهم الحسين بكتبهم أليه وهو نفسه رفض بيعة عبيد الله بن زياد عندما تولّى الكوفة بعد موت يزيد بن معاوية وقاتل مع الزبيرين ضد المختار فهو من الأشراف الارستقراطيين .
· حجار بن أبجر : من الشخصيات المعروفة بالانتهازية السياسية ، فقد تجسّس مرَّة على الخوارج بشكل شخصي وما بعدها ــ وكتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة ، أنضم الى إبن زياد بالكوفة وأضطلع بمهمة تخويف الكوفيين وكان من الذين إحتج عليهم الحسين في ساحة المعركة فأنكر وكان ممّن شهد على حجر بن عدي إنضمَّ ألى عبيد الله بن الزبير وقاتل المختار ومواقع اخرى ـ وأصبح من أعمدة الحكم الزبيري في الكوفة
· عمرو بن الحجاج الزبيدي : ذكره الطبري على ميمنة جيش عمر بن سعد وهذا الرجل شهد على حجر بن عدي وممّن كتب الى الحسين بالقدوم الى الكوفة إلاّ أنّه أعلن الطاعة نيابة عن مذحج بين يدي عبيد الله بن زياد وأتخذ موقفاً بارداً تجاه مسلم وهو الذي تولّى الحيلولة بين الحسين و الماء على خمسائة فارس وقد لعب دوراً متميزاً في الهجوم على معسكر الحسين وكان بينه وبين الحسين كلام حاد ،وقد أتهم الحسين بالمروق من الدين ،ووصف يزيد بـ ( الامام ) وكان صاحب دور في قتل مسلم بن عوسجة وكان من الوا فدين على ابن زياد بالضحايا إنضم الى إبن الزبير بالكوفة ، وقاتل المختار وقد تبعه المختار فهرب على طريق ( شراف وواقصة فلم يُرَ ... ولا يُدرى أي ارض بخسته أم سماء حصبته )
معالجة المفارقة الكبيرة
هذه هي أهم الاسماء البارزة في جيش بن سعد ، وهم من صميم العرب ، منهم من عدنان ومنهم من قحطان ، ولكن الصفة البارزة على هؤلاء هي ( الانتهازية السياسية ) ، فأنهم كانوا مع علي في حروب صفين والنهروان ،ولكنّهم هم بالذات الذين شهدوا على حجر بن عدي رغبة أو رهبة ، وقد كتبوا الى الحسين إلاّ أنَّهم انضمُّوا الى عبيد الله بن زياد ، وأصبحوا من أعمدة الجيش الذي قاتل الحسين ، ثم تحوَّلوا الى عبيد الله بن الزبير في الكوفة ! وقاتلوا تحت قيادة عبد الله بن مطيع ضد المختار قتالاً عنيفاً .
إنَّ الحسين عليه السلام استجاب لنداء الحركة بفعل عاملين ، الرسائل التي وصلت إليه من الكوفة ، والتقييم الذي كوَّنه مسلم بن عقيل عن أهلها ، فهل كان غائباً على الحسين انتهازية الشمر وعمرو بن الحجاج وحجار ابن ابجر وغيرهم ؟
لقد عاش الحسين أحداث أبيه وأخيه ، وهو على دراية كافية بحقيقة هؤلاء وسلوكهم السياسي الانتهازي عبر هذه المدّة الطويلة من الزمن ، إلاّ أن استجابته لم تكن لهذا النمط من الناس ، ذي النزعة الإرستقراطية الانتهازية ، وإنَّما لنمط آخر من الناس ، عرُِفوا بمواقفهم المبدئية الدينية اليقينية ، وذلك مثل مسلم بن عوسجة ، وحبيب بن مظاهر ، وغيرهما من مؤمني العرب ، ومن المؤكد أنَّ اعتماده كان على هؤلاء ، وعلى القاعدة الشعبية العامّة الرافضة بصدق وإخلاص حكم الأمويين ، و المتطلِّعة حقاً إلى الحسين وقيادته .
لقد كان هؤلاء الاشراف ( شمر بن ذي الجوشن ، وشبث بن ربعي ، وعمارة الاحمس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ) يتطلَّعون إلى السلطة و القوَّة ، وكان شعورهم بذواتهم قويَّاً ومتأصِّلاً ومتعاليا ، ولا نستبعد أن عبيد الله بن زياد رشا هؤلاء الأشراف بالمال والمواقع ، وأمر عمر بن سعد معروف في هذا المجال ، ولذا بإمكاننا القول أنَّ هذا الانقلاب الذي بدر من هؤلاء ليس غريباً عليهم ، بل هو المتوقّع أساسا فيما إذا تغيَّرت المقاييس انقلبت موازين القوى .
وإذا كان القادة والرموز من تميم والأُزد والحُمس وكندة ، ومن عرب الشمال وعرب الجنوب ، فمن أين هي تلك القواعد التي شكَّلت هذا الجيش ؟
نقرأ في الطبري ( ... لما خرج عمر بن سعد بالناس كان على ربع أهل المدينة يومئذ عبد الله بن زهير بن سُليم الأزدي ، وعلى ربع مذحج واسد بعد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الإشعث بن قيس ، وعلى ربع تميم وهمدان الحر بن يزيد الرياحي ، فشهد هؤلاء كلهم مقتل الحسين إلاّ الحر بن يزيد فإنَّه عدل الى الحسين ، وقُتِل معه ) والعبارة توحي أنَّ جميع من ينتمي إلى هذه العشائر ساهم في حرب الحسين ، و الواقع ليس كذلك ، فقد مرَّ بنا أن الجيوش أو الجماعات التي ساقها بن زيا د لمساعدة عمر بن سعد كانت تصل إلى ساحة المعركة في كربلاء بأعداد قليلة جدا ، وقد يعطي النص انطباعاً بأن الذين قاتلوا الحسين هم عرب وحسب .
لقد عوَّدنا الطبري ذكر الانتماء العشيري الصريح وهو يستعرض وقائع كربلاء ، ولم يكن النص السابق الشاهد الوحيد على هذه الظاهرة ، حيث يطالعنا الطبري ( ... ولمَّا قُتل الحسين بن علي عليه السلام جيء برؤوس من قُتِل معه من أهل بيته ، وشيعته ، وأنصاره ، إلى عبيد الله بن زياد ، فجاءت كندة بثلاث عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، جاءت تميم بسبعة عشر رأسا ، وجاءت أسد بستة رؤوس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، وذلك سبعون رأسا ) وهذه هي عادة الطبري مع القواد والرموز والأشراف ، وهي مسألة طبيعية ، لان العشيرة هي السائدة ، هي ذات الموقع السيادي في الحرب والسلم ، ومراجعة بسيطة للحروب في صدر الإسلام تكشف عن توكيد مركزي للحضور القبيلي ،
دور الديالمة في قتل الحسين
ولكن الطبري وغيره لم يذكر لنا هويّة الأربعة آلاف مقاتل الذين كانوا مع عمر بن سعد ! أنّها بلا ريب ظاهرة ملفتة ، وكل ما نعرفه عن هؤلاء ما يرويه الطبري نفسه فيقول ( ... وكان سبب خروج بن سعد إلى الحسين عليه السلام أنَّ عبيد الله بن زيا د بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة سير بهم الى دستبي ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها ، وغلبوا عليها ، فكتب إليه بن زياد عهده بالري ، وأمره بالخروج ) ـ 317 الطبري 6 / 335 ــ فهؤلاء كانوا قد أُعدُّوا لاستعادة الديلم ، ثم حوَّلهم عبيد الله بن زياد بقائدهم إلى قتال الحسين ، ولكن لم يذكر الطبري أو غيره انتماء هؤلاء العشائري ! والحقيقة أنَّ ممَّا ينسجم مع طبائع الأمور أن يكون هؤلاء الأربعة آلاف من الديالمة ، أي من الموالي الذين سبق أنْ أسرهم المسلمون العرب سنة 17 للهجرة في عين تمر بقيادة سعد بن أبي وقاص ،والذين نزحوا مع العرب إلى المدائن ثم الكوفة ، وكانوا في تقسيم الكوفة مع عبد قيس في السُبع مع بني قيس رغم أنّهم ليسوا عربا وفي ذلك يقول أسد حيدر ( ... وكان هؤلاء بقية ا لفرس أيام الفتح وهم المعروفون بحمر الديلم ) ويتحدَّث الطبري وغيره أنَّ الحصين بن تميم كان على شرطة بن زياد ، وقد بعثهم لمحاصرة الحسين ، وكانوا أربعة آلاف ومنهم انسلَّ الحر بألف فارس للقاء الحسين ، واستقدامه بين يدي بن زياد ،وفي النتيجة التحقوا بعمر بن سعد ــ 321 نفس المصدر 178 ــ ولكن هؤلاء الشرطة كانوا امتداداً لشرطة أبيه زياد بن أبيه ، وهم من الموالي الذين سلَّطهم زياد على شيعة الكوفة ، ومن ثمَّ ابنه عبيد الله ،وقد أجادوا مهنة الإرهاب والإستذلال وكانوا أشرار المجتمع الكوفي ، ومن الطريف أن نقرأ عن شمر بن ذي الجوشن ما ينقله أبو إسحق حيث يقول ( كان الشمر بن ذي الجوشن يصلي معنا الفجر ، ثُمَّ يقعد حتى يصبح ، ثم يصلي فيقول : اللهم إنَّك تحب الشرف ، وأنت تعلم أني شريف ، فاغفر لي ، فقلتُ ــ أي أبو إسحق ــ يغفر الله لك وقد خرجت الى بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعنت على قتله ؟ قال : ويحك فكيف نصنع ،إنَّ أمراءنا هؤلاء أمرونا بأمر فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنَّا أشرَّ من هذه الحمر ) ــ 323 تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة 68 ــ و
موقع الشاهد هنا هؤلاء الحمر ، إذ يحق لنا السؤال عن المفارقة الكبيرة لهؤلاء في المجتمع الكوفي ،بحيث يكونون محلَّ أشارة واستشهاد ؟ تُرى ما هي الممارسات التي كانوا يزاولها هؤلاء ؟ ثمَّ لا ننسى أن ( معقل ) مولى إ بن زياد كان من الموالي ـ ثورة الحسين لشمس الدين ــ وهذا الأخير كان من ربيب الفرس الخلص ، ولما أراد عبيد الله بن زياد بعث الرؤوس إلى يزيد كان لابدَّ من استنفار ا لناس ، فكان الذي أذَّن بالناس في الرحيل ( حميد بن بكير الأحمري ) وكان ( سرِّي بن معاذ الأحمري ) من جلاوزة ابن زياد الذين جنَّدهم لإرعاب السبايا
لقد بلغ عدد الموالي في الكوفة عشرين ألفاً في زمن زياد بن أبيه ــ 326 الأخبار الطوال ص 254 ــ
فكم كان عددهم في زمن ابنه عبد بن زياد ؟ لقد كان الموالي يشكلون نسبة عالية من المجتمع الكوفي ، بل وفي رأي فلهاوزن كانوا أكثر من نصف سكان الكوفة ، يحتكرون الحرف والصناعة والتجارة ، وكان أكثرهم فرساً ــ 327 فجر الإسلام ص 93 ــ
فمن الطبيعي أن يشكلوا نسبة عالية في ذلك الجيش ،وأي نداء لأهل الكوفة إنَّما موجَّه الى هؤلاء بقدر ما هو موجَّه إلى عشائرها .