لمار
29-12-2009, 04:44 PM
هي زينب بنت أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهم السلام ، أمها سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، وجدها سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وجدتاها فاطمة بنت أسد وخديجة الكبرى سلام الله عليهما ، وشقيقاها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة عليهما السلام . -وُلدت على الأرجح في السنة الخامسة من الهجرة ، أي بعد ولادة الإمام الحسن (ع) بسنتين وولادة الإمام الحسين (ع) بسنة (تقريباً) .
ولادتها وتسميتها
-لمّا ولدت زينب عليها السلام جاءت بها أمها الزهراء (ع) إلى أبيها أمير المؤمنين (ع) وقالت : سمّ هذه المولودة ، فقال : ما كنت لأسبق رسول الله (ص) – وكان في سفر له – ولما جاء (ص) وسأله علي (ع) عن اسمها فقال : ما كنت لأسبق ربي تعالى ، فهبط جبرئيل (ع) يقرئ على النبي السلام من الله الجليل وقال له : سمّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي (ص) وقال : من بكى على مصائب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين .
من ألقابها
لزينب عليها السلام ألقابها كثيرة جداً منها :
كعبة الرزايا ، نائبة الزهراء ، نائبة الحسين ، عقيلة النساء ، كفيلة السجاد ، البليغة ، الفصيحة ، الصدّيقة الصغرى ، عابدة آل علي ، بطلة كربلاء ، الباكية ، أمينة الله ..
وتلقّب بأم المصائب .. وحق لها أن تسمى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة فقد جدها رسول الله وأمها الزهراء وأبيها أمير المؤمنين وأخيها الحسن .. والمصيبة العظمى باستشهاد نور عينها الحسين مع عدد من أهله وأصحابه ، وقتل وليدها عون ومحمد أمام عينيها ، وحملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة وأدخلت إلى مجلس ابن زياد ولقت منه الكلام الخشن والشماتة الممضة ، ومن الكوفة إلى يزيد بن معاوية بالشام ورأس أخيها الحسين وأهل بيتها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وأدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال .
زينب مع رسول الله (ص)
-ينقل أنه لما دنت الوفاة من النبي صلى الله عليه وآله : رأى كلٌ من أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام رؤيا تدلّ على وفاته (ص) ، فأخذا بالبكاء والنحيب ، فجاءت زينب إلى جدها رسول الله (ص) وقالت : يا جداه رأيت البارحة رؤيا أنها انبعث ريح عاصفة سوّدت الدنيا وما فيها وأظلمتها ، وحرّكتني من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت بها من شدة الريح فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض ، ثم تعلقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة فقطعتها أيضاً ، فتعلّقت بفرع آخر فكسرته أيضاً ، فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضاً ، فاستيقظت من نومي . فبكى (ص) وقال : الشجرة جدّك ، والفرع الأول أمّك فاطمة ، والثاني أبوك عليّ ، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان ، تسودّ الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس الحداد في رزيّتهم .
زينب عند وفاة أمها الزهراء عليها السلام
روي أن زينب (ع) خرجت عند وفاة أمها (ع) وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها تسحبها ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً .
زوجها
هو ابن عمها عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وقد اختاره أبوها أمير المؤمنين (ع) من بين الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل ، وعبد الله هو ربيب الإمام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه في مؤتة .
أبناؤها
لها من الأولاد : عون ومحمد وقد استشهدا مع أبي عبد الله الحسين (ع) وعباس وعلي ، ومن البنات أم كلثوم .
عبادتها (ع)
-روي أنها ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرّم ، وقد روي أن الحسين (ع) لما ودع أخته زينب الوداع الأخير قال لها : يا أُختاه لا تنسيني في نافلة الليل .
-روي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام : الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام ، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس ، فسألتها عن سبب ذلك فقالت : أُصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ، لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة .
عفتها وحياؤها
-حدّث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين (ع) في المدينة مدّة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ، ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله (ص) تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (ع) فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن مرة عن ذلك ، فقال : أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب .
مجدها وعلو منزلتها
-روي في بعض الأخبار : إن الحسين (ع) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها ، وكان يجلسها في مكانه .
علمها
-عهد الإمام علي (ع) إليها في الكوفة تعليم النساء ، من خلال تفسير القرآن الكريم ورواية أحاديث جدها رسول الله (ص) وأخبار أمها الزهراء (ع) وتوجيهات أبيها (ع)
-يقول الشيخ الصدوق رحمه الله : كانت زينب عليها السلام لها نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السلام من مرضه .
-وكانت (ع) تروي الأخبار عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء ، وممن روى عنها ابن عباس (( نقل عنها خطبة أمها الزهراء (ع) بشأن فدك قائلاً : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي ... )) وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم .
-قال الإمام علي بن الحسين (ع) لها : يا عمّة أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة .
صبرها واستقامتها
-لما نظرت النسوة إلى شهداء كربلاء مقطّعين الأوصال قد طعنتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ، صِحْنَ ولطمن الوجوه ، وصاحت زينب : يا محمّداه ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتّلة . فأبكت كل عدو وصديق حتى جرت دموع الخير على حوافرها .
ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدّس ورفعته نحو السماء وقالت :
إلهي تقبّل منّا هذا القربان .
وأما الإمام علي بن الحسين (ع) فإنه لمّا نظر إلى أهله مجزّرين ، وبينهم مهجة الزهراء بحالة تنفطر لها السماوات والأرض ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هداً ، عظم ذلك عليه واشتد قلقه ، فلمّا تبيّنت ذلك منه زينب أهمّها أمر الإمام ، فأخذت تسلّيه وتصبّره وهو الذي لا توازن الجبال بصبره ، وفيما قالت له :
ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟ فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كور الليالي والأيام ، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا علوّا .
مصائبها
مغلولة الأيدي إلى الأعنـاق ** تسبى على عجـف من النياق
حاسرة الوجه بغير برقــع ** لا ستر غير سـاعـد وأذرع
قد تركت عزيزها على الثرى ** وخلّفته في الهجـير والعـرى
إن نظرت لها العيون ولْولـت ** أو نظرت إلى الرؤوس أعولت
تودّ أن جسمهـا مقبــور ** ولا يراها الشامـت الكفـور
وهي بأستـار من الأنــوار ** تحجبها عن أعيـن النظّــار
مكانها البارز في وقعة الطف
-كانت تمرض الإمام العليل زين العابدين (ع) وتراقب أحوال أخيها الحسين (ع) ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عن كل حادث .
-هي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال .
-هي التي دافعت عن زين العابدين (ع) لمـّا أراد ابن زياد قتله .
-خاطبت ابن زياد بما ألمقته حجراً ، وكذلك يزيد .
-لاذت بها فاطمة الصغرى بنت الحسين الشهيد (ع) وأخذت بثيابها لما قال الشامي ليزيد هب لي هذه الجارية .
-ألهبت في وجدان الناس الشعور بالإثم والمرارة جراء هذه الجريمة الكبرى ، قالت (ع) "أتدرون أي كبد فريتم ؟ وأي دم سفكتم ؟ وأي كريمة أبرزتم ؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً" .
مواقف من سيرة السيدة زينب الطاهرة في مسيرة كربلاء
-يقول حميد بن مسلم : فوالله ما أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين (ع) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، واثكلاه ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمّد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء .
وا محمّداه ، وهذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا .
واحزناه ، واكرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدّي رسول الله (ص) .
يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يُساقون سوق السبايا .
-يروى أنه عندما جيء برأس الحسين (ع) لابن زياد وضعه بين يديه ، وأُدخل نساء الحسين وصبيانه إليه .
فجلست زينب بنت علي متنكرة ، فسأل عنها فقيل : هذه زينب بنت علي .
فأقبل عليها وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم !!!
فقالت : إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .
فقال ابن زياد : كيف رأيت صُنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟
فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتُحاج وتُخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، هبلتك أمّك يابن مرجانة .
فغضب وكأنه همّ بها .
فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير إنها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك !!!
فقالت : لعمري لقد قتلتَ كهلي ، وقطعتَ فرعي ، واجتثثتَ أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك ، فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد لعنه الله : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً .
فقالت : يابن زياد ما للمرأة والسجاعة .
ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلى علي بن الحسين فقال : من هذا ؟
فقيل : علي بن الحسين .
فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟!
فقال له علي : قد كان لي أخ يسمّى علي بن الحسين قتله الناس .
فقال : بل الله قتله .
فقال علي (ع) : (( الله يتوفى الأنفس حين موتها )) .
فقال ابن زياد : وبكَ جرأة على جوابي ، اذهبوا به فاضربوا عنقه .
فسمعت به عمته زينب ، فقالت : يابن زياد ، إنك لم تُبقِ منا أحداً ، فإن كنت عزمتَ على قتله فاقتلني معه .
فقال علي لعمّته : اسكتى يا عمة حتى أكلّمه .
ثم أقبل إليه فقال : أبالقتل تهددني يابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة .
-قالت الحوراء زينب عليها السلام في خطبتها الشهيرة في الشام في دار يزيد لعنة الله عليه :
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على رسوله و آله أجمعين صدق الله حيث يقول (( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزئون )) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء ، أن بنا هوانا على الله ، و بك عليه كرامة و إن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور متسقة و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا ، أنسيت قول الله تعالى (( و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين )) أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن ، و أبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل ، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف ليس معهن حماتهن حمي و لا رجالهن ولي ، و كيف ترتجى مراقبة من ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، و نبت لحمه بدماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن و الأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:
لأهـلـوا واستهـلـوا فـرحـا ثـم قـالـوا يـا يـزيـد لاتـشـل
منحنيا على ثنايا أبي عبد الله ، تنكثها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب و تهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت و لم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ، اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ، فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمتك ، ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته و لحمته حيث يجمع الله شملهم ، ويلم شعثهم و يأخذ لهم بحقهم (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )) وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا و أضعف جندا ، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك و أستعظم تقريعك ، و أستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل ح** الله النجباء بح** الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنظف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك و اسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي يختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة و الرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل .
كلمات الأعلام في شأنها عليها السلام
-قال العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين :
فلم ير أكرم منها أخلاقاً ، ولا أنبل فطرة ، ولا أطيب عنصراً ، ولا أخلص جوهراً ، إلا أن يكون جدّها واللذين أولداها ، وكانت ممن لا يستفزها نزق ، ولا يستخفّها غضب ، ولا يروع حلمها رائع ، آية من آيات الله في ذكاء الفهم ، وصفاء النفس ، ولطافة الحسّ ، وقوة الجَنان ، وثبات الفؤاد ، في أروع صورة من صور الشجاعة والإباء والترفّع .
-قال العلامة الشيخ جعفر النقدي :
ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة الثمينة ( زينب عليها السلام ) في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة ، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول ، وغذيت بغذاء الكرامة من كفّ ابن عم الرسول ، فنشأت نشأة قدسيّة ، وربّيت تربية روحانية ، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة ، متردّية رداء العفاف والحشمة ، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها ، وكفاك بهم مؤدبين معلّمين .
-قال العلامة ابن الأثير :
وكانت زينب امراة عاقلة لبيبة جزلة ، زوّجها أبوها علي رضي الله عنهما من عبد الله ابن أخيه جعفر ، فولدت له علياً وعوناً الأكبر وعبّاساً ومحمداً وأم كلثوم ، وكانت مع أخيها الحسين رضي الله عنه لما قتل ، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ ، وهو يدل على عقل وقوّة جَنان ...
هذه كانت مجرد باقة ورد من حياة شخصية عظيمة .. ثمرة من ثمار البيت النبوي الطاهر ... الحوراء زينب .
ولادتها وتسميتها
-لمّا ولدت زينب عليها السلام جاءت بها أمها الزهراء (ع) إلى أبيها أمير المؤمنين (ع) وقالت : سمّ هذه المولودة ، فقال : ما كنت لأسبق رسول الله (ص) – وكان في سفر له – ولما جاء (ص) وسأله علي (ع) عن اسمها فقال : ما كنت لأسبق ربي تعالى ، فهبط جبرئيل (ع) يقرئ على النبي السلام من الله الجليل وقال له : سمّ هذه المولودة زينب فقد اختار الله لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي (ص) وقال : من بكى على مصائب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الحسن والحسين .
من ألقابها
لزينب عليها السلام ألقابها كثيرة جداً منها :
كعبة الرزايا ، نائبة الزهراء ، نائبة الحسين ، عقيلة النساء ، كفيلة السجاد ، البليغة ، الفصيحة ، الصدّيقة الصغرى ، عابدة آل علي ، بطلة كربلاء ، الباكية ، أمينة الله ..
وتلقّب بأم المصائب .. وحق لها أن تسمى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة فقد جدها رسول الله وأمها الزهراء وأبيها أمير المؤمنين وأخيها الحسن .. والمصيبة العظمى باستشهاد نور عينها الحسين مع عدد من أهله وأصحابه ، وقتل وليدها عون ومحمد أمام عينيها ، وحملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة وأدخلت إلى مجلس ابن زياد ولقت منه الكلام الخشن والشماتة الممضة ، ومن الكوفة إلى يزيد بن معاوية بالشام ورأس أخيها الحسين وأهل بيتها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وأدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال .
زينب مع رسول الله (ص)
-ينقل أنه لما دنت الوفاة من النبي صلى الله عليه وآله : رأى كلٌ من أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام رؤيا تدلّ على وفاته (ص) ، فأخذا بالبكاء والنحيب ، فجاءت زينب إلى جدها رسول الله (ص) وقالت : يا جداه رأيت البارحة رؤيا أنها انبعث ريح عاصفة سوّدت الدنيا وما فيها وأظلمتها ، وحرّكتني من جانب إلى جانب ، فرأيت شجرة عظيمة فتعلقت بها من شدة الريح فإذا بالريح قلعتها وألقتها على الأرض ، ثم تعلقت على غصن قوي من أغصان تلك الشجرة فقطعتها أيضاً ، فتعلّقت بفرع آخر فكسرته أيضاً ، فتعلقت على أحد الفرعين من فروعها فكسرته أيضاً ، فاستيقظت من نومي . فبكى (ص) وقال : الشجرة جدّك ، والفرع الأول أمّك فاطمة ، والثاني أبوك عليّ ، والفرعان الآخران هما أخواك الحسنان ، تسودّ الدنيا لفقدهم ، وتلبسين لباس الحداد في رزيّتهم .
زينب عند وفاة أمها الزهراء عليها السلام
روي أن زينب (ع) خرجت عند وفاة أمها (ع) وعليها برقعة تجر ذيلها متجلببة برداء عليها تسحبها ، وهي تقول : يا أبتاه يا رسول الله الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء بعده أبداً .
زوجها
هو ابن عمها عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وقد اختاره أبوها أمير المؤمنين (ع) من بين الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل ، وعبد الله هو ربيب الإمام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه في مؤتة .
أبناؤها
لها من الأولاد : عون ومحمد وقد استشهدا مع أبي عبد الله الحسين (ع) وعباس وعلي ، ومن البنات أم كلثوم .
عبادتها (ع)
-روي أنها ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرّم ، وقد روي أن الحسين (ع) لما ودع أخته زينب الوداع الأخير قال لها : يا أُختاه لا تنسيني في نافلة الليل .
-روي عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام : الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام ، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس ، فسألتها عن سبب ذلك فقالت : أُصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ، لأنّها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة .
عفتها وحياؤها
-حدّث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين (ع) في المدينة مدّة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصاً ، ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله (ص) تخرج ليلاً والحسن عن يمينها والحسين عن شمالها وأمير المؤمنين أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (ع) فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن مرة عن ذلك ، فقال : أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب .
مجدها وعلو منزلتها
-روي في بعض الأخبار : إن الحسين (ع) كان إذا زارته زينب يقوم إجلالاً لها ، وكان يجلسها في مكانه .
علمها
-عهد الإمام علي (ع) إليها في الكوفة تعليم النساء ، من خلال تفسير القرآن الكريم ورواية أحاديث جدها رسول الله (ص) وأخبار أمها الزهراء (ع) وتوجيهات أبيها (ع)
-يقول الشيخ الصدوق رحمه الله : كانت زينب عليها السلام لها نيابة خاصة عن الحسين عليه السلام ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين عليه السلام من مرضه .
-وكانت (ع) تروي الأخبار عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء ، وممن روى عنها ابن عباس (( نقل عنها خطبة أمها الزهراء (ع) بشأن فدك قائلاً : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي ... )) وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم .
-قال الإمام علي بن الحسين (ع) لها : يا عمّة أنتِ بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة .
صبرها واستقامتها
-لما نظرت النسوة إلى شهداء كربلاء مقطّعين الأوصال قد طعنتهم سمر الرماح ، ونهلت من دمائهم بيض الصفاح ، وطحنتهم الخيل بسنابكها ، صِحْنَ ولطمن الوجوه ، وصاحت زينب : يا محمّداه ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذريّتك مقتّلة . فأبكت كل عدو وصديق حتى جرت دموع الخير على حوافرها .
ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدّس ورفعته نحو السماء وقالت :
إلهي تقبّل منّا هذا القربان .
وأما الإمام علي بن الحسين (ع) فإنه لمّا نظر إلى أهله مجزّرين ، وبينهم مهجة الزهراء بحالة تنفطر لها السماوات والأرض ، وتنشقّ الأرض ، وتخرّ الجبال هداً ، عظم ذلك عليه واشتد قلقه ، فلمّا تبيّنت ذلك منه زينب أهمّها أمر الإمام ، فأخذت تسلّيه وتصبّره وهو الذي لا توازن الجبال بصبره ، وفيما قالت له :
ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي ؟ فوالله إن هذا لعهد من الله إلى جدك وأبيك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطّعة والجسوم المضرّجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء ، لا يدرس أثره ، ولا يمحى رسمه على كور الليالي والأيام ، وليجتهدنّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا علوّا .
مصائبها
مغلولة الأيدي إلى الأعنـاق ** تسبى على عجـف من النياق
حاسرة الوجه بغير برقــع ** لا ستر غير سـاعـد وأذرع
قد تركت عزيزها على الثرى ** وخلّفته في الهجـير والعـرى
إن نظرت لها العيون ولْولـت ** أو نظرت إلى الرؤوس أعولت
تودّ أن جسمهـا مقبــور ** ولا يراها الشامـت الكفـور
وهي بأستـار من الأنــوار ** تحجبها عن أعيـن النظّــار
مكانها البارز في وقعة الطف
-كانت تمرض الإمام العليل زين العابدين (ع) وتراقب أحوال أخيها الحسين (ع) ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عن كل حادث .
-هي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال .
-هي التي دافعت عن زين العابدين (ع) لمـّا أراد ابن زياد قتله .
-خاطبت ابن زياد بما ألمقته حجراً ، وكذلك يزيد .
-لاذت بها فاطمة الصغرى بنت الحسين الشهيد (ع) وأخذت بثيابها لما قال الشامي ليزيد هب لي هذه الجارية .
-ألهبت في وجدان الناس الشعور بالإثم والمرارة جراء هذه الجريمة الكبرى ، قالت (ع) "أتدرون أي كبد فريتم ؟ وأي دم سفكتم ؟ وأي كريمة أبرزتم ؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّاً" .
مواقف من سيرة السيدة زينب الطاهرة في مسيرة كربلاء
-يقول حميد بن مسلم : فوالله ما أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين (ع) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمداه ، صلى عليك مليك السماء ، هذا حسين بالعراء ، مرمّل بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، واثكلاه ، وبناتك سبايا ، إلى الله المشتكى وإلى محمّد المصطفى وإلى علي المرتضى وإلى فاطمة الزهراء وإلى حمزة سيد الشهداء .
وا محمّداه ، وهذا حسين بالعراء ، تسفي عليه ريح الصباء ، قتيل أولاد البغايا .
واحزناه ، واكرباه عليك يا أبا عبد الله ، اليوم مات جدّي رسول الله (ص) .
يا أصحاب محمد ، هؤلاء ذرية المصطفى يُساقون سوق السبايا .
-يروى أنه عندما جيء برأس الحسين (ع) لابن زياد وضعه بين يديه ، وأُدخل نساء الحسين وصبيانه إليه .
فجلست زينب بنت علي متنكرة ، فسأل عنها فقيل : هذه زينب بنت علي .
فأقبل عليها وقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أُحدوثتكم !!!
فقالت : إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا .
فقال ابن زياد : كيف رأيت صُنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟
فقالت : ما رأيت إلا جميلاً ، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل ، فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتُحاج وتُخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، هبلتك أمّك يابن مرجانة .
فغضب وكأنه همّ بها .
فقال له عمرو بن حريث : أيها الأمير إنها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك !!!
فقالت : لعمري لقد قتلتَ كهلي ، وقطعتَ فرعي ، واجتثثتَ أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك ، فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد لعنه الله : هذه سجّاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً .
فقالت : يابن زياد ما للمرأة والسجاعة .
ثم التفت ابن زياد لعنه الله إلى علي بن الحسين فقال : من هذا ؟
فقيل : علي بن الحسين .
فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟!
فقال له علي : قد كان لي أخ يسمّى علي بن الحسين قتله الناس .
فقال : بل الله قتله .
فقال علي (ع) : (( الله يتوفى الأنفس حين موتها )) .
فقال ابن زياد : وبكَ جرأة على جوابي ، اذهبوا به فاضربوا عنقه .
فسمعت به عمته زينب ، فقالت : يابن زياد ، إنك لم تُبقِ منا أحداً ، فإن كنت عزمتَ على قتله فاقتلني معه .
فقال علي لعمّته : اسكتى يا عمة حتى أكلّمه .
ثم أقبل إليه فقال : أبالقتل تهددني يابن زياد ، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة .
-قالت الحوراء زينب عليها السلام في خطبتها الشهيرة في الشام في دار يزيد لعنة الله عليه :
الحمد لله رب العالمين و صلى الله على رسوله و آله أجمعين صدق الله حيث يقول (( ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله و كانوا بها يستهزئون )) أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض و آفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء ، أن بنا هوانا على الله ، و بك عليه كرامة و إن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك و نظرت في عطفك جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة و الأمور متسقة و حين صفا لك ملكنا و سلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا ، أنسيت قول الله تعالى (( و لا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين )) أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك و إماءك و سوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن ، و أبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد و يستشرفهن أهل المناهل و المناقل ، و يتصفح وجوههن القريب و البعيد و الدني و الشريف ليس معهن حماتهن حمي و لا رجالهن ولي ، و كيف ترتجى مراقبة من ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ، و نبت لحمه بدماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف و الشنآن و الإحن و الأضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم:
لأهـلـوا واستهـلـوا فـرحـا ثـم قـالـوا يـا يـزيـد لاتـشـل
منحنيا على ثنايا أبي عبد الله ، تنكثها بمخصرتك و كيف لا تقول ذلك ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد (ص) ونجوم الأرض من آل عبد المطلب و تهتف بأشياخك ، زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت و لم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ، اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ، فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمتك ، ولتردن على رسول الله (ص) بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته و لحمته حيث يجمع الله شملهم ، ويلم شعثهم و يأخذ لهم بحقهم (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون )) وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما وبجبرائيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا و أضعف جندا ، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك و أستعظم تقريعك ، و أستكثر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى ، ألا فالعجب كل العجب لقتل ح** الله النجباء بح** الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنظف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك و اسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي يختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة و الرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد و يحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل .
كلمات الأعلام في شأنها عليها السلام
-قال العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين :
فلم ير أكرم منها أخلاقاً ، ولا أنبل فطرة ، ولا أطيب عنصراً ، ولا أخلص جوهراً ، إلا أن يكون جدّها واللذين أولداها ، وكانت ممن لا يستفزها نزق ، ولا يستخفّها غضب ، ولا يروع حلمها رائع ، آية من آيات الله في ذكاء الفهم ، وصفاء النفس ، ولطافة الحسّ ، وقوة الجَنان ، وثبات الفؤاد ، في أروع صورة من صور الشجاعة والإباء والترفّع .
-قال العلامة الشيخ جعفر النقدي :
ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة وتربية تلك الدرة الثمينة ( زينب عليها السلام ) في حضن النبوة ودرجت في بيت الرسالة ، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول ، وغذيت بغذاء الكرامة من كفّ ابن عم الرسول ، فنشأت نشأة قدسيّة ، وربّيت تربية روحانية ، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة ، متردّية رداء العفاف والحشمة ، فالخمسة أصحاب العباء عليهم السلام هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها ، وكفاك بهم مؤدبين معلّمين .
-قال العلامة ابن الأثير :
وكانت زينب امراة عاقلة لبيبة جزلة ، زوّجها أبوها علي رضي الله عنهما من عبد الله ابن أخيه جعفر ، فولدت له علياً وعوناً الأكبر وعبّاساً ومحمداً وأم كلثوم ، وكانت مع أخيها الحسين رضي الله عنه لما قتل ، وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ ، وهو يدل على عقل وقوّة جَنان ...
هذه كانت مجرد باقة ورد من حياة شخصية عظيمة .. ثمرة من ثمار البيت النبوي الطاهر ... الحوراء زينب .