نووورا انا
23-12-2009, 08:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الشعائر بنظرة غربية
الشيخ ياسر الصالح-البحرين
" المواكب السيارة - وهي تناهز الاثنين والعشرين موكباً – كانت قد أصبحت جميعها الآن داخل أسوار المدينة القديمة، عادت الطبول تُقرع من جديد، والجموع ما انفكت تصرخ: ياحسين، ياحسين.. وهي تلطم بشدة على صدروها، الجوقة النحاسية تعزف بأصدح الأصوات المتاحة، وعند كل زاوية حيثما يسمح المجال يسترسل الوعاظ المحمديون في سرد الحكاية المأساوية لموت الشهداء، ما كان ممكنا التحرك إلا مع الحشود ذلك أن الطرقات بالكاد تبلغ العشرين قدماً عرضاً.. ودقات الطبول وصيحات: يا حسين يا حسين لا تزال تتردد.."
هذه مقتطفات من رواية باسم (على سور المدينة) والتي يعود تاريخ كتابتها إلى أكثر من مئة عام، وبالتحديد عام 1888م، ومكان الحدث هو مدينة لاهور الباكستانية، والحدث -كما هو واضح وجلي- عاشوراء الحسين، ولكن المهم في الموضوع هو كون كاتب هذه السطور رجل بعيد عن الثقافة الإسلامية، فهو ليس رجلاً هندياً، أو عربياً بل وليس حتى شيعياً، وإنما هو شاعر وروائي انكليزي حائز على جائزة نوبل للآداب (عام 1907م) واسمه روديارد كبلينغ "Rudyard Kipling" حضر العديد من مواسم عاشوراء إبان الاحتلال البريطاني للهند، وكتب عنها في الصحف والمجلات، ثم كتب روايته (على سور المدينة) والتي تشكلت فصولها من مشاهداته تلك.
لقد شكلت الشعائر الحسينية وثورة الإمام الحسين(ع) مادة للبحث العلمي لدى الكثير من الدارسين والباحثين منذ القدم، فقد وجدوا فيها مادة تستحق البحث والتنقيب، فعمدوا إلى البحث عن المعنى والدلالة والأسباب، فانطلقوا من توصيف المظاهر إلى الغور في عمق المعاني المتجلية من هذه الشعائر، وكثيراً ما رأينا كتباً ودراسات لمفكرين وباحثين بعيدين عن الإسلام وعن التشيع، ولكنهم تكلموا بلسان من يفهم هذه القضية ويعيش تجلياتها، ويعاين عمق معانيها.
وليس ذلك بالأمر الغريب فثورة الإمام الحسين(ع) ليست حكراً على فئة أو طائفة، وإنما هي ثورة عالمية انطلقت من مدينة كربلاء وامتدت على طول خط الزمان والمكان، ولعبت دوراً كبيراً ومؤثراً في الكثير من منعطفات التاريخ ومستجداته، وكان الحكام الظلمة يحسبون لها حسابات عديدة، ففي الهند يقول ديفيد بينولت David Pinault بروفسور مساعد في كلية الدراسات الدينية في جامعة سانتا كلارا –ولاية كاليفورنيا في كتابه الشيعة: "كنت تجد المجلات والصحف البريطانية تُعلن النفير العام، وتدق جرس الإنذار عشية ذكرى عاشوراء من كل عام، حيث كانت تتوقع حدوث خروقات للأمن الامبريالي.."
الأربعين المهيب.. والإعلان الصارخ:
شكلت زيارة الأربعين الأولى بعد سقوط النظام المقبور في العراق صدمة للعالم، حيث تسمّرت عيون الملاين في كل أرجاء المعمورة أمام شاشات التلفاز، وهي تشاهد جموع الزائرين الزاحفين إلى كربلاء، مولدة أسئلة كثيرة ظلت حائرة تبحث لها عن إجابات، بينما الملايين تواصل زحفها المقدس إلى مرقد الإمام الحسين (ع).
وبين العالم الشرقي والغربي فرق شاسع، ففي الوقت الذي انبرى فيه من كفر الشيعة وطعن في معتقداتهم، في تلك المناسبة وغيرها، ظهرت إلى الساحة مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث والتي عمدت إلى تحليل ودراسة الوضع الشيعي، وبالتحديد معالم تلك الزيارة العظيمة، والشعائر الحسينية المصاحبة لها، وكانت تلك الكتب والدراسات سبباً لدخول الكثير من الناس إلى الإسلام المحمدي الأصيل، وهذا ما يبرر لنا انتهاج القنوات العربية سياسة منع تغطية مراسيم الأربعين في الأعوام التي تلت.
يقول ولي نصر vali nasr أستاذ سياسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في دائرة الدراسات العليا التابعة للأكاديمية البحرية في أمريكا في كتابه صحوة الشيعة: "في ذلك الأربعين بالذات الذي جاء غداة اليوم المشهور الآخر، يوم اسقط رجال الماريننز الأميركيون، وعراقيون مبتهجون، تمثال صدام حسين المجوف في ساحة الفردوس ببغداد، صادف أن كنت في ضواحي لاهور.. وكان جهاز التلفاز مولفاً على محطة السي ان ان، حيث أن الجميع كانوا يتابعون الأخبار الاتية من العراق، فتحولت التغطية المتلفزة إلى نقل مشاهد لشبان شيعة يقفون مكتظين متراصين، في ظل القبة المذهبة لمقام الإمام الحسين في كربلاء، كانوا جميعاً يرتدون قمصاناً سوداء، ويعصبون رؤوسهم بأوشحة خضراء اللون؛ كانوا ينشدون مرثاة بالعربية لإمامهم المحبوب، وهم يرفعون أكفهم عالياً نحوالسماء، كما لوكانوا يصلّون ثم ينزلونها في تساوق وانسجام لتقرع صدورهم في حركة إيقاعية متواترة ملؤها التفجع والتضامن.. كانت للصورة جاذبية المغناطيس، لقد كان الشيعة يومها في الشوارع والطرقات، وكانوا يرفعون عقيدتهم وهويتهم عالياً كي يراهما الجميع، فجعلنا نبحلق في شاشات التلفاز...". ويعزي ولي نصر أحد أسباب دراسته للشيعة وكتابته كتاب "صحوة الشيعة" إلى المشاهد التي شاهدها ذلك اليوم.. حيث أنه وقف مذهولاً أمام الزحف المقدس للشيعة، وهم يتوجهون إلى كربلاء: " ما إن سُحق نظام حكم صدام حسين حتى انطلق عشرات الألوف من الإيرانيين، والعديد منهم نساء فقيرات ومسنات، ليس عليهن سوى "الشادور" الأسود يغطي رؤوسهن وأجسامهن، وصرر صغيرة من الطعام يحملنها في أيديهن، فعبروا الحدود الإيرانية – العراقية، قاطعين حقول الألغام، واتخذوا طريقهم عبر الأراضي المقفرة في جنوب العراق لزيارة مقام الإمام الحسين في كربلاء، الذي اقفله صدام في وجه الحجاج الإيرانيين لسنوات طويلة"
يتبع...
اللهم صل على محمد وال محمد
الشعائر بنظرة غربية
الشيخ ياسر الصالح-البحرين
" المواكب السيارة - وهي تناهز الاثنين والعشرين موكباً – كانت قد أصبحت جميعها الآن داخل أسوار المدينة القديمة، عادت الطبول تُقرع من جديد، والجموع ما انفكت تصرخ: ياحسين، ياحسين.. وهي تلطم بشدة على صدروها، الجوقة النحاسية تعزف بأصدح الأصوات المتاحة، وعند كل زاوية حيثما يسمح المجال يسترسل الوعاظ المحمديون في سرد الحكاية المأساوية لموت الشهداء، ما كان ممكنا التحرك إلا مع الحشود ذلك أن الطرقات بالكاد تبلغ العشرين قدماً عرضاً.. ودقات الطبول وصيحات: يا حسين يا حسين لا تزال تتردد.."
هذه مقتطفات من رواية باسم (على سور المدينة) والتي يعود تاريخ كتابتها إلى أكثر من مئة عام، وبالتحديد عام 1888م، ومكان الحدث هو مدينة لاهور الباكستانية، والحدث -كما هو واضح وجلي- عاشوراء الحسين، ولكن المهم في الموضوع هو كون كاتب هذه السطور رجل بعيد عن الثقافة الإسلامية، فهو ليس رجلاً هندياً، أو عربياً بل وليس حتى شيعياً، وإنما هو شاعر وروائي انكليزي حائز على جائزة نوبل للآداب (عام 1907م) واسمه روديارد كبلينغ "Rudyard Kipling" حضر العديد من مواسم عاشوراء إبان الاحتلال البريطاني للهند، وكتب عنها في الصحف والمجلات، ثم كتب روايته (على سور المدينة) والتي تشكلت فصولها من مشاهداته تلك.
لقد شكلت الشعائر الحسينية وثورة الإمام الحسين(ع) مادة للبحث العلمي لدى الكثير من الدارسين والباحثين منذ القدم، فقد وجدوا فيها مادة تستحق البحث والتنقيب، فعمدوا إلى البحث عن المعنى والدلالة والأسباب، فانطلقوا من توصيف المظاهر إلى الغور في عمق المعاني المتجلية من هذه الشعائر، وكثيراً ما رأينا كتباً ودراسات لمفكرين وباحثين بعيدين عن الإسلام وعن التشيع، ولكنهم تكلموا بلسان من يفهم هذه القضية ويعيش تجلياتها، ويعاين عمق معانيها.
وليس ذلك بالأمر الغريب فثورة الإمام الحسين(ع) ليست حكراً على فئة أو طائفة، وإنما هي ثورة عالمية انطلقت من مدينة كربلاء وامتدت على طول خط الزمان والمكان، ولعبت دوراً كبيراً ومؤثراً في الكثير من منعطفات التاريخ ومستجداته، وكان الحكام الظلمة يحسبون لها حسابات عديدة، ففي الهند يقول ديفيد بينولت David Pinault بروفسور مساعد في كلية الدراسات الدينية في جامعة سانتا كلارا –ولاية كاليفورنيا في كتابه الشيعة: "كنت تجد المجلات والصحف البريطانية تُعلن النفير العام، وتدق جرس الإنذار عشية ذكرى عاشوراء من كل عام، حيث كانت تتوقع حدوث خروقات للأمن الامبريالي.."
الأربعين المهيب.. والإعلان الصارخ:
شكلت زيارة الأربعين الأولى بعد سقوط النظام المقبور في العراق صدمة للعالم، حيث تسمّرت عيون الملاين في كل أرجاء المعمورة أمام شاشات التلفاز، وهي تشاهد جموع الزائرين الزاحفين إلى كربلاء، مولدة أسئلة كثيرة ظلت حائرة تبحث لها عن إجابات، بينما الملايين تواصل زحفها المقدس إلى مرقد الإمام الحسين (ع).
وبين العالم الشرقي والغربي فرق شاسع، ففي الوقت الذي انبرى فيه من كفر الشيعة وطعن في معتقداتهم، في تلك المناسبة وغيرها، ظهرت إلى الساحة مجموعة كبيرة من الدراسات والأبحاث والتي عمدت إلى تحليل ودراسة الوضع الشيعي، وبالتحديد معالم تلك الزيارة العظيمة، والشعائر الحسينية المصاحبة لها، وكانت تلك الكتب والدراسات سبباً لدخول الكثير من الناس إلى الإسلام المحمدي الأصيل، وهذا ما يبرر لنا انتهاج القنوات العربية سياسة منع تغطية مراسيم الأربعين في الأعوام التي تلت.
يقول ولي نصر vali nasr أستاذ سياسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في دائرة الدراسات العليا التابعة للأكاديمية البحرية في أمريكا في كتابه صحوة الشيعة: "في ذلك الأربعين بالذات الذي جاء غداة اليوم المشهور الآخر، يوم اسقط رجال الماريننز الأميركيون، وعراقيون مبتهجون، تمثال صدام حسين المجوف في ساحة الفردوس ببغداد، صادف أن كنت في ضواحي لاهور.. وكان جهاز التلفاز مولفاً على محطة السي ان ان، حيث أن الجميع كانوا يتابعون الأخبار الاتية من العراق، فتحولت التغطية المتلفزة إلى نقل مشاهد لشبان شيعة يقفون مكتظين متراصين، في ظل القبة المذهبة لمقام الإمام الحسين في كربلاء، كانوا جميعاً يرتدون قمصاناً سوداء، ويعصبون رؤوسهم بأوشحة خضراء اللون؛ كانوا ينشدون مرثاة بالعربية لإمامهم المحبوب، وهم يرفعون أكفهم عالياً نحوالسماء، كما لوكانوا يصلّون ثم ينزلونها في تساوق وانسجام لتقرع صدورهم في حركة إيقاعية متواترة ملؤها التفجع والتضامن.. كانت للصورة جاذبية المغناطيس، لقد كان الشيعة يومها في الشوارع والطرقات، وكانوا يرفعون عقيدتهم وهويتهم عالياً كي يراهما الجميع، فجعلنا نبحلق في شاشات التلفاز...". ويعزي ولي نصر أحد أسباب دراسته للشيعة وكتابته كتاب "صحوة الشيعة" إلى المشاهد التي شاهدها ذلك اليوم.. حيث أنه وقف مذهولاً أمام الزحف المقدس للشيعة، وهم يتوجهون إلى كربلاء: " ما إن سُحق نظام حكم صدام حسين حتى انطلق عشرات الألوف من الإيرانيين، والعديد منهم نساء فقيرات ومسنات، ليس عليهن سوى "الشادور" الأسود يغطي رؤوسهن وأجسامهن، وصرر صغيرة من الطعام يحملنها في أيديهن، فعبروا الحدود الإيرانية – العراقية، قاطعين حقول الألغام، واتخذوا طريقهم عبر الأراضي المقفرة في جنوب العراق لزيارة مقام الإمام الحسين في كربلاء، الذي اقفله صدام في وجه الحجاج الإيرانيين لسنوات طويلة"
يتبع...