مشاهدة النسخة كاملة : الناقد الدكتور هاشم الفريجي .. آراء و دراسات تنفع الشعراء
زكي الياسري
19-01-2010, 02:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و ال محمد
احببت ان اضع بين ايديكم هنا .. ما جاد به قلم الناقد الجليل الاستاذ الدكتور هاشم نعمه الفريجي حفظه الله تعالى في هذه المواضيع القيمه ادناه ... لكي تعم الفائده .. و لكي ننهل منه بعض اسرار الاوزان الشعريه و بعض الاراء التي تنفعنا .. لنتعلم جميعا ما ينفعنا كشعراء و ادباء .. و لكي يستفيد منه المبتدئين الذين يملكون الروح الشاعره و الملكه الفطريه لكتابة الشعر .. لكنهم يفتقدون الخبره .. رعى الله تعالى الناقد الدكتور هاشم الفريجي .. و خالص الشكر له على هذا العطاء الذي لا ينضب.
بادئ ذي بدء احب ان اقتنص الفرصه لاُعِّرفــَه لكم بقلمي القاصر بشكل موجز
الدكتور هاشم نعمه الفريجي
وهو ناقد و اديب اثرى الساحه الادبيه بنقده البناء و اسلوبه البسيط في الشرح و التبيان .. يعتبر في طليعة النقاد الذين اثروا الشعر و الشعراء بكل نافع و بناء في شبكة الانترنت بشكل خاص .. له فضل كبير على الكثير من الشعراء ... من خلال ارائه المفيده و نقده البناء و نصائحه القيمه ....
مصدري لهذه المواضيع : هو ملف الدكتور الشخصي في زبدة الكلام .. اول منتدى متخصص بالشعر الشعبي العراقي في الشبكة العالميه ..
احببت بعد اذن الدكتور ان اضع هنا بعض أرائه و دراساته القيمه .. للفائده و الثواب و خدمة ً للشعر و الشعراء
الموضوع الاول
العلل والزحافات في الاوزان الشعبية
أسباب اختلاف اوزان الشعبي والفصيح
واين تقع العلل والزحافات في الاوزان الشعبية
***********************
بقيت مشلكة اوزان الشعر الشعبي قائمة الى الان
وربما ستستمر ما لم نجد لها حلا منطقيا يعتمد
اساسا على استقراء اللهجة العامية ومقاطعها
الاصلية وهي الاسباب والاوتاد والفواصل التي
تختلف عن مثيلاتها في الفصيح.
وهو امر مهم يتجاوز الشكل الى الوزن الذي يعتمد
الحركة والسكون والذي تبنى عليه التفعيلات ثم
الاوزان والبحور.
وفي هذه المقالة سنبدا من اساسيات التقطيع الذي
يعتبر مفتاح التطبيق الصحيح للعروض:
يعتمد تقطيع المفردات في البيت على عدد الحروف
التي تلفظ والحركات التي عليها. وابتداء فان البيت
يكتب كما يلفظ من اجل الوصول الى تقطيعه الى
مقاطع صغيرة مكونة من حرفين او ثلاثة احرف و
اكثر اعتمادا على فواصل نطق المفردات او مقاطع
الكلام.
وتتكون المفردات من حروف وهذه الحروف اما
ساكنة او متحركة. والعرب لا تبدأ بساكن ولا تقف
على متحرك. وتختلف الكلمات في تقطيعها استنادا
الى عدد حروفها من جهة والى حركات تلك
الحروف من جهة اخرى.
لقد وجد الخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ ألفاظ العرب
بحسب عدد حروف الكلمات وحركاتها لا تخرج
عن ثلاثة أنواع: وهي الأسباب والأوتاد والفواصل.
1- الأسباب: وهي كل كلمة مكونة من حرفين, فإذا
كان الأول متحركا والثاني ساكنا سمي سببا خفيفا
مثل: هَل و لَم و عَن و مَنْ. أمَّا إذا كان ثانيه متحركا
أيضا فيسمى سببا ثقيلا مثل: لِمَ و بِمَ و ارَ.
2- الأوتاد: وهي ما كان مكونا من ثلاثة أحرف،
فإذا كان أوسطها متحركا سمي وتدا مجموعا مثل:
عَلَى و وَلَد و قَلَم. وإذا كان الثاني ساكنا سمي وتدا
مفروقا مثل: عِلْمُ و شِعْرُ.
3- الفواصل: وهي كل كلمة مكونة من أربعة
أحرف فما فوق، فإذا كانت الثلاثة الأولى متحركة
والرابع ساكنا سميت فاصلة قصيرة مثل: كَتَبَت
وعَلِمُوْا. وإذا كانت مكونة من أربعة حروف
متحركة او أكثر وآخرها ساكن سميت فاصلة طويلة
مثل: عَلَمُنَا و صُحُفُنَا.
وهذا لا يعني ان كل كلمة يجب ان تكون احدى هذه
الانواع الثلاث، اذ يمكن ان تتكون من عدد منها او
من نوع واحد .
أمَّا في اللهجة العامية فقد وجدت من خلال
ملاحظتي ان الأسباب الخفيفة مشابهة للفصيح مثل:
بَس وهَمْ, وأما الثقيلة فمعظمها مأخوذة من كلمات
أصلها ثلاثي آخره حرف علة مثل:
هَلَ، عَلَ، اجَ، مِشَ، وحرف العلة محذوف
للتخفيف. (تكتب : هله ، اجه ، مشه) بهاء مخففه
تعتبر فتحة على الحرف الثاني.
وذلك لأنَّ نهايات الكلمات في العامية كلها ساكنة لا
ظهر عليها علامات الإعراب، بعكس ما يحدث في
الفصيح. فإذا كانت حروف علة حُذِفَت من اصل
الكلمات وظهرت الفتحة عِوَضَا عنها على الحرف
الذي يسبقها.
وبذلك تكون (الأوتاد المجموعة المنتهية بحرف
الألف) اصل معظم (الأسباب الثقيلة) في العامية.
وفي الحقيقة إنَّ الأسباب الثقيلة في الفصحى هي
أيضا مكونة في معظمها من ثلاثة حروف او أكثر
حذف بعض منها فبقي السبب الثقيل. (بالمناسبة نحن
نتحدث عن مفردات تامة مستعملة في اللهجة وليس
عن التقطيع العروضي).
فالسبب لِمَ هو لما او لماذا، وبِمَ هو بما او بماذا، و
الفعل المجزوم ارَ هو الفعل أرى وعلامة جزمه
حذف حرف العلة وهو الألف المقصورة. أمَّا الأوتاد
المفروقة فكلها تحتوي على حرف علة ساكن في
وسطها ودائما ما يكون حرفها الثالث ساكنا أيضا
مثل:
شُوْفْ، خُوْشْ، صَامْ، نَامْ، لِيْشْ، بِيْشْ.
وأما الأوتاد الموصولة فجميع حروفها الأخيرة
ساكنة أيضا مثل:
هَلِيْ، عَلَيْ، شَمِسْ، نَجِمْ، مِشَوْ، وِلَكْ، زلِفْ.
ويقل وجود الفواصل القصيرة والطويلة في العامية
بشكل ملحوظ إذ تتحول (القصيرة في الفصيح) إلى
(سببين خفيفين) في العامي مثل:
هَلَـكُوْا تلفظ: هِلْ كَوْ. وَجَـبَت تلفظ: وِجْ بَتْ.
سَمَـكَة تلفظ: سِمْ چَه. وبَصَلَة تلفظ: بُصْ لَه.
وتتحول (الفواصل الطويلة في الفصيح) إلى (أوتاد
مجموعة وأسباب خفيفة) في العامي، ففي الفصيح
نقول:
قَتَلَهُم تلفظ: كِتَلْ هُمْ. مَلِكُنا تلفظ: مَلِكْ نَا
وهنا تكمن مشكلة الجوازات التي تصلح وتطبق في
الفصيح ولا يمكن تطبيقها في الشعبي:
حين ان : ( مُـسْـتـَفـْعِـلُـنْ ) المكونة من سببين
خفيفين ووتد مجموع ممكن ان تصبح في الفصيح :
مُـفْـتـَعـِلـُنْ و فـَعِـلَــتـُنْ وهما تحتويان على فواصل
قصيرة وطويلة و مَـفـَاعِـلُـنْ المكونة من وتدين
مجموعين وذلك بتاثير العلل والزحافات التي
اعتبرها الخليل بن احمد (جوازات) في الفصيح.
ومن الملاحظات المهمة في اللهجة العراقية:
1- إنَّ معظم الأوتاد هي من النوع الأول أي
المجموع.
2-إنَّ الأوتاد المفروقة هي فقط تلك التي تحتوي
حرف علة في وسطها أي الحرف الثاني منها حيث
يأخذ الحرف الأول حركة حرف العلة وعادة يكون
حرفها الثالث ساكنا. إلا إذا تساوى لفظها مع
الفصيح.
3 – إنَّ جميع الأوتاد تنتهي بحرف ساكن. وبذلك
يلتقي ساكنان في نهاية الوتد المفروق. وهذا من
الاختلافات بين اللغة الفصحى واللهجة العامية،
حيث لا يلتقي في الفصحى ساكنان في كلمة واحدة
ولا في وسط الجملة. فإذا حدث أنْ التقى الساكنان
يكسر أولهما لالتقاء الساكنين.
فنقول: وَصَلَتِ الْفِكْرَةُ
بكسر تاء التأنيث الساكنة لالتقائها بحرف اللام
الساكن في كلمة الفكرة، وذلك لأنَّ همزة الألف هي
همزة وصل لا تلفظ، فنقولها هكذا.. (وَصَلَتِلْ فِكْرَةُ)
علما إنها في الأصل: وَصَلَتْ الْفِكْرَة.
أمَّا في الشعبي كقول الشاعر:
تَعَاْلْ إوْ شُوْفْ دَگَّاْتْ الْهَچَعْ بِيْنَاْ
گَشَّعْ بَيْتنَاْ إوْ طَيَّرْ بُوارِيْنَا
نرى أنَّ كلمات تَعاْلْ و شُوْفْ و دگاْتْ (بحرفين
ساكنين) في صدر البيت.
ولكن يمكن أنْ ينتهي بيت الشعر بساكنين في
الفصيح:
طَافَ بِإبْرِيْقِ طَلاً حِيْنَ صَاْحْ
حَيَّ عَلَى الأقدَاحِ دِيْكُ الصباْحْ
وفي الشعبي أيضا:
يَنَاهِيْ الشُّوْگْ ذِمَّهْ اوْ ذَاْتْ مِنْ ذَاتْ
إوْ فَرِقْ مَا بَيْنْ حَالِيْ اوْ حَالَكْ ابْعِيْدْ
4- في العامية لا تظهر الحركات في نهاية الكلمات
وتُسَكَّن بدلا من ذلك، إلا نادرا وفي الشعر فقط،
حيث يعمد بعض الشعراء إلى تنوين بعض
المفردات وعندها تكتب بشكل حرف نون في نهاية
الكلمة. بينما لابد من وجود الحركات على الكلمات
الفصيحة التي تعتبر حرفا تاما إذا جاءت في آخر
الشطر. وبسبب ذلك اختلفت تقاطيع البحور الفصيحة
وتفعيلاتها عن العامية اختلافا بينا، بحيث أننا عندما
نقول: إنَّ بيت الإبوذية على وزن الوافر ففي حقيقة
الأمر لا ينطبق ذلك عليه تماما بسبب التقاء الساكنين
في وسط الشطر بشكل مكرر في العامية كما أسلفنا.
والشعراء الشعبيون لا علم لهم بذلك، تماما كما لم
يكن يعلم بها غيرهم من نوابغ العرب في جاهليتهم،
ولم يسمعوا بها قبل الفراهيدي. فجميع الشعراء
تجمعهم السليقة والموهبة فيعرفون أنَّ ذلك يلائم
الوزن وهذا لا يلائمه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :
ما هي الجوازات التي يمكن ان تطبق في الشعر
الشعبي طالما ان كثيرا من جوازات الفصيح لا
يمكن تطبيقها عليه؟
ففي الابوذية مثلا التي تنظم على الوافر نجد ان
ابيات الفصيح تنظم على الاصل وجوازات التفعيلة
الاصلية وهي :
(مفاعلتن مفاعلتن فعولن) او (مفاعلتن مفاعيلن فعولن)
او (مفاعيلن مفاعلتن فعولن) او (مفاعيلن مفاعيلن فعولن)
(مفاعلتن مفاعلتن فعول) او (مفاعلتن مفاعيلن فعول)
او (مفاعيلن مفاعلتن فعول) او (مفاعيلن مفاعيلن فعول)
وفي الرجز الذي ينظم عليه (الميمر) فان الفصيح
ينظم على الاصل والجوازات وكما يلي :
( مستفعلن مستفعلن مفعولن ) او ( مفتعلن مستفعلن مفعولن )
او ( مستفعلن مفتعلن مفعولن ) او (مفتعلن مفتعلن مفعولن )
( فعلتن مستفعلن مفعولن ) او ( فعلتن مستفعلن مفعولن )
او ( مستفعلن فعلتن مفعولن ) او ( فعلتن فعلتن مفعولن )
( مستفعلن مستفعلن مفعول ) او ( مفتعلن مستفعلن مفعول )
او ( مستفعلن مفتعلن مفعول ) او ( مفتعلن مفتعلن مفعول )
( فعلتن مستفعلن مفعول ) او ( فعلتن مستفعلن مفعولن)
او ( مستفعلن فعلتن مفعول ) او ( فعلتن فعلتن مفعول )
( مفاعلن مستفعلن مفعولن ) او ( مفتعلن مفاعلن مفعولن )
او ( مفاعلن مفتعلن مفعولن ) او ( مفتعلن مفاعلن مفعولن )
( فعلتن مفاعلن مفعولن ) او ( فعلتن مفاعلن مفعولن )
او ( مستفعلن مفاعلن مفعولن ) او ( فعلتن مفاعلن مفعولن )
( مستفعلن مستفعلن مفعول ) او ( مفتعلن مستفعلن مفعول )
او ( مستفعلن مفتعلن مفعول ) او ( مفتعلن مفتعلن مفعول )
( فعلتن مستفعلن مفعول ) او ( فعلتن مستفعلن مفعولن)
او ( مستفعلن فعلتن مفعول ) او ( فعلتن فعلتن مفعول )
وغيرها الكثير.
فعدى عن (الخرم ) في مفاعيلن والتسبيخ في بعض
الاحيان باضافة حرف علة على السبب الخفيف في
نهايه الاشطر في الشعر الشعبي ليس هناك الكثير مما يمكن تطبيقه من
العروض في (حشو الابيات) بشكل خاص ولكن
العلل يمكن ان يطبق بعضها في الشعبي ايضا.
ولكن ماذا لدينا نحن للشعراء الشعبيين من جوازات
في قصائدهم؟
ونحن نحاسبهم على كل شاردة وواردة حتى واو
العطف التي تاتي في بدايات الاشطر.
لذلك لابد من دراسة معمقة في اللهجة العامية
واستقراء قصائد الشعراء والخروج باوزان وبحور خاصة بالشعر الشعبي تعتمد على مباديء الخليل وتختلف في (عللها وزحافاتها)
عن عروضه، وهي اهم معضلة تواجه اوزان الشعر الشعبي.
د.هاشم الفريجي
يتبع ...
زكي الياسري
19-01-2010, 02:23 PM
لمحة تاريخية عن الادب الشعبي العراقي
*********************************
في الوقت الذي تعظم فيه الشعوب تراثها الشعبي والوطني ، ينظر انصاف المثقفين العراقيين الى الشعر الشعبي العراقي ورواده نظرة دونية بغيضة. وتشاركهم بعض مواقع الانترنيت برفضها لنشر
مشاركات الشعراء الشعبيين.
ان هذه النظرة الخطرة لا بد ان تنعكس على الادب الشعبي العراقي بكل اطيافه من روايات وقصص وامثال شعبية وارجايز واغان للاطفال وترنيمات امهاتنا لاطفالهن وغير ذلك مما لا
يعد ولا يحصى من المشاركات الشعبية التي تشمل كل نواحي الحياة، وعبر المئات من السنين
التي تشكل تراثا عميقا وعظيما لهذا الشعب.
وربما - تمتد - لتشمل اللهجة العامية التي يتحدث بها اؤلئك الاشخاص دون ان ينتبهوا الى انفسهم.
ومن اجل ايضاح اهمية الادب الشعبي عموما والشعر الشعبي خصوصا، حاولت في هذا المقال ان اجمع اكبر قدر ممكن من الادلة التاريخية والادبية لاثبات قصور نظر اولائك المنتقدين
واثبات احقية الادب الشعبي العراقي ورواده قديما وحديثا.
آمل ان تجدوا فيها ما يوضح الحقائق ويزيل الشبهات.
وقد شاركت انظمة الحكم المتوالية على العراق في ذلك ايضا
حيث اصدرت وزارة الثاقفة والاعلام العراقية قانون حماية اللغة العربية
منعت بموجبه نشر اي كتاب باللهجة العامية.
وكان من ضمن اهدافه محاربة شعراء العراق الوطنيين الشعبيين من ايصال قصائدهم
لجماهير الشعب- في الوسط والجنوب- التي كانت وما تزال تلهب مشاعر الجموع اكثر مما تفعله القصائد الفصيحة
باعتبار ان غالبية ابناء العراق يفضلون ويتاثرون بالكلمة الشعبية الدارجة
خصوصا انهم يحبون الشعر الشعبي ويتداولونه في كل مناسباتهم
وي رددونه شعراء وهواة.
والاهم من ذلك كله منع القصائد والشعراء الحسينيين من النشر لما يسببه ذلك من تهييج
لمشاعر الشعب ضد الطغاة باستلهام معاني ثورة ابي الاحرار الامام الحسين عليه السلام
التي خلدتها اقلام الشعراء والرواديدعلى مر الزمان.
والتي كانت ولا تزال شوكة في عيون الظالمين والمتغطرسين من حكام الشعوب
ولما راى النظام ضرورة الاستعانة بالشعراء الشعبين في معاركه واهدافة
اعاد لهم الاعتبار وشجعهم ونشر كل ىقصائدهم في ادبياته وصحفه
واذاعاته ووسائل اعلامه.
لقد كان الاعلام وما يزال اخطر ما يهدد الطغاة
ويمثل الشعر الشعبي العراقي صفحات مجد في ذلك وليس ما نذكره عن ثورة العشرين
وما خطته انامل الشعراء وهتفت به حناجر المهاويل
وغردت به نعاوى الشاعرات العربيات الشعبيات الخالدات باهازيجهن الحماسية الرائعة
الا غيضا من فيض وما كتبه شعراء الشعب كمظفر النواب وعريان السيد خلف وغيرهما
الا مشاعل نور لا تزال تضيء دروب الثائرين
**************************************
كانت الأمم ولا تزال تفاخر بماضيها العريق وحضاراتها العظيمة بكل ما فيها من علوم وفنون وإنجازات أسهمت في رفد المسيرة الإنسانية. وتحتفظ الأمم بأدلة حية تؤيد أنَّ لها مثل ذلك
الماضي والإنجاز وما يثبت وجوده أو آثاره ليومنا هذا من شواهد تاريخية قاومت عوامل الزمن وتأثيرات المناخ وما خلفته الحروب والويلات والكوارث الطبيعية التي تشكل بمجموعِها وسائل التآكل التي تعصف بكل بناء شامخ فتتركه أثرا بعد عين إلا ما بقي صامدا كسور الصين العظيم
وأهرام المصريين وأثارا دارسة من الجنائن المعلقة في بابل.
لكن هناك أدلة عظيمة أخرى تدل على عمق تراث الشعوب والَق حضاراتها لا تؤثر فيها عوامل التآكل إلا قليلا من ناحية ومن ناحية أخرى تخبرُنا بتفاصيل كثيرة عن ماضي الشعوب وعاداتها وتقاليدها وآدابها وفنونها ودياناتها, ويمكن أنْ تخبرَنا بأكثر من شواهد البناء مهما كانت عظيمة.
وتلك الأدلة التي اقصدها هي ما تركته الشعوب من آداب موَثَّقة او كلام منقول على الألسن جيلا بعد جيل.
وإذا كان الكثير من آثار العرب القديمة في فن العمارة والبناء وغيرهما قد أثرت التراث الفكري والفني الإنساني، فإنَّ ما تركوه من صرح كبير فكري مكتوب او مروي ما هو إلا كيان حي لا زال يتنفس ويعيش وينمو بيننا ويشكل إحدى الركائز الدالة على عظمة هذه الأمة وتاريخها المجيد. وإذا كان الشعر الفصيح يعتبر ديوان العرب الذي خلَّد أيامهم وأحداثَهم وقصص فرسانِهم ونقل لنا كل ما يتعلق بحياتهم من شجاعة وكرم وحماية للجار، فإنَّ الشعر الشعبي يُعَد وبقوة ديوانا لا يقل أهمية عن أخيه الفصيح بما نقله لنا من حقائق تتعلق بأحوال الناس وأمور حياتهم بكل تفاصيلها في كل مناطق العراق من شماله إلى جنوبه في وقت انحسر فيه تأثير الفصيح وتغلبت الأمية والجهل بفعل عوامل التخلف الذي لحق العراق وسيطرة اللهجة المحلية شانه شان البلدان العربية الأخرى التي احتل فيها الشعر الشعبي مساحة واسعة في تراث تلك الشعوب.
وعلى الرغم من الأصوات العالية التي تنتقد اللهجة العامية وتعتبرها انحدارا في اللغة وتحارب كل ما يكتب او ينظم بها، إلا أنَّ اللهجة العامية فرضت نفسها كواقع معاش شئنا ذلك أم ابينا
وخلدت نفسها بما كُتب ونُظم فيها من أشعار وأمثال وحكايات خلّدت عادات العراقيين وتقاليدهم وأسلوب حياتهم وأرَّخَت للكثير من حوادثهم التاريخية وبطولاتهم الوطنية الرائعة.
ولو لم يكن لدينا من الأدب الشعبي إلا ما وصلَنَا من أبيات وقصائد وهوسات قيلت في ثورة العشرين فخلَّدت تضحيات الأبطال ومواقفهم المشرفة في وجه الاحتلال وأعتى أسلحته وطرقه في القتل والتدمير، لكفانا فخرا واعتزازا بها وبمن قالها وأنشدها في وجوه الطغاة.
ناهيك عما خلدته الأشعار الشعبية الرائعة التي قيلت في ثورة الطف العظيمة والتي توالت جيلا بعد جيل وهي تروي موقف سيد الشهداء وأبي الأحرار الامام الحسين بن الامام علي بن أبي طالب وابن الزهراء البتول وريحانة رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو يقف وحيدا بعصبة من الرجال المؤمنين الأحرار الذين نذروا أنفسهم لنصرة دين الله وسنة رسوله أمام الطغيان الأموي الجامح وما تلاها من أحداث أموية يندى لها الجبين، ومن بطولات ومواقف الأحرار وعلى رأسهم الامام زين العابدين والسيدة زينب عليهما السلام بوجه الطغاة.
وقد قامت تلك القصائد بنقل تفاصيل الأحداث وتقريبها إلى النفوس بلهجة يفهَمُها العامة والخاصة أثَّرَت وما زالت تؤثر في مسار التاريخ وتحث على الجهاد والوقوف بحزم في وجه المتجبرين والطغاة.
إنَّ شعبا كالشعب العراقي من حقه أنْ يفخر بتلك المآثر الخالدات التي سطرها له أجداده العظام وقادته الكبار بشكل أثار إعجاب القريب والبعيد وشهد لعظمتها العدو والصديق، ونقلها لنا شعرا
مؤثرا أجدادُنا من الشعراء الشعبيين بقصائد وإبوذيات بلهجتنا العامية لتبقى منارا خالدا ينير طريق المجاهدين الذين يستلهمون منه معاني الرجولة والإباء. ولذلك من واجبنا أنْ نقف بحزم بوجه كل الدعوات التي تريد النيل من الشعر الشعبي ورموزه تحت أية ذريعة كانت ومن أية جهة أتت.
إنَّ مفهوم الأدب الشعبي عند بعض الباحثين يتعدى موضوع الكتابة باللهجة العامية إلى كل ما يُكْتَب بالعامية والفصحى وله علاقة مباشرة بحياة الناس، حتى عَدَّه البعض سابقا للشعر الفصيح ومتقدما عليه. ومن هؤلاء الكاتب كامل مصطفى الشيبي الذي ذكر ذلك في كتابه (الأدب الشعبي مفهومه وخصائصه) حيث قال:
(من هنا فإنَّ المنطق يقضي بسبق الأدب الشعبي على هذا الأدب التقليدي المعروف. إذ الأدب الشعبي الذي يقوله سواد الناس من رعاة وسقاة، وزرّاع، وصنّاع وغزاة وصعاليك وصبيان وشيوخ ورجال ونساء، هو الذي يصور الحياة بتفصيلاتها ووقائعها لا الأدب التقليدي الخاص الذي تحكمه التقاليد والرسوم والآداب الاجتماعية ومجالس الشيوخ
والملوك.
ولا عبرة هنا باللغة، إذ كانت واحدة في كل الطبقات ولم يتخلخل بناؤها إلا بعد أنْ تسرَّب اللحن إليها في أواسط العهد الأموي وأوائل العهد العباسي بفعل الظروف المعروفة، وأهمها الاختلاط
الذي حدث بين شعوب الأرض تحت راية الإسلام العظيم، مما أدى إلى اختلاط اللغات وبلبلة الألسن، وحاجة المجتمع إلى التحكم في هذه الظاهرة وحفظ اللغة من الضياع،
فجاءت قوانين النحو والصرف، وجاءت ضوابط التعبير، وجاءت أمور كونت حاجزا بين عهد وعهد وسدا بين بيئة وبيئة، فانكشف الأدب الشعبي في شكليه البدوي والحضري، وارتفع الأدب التقليدي، لوصفه الآخذ بالضوابط الجديدة، فغطى بظله على ما عداه، وعُنِي به الناس، وتسلمته المجتمعات وعُنِيَت به الطبقات وسجله الرواة والمصنفون، وظل الأدب الشعبي، في حالته هذه، منقطعا مستوحشا، بالقياس بالتقليدي، ينتظر العناية والرعاية والتسجيل، وذلك ما فعله غيرنا في
الماضي وإنْ تأخروا ونفعله اليوم في سرور وفخر وسعادة).
في حين يفرق كتَّاب آخرون بين نوعين من الآداب أحدهما شعبي والآخر عامي كما فعل الأستاذ الدكتور عبد العزيز الأهواني في تصديره لكتاب (بلوغ الأمل في فن الزجل) الذي ألفه تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي وحققه الدكتور رضا محسن القرشي حيث قال:(يفرق المهتمون بآداب
اللغة العربية المنظومة في لغة ملحونة غير مُعرَبة بين نوعين: منها نوع شعبي خالص تتداوله الجماهير مشافهة وتتناقله جيلا بعد جيل وتتصرف في صياغته تصرفا يضيق ويتسع حسب
اللهجات المحلية والبيئات المختلفة ولا يعرف له مؤلف او يضاف إلى مؤلفين اشتهرت أسماؤهم وجُهِلت حقائقهم. ونوع آخر نظمه في اللغة الملحونة أدباء مثقفون معروفة أسماؤهم وأشخاصهم ولهم مشاركات في الأدب المُعْرَب. والدارسون يطلقون على النوع الأول الأدب الشعبي وعلى الثاني الأدب العامّي للتفرقة ما بين النوعين. أمَّا الأدب الشعبي فعناية القدماء به قليلة وتكاد تكون معدومة ولعلَّهُم لم يجدوا مبررا لتدوين ما يحفظه الناس جميعا، ويتداولونه في حياتهم الخاصة
باعتباره أمرا معروفا من أبناء عصرهم لا يحتاج إلى صيانة او تسجيل. والدارسون في العصر الحديث يرون غير هذا الرأي ويحرصون على تدوين هذا الأدب الشعبي وتسجيله تقديرا منهم انه في طريقه إلى الزوال والاندثار أمام تطور الحياة العصرية وانتشار التعليم. وأما الأدب الذي اصْطُلِح على تسميته بالأدب العامي فإنَّ للقدماء به قدر من العناية وقد وجد مِن هؤلاء مَن
تحمسوا له وشاركوا فيه ومنهم من تجاوز الحماسة إلى محاولة التاريخ له).
أمَّا الأستاذ عامر رشيد السامرائي مؤلف كتاب (مباحث في الأدب الشعبي) فيقول:(فالأدب العامي هو الذي يستعمل المعاني الشائعة والأفكار السطحية ونادرا ما يبتكر معنى جديدا او صورة جديدة ثم انه يستعمل اللهجة العامية بتراكيبها الشائعة بين الناس أي انه خالٍ من الصياغة الفنية
ولهذا يكون أسلوبه رديئا ومبتذلا لا يفرقه عن الكلام الذي يتداوله الناس سوى الوزن والقافية إنْ كان شعرا والسجع إنْ كان نثرا. أمَّا الأدب الشعبي فإنَّه على سذاجته، وعلينا هنا أنْ نفرق بين السذاجة وبين الرداءة، لا يخلو من الاقتباسات الفنية والموهبة الحساسة ويصاغ بلهجة عامية
لكنها غير لهجة الحديث اليومية، انه يستعمل خلاصة العامية في أسلوبه ويستعمل خلاصة الأفكار العامية في معناه). ويضرب أمثلة على ذلك للشاعر عبود الكرخي يعتبرها قصائد عامية لا شعبية استنادا إلى تعريفه السابق.
لكن الشيخ جلال الحنفي الذي قدم للكتاب لا يتفق تماما مع هذا الرأي حيث يقول معلقا على مذهب الكاتب: وهذا مذهب لا أحسب أنَّ أحدا سيتابعه عليه ويوافقه فيه.. فإنَّ الشعبية والعامية معنى واحد للفظين اختلفت حروفُهُما دون أنْ يختلف معناهما في شيء.
ويقول خليل رشيد في كتابه (الأدب الشعبي) الصادر عام 1958 في صفحة 87 حول الإبوذية:
(وفي الإبوذية اشتباك المعاني وازدحام الفكر وتجانس الألفاظ تجانسا تاما بحيث يعسر على متوسطي الذكاء حل رموز هذا التجانس وفهم مقصودها بيسر وسهولة. حيث عمق الفكرة وبعد الغور على المعاني الدقيقة ويعتمد الشاعر لهذا اللون من الأدب على اللغز العميق العسير الحل ليصير من بيته أنشودة ينشدها الناس دون أنْ يحصلوا على نتيجة بيسر وسهولة، وليتحدثوا بقوة الإبداع وغزارة الشاعرية وخصب القريحة والبيان الخلاق للمعاني والألفاظ وليتوصل هو إلى
غايته كما هي دون أنْ يمس بأذى كما يفعل البيانيون بتعمية ما يريدون تعميته.
والأدب الشعبي بصورة عامة والإبوذية بصورة خاصة مبنية قواعدها على علم البلاغة ويشترط فيها سلامة التركيب وانسجام الألفاظ ورفعة الذوق ومثال ذلك من هذا القبيل وهو الذي يعسر فهمه وحل رموزه.
والعامي ما كتب باللهجة العامية من قصة ورواية وأمثال وشعر، والشعبي كل ما انتشر وشاع وأحبه الشعب وحفظه جيلا عن جيل لاعترافه به وذلك يشمل كل التراث الشعبي لأمة من الأمم او شعب من الشعوب فهناك الأمثال الشعبية والألعاب الشعبية والأدب الشعبي، وكل الشعر العامي يكتب باللهجة الشعبية ولكن ليس كل الشعر العامي شعبيا).
فأبيات الإبوذية التي يصفها خليل رشيد لا تكتب إلا للنخبة من علية القوم وهم الأذكياء كما يقول،
وفيها مُعَمَّيات وألغاز عميقة وعسيرة الفهم وعامة الشعب لا يفهم مغزاها ولا يدرك كنهَهَا فهي بذلك تفقد سر شعبيتها لأنها لا تكتب لهم. ولهذه الأسباب لا أتفق معه في كثير من ذلك، فإنَّ
الكثير من الجناس في الإبوذية وغيرها من الفنون الشعرية غير تام، والشاعر البليغ المتمكن يجعل جناساته بيِّنَة لقرائه، فهي ليست أحاجي وألغازا يَحار القراء والسامعون فيها، وإنَّ بلاغة
الشاعر إبداعه ليس في التعمية بل في الإيضاح والبيان. ومن أهم أهداف علم البيان هو إيضاح المعاني حتى لا يلتبس بعضها ببعض.
ويبدو أنَّ مفهوم الأدب الشعبي قد استقر حقا في بداية القرن السادس الهجري، إذ تبين فيه اكتمال فنون الشعر واضحة كما يذكر الأستاذ الشيبي في كتابه (الأدب الشعبي مفهومه وخصائصه)، منها فن المَوَالْيَا الذي بدا فصيحا ثم استقر شعبيا على أربعة أشطر مصرَّعة او ناقصة التصريع كالشأن مع (الدّوْبَيْتْ)، مع ميل إلى استعمال الجناس فيه وهو الأمر الذي التصق بهذا الفن ولم يغادره أبدا. وقد نشأ هذا الفن في (واسط) العراق ومن ناحية نماذجه الأولى قول أحد الواسطيين:
أَضْحَت أنُوف القَنَا تِرعَف وَبِيْض الْهِنْد
تِصْحَف وَتَنْتِحِب الْهَامَات خَوْفَا عِنْد
لقَا سِنَان بِن عَاصِم مطْعِم إلأفْرَنْد
لحْمَ الحِجَاجِ وَمَن أعْيَا أُسَاة السِّنْد
وفن (الكَان وَكَانْ):
الذي تتكون الوحدة الشعرية منه من أربعة أشطر غير متساوية وغير مُصَرَّعَة ومن بواكيره:
مَا هُو بَحَدِّ الْصَوَارِم
ولا بمشْتَبِك القَنَا
إلا هَداَياَ تُهْدَى
لِمَن يَشَا الرحْمَن
ولعل أهل البطائح (الأهوار) هم الذين اخترعوه او نشروه، كما يذكر ابن الجوزي إبَّان نَفيه إلى
هذه المنطقة سنة 592هـ /1195م. وكان هذا الفن وعظيا في غالبه. أمَّا فن (القَوْمَا): وكان فنا شعبيا رباعي المصاريع (كالمواليا والكان وكان)، لكنها قصيرة، وأول من سجَّل فيه منصور بن نقطة المتوفى في أوائل القرن السابع الهجري في قوله مخاطبا الخليفة الناصر العباسي ت622هـ /1225م:
زكي الياسري
19-01-2010, 02:52 PM
وأول من سجَّل فيه منصور بن نقطة المتوفى في أوائل القرن السابع الهجري في قوله مخاطبا الخليفة الناصر العباسي ت622هـ /1225م:
يَا سَيِّدَ السَّادَاتْ
لَكْ في الكَرَم عَادَاتْ
أَناَ بُنَي إبِنِ نُقْطَةْ
وَأبي تَعِيْش أَنْتَ مَاتْ
ونظم الشعراء في هذا القالب سحورياتهم في رمضان كما هو معروف. وهذه الفنون الثلاثة جميعا عراقية: من العراق انتشرت إلى آفاق العالم الإسلامي. أمَّا (الزجل) وهو الوجه الشعبي للموشح الأندلسي الفصيح، وقد انتشر على يد الوزير ابن قزمان الأندلسي أبي بكر محمد بن عبد الملك الوزير المتوفى 508هـ، ومن بعده ابن أخيه محمد بن عيسى بن عبد الملك القرطبي المتوفى525هـ. وانتشر في الأندلس والمغرب وزحف إلى مصر حتى وصل العراق. وذكر أنَّ أشعار محمد بن عيسى كانت تعرف في بغداد مع كونها بيئة تنتشر فيها الفنون الشعرية لمحلية.
ومعروف أنَّ الزجل عالم واسع وبحر طام كانت له فروعه الخمسة التي اختص كل منها بموضوع، لكنها بادت حتى بقي الزجل وحده وكأنْ لم تكن له فروعه تلك.
المهم أنَّ انتشار الفنون الشعرية الشعبية العراقية والأندلسية سجلت لنا نوعين من القوالب، أولهما الرباعي البغدادي، والثاني المتعدد القوافي والوزن وهو الزجل ذو الطابع الأندلسي. ومع هذين الفنين ينبغي أنْ نذكر الشعر البدوي الذي ذكره ابن خلدون في المقدمة، وذَكَرَ الحجازي)
من فنونه صفيُّ الدين الحلي قبله في (العاطل الحالي) فإنَّه عُرِف في الأندلس أيضا وذكر من أنواعه الأصمعيات والبدوي والحواني وعروض البلد.
ويكمل الأستاذ الشيبي فيقول (وبعد أنْ تفرعت الفنون الشعرية الشعبية وانتشرت في البلاد العربية، وجدناها تحذو حذو وأحد من هذه الأصناف الثلاثة، فأما الصنف الرباعي العراقي ومنه:
العَتَابة والإبوذية والمربَّع وما إلى ذلك، وأما الصنف الأندلسي الملون، ومنه الزجل الحالي في بلاد الشام ومصر والمغرب، والحميني اليماني القديم، والبدوي الذي يحاول الاقتراب من شكل القصيدة وإنْ كان الغالب عليه أنْ يكون للأشطر الأولى قافية وللأشطر الثانية قافية.
ورغم إهمال الكتاب والنقاد للآداب العامية وعدم الإلتفات إلى تدوينها والعناية بها على وجه مشابه لما فعلوه مع الفصيح إلا أنَّ جملة من المؤرخين تصدوا إلى جمع ما نالته أيديهم ووصل
إلى أسماعهم من الأشعار العامية وربما أعجبوا بها وكتبوا بها أيضا كما فعل صفي الدين الحلي الذي يعتبر كتابه (العاطـل الحالي) أكبر هذه المحاولات، إلا أنَّ صفي الدين الحلي لا يقدم مادة وفيرة في هذا المجال، وقد اهتم في كتابه المذكور وخاصة في قسم الزجل منه بتتبع الناحية اللغوية وما يلتزم من شروط العامية ومدى تطبيق الزجالين لهذه الشروط التي افترض أنهم
الزموا أنفسهم بها. أمَّا ابن حجة الحموي مؤلف كتاب (بلوغ الأمل في فن الزجل) فلا يضيف شيئا فيما يتصل بشأن هذا الفن وتاريخه في عصوره الأولى وإنَّما يعتمد على ما قاله صفي الدين الحلي قبله الاعتماد كله. ويتتبع أخطاء الزجالين اللغوية وعيوبِهم التي سبق أنْ عالجها صفي الدين الحلي بما لا يقدم جديدا.
وابن حجة وإنْ كان أشار إلى بعض معاصريه من الزجالين او
مِمَّن سبقَهُم بقليل فساق لنا بعض أزجالهم، إلا انه في اختيار هذه الأزجال كان خاضعا للذوق العام الذي سيطر على النظم المعرب من لزوم ما لا يلزم وتورية وجناس وتوليد لحيل لفظية فيما يقرأ. وليس من شك أنَّ عددا من أئمة الزجل في تلك العصور وهم مثقفون ينظمون أيضا بالفصحى كانوا يَرَوْنَ أنَّ آية الإبداع إنما هي في التلاعب اللفظي والمعنوي. على حين أنَّ عددا آخر كان بغير شك يجنح إلى البساطة ويؤثر السهولة والانطلاق).
لكن ذوق ابن حجة وقف به عند الفريق الأول ولم يُعْنَ بالثاني فحرمنا من ثمار شهية كانت اقرب للتعبير عن روح الجماعة ومشاعر الجماهير البسيطة، كما يقول الشيخ جلال الحنفي في تقديمه لكتاب (مباحث في الأدب الشعبي).
وفي العصر الحديث نجد عددا من المؤلفات بهذه الفنون العامية ولكنها لم تركز على الجوانب النقدية إلا بشكل عابر ولا ترينا نقاط القوة والضعف لدى شعراء هذا النوع من الأدب. فكثير
منها يُعْنَى أولا وأخيرا بجمع تلك الآثار محاولا نسبتها إلى قائليها. ومن ذلك ما قام به الأستاذ الفاضل علي الخاقاني الذي أصدر أعداد من (مجلة الأدب الشعبي) ضمت بين دفتيها آلافا من الإبوذية والدارمي والموال والميمر والقصائد لشعراء معروفين. ووثقت بذلك الكثير من الإنتاج الأدبي ونسَبَتهُ إلى قائليه مع شروح لبعض الشعراء وتعليقات على القصائد وذكر أوزانها او البحور التي تنظم عليها. وكذلك فعل الأب انستاس الكرملي في كتابه (مجموعة من الأغاني العامية العراقية) في جزأين جمع فيه العديد من أنواع الشعر الشعبي الذي حققه وشرحه وضبط ألفاظه الأستاذ عامر رشيد السامرائي. والأستاذ خليل رشيد الذي ألف كتاب (الأدب الشعبي) وتطرق فيه إلى علم اللغة ونشأتها وبروز اللهجة العامية ودافع ببسالة عن الشعر الشعبي واستعرض بلاغة الشعراء الشعبيين وفضل الكثير من أبياتهم على نظرائهم من شعراء الفصيح.
أمَّا الأستاذ عامر رشيد السامرائي الذي مر ذكره فقد جمع عددا كبيرا من الإبوذيات والمواليات في كتابه (مباحث في الأدب الشعبي) واستشهد بها على البلاغة في الشعر الشعبي وكيف يجب أنْ تكون عليه وركز على فكرة الشاعر وبعد مراميه وما يضع من صور بلاغية في أبياته التي بدونها لا يعتبر شاعرا شعبيا وإنْ كَتَبَ بلهجة عامية. وقام بشرح المفردات واعتنى عناية خاصة بمعانيها وبيان الجناسات المختلفة لأبيات الإبوذية والموال. واهتم كثيرا ببناء المفردات التي تستخدم في الشعر الشعبي باعتبارها وحدة بناء البيت واعتبر الكلمات السوقية من ناحية ورداءة الأسلوب وبعده عن التعمق في التفكير والبناء المتين للجملة والكلمة في داخلها خللا يخرج الشاعر وإنتاجه من ساحة الشعر الشعبي إلى الشعر العامي.
وقد أصدرت وزارة الثقافة والفنون العراقية سلسلة من الكتب التي تعنى بالفنون الشعرية غير المعربة ضمن (السلسة الفلكلورية) كان من بينها كتاب (العتابة والحُماق) بقلم الدكتور رضا محسن القرشي الذي تناول بالبحث والتدقيق تاريخ نشوء الشعر الشعبي خصوصا هذين الفنين وأدرج أبياتا كثيرة تنسب للشاعر عبد الله الفاضل وأخرى لغيره من الشعراء وأبياتا لم يسمِ قائليها. وتطرق إلى وزن العتابة والقصة فيها وحكايات شعبية عنها وفي نهاية بحثه ذكر نصوصا منها وشرحها وعلق عليها قبل أنْ ينتقل إلى فن الحماق.
كما قامت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بإصدار كتاب بعنوان (أنماط تراثية شعبية فلكلورية) وهي مجموعة دراسات نقدية وتعليقات في التراث والفلكلور والغزل في الشعر
الشعبي تطرق فيها المؤلف جاسم محمد شواي إلى الغزل في الفصيح والموشح في القرن السادس الهجري في العراق . وناقش القصيدة الحديثة والعمودية في اللهجة العامية والمجاراة في الموال والميمر والدارمي وغيرها من الفنون وجمع الكثير من الأبيات والقصائد وتحدث عن بعض
الكتب التي ناقشت الأوزان الشعبية.
كما قدم الأستاذ ماجد شبر دراسة لكيفية قراءة الشعر الشعبي موضحا الفروق بين الفصحى واللهجة العامية وتطرق إلى أنواع الشعر الشعبي المعروفة جميعها إضافة إلى فنون أقل انتشارا او في الحقيقة أصبحت طي النسيان كالقوما والريحاني والكان وكان التي لا ينظم عليها أحد الآن. وجمع نماذجا لكل فن منها مع شرح للمفردات العامية وأنهى كتابه بقصائد مختارة مشهورة من الشعر الشعبي العراقي.
وفي (كتاب الفلكلور في بغداد) الصادر عام 1963 تحدث الدكتور أكرم فاضل مدير الفنون والثقافة سابقا عن الفنون الشعبية وتاريخ الفلكلور وعناصره وعرَّج على الأمثال وأفرد فصلا للشعر البغدادي نشر فيه جملة من الزهيري والعتابة وبعض المقاطع القصيرة لشعراء شعبيين.
ومن الكتب المهمة التي تعتبر بحق إضافة نوعية للشعر الشعبي العراقي كتاب (العروض في الشعر الشعبي العراقي) لمؤلفه الأستاذ والشاعر ربيع الشمري الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها وفصلها بأسلوب تعليمي رائع وبالأمثلة الموثقة بأسماء الشعراء فكانت إضافته هذه شعلة في سماء الشعر الشعبي أنارت الطريق لمن يحاول استقصاء العروض في هذا الفن الرائع.
كما أضاف احمد الهاشمي صاحب كتاب (ميزان الذهب) الذي يشرح فيه البحور والأوزان الفصيحة في نهاية كتابه مقالة عن الفنون الشعرية غير المعربة وافرد فصلا لفنون الشعر
الجارية على السنة العامة تحدث فيها عن أوزان الزجل والمواليا والكان وكان والقوما.
أمَّا الأستاذ البناء مجيد لطيف القيسي فقد جمع أوزان الشعر الشعبي العراقي في كتابه (أوزان الشعر الشعبي) وقال إنها ثمانية وثلاثون نوعا ثم قام بنظمها في رباعيات شعبية وجعل كل واحدة منها بوزن خاص واستثنى الموال لأنه سباعي كما يذكر. ويقول لم أقرأ او أسمع بأحد قد سبقني في نظم رباعيات الشعر الشعبي بأوزانه. وقد جمع من منوعات الشعبي الشيء الكثير ليسوقها أمثلة على الأوزان التي يذكرها.
وقدم الأستاذ علي الفتال دراسة بعنوان (عبود الكرخي رائد الشعر العامي)، دراسة ونصوص تحدث بها عن أهمية اللغة العامية وأهمية الأدب العامي وعلاقته بالمجتمع ليقول: (وهكذا ولد الشعر العامي ليقف بين الشعر الفصيح والشعر الريفي (الحسچه) كظاهرة تتطلبها الحياة الجديدة في المدينة لأنَّ أكثر جمهور المدينة مثلما هو بعيد عن لغة الشعر الفصيح فهو بعيد كذلك عن لغة شعر الريف او الحسچه). ويَعْتَبِر الشعر العامي ممثلا بالكرخي هو القاسم المشترك بين هذين اللونين من الشعر الفصيح والريفي، بل محصلة طبيعية لهما بفعل الوتائر لمتسارعة لتطور الإنسان فكريا وتقنيا.
ثم يعرج على قصائد الكرخي ليقدم منها أمثلة كثيرة ويشرح مفرداتها ويتطرق إلى حياته الاجتماعية والسياسية أيضا، ويعرض أمثلة من شعره يبين فيها صلابة الشاعر وتصديه للظواهر الاجتماعية والدعوة إلى وحدة الصف وغير ذلك.
كما أصدر الشاعر كاظم السلامي عددا من الكتب تتناول مواضيع عديدة من الشعر الشعبي العراقي منها الدارمي بين الفراتين وروائع الدارمي ولقاء القمم والجناس والدارمي سفير لمحبين إضافة إلى (صور بلاغية في الشعر الشعبي العراقي) التي تضمنت أبيات إبوذية نظمها الشاعر نفسه بعضها مولد من أبيات فصيحة وقام بالتعليق عليها مبينا معانيها وشارحا جناساتها.
كما أنَّ الكاتب منصور الحلو قدم كتابا تحت عنوان (صور عراقية ملونة) وهو دراسة في الشعر الشعبي العراقي جمع فيه جملة من أبيات الموال والدارمي وقام بشرحها والتعليق عليها واهتم بتوضيح معاني كلماتها.
وتحدث عبد المولى الطريحي عن حياة (فدعة الشاعرة او خنساء خزاعة) كما أطلق عليها في كتاب أسماه باسمها ووسمه بدراسة تحليلية قصصية عن حياة الشاعرة العربية الخالدة التي طبقت شهرتها الأفاق مع مجموعة من شعرها الحماسي البليغ الرائع.
ولدار البيان مساهمات في رفد الأدب الشعبي العراقي من ذلك كتاب (منتخبات الإبوذية الكبرى في الغزل والنسيب) الذي شارك فيه جميع كبار الشعراء الشعبيين في العراق خلال ثلاثة قرون كما يقول مؤلفه الذي جمعه وقدمه السيد علي الخاقاني. وكذلك كتاب (الإبوذيات العراقية في الغزل والنسيب) الذي أصدرته دار البيان وضم بين دفتيه مجموعة من الإبوذيات لشعراء معروفين وآخرين مجهولين كثير منها في مجاراة أبيات القريض او مولدة منها.
وأصدر الشاعر والباحث السيد علي الخاقاني أيضا كتاب (شاعرات في ثورة العشرين) ومعه الهوسات في ثورة
العشرين تطرق فيه إلى أكثر الهوسات والنعي وأنواع الشعر على لسان نساء العراق وهن يشاركن الرجال في الدفاع عن حياض الوطن ويشددن على أيديهم بما تصدح به حناجرهن
فتزيدهم عزما وإصرارا على القتال والاستشهاد في سوح الجهاد في أعظم ثورة شهدها الشرق الأوسط بل العالم الثالث كله على سلطات الاحتلال. وبين فيه بلاغة النساء وأنهن لَسْن بأقل شأواً من الرجال في البلاغة لا بل يفقن الكثير منهم في هذا المجال.
وقد أغنى الأستاذ السيد علي الخاقاني المكتبة العراقية بمؤلفاته الرائعة وجهده الكبير وعلى مدى سنين طويلة بما لذ وطاب مما استطاع جمعه من أفواه الحفّاظ والشعراء الذي لولا جهده وجهد من سعى سعيه لضاع الكثير من تراثنا الأدبي الشعبي. إضافة إلى ما نشرته دار البيان من دواوين لشعراء شعبيين كبار كديوان الفتلاوي وديوان الحاج زاير وفدعة الشاعرة للشاعر والباحث الحاج عبد الحسن المفوعر السوداني ودراسات عديدة عن الشعر الشعبي.
وساهمت (مجلة التراث الشعبي) الشهرية التي تعنى بشؤون الثقافة والفلكلور بنشر العديد من المواضيع المتصلة بالشعر والأدب الشعبي العراقي بأقلام أساتذة مرموقين في الكثير من
أعدادها. وأصدرت مطبعة أهل البيت في كربلاء المقدسة ديوان الشاعر الشعبي الكبير حسين الكربلائي باسم (ديوان حسين الكربلائي نابغة الأدب الشعبي العراقي) وهو كتاب بأجزاء
يتضمن شرحا لحياته وشعره. وأصدر الشاعر حسن جار مسعود الجبوري كتاب (أزهار المسعودي) جمع فيه الكثير من أبيات الزهيري مع عدد من القصص الشعبية المعززة بتلك
الأبيات في الكثير من شؤون الحياة اليومية وشرح الكثير منها مع بيان معاني كلماتها وجناساتها.
كما صدر أخيرا كتاب (شذرات من الشعر الشعبي في سوق الشيوخ) جمعه وقدم له فرقد الحسيني ثبت فيه أكثر من مائة من شعراء سوق الشيوخ المعاصرين ونماذج من أشعارهم وإبوذياتهم مع رواية أكثر من خمسين قصة شعبية مرفقة بأبيات قيلت فيها.
كان هذا استعراضا لما تمكنت من الإطلاع عليه فيما ألّف في الشعر الشعبي العراقي ولابد أنَّ القراء الأفاضل يعرفون وكذلك السادة المؤلفون مصادر أخرى لم يتم التطرق إليها لأنَّ
الموضوع لا يتسع لأكثر من ذلك.
****************
بقلم د.هاشم الفريجي
من كتاب نقد الشعر الشعبي العراقي
(الابوذية اولا) للكاتب نفسه
يجوز النقل والاقتباس بشرط
الاشارة الى الكاتب والمصدر
يتبع ...
ايمان حسيني
28-01-2010, 09:56 PM
سلام عليكم
اعتذر بشده اخي الفاضل عن تكرار طلبي لكن ثق انني لم استطع ان اكمل اكثر من مقدمة موضوكم بسبب صغر الخط رغم اني لااعاني من ضعف البصر لكن اجد صعوبه بقراءة الخط الدقيق لوتكرمتم بتكبيره درجه واحد (انسب خط هوcomic sans ms حجم 6 )وان شاءالله اعود للتكمله
زكي الياسري
29-01-2010, 02:10 PM
نحن برســـــم الخدمه كبرنا الخط:)
وهنا تتمهة المواضيع القيِّمه
----
التقطيع العروضي ( الاسباب والاوتاد والفواصل)
الأسباب والأوتاد والفواصل (*)
يسأل الكثير من الاخوة الشعراء وغيرهم مثل الاخ الفاضل (ابو رضا السعيدي المشرف في المنتديات) عن عملية تقطيع الشعر وما هي تلك المسطلحات الكثيرة التي يوردها بعض الاخوة الاعزاء هنا وهناك اثناء تبادل الاراء حول وزن معيين.
وبهذه المناسبة بودي ان اوضح بعضا من ذلك في هذا المقال، عسى الله ان يتيح لنا فرصة اخرى للقاء والحديث حول الموضوع ثانية.
في هذه المقالة سنبدا من اساسيات التقطيع قبل الخوض في امور اخرى مثل العروض والضرب والعلل وغيرها...
فنقول بعد الاتكال على الله:
يعتمد تقطيع المفردات في البيت على عدد الحروف التي تلفظ والحركات التي عليها. وابتداء فان البيت يكتب كما يلفظ من اجل الوصول الى تقطيعه لى مقاطع صغيرة مكونة من حرفين او ثلاثة احرف و اكثر اعتمادا على فواصل نطق المفردات او مقاطع الكلام.
وتتكون المفردات من حروف وهذه الحروف اما ساكنة او متحركة. والعرب لا تبدأ بساكن ولا تقف على متحرك. وتختلف الكلمات في تقطيعها استنادا الى عدد حروفها من جهة والى حركات تلك الحروف من جهة اخرى.
لقد وجد الخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّ ألفاظ العرب بحسب عدد حروف الكلمات وحركاتها لا تخرج عن ثلاثة أنواع: وهي الأسباب والأوتاد والفواصل.
1- الأسباب: وهي كل كلمة مكونة من حرفين, فإذا كان الأول متحركا والثاني ساكنا سمي سببا خفيفا مثل: هَل و لَم و عَن و مَنْ. أمَّا إذا كان ثانيه متحركا أيضا فيسمى سببا ثقيلا مثل: لِمَ و بِمَ و ارَ.
2- الأوتاد: وهي ما كان مكونا من ثلاثة أحرف، فإذا كان أوسطها متحركا سمي وتدا مجموعا مثل: عَلَى و وَلَد و قَلَم. وإذا كان الثاني ساكنا سمي وتدا مفروقا مثل: عِلْمُ و شِعْرُ.
3- الفواصل: وهي كل كلمة مكونة من أربعة أحرف فما فوق، فإذا كانت الثلاثة الأولى متحركة والرابع ساكنا سميت فاصلة قصيرة مثل: كَتَبَت وعَلِمُوْا. وإذا كانت مكونة من أربعة حروف متحركة او أكثر وآخرها ساكن سميت فاصلة طويلة مثل: عَلَمُنَا و صُحُفُنَا.
وهذا لا يعني ان كل كلمة يجب ان تكون احدى هذه الانواع الثلاث، اذ يمكن ان تتكون من عدد منها او من نوع واحد كما رأينا في امثلتنا السابقة. فكلمة (محمَّدُ) المشددة الميم مكونة من مُحَمْ مَدُ أي من وتد مجموع وسبب ثقيل. بينما (مُحَمَّدٌ) المشددة والمنونة مكونة من مُحَمْ مَدُنْ ولاحظ ان التنوين يكتب حرف نون ساكن دائما في تقطيع المفردات، وبذلك فهي مكونة من وتدين مجموعين. واما صادقْ فهي من سببين خفيفين اذا جاءت ساكنة ومن سبب خفيف وسبب ثقيل اذا جاءت متحركة ومن سبب خفيف ووتد مجموع اذا جاءت منونة (صادقٌ)=(صَاْ دِقُنْ). وقد يتعدى التقطيع المفردة الى التي تليها وفقا للوزن مثل: جاء الرجلُ فتكتب (جَاْ ءَرْ رَجُلُوْ) لان الالف واللام لا تلفظ مع الحروف الشمسية. وعندها يكون حرف الراء مشددا، كما ان الضمة تحسب حرف واو اذا جاءت في نهاية الشطر، وربما حتى في الحشو (وتسمى عندها اشباعا للحركة) شأنها شان الفتحة التي تكتب الفا والكسرة التي تكتب ياء. وبذلك تكون (جاء الرجلُ) مكونة من سببين خفيفين وفاصلة قصيرة.
وفي التقطيع عادة ما تنتهي المقاطع بحروف ساكنة، وتتجمع هذه المقاطع فيحاول العروضي تطبيقها على التفعيلات الاصلية او المحورة منها تبعا لما يراه مناسبا منها ووفقا لذاكرته وممارسته لفن التقطيع وهو ليس سهلا ولكنه ليس محصورا على فئة معينة بل يمكن تعلمه بالممارسة والاصرار على التعلم. مع العلم ان الكلمات في التقطيع تكتب كما تلفظ.
ولتوضيح هذه العملية اضرب لك مثالا:
لنفرض اننى وجدت هذا البيت:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم
فان تقطيع الشطر الاول سيكون وتحته التفعيلات الناسبة:
هاْ ذلْ لَذِيْ ** تَعْ رفُلْ ** بَطْ حَاْ ءُ وَطْ ** ءَتَهُوْ
مسْ تفْ عِلُنْ ** فا عِلُنْ ** مسْ تفْ عِلُنْ ** فَعِلُنْ
وهو ما يطابق بحر البسيط.
واعرف ان الكثير لا بد ان يسأل هذا السؤال: ولماذا لم تقطعها بشكل آخر مثلا:
هاْ ذلْ لَذِيْ ** تَعْ رفُلْ بَطْ ** حَاْ ءُ وَطْ ** ءَ تَهُوْ
او
هاْ ذلْ ** لَذِيْ تَعْ ** رفُلْ بَطْ ** حَاْ ءُ وَطْ ** ءَتَهُوْ
فاقول ان الموضوع بحاجة الى دراسة وممارسة كثيرة للوصول الى التقطيع المضبوط.
أمَّا في اللهجة العامية فقد وجدت من خلال ملاحظتي ان الأسباب الخفيفة مشابهة للفصيح مثل: بَس وهَمْ, وأما الثقيلة فمعظمها مأخوذة من كلمات أصلها ثلاثي آخره حرف علة مثل: هَلَ، عَلَ، اجَ، مِشَ، وحرف العلة محذوف للتخفيف. وذلك لأنَّ نهايات الكلمات في العامية كلها ساكنة لا تظهر عليها علامات الإعراب، بعكس ما يحدث في الفصيح. فإذا كانت حروف علة حُذِفَت من اصل الكلمات وظهرت الفتحة عِوَضَا عنها على الحرف الذي يسبقها.
وبذلك تكون الأوتاد المجموعة المنتهية بحرف الألف اصل معظم الأسباب الثقيلة في العامية. وفي الحقيقة إنَّ الأسباب الثقيلة في الفصحى هي أيضا مكونة في معظمها من ثلاثة حروف او أكثر حذف بعض منها فبقي السبب الثقيل. فالسبب لِمَ هو لما او لماذا، وبِمَ هو بما او بماذا، وارَ هو الفعل أرى المجزوم وعلامة جزمه حذف حرف العلة وهو الألف المقصورة. أمَّا الأوتاد المفروقة فكلها تحتوي على حرف علة ساكن في وسطها ودائما ما يكون حرفها الثالث ساكنا أيضا مثل:
شُوْفْ، خُوْشْ، صَامْ، نَامْ، لِيْشْ، بِيْشْ.
وأما الأوتاد الموصولة فجميع حروفها الأخيرة ساكنة أيضا مثل:
هَلِيْ، عَلَيْ، شَمِسْ، نَجِمْ، مِشَوْ، وِلَكْ، زلِفْ.
ويقل وجود الفواصل القصيرة والطويلة في العامية بشكل ملحوظ إذ تتحول القصيرة منها في الفصيح إلى سببين خفيفين في العامي مثل:
هَلَـكُوْا تلفظ: هِلْ كَوْ. وَجَـبَت تلفظ: وِجْ بَتْ.
سَمَـكَة تلفظ: سِمْ چَه. وبَصَلَة تلفظ: بُصْ لَه.
وتتحول الفواصل الطويلة في الفصيح إلى أوتاد مجموعة وأسباب خفيفة في العامي، ففي الفصيح نقول:
قَتَلَهُم تلفظ: كِتَلْ هُمْ. مَلِكُنا تلفظ: مَلِكْ نَا
إلا إذا كانت الكلمات العامية أصلها فصيح وتلفظ مثلما هي في الفصيح مثل قول عريان:
گَلْبِي عَلَى وَطَنِيْ
فكلمة وطني هي فاصلة قصيرة فيها ثلاثة حروف متحركة والياء ساكن.
ومن الملاحظات المهمة في اللهجة العراقية:
1- إنَّ معظم الأوتاد هي من النوع الأول أي المجموع.
2-إنَّ الأوتاد المفروقة هي فقط تلك التي تحتوي حرف علة في وسطها أي الحرف الثاني منها حيث يأخذ الحرف الأول حركة حرف العلة وعادة يكون حرفها الثالث ساكنا. إلا إذا تساوى لفظها مع الفصيح.
3 – إنَّ جميع الأوتاد تنتهي بحرف ساكن. وبذلك يلتقي ساكنان في نهاية الوتد المفروق. وهذا من الاختلافات بين اللغة الفصحى واللهجة العامية، حيث لا يلتقي في الفصحى ساكنان في كلمة واحدة ولا في وسط الجملة. فإذا حدث أنْ التقى الساكنان يكسر أولهما لالتقاء الساكنين. فنقول: وَصَلَتِ الْفِكْرَةُ : بكسر تاء التأنيث الساكنة لالتقائها بحرف اللام الساكن في كلمة الفكرة، وذلك لأنَّ همزة الألف هي همزة وصل لا تلفظ، فنقولها هكذا.. (وَصَلَتِلْ فِكْرَةُ) علما إنها في الأصل: وَصَلَتْ الْفِكْرَة.
أمَّا في الشعبي كقول الشاعر:
تَعَاْلْ إوْ شُوْفْ دَگَّاْتْ الْهَچَعْ بِيْنَاْ
گَشَّعْ بَيْتنَاْ إوْ طَيَّرْ بُوارِيْنَا
نرى أنَّ كلمات تَعاْلْ و شُوْفْ و دگاْتْ (بحرفين ساكنين) في صدر البيت. ولكن يمكن أنْ ينتهي بيت الشعر بساكنين في الفصيح:
طَافَ بِإبْرِيْقِ طَلاً حِيْنَ صَاْحْ
حَيَّ عَلَى الأقدَاحِ دِيْكُ الصباْحْ
وفي الشعبي أيضا:
يَنَاهِيْ الشُّوْگْ ذِمَّهْ اوْ ذَاْتْ مِنْ ذَاتْ
إوْ فَرِقْ مَا بَيْنْ حَالِيْ اوْ حَالَكْ ابْعِيْدْ
وقد تحدثنا عن ذلك في وزن الإبوذية وكيف تتغير تفعيلاته بسبب هذه الأوتاد المفروقة الساكنة. وقد اقترحت تحريك الثاني منها للتغلب على صعوبة تطبيقها على التفعيلات المعروفة.
4- في العامية لا تظهر الحركات في نهاية الكلمات وتُسَكَّن بدلا من ذلك، إلا نادرا وفي الشعر فقط، حيث يعمد بعض الشعراء إلى تنوين بعض المفردات وعندها تكتب بشكل حرف نون في نهاية الكلمة. بينما لابد من وجود الحركات على الكلمات الفصيحة التي تعتبر حرفا تاما إذا جاءت في آخر الشطر. وبسبب ذلك اختلفت تقاطيع البحور الفصيحة وتفعيلاتها عن العامية اختلافا بينا، بحيث أننا عندما نقول: إنَّ بيت الإبوذية على وزن الوافر ففي حقيقة الأمر لا ينطبق ذلك عليه تماما بسبب التقاء الساكنين في وسط الشطر بشكل مكرر في العامية كما أسلفنا.
والشعراء الشعبيون لا علم لهم بذلك، تماما كما لم يكن يعلم بها غيرهم من نوابغ العرب في جاهليتهم، ولم يسمعوا بها قبل الفراهيدي. فجميع الشعراء تجمعهم السليقة والموهبة فيعرفون أنَّ ذلك يلائم الوزن وهذا لا يلائمه. لكن المشكلة الحقيقية هي في المعنى، إذ لم يكن العربي الفصيح يجهل مفرداته أبدا بل يجيء بها صحيحة وفصيحة، حتى أنَّ كتب اللغة في النحو والصرف لا تعتمد إلا على أمثلة مأخوذة من شعراء الجاهلية وبعض من الإسلاميين في ضبط قواعد اللغة والإعراب إضافة إلى القرآن الكريم.
فهل التزم شعراء العامية بأصول لهجتهم وقواعدها مثلما فعل الفصحاء؟.
يبدو من بحثنا وأمثلتنا المتنوعة أنَّ بعضا منهم لم يلتزموا بذلك كما رأينا في الأمثلة السابقة وكما سنرى في الأمثلة القادمة ظنا منهم انه يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من عوام الناس في صياغة المفردة العامية او تجاوز قواعدها. ويبدو ذلك أكثر وضوحا حين يحاول الشاعر مجاراة الفصيح واستعمال الكلمات الفصيحة في الجناس.
* من كتاب (نقد الشعر الشعبي العراقي الابوذية اولا ) بتصرف
لكاتب المقال
د.هاشم الفريجي
زكي الياسري
29-01-2010, 02:16 PM
هـــل ان الابوذيــــة مـــن بحــــر الوافـــــر؟*
بالعودة إلى العروض وكيف تمكن الفراهيدي بذكائه واستقرائه لأشعار العرب أنْ يخرج علينا بهذا العلم
الذي وضعه الله تعالى على يده، بعد أنْ درس جملة كبيرة مما وصل إليه من القريض واستطاع أنْ يضع كل مجموعة
تحت بحر معين, يمكن ان نرى كيف استطاع ايجاد البحر المناسب لبيت معين
رغم كثرة الابيات واختلاف اوزانها ضمن بحر واحد.
ولذلك نجد أنَّ بحر البسيط مثلا يضم عددا كبيرا من أوزان الشعر الفصيح
اعتمادا على التغيير الذي يلحق بتفعيلات البحر (مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاْعِلُنْ) من زحاف وعلل
يمكن أنْ يغير شكلها بناءا على ذلك.
ولهذا البحر ثلاثة أعاريض وستة ضرب، كما يأتي مشطورا ومجزؤا ومخلَّعا
وبذلك يمكن أنْ تجد المئات من الأبيات المختلفة الوزن فيه.
وعليه يمكننا ولو بشكل ( اولي) ان نناقش موضوع البحر الذي تنظم عليه الابوذية
وهل هو الوافر ام الهزج.
علما ان كثيرا من المهتمين بالادب الشعبي ينسبها الى الوافر مثل الاستاذ علي الخاقاني والاستاذ ربيع الشمري.
أمَّا الوافر الذي تنسب إليه الإبوذية فإنَّه مكون من ثلاثة تفعيلات متشابهة في الشطر الواحد
هي في الأصل كلها (مُفَاعَلَتُنْ) فيكون البحر كله هكذا:
مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ*** مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ
لكن أيا من شعراء العرب لم ينظم على هذا البحر بتمامه،
بل تدخل على تفعيلته الأخيرة علّة (القطف) فتقطع السبب الخفيف في آخرها- تُنْ- فيصبح شكلهُ:
مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلُ *** مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلُ
ثم تُسكّن اللام الأخيرة في كل شطر (بالعَصْبِ) فتصبح
مُفَاعِل وتنقل إلى فَعُوْلُنْ لأنها على نفس وزنها فيصبح
شكل البيت هكذا:
*
مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلَتُن فَعوْلُن *** مُفَاعَلَتُن مُفَاعَلَتُن فَعوْلُنْ
وكثير من الأبيات نُظمت على هذه التفعيلات، منها للمتنبي:
*
بِغَيْرِكَ رَاعِيَاً عَبَِثَ الذِئَابُ
وَتَملِكُ أَنفُسَ الثَقَلَينِ طُرّاً
وَغَيْرَكَ صَارِمَاً ثَلَمَ الضِرابُ
فَكَيفَ تَحوزُ أَنفُسَها كِلابُ
*
كما يمكن أنْ يدخل (العصب) على أي من تفعيلتيه الباقيتين
في كل شطر فيغيرها إلى مَفَاعِيْلُنْ بحيث يمكن أنْ يأتي
البيت كله أحيانا على شكل:
*
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعوْلُنْ *** مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن فَعوْلُنْ
كما هو الحال في الإبوذية، ومثاله في الفصيح للمتنبي:
*
سَقَاني اللَهُ قَبلَ المَوتِ يَوماً
دَمَ الأَعداءِ مِن جَوفِ الجُروحِ
*
وبين المثالين أبيات تأتي بتفعيلات مختلفة في الشطرين
وكلها على الوافر رغم اختلاف تفعيلاتها.
أمَّا في الإبوذية فمن الصعوبة أنْ يأتي البيت على (أصل الوافر) الذي نظم عليه العرب أبياتهم،
أي ربما لن تجد بيت إبوذية في الشعبي على هذه التفعيلات:
*
مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعوْلُنْ *** مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعوْلُنْ
*
ولا على غيرها مما لا يدخل العَصْب على تفعيلاتها، أي لا يأتي عادة إلا على الشكل الأخير:
*
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعوْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعوْلُنْ
*
وهذا ليس في الإبوذية فحسب، بل في البحور الشعبية الأخرى.
والسبب برأيي هو:
إنَّ اللهجة العامية لا تحتوي على (فاصلة قصيرة) تُشبِه بوزنِها (عَلَتُنْ)
ولا (فاصلة طويلة) على وزن (فَعِلَتُنْ). فلا نقول في العامية:
*
هذا الرجل عَـرَفَـنَـا : بأربعة حركات متوالية
بل نقول: عِـرَفْـنَـا بإسكان الحرف الثالث
ولا نقول في العامية: عَـتَـبَـةُ دارِنَا بأربعة حركات
بل نقول: عَـتْـبَـةْ دارْنَا بإسكان الحرف الثاني والأخير من الأولى، والثالث من الثانية.
*
فنحوّل بذلك (الفاصلة القصيرة) إلى (سببين خفيفين) كما في كلمة (عَتَبَةُ) التي تصبح (عَتْ بَةْ)،
و (الفاصلة الطويلة) إلى (وتد مجموع وسبب خفيف) مثل كلمة (عَرَفَنَا) التي تصبح (عَرَفْ نَا) وهلّم جرا.
إلا إذا كانت الكلمة المستخدمة في البيت فصيحة مثل- وَطَنِيْ- كما جاء في قصيدة لعريان:
*
(گَلْبي عَلَى وَطَنِيْ). ووزنها (مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ).
*
ولو أراد الشاعر أنْ يقول: (كَلْبِي عَلَى وَطْنِيْ)، بسكون الطاء، لما تمكن من ذلك لسبين:
إولاهما أننا لا بديل لدينا عن كلمة (وَطَنِي او بَلَدِيْ) في العاميةِ،
وثانيهما لمَا استقام وزن الشطر الذي هو مشطور البسيط.
والقصيدة من مشطور البسيط (موال). و منها:
*
إنْزِف صَبُر يَا وَطَن
بيَّه لَك مِيَّة جَرِح
كِلْمَا يِهيِِْدِ الألَم
بِجْرُوْحِي اَذِر الْمِلِح
اَفْدِيْك يَا (وَطَنِيْ)
لَو مِيْة مَرّه َانَْذِبِح
*
فصدرا البيتين الأولين هما (مُسْتَفْعِلُنْ فاعلن)، أمَّا صدر الثالث فهو (مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ)،
لأنَّ وزن (يَا وَطَنْ) هو (فاْعِلُن) أمَّا (وَطَنِيْ) فهي على وزن (فَعِلُنْ).
والعروض يجب أنْ تكون كلها بنفس الوزن، ولو قال (افْدِيْك يَا مَوْطِنِيْ) لعاد إلى العروض مع تمام المعنى.
وإدخال الكلمات الفصيحة التي تحوي فواصل قصيرة او طويلة يؤدي أحيانا إلى عدم استقرار الوزن كما لاحظنا.
فإذا كان أصل بحر الوافر بدون التغييرات ملبيا لطبيعة الفصحى ولكنه يقف عاجزا،
او أنَّ اللهجة العامية تقف عاجزة، عن النظم على تفعيلاته فلا أرى بأن أصل وزن الإبوذية هو بحر الوافر.
وهذه (الفواصل) التي لا توجد او يندر وجودها في العامية موجودة في بحور أخرى مثل (الكامل)
الذي لا ينظم عليه في العامية، والرجز الذي ينظم عليه (الميمر) في العامية إذا جاء تاما،
وأوزان (الحَدي والْنَعِيْ) إذا جاء مجزوء، وعلى تفعيلاته الأصلية عادة (مُسْتَفْعِلُنْ) التي لا تحتوي فواصل.
بينما في الفصيح يدخل عليه (الطيُّ) فتنتقل (مُسْتَفْعِلُن إلى مُفْتَعِلُنْ) المكونة من سبب خفيف وفاصلة قصيرة (مُف- تَعِلُنْ)،
وكذلك يدخل عليه (الخَبَلُ) فتنتقل (مُسْتَفْعِلُن إلى فَعِلَتُنْ) وهي فاصلة طويلة.
وهاتان الفاصلتان لا نجدهما في الشعبي الذي ينظم على الرجز تاما كان أم مجزوء.
ومثال الرجز في الفصيح للمتنبي:
مُحَجَّلٍ نَهدٍ كُمَيتٍ زاهِقِ *** لِلفارِسِ الراكِضِ مِنهُ الواثِقِ
شادِخَةً غُرَّتُهُ كَالشارِقِ *** خَوفُ الجَبانِ في فُؤادِ العاشِقِ
*
ففي البيت الأول جاءت التفعيلات كما يلي:
تقطيع الصدر ////// مُحَجْ جَلِنْ \ نَـهْ دِنْ كُمَيْ \ تِـنْ زا هِقِيْ
تفعيلاته ///////////// مَفَـا عِلُنْ \ مُس تَفْ عِلُنْ \ مُسْ تَفْ عِلُنْ
تقطيع العجز ////// شَا دِخَتَنْ \ غُر رَتُهُوْ \ كَش شَا رِقِيْ
تفعيلاته /////////////مُفْ تَعِلُنْ \ مُفْ تَعِلُنْ \ مُسْ تَفْ عِلُنْ
*
وتلاحظ (مُفْتَعِلُنْ) في بداية ووسط عجز البيت الأول.
أمَّا الشعبي من الرجز التام ومثاله للمؤلف:
*
بِهْوَاك يَا مَحْبُوْب أنَا حِيْلِي إنْهِدَم
حَبَّيَتَك إوْ مَا حَصَّلِت غَيْر الْنّدَم
حَسْبَالِي تَوْفِي اوْيَاي وِتْدَاوِي الألَم
كِل تَعْبِي ضَاع اوْيَاك وِبْجَرَّة قَلَم
*
فلن تجد في تفعيلاته فاصلة قصيرة او طويلة وكما في تقطيع البيت الأول
(بعد تحريك ثواني السواكن أينما وجدت):
إذ أنَّ التفعيلات كلها جاءت على (مُسْتَفْعِلُنْ) وهي لا تحتوي على الفواصل المذكورة.
*
بِهْ وَا كَيَاْ \ مَحْ بُو بَنَاْ \ حِي لِنْ هِدَمْ
حَسْ بَا لِتَوْ \ فِو يَا يَوِتْ \ دَا وِلْ ألَمْ
مُسْ تَفْ عِلُنْ \ مُسْ تَف عِلُنْ \ مُسْ تَفْ عِلُنْ
*
أمَّا الميمر فلا تأتي فيه الفاصلة فَعِلَتُنْ. وتأتي تفعيلته الأخيرة مقطوعة (مَفْعُوْلُنْ):
*
مُسْتَفْعِلُنْ \ مُسْتَفْعِلُن \ مَفْعُوْلُن*** مُسْتَفْعِلُنْ \ مُسْتَفْعِلُنْ \ مَفْعُوْلُنْ
كما في البيت التالي:
إبْلِيْس وَيَّ أهْلِ الهَوَى فـَاتِنِّي
وَيَّام سَعْدِي الْلِّي مُضَن فــَاتَنِّي
الرّاد كِل الْمِسْتِوي فَـاتَنِّي
والرّاد كِل الْخَيَر يِحْظَى بالشَّر
وهذا تقطيعه:
الأولـى ******** الثانية******** الثالثة
إبْ لِيْ سِوَيْ**** يَهْ لِلْ هَوَىْ**** فَاْ تَنْ نِيْ
مُسْتَفْعِلُن **** مُسْتَفْعِلُن***** مَفْعُوْلُن
وَيْ يَاْ مِسَعْ **** دِلْ لِيْ مُضَنْ*** فَاْ تَنْ نِيْ
مُسْتَفْعِلُن***** مُسْتَفْعِلُن***** مَفْعُوْلُن
إرْ رَاْ دِكِلْ*** لِلْ مِسْ تِوِيْ ***** فَاْ تَنْ نِيْ
مُسْتَفْعِلُن****** مُسْتَفْعِلُن******* مَفْعُوْلُن
وِرْ رَاْ دِكِلْ*** لِلْ خَيْ رِيِحْ ***** ظَىْ بِشْ شَرْ
مُسْتَفْعِلُن****** مُسْتَفْعِلُن********مَفْعُوْلُن
*
ويوجد في علم العروض بحر آخر ينطبق تماما على الإبوذية من دون تغييرات كالتي رأيناها في الوافر،
إلا وهو بحر الهزج الذي أصل تفعيلاته في العروض يطابق تفعيلات الإبوذية وهو:
*
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ **** مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُنْ
*
ولا يأتي تاما في الفصيح بل (مجزوء) أي بحذف التفعيلة الأخيرة منه في كل شطر:
*
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْمثال ذلك:
فَمَا اَحْبَبْتَ مِن شَيْءٍ
فَإنِّي لَسْتُ اَرْضَاهُ
وَمَا تَكْرَهُ مِن شِيْءٍ
فَإنِّي الدَّهْرَ َاهْوَاهُ
*
إلا أنَّ الزمخشري أورد أبياتا على هذا البحر بتفاعيله التامة وهو:
عَفَا يَاصَاحِ مِن سَلْمَى مَرَاعِيْهَا
فَظَلَّتْ مقْلَتِي تَجْرِي مَآقِيْهَا
لكن شعراء العامية نظموا على هذا البحر التام أجمل قصائدهم وأروعها وهي (التجليبة) المشهورة،
لأنَّ تفاعيل هذا البحر ملائمة تماما لمقاطع الكلمات في العامية التي تقل فيها الفواصل القصيرة والطويلة
والتي لا تظهر في هذا البحر. وأول ما قيل منها:
*
أجَلْبَنَّك يَلِيْلِيِ إثْنَعَش تَجْلِيْبَه ***** تِنَام الْمِسْعِدَه وِتْگُوْل مَدْرِيْبَه
*
وهو مشهور جدا إلا أنَّ خليل رشيد في كتاب (أوزان الشعر العراقي) أورده هكذا:
أجَلْبَنَّك يَلِيْلِي أَلِف تَجْلِيْبَه ***** تِنَام الْمِسْعِدَه وِتْگُوْل مَدْرِيْبَه
(لان البيت الاصلي لا ينطبق تماما على وزن التجليبة)
*
فإذا دخل القطف على تفعيلته الأخيرة كما يدخل على الوافر
انتقل البحر إلى وزن الإبوذية المضبوط:
*
مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن فَعوْلُن *** مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن فَعوْلُنْ
ويدخل عليه زحاف الخرم والإذالة كما في التام منه،
وكثير من أبيات الإبوذية تأتي مذالة كما تحدثنا سابقا أي على وزن:
*
مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعوْلانْ مَفَاعِيْلُنْ مَفَاعِيْلُنْ فَعوْلانْ
مثل هذا البيت الذي سبق ذكره:
دَم هِلَّن بِدَال الدَّمع يِجْفُوْن
عَلَى الْمَاچِنْتَ أظِنْهُم يُوْم يِجْفُـوْن
الْوِدَاع إشْچَان ضَرَهُم لَوَن يِجْفُـوْن
جِفُونِي إوْ كِل عَذُوْلِ إشْتِمَت بِيَّه
*
وأبيات الإبوذية التي يكون عروضُها مذالا كالبيت السابق،
تكون قريبة جدا من بحر الهزج التام (التجليبة).
فهي ليست بحاجة إلا إلى (حرف واحد) ساكن في نهاية التفعيلة الأخيرة لتتحول الإبوذية إلى التجليبة.
فلو أضفنا حرف (الياء) إلى نهاية جناسات البيت السابق لتحول البيت إلى تجليبة:
*
دَم هِلَّن بِدَال الدَّمع يِجْفُوْني **** عَلَى الْمَاچِنْتَ أظِنْهُم يُوْم يِجْفُـوْنى
فتنتقل من وزن الإبوذية (الهزج ذو العروض المقطوفة):
مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن فَعوْلُن *** مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن فَعوْلُنْ
إلى وزن التجليبة وهو بحر الهزج الأصلي التام:
مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن *** مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُن مَفَاعِيْلُنْ
*
وهذا يعزز اشتقاق الإبوذية من بحر الهزج كونه الأقرب والأكثر موافقة للهجة العامية فيها.
فأصبح لدينا مستهل قصيدة تجليبة يمكن أنْ نكمل عليه أبياتا أخرى من نظم المؤلف:
*
دَم هِلَّنْ بِدَال الدَّمع يِجْفُوْني
عَلَى الْمَاچِنْتَ أظِنْهُم يُوْم يِجْفُوْنى
جِفُوْنِي إوْ مَا بَعَد مِنْهُم أمَل لاحْباب
خَلَّوني وَحيْد إوْ مَا إلْيَّه أصْحاب
لُو شِفْت الهَوَى ابْهَبَّه يِحَرْك البَاب
أفِزَّن وافْتِكِرْهُم هُمَّه مَرّوني
جِفُوْنِي إوْ مَا بَعَد مِنْهُم أمَل عوْدَه
خَلُّوْنِي عِرِگ مَات إوْ يِبَس عودَه
كِل يوْم الْيِمُر بَاچر گِلِت عودَه
أزورَنْهُم إذا مَا هُمَّه زَارُوْنِي
*
فإذا أردنا أنْ نحول البيت الأخير إلى الإبوذية فما علينا إلا حذف حرف الهاء من جناساته:
++++++
جِِفُوْني إوْ مَا بَعَد مِنْهُم أمَل عَوْد
خَلُّوْنِي عِرِگ مَات إوْ يِبَس عُوْد
كِل يوْم الْيِمُر بَاچر گِلِت عُوْد
أزورَنْهُم إذا مَا شُوْف جَيَّه
-----------
فأصبح إبوذية بعروض مذالة (فَعُوْلانْ) بعد حذف حرف واحد من القافية.
ومثله للمؤلف أيضا هذه المقطوعة من التجليبة:
بِيْدَه الزَّيْن رُوْحِيْ ابْغَفُلْ سَلاّهَا
وِبْصَدَّهْ إوْ دَلالَه ابْمَرَضْ سَلاّهَا
عَلَيْهَا اسْيُوْف سَاْهِيْ العَيْنْ سَلاّهَا
وِبْحِيْرَهْ إوْ عَذَاب الشُّوْگ خلاها
***
حَبِيْب الرُّوْح يَاعِشَّاْگْ مَرْمَرْهَا
وَنْكَرْهَا وَلا هَوْ ابْيُوْم مَرْمَرْهَا
گَلْبَه انْگَلَبْ قَاسِيْ إوْ مِثِلْ مَرْمَرْهَا
گَبُلْ چَاْنََتْ عِشِرْتِيْ اوْيَاه اشْمَحْلاهَا
______
ويمكن تغييرها إلى إبوذية كما يلي:
بِيْدَه الزَّينْ رُوْحِيْ ابْغَفُلْ سَلهَا
وِبْصَدَّهْ إوْ دَلالَه ابْمَرَضْ سَلهَا
عَلَيْهَا اسْيُوْف سَاْهِيْ العَيْنْ سَلهَا
وِبْحِيْرَهْ إوْ عَذَاب الشُّوْگ هِيَّهْ
حَبِيْب الرُّوْح يَاعِشَّاْگْ مَرْمَرْ
وَنْكَرْهَا وَلا هَوْ ابْيُوْم مَرْمَرْ
گَلْبَه انْگَلَبْ قَاسِيْ إوْ مِثِلْ مَرْمَرْ
گَبُلْ چَاْنََتْ عِشِرْتِيْ اوْيَاه هَنِيَّهْ
\\\\\\
فأصبح إبوذية بعروض (فَعُوْلُنْ) بعد حذف حرفين من القافية.
ولرب قائل يقول لم يأت على أوزان الخليل وزن لبحر الهزج مقطوف التفعيلة الأخيرة
ولم ينظم عليه في الفصيح، فأقول:
إنَّ القطف علة يمكن أنْ تقع على تفعيلات الهزج مثلما تقع على غيره من البحور.
كما أنَّ هذا البحر لم ينظم عليه العرب تاما إلى أنْ نبَّهَ عليه الخليل،
فنظموا كما ذكرنا سابقا، فلا يمنع أنْ ينظم الإبوذية على هذا النحو،
علما أنَّ هناك أوزانا أخرى في الشعر الشعبي لم تأت على أي بحر من بحور الخليل
مثل الدارمي الذي يأتي على:
-----------
مُسْتَفْعِلُن فَعْلان مُسْتَفْعِلاتُن
او مُسْتَفْعِلُن فَعْلان مُسْتَفْعِلاتَانْ
**************
(*) من كتاب نقد الشعر الشعبي العراقي
الابوذية اولا
لكاتبه الاستاذ
د.هاشم نعمة الفريجي
ايمان حسيني
29-01-2010, 03:56 PM
سلمكم الله اخي على موضوعكم
موفق ان شاءالله
غزل السلامي
16-02-2010, 10:31 PM
http://img4.imageshack.us/img4/3696/47616099.gif
vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
Jannat Alhusain Network © 2024