بو هاشم الموسوي
08-01-2010, 04:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الأئمّة (ع) يعلمون علم الساعة وما في الأرحام وفي أيّ أرض تموت النفس و...ألخ. ولكنّ الله تعالى جعل لنفسه البداء في هذه الأمور، والأئمّة (ع) مع علمهم بها فهم أيضاً يعلمون أنّها قابلة للتغيير، فإذاً ذات العلم القضائي الذي لا يتغيّر يكون مختصّاً بالله؛ لذا يقول العلاّمة المجلسي (رض) في بحار الأنوار، ج26، ص 101 - 104:
"1 - تفسير علي بن إبراهيم : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ". قال الصادق (ع) : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عز وجل.
2 - الخصال : ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن عبد الرحمان بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) قال : قال لي أبي : ألا أخبرك بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه ؟ قلت : بلى، قال : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.
3 - بصائر الدرجات : أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول : إن لله علمين : علم استأثر به في غيبه فلم يطلع عليه نبيا من أنبيائه ولا ملكا من ملائكته وذلك قول الله تعالى : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " وله علم قد أطلع عليه ملائكته فما أطلع عليه ملائكته فقد أطلع عليه محمدا وآله، وما أطلع عليه محمدا وآله فقد أطلعني عليه يعلمه الكبير منا والصغير إلى أن تقوم الساعة.
4 - تفسير العياشي : عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال : إن الله يقول في كتابه : " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " يعني الفقر.
5 - مجالس المفيد : الحسين بن أحمد بن المغيرة عن حيدر بن محمد السمرقندي عن محمد بن عمر الكشي عن حمدويه بن نصير عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي المغيرة قال : كنت أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن عند أبي الحسن (ع) فقال له يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب، فقال : سبحان الله ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت شعرة فيه ولا في جسدي إلا قامت، ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول لله (صلى الله عليه وآله).
6 - نهج البلاغة : لما أخبر (ع) بأخبار الترك وبعض الأخبار الآتية قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك وقال للرجل وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله : " إن الله عنده علم الساعة " الآية : فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو شقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدا إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي.
تحقيق: قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام. وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الإخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (ع) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة، والعرش والكرسي والملائكة.
وأما الخمسة التي وردت في الآية فتحتمل وجوها :
الأول: أن يكون المراد أن تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى، فإنهم إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح الجسد فيها مثلا، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضا لا يعلم ذلك.
الثاني : أن يكون العلم الحتمي بها مختصا به تعالى، وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملا للبداء.
الثالث : أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله، فيكون كسائر الغيوب، ويكون التخصيص بها لظهور الامر فيها أو لغيره.
الرابع : ما أومأنا إليه سابقا وهو أن الله تعالى لم يطلع على تلك الأمور كلية أحدا من الخلق على وجه لا بداء فيه، بل يرسل علمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر أو أقرب من ذلك وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت كما ورد في الأخبار، وكذا ملائكة السحاب والمطر بوقت نزول المطر، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث". ا.هـ.
الدليل العقلي على إثبات علم الغيب لغيره تعالى
بنحو الموجبة الكليّة : "كل ما صدق عيه غيب، فالعلم به مختصّ بالله تعالى".
ولهذا ورد في القرآن الكريم : "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا"، وهو إثبات للموجبة الكليّة.
فالآيات الّتي تكلّمت عن انحصار العلم بالغيب بالله تعالى تبقى على إطلاقها، ولا مخصص لها، لأنّها تريد القول أنّ العلم بالغيب بنحو (الموجبة الكليّة) مختص الله وحده، ولا يوجد في غيره.
أمّا بنحو الموجبة الجزئيّة : فإنّ ذلك ممكن وقد أُعطي للأنبياء والأولياء والأئمّة (ع) على اختلاف درجاتهم، والدّليل الآيات الصريحة في هذا المضمون:
- ما يُخبر النبي (ص) في دائرة الوحي، فهو من العلم بالغيب.
- ما يُخبر الإمام (ع) في دائرة وظيفته.
لذلك يقول العلاّمة المجلسي (رض) في البحار ج26، ص 103:
" تحقيق : قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام.
وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الأخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (عليهم السلام) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة والعرش والكرسي والملائكة". اهـ.
حتّى نحن نعلم الغيب، ولكن بإخبار القرآن الكريم والنبيّ (ص) والإمام (ع)، فبالنسبة إلينا المُخبر هو الإمام، وبالنّسبة إلى الإمام هو النبيّ، وبالنسبة إلى النبيّ هو أمين الوحيّ. والآيات تثبت ذلك، ومنها:
# قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء" (آل عمران: 179).
وهذا الاستثناء يعني أنّه يطلعه على الغيب، ولكن ليس على نحو (الموجبة الكليّة)؛ لأنّ ذلك محال.
# قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27).
والحاصل: إنّ عمليّة التوفيق بين القول بأنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب من جهة، وبين تلك الآيات الّتي حصرت علم الغيب بالله تعالى من جهةٍ أخرى، هو أنّ هذه الآيات بصدد إثبات (الموجبة الكليّة)، بمعنى أنّ العلم المطلق بالغيب هو الله تعالى، وما من شيء يصدق عليه غيب إلاّ والحقّ بالنسبة إليه يعدّ شهادة وهو معلوم له، والآيات التي نفت العلم بالغيب عن غير الله تعالى هي بصدد نفي هذا المعنى، وهذا يعني أنّ الموجبة الكليّة غير موجودة لغيره تعالى.
والسبب أو الداعي والقرينة على حمل النفي على نفي (الموجبة الكليّة) هو أنّ هناك آيات أخرى إضافة إلى الأخبار المتضافرة أثبتت علم الغيب لغير الله تعالى، كما في قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27)، وغيرها من الآيات المتقدّمة. فبهذه القرينة نكتشف بأنّ ما هو ثابت لله تعالى هو (الموجبة الكليّة)، وهي غير موجودة لغيره، ولكن نفي الموجبة الكليّة لا يلزم منه نفي (الموجبة الجزئيّة)، ومن هنا نحن نعتقد بأنّ غير الله أيضاً يعلم الغيب، ولكن بنحو (الموجبة الجزئيّة).
علم الغيب في الذهن العرفي
إذا كنّا قد أثبتنا علم الغيب لغيره تعالى فلماذا نرى أنّ استعمال هذا المفهوم يشكّل بنحو ما حرجاً حتّى بالنسبة إلى الّذين يعتقدون بذلك، فنرى أنّ الكثير يتورّع عن القول: أنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب وغيره من التعابير المشابهة.
والجواب: هو أنّ مقتضى أدب العبوديّة أن لا نقول بأنّ غير الله تعالى يعلم الغيب، لأنّ الذهن الإنساني وخصوصاً الذهن العرفي يرى أنّ هذه الصفة كأنّها من مختصّات الباري عزّ وجلّ، فإذا وجدت لغيره ولو كان ذلك بإذن الله وبإفاضة وبإعطاء منه، فكأنّه يُشَمّ منها رائحة الربوبيّة والاستقلاليّة، وهذه الروايات الّتي نفت الغيب عن الأئمّة (ع) والمرويّة عنهم وبألسنتهم، تقول بأنّه ليس من علم الغيب بل هو وراثة عن رسول الله (ص)، والمؤدّى واحد، وهذا التعبير لا يريد أن يستعمله الإمام (ع) لأنّ الذهن العرفي يتوهّم منه أنّ لهم نصيباً من الربوبيّة أو الاستقلاليّة، مع أنّ الأمر ليس كذلك. ومن هنا فإنّ أدب العبوديّة لله تعالى يقتضي أن لا نصف غيره بأنّه يعلم الغيب، وإن كنّا نعلم يقيناً أنّ الله أطلع على غيبه من شاء من عباده، وأنّه يجتبي من رسله من يشاء.
يتبع ،،،
الأئمّة (ع) يعلمون علم الساعة وما في الأرحام وفي أيّ أرض تموت النفس و...ألخ. ولكنّ الله تعالى جعل لنفسه البداء في هذه الأمور، والأئمّة (ع) مع علمهم بها فهم أيضاً يعلمون أنّها قابلة للتغيير، فإذاً ذات العلم القضائي الذي لا يتغيّر يكون مختصّاً بالله؛ لذا يقول العلاّمة المجلسي (رض) في بحار الأنوار، ج26، ص 101 - 104:
"1 - تفسير علي بن إبراهيم : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ". قال الصادق (ع) : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عز وجل.
2 - الخصال : ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن عبد الرحمان بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) قال : قال لي أبي : ألا أخبرك بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه ؟ قلت : بلى، قال : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.
3 - بصائر الدرجات : أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول : إن لله علمين : علم استأثر به في غيبه فلم يطلع عليه نبيا من أنبيائه ولا ملكا من ملائكته وذلك قول الله تعالى : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " وله علم قد أطلع عليه ملائكته فما أطلع عليه ملائكته فقد أطلع عليه محمدا وآله، وما أطلع عليه محمدا وآله فقد أطلعني عليه يعلمه الكبير منا والصغير إلى أن تقوم الساعة.
4 - تفسير العياشي : عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال : إن الله يقول في كتابه : " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " يعني الفقر.
5 - مجالس المفيد : الحسين بن أحمد بن المغيرة عن حيدر بن محمد السمرقندي عن محمد بن عمر الكشي عن حمدويه بن نصير عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي المغيرة قال : كنت أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن عند أبي الحسن (ع) فقال له يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب، فقال : سبحان الله ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت شعرة فيه ولا في جسدي إلا قامت، ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول لله (صلى الله عليه وآله).
6 - نهج البلاغة : لما أخبر (ع) بأخبار الترك وبعض الأخبار الآتية قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك وقال للرجل وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله : " إن الله عنده علم الساعة " الآية : فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو شقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدا إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي.
تحقيق: قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام. وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الإخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (ع) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة، والعرش والكرسي والملائكة.
وأما الخمسة التي وردت في الآية فتحتمل وجوها :
الأول: أن يكون المراد أن تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى، فإنهم إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح الجسد فيها مثلا، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضا لا يعلم ذلك.
الثاني : أن يكون العلم الحتمي بها مختصا به تعالى، وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملا للبداء.
الثالث : أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله، فيكون كسائر الغيوب، ويكون التخصيص بها لظهور الامر فيها أو لغيره.
الرابع : ما أومأنا إليه سابقا وهو أن الله تعالى لم يطلع على تلك الأمور كلية أحدا من الخلق على وجه لا بداء فيه، بل يرسل علمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر أو أقرب من ذلك وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت كما ورد في الأخبار، وكذا ملائكة السحاب والمطر بوقت نزول المطر، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث". ا.هـ.
الدليل العقلي على إثبات علم الغيب لغيره تعالى
بنحو الموجبة الكليّة : "كل ما صدق عيه غيب، فالعلم به مختصّ بالله تعالى".
ولهذا ورد في القرآن الكريم : "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا"، وهو إثبات للموجبة الكليّة.
فالآيات الّتي تكلّمت عن انحصار العلم بالغيب بالله تعالى تبقى على إطلاقها، ولا مخصص لها، لأنّها تريد القول أنّ العلم بالغيب بنحو (الموجبة الكليّة) مختص الله وحده، ولا يوجد في غيره.
أمّا بنحو الموجبة الجزئيّة : فإنّ ذلك ممكن وقد أُعطي للأنبياء والأولياء والأئمّة (ع) على اختلاف درجاتهم، والدّليل الآيات الصريحة في هذا المضمون:
- ما يُخبر النبي (ص) في دائرة الوحي، فهو من العلم بالغيب.
- ما يُخبر الإمام (ع) في دائرة وظيفته.
لذلك يقول العلاّمة المجلسي (رض) في البحار ج26، ص 103:
" تحقيق : قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام.
وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الأخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (عليهم السلام) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة والعرش والكرسي والملائكة". اهـ.
حتّى نحن نعلم الغيب، ولكن بإخبار القرآن الكريم والنبيّ (ص) والإمام (ع)، فبالنسبة إلينا المُخبر هو الإمام، وبالنّسبة إلى الإمام هو النبيّ، وبالنسبة إلى النبيّ هو أمين الوحيّ. والآيات تثبت ذلك، ومنها:
# قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء" (آل عمران: 179).
وهذا الاستثناء يعني أنّه يطلعه على الغيب، ولكن ليس على نحو (الموجبة الكليّة)؛ لأنّ ذلك محال.
# قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27).
والحاصل: إنّ عمليّة التوفيق بين القول بأنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب من جهة، وبين تلك الآيات الّتي حصرت علم الغيب بالله تعالى من جهةٍ أخرى، هو أنّ هذه الآيات بصدد إثبات (الموجبة الكليّة)، بمعنى أنّ العلم المطلق بالغيب هو الله تعالى، وما من شيء يصدق عليه غيب إلاّ والحقّ بالنسبة إليه يعدّ شهادة وهو معلوم له، والآيات التي نفت العلم بالغيب عن غير الله تعالى هي بصدد نفي هذا المعنى، وهذا يعني أنّ الموجبة الكليّة غير موجودة لغيره تعالى.
والسبب أو الداعي والقرينة على حمل النفي على نفي (الموجبة الكليّة) هو أنّ هناك آيات أخرى إضافة إلى الأخبار المتضافرة أثبتت علم الغيب لغير الله تعالى، كما في قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27)، وغيرها من الآيات المتقدّمة. فبهذه القرينة نكتشف بأنّ ما هو ثابت لله تعالى هو (الموجبة الكليّة)، وهي غير موجودة لغيره، ولكن نفي الموجبة الكليّة لا يلزم منه نفي (الموجبة الجزئيّة)، ومن هنا نحن نعتقد بأنّ غير الله أيضاً يعلم الغيب، ولكن بنحو (الموجبة الجزئيّة).
علم الغيب في الذهن العرفي
إذا كنّا قد أثبتنا علم الغيب لغيره تعالى فلماذا نرى أنّ استعمال هذا المفهوم يشكّل بنحو ما حرجاً حتّى بالنسبة إلى الّذين يعتقدون بذلك، فنرى أنّ الكثير يتورّع عن القول: أنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب وغيره من التعابير المشابهة.
والجواب: هو أنّ مقتضى أدب العبوديّة أن لا نقول بأنّ غير الله تعالى يعلم الغيب، لأنّ الذهن الإنساني وخصوصاً الذهن العرفي يرى أنّ هذه الصفة كأنّها من مختصّات الباري عزّ وجلّ، فإذا وجدت لغيره ولو كان ذلك بإذن الله وبإفاضة وبإعطاء منه، فكأنّه يُشَمّ منها رائحة الربوبيّة والاستقلاليّة، وهذه الروايات الّتي نفت الغيب عن الأئمّة (ع) والمرويّة عنهم وبألسنتهم، تقول بأنّه ليس من علم الغيب بل هو وراثة عن رسول الله (ص)، والمؤدّى واحد، وهذا التعبير لا يريد أن يستعمله الإمام (ع) لأنّ الذهن العرفي يتوهّم منه أنّ لهم نصيباً من الربوبيّة أو الاستقلاليّة، مع أنّ الأمر ليس كذلك. ومن هنا فإنّ أدب العبوديّة لله تعالى يقتضي أن لا نصف غيره بأنّه يعلم الغيب، وإن كنّا نعلم يقيناً أنّ الله أطلع على غيبه من شاء من عباده، وأنّه يجتبي من رسله من يشاء.
يتبع ،،،