المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحجاب بين السلب والايجاب.


عاشق القائم
18-01-2010, 08:37 AM
هكذا يقترح صديق حميم ان يكون عنوان الكتاب في طبعته المقبلة ان شاء الله، وكأنه يجد في العنوان السابق الذي عرف به الكتاب شيئاً من الحدة فهو يروم التلطيف منها بهذا التحوير، وهو يشفع رأيه هذا بأن في العنوان الجديد صناعة لفظية ترقق من جرسه، وهي صناعات يحبها بل ويغرم بها فريق من الأدباء الذين ينزعون الى القديم.
وانا اكبر لصديقي رأيه واعجب بملاحظته للفظ والمعنى، واستميحه المعذرة لأقول: سيرى القارئ في مطاوي البحث ومن مساق الاحتجاج فيه ان منابع الخلاف في هذه المسألة بين الاسلام وخصومه، وان البواعث التي حتمت على الاسلام ان يقول قولته في الحجاب انما هي امور تحوم حول العفاف ذاته، ورأي الاسلام الصريح ان الحجاب انما هو ضمان قانوني للعفة، يصونها عن الانزلاقات العاطفية التي توجبها فتنة العري، وعن الاعتداء الاثيم التي تمكن له مظاهر التبرج والخلاعة.
ليس عفاف المرأة وحدها، ولا عفاف الرجل وحده، بل عفاف المجتمع كله من الفه الى يائه، ولذلك فالعفاف في راي الاسلام والذي يأمر به ويسعى لتكوينه وتنميته ويحرص على الحفاظ عليه حق اجتماعي عام لا يختص بالفرد ولا ينتهي مع حدوده وليس من حقوقه لتكون له الخيرة في اسقاطه والتسامح فيه اذا شاء، والحجاب يتبع العفة في كل ذلك.
ولأعجل بالقارئ فأتلو عليه هاهنا بعض أيات الحجاب ليتضح له من دلالتها هذا الذي قلناه.
يقول سبحانه في الآية ـ 59 ـ من سورة الأحزاب « يا ايها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفوراً رحيما ».
ما معنى ايذاء المؤمنات الذي ذكرته الآية الكريمة وفرضت للوقاية منه فريضة الحجاب؟ ما معنى ايذاء المؤمنات غير ان يعترض الطامعون سبيلهن فيسمعن او يرين من اقوالهم وحركاتهم ما يريب؟ ما معناه غير هذا التعرض للعفاف الاسلامي الذي يريده الله للمرأة المسلمة وللمجتمع المسلم؟ وسيأتي في بحوث الكتاب ما يوضح ذلك ويجلوه.
ويقول في الآية ـ 30 ـ وما بعدها من سورة النور: « قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن … ».
ذلك ازكى لهم واطهر، ازكى لهم جميعاً … لأفرادهم ومجتمعهم، وهذه الزكاة العامة الشاملة التي يجب ان تشمل المجتمع من اقصاه الى اقصاه امر الله المؤمنين ان يغضوا ابصارهم ويحفظوا فروجهم، وامر المؤمنات ان يغضضن من ابصارهن، ويحفظن فروجهن، ثم امرهن بالحجاب الواقي: بأن يضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن وإلا لمن تنتفي معه الريبة وتؤمن عنده الفتنة من النساء والأرحام القريبة والأصهار الدانية، والتابع غير اولي الاربة، والطفل الذي لم يظهر على عورة، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فيستهوى ضعيف ويشرئب طامع ويترصد حالات الغفلة، ويستخدم فنون الاغراء.
وحتى الآيات الخاصة التي فرضت الحجاب على ازواج الرسول (ص) فانها تتصل بذلك وتؤكده، فلهذا العفاف الاسلامي الذي يجب ان ينبع من مهد الرسالة ومن منزل الرسول ومن هدي ازواجه وبناته الطاهرات المطهرات ثم يشع علي أفاق المجتمع الاسلامي واقطاره، اقول: لتنشئة هذا العفاف وتنميته ولصيانته عما يخل ويخدش يقول الله سبحانه لمخدرات الرسول (ص) في الآية ـ 32 ـ وما بعدها من سورة الأحزاب: « يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن، فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى … ».
لا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وبماذا يطمع هذا الذي في قلبه مرض؟ ان طبيعته المريضة الملتاثة توهمه ان وراء اللين بالقول ليناً بالطباع فيتطلع ويطمع، ويحاول ويتعرض.
وإذن فالآية تتضمن حصراً لدائرة المرض وحسما لعدواه ووقاية من اعراضه وآثاره.
ومن اللفتات القرآنية الرائعة التي تسترعي الانتباه انه يسمي اللين بالحديث هاهنا خضوعاً فلا تخضعن بالقول، نعم فاللين بالقول خضوع يجب ان تتسامى عنه المرأة الكريمة، خصوصاً اذا كانت ليست كأحد من النساء.
ولتنشئة هذا العفاف وتنميته وصيانة حدوده عما يخل ويخدش يقول للمؤمنين في الآية ـ 53 ـ من السورة نفسها: يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين … واذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن ».
الحجاب ضمان قانوني للعفة يقيها من ان تتردى او تضعف في نفس الفرد، ومن ان تزيغ او تهن في طباع الأمة، ودعاة التبرج، انما يدعون الى هذه السوأى وان كانوا ينكرون، وهذا الكتاب يلمح الى نتائج ذلك ويؤمي الى اسبابه.
وبعد فلست ارى في العنوان حدة بعد ان كان يحدد الموضوع الذي من اجله وقع الخلاف، ومن اجل البقيا عليه وضع الاسلام هذا العلاج، وما اصنع انا للموضوع ذاته اذا كان بطبعه يملي نوعاً من الحدة؟!.
اما الجرس الموسيقي الذي يشفع صديقي الأديب رأيه فيه فلا يكفى وحده سبباً للتحرير.