المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم المعصوم (ع) بالغيب ودفع الاشكالات حول هذا العلم


بو هاشم الموسوي
08-01-2010, 04:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


الأئمّة (ع) يعلمون علم الساعة وما في الأرحام وفي أيّ أرض تموت النفس و...ألخ. ولكنّ الله تعالى جعل لنفسه البداء في هذه الأمور، والأئمّة (ع) مع علمهم بها فهم أيضاً يعلمون أنّها قابلة للتغيير، فإذاً ذات العلم القضائي الذي لا يتغيّر يكون مختصّاً بالله؛ لذا يقول العلاّمة المجلسي (رض) في بحار الأنوار، ج26، ص 101 - 104:
"1 - تفسير علي بن إبراهيم : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ". قال الصادق (ع) : هذه الخمسة أشياء لم يطلع عليها ملك مقرب ولا نبي مرسل وهي من صفات الله عز وجل.

2 - الخصال : ابن الوليد عن الصفار عن ابن هاشم عن عبد الرحمان بن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي أسامة عن أبي عبد الله (ع) قال : قال لي أبي : ألا أخبرك بخمسة لم يطلع الله عليها أحدا من خلقه ؟ قلت : بلى، قال : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.

3 - بصائر الدرجات : أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبي الجارود عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين (ع) يقول : إن لله علمين : علم استأثر به في غيبه فلم يطلع عليه نبيا من أنبيائه ولا ملكا من ملائكته وذلك قول الله تعالى : " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت " وله علم قد أطلع عليه ملائكته فما أطلع عليه ملائكته فقد أطلع عليه محمدا وآله، وما أطلع عليه محمدا وآله فقد أطلعني عليه يعلمه الكبير منا والصغير إلى أن تقوم الساعة.

4 - تفسير العياشي : عن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله (ع) قال : إن الله يقول في كتابه : " ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء " يعني الفقر.

5 - مجالس المفيد : الحسين بن أحمد بن المغيرة عن حيدر بن محمد السمرقندي عن محمد بن عمر الكشي عن حمدويه بن نصير عن ابن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي المغيرة قال : كنت أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن عند أبي الحسن (ع) فقال له يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب، فقال : سبحان الله ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت شعرة فيه ولا في جسدي إلا قامت، ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول لله (صلى الله عليه وآله).

6 - نهج البلاغة : لما أخبر (ع) بأخبار الترك وبعض الأخبار الآتية قال له بعض أصحابه : لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب، فضحك وقال للرجل وكان كلبيا : يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم، وإنما علم الغيب علم الساعة وما عدده الله سبحانه بقوله : " إن الله عنده علم الساعة " الآية : فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى أو قبيح أو جميل أو سخي أو بخيل أو شقي أو سعيد، ومن يكون في النار حطبا أو في الجنان للنبيين مرافقا، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحدا إلا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي.

تحقيق: قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام. وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الإخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (ع) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة، والعرش والكرسي والملائكة.

وأما الخمسة التي وردت في الآية فتحتمل وجوها :
الأول: أن يكون المراد أن تلك الأمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلا الله تعالى، فإنهم إذا أخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص الدقيقة التي تفارق الروح الجسد فيها مثلا، ويحتمل أن يكون ملك الموت أيضا لا يعلم ذلك.
الثاني : أن يكون العلم الحتمي بها مختصا به تعالى، وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملا للبداء.
الثالث : أن يكون المراد عدم علم غيره تعالى بها إلا من قبله، فيكون كسائر الغيوب، ويكون التخصيص بها لظهور الامر فيها أو لغيره.
الرابع : ما أومأنا إليه سابقا وهو أن الله تعالى لم يطلع على تلك الأمور كلية أحدا من الخلق على وجه لا بداء فيه، بل يرسل علمها على وجه الحتم في زمان قريب من حصولها كليلة القدر أو أقرب من ذلك وهذا وجه قريب تدل عليه الأخبار الكثيرة إذ لا بد من علم ملك الموت بخصوص الوقت كما ورد في الأخبار، وكذا ملائكة السحاب والمطر بوقت نزول المطر، وكذا المدبرات من الملائكة بأوقات وقوع الحوادث". ا.هـ.


الدليل العقلي على إثبات علم الغيب لغيره تعالى
بنحو الموجبة الكليّة : "كل ما صدق عيه غيب، فالعلم به مختصّ بالله تعالى".
ولهذا ورد في القرآن الكريم : "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا"، وهو إثبات للموجبة الكليّة.
فالآيات الّتي تكلّمت عن انحصار العلم بالغيب بالله تعالى تبقى على إطلاقها، ولا مخصص لها، لأنّها تريد القول أنّ العلم بالغيب بنحو (الموجبة الكليّة) مختص الله وحده، ولا يوجد في غيره.
أمّا بنحو الموجبة الجزئيّة : فإنّ ذلك ممكن وقد أُعطي للأنبياء والأولياء والأئمّة (ع) على اختلاف درجاتهم، والدّليل الآيات الصريحة في هذا المضمون:
- ما يُخبر النبي (ص) في دائرة الوحي، فهو من العلم بالغيب.
- ما يُخبر الإمام (ع) في دائرة وظيفته.

لذلك يقول العلاّمة المجلسي (رض) في البحار ج26، ص 103:
" تحقيق : قد عرفت مرارا أن نفي علم الغيب عنهم معناه أنهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام.
وإلا فظاهر أن عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء (ع) من هذا القبيل، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضا اشتماله على الأخبار بالمغيبات، ونحن أيضا نعلم كثيرا من المغيبات بإخبار الله تعالى ورسوله والأئمة (عليهم السلام) كالقيامة وأحوالها والجنة والنار والرجعة وقيام القائم (ع) ونزول عيسى (ع) وغير ذلك من أشراط الساعة والعرش والكرسي والملائكة". اهـ.

حتّى نحن نعلم الغيب، ولكن بإخبار القرآن الكريم والنبيّ (ص) والإمام (ع)، فبالنسبة إلينا المُخبر هو الإمام، وبالنّسبة إلى الإمام هو النبيّ، وبالنسبة إلى النبيّ هو أمين الوحيّ. والآيات تثبت ذلك، ومنها:

# قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء" (آل عمران: 179).
وهذا الاستثناء يعني أنّه يطلعه على الغيب، ولكن ليس على نحو (الموجبة الكليّة)؛ لأنّ ذلك محال.

# قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27).

والحاصل: إنّ عمليّة التوفيق بين القول بأنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب من جهة، وبين تلك الآيات الّتي حصرت علم الغيب بالله تعالى من جهةٍ أخرى، هو أنّ هذه الآيات بصدد إثبات (الموجبة الكليّة)، بمعنى أنّ العلم المطلق بالغيب هو الله تعالى، وما من شيء يصدق عليه غيب إلاّ والحقّ بالنسبة إليه يعدّ شهادة وهو معلوم له، والآيات التي نفت العلم بالغيب عن غير الله تعالى هي بصدد نفي هذا المعنى، وهذا يعني أنّ الموجبة الكليّة غير موجودة لغيره تعالى.
والسبب أو الداعي والقرينة على حمل النفي على نفي (الموجبة الكليّة) هو أنّ هناك آيات أخرى إضافة إلى الأخبار المتضافرة أثبتت علم الغيب لغير الله تعالى، كما في قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا" (الجنّ: 26 - 27)، وغيرها من الآيات المتقدّمة. فبهذه القرينة نكتشف بأنّ ما هو ثابت لله تعالى هو (الموجبة الكليّة)، وهي غير موجودة لغيره، ولكن نفي الموجبة الكليّة لا يلزم منه نفي (الموجبة الجزئيّة)، ومن هنا نحن نعتقد بأنّ غير الله أيضاً يعلم الغيب، ولكن بنحو (الموجبة الجزئيّة).


علم الغيب في الذهن العرفي
إذا كنّا قد أثبتنا علم الغيب لغيره تعالى فلماذا نرى أنّ استعمال هذا المفهوم يشكّل بنحو ما حرجاً حتّى بالنسبة إلى الّذين يعتقدون بذلك، فنرى أنّ الكثير يتورّع عن القول: أنّ الأئمّة (ع) يعلمون الغيب وغيره من التعابير المشابهة.

والجواب: هو أنّ مقتضى أدب العبوديّة أن لا نقول بأنّ غير الله تعالى يعلم الغيب، لأنّ الذهن الإنساني وخصوصاً الذهن العرفي يرى أنّ هذه الصفة كأنّها من مختصّات الباري عزّ وجلّ، فإذا وجدت لغيره ولو كان ذلك بإذن الله وبإفاضة وبإعطاء منه، فكأنّه يُشَمّ منها رائحة الربوبيّة والاستقلاليّة، وهذه الروايات الّتي نفت الغيب عن الأئمّة (ع) والمرويّة عنهم وبألسنتهم، تقول بأنّه ليس من علم الغيب بل هو وراثة عن رسول الله (ص)، والمؤدّى واحد، وهذا التعبير لا يريد أن يستعمله الإمام (ع) لأنّ الذهن العرفي يتوهّم منه أنّ لهم نصيباً من الربوبيّة أو الاستقلاليّة، مع أنّ الأمر ليس كذلك. ومن هنا فإنّ أدب العبوديّة لله تعالى يقتضي أن لا نصف غيره بأنّه يعلم الغيب، وإن كنّا نعلم يقيناً أنّ الله أطلع على غيبه من شاء من عباده، وأنّه يجتبي من رسله من يشاء.

يتبع ،،،

بو هاشم الموسوي
08-01-2010, 04:39 PM
التوفيق بين علمهم (ع) بالغيب وسلوكهم الخارجي
إنّ تزويدهم بهذا العلم لا يُنقض الغرض من الحكمة الإلهيّة، لأنّ الغرض من الحكمة الإلهيّة، إنّما ينتقض في حالة عدم امتثال الإنسان لتكليفه عند علمه بما هو صائر إليه.
لذا نقول بأنّ الله تعالى إنّما زوّد الأنبياء والأئمّة (ع) بعلم الغيب بنحوٍ منهم أنّ هذا العلم لا يؤثّر ولن يؤثّر في سلوكهم الخارجي، وهذا ما عتقده في الرسل والأوصياء (ع). فالإمام الحسين (ع) مثلاً إذا خرج إلى كربلاء سوف يُقتل، ولكن بحسب الظّواهر والأسباب العاديّة والشرائط الطبيعيّة الّتي يعلمها ما هو تكليفه؟ هل في أن يخرج إلى كربلاء؟

ولو فرضنا أنّه لا يعلم بأنّه سيُقتل وليس عنده علم الغيب، فما هو تكليفه؟ لقد شخّص الإمام (ع) تكليفه بأن يأتي إلى كربلاء استجابةً لأمر الله تعالى، وبغضّ النظر عن معرفته بالمصير الذي سوف ينتظره.
لذا يقول السيد الطاطبائي في الميزان، ج18، ص 194 :
" وأجاب بعضهم عنه بأنّ الّذي ينجّز التكاليف من العلم هو العلم من الطرق العاديّة وأمّا غيره فليس بمنجّز". ا.هـ

فكما أنّ العلم الإلهي لا يترتّب عليه الأثر إلاّ بعد القيام بالعمل، فهكذا العلم بالغيب عند المعصوم (ع) لا يترتّب عليه الأثر؛ بل على العكس مما يفهمه البعض فإنّ إعطاء العلم الغيبي للأئمّة (ع) ليس امتيازاً فحسب؛ بل هو مسؤوليّة، لأنّ الّذي يعلم بأنّه سيُفعل به كذا وكذا، ومع ذلك فهو يخرج. وهذا أثقل وأشدّ عليه ممّن هو يخرج ولا يعلم ما يصير إليه.

وفي هذا المضمون وردت روايات عدّة، نذكر منها ما ورد في (الأصول من الكافي)، ج1، ص 261 - 262، حديث 4:
"عن ضريس الكناسي قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه - : عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لأمرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ؟ !
فقال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمت من صمت منا، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عز وجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله، أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم". ا.هـ


نظرية السيّد الطبطبائي في التوفيق بين العلم بالغيب والسلوك الخارجي
يذكر السيّد الطباطبائي بحثاً تحت عنوان (بحث فلسفي ودفع شبهة) في كتابه (الميزان)، ج18، ص 192 – 194، يقول فيه:
" تضافرت الأخبار من طرق أئمة أهل البيت أن الله سبحانه علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام علم كل شيء، وفسر ذلك في بعضها أن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق الوحي وأن علم الأئمة عليه السلام ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأورد عليه أن المأثور من سيرتهم أنهم كانوا يعيشون مدى حياتهم عيشة سائر الناس فيقصدون مقاصدهم ساعين إليها على ما يرشد إليه الأسباب الظاهرية ويهدي إليه السبل العادية فربما أصابوا مقاصدهم وربما أخطأ بهم الطريق فلم يصيبوا، ولو علموا الغيب لم يخيبوا في سعيهم أبدا فالعاقل لا يترك سبيلا يعلم يقينا أنه مصيب فيه ولا يسلك سبيلا يعلم يقينا أنه مخطئ فيه. وقد أصيبوا بمصائب ليس من الجائز أن يلقى الإنسان نفسه في مهلكتها لو علم بواقع الأمر كما أصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بما أصيب، وأصيب علي عليه السلام في مسجد الكوفة حين فتك به المرادي لعنه الله، وأصيب الحسين عليه السلام فقتل في كربلاء، وأصيب سائر الأئمة بالسم، فلو كانوا يعلمون ما سيجري عليهم كان ذلك من إلقاء النفس في التهلكة وهو محرم، والإشكال كما ترى مأخوذ من الآيتين : (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) (وما أدري ما يفعل بي ولا بكم).

ويرده أنه مغالطة بالخلط بين العلوم العادية وغير العادية فالعلم غير العادي بحقائق الأمور لا أثر له في تغيير مجرى الحوادث الخارجية. توضيح ذلك أن أفعالنا الاختيارية كما تتعلق بإرادتنا كذلك تتعلق بعلل وشرائط أخرى مادية زمانية ومكانية إذا اجتمعت عليها تلك العلل والشرائط وتمت بالإرادة تحققت العلة التامة وكان تحقق الفعل عند ذلك واجبا ضروريا إذ من المستحيل تخلف المعلول عن علته التامة. فنسبة الفعل وهو معلول إلى علته التامة نسبة الوجوب والضرورة كنسبة جميع الحوادث إلى عللها التامة، ونسبته إلى إرادتنا وهي جزء علته نسبة الجواز والإمكان.

فتبين أن جميع الحوادث الخارجية ومنها أفعالنا الاختيارية واجبة الحصول في الخارج واقعة فيها على صفة الضرورة ولا ينافي ذلك كون أفعالنا الاختيارية ممكنة بالنسبة إلينا مع وجوبها على ما تقدم. فإذا كان كل حادث ومنها أفعالنا الاختيارية بصفة الاختيار معلولا له علة تامة يستحيل معها تخلفه عنها كانت الحوادث سلسلة منتظمة يستوعبها الوجوب لا يتعدى حلقة من حلقاتها موضعها ولا تتبدل من غيرها، وكان الجميع واجبا من أول يوم سواء في ذلك ما وقع في الماضي وما لم يقع بعد، فلو فرض حصول علم بحقائق الحوادث على ما هي عليها في متن الواقع لم يؤثر ذلك في إخراج حادث منها وإن كان اختياريا عن ساحة الوجوب إلى حد الإمكان.

فإن قلت : بل يقع هذا العلم اليقيني في مجرى أسباب الأفعال الاختيارية كالعلم الحاصل من الطرق العادية فيستفاد منه فيما إذا خالف العلم الحاصل من الطرق العادية فيصير سببا للفعل أو الترك حيث يبطل معه العلم العادي.

قلت : كلا فإن المفروض تحقق العلة التامة للعلم العادي مع سائر أسباب الفعل الاختياري فمثله كمثل أهل الجحود والعناد من الكفار يستيقنون بأن مصيرهم مع الجحود إلى النار ومع ذلك يصرون على جحودهم لحكم هواهم بوجوب الجحود وهذا منهم هو العلم العادي بوجوب الفعل، قال تعالى في قصة آل فرعون: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) النمل : 14. وبهذا يندفع ما يمكن أن يقال : لا يتصور علم يقيني بالخلاف مع عدم تأثيره في الإرادة فليكشف عدم تأثيره في الإرادة عن عدم تحقق علم على هذا الوصف. وجه الاندفاع : أن مجرد تحقق العلم بالخلاف لا يستوجب تحقق الإرادة مستندة إليه وإنما هو العلم الذي يتعلق بوجوب الفعل مع التزام النفس به كما مر في جحود أهل الجحود وإنكارهم الحق مع يقينهم به ومثله الفعل بالعناية فإن سقوط الواقف على جذع عال، منه على الأرض بمجرد تصور السقوط لا يمنع عنه علمه بأن في السقوط هلاكه القطعي. وقد أجاب بعضهم عن أصل الإشكال بأن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام تكاليف خاصة بكل واحد منهم فعليهم أن يقتحموا هذه المهالك وإن كان ذلك منا إلقاء النفس في التهلكة وهو حرام، واليه إشارة في بعض الأخبار.

وأجاب بعضهم عنه بأن الذي ينجز التكاليف من العلم هو العلم من الطرق العادية وأما غيره فليس بمنجز، ويمكن توجيه الوجهين بما يرجع إلى ما تقدم". ا.هـ

ونختم بهذه الرواية الشريفة:
" عن علي السائي عن أبي الحسن الأول موسى عليه السلام قال :
مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث فاما الماضي فمفسر ، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الاسماع وهو أفضل علمنا ولا نبي بعد نبينا".اهـ.
الكافي الشريف: ج1، ص 264، حديث1، كتاب الحجة: باب جهات علوم الأئمّة عليهم السلام.



والحمد لله ربّ العالمين ،،،
وصليّ اللهمّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،



مُستفاد من كتاب (الرّاسخون في العلم) لسماحة السيد كمال الحيدري حفظه الله تعالى.

النجف الاشرف
09-01-2010, 05:57 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
أحسنتم مولاي ....

ابو طالب العاملي
09-01-2010, 05:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين **************لقد أحسنت أخي الفاضل والسلام *********************** والحمد لله على هداه

3li
09-01-2010, 08:06 PM
احسنتم مولاي

مسلمه
09-01-2010, 08:14 PM
أحسنت اخينا الفاضل على البحث القيم ..
سلام الله على أهل البيت اهل العلم والفضل
.
.

الفداغي
09-01-2010, 08:31 PM
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

مولاي الموسوي جزاك الله خيراً,, نريد من هذه المواضيع التي يستفيد منها الشيعه لاتبخل علينا

الفداغي

بو هاشم الموسوي
09-01-2010, 11:40 PM
ونضيف أيضا :

من كتاب الفتاوى الصادرة عن الفقيه الأعظم إمام المحققين المجدد الميرزا محمد حسين الغروي النائيني .
تنظيم وتعليق حفيده الشيخ جعفر الغروي النائيني .
/ الجزء 3 / ط الأولى 1429 هـ / الناشر دار الهدى – قم المقدسة .

سؤال رقم 2016
س : هل الإمام عليه السلام يعلم الغيب ؟

ج : هذه المسألة وإن كانت مما لم يكلف الله عباده بمعرفته والخوض فيه وليست موردا للاستفتاء والتقليد، لكن لا يخفى أن الغيب عكس الشهود وهو عبارة عن كل أمر مستور، ومقتضى بعض الروايات المعتبرة الصحيحة أن جميع العالم بما فيه من المجردات بمراتبها والماديات بأنواعها عند الإمام – صلوات الله عليه – كحلقة في يد أحدنا يقلبها كيف يشاء، ومضمون هذه الرواية المباركة ومحصل مفادها هو المستفاد من عدة الروايات الأخر البالغة حد الاستفاضة، وهو المنطبق على مضامين جملة مما تضمنته الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها من الزيارات المعتبرة أسانيدها والمتلقاة بالقبول عند وجوه العصابة، وقضية ذلك هي إحاطة علومهم بجميع العالم إحاطة ذاتية وهذا هو الذي تقتضيه ولايتهم المطلقة على ما في العالم، ولا يخفى ما في التمثيل بالحلقة في كف أحدنا يقلبها كيف يشاء من الدلالة على ما ذكر من الإحاطة بما في قوسي الصعود والنزول، وعلى هذا فليس شيء مما كان أو يكون إلى يوم القيامة من الغيب بالنسبة إليهم - صلوات الله عليهم - ويختص بما كان مستورا عنهم بما لا يعلمه إلا الله تعالى، والله العالم.

5 محرم 1349 هـ .
من كتاب الفتاوى - الجزء الثالث ص 552 وما بعدها.

--------------------------
* بارك الله تعالى بكم اخواني الأفاضل
ولا حرمنا الله تعالى من دعائكم ،،،
ونقول للأخ الفاضل الفداغي حفظه الله، إن شاء الله تعالى سنسعى في هذا الأمر المبارك.

بو هاشم الموسوي
20-03-2010, 02:09 PM
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد والعن أعداءهم ،،،

شيعي خادم الائمة
20-03-2010, 07:38 PM
بارك الله فيك

بو هاشم الموسوي
21-03-2010, 03:08 PM
وبكم يبارك الله تعالى ،،،

بو هاشم الموسوي
15-11-2010, 06:14 PM
هذه إضافة للموضوع وهي لشيعة آل محمّد (ع) الّذين يسعون للتعمّق في مقامات محمّد وآله صلوات الله تعالى عليهم.

نحن نقرأ قوله تعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء"(1). ويقول جلّ وعلا أيضاً: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا"(2) ففي الآيتين االمباركتين استثناء واضح وصريح وها هو نبيّ الله عيسى (عليه السّلام) يقول لبني إسرائيل: "وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين"(3) وقال تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"(4) وقد استفاضت الروايات في أنّ أعمال العالمين تعرض على محمّد وآله صلوات الله تعالى عليهم وكما قال مولانا الإمام علي الهادي عليه السّلام في الزيارة الجامعة المقدّسة: "إيابُ الْخَلْقِ إلَيْكُمْ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ" فهل يُعقل أن يخفى عنهم أمر في السّماء والأرض وما تخفى الضمائر وهم المحاسبون؟!
ويقول تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"(5) فهم عليهم السّلام الشهداء على الخلق وهذا ما استفاضت به رواياتنا الشريفة؛ فراجع (6).
فمن كان شهيداً على الخلق لا يُعقل أن يكون علم الغيب محجوباً عنه أو أنّه يحتاج إلى ملك من السّماء حتّى يطلعه على الأمر؛ فالنبيّ الأعظم صلّل الله عليه وآله إن كان يحتاج إلى جبرائيل (عليه السّلام) ليطلعه على الغيب عندها يصبح جبرائيل في هذا الأمر له مزيّة عليه -والعياذ بالله- كيف وقد روى الشيخ الصدوق (رضي الله عنه) في علله بسنده عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه السّلام قال: "كان جبرئيل إذا أتى النبيّ صلّى الله عليه وآله قعد بين يديه قعدة العبد وكان لا يدخل حتّى يستأذنه"(7) وأنّى ذلك وإمامنا الهادي عليه السّلام يقول عن أهل بيت العصمة: "فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ، حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ، وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ، وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ، وَلا يَطْمَعُ فى اِدْراكِهِ طامِعٌ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ، وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ اِلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ، وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ، وَكِبَرَ شَأنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ، وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ، وَثَباتَ مَقامِكُمْ، وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ، وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ، وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ، وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ".
وتضافرت الروايات والأخبار الشريفة وتواترت بأنّهم (عليهم السّلام) عندهم علم ما كان وما يكون، وقد بوّب ثقة الإسلام الشيخ الكليني (رضي الله عنه) في الكافي الشّريف باباً كاملاً تحت إسم (باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم) وفيه ست روايات شريفة منها المعتبرة والصحيحة؛ كما أنّ الشيخ الجليل الثّقة محمّد بن الحسن الصفّار (رضي الله عنه) في بصائر الدّرجات له باب اسمه (باب ما لا يحجب عن الأئمّة من علم السّماء وأخباره وعلم الأرض وغير ذلك) وفي الباب ثمان روايات شريفة معتبرة؛ كما بوّب باباً آخراً تحت إسم (باب في علم الأئمّة بما في السّماوات والأرض والجنّة والنّار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه ست روايات شريفة معتبرة.
حتّى نقل العلّامة النمازي الشاهرودي عن العلامة الكامل ميرزا تقي الطباطبائي التبريزي في حاشيته على القوانين في مبحث العموم والخصوص: كيف يشك في علمهم بالمغيبات واطلاعهم على السرائر والخفيات، مع ما ثبت ضرورة من كونهم مخازن علم الله وحملة كتابه، وفيه تبيان كل شئ وهم الإمام المبين، وكل شيء أحصاه الله فيه، وقد تظافرت الأخبار وتواترت بأن عندهم علم ما كان وعلم ما يكون، ولو أردنا إيراد الأخبار الواردة في هذا الباب لخرجنا عن مقصد الكتاب إلى آخر ما أفاده."(8).

ونقل محسن الخزّازي قول العلّامة الطبطبائي (رحمه الله تعالى) في شمولية علم الأئمّة عليهم السّلام حيث يقول:
"إنّ الإمام وقف على حقائق العالم كيف ما كان بإذنه تعالى سواء كانت محسوسة أم غير محسوسة كالموجودات السماويّة والحوادث الماضية والوقائع الآتية وتدل على ذلك الروايات المتواترة المضبوطة في الكافي وبصائر الدرجات وبحار الأنوار وغيرها"(9).


- وقال المجّدد الميرزا النائيني (رضي الله عنه) في إجابة سؤال وجّه له وهو:
سؤال رقم 2016
س: هل الإمام عليه السلام يعلم الغيب ؟
ج: هذه المسألة وإن كانت مما لم يكلف الله عباده بمعرفته والخوض فيه وليست موردا للاستفتاء والتقليد، لكن لا يخفى أن الغيب عكس الشهود وهو عبارة عن كل أمر مستور، ومقتضى بعض الروايات المعتبرة الصحيحة أن جميع العالم بما فيه من المجردات بمراتبها والماديات بأنواعها عند الإمام صلوات الله عليه كحلقة في يد أحدنا يقلبها كيف يشاء، ومضمون هذه الرواية المباركة ومحصل مفادها هو المستفاد من عدة الروايات الأخر البالغة حد الاستفاضة، وهو المنطبق على مضامين جملة مما تضمنته الزيارة الجامعة الكبيرة وغيرها من الزيارات المعتبرة أسانيدها والمتلقاة بالقبول عند وجوه العصابة، وقضية ذلك هي إحاطة علومهم بجميع العالم إحاطة ذاتية وهذا هو الذي تقتضيه ولايتهم المطلقة على ما في العالم، ولا يخفى ما في التمثيل بالحلقة في كف أحدنا يقلبها كيف يشاء من الدلالة على ما ذكر من الإحاطة بما في قوسي الصعود والنزول.
وعلى هذا فليس شيء مما كان أو يكون إلى يوم القيامة من الغيب بالنسبة إليهم صلوات الله عليهم ويختص بما كان مستورا عنهم بما لا يعلمه إلا الله تعالى، والله العالم(10).


وسوف ننتقي بعض الروايات الشريفة من الكافي الشريفة وبصائر الدرجات والّتي تثبت أنّ علمهم عليهم السّلام للغيب من الأمور المسلّمة حتّى من غير وحي من قبل الله تعالى وكيف يحتاج آل محمّد عليهم السّلام إلى ملك من الملائكة لتعليمهم الغيبيّات وقد وردت روايات عدّة مضمونها أنّهم عليهم السّلام هم أمره تعالى بين الكاف والنون حيث يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في صفات أهل البيت عليهم السّلام:
"الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله ونور الله وحجاب الله وآية الله يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.
ويكتب على عضده: "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" فهو الصدق والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد، ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب، ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه شيء من عالم الملك والملكوت، ويعطى منطق الطير عند ولايته . . . [إلى أن يقول] . . . خلقهم الله من نور عظمته وولاهم أمر مملكته فهم سر الله المخزون وأولياؤه المقربون وأمره بين الكاف والنون إلى الله يدعون وعنه يقولون وبأمره يعملون.
علم الأنبياء في علمهم وسر الأوصياء في سرهم وعز الأولياء في عزهم كالقطرة في البحر والذرة في القفر، والسماوات والأرض عند الامام كيده من راحته يعرف ظاهرها من باطنها ويعلم برها من فاجرها ورطبها ويابسها، لأن الله علم نبيه علم ما كان وما يكون وورث ذلك السر المصون الأوصياء المنتجبون، ومن أنكر ذلك فهو شقي ملعون يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.
وكيف يفرض الله على عباده طاعة من يحجب عنه ملكوت السماوات والأرض؟ . . ."(11).



فمن روايات الكافي الشّريف(12)


- عن سيف التمار قال:
كنّا مع أبي عبد الله عليه السلام جماعة من الشيعة في الحجر فقال علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا فقلنا ليس علينا عين؛ فقال وربّ الكعبة وربّ البنية ثلاث مرات لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى والخضر (عليه السلام) أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة و قد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة.

- صحيحة ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه -:
عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم ؟!
فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟
فقال أبو جعفر عليه السلام : يا حمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله قام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمتَ من صمتَ منّا، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم ما نزل من أمر الله عز وجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عز وجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذا لأجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله، أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.

- عن جماعة بن سعد الخثعمي أنه قال كان المفضل عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له المفضل:
جعلت فداك يفرض الله طاعة عبد على العباد ويحجب عنه خبر السماء قال لا الله أكرم وأرحم وأرأف بعباده من أن يفرض طاعة عبد على العباد ثم يحجب عنه خبر السماء صباحا ومساء.

- عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
لا والله لا يكون عالم جاهلا أبدا عالما بشيء جاهلا بشيء ثم قال الله أجل وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال لا يحجب ذلك عنه.


من روايات بصائر الدّرجات (13)

- صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال:
سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال علم النبي علم جميع النبيين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة ثم قال والذي نفسي بيده انى لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة.

- صحيحة عبيدة بن بشير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداء منه:
والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرضين وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة ثمّ سكت، ثمّ قال: أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا ثم بسط كفيه ثم قال إن الله يقول: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء".

- معتبرة عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
إنى لأعلم ما في السماء وأعلم ما في الأرض وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وأعلم ما يكون، علمت ذلك من كتاب الله، إن الله تعالى يقول "فيه تبيان كلّ شيء".

ونختم حديثنا بمناجاة مولانا الإمام الصادق عليه السّلام:
روى الشيخ الصدوق بسنده الصحيح عن معاوية بن وهب قال: استأذنت على أبي عبدالله عليه السلام فقيل لي: ادخل، فدخلت فوجدته في مصلاه، فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه وهو يقول: «يا من خصنا بالكرامة، وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضى وما بقي، وجعل افئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولاخواني ولزوار قبر أبي الحسين صلوات الله عليه الذين أنفقوا أموالهم، وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا، وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظا أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافهم عنا بالرضوان، وأكلأهم بالليل والنهار، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصبحهم وأكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك أو شديد، وشر شياطين الجن والانس، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، وخلافا منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبدالله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم الصرخة التي كانت لنا، اللهم إني أستودعك تلك الانفس، وتلك الابدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء، فلما انصرف قلت: جعلت فداك، لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا، والله لقد تمنيت أني كنت زرته ولم أحج، فقال لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك من زيارته؟! ثم قال: يا معاوية لم تدع ذلك، قلت: لم أدر أن الامر يبلغ هذا كله، قال: يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الارض، يا معاوية لا تدعه، فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة والائمة عليهم السلام أما تحب أن تكون غدا ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى ويغفر له ذنوب سبعين سنة؟
أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة؟
أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج وليس له ذنب فيتبع به؟
أما تحب أن تكون غدا ممن يصافح رسول الله صلى الله عليه وآله(14).

قال الشيخ النمازي الشاهرودي (رضي الله عنه) في مناجاة مولانا الصادق عليه السلام: يا من خصنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي - الخ. رواه الصفاّر في البصائر بأسانيد متعددة، وكذا رواه ابن قولويه القمي في كامل الزيارة بأسانيد سبعة، فيها الصحاح والمعتبر (15).

ــــــــــ

(1) آل عمران، آية 179.
(2) الجنّ، آية 26 - 27.
(3) آل عمران، آية 49.
(4) التوبة، آية 105.
(5) البقرة، آية 143.
(6) المجلسي، بحار الأنوار، الجزء 23 باب عرض الأعمال عليهم، عليهم السّلام وأنّهم الشهداء على الخلق.
(7) المجلسي، المصدر نفسه، ج26، ص447، ح2.
(8) علي النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص42.
(9) محسن الخزازي، بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإماميّة، ج2، ص57 نقلاً عن: محمّد جميل حمود، الفوائد البهيّة، ج2، ص125.
(10) من كتاب الفتاوى الصادرة عن الفقيه الأعظم إمام المحققين المجدد الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، تنظيم وتعليق جعفر الغروي النائيني، (ط1، قم المقدّسة، دار الهدى، 1429هـ)، ج3، ص552 وما بعدها.
(11) المجلسي،المصدر السابق، ج25، ص108-111، ح38 باب جامع في صفات الإمام.
(12) الكليني، الكافي، ج1، ص260 وما بعدها، باب أن الأئمة عليهم السلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم الشيء صلوات الله عليهم.
(13) الصفّار، بصائر الدرجات، مج1، ص262 باب في علم الأئمّة بما في السّماوات والأرض والجنّة والنّار وما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
(14) الصّدوق، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، ص122-123 ثواب من زار قبر الحسين عليه السّلام، ح44.
(15) علي النمازي الشاهرودي، المصدر السّابق، ج7، ص339.

والحمد لله ربّ العالمين ،،،،
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم
والعن أعداءهم ،،،