ربيبة الزهـراء
27-12-2009, 04:26 PM
اللهم صلي على محمد وال محمد
لخطيب الفحل، شيخ وكبير خطباء البحرين الملا عطية بن علي الجمري. ولد في بني جمرة ليلة 20 جمادة الثانية سنة 1317هـ (1899م)، وقد أرَّخ قدس الله نفسه ولادته بقوله - متيمنا بكون
مولده ليلة مولد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام:
ولادتي في ليلة مشرفة زهيه
شرفت الكون بها فاطمة القدسيه
فيا لها من صدفة نلت بها الأمنيَّه
قال لي التاريخ: «عش بالخير ياعطيه»
تربى في أحضان والده المقدس علي بن عبدالرسول رحمه الله، وقد هاجر والده مع عياله ومن ضمنهم المترجم من البحرين إلى العراق في العام 1327هـ (1909 م) وللمترجم من العمر عشر سنين، وقد تلقى في العراق - البصرة، وفي المحمرة التي كان والده يتردد معه عليها، الخطابة على أيدي خطباء ماهرين، وراح يرقى المنبر الحسيني بجدارة وهو في سن مبكرة، ممتازا بقوة الحافظة والذاكرة، وشدة الذكاء، وموهبة الشعر. وعاد إلى البحرين بعد أكثر من عشر سنين. وفي البحرين صحب الشيخين الجليلين: الشيخ عبدالله العرب الشهيد وابنه الشيخ محسن، وقد تقدمت ترجمتهما في فصل «علماؤها» فأخذ عنهما - طيب الله ثراه - الكثير من المعارف الدينية، وبعض المقدمات كالنحو والصرف.
وأول سنة تشرف فيها بحج بيت الله الحرام هي سنة 1367هـ (1948 م).
قدم رحمه الله إلى الجماهير المؤمنة ديوانه القيم «الجمرات الودية في المودة الجمرية» في ستة أجزاء، طبع منها في حياته أربعة أجزاء، وبعد وفاته جزآن.
يمتاز شعره بالرقة والابتكار للمعاني، والجودة في السبك، والدقة في التصوير. إنك لتقرأ القطعة من شعره فتجدها تفيض أسى، وتقطر ولاء وتفانيا، وتمثل إنسانا قد انصهر بحب أهل البيت (ع)،
وتفاعل بأحداثهم، وانقطع إليهم، مجسدا معنى قول الشاعر:
وما فاتني نصركم باللسان
إذا فاتني نصركم باليد
وإلى شاعرنا الأستاذ يعود الفضل في بعث الحركة الأدبية في هذا المجال وبهذا اللون من الشعر في الخليج العربي .
وقد قدمت للجزء السادس من ديوانه «الجمرات الودية» مقدمة أرى من الخير أن أثبتها هنا كما هي لكونها شاملة فإليك ذلك:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فبين يديك - أيها القارئ الكريم - الجزء السادس من ديوان «الجمرات الودية والمودة الجمرية» لصاحبه الشاعر الفحل، ورائد هذا الفن من أدب الطف، الخطيب الكبير المرحوم ملا عطية بن علي الجمري طيب الله ثراه. وإني أرى من الحق - وأنا اقدم لهذا الديوان - أن أقف وإياك أيها القارئ ونقضي شيئا من الوقت مع هذه الشخصية - شخصية شاعرنا الكبير - المتميزة بعطائها ومواهبها وتجديدها، والتي تمثل منعطفا ملحوظا في مسار المنبر الحسيني، والأدب الرثائي باللسان الشعبي، بما سجلت من مواقف وأدوار كبيرة في الساحة الحسينية خطابة، ومدحا ورثاء، وتطويرا وتجديدا، وأصالة.
وكم أكون آسفا للإخوة الذين يكتبون عن أدب الخليج، وشعرائه، ومميزاته، وملامحه، ويمرون بهذه الشخصية التي لا يمكن تجاهلها في عالم الأدب مرور كرام، فلا يذكرونها - على الأقل - كإحدى الشخصيات الأدبية الخليجية... وكلما بحثت عن السر في هذا التجاهل لم أجد إلا أن هذه الشخصية يتمخض بروزها وامتيازها في مجال أدب الطف، وكأن هذا الأدب لا يعني الإخوة المحترمين، ولا يستحق الاهتمام في حسابهم. وأود أن أهمس في أذن الإخوة الأعزاء بأن كل ما ارتبط بالحسين السبط (ع)، الحسين الثائر الحسين القدوة من فكر وأدب لهو الشعلة التي تظل أبدا تضيء الدرب للسائرين، والنور الأخضر الذي يفتح الطريق أمام المجاهدين، والوقود الذي يمد المسيرة الإسلامية لتواصل طريقها حتى البلوغ إلى الغاية.
إن ثورة الحسين (ع) كلما مرت الأيام وتعاقبت الأجيال تزداد حقيقتها سطوعا وتألقا ومعانيها وأبعادها تبلورا، ومبادؤها وأهدافها ظهورا.
لذلك فإن كل حر في الدينا - سواء كان مؤمنا أو غيره - لابد أن يقف منها موقف إجلال وإكبار، ويتعامل معها كمدرسة جامعة، وأطروحة فياضة بالعطاء يستفيد منها ويقتدي بها، ويقتطف من ثمارها، ويعيش في رحابها.
ولنعد - أخي العزيز - إلى شخصية الشاعر لنقف معها في بعض مجالاتها، ولنلتمس الفراغ الكبير في عالم المنبر والأدب الذي أحدثه رحيله عن هذه الدنيا، وبعبارة أخرى:
لنأخذ فكرة عامة عنه، فنقول
هو من حيث الأسرة سليل أسرة عريقة، عرفت في السابق بآل الشيخ سليمان، ثم بآل محمد، ثم انشطرت شطرين يعرف أحدهما بآل عبدالرسول، والآخر بآل محمد بن إبراهيم، وتشتهر هذه الأسرة بالجمري، وهي ذات ماضٍ علمي خطابي، ويسكن معظمها في مسقط رأس الشاعر (بني جمرة).
وهو من الناحية الجسدية والمعنوية
حسن الخلقة، نحيف الجسم، ربعة من الرجال، حاد الذهن، قوي البديهة، سريع التأثر، كثير الوقار، يحب الفكاهة، ويعشق الأدب، كثير الطموح.
وهو في أخلاقه: لاتكاد الابتسامة تفارق شفتيه مع جليسه، ولا تخلو جلسته من النكتة التربوية النافعة الترفيهية، وصول للرحم، وللمعارف والأصدقاء، يبادر لقضاء حاجة من يقصده في حاجته مع حفظ حرمته. ويعجبك منه أنه رغم شيخوخته خشن صلب، يمارس شئون حياته بجدية، معتمدا على نفسه في الصغيرة والكبيرة.
وهو في فنه المنبري: متميز متفوق، مخلص لمنبره وفنه الخطابي، وحتى آخر أيامه لم يزل في ازدياد وتكامل، ولم يجمد على ما عنده، وإنما كان يساير التطور الزمني بمنبره. والحق إنه يعتبر في الفترة التي نبغ فيها، وبما جاء به من أساليب منبرية، ووضع خطابي متطور... يعتبر في الخليج: مجدد المنبر الحسيني ومطوره. ويعجبك منه إنه رغم ما هو عليه من الفن الرفيع يذهب - إذا كان لديه متسع من الوقت - إلى استماع أبسط واحد من الذاكرين فضلا عن الخطباء المعدودين، ويقول ما مضمونه: إن الاستماع لأي قارئ كان لا يخلو من أن أستفيد ولو كلمة. فكم هو متواضع، وطالب للفائدة هذا الشيخ الجليل والأستاذ الكبير!
كان مولده في ناحية القطعة من محافظة البصرة بالعراق في شهر صفر سنة 1333هـ 1915م. تلقى الخطابة على يد أخيه الخطيب الكبير الملا عطية الجمري، وقد مارسها لمدة سنوات، ولظروف معينة جعلته يمارس أعمالا أخرى في طريق التكسب على العيال اضطر للتخلي عن صعود المنبر. وهذه الأعمال كالنجارة، والبناء، والخياطة، وفي النساجة له دور ملحوظ في المنطقة، فهو الذي سبق إلى صناعة الإزار، والغترة (كوفية)، والرداء النسائي المعروف لدى النساجين في القرية بالبروجي، وهو أول من نسج الرداء الصيبعي في بني جمرة بعد قرية أبوصيبع، وكذلك هو أول من سبق إلى نساجة «الملفع»، وهو لباس نسوي يستر الرأس والعنق. وإليه الإشارة بقول أحد
شعراء الطف:
أقام القطيع على رأسها
مقام الملائة والملفع
والمترجم نحوي، حاضر البديهة، حادّ الذكاء، ويعتبر اليوم من شخصيات أسرتنا وبارزيها. وله شعر باللسانين: الفصيح والدارج. وقد قال عنه المترجم المرحوم الخطيب الجليل الملا عطية الجمري في شجرة أسرتنا ما يأتي:
«كان خطيبا كاتبا إلا أنه غلبت عليه الصناعة، فهو نجار مرموق، وقرٌ مؤمن». وفي السنوات الأخيرة صار يمارس مهنة البناء لمدة سنتين، ثم تركها، وصار يمارس الخياطة، علما بأنه كان يمارس الخياطة أحيانا منذ زمن بعيد.
تلقى الخطابة على يد خاله الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب، وبقي يمارسها على مستوى قليل حتى لقي ربه. وكان إلى جنب ذلك كاسبا يمتهن النساجة وصيد الأسماك، وكانت قراءته تقتصر في الغالب على العشرة الأولى من المحرم وفي مأتم المرحوم الحاج أحمد بن عبدالمحسن الشهابي بالدراز خاصة.
وكان شخصا متواضعا حسن الاخلاق. وقد توفي سنة 1378هـ 1958م. وقد توفي رحمه الله مع صديقه علي بن أحمد العجرة الملقب بصنقور بسبب شدة البرد بساحل الدارز حيث كانا يمارسان صيد الأسماك وحدثت عاصفة هوائية باردة جدا كان لها في البحرين أثر كبير، وقد حدثت فيها عدة وفيات، ومنها وفاة المرحوم مهدي خميس رئيس مأتم آل خميس في السنابس، وهو شخصية معروفة، ومحبوبة لدى بلده وعارفيه وله خدمات حسينية طيبة، وقد صادف وقت حدوث العاصفة أن كان عائدا إلى بلده في المنامة بشارع البديع، راكبا دراجة هوائية وقت المغرب، فوقعت عليه نخلة لشدة هبوب الرياح، ولم يحضر عنده أحد لإسعافه حتى قضى نحبه رحمه الله تعالى. ومن المصادفات الغريبة أن الملا راضي رحمه الله وصديقه عفى الله عنه، كانا - كما روى الخطيب الملا محمد صالح الملا عطية الجمري عن أبيه رحمه الله - قد ولدا في ليلة واحدة، وكانا جارين وصديقين، وماتا في يوم واحد في حادثة واحدة
يتبع.
لخطيب الفحل، شيخ وكبير خطباء البحرين الملا عطية بن علي الجمري. ولد في بني جمرة ليلة 20 جمادة الثانية سنة 1317هـ (1899م)، وقد أرَّخ قدس الله نفسه ولادته بقوله - متيمنا بكون
مولده ليلة مولد الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام:
ولادتي في ليلة مشرفة زهيه
شرفت الكون بها فاطمة القدسيه
فيا لها من صدفة نلت بها الأمنيَّه
قال لي التاريخ: «عش بالخير ياعطيه»
تربى في أحضان والده المقدس علي بن عبدالرسول رحمه الله، وقد هاجر والده مع عياله ومن ضمنهم المترجم من البحرين إلى العراق في العام 1327هـ (1909 م) وللمترجم من العمر عشر سنين، وقد تلقى في العراق - البصرة، وفي المحمرة التي كان والده يتردد معه عليها، الخطابة على أيدي خطباء ماهرين، وراح يرقى المنبر الحسيني بجدارة وهو في سن مبكرة، ممتازا بقوة الحافظة والذاكرة، وشدة الذكاء، وموهبة الشعر. وعاد إلى البحرين بعد أكثر من عشر سنين. وفي البحرين صحب الشيخين الجليلين: الشيخ عبدالله العرب الشهيد وابنه الشيخ محسن، وقد تقدمت ترجمتهما في فصل «علماؤها» فأخذ عنهما - طيب الله ثراه - الكثير من المعارف الدينية، وبعض المقدمات كالنحو والصرف.
وأول سنة تشرف فيها بحج بيت الله الحرام هي سنة 1367هـ (1948 م).
قدم رحمه الله إلى الجماهير المؤمنة ديوانه القيم «الجمرات الودية في المودة الجمرية» في ستة أجزاء، طبع منها في حياته أربعة أجزاء، وبعد وفاته جزآن.
يمتاز شعره بالرقة والابتكار للمعاني، والجودة في السبك، والدقة في التصوير. إنك لتقرأ القطعة من شعره فتجدها تفيض أسى، وتقطر ولاء وتفانيا، وتمثل إنسانا قد انصهر بحب أهل البيت (ع)،
وتفاعل بأحداثهم، وانقطع إليهم، مجسدا معنى قول الشاعر:
وما فاتني نصركم باللسان
إذا فاتني نصركم باليد
وإلى شاعرنا الأستاذ يعود الفضل في بعث الحركة الأدبية في هذا المجال وبهذا اللون من الشعر في الخليج العربي .
وقد قدمت للجزء السادس من ديوانه «الجمرات الودية» مقدمة أرى من الخير أن أثبتها هنا كما هي لكونها شاملة فإليك ذلك:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فبين يديك - أيها القارئ الكريم - الجزء السادس من ديوان «الجمرات الودية والمودة الجمرية» لصاحبه الشاعر الفحل، ورائد هذا الفن من أدب الطف، الخطيب الكبير المرحوم ملا عطية بن علي الجمري طيب الله ثراه. وإني أرى من الحق - وأنا اقدم لهذا الديوان - أن أقف وإياك أيها القارئ ونقضي شيئا من الوقت مع هذه الشخصية - شخصية شاعرنا الكبير - المتميزة بعطائها ومواهبها وتجديدها، والتي تمثل منعطفا ملحوظا في مسار المنبر الحسيني، والأدب الرثائي باللسان الشعبي، بما سجلت من مواقف وأدوار كبيرة في الساحة الحسينية خطابة، ومدحا ورثاء، وتطويرا وتجديدا، وأصالة.
وكم أكون آسفا للإخوة الذين يكتبون عن أدب الخليج، وشعرائه، ومميزاته، وملامحه، ويمرون بهذه الشخصية التي لا يمكن تجاهلها في عالم الأدب مرور كرام، فلا يذكرونها - على الأقل - كإحدى الشخصيات الأدبية الخليجية... وكلما بحثت عن السر في هذا التجاهل لم أجد إلا أن هذه الشخصية يتمخض بروزها وامتيازها في مجال أدب الطف، وكأن هذا الأدب لا يعني الإخوة المحترمين، ولا يستحق الاهتمام في حسابهم. وأود أن أهمس في أذن الإخوة الأعزاء بأن كل ما ارتبط بالحسين السبط (ع)، الحسين الثائر الحسين القدوة من فكر وأدب لهو الشعلة التي تظل أبدا تضيء الدرب للسائرين، والنور الأخضر الذي يفتح الطريق أمام المجاهدين، والوقود الذي يمد المسيرة الإسلامية لتواصل طريقها حتى البلوغ إلى الغاية.
إن ثورة الحسين (ع) كلما مرت الأيام وتعاقبت الأجيال تزداد حقيقتها سطوعا وتألقا ومعانيها وأبعادها تبلورا، ومبادؤها وأهدافها ظهورا.
لذلك فإن كل حر في الدينا - سواء كان مؤمنا أو غيره - لابد أن يقف منها موقف إجلال وإكبار، ويتعامل معها كمدرسة جامعة، وأطروحة فياضة بالعطاء يستفيد منها ويقتدي بها، ويقتطف من ثمارها، ويعيش في رحابها.
ولنعد - أخي العزيز - إلى شخصية الشاعر لنقف معها في بعض مجالاتها، ولنلتمس الفراغ الكبير في عالم المنبر والأدب الذي أحدثه رحيله عن هذه الدنيا، وبعبارة أخرى:
لنأخذ فكرة عامة عنه، فنقول
هو من حيث الأسرة سليل أسرة عريقة، عرفت في السابق بآل الشيخ سليمان، ثم بآل محمد، ثم انشطرت شطرين يعرف أحدهما بآل عبدالرسول، والآخر بآل محمد بن إبراهيم، وتشتهر هذه الأسرة بالجمري، وهي ذات ماضٍ علمي خطابي، ويسكن معظمها في مسقط رأس الشاعر (بني جمرة).
وهو من الناحية الجسدية والمعنوية
حسن الخلقة، نحيف الجسم، ربعة من الرجال، حاد الذهن، قوي البديهة، سريع التأثر، كثير الوقار، يحب الفكاهة، ويعشق الأدب، كثير الطموح.
وهو في أخلاقه: لاتكاد الابتسامة تفارق شفتيه مع جليسه، ولا تخلو جلسته من النكتة التربوية النافعة الترفيهية، وصول للرحم، وللمعارف والأصدقاء، يبادر لقضاء حاجة من يقصده في حاجته مع حفظ حرمته. ويعجبك منه أنه رغم شيخوخته خشن صلب، يمارس شئون حياته بجدية، معتمدا على نفسه في الصغيرة والكبيرة.
وهو في فنه المنبري: متميز متفوق، مخلص لمنبره وفنه الخطابي، وحتى آخر أيامه لم يزل في ازدياد وتكامل، ولم يجمد على ما عنده، وإنما كان يساير التطور الزمني بمنبره. والحق إنه يعتبر في الفترة التي نبغ فيها، وبما جاء به من أساليب منبرية، ووضع خطابي متطور... يعتبر في الخليج: مجدد المنبر الحسيني ومطوره. ويعجبك منه إنه رغم ما هو عليه من الفن الرفيع يذهب - إذا كان لديه متسع من الوقت - إلى استماع أبسط واحد من الذاكرين فضلا عن الخطباء المعدودين، ويقول ما مضمونه: إن الاستماع لأي قارئ كان لا يخلو من أن أستفيد ولو كلمة. فكم هو متواضع، وطالب للفائدة هذا الشيخ الجليل والأستاذ الكبير!
كان مولده في ناحية القطعة من محافظة البصرة بالعراق في شهر صفر سنة 1333هـ 1915م. تلقى الخطابة على يد أخيه الخطيب الكبير الملا عطية الجمري، وقد مارسها لمدة سنوات، ولظروف معينة جعلته يمارس أعمالا أخرى في طريق التكسب على العيال اضطر للتخلي عن صعود المنبر. وهذه الأعمال كالنجارة، والبناء، والخياطة، وفي النساجة له دور ملحوظ في المنطقة، فهو الذي سبق إلى صناعة الإزار، والغترة (كوفية)، والرداء النسائي المعروف لدى النساجين في القرية بالبروجي، وهو أول من نسج الرداء الصيبعي في بني جمرة بعد قرية أبوصيبع، وكذلك هو أول من سبق إلى نساجة «الملفع»، وهو لباس نسوي يستر الرأس والعنق. وإليه الإشارة بقول أحد
شعراء الطف:
أقام القطيع على رأسها
مقام الملائة والملفع
والمترجم نحوي، حاضر البديهة، حادّ الذكاء، ويعتبر اليوم من شخصيات أسرتنا وبارزيها. وله شعر باللسانين: الفصيح والدارج. وقد قال عنه المترجم المرحوم الخطيب الجليل الملا عطية الجمري في شجرة أسرتنا ما يأتي:
«كان خطيبا كاتبا إلا أنه غلبت عليه الصناعة، فهو نجار مرموق، وقرٌ مؤمن». وفي السنوات الأخيرة صار يمارس مهنة البناء لمدة سنتين، ثم تركها، وصار يمارس الخياطة، علما بأنه كان يمارس الخياطة أحيانا منذ زمن بعيد.
تلقى الخطابة على يد خاله الخطيب الملا سعيد الشيخ عبدالله العرب، وبقي يمارسها على مستوى قليل حتى لقي ربه. وكان إلى جنب ذلك كاسبا يمتهن النساجة وصيد الأسماك، وكانت قراءته تقتصر في الغالب على العشرة الأولى من المحرم وفي مأتم المرحوم الحاج أحمد بن عبدالمحسن الشهابي بالدراز خاصة.
وكان شخصا متواضعا حسن الاخلاق. وقد توفي سنة 1378هـ 1958م. وقد توفي رحمه الله مع صديقه علي بن أحمد العجرة الملقب بصنقور بسبب شدة البرد بساحل الدارز حيث كانا يمارسان صيد الأسماك وحدثت عاصفة هوائية باردة جدا كان لها في البحرين أثر كبير، وقد حدثت فيها عدة وفيات، ومنها وفاة المرحوم مهدي خميس رئيس مأتم آل خميس في السنابس، وهو شخصية معروفة، ومحبوبة لدى بلده وعارفيه وله خدمات حسينية طيبة، وقد صادف وقت حدوث العاصفة أن كان عائدا إلى بلده في المنامة بشارع البديع، راكبا دراجة هوائية وقت المغرب، فوقعت عليه نخلة لشدة هبوب الرياح، ولم يحضر عنده أحد لإسعافه حتى قضى نحبه رحمه الله تعالى. ومن المصادفات الغريبة أن الملا راضي رحمه الله وصديقه عفى الله عنه، كانا - كما روى الخطيب الملا محمد صالح الملا عطية الجمري عن أبيه رحمه الله - قد ولدا في ليلة واحدة، وكانا جارين وصديقين، وماتا في يوم واحد في حادثة واحدة
يتبع.