فيلاوي
25-12-2009, 02:35 AM
قال ابن كثير"الصحابي: من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال إسلام الراوي، وإن لم تطل صحبته له، وإن لم يرو عنه شيئاً.
هذا قول جمهور العلماء، خلفاً وسلفاً.
وقد نص على أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة: البخاري وأبو زرعة، وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة، كابن عبد البر، وابن مندة وأبي موسى المديني، وابن الأثير في كتابه " الغابة في معرفة الصحابة " . وهو أجمعها وأكثرها فوائد وأو سعها. أثابهم الله أجمعين.
قال ابن الصلاح: وقد شان ابن عبد البر كتابه " الاستيعاب " بذكر ما شجر بين الصحابة مما تلقاه من كتب الآخباريين وغيرهم.
وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي حديثاً أو حديثين.
وعن سعيد بن المسيب: لا بد من أن يصحبه سنة أو سنتين، أو يغزو معه غزوة و غزوتين. وروى شعبة عن موسى السبلاني. وأثنى عليه خيراً، قال: قلت لأنس بن مالك: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا. رواه مسلم بحضرة أبي زرعة.
وهذا إنما نفي فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة، لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلالة قدره وقدر من رآه من المسلمين. ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث: تغزون فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: " نعم، فيفتح لكم " حتى ذكر " من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث بتمامه.
وقال بعضهم، في معاوية وعمر بن عبد العزيز: ليوم شهده معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته.
" فرع " والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفين. والاجتهار يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً - : قول باطل مرذول ومردود.
وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول لله صلى لله عليه وسلم أنه قال - عن ابن بنته الحسن بن علي، وكان معه على المنبر: " إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .
وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر، بعد موت أبيه علي، واجتمعت الكلمة على معاوية، وسمي " عام الجماعة " . وذلك سنة أربعين من الهجرة: فسمي الجميع " مسلمين " وقال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فسماهم " مؤمنين " مع الاقتتال.
ومن كان من الصحابة مع معاوية؟ يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة، والله أعلم. وجميعهم صحابة، فهم عدول كلهم.
وأما بعض الطوائف وجهلهم وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً، وسموهم: فهو من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد، عن ذهن برد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد. والبرهان على خلافه أظهر وأشهر، مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنوع القربات، في سائر الأحيان والأوقات، مع الشجاعة والبراعة، والكرم والإيثار، والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين، ولعن من يتهم الصادق ويصدق الكاذبين. آمين يا رب العالمين.
وأفضل الصحابة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم االسلام: أبو بكر عبد الله بن عثمان " أبي قحافة " التيمي، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمي الصديق لمبادرته إلى تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام قبل الناس كلهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما دعوت أحداً إلأى الإيمان إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر، فإنه لم يتلعثم " . وقد ذكرت سيرته وفضائله ومسنده والفتاوي عنه، في مجلده على حدة، ولله الحمد.
ثم من بعده: عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب.
هذا رأي المهاجرين والأنصار. حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها، حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب،فلم يرهم يعدلون بعثمان أحداً، فقدمه على علي، وولاه الأمر قبله، ولهذا قال الدارقطني: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وصدق رضي الله عنه وأكرمه مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه.
والعجب أن ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان. ويحكى عن سفيان الثوري، لكن يقال أنه رجع عنه. ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو ضعيف مردود بما تقدم.
ثم بقية العشرة ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وأما السابقون الأولون، فقيل: هم من صلى " إلى " القبلتين، وقيل أهل بدر، وقيل: بيعة الرضوان، وقيل غير ذلك والله أعلم.
" فرع " : قال الشافعي: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً. وقال أبو زرعة الرازي: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً، وكان معه بتبوك سبعون ألفاً، وقبض عليه الصلاة والسلام عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة.
قال أحمد بن حنبل: وأكثرهم رواية ستة: أنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وعائشة.
" قلت " : وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد، وابن مسعود، ولكنه توفي قديماً، ولهذا يعده أحمد بن حنبل في العبادلة، بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
" فرع " : وأول من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر الصديق، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً. ومن الولدان: علي، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ولا دليل عليه من وجه يصح. ومن الموالي: زيد بن حارثة. ومن الأرقاء: بلال. ومن النساء: خديجة، وقيل: إنها أول من أسلم مطلقاً، وهو ظاهر السياقات في أول البعثة، وهو محكي عن ابن عباس والزهري وقتادة ومحمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي وجماعة، وادعى الثعلبي المفسر على ذلك الإجماع قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها.
" فرع " : وآخر الصحابة موتاً أنس بن مالك. ثم أبو الطفيل عامر ابن واثلة الليثي، قال علي بن المدني: وكانت وفاته بمكة فعلى هذا هو آخر من مات بها. ويقال: آخر من مات بمكة ابن عمر. وقيل: جابر، والصحيح أن جابراً مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها. وقيل: سهل ابن سعد. وقيل: السائب بن يزيد. وبالبصرة: أنس. وبالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى. وبالشام: عبد الله بن بسر بحمص. وبدمشق: واثلة بن الأسقع. وبمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء. وباليمامة: الهرماس بن زياد، وبالجزيرة: العرس بن عميرة. وأفريقية: رويفع بن ثابت. وبالبادية: سلمة ابن الأكوع. رضي الله عنهم.
" فرع " : وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، وتارة بأخبار مستفيضة، وتارة بشهادة غيره من الصحابة له، وتارة بروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعاً أو مشاهدة مع المعاصرة.
فأما إذا قال المعاصر العدل: " أنا صحابي " : فقد قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف، يعني لأنه يخبر عن حكم شرعي، كما لو قال في الناسخ: " هذا ناسخٌ لهذا " لاحتمال خطأه في ذلك.
أما لو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا " أو: " رأيته فعل كذا " ، أو " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، ونحو هذا - : فهذا مقبول لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره صلى الله عليه وسلم."
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في عقيدته عن أهل السنة والجماعة
"وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.
وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُم مِنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ -إِنْ صَدَرَ-، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ.
ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَمَن نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ".
هذا قول جمهور العلماء، خلفاً وسلفاً.
وقد نص على أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة: البخاري وأبو زرعة، وغير واحد ممن صنف في أسماء الصحابة، كابن عبد البر، وابن مندة وأبي موسى المديني، وابن الأثير في كتابه " الغابة في معرفة الصحابة " . وهو أجمعها وأكثرها فوائد وأو سعها. أثابهم الله أجمعين.
قال ابن الصلاح: وقد شان ابن عبد البر كتابه " الاستيعاب " بذكر ما شجر بين الصحابة مما تلقاه من كتب الآخباريين وغيرهم.
وقال آخرون: لا بد في إطلاق الصحبة مع الرؤية أن يروي حديثاً أو حديثين.
وعن سعيد بن المسيب: لا بد من أن يصحبه سنة أو سنتين، أو يغزو معه غزوة و غزوتين. وروى شعبة عن موسى السبلاني. وأثنى عليه خيراً، قال: قلت لأنس بن مالك: هل بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيرك؟ قال ناس من الأعراب رأوه، فأما من صحبه فلا. رواه مسلم بحضرة أبي زرعة.
وهذا إنما نفي فيه الصحبة الخاصة، ولا ينفي ما اصطلح عليه الجمهور من أن مجرد الرؤية كاف في إطلاق الصحبة، لشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلالة قدره وقدر من رآه من المسلمين. ولهذا جاء في بعض ألفاظ الحديث: تغزون فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: " نعم، فيفتح لكم " حتى ذكر " من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث بتمامه.
وقال بعضهم، في معاوية وعمر بن عبد العزيز: ليوم شهده معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز وأهل بيته.
" فرع " والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل، والجزاء الجميل.
وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام، فمنه ما وقع عن غير قصد، كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد، كيوم صفين. والاجتهار يخطئ ويصيب، ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ، ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران اثنان، وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين.
وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلا من قاتل علياً - : قول باطل مرذول ومردود.
وقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول لله صلى لله عليه وسلم أنه قال - عن ابن بنته الحسن بن علي، وكان معه على المنبر: " إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " .
وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر، بعد موت أبيه علي، واجتمعت الكلمة على معاوية، وسمي " عام الجماعة " . وذلك سنة أربعين من الهجرة: فسمي الجميع " مسلمين " وقال تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) فسماهم " مؤمنين " مع الاقتتال.
ومن كان من الصحابة مع معاوية؟ يقال: لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة، والله أعلم. وجميعهم صحابة، فهم عدول كلهم.
وأما بعض الطوائف وجهلهم وقلة عقلهم، ودعاويهم أن الصحابة كفروا إلا سبعة عشر صحابياً، وسموهم: فهو من الهذيان بلا دليل، إلا مجرد الرأي الفاسد، عن ذهن برد، وهوى متبع، وهو أقل من أن يرد. والبرهان على خلافه أظهر وأشهر، مما علم من امتثالهم أوامره بعده عليه الصلاة والسلام، وفتحهم الأقاليم والآفاق، وتبليغهم عنه الكتاب والسنة، وهدايتهم الناس إلى طريق الجنة، ومواظبتهم على الصلوات والزكوات وأنوع القربات، في سائر الأحيان والأوقات، مع الشجاعة والبراعة، والكرم والإيثار، والأخلاق الجميلة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة، ولا يكون أحد بعدهم مثلهم في ذلك، فرضي الله عنهم أجمعين، ولعن من يتهم الصادق ويصدق الكاذبين. آمين يا رب العالمين.
وأفضل الصحابة، بل أفضل الخلق بعد الأنبياء عليهم االسلام: أبو بكر عبد الله بن عثمان " أبي قحافة " التيمي، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمي الصديق لمبادرته إلى تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام قبل الناس كلهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما دعوت أحداً إلأى الإيمان إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر، فإنه لم يتلعثم " . وقد ذكرت سيرته وفضائله ومسنده والفتاوي عنه، في مجلده على حدة، ولله الحمد.
ثم من بعده: عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب.
هذا رأي المهاجرين والأنصار. حين جعل عمر الأمر من بعده شورى بين ستة، فانحصر في عثمان وعلي، واجتهد فيهما عبد الرحمن بن عوف ثلاثة أيام بلياليها، حتى سأل النساء في خدورهن، والصبيان في المكاتب،فلم يرهم يعدلون بعثمان أحداً، فقدمه على علي، وولاه الأمر قبله، ولهذا قال الدارقطني: من قدم علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وصدق رضي الله عنه وأكرمه مثواه، وجعل جنة الفردوس مأواه.
والعجب أن ذهب بعض أهل الكوفة من أهل السنة إلى تقديم علي على عثمان. ويحكى عن سفيان الثوري، لكن يقال أنه رجع عنه. ونقل مثله عن وكيع بن الجراح، ونصره ابن خزيمة والخطابي، وهو ضعيف مردود بما تقدم.
ثم بقية العشرة ثم أهل بدر، ثم أهل أحد، ثم أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية.
وأما السابقون الأولون، فقيل: هم من صلى " إلى " القبلتين، وقيل أهل بدر، وقيل: بيعة الرضوان، وقيل غير ذلك والله أعلم.
" فرع " : قال الشافعي: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين نحو من ستين ألفاً. وقال أبو زرعة الرازي: شهد معه حجة الوداع أربعون ألفاً، وكان معه بتبوك سبعون ألفاً، وقبض عليه الصلاة والسلام عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة.
قال أحمد بن حنبل: وأكثرهم رواية ستة: أنس، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وعائشة.
" قلت " : وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد، وابن مسعود، ولكنه توفي قديماً، ولهذا يعده أحمد بن حنبل في العبادلة، بل قال: العبادلة أربعة: عبد الله بن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
" فرع " : وأول من أسلم من الرجال الأحرار: أبو بكر الصديق، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً. ومن الولدان: علي، وقيل: إنه أول من أسلم مطلقاً، ولا دليل عليه من وجه يصح. ومن الموالي: زيد بن حارثة. ومن الأرقاء: بلال. ومن النساء: خديجة، وقيل: إنها أول من أسلم مطلقاً، وهو ظاهر السياقات في أول البعثة، وهو محكي عن ابن عباس والزهري وقتادة ومحمد بن إسحق بن يسار صاحب المغازي وجماعة، وادعى الثعلبي المفسر على ذلك الإجماع قال: وإنما الخلاف فيمن أسلم بعدها.
" فرع " : وآخر الصحابة موتاً أنس بن مالك. ثم أبو الطفيل عامر ابن واثلة الليثي، قال علي بن المدني: وكانت وفاته بمكة فعلى هذا هو آخر من مات بها. ويقال: آخر من مات بمكة ابن عمر. وقيل: جابر، والصحيح أن جابراً مات بالمدينة، وكان آخر من مات بها. وقيل: سهل ابن سعد. وقيل: السائب بن يزيد. وبالبصرة: أنس. وبالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى. وبالشام: عبد الله بن بسر بحمص. وبدمشق: واثلة بن الأسقع. وبمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء. وباليمامة: الهرماس بن زياد، وبالجزيرة: العرس بن عميرة. وأفريقية: رويفع بن ثابت. وبالبادية: سلمة ابن الأكوع. رضي الله عنهم.
" فرع " : وتعرف صحبة الصحابة تارة بالتواتر، وتارة بأخبار مستفيضة، وتارة بشهادة غيره من الصحابة له، وتارة بروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم سماعاً أو مشاهدة مع المعاصرة.
فأما إذا قال المعاصر العدل: " أنا صحابي " : فقد قال ابن الحاجب في مختصره: احتمل الخلاف، يعني لأنه يخبر عن حكم شرعي، كما لو قال في الناسخ: " هذا ناسخٌ لهذا " لاحتمال خطأه في ذلك.
أما لو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا " أو: " رأيته فعل كذا " ، أو " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، ونحو هذا - : فهذا مقبول لا محالة، إذا صح السند إليه، وهو ممن عاصره صلى الله عليه وسلم."
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في عقيدته عن أهل السنة والجماعة
"وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.
وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُم مِنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ -إِنْ صَدَرَ-، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ.
ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَمَن نَظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ".